Skip to main content

Full text of "0100 Pdf Z كتاب إمرأة الضابط الفرنسي جون فاولز"

See other formats








3 


A‏ و2 )د 
39 9 ! 


























امرأة 
الضابط 
الفمرنسى 


در حمة: 3 محمد درون 


ھی 
امرأة 
الضابط 
العرنسني 


الإمارات العربية المتحدة - أبو ظبي - هاتف 6314468 2 971 + - فاكس 6314462 2 971+ 
09 كلمهك ص.ب 2380 - الموقع على شبكة الإنترنت: غkalia.a. http://www‏ 


@ لبنان - بيروت - هاتف 786233 - 785108 - 785107 1 961+ - فاكس: 786230 1 961+ 
الدار العربية للعلوم تاشرو يبر ص.ب 13-5574 - الموقع على شبكة الإنترنت: ڼm.1ٍasp.co. http://www‏ 
Arab Scientific Publishers, Inc. u‏ 


الطبعة الأولى 1430ه - 2009م 

ردمك 978-9953-87-617-7 

جميع الحقوق العربية محفوظة 

¢ الدارالعربية للعلوم ناشرون ب عين التينة» شار ع المفتي توفيق خالد» بناية الريم» 

هاتف: 786233 - 785108 - 785107 (961-1+) - ص.ب: 13-5574 شوران - بيروت 1102-2050 - لبنان 
فاكس: 786230 (961-1+) - البريد الإلكتروني: 016مه.مكدهمكة - الموقع على شبكة الإنترنت: 16.ص http://www. a5p.c0‏ 
يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنكليزي The French Lieutenant's Woman‏ 

حقوق الترجمة العربية مرخص بها قانونيًا من الناشر 01255105 4886م1/؟ 

بمقتضى الاتفاق الخطي الموقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون» ش.م.ل. 

Copyright © John Fowles 9 


All rights reserved 
Arabic Copyright © 2008 by Arab Scientific Publishers, Inc. S.A.L 


إن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث 'كلمة" والدار العربية للعلوم غير مسؤولتين عن آراء المؤلف وأفكاره؛ وتعبّر 
الآراء الواردة في هذا الكتاب عن آراء المؤلف» ولا تعبر بالضرورة عن آرائهماء 


يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة تصويرية أو الكترونية أو ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على 
أشرطة أو أقراص مقروءة أو أي وسيلة نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات: واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر 





ترجمة 


د. محمد درويش 


مراجعة وتحرير 
مركز التعريب والبرمجة 


5 


’و دمد 
الدارالعربية للعلوم ناشرون عبر فقسا 


LEALIMA Arab Scientific Publishers, Inc. sa 





مقدمة المترجم 





يبدو البحث عن جون فاولز معقدا كالبحث في متاهة. مثله في ذلك مثل 
بحث الشحخصيات الرئيسية في رواياته. ولا سبيل الى الاهتداء اليه الا بالتفكير 
بالاسلوب الذي بارس به نشاطه الادبي وما ينطوي عليه من ظلال المعان. لقد 
اصبحت اعماله مثار اهتمام النقاد في الفترة الاخيرة لهذا السبب ولسبب اخر هو 
انتعاش تقييم الاسطورة الحديثة والفن في الكتابات المعاصرة على الرغم من بطء 
سير عملية التقييم هذه. تحدر الاشارة الى ان فاولز» شأنه شأن العديد من الكتاب 
البريطانيين» م ينل شهرة حقيقية الا بعد ان حققت اعماله احا على المستويين 
التجاري والنقدي في الولايات المتحدة على حد تعبير الناقد والروائي الانكليزي 
مالكولم برادبري". فالنقاد البريطانيون يقتربون على نحو حذر من مؤلفيهم 
الممتازين» وهذا هو السبب في ان النقد الادبي للرواية البريطانية في فترة ما بعد 
الحرب العالمية الثانية كان دوما نقدا هزيلا لا يراعي حقوق الكتاب ومشاعرهم. 
بيد ان فاولز حظي دوما بقدر معين من الاهتمام وهو اهتمام حير الى حدّ ما لأن 
نخجاحه الشعبي لا يدعم في اغلب الاحوال شهرته الادبية بل يقف على الضد 
منها. 

ظهرت جامع الفراشات اولى روايات فاولز في العام 1963 وكانت تبدو 
رواية علاقات طبقية. وقد اشار فاولز في مقابلة صحفية الى انه قرر لدى كتابته 
هذه الرواية «ان يكتب وفق اشد قواعد الواقعية صرامة» لأن المظهر الخارحي 
للرواية متد الى دانيال ديفو وجين اوستن وجان بول سارتر والبير كامو. وهذه 
مسألة مثيرة للاهتمام لأن نكهة هؤلاء الكتّاب متباينة تماماء كما ان نكهة متباينة 
تظهر من بين ثنايا الكتاب نفسه بقصتيه. غير ان فاولز ذكر «ان المضامين الجنسية 
والنفسية الدرامية للمواقف المتطرفة المعزولة» هي الي اثارته واثارت من متعته. 


Bradbury, Malcolm: No, Not Bloomsbury, London 1987. )*( 


5 


كما ان الرواية» شأنها شأن حمل اعمال فاولز الاحرى» ذات بعد انحطاطي قوي» 
وتعتمد» مثل الكثير من انماط ادب الانحطاط على السير في طريق معقدة وراء رغبة 
غامضة ذات صةة بالجنس عند المرأة وبغرابة الفنْ نفسه. وهي اسوة بالكثير من 
ادب الانخطاط تغير من الاسلوب الاستطرادي او الواقعي في الكتابة لتحيله الى 
اسلوب رمزي وغامض. فالبطلة ميرندا تمثل موضوع رغبة كليغ الغامضة» وهي 
الصورة السابقة لكثير من بطلات فاولز اللاحقات» وتعرف ثورة الفنّ ضد الطبيعة 
بقوها: «عندما ترسم شيئا ما فانه يعيش وعندما تصوره فانه عموت». واذا ما ماتت 
حقاء فإن اللغز المقترن با يظل كما هوء ومن المد انه يتكرر كثيرا في كل ما 
كتبه فاولز لاحقا. 

غير ان حون فاولز رسخ من شهرته كاتبا متوهجاء متألقا بكتابه الثاني 
الساحر الصادر في العام 1966 وهو كتاب طالما اقض مضجعه. وقي العام 1977» 
نشر نسخة منقحة عنه الى حدّ ما لحل بعض اشكالات الخيبة ال مر يما ولتزويدنا 
بنصين عوضا عن نص واحد على غرار النهايتين اللتين وضعهما لرواية امرأة 
الضابط الفرنسي. ولم تحظ الساحر باستقبال طيب على الرغم من ان مستوى 
مشروعها وتطلعاتها الخيالية والعقلية الواضحة كانت غير مألوفة وكان ينبغي لها ان 
تتبوأ مكانة مهمة في اي مناخ ثقافي يتناغم وهذه الاشياء. وقد حاولت هذه الرواية 
الضحمة (617 صفحة) ان تستغور كما يبدو تاريخ الوعي في الغرب ابان القرن 
العشرين» وهو مشروع نادر با فيه الكفايةء تمد بدرجة عالية من المهارة والخيال 
والذكاء. واذا كانت رواية امرأة الضابط الفرنسي تقليدا شكليا للرواية الفكتورية 
وجهداممتازا في تقييم الفارق التاريخي والعقلي بين مثل هذه الرواية والقارئ 
اللحديث - هما في ذلك بناء وعي العالم الذي كان قائما قبل مئة سنة ووعي العام 
الان» ذلك الوعي المتغلغل في تلافيف ابحتمع والذي ينتج نمطا من الوحدة الثقافية 
بين العالم الداحلي والعالم الخارجي - فإن رواية الساحر كانت على ما يبدو 
محاولة لعمل شيء يشبه ذلك للقرن العشرين. ويتطلب فهم هذه الرواية 
مستويات متعددة من الوعي والتصور كما يتطلب ايضا استغوارا اجتماعيا 
وعاطفيا ونفسانيا. لقد كانت مشروعا بالغ الحرأة» وتعد نصا اساسيا في اي 
محاولة لفهم حون فاولز. 


نقرأ بعد ذلك رواية امرأة الضابط الفرنسي الصادرة في العام 1969 فنألف 
اصوات حون فاولز المتعددة. فهو في بعض الاحيان صوت واثق نمام الثقة» ويي 
احيان احرى يلوح في منتهى القلق. وتارة بحده ينتمي الى القرن التاسع عشر انتماء 
تاريخيا رائعاء واستاذا في فن عريق وتارة اخرى ينتمي الى القرن العشرين انتماء 
تاريخيا ايضاء غير انه انتماء قلق» يشعر فاولز فيه بالاسى لموت الرواية والقارئ في 
النص. هذه التمثلات جادة تكتسب صفة التأمل العقلي» غير انه في بعض الاحيان 
يتنكر ويدخل اجواء القصة فتراه يركب القطار او يفرض نظريات القرن العشرين 
على شخصيات القرن التاسع عشر. 

الكتابة في هذه الرواية تبدو وهي تمر بين يدي روائي يهتم اهتماما شديدا 
مشكلات العصر الفكتوري الخاصة بالايعان في مواجهة الشكوك العلمية» 
وبالوقوف «بين عالمين: الاول عالم ميت والثاني لا يقوى على الولادة»» كما يقول 
ماثيو ارنولد. ويهتم كذلك بالاحصائيات الخاصة بالبغاء وتأثير تشارلز دارون 
ومضامين كارل ماركس والعلاقة بين الحاضر الذي هو ماض في الرواية والمستقبل 
الذي هو الحاضر في الرواية» والعلاقة بين موروث الرواية الفكتوري المثير 
للاعجاب والوضع في القرن العشرين الذي يجعل من المستحيل الكتابة في داخحله؛ 
هناك ايضا حون فاولز احرء يتسم بالاعتدال والحد وضبط النفس» حون فاولز 
الاستطرادي» الجامع المانع في الغالب» العارف بكل شيءء» الروائي القادر على سرد 
الاحداث كأنه ينقلها نقلاء متأملا اياها تأملا حصيفا. 

رواية امرأة الضابط الفرنسي يمكن ان تعد رواية ذكية تكشف عن استفادة 
الكاتب الحديث من الموروث الفكتوري» وهذا تصبح رواية ليبرالية معمارها يقوم 
في الاساس على اساليب الواقعية الاخلاقية والتأويل الاحلاقي الذي ينتمي الى 
شكل القرن التاسع عشر. وهذاء فإن الرواية توسع مدى البصيرة الاخلاقية والوعي 
الاحتماعي الذي نحصل عليه من قراءة حورج اليوت على سبيل المثال» ليصبح 
مضافا الى شكل اكثر حداثة في اشكال التصور تساعدنا في ذلك المعرفة التاريخية 
المتزايدة والمشاعر الطيبة الفياضة. انها قصة التحرر من التاريخ» حيث يحل محل 
النفاق والافراط في الاحتشام والجهل والميوعة العاطفية - وكلها من سمات العصر 
الفكتوري - الصدق والمصداقية والاجمان الصحيح والحرية؛ وهي من سمات العصر 

1 


الحديث. فتنطلق البطلة سارة بوصفها امرأة وكائنا اجتماعيا غريبا من سجنها الذي 
يقيدها ويكبح جماحها. ويجوز لنا ان ننظر الى الرواية على انما رواية حديثة تدور 
عن شخصينء بل عن سارة قبل كل شيء» يكتشفان تحررها وانعتاقهما الحديث في 
عالم موشح برداء التجربة الفكتورية ووجهاء المجتمع الفكتوري» وقد نسج هذا 
الرداء مؤلف مثقف واسع الاطلاع يتمتع نموهبة عظيمة في المحاكاة. وفي وسعنا ان 
ننظر اليها على انها «ميتا - نص» من نصوص ما بعد الحداثة او هي رواية يكون 
فيها وعي الطبيعة الخيالية لكل الروايات واضحاء كما تعي الشخصيات انما داحل 
قصة وتحاول البحث عن حريتها منها. 

هذه النقاط مهمة, لأنها تخص قضية العلاقة بين الكاتب البريطان المعاصر 
والموروث» مدى فائدها وقدرته في دبمومة الحقائق الاجتماعية والاخلاق الى نراها 
شاحصة» وكذلك علاقته بالاسلوب الذي بمكن ان تنقل فيه الكتابة الحديثة او 
تطرح للاختبار من مادة الرواية الفكتورية وواقعيتها. 

يوؤكد الناقد مالكو لم برادبري ان رواية امرأة الضابط الفرنسي هي «احد 
افضل الكتب الي ظهرت في بريطانيا منذ الحرب» واعتقد بانها رواية واعية ظهرت 
في وقت مثير للاهتمام كان فيه العديد من الكتّاب البريطانيين يعيدون التفكير في 
علاقتهم موروثهم. وقد قذّمها روائي اتخذ بحثه في الرواية منحى مغايرا على نحو 
درامي مثير للانتباه» روائي يعي وعيا شديدا النسيج النقدي المحيط به على الرغم من انه 
يقاومه باساليب اخرى. وتقف هذه الرواية على التخوم الي اتتجت اكثر التعقيدات في 
الرواية البريطانية الحديثة» التحوم بين رواية القرن التاسع عشر الواقعية والرواية الحديثة. 
وهي اسوة بالكثير من الروايات الحديثة تعزز الحيرة والارتباك باستخدام العناصر اليّ 
الفنا فهمها وشرحها بشكل من اشكال الشعرية. اننا نميل الى تحسس طريقنا عبر 
الكتاب كما نتحسسه خلال عمل واقعي عظيم» رواية من روايات الواقعية 
الليبرالية الي تنبه الى الشخصية والتجربة الاجتماعية والاسلوب الذي يغذي كل 
منهما الاخر. الا اننا نعي ايضا هذه المفارقة الحديثة» وكما هو شأن العديد من 
الروايات الحديئة كروايات ناب وكوف او ماركيز على سبيل المثال» تميل الى مقاربة 
نقاشاتنا النقدية من حول الرواية وهي في اعلى درحات التوتر والشك» فيها النقاط 
الي تستغور الواقعية والخيال» الكتابة الغامضة» التقرير والفنتازيا». 


8 


تحجدر الاشارة الى ان الساحر وامرأة الضابط الفرنسي تجمعهما العديد من 
المظاهر المشتركة. فهما تعتمدان على سرد متقن» على توظيف مهارات الروائي 
الواقعية والملغزة. وتّتم الروايتان بالمسعى نحو تحقيق الذات تحقيقيا وحوديا في عام 
تطغى عليه قوة التاريخ وتعقيداته الاحتماعية وتعيش الشخصيات فيه الى حد كبير 
داحل شروط التاريخ الصارمة. وقي كلتا الروايتين يتم احراج البطلين من عام 
الوعي التقليدي والواقعي الى عالم احر تسيطر عليه الالغاز ويهيمن عليه الغموض؛ 
ولايمكن ع اي من الروايتين يمثابة ابطال شامل للواقعية او النزعة الانسانية 
الادبية. فالواقعية مذهب برع فيه فاولز والانسانية نزعة يؤمن ما كل الابمان. ان 
الروايتين اعادة بناء مضغوط لالغاز الواقعية واستغوار هام للصعوبات والاحتمالات 
ال تواجه الروائي الحديث الذي لا يملك استعدادا للاستغناء عن الخصائص 
الانسانية الى تتميز بها الرواية. 

حون فاولز روائي دقيق» روائي يذكرنا منهج الشك الذي سارت عليه ناتالي 
اروج وعثل قصية مره للاعتمام ی مورزوت رای ران م و ج عدا 
النمط من البحث الفني. الا ان السؤال يظل مطروحا: اهو كاتب بالمعن الحديث؟ 
معن معاصريه التجريبيين؟ لعل هناك احابة عن مثل هذه التساؤلات في مجموعته 
القصصية البرج الابنوسي الصادرة في العام 1974 عندما صور لنا الفنان بريزلي 
الذي يختار التعبير عن ابتكاراته على نحو ماء بكتابته فنا عن الحاضر يتداخل فيه 
الكثير من الماضي: «وراء حداثة الكثير من العناصر الخارجية ثمة ولاء لموروث 
موغل في القدّم». وي وسعنا ان نلاحظ الى اي مدى تلائم هذه العبارة حون فاولز 
نفسه. فقد بحث» شأنه شأن العديد من الروائيين البريطانيين .من فيهم ايريس 
مردوخ الي يبدو منطقيا مقارنته بماء عن سحر معاصر في اسرار فن حديث يضغط 
عليه الستاريخ وفكر القرن العشرين فيما وراء حدود الرواية الفكتورية. وهو لم 
يتنكر هذه العناصر في الفنّ تازيا الى تنتمي الى موروث الواقعية وفكرة الشخصية. 
ففي حين تكون فيه الرواية التقليدية شكلا واقعا في اسر التاريخ» خحاضعة لافكاره 
الخاصة بالمعرفة الشاملة ونسق التطورء فإن فاولز ينشد كسر هذا الاطار» ويسمح 
بادحال فكرة الوعي الحديث والتزامه بالحرية فيه. في حين تعارض الاساليب 
الاستطرادية والتبسيطية في الرواية التقليدية كل ما هو انحطاطي وجنسي وملغزء 


9 


فإن فاولز يفتح الباب على مصراعيه امام تلك المملكة الزائلة. ان رواياته النموذجبة 
تخت صر التمرينات» وتحعله اليوم واحدا من الكتّاب العظام بسبب براعته المتقنة 
ورغبته في ان يرق مواجهة جديدة بين ظروف الوحود الحديث وتياراته من جهة 
وشكل الفنْ من جهة ثانية. 

د. محمد درويش 


10 





تمد عينيها غربا 
فوق البحرء 

سواء كانت الريح عاصفة او لطيفةء 
وقفت دوما 

يحدوها الامل 

هناك فقط 

يستقر بصرهاء 

لا يبدو ثمة سحر 

في اي مكان اخر 


(هاردي - الاحجية). 


الريح الشرقية هي اسوأ الرياح في خليج لام؛ فخليج لاتم هو ذلك الجزء 
الاكبر من الضلع الممتد جنوب غربي انكلترا» وقي وسع شخص محب 
للاستطلاع ان يستتتج على الفور العديد من الاحتمالات القوية بشأن الشخصين 
اللذين شرعا بالسير فير ال حزاءالادن من رصيف لايم ريجيس» تلك المنطقة الصغيرة 
والعريقة في القدم» صباح يوم الاذرع»رعاصف في اواخحر اذار/مارس عام 1867. 

لقد شجع الكوب ما تولده الالفة على مدى السنوات السبعمئة على الاقل ولا 
يرى اهل لام الحقيقيون فيه اكثر من مخلبرطويل من جدار رمادي اللون» قلم» ينشئي 
قبالة البحر. وبما انه يحتد في الواقع بعيدا عن البلدة,الرئيسية» مثل بايريس!!) الصغيرة. 
لاثينا البالغة الصغرء فافهم يبدون تقريبا وقد اولوا ظهورهم لها مؤ كد انه قد كلفهم .ما 
فيها الكفاية لاصلاحه على امتداد القرون كي يبرروا شيئامن النفور منه. الا انه من 
وجهة نظر اكثر قدرة على التشخيص واقل دفعا للضرائب يعد اجمل متراس بحري في 
الساحل الجنوبي لانكلترا. وهو كما تقول كتب السياحة ليس جرد مكان عابق 


)1( بايريس: مدينة يونانية تعد ميناء للعاصمة اثينا. (المترجم) 


11 


بسبعمئة سنة من تاريخ انكلترا او ان السفن ابحرت منه لمواجهة الارماداء او لأن 
الدوق مونغاوث حط فيه [عندما قاد التمرد ضد والده تشارلز الثاني عام 1681]... بل 
لأنه في خاتمة المطاف قطعة رائعة من الفنْ الشعبي. 

بدائي» لكنه معقد» ضخم ولكنه رقيق» يمتلئ بالانحناءات الدقيقة والكتل مثل 
عمل من اعمال هنري مور ومايكل انجلو» حالص نقي» لاذع» نغوذج للكتلة 
الكبيرة. اابالغ؟ راء لكن في الامكان التحقق من كلامي» اذ إن الكوب لم يتغير 
الا قليلا منذ العام الذي اكتب عنه» على الرغم من ان بلدة لام قد تغيرت. كما 
ان احتبار الكلام يفتقر الى الانصاف اذا ما نظرت بعيدا صوب اليابسة. 

على اي حال» لو انك توغلت صوب الشمال وباتحاه اليابسة في عام 1867» 
كما كان يفعل الانسان انذاك» فإن توقعاتك من شأها ان تكون منسجمة. كانت 
ثمة بحموعة من عشرة بيوت او نحو ذلك ومكان صغير تخصص للمراكب - بان 
فيه مركب شراعي مثل فلك قيد الانشاء - وقد جثمت جميعا قي البقعة الي يرتد 
فيها الكوب عائدا صوب اليابسة. على بعد نصف ميل الى الشرق تمتد فوق المروج 
المنحدرة سطوح منازل لام المغطاة بالقرميد. انما مدينة بلغت اوج ايامها في القرون 
الوسطى وبعد ذلك بدا اضمحلاها. في جهة الغرب كان جرف صخري رمادي 
اللون» كتيب المنظرء ينتصب شاهقا فوق الساحل الكثير الحصى وكان معروفا بين 
سكان المنطقة باسم وير كليفز. ووراء ذلك كلهء ثمة جرف صخري اخر يمتد 
داحل اليابسة» تحجبه عن الانظار غابة كثيفة. من هناء فإن الكوب يبدو في 
الاغلب المتراس الاخير - في وحه الساحل الموحش المتآكل الممتد الى جهة الغرب. 
وف هذا الصدد يبمكن التحقق من كلامي ايضا. لا شيء اليوم يشير الى وحود بيت 
كان قائما في ما مضى او الى اكواخ ساحلية بائسة في ذلك الابحاه. 

هكذا فالجاسوس المحلي - وقد كان واحد حقا - رعا استطاع ان يستنتج بأن 
هذين الشخصين غرييبان» هما ذوقهما الخاص» ولا سبيل الى الحيلولة دون 
استمتاعهما بالكوب بسبب ريح عاتية لا غير. من جهة احرى» في وسع هذا 
الجاسوس ان يقرب منظاره اكثر وعندئذ رعا سيتمكن من الارتياب في ان عزلة 
مشتركة كانت تثير اهتمامهما اكثر من النحت البحري ومن المؤكد انه سيلاحظ 
اما شخصان مما ذوق رفيع جدا فيما يخص مظهرهما الخارحي. 


12 


كانت السيدة الشابة ترتدي اشد الثياب اناقة. كانت ثمة ريح احرى تب في 
العام 1867» بداية ثورة ضد الكرنيولين والقبعة الكبيرة. رعا استطاعت العين ان 
تلاحظ من خلال المنظار تنورة حمراء ضاربة الى الارحواني» ضيقة وقصيرة على نحو 
يبعث على الحراة اذ لاح كاحلان ابيضان من تحت المعطف الاحضر الصارخ 
وفوق الحذاء الاسود الذي كان يمشي وئيدا فوق الحجارة» كما كانت تعلو شعر 
الرأس واحدة من القبعات الصغيرة المسطحة غير الملائمة» وقد زينتها في جانبها 
حصةة رقيقة من ريش طائر ابيض - وهو تصميم لقبعات نسائية ما كانت نساء 
لام لتجرؤ على اعتمارها قبل مضي سنة احرى على الاقل. اما الرجل الطويل 
القامة الذي كان يرتدي بدلة ذات لون رمادي فاتح» تخلو من اي عيب» ويضغط 
على اللجزء الاعلى من قبعته بيده الفارغة» فقد قلل كثيرا من حجم شاربه الذي 
كان محكمو افضل الازياء الرحالية الانكليزية قد اعلنوا انه مبتذل قليلا اي مضحك 
للاحني- قبل سنة او سنتين. ومن شأن الوان ثياب السيدة الشابة ان تثير انتباهنا 
اليوم على اها حادة على نحو واضح. الا ان العالم كان يومئذ على وشك اكتشاف 
الاصباغ الاصطناعية. كما ان بغية المرأة من اللون كان التألق لا التحفظ وذلك 
للتعريض عن اشياء كثيرة احرى في سلوكها المتوقع. 

لكن في المكان الذي من شأن الشخص المتطلع بالمنظار نحو البحر ان يكون 
فيه» ثمة شخص اخر فوق ذلك السد الحاجز للامواج» المثير للكابةء الملتوي. كان 
ذلك الشخص يقف عند الجزء اجاور للبحرء وقد انحن كما يبدو فوق ماسورة 
مدفع انتتهى جا الامر لأن تكون عمودا تشد اليه حبال المراكب. كانت ثياب 
الشخص سوداء تثير ح ركتها الريح» لكن الشخص ظل ثابتا لا يتحرك» محدقاء 
محدقا صوب البحر» مثل نصب حي ينظر الى غريق» شخص من الاساطير وليس 
من اي جزء من الحياة التافهة في الاقاليم. 


(2) الكرنيولين: قماش قاس لتبطين الثياب. (المترجم) 


13 





في ذلك العام 1851 كان عدد الاناث في بريطانيا من اللواتي جاوزن السنة 
العاشرة يقدر ب 8,155,000 مليون مقارنة ب 7,600,000 من الذكور. 
وبهذا يصبح واضحا انه اذا كان مقدرا للفتاة الفكتورية ان تغدو زوجة 
واماء فانه لم يكن محتملا وجود عدد كاف من الرجال يفي بالغرض. 

اي. رويستون بايك - وثائق انسانية من العصر الفكتوري الذهبي 


سانشر شراعا من فضة وابحر صوب الشمس» 
سانشر شراعا من فضة وابحر صوب الشمس» 
ولسوف يبكي حبيبي الغادر» ولسوف يبكي حبيبي الغادر 
ولسوف يبكي حبيبي الغادر» من اجلي بعد الرحيل 
اغنية شعبية من الريف الغربي - «بينما كانت سيلفيا تتمشى» 


- ياعزيزق تينا. لقد اعلنا عن ولائنا لنبتون“ وسيغفر لنا اذا ما اوليناه 
ظهورنا الان. 

- لست كثير الشهامة. 

- ماذا يع هذاء رحاء؟ 

- كان ينبغي ان اعتقد بانك كنت ترغب في اطالة فرصة الامساك بذراعي 
باحتشام. 

- يا للرقة الي وصلنا اليها! 

- لسنا في لندن الان. 

- في القطب الشمالي ان لم اكن مخطنا. 

- ارغب في السير حى النهاية. 

وهكذا استدار الرحل وقد بدت عليه نظرة يأس تتسم بالواقعية كأها اخر 
نظرة يلقيها على اليابسة وواصل الاثنان طريقهما على امتداد الكوب. 


(3) نبتون: سيد البحر عند قدماء الرومان. (المترجم) 


14 


- كماارغب في سماع ما دار بينك وبين ابي من حديث يوم الخميس 
الماضي . 

- لقد سبق ان تبينت خالتك بعض التفاصيل مين عن ذلك المساء 
البهيج. 

توقفت الفتاة ونظرت الى عينيه. 

- تشارلز. جوز ان تكون صعبا كما تشاء مع اي شخص اخرء ولكن لا 
ينبغي لك ان تكون صعبا معي. 

- ما رأيك اذا يا عزيزي لو اننا سنرتبط معا برباط الزوجية المقدس؟ 

- وتحتفظ بسخريتك لناديك. 

دفعته بتكلف لمواصلة السير. 

- وصلتئ رسالة. 

- اه. من والدتك؟ 

- اعلم ان شيئا ما قد حدث... عند الميناء. 

واصلا السير بضع حطوات قبل ان يرد. فقد بدا تشارلز لبرهة انه ميال الى ان 
يكون جاداء الا انه غير من رأيه. 

- اعترف بانئ ووالدك النبيل اختلفنا في مسألة فلسفية صغيرة. 

- انت شخص مولع بالاذى. 

- اردت ان اكون نزيها. 

- وماذا كان موضوع حديثكما؟ 

- طرح والدك رأيا بانه كان ينبغي عرض السيد دارون في قفص على الملا 
في حديقة الحيوان. في القفص المخصص للقردة. وقد حاولت ان اشرح بعض الادلة 
العلمية القائمة من وراء فرضية دارون. لكنئ احفقت. هذا كل شيء. 

- كيف تُقدم على ذلك... وانت تعرف اراء ابي! 

- كنت اتسم بالاحترام الشديد. 

- هذا يعي انك كنت مفعما بالكراهية. 

- لقد اعلن حقا انه لن يزوج ابنته لشخص يعتقد ان جده كان... بيد اني 
اظن انه عند التفكير في حال سينظر الي بوصفي قردا يحمل لقبا من القاب النبلاء. 


15 


سددت اليه نظرة وهمما يواصلان سيرهما وادارت رأسها الى الجانب على نحو 
فضولي» وهي اشارة مميزة لتعبير عن القلق - وقي هذه الحالة» القلق بشأن ما 
اعتقدته حقا العقبة الكاداء امام حطوبتهما. لقد كان والدها رجلا ثريا واسع الثراء 
بيد ان جدها كان تاجر البسة. اما والد تشارلز فكان يحمل لقب (بارون). ابتسم 
وضغط اليد ذات القفاز المتدلية من ذراعه الايسر. 
ازاء والدك. لكني لن اقدم على الزواج به. كما انك نسيت اني عالم. وقد كتبت 
دراسة. فلا بد ان اكون كذلك. واذا ما ابتسمت على هذا النحو فانئى ساحعل من 
حياتي وقفا على الاحفوريات) لا عليك. 

- لست ميالة لأن اكون غيورة من الاحفوريات. 


ثم توقفت وقفة تدل على المكر. 
- طالما انك تسير فوقها الان منذ ما يقرب من الدقيقة - ولم تتلطف وتتنازل 
حى بالنظر اليها. 


القى نظرة حادة الى اسفل» وجثم على ركبتيه بسرعة. كانت اجزاء من 
الكوب مغطاة بصخور احفورية. 

- يا الله! انظري الى هذه. صخرة بورتلاند. لا بد ان هذه الصخرة قد اتت 
من الصخور الكلسية في (بورتلاند)©. 

- الي ساحكم عليك بأن تقضي عمرك في مناجمها - ان لم تنهض على 
قدميك فورا. 

امتثل لامرها وهو يبتسم. 

- والان. الست عطوفة عليك اذ اتيت بك الى هنا؟ انظر! 

م دت ال هاب الان عي يكين صم مر ر اكه ر رة 
جانبيا في الجدار تستخدم .مثابة سلا م تؤدي الى مر أحفض. 


)4( الاحفوريات: بقايا حيوان او نبات من عصر جيولوجي سالف مستحجرة في اديم الارض. 
وتسمى ايضا «المتحجرات». (المترجم) 

(5) بورتلائد: شبه جزيرة صخرية على القنال الانكليزي مشهورة بصخورها التي ترجع الى العصر 
الجوراسي الذي بدا قبل 190 مليون سنة واستغرقت قرابة 54 مليون سنة. (المترجم) 


16 


هذه هي السلالم نفسها الي جعلت فيها جين اوستن بطلتها لويزا ماسكروف 
تسقط منها في روايتها الاقناع. 
يا له من مشهد رومانسي. 
- كان السادة المهذبون رومانسيين... انذاك. 
- وعلميين في الوقت الراهن» هلا نبدا بمبوطنا احفوف بالخطر؟ 
- ونعود ادراجنا. 
مرة احرى واصل الاثنان سيرهما. وعند ذاك لاحظ هوء او على الاقل ادرك 
جنس الشخص الواقف عند النهاية. 
- يا للسماء! ظننت ذلك الشخص صياد سمك. لكن اليست هي امرأة؟ 
انعمت ايرنستينا النظر - فقد كانت عيناها الرماديتان البالغتا الجمال مصابتين 
بقصر البصر. وكان كل ما في وسعها مشاهدته هو شبح معتم. 
- اهي شابة؟ 
- انها على مسافة بعيدة لا استطيع ان اتأكد منها. 
- غير اني استطيع ان امن من هي. لا بد انما الأساة المسكينة. 
- مأساة؟ 
- لقب. احد القابًا. 
- وما هي الالقاب الاحرى؟ 
- الصيادون يطلقون عليها لقبا بذيا. . 
- يا عزیزت تينا. المؤكد انك... 
- يطلقون عليها لقب امرأة... الضابط الفرنسي. 
- عجبا! وهل هي منبوذة الى الح الذي تضطر فيه الى قضاء اوقاها حارج 
البيت في هذا المكان؟ 
-انها... مجنونة الى حك ما. لنعد ادراحنا. فانا لا احب الاقتراب منها. 
توقفا. وحال ببصره صوب الشبح الاسود. 
- لكنك اثرت رغبيى في الفضول. من هو الضابط الفرنسي هذا؟ 
ت برحل قيل عتنها انه , 
- وقع في غرامها؟ 


17 


- بل اسوأ من ذلك. 

- ومن ثم هجرها؟ اهناك طفل؟ 

- لا لا اظن ان هناك اي طفل. كل ما هناك اشاعات. 

- لكن ما الذي تفعله في ذلك المكان؟ 

- يقولون اها في انتظار عودته. 

- لكن... اليس هناك من يهتم بامرها؟ 

- انها تعمل خادمة بشكل ما عند السيدة بولتيي العجوز. ولم يكن يسمح لها 
بالظهور في اثناء زياراتنا. غير انما تقطن هناك. ارجوك لنعد ادراحنا. اني لم ارها. 

بيد انه ابتسم. 

- لو انها وثبت اليك فسوف احميك واثبت لك عن شجاعق. هيا. 

هكذا سار الاثنان مقتربين اكثر من الشبح الواقف قرب ماسورة المدفع. 
كانت قد خلعت قبعتها وامسكت بها بيدها. اما شعرها فكان محكم الشد الى 
الوراء داحل ياقة معطفها الاسود - وهو معطف غريب يبدو اكثر شبها معطف 
رجسل خحيال من معطف امرأة كان زيه سائدا في السنوات الاربعين الماضية. وم 
تكن هي الاخرى لتعرف الكرينولين. لكن الواضح ان سبب ذلك انما يكمن في 
النسيان لا في معرفة احر الاذواق اللندنية. ابدى تشارلز ملاحظة مبتذلة بصوت 
عال كي يحذرها من انما ليست وحيدة. غير انها لم تلتفت. تقدم الاثنان الى حيث 
في وسعهما مشاهدة وجهها من الجانب ورؤية بصرها المسدد مثل بندقية صوب 
الافق البعيد. في هذه الاثناء هبت ريح اقوى اضطرت تشارلز الى وضع ذراعه 
حول خاصرة ايرنستينا كي يسندهاء واضطرت المرأة الى التشبث على نحو اقوى 
با ماسورة. حالما سمحت الريح» تقدم الى امام دون معرفة السبب. را ليظهر 
لايرنستينا كيفية اثارة حوف وزة. 

- سيدني الطيبة. اننا لا نستطيع رؤيتك في هذا المكان دون ان نقلق على 
سلامتك. ان عاصفة اشد - 

التفتت لتنظر اليه - او من خلاله - كما ظن تشارلز. ول يكن الجانب 
الايجابي في ذلك الوجه هو الذي بقي واياه بعد ذلك اللقاء الاول بل كل الجانب 
الذي لم يتوقعه ابدا؛ فقد كان عصرهما هو العصر الذي يفضل فيه شكل المرأة 


18 


الرزين» ا محتشم. المطيع. وعلى الفور شعر تشارلز انه قد تحاوز حدوده» كان 
الكوب تعود ملكيته الى ذلك الوجه لا الى مقاطعة لام العريقة. لم يكن وجها 
جميلا مثل وجه ايرنستينا. من المؤكد انه لم يكن وجها جميلا وفق مقاييس واذواق 
اي عصر. لكنه كان وجها يصعب نسيانه» وجها مأساوياء يتفجر الحزن منه على 
نحو صاف» طبيعي» بلا توقف» مثل تفجر الماء من ينبوع غابة. لم يكن فيه اي 
مكرء او نفاق او هستيريا او قناع. وقبل كل شيء بلا اي اثر يدل على الجنون. 
كان الحنون في البحر الخالي» الافق الخالي والافتقار الى سبب لمثل هذا الحزن. كان 
الينبو ع طبيعي بخصيصته؛ ولكنه غير طبيعي في انبجاسه في صحراء. 

فكر تشارلز بعد ذلك مرات ومرات في تلك النظرة الشبيهة بالرمح. ومن 
الطبيعي ان التفكير على هذا النحو لا يعي جرد وصف شيء بل الاثر الذي يملكه. 
وشعر بنفسه في تلك اللحظة القصيرة كأنه عدو ظالم» اخترقه الرمح وحط من 
قدره بحق. 

لم تقل المرأة شيئا شيئا. واستغرقت نظرتا الى الوراء ثانيتين او ثلاث ثوان على 
الاغلب. ثم واصلت التحديق الى جهة الجنوب. تشبشت تشبفت ابرنسنينا بكم تشارلن 
E a‏ ويسم لاو دما ND‏ اران 

-اتمئئ لوانك ل تذكري تلك الحقائق القذرة. هذه هي مشكلة الحياة 
الريفية. فكل واحد يعرف الاخر وليست هناك اسرار. ولا قصص عاطفية. 

بعد ذلك تحرشت به واصفة اياه بالعا لم ومحتقر الروايات. 


19 





خمسينيات القرن التاسع عشر ليكون شابا فيها. 
جي. أم. يونغ - صورة عصر 


بعد ان عاد تشارلز الى مأواه في وايت لاين اثر طعام الغداء شرع يحدق الى 
وحهه في المرآة. كانت افكاره مبهمة على نحو لا سبيل الى وصفها. بيد انها كانت 
تتضمن عناصر غامضة» مشاعر هزعة غير واضحة لا تتصل بأي وسيلة بالحادثة عند 
الكوب بل تتصل بامور تافهة معينة تفوه يما في اثناء الغداء عند الخالة ترانتر» وباعذار 
محددة ومميزة قدمها؛ فيجتاياذا كان اهتمامه بعلم الاحاثة0) هدفا كافيا لقدراته الطبيعية؛ 
فيما اذا كان من شألايرنستينا ان تفهمه حقا مثلما فهمها هو» كما تتصل بمشاعر 
عامة ذات هدف غير محدد رما کان اصلها - كما استنتج احیرا - لیس سوى خطر 
انقضاء عصر يوم مصحوب بلمطر. على اي حال» كان العام هو 1867. وهو كان في 
الثانية والثلاثين من العمر ليس الا. كشا أنه(4وما تطلب من الحياة امورا كثيرة. 

على الرغم من ان تشارلز احب انغتينظر الى نفسه على انه عالم شاب رعا 
ليس من شأنه ان يندهش كثيرا اذا ما واظلب اليه الانباء مستقبلا عن الطائرة 
والمحمرك النفاث والتلفزيون والرادار: ان ما كان من شأئه ان يثيره حقا هو الموقف 
المتغير من الزمن نفسه. فالبؤس الكبير المفترض عن قرالإنا هؤ#الافتقار الى الزمن. 
واحساسنا بذلك» وهو احساس لا ينطلق من الحب النزيه للعلم؛ ولا من الحكمة 
بالتأكيد» احساسنا بذلك هو السبب في اننا نخصص مثل هذه النسبة الضخمة من 
الابداع والمال في جتمعنا للعثور على وسائل اسرع في تنفيذ الاعمال - كأن 
الهدف النهائي للجنس البشري يتمثل في الاقتراب لا من البشرية الكاملة بل من 
ومسيض برق كامل. غير ان المسألة عند تشارلز» وعند الكثير من معاصريه ونبلاء 


(6) طلم الاحاقةه طم يجحت في اشكال للحياة في العصور الجيولوجية للسالقة كما تمثلها 
المتحجرات او المستحاثات الحيوانية والنباتية. (المترجم) 


20 


مجتمعه تقريبا هي ان بصمة الزمن على الوجود كانت بطيئة تماما. ولا تتمحور 
المشكلة في كل ما يريد الفرد ان يفعله بل نسج ما فعله المرء لملء رحاب الفراغ 
الواسعة الموجود امامه. 

من اكثر اعراض الثراء شيوعا اليوم هو العصاب المدمر؛ في قرنه كان هو 
السام المهادئ. صحيح ان موجة الثورات في العام 1848» ذكرى الاصلاحيين( 
الذين مضى عهدهم الان» كانت تقف مثل ظلال هائلة وراء ذلك العصر؛ لكن 
من وحهة نظر الكثيرين - يمن فيهم تشارلز - فإن اهم شيء يخص ذلك التذمر 
البعيد انها هو الفشل في الانفجار. لقد كانت الستينيات فترة مزدهرة لا جدال 
فيها. وحاءت الشروة الى الحرفيين» وح الى الطبقات العاملة الي قلصت من 
احتمال اندلاع الثورة» في بريطانيا العظمى على الاقل» تماما. وغين عن القول ان 
تشارلز لم يكن يعرف شيئا عن الالماني الذي كان يعمل ُدوءء كعادته دوما» عصر 
ذلك اليوم في مكتبة المتحف البريطاني» والذي قدر لعمله بين تلك الحدران الكثيبة 
ان يثنمر ثمرة حمراء متألقة. ولو انك وصفت تلك الثمرة او الاثار الناجمة عن 
استهلاكها العشوائي مؤخراء فإن المؤكد الا يصدقك تشارلز تماما - وعلى الرغم 
من ذلك» فبعد ستة اشهر من شهر اذا ر/مارس عام 1867 صدر الحزء الاول من 
رأس الال في هامبورغ. 

هنالك ايضا اسباب شخصية لا تحصى تبن ان تشارلز لم يكن مؤهلا لدور 
المنسشائم المتناغم. فجده البارون كان ضمن ثاني صنفين لوجهاء الريف الانكليز: 
صيادو ثعالب» مسرفون في شرب الشراب الفرنسي الأحمر من بوردو» ومثقفون 
يجحمعون كل ما موجود تحت الشمس. وقد جمع في الاساس الكتب» ولكنه في 
السنوات الاخيرة حصص جزءا من ثروته» واكثر من ذلك صبر اسرته» للتنقيب في 
الروابي غير المؤذية ال كانت تملا ارضه البالغة ثلاثة الاف فدان في (ويلتشاير). 
الدلون وحجارة المنهيرة) والصوان وقبور خاصة بالعصر الحجري الحديث كلها 
(7) يقصد بالاصلاحيين او «الميثاقيين» بعض المصلحين السياسيين الانكليز في القرن التاسع 

عشر الذين قدموا للبرلمان الانكليزي «ميثاقا» ذا مطالب تهدف الى تحسين اوضاع الطبقة 

العاملة من الناحيتين الاجتماعية والصناعية. (المترجم) 
(8) المنهير: حجارة او نصب حجرية عمودية يعود اصلها الى ما قبل التاريخ. (المترجم) 


21 


طاردها بلا هوادة. اما ابنه الاكبر فقد طارد تذكارات الصيد القابلة للحمل بلا 
هوادة حن اخرجها من البيت عندما ورثه. غير ان السماء الحقت العقاب بهذا 
الابن» او با ركته» اذ حرمته من الزواج. اما الابن الاصغر للرحل العجوزء اي والد 
تشارلز» فقد ورث مالا وأراضي شاسعة. 

كانت حياته تكتنفها مأساة واحدة - فقد توفيت في ان واحد زوجته الشابة 
والطفلة المولودة حَديًا الى كان مقدرا لها أن تصبح شقيقة تشارلز الذي كان يبلغ 
سنة واحدة من عمره. بيد انه هضم احزانه. ولم يغدق عاطفته القوية عليه 
وحسبء بل اتى له بعدد من المعلمين الخصوصيين والمدرسين الصارمين وباع 
حصته من الارض واستثمر امواله بدهاء في اسهم في سكة الحديد» وبغباء في 
موائد. باحتصار» عاش» وكانه ولد في العام 1702 لا في 1802» وصرف الجرء 
الاعظم من حياته لاحل المتعة... وتوفي بسببها الى حد كبير في العام 1856. وههذا 
كان تشارلز وريثه الوحيد لم يكن وريث ثروة ابيه حسب الي احذت بالتناقص - 
فقد انتقمت لعبة القمار احيرا من ازدهار سكة الحديد» بل ورث ايضا ثروة عمه 
الضخمة جدا. وكان من الواضح في عام 1867 ان عمه لم يظهر اي علامة تشير 
الى قرب موته على الرغم من عودته الشاملة الى المشروب المفضل. 

كان تشارلر يحب عمه مثلما كان عمه يحبه. غير ان هذا الحب ما كان ليظهر 
دوما في علاقتهما. وعلى الرغم من ان تشارلز قدم ما يكفي من التنازلات في صيد 
طيور الحجل عندما كان يطلب منه فعل ذلكء فانه رفض رفضا باتا وقاطعا صيد 
الثعالب. لم يكن ليهمه ان كانت الطريدة لا تؤكل» ولكنه كان يشمئز من سوء 
الصيادين. وكان هنالك ما هو أسوأ: كان يهوى على نحو لا يوصف السير على 
القدمين بدلا من ركوب الخيل. والسير على القدمين ليس تسلية السيد النبيل الا اذا 
كان في جبال الالب السويسرية. م يكن يحمل ضغينة محددة للجواد نفسه بل كان 
قد ورث كراهية العا م الطبيعي لاعاقة الملاحظة من مسافات قريبة وعلى مهل. 
على اي حال» كان محظوظا. ففي يوم من ايام الخريف وقبل سنوات عديدة» 
اصاب طائرا غريبا كان يحلق فوق حدود احد حقول القمح العائدة لعمه. وعندما 
اكتشف نوع الطائر الذي اصطاده وندرته» انتابه غضب مبهم ازاء نفسه. فقد كان 
ذلك الطائر واحدا من اواخر طيور الخبارى العظيمة الي تصطاد فوق سهل 


22 


امھ تنه 53301101001101 


سالزبري. غير ان عمه ابتهج كثيرا. وحنط الطائر وظل الى الابد يحدق بعينين 
تموران ببريق الرغبة» مثل ديك رومي اسود» حارج الصندوق الزحاحي في غرفة 
الاستقبال في قصر وينزيات. 

كان عمه يثير سأم زواره من الطبقة العليا على نحو لا متناه بقصة الاسلوب 
ااذ غز فيه الما ر كلما سي با ميال ال ران ها مو ارت رعو 
موضوع يجعله ارحوان اللون لأن ممتلكاته موروثة لذكر فقط - فانه يستعيد حنان 
العم عند الوقوف امام الحبارى الخالد الذي اصطاده تشارلز وتأمله. كانت لتشارلز 
عيوبه» فهو لم يكتب دوما مرة واحدة في الاسبوع» كما انه مولع ولعا مشؤوما 
بقضاء اوقات العصر في مكتبة قصر وينزيات» وهي حجرة قلما استخدمها عمه. 

على اي حال» له عيوب اخطر من هذه العيوب. ففي كيمبرج بدأ حقا بتعلم 
شيء ما خلافا لمعظم شبان عصره بعد ان جمع الاثار الفريدة كما ينبغي ودفع 
اشتراكه في محلة (39 مقالة). الا انه انخرط في السنة الثانية من الدراسة مع مجموعة 
فاسدة» وانتهى به الامر ذات ليلة كثيرة الضباب في لندن الى امتلاك جسد فتاة 
عارية. واندفع من بين ذراعيها اللندنيتين المكتنسزتين الى اذرع الكنيسة» واثار 
رعب والده ذات يوم بعد ذلك الحادث بفترة قصيرة بالاعلان. عن رغبته في 
الاخراط في الكهنوت. فكان هناك رد واحد لثل هذه الازمة. لا بد من ارسال 
الشاب الفاسد الى باريس. وهناك تلطخحت ممعة عذريته البراقة بالاعتراف. وحدث 
الشيء نفسه» كما فكر والده» بخصوص زواحه المقرر بالكنيسة. فقد رأى تشارلز 
ما كان يقف وراء الدعوة المغرية لح ركة ا وكسفورد© - الخاصية الدنيوية للمذهب 
الكاثوليكي. وامتنع عن تبديد روحه الانكليزية السلبية والمرتاحة في ان واحد - 
طرف واحد مفارقة ازاء طرف واحد عرف - على البخور واللاعصمة البابوية. 


(9) حركة اوكسفورد: حركة دينية ظهرت في القرن التاسع عشر في جامعة اوكسفورد هدفها 
تجديد الفكر الكاثيوليكي داخل كنيسة انكلترا في وجه النزعات البروتستانتية التي كانت 
تتخللها. وكان سبب ظهور هذه الحركة هو ذلك التحول الذي طرأ على العلاقة بين الدولة 
وكنيسة انكلترا من 1932-1828. من ابرز قادة الحركة (جون هنري نيومان 1801 -1890) 
و(ريتشارد هوريل فرودي 1836-1803) و(جون كيبل 1866-1792). هذا وقد نشرت 
افكار الحركة في (90 كراسة) كتب (24) منها (نيومان) الذي كان يشرف على تحرير 
السلسلة كلها. (المترجم) 


23 


وعندما عاد الى لندن شق طريقه ومر بسرعة بين العديد من النظريات الدينية 
السائدة يومذاك غير انه برز من بينها (بعد ان رأى اكثر مما يمكن انكاره واقل ثما 
يدفع على الثقة بالنفس) لا أدريا( 9" سليما ووجد في الطبيعة» لا في الانجيل» ما 
يشير الى الله في الوجود. لو انه حلق قبل مئة سنة لأصبح مؤمنا بالله امانا مبنيا على 
العقل؛ لا على الوحي» بل لاصبح مؤمنا بأن الله والطبيعة شيء واحد. 

اذا كان في صحبة الاخرين فانه يذهب الى صلاة الصبح في الاحاد. اما اذا 
كان وحيدا فانه قلما كان يفعل ذلك. 

عاد ادراحه بعد مرور ستة اشهر على وجوده في مدينة الخطيئة عام 1856. 
وتوفي والده بعد مرور ثلاثة اشهر وتم ايجار البيت الواسع في بلغرافيا وانتقل تشارلز 
للسكن في بيت اصغر في كنزغتون وهو بيت يناسب شابا اعزب اكثر من غيره. 
وفي ذلك البيت كان يقوم ا ادم وطاه ادان وهي مجموعة متواضعة 
العدد ازاء رحل له مثل علاقاته وثروته. بيد انه كان سعيدا هناك اضافة الى انه 
قضى وقتا طويلا في الرحلات. ونشر مقالة او مقالتين عن رحلاته في الاماكن 
النائية في محلات حديثة» بل ان ناشرا مغامرا طلب منه ان يؤلف كتابا عن الاشهر 
التسعة الي امضاها في البرتغال» غير ان تشارلز وجد في التأليف شيئا يحط من قدره 
الى حد ما - ووجد فيه ايضا شيا يشبه العمل الشاق والتركيز المتواصل. وتسلى 
بالفكرة لكنه تخلى عنها. في الواقع» ان التسلية بالافكار كان شغله الشاغل في 
العقد الثالث من عمره. 

لكنه على الرغم من ذلك لم يكن ضائعا في الزمن الفكتوري البطيء او شابا 
عابثا في الاساس. ولقاء عابر مع شخص كان يعلم يوس حده جعله يدرك ان ايام 
الرحل العجوز الي لا مماية ها في الاشراف على مجموعات العمال المرتبكين المنقبين 
في الريف كان ينظر اليها بين افراد الاسرة على انها دعابة لا اكثر. وتذكر اخرون 


(*) لم يكن من شأنه ان يطلق على نفسه هذه الصفة لسبب بسيط هو ان الكلمة لم ينحتها 
(هكسلي) الا في العام 1870ء وعند ذلك الوقت اصبح المصطلح ضرورة كبيرة لا بد منها. 
(المترجم) 

(10) اللا أدري: من يعتقد بأن وجود الله وطبيعته واصل الكون امور لا سبيل الى معرفتها. 
(المترجم) 


24 


السير تشارلز سميفسون بوصفه رائدا في علم الاثار البريطانية الما قبل رومانية. 
وعرض المتحف البريطاني بامتنان عددا من مقتنياته ال كانت موجودة حارج 
البلاد. وادرك تشارلز رويدا رويدا انه يقترب في طبعه من جده اكثر مما يقترب من 
اي من ولدي جده. وفي غضون السنوات الثلاث الاخيرة ازداد شغفه باطراد بعلم 
الاحائة» وهو ميدان بحثه الذي عزم على الخوض فيه. فشرع يرتاد مجالس الادب 
الي تعقدها الجمعية الجيولوجية. ونظر العم وهو يرى تشارلز يخرج من 
وينزيات مسلحا بالمطارق وبكيس يضع فيه مقتنياته نظرة ملؤها الازدراء. 
فقد كان يعتقد ان الشيء الوحيد الذي يجدر بأي سيد مهذب ان يحمله انما هو 
سوط قصير او مسدس. لكن ذلك على الاقل افضل من الكتب اللعينة في المكتبة 
الملعونة. 1 

على اي حال» هناك اهتمام احر يفتقر اليه تشارلز وهو امر لا يثير ممجة عمه. 
فالاشرطة الصفر والنرحس البري» شعار حزب الاحرار» كانا حرمين في وينزيات» 
اذ كان الرجل العجوز من اشد المتحمسين للون الازرق الذي يمثله حزب المحافظين. 
وكانت له اهتماماته الا ان تشارلز رفض رفضا مؤدبا كل امحاولات الرامية الى دفعه 
للحوض ف انتخابات البرلمان. واعلن انه ليس لديه اي معتقدات سياسية. وفي السر 
كان معجبا بغلادستون. ولكن في وينزيات» كان ينظر الى غلادستون على انه 
الخائن الاكبر الذي لا يجوز التفوه باسمه. وهكذاء فقد سد احترام الاسرة والتكاسل 
الاحتماعي وعلى نحو مناسب ما كان يبدو حياة طبيعية له. 

اني اخشى ان يكون الكسل احدى صفات تشارلز المميزة. لقد ادرك» شأنه 
شأن معاصريه» ان المسؤولية الشخصية المبكرة للقرن كانت تتحول الى احترام 
شخصي: اي ان ما كاد يدفع بريطانيا الجديدة باطراد هو الرغبة في ان تبدو محترمة 
بدلا من الرغبة في فعل الخير من اجل الخير. كان يدرك انه صعب الارضاء. لكن 
كيف في وسع المرء ان يكتب التاريخ ومن ورائه يقف ماكولي"؟ الشعر او الرواية 


(11) وليم ايوارت غلادستون (1898-1809) سياسي بريطاني من زعماء حزب الاحرار تولى 
رئاسة الوزارة عدة مرات. (المترجم) 
في بريطانيا. (المترجم) 


25 


وسط تلك الكوكبة اللامعة من اصحاب المواهب في تاريخ الادب الانكليزي؟ 
كيف بمكن للمرء ان يكون عالما مبدعا ولا يزال لیل ودارون على قيد الحياة؟ او 
ان يكون رجحل دولة بينما يشغل دزرائيلى9) وغلادستون كل الفراغ المتاح؟ 

سترون ان تشارلز كانت لديه طموحات كبيرة. وهذا شأن الكسالى الاذكياء 
وذلك من احل تبرير كسلهم امام ذكائهم. لقد كان لديه باخحتصار كل السأم 
الذي.عرف به بايرون لكن دون ان بملك ايا من المنافذ الي كانت امام بايرون: 
العبقرية والزن. 

لكن على الرغم من امكانية تأحيل الموت» وهو ما كانت الامهات اللواتي لديهن 
بنات للزواج يقدرن على التوقع به» فانه دوما يأ في النهاية برفق. وح لو لم يكن 
تشارلز ليملك الامكانيات الاخرى» فانه كان شابا مثيرا للاهتمام. فرحلاته الى الخارج 
ازالت على نحو مؤسف شيئا من مظهر الحد الصارم (الذي كان الفيكتوريون يطلقون 
عليه صفة الحد والاستقامة الاحلاق والامانة وغيرها من الاف الصفات المظللة) الذي 
كان مطلوبا من الانكليزي النبيل في ذلك الوقت. وكانت تحيط به من الظاهر روح 
ساخرة وهي علامة مؤكدة على الانحطاط الاخلاقي المتوارث. غير انه لم يدحل 
مجتمعاء الا ورمقته اعين الامهات» وربت على كتفه الاباء» وابتسمت في وحهه 
الفقيات ابتسامة متكلفة. لقد احب تشارلز تماما الفتيات الجميلات ولم يكن لينفر من 
اغرائهن واغراء ابائهن الطموحين بسلوك سبيل الضلال. ويهذا اكتسب شهرة الترفع 
والبرود» وهي مكافاة ليست عدية القيمة للاسلوب الانيق - في ذلك الوقت الذي بلغ 
فيه الثلاثين من عمره كان بارعا في مهمته مثل ابن عرس - الذي كان يتنشق فيه 
الطعم ومن ثم يدير ظهره لفخاخ الزوجية الى كانت قدد طريقه. - 

في اغلب الاحوال كان عمه يوبخه بخصوص هذه المسألة. بيد ان تشارلز 
سرعان ما كان يوضح الامر مستخدما اسلوبا مثبطاء فيتذمر الرحل العجوز. 


(13) سير تشارلز ليل (1875-1797) رائد من رواد علم طبقات الارض في العصر الفكتوري. 
قال إن مظاهر سطح الارض يمكن تفسيرها على انها نتاج عمليات فيزياوية وكيماوية 
وبيولوجية منذ العصور الجيولوجية. (المترجم) 

(14) بنجامين دزرائيلي (1881-1804) سياسي بريطاني» رئيس الوزراء (1868) 
و(1880-1874)» اشترى حصة مصر من اسهم قناة السويس عام 1875. (المترجم) 


26 


- لم اعثر على المرأة المناسبة بعد. 

- هراء. انك لم تبحث عن اي امرأة. 

- بل بحشت حقا. عندما كنت في مثل سنك... 

- لقد عشت من اجل طرائدك وموسم طيور الحجل. 

كان العجوز يحدق بحزن في مشروبه المفضل. فهو في الواقع لم يندم لأنه لم 
تكن لديه زوجة» لكنه كان يفتقر افتقارا يائسا الى الاطفال فحرم من شراء المهرة 
والمسدسات لهم. ورأى حياته وهي تتلاشى دون ان تترك اثرا. 

- كنت اعمى. اعمى 

- عمي العزيز. نظري متاز. فهون عليك. كنت ايضا ابحث عن الفتاة 
المناسبة. ولم اعثر عليها. 


27 





الذي حدث هو الذي سيبقى! مباركون هم 
الذين يتركون اعمال الحب الكاملة لتبقى 
ويجيبون عنها اجابة صامتة؛ فهم موتى 
لم تكن الحياة بلا هدف» على الرغم من انهم غادروها هربا. 
السيدة نورتون - سيدة غاراي 1863 


عاشت اغلب الاسر البريطانية من الطبقتين الوسطى والارستقراطية 
فوق بالوعة من قاذوراتها. 
اي. رويستون بايك - وثائق انسانية من العصر الفكتوري الذهبي 


كان المطبخ السفلي في بيت السيدة بولتيئ الكبير في ريجنسيء والذي 
ينتصب» على نحو رشيق واضح يشبه مكانتها الاجتماعية» في موقع ممتاز فوق احد 
التلال الشديدة الانحدار وراء لاتم ريجيس ليبدو اليوم بلا ريب بيتا لا يطاق تقريبا 
بسبب عدم ملائمته من الناحية العملية. وعلى الرغم من ان ساكين البيت في العام 
7ء من شأهم ان #يعرفوا معرفة واضحة من هو الطاغية في حياهم» فإن الوحش 
الحقيقي فعلا في عصر يشبهوغصرنا من شأنه ان يكون بلا ادن شك المطبخ الواسع 
الذي كان يحتل محمل الحداىرالداتحلي في الغرفة الفسيحة ذات الاضاءة الضعيفة. 
وكان يحتوي على ثلاثة مواقد رينبغيرتغذيتها بالوقود مرتين في اليوم وتنظيفها من 
الرماد مرتين ايضا في اليوم. ولا كان العمل المنزلي السلس في البيت يعتمد عليهاء 
فانه لم يكن هناك اي بحال لتركها تنطفئ. وابض النظر عن مدى حرارة النهار في 
فصل الصيف وبغض النظر عن وجود رييخ جتيوبية غربية في كل وقت» فإن 
الوحش كان ينفث سحبا سودا من دخان خانوج!- “لا بد من تغذية الافران 
القاسية. ثم هناك لون تلك الجدران. فقد كانت تصهخ من احل الحصول على 
ظلال حفيفة» من اجل اللون الابيض. وبدلا من ذلك» فقد كانت خضراء» 
صفراوية» كئيبة. كانت تمتلئ بالزرنيخ» وهي مادة لم يكن ليعرفها سكان البيت 
(واذا اردنا ان نكون منصفين» فإِهها لم تكن معروفة من الطاغية في الطابق العلوي). 


28 


رما كان من حسن الحظ ان الغرفة رطبة وان الوحش ينفث مثل هذه الكمية من 
الدحان والزيوت. وعلى الأقل امد الغبار اللعين. 

كان رئيس عرفاء هذا المكان الجهنمي الكئيب امرأة تدعى السيدة فيرلي وهي 
سيدة نحيفة» ضئيلة» ترتدي الثياب السوداء دوما. ولم يكن هذا بسبب كوفا ارملة 
بقدر ما يعود الى طبعها. رعا كانت كأبتها الحادة تعود الى رؤية اعداد لا حصر ها 
من المحلوقات الاقل شأنا الي كانت تتقاطر على المطبخ. السقاةء الخدم 
البستانيون» سائسو الخيل» خادمات الطابق العلوي» خادمات الطابق السفلي؛ 
الذين كانوا يحتملون من مقاييس السيدة بولتيئ واساليبها ما يجعلهم يطلقون 
سيقافهم للريح. وكان هذا الفعل مخزيا لهم وينم عن اللحبن. لكن عندما يطلب منك 
ان تستيقظ في الساعة السادسة صباحا وان تعمل من الساعة السادسة والنصف 
وحن الساعة الحادية عشرة والعمل مرة احرى من الحادية عشرة والنصف الى 
الرابعة والنصف وبعد ذلك من الساعة الخامسة وحن الساعة العاشرة على مدار 
الايام» اي بمعدل مائة ساعة في الاسبوع» فإن الاحتياطي الذي تملكه من القبول 
والشجاعة قد لا يكون كبيرا جدا. 

وقد نقل كبير الخدم الرابع قبل الاخير الى السيدة بولتيي ملخصا اسطوريا 
لمشاعر الخدم قال فيه: «سيدي. ان افضل ان اقضي البقية الباقية من عمري في 
المللجأ على ان اعيش اسبوعا احر تحت هذا السقف». وقد ارتاب البعض حقا في 
ان يكون احد ما قد تحرأ حقيقة وتفوه .مثل هذه العبارات امام السيدة المرعبة. غير 
ان العاطفة الكامنة وراءها باتت مفهومة عندما هبط الرحل السلالم حاملا حقائبه» 
واعلن انه مضطر الى ذلك. 

اما كيف تمكنت السيدة فيرلي الى لم تكن اسما على مسمى [لان فيرلي 
تعن علالة] من تحمل سيدقا طيلة تلك المدة فتلك احدى عجائب المنطقة. 
والاحتمال الاكبر هو اها كانت ستصبح بولتييٰ احرى لو ان الحياة اتخذت بجرى 
احر معها. في الواقع» ان الحسد الذي كان يتأحج في داحلها هو الذي اضطرها الى 
البقاء هناك اضافة الى متعتها السوداوية في الكوارث المنسزلية الى غالبا ما كانت 
لاان کا ا اقداء كات ن اا ها 
تغفر احداهما للاخرى. 


29 


كانت السيدة بولتيي يستحوذ عليها هاجسان اثنان: او مظهران اثنان لنفس 
امهاحس. الاول هو القذارة - على الرغم من انها كانت تستفي المطبخ الى حدّ ما 
لأن الخدم وحدهم يعيشون فيه - والثاني هو الخلود. ويي كله المجالين لم يغب عن 
بصرها الحاد اي شيء خلاف ذلك. 

كانت اشبه بنسر يهبط بقوة» فتتجول باستمرار في اوقات فراغها الى لا 
تنتهسي. وكانت ذات موهبة طبيعية في المقام الاول بحاستها السادسة العجيبة فيما 
بخص الغبار وبصمات الاصابع والبياضات المنشاة على نحو غير كاف والروائح 
والبقع والاشياء المكسورة وكل انواع البلوى الي ترثها الت فد كا اي 
بستاني يطرد من العمل اذا ما دحل المنزل والتراب عالق في يديه» ورئيس الخدم 
اذا ما عثر على ما يشير الى وحود مشروب مفضل في مستودعهء والخادمة اذا ما 
عثر على قطعة من الصوف تحت فراشها. 

غير ان الشيء المقيت اكثر من غيره هو اما لم تكن لتقر بأي حدود لسلطتها 
حي خارج المنزل. والفشل في الظهور في الكنيسة» في اوقات الصباح والمساء في 
الاحاد انما كان يعبر عن اسوأ انواع الانحلال الاخلاقي. ولتساعد السماء الخادمة 
الى تشاهد حارج البيت وهي تتنزه على قدميها بصحبة شاب عصر يوم يندر ان 
يكون لديها فيه اي عمل - فهذه المناسبة تحدث مرة واحدة في الشهر وعلى 
مضض - ولتساعد السماء ايضا الشاب العاشق الذي يحاول الاقتراب من منزل 
مارلبورو سرا لتحقيق لقاء غرامي: فالبساتين عبارة عن غابة حقيقية من أفخاخ 
بشرية انسانية - صفة الانسانية هنا تعود الى حقيقة ان الفكوك العظيمة القابعة في 
الانتظار كانت بكامل اسناها وانما من القوة بحيث تستطيع كسر ساق انسان. 
هؤلاء الخدم الحديديون هم الذين كانوا موضع اعتزاز السيدة بولتيي وهم الذين م 
تطردهم ابدا. 

كان يمكن ان يكون ثمة موقع للسيدة في الغستابو. فقد كان اسلوبما في 
الاستجواب يدفع اكثر الفتيات ثباتا وصلابة الى البكاء في الدقائق الخمس الاولى. 
وقي طريقتها كانت صورة مصغرة لاكثر الصفات العنجهية للامبراطورية البريطانية 
الصاعدة. وفكرقتًا الوحيدة عن العدل هي انها لا بد ان تكون على صواب» 
وفكرتها الوحيدة عن الحكومة هي قصف السكان الوقحين قصفا ملتهبا. 


30 


لكنها بين افراد طبقتهاء وهي دائرة محدودة تماماء كانت معروفة بحبها 
للاحرين. واذا ما حامرك الشك في هذه السمعة فسيقدم معترضوك دليلا لا يرقى 
اليه اي شك: الم تأوي السيدة بولتين الحنون امرأة الضابط الفرنسي؟ انين قلما 
احتاج الى ان اضيف في ذلك الوقت بأن السيدة الحنون لم تكن تعرف سوى ذلك 
اللقب الاغريقي. | 

وقعت هذه الحادثة المثيرة في ربيع العام 1866 اي قبل سنة واحدة تماما من 
التاريخ الذي اكتب عنه» وهي ذات صلة بسر حياة السيدة بولتيئ العظيم. انه سر 
بسيط. لقد كانت تؤمن بالجحيم. 

كان قس لايم في ذلك الوقت رحلا متحررا نسبيا من الناحية اللاهوتية. لكنه 
كان يعرف جيدا ايضا اين تكمن مصلحته الرعاوية. لذا كان يلائم لايم تماما الي 
كانت تضم تقليديا طائفة تقلل من شأن الكهنوت والطقوس وتؤكد على المبادئ 
الانخيلية. وكان يتمتع مموهبة بلاغية وهاجة عند القاء مواعظه» وابقى كنيسته خالية 
من الصلبان والصور والزخحرفة وكل الدلائل الاخرى الي تشير الى السرطان 
الكاثوليكي. ولما افصحت السيدة بولتيئ له عن نظرياتا الخاصة بالحياة الاخرة» لم 
يجادها فيها لأن اصحاب المناصب الذين لا يحيون حياة رغيدة لا يجادلون ابناء 
الكنيسة الاثرياء. فقد كانت ثروة السيدة بولتيئ تستجيب لنداءاته بنفس القدر 
الذي كانت تمسك فيه عن تقدتم العون عندما يتعلق الامر باجور العاملين عندها 
البالغ عددهم ثلاثة عشر فردا. وفي شتاء تلك السنة الماضية (وهو شتاء رابع هجوم 
عظيم تشنه الكوليرا على بريطانيا الفكتورية) اصيبت السيدة بولتيئ بوعكة صحية» 
وكان القس يتردد بين وقت واخر على زيارتها شأنه في ذلك شأن الاطباء الذين 
اضطروا دوما الى طمأنتها والقول باها تعاني من اضطراب بسيط في المعدة وليس 
من القاتل الشرقي الرهيب. 

لم تكن السيدة بولتيئ امرأة غبية. بل كانت حادة الذهن في الموضوعات 
العملية وكان مستقبلها حط اعتبار كبير شأنه في ذلك شأن كل القضايا الماسة 
براحتها. وبينما كانت مستلقية في غرفة نومهاء فكرت في الشك الممكن الذي بدا 
يراودها على نحو مطرد: هل يقدر الله الاحسان ما قدم المرء ام مما يقدر حقا على 
تقدبهمه؟ وفي هذا الصدد كانت لديها معرفة افضل من القس. فقد قدمت مبالغ 


31 


كبيرة من المال الى الكنيسة» الا انها كانت تعلم انها اقل من نسبة العشر الي ينبغي 
ان يقدمهااولئك الحريصون على ان يكونوا مرشحين حقيقيين لدحول الحنة. من 
الموكد انما نظمت وصيتها كي تضمن توزيع ثروتّها بالتساوي من بعد وفاتها. وقد 
ظلت في اعماقها فترة اطول من بقاء البكتريا في امعائها. وفي يوم ماء وبينما كانت 
تتمائل للشفاء انتهزت فرصة احدى زيارات القس القلقة واستنطقت ضميرها 
استنطاقا حذرا. في الوهلة الاولى» كان ميالا الى ابعاد مخاوفها الروحية. 

- سيدتي العزيزة. انت في وضع متأرجح. ان الخالق بصير» حكيم. وليس من 
شأننا ان نرتاب في رحمته - او عدله. 

- لكن لنفترض انه سألئ ان كنت طاهرة الضمير؟ 

ابتسم القس: 

- ستردين بأن ضميرك ينتابه القلق. وبر حمته الواسعة سوف... 

- لكن لنفترض حلاف ذلك؟ 

- اذا تحدثت على هذا النحو يا عزيزت السيدة بولتيي فسوف اؤنبك تانيبا 
قاسيا. اننا لا نحادل في فهمه. 

ثم ران الصمت. كانت السيدة بولتيئ تشعر اها في صحبة شخصين اثنين عند 
وحود القس. الاول هو شخص ادن منها مكانة اجتماعياء شخص اعتمد عليها 
في الكثير من متعه» وني حزء كبير من التكاليف المستمرة الي تصرف على الكنيسة 
وفي اداء مهامه غير الدينية اداء حسنا بين الفقراء. اما الثاني فهو ممثل الكنيسة الذي 
ينبغي للا ان تخضع له رمزيا. لهذا السبب» كان سلوكها امامه يأحذ منحى غريبا 
يفتقر الى الاتساق. من الاعلى الى الاسفل في لحظة ومن الاسفل الى الاعلى في 
لحظة احرى. وفي بعض الاوقات كانت تحتال لكلا الموقعين بجملة واحدة. 

- اه لو ان فردريك المسكين لم يقض نحبه لقدّم لي النصح. 

باذ رو لكات سلسو و 
النقطة. فانا اعرف انه كان مسيحيا. والكلام الذي اتفوه به هو مفهوم مسيحي 
١‏ 

- كان تحذيرا. عقابا. 

فرمقها القس بنظرة صارمة. 

32 


- حذار يا سيدق العزيزة؛ حذار. ان المرء لا يتجاوز على امتياز حالقنا. 

غيرت من موقعها. اذ لا يستطيع كل قساوسة الكون ان يبرروا لها موت 
زوجها المبكر. ظلت المسألة بينها وبين الله» سرا يشبه حجر الاوبال الاسود الكرم 
الذي كان يشع في بعض الاحيان مثل نذير مقدس وبثل في احيان اخرى مبلغا من 
المال دفع مسبقا ثمنا لكفارة رعا لا تزال مدينة يها. 

- لقد اعطيت. لكنئ لم اعمل معروفا. 

- العطاء معروف كبير. 

- لست مثل السيدة كوتون. 

لم يندهش القس لهذا الانتقال الدنيوي المفاحئ. فقد كان يدرك ادراكا جيدا 
من معرفته السابقة ان السيدة بولتيي كانت تعرف انها متخلفة كثيرا في ذلك 
السباق الخاص بعمل التقوى. فالسيدة كوتون الى تقطن وراء بلدة لام ببضعة 
اميال اشتهرت بحياتها الى تصرفها في التصدق على الفقراء. وكانت تزور احدى 
الجمعيات التبشيرية وتترأس اجتماعاقاء وانشأت ملجأ للنساء الساقطات - صحيح 
ان صراحة التوبة والندم كانت من القوة بحيث ان معظم اللواتي استفدن من 
جمعيتها المجدلية رحعن مرة اخرى الى احضان الخطيئة باسرع وقت - غير ان 
السيدة بولتيي كانت تجهل تلك الحقيقة مثلما كانت تجهل لقب المأساة الاكثر 
بذاءة. 

سعل القس. 

- السيدة كوتون مثال لنا جميعا. 

كانت عبارته مثل صب الزيت على النار؛ ريبما لم يكن يجهل ذلك. 

- كان علي أن اقوم بالزيارات. 

- سيكون ذلك عظيما. 

- ان الزيارات تلك هي الى تسبب لي الازعاج. 

لم يسعفها القس بشيء. 


33 


بعد ذلك ران صمت طويل فكر في اثنائه القس بطعامه الذي يحين موعده بعد 
ساعة واحدة» بينما فكرت السيدة بولتيى في سوء طبعها. وهنا قدمت حلا توفيقيا 
لمعضلتها بخنوع غير مألوف منها. 

- لو كنت تعرف سيدة ماء شخصا نبيلا مرت به ظروف غير مؤاتية... 

- لست افهم تماما غرضك. 

- ارغب في ان تكون لي رفقة. لدي صعوبات في الكتابة الان. كما ان قراءة 
السيدة فيرلي ضعيفة جدا. وسأكون سعيدة اذا ما قدمت المأوى لمثل هذا الشخص. 

- حسنا جدا. اذا كانت هذه رغبتك فسأقوم بالتحريات. 

حفلت السيدة بولتيئ قليلا وهي ترمي بنفسها على هذا النحو الجامح ف 
احضان المسيحية الصادقة. 

- يجب الا يشوب سلوكها الاخلاقي اي شائبة. اذ لا بد من التفكير مما لدي 
من حدم. 

- حتماء حتما يا سيديٍ العزيزة. 

هنا مض القس. 

- الافضل ان لا يكون لديها اقارب» لأن اقارب من هو عالة على غيره يمكن 
ان يصبحوا سببا للمتاعب. 

- اطمئي؛ فلن اعرض اي شخص غير ملائم. 

ضغط على يدها واتحه صوب الباب. 

- ارجو الا يكون الشخص في مقتبل العمر يا سيد فورسايث. 

انحن ماء وغادر الحجرة. الا انه توقف في منتصف السلا لم المؤدية الى الطابق 
الارضي. لقد تذكر. وفكر. رعا كان هناك احساس ليس عديم الصلة تماما 
بالخبث» ثمرة ساعات طويلة من النفاق - او على الاقل عدم الصراحة التامة - ازاء 
جحانب السيدة بولتيئ الرقيق» دافعٌ بأي ثمن جعله يستدير ويعود ثانية الى حجرة 
استقبالها حيث وقف في مدخلها. 

- فتاة مؤهلة مرت في خاطري. اسمها سارة وودراف. 


34 





وآلهفتي» اي فائدة ترتجى من طرح 
قضية عديمة الجدوى؟ لوعد الموت 
ابتداء موتاء لما كان الحب 

او لكان سجينا في اضيق الحدود 


مجرد الفة لذوي الطبع البليدء 
او لكان شبقا في اخشن الاشكال 
يدمر العشب ويسحق الاعناب 
يتشمس ويزاد سمنه في الغاب 
أحياء لذكراى از هذري هالم متينيسنون: 1650-2 


كان الشبان تواقين كثيرا لرؤية لايم 
جين اوستن - الاقناع 


كانت ايرنستينا ذات وجه يناسب تماما سنها. وجه صغير الذقن» بيضوي 
ذلك العصر؛ في اعمال فيز» في اعمال حون ليتش. ولم تكن عيناها الرماديتان 
وشحوب بشرقًا اللا لتزيد من رقة بقية الاجزاء. وكانت في اللقاءات الاولى 
تخفض من ناظريها على نحو غاية في الجمال كأنها قد يغمى عليها اذا ما تحرأ اي 
رجحل نبيل على مخاطبتها. غير انها كانت تملك انحدارا دقيقا في طرف جفوفاء 
والنمحدارا مشايما في زاوي شفتيها - واذا شئنا توسيع المقارنة نفسها قلنا انه 
يشبه في رقته اريج زهور البنفسج في شهر شباط أفبراير - يتبرأ على نحو حاذق 
ولكن حلي من انحنائه الدال على الاحترام والواضح امام الرحل العظيم. ومن 
شأن الانسان الفكتوري المترمت ان يسئ الظن في تلك الاشارة غير المفهومة 
غير انما امام رحل من مثل تشارلز كانت تثبت اها لا تقاوم. وهذا كانت تشبه 
الى حد كبير احد الاطفال الصغار» حيور جينا» فكتورياء البرتيناء» ماتيلدا 


35. 


وغيرهن اللواتي حلسن تحت حماية مشددة في كل حفلة رقص. لكنها لم 
تشههن غام الشيه | 

عندما حرج تشارلز من منزل الخالة ترانتر في شارع برود ليسير مئة خحطوة 
او نحو ذلك كي يصل إلى الفندق الذي ينزل فيه ويصعد بوقار السلالم المؤدية 
الى جناحه -اليس كل عشاق الكون المعروفين محانين؟ - ويتفحص وجهه الوسيم 
امام المرآة» فإن ايرنستينا منحت نفسها حرية الانصراف وتوجهت الى غرفتها. فقد 
كانت ترغب في ان تلقى نظرة اخيرة على خطيبها من خلال الستائر المخرمة. كما 
كانت ترغب ايضا في ان تكون في الغرفة الوحيدة الى تستطيع حقا ان تحتملها في 
منزل خالتها. 

بعد ان اعجبت ايرنستينا بطريقة مشيته وبخاصة الاسلوب الذي رفع فيه 
قبعته لخادمة الخالة ترانتر الي صادف وحودها خارج المنزل في مهمة قصيرة» 
وكرهته لتلك التحية لأن الفتاة كانت تملك عينين صغيرتين وقحتين كعيون 
فلاحات دورسيت وسحنة وردية استفزازية ولان تشارلز كان قد حرم عليه 
النظر ثانية الى اي امرأة يقل عمرها عن الستين سنة؛ بعد هذا كله» عادت 
ايرنستينا الى غرفتها وكانت غرفة مؤثثة لحا وحسب ذوقها وهو ذوق فرنسي 
مؤكدا وكان في ذلك الوقت اثاثا ثقيلا كالاثاث الانكليزي بيد انه كان 
ذهبي اللون» غريبا. اما بقية ارحاء منزل الخالة ترانتر فكانت تعود في 
طرازها الى ربع قرن من الزمن على نحو واسع» لا يرحم ولا يرقى اليه شك: اي 
كان متحفا يضم اشياء صنعت في المقام الاول خلال فترة الرفض الدقيق لكل 
الاشياء المبهجة والحميلة» اشياء يمكن ربطها بذكرى او اخلاق بريئٍ البغيض 
وحورج الرابع. 

۾ يكن في مستطاع احد ان يكره الخالة ترانتر؛ حن إن التفكير بالغضب 
من ذلك الوجه الباسم على نحو بريء والمهذار- وبخاصة المهذار - كان امرا لا 
معقولا. فقد كانت تملك التفاؤل العميق الذي عرفت به الخادمات المسنات 
الناجحات» ان العزلة تعلم الاعتماد على الذات او تفسدها. وقد بدات الخالة 
ترانتر تستفيد من كل شيء لصا حهاء وانتهى با الامر الى اعمام هذه الفائدة 
على العالم كله. 


36 


على اي حال» لقد بذلت ايرنستينا ما في وسعها كي تثير غضبهاء بخصوص 
استحالة تناول الطعام في الساعة الخامسة؛ بخصوص موضوع الاثاث الكئيب الذي 
كان يختق بقية الغرف؛ بخصوص موضوع عناية الخالة المفرطة باسمها الخالي من 
العيوب (اذ لم يكن من شأفها ان تصدق ان العريس وعروس المستقبل را يرغبان 
في الجلوس وحيدين او يخرجان وحدهما)؛ وفوق هذا كله» بخصوص موضوع 
وجود ايرنستينا ثي بلدة لام نفسها. 

لقد تعين على الفتاة المسكينة ان تعاني الكرب الذي يعانيه كل طفل وحيد 
ابويه منذ بدء الزمان - اي الهيمنة الماحقة الى لا تلين من القلق الابوي. فمنذ 
ولادتمها كان ابسط سعال تصاب به يستدعي قدوم الاطباء» ومنذ بلوغها الحلم 
كانت اقل نزوة تنتابها تتطلب دعوة مصممي الديكور وحياطي الملابس. واقل 
عبوس يجعل امها وأباها دوما في حوار تأنييي يمتد سرا ساعات طويلة. لكن كل 
شيء كان على ما يرام فيما يخص الملابس الحديدة والستائر الجديدة؛ باستثناء قضية 
واحدة لم تنفع معها كل شكواها تلك هي قضية صحتها. فقد كانت والدمّا 
وكذلك والدها على اقتناع تام بانما مصابة بالسل. وما كانا يشمان رائحة 
الرطوبة في سرداب ما حن يقررا الانتقال من ذلك البيت» وما ان تصادفهما 
الامطار يومين اثنين في عطلة ما حن يقررا الذهاب الى بقعة احرى. وقد احرى 
عليها نصف اطباء شارع هارلي الفحوصات دون حدوى» فهي لم تكن مصابة 
بداء حطير طيلة حياتها. ولم تكن لتشعر بالكسل والبلادة والضعف المزمن. كانت 
تستطيع - خاصة اذا ما اتيحت لما اي فرصة- الرقص طوال الليل» وتلعب الريشة 
في الصباح التالي دون ان ينتابما اي وهن. بيد انما لم تعد قادرة على تغيير فكرة 
والديها الشغوفين ها تماما مثلما لا يقدر طفل صغير على هدم جبل من الحبال. آه لو 
استطاعا ان يعرفا ما يخبئ المستقبل! فقد كان مقدرا لايرنستينا ان تعيش وتعمر اكثر 
من حيلها. اذ ولدت في العام 1846 وتوفيت في اليوم الذي غزا فيه هتلر بولندا. 

وهكذا اصبح بقاؤها السنوي مع شقيقة امها في لاتم جزءا لا يتجزا من نظامها 
غير الضروري تماما. كانت في المعتاد تأي لتسترد عافيتها بعد فصل الشتاء» اما في هذا 
العام فقد ارسلت مبكرا لتستجمع قواها استعدادا للزواج. ما لا ريب فيه ان نسمات 
القنال افادتا الى حدٌ ما بيد انما كانت دوما تبط بالعربة الى لام وعلى وجهها سحنة 


37 


سجين يصل الى سيبيريا. كانت رفقة المكان مواكبة للعصر مثل اثاث الخالة ترانتر 
المبعثر. اما فيما يخص المتعة فكانت هذه اسوأ من لا شيء عند سيدة شابة الفت افضل 
ماقي وسع لندن ان تقدمه لها. وبمذا فإن علاقتها بالخالة ترانتر تشبه علاقة طفلة 
جحريئة» حولييت انكليزية بصحبة ممرضتها ذات القدمين المسطحتين اكثر ما تشبه 
العلاقة الي من شأن المرء ان يتوقعها بين حالة وابنة احتها. في الواقع» لو ان روميو لم 
يظهر على نحو رؤوف على المسرح في الشتاء الماضي ويقطع لها عهدا بأن يشاركها 
عزلتها العقابية لتمردت. المؤكد ان ايرنستينا كانت تتمتع بارادة شخصية اقوى بكثير 
ماهو مسموح به لاي فرد من حولا؛ واكثر مما يسمح به العمر نفسه. لكن لحسن 
الحظ كانت تحترم التقاليد احتراما شديدا وتشارك تشارلز روح السخرية والتهكم؛ 
وهي ليست اقل الصفات الي جذبت احدهما الى الاحر اول وهلة. فلولا هذه الروح 
وكذلك روح الدعابة لكانت طفلة مدللة فظيعة. من المؤكد ان الشيء الذي كان 
يخلصها انما هو مناجاتها نفسها بعبارة: (ايتها الطفلة المدللة الفظيعة). 

في اثناء وجودها في غرفتها عصر ذلك اليوم فتحت ازرار ثوبما ووقفت امام 
مرآتها مرتدية قميصها التحتاني الفضفاض وتنورقا التحتانية. ولبضع لحظات بدت 
تائهة وسط تأمل ذاتي نرحسي ثماما. كانت رقبتها وكتفاها تلائم وجههاء هي في 
منتهى الحمال حقاء واحدة من اجمل الفتيات اللواي عرفتهن. وفي محاولة لاثبات 
ذلك» عمدت الى رفع ذراعيهاء وارحت شعرهاء وهو امر كانت تعرف انه ينطوي 
على الاثم على نحو مبهم الا انه ضروري مثل حمام حار او فراش دافئ في ليلة 
شتوية. تخيلت نفسها في لحظة خطيئة حقا مثل امرأة سيئة؛ راقصة. ممثلة. واذا 
كنت ترقبهاء فانك ستشاهد شيئا غريبا تماما. اذ توقفت فجأة واستدارت 
للاعجاب بنفسها من الجانب» القت نظرة سريعة صوب السقف. تحركت شفتاها. 
وعلى جناح السرعة فتحت خزانة الملابس» واحرحت منها مبذلا نسويا فضفاضا. 

لقد خحطرت بباها فكرة جنسية» خيال صورة متخيلة على نحو باهت لتطويقة 
ليب وكون" والاجساد العارية - اذ صادف وهي تدور على قدم واحدة ان نحت 
(16) ليئوكون: كاهن من طروادة قتلته واولاده اثنتان من افاعي البحر بعد ان حذر الطرواديين 


من الحصان الخشبي. خلد اسطورته نحات اغريقي في تمثال من الرخام يظهر تطويق 
الافاعي بشكل لا خلاص منه لاجساد ليئوكون واولاده العراة. (المترجم) 


38 


في المرآة احدى زوايا سريرها. ولم يكن جهلها المطبق بحقيقة الجماع وحده الذي 
اثار رعبهاء بل هالة العذاب والقسوة الى يتطلبها الفعل على ما يبدو وال تلغي 
رقة الاشارة والحذر اللذين يشوبان الملاطفة المسموح ما ال جذبتها الى تشارلز. 
لقد شاهدت مرة او مرتين الحيوانات في حالة السفاد» فظل العنف يستحوذ على 
عقلها. 
هكذا ابتكرت ما يشبه الوصية الخاصة - كانت الكلمات المتعذر سماعها هي 
على وجه التحديد لا يبغي لي - كلما حاولت الابماءات الجسدية الانثوية 
الجمسدها الجنسية» ذات المساس بالحيض او بالولادة» ان تقتحم وعيها. لكن على 
الرغم من محاولة المرء ان يبعد الذئاب عن باب داره» فما تظل تعوي في الظلام. 
كانت ايرنستينا تريد زوجاء ان يكون تشارلز هو ذلك الزوج» تريد اطفالاء بيد ان 
الثمن الذي فكرت على نحو غامض بوجوب دفعه بدا غاليا. 

لقد كانت معظم نساء عصرها يشعرن بنفس المشاعر. وينطبق الامر على 
معظم الرجال ايضا. وليس مما يثير الدهشة ان الواجب قد اصبح مفهوما اساسيا 
في فهمنا العصر الفكتوري”'؛ او فيما يخص هذه المسألة مفسدا للبهجة في 
عصرنا("). 

بعد ان هدأت ايرنستينا الذئاب اتحهت صوب منضدة الزينة» وسحبت احد 
الادراج؛ واحرحت منه مفكرقا المغلفة بجلد اسود والمزودة عماسكة مذهبة. 
واخرجت من درج اخر مفتاحا مخفيا وفتحت المفكرة. وعلى الفور نظرت في 
الصفحة الاخيرة. كانت قد كتبت فيها في يوم حطوبتها لتشارلز تواريخ الاشهر 
والايام الي تفصلها عن الزواج. ورأت الخطوط الصغيرة الي خطتها في خلال 
الشهرين الماضيين ولا يزال هناك ما يقرب من التسعين رقما. وهنا تناولت ايرنستينا 


(17) العصر الفكتوري: منسوب الى الملكة فكتوريا الانكليزية (1901-1837). (المترجم) 

(*) المقطعان المأخوذان من قصيدة «احياء لذكرى ارثر هنري هالم» اللذان اوردتهما في 
مستهل هذا الفصل مناسبان في هذا المقام. من المؤكد ان اكثر الحجج غرابة في تلك 
المجموعة الشهيرة للقلق في الحياة بعد الموت معبر عنه في المقطع (35) من هذه القصيدة. 
ان الزعم بأن الحب لا يمكن ان يكون الا بهيئة شبق مفرط اذا انعدم خلود الروح انما هو 
هروب مصحوب بذعر من (فرويد). لقد كانت السماء عند الفكتوريين سماء الى حد كبير 
لأن الجسد - يترك على الارض مع رغباته الجنسية. (المؤلف) 


39 


القلم الرصاص الذي تعلوه قطعة من العاج والمثبت في اعلى المفكرة وشطبت يوم 
السادس والعشرين من اذار/مارس. لا تزال هناك تسع ساعات على انقضاء اليو 
غير اما كانت تسمح لنفسها باللجوء الى هذا الغش البسيط عادة. ثم عادت الى 
بداية المفكرة» او قروماء اذ كانت هدية من هدايا العيد» وقلبت حوالى حمس عشرة 
صفحة مكتوبة بخط انيق حي وصلت الى صفحة خالية كانت قد وضعت فيها 
زهرة ياسمين. نظرت اليها نظرة ملية برهة وجيزة ثم مالت كي تشم رائحتهاء 
فانثال شعرها فوق الصفحة» واغمضت عينيها لترى ان كان في وسعها ان 
تستدعي مرة احرى اكثر الايام يمجة» اليوم الذي ظنت انما ستموت فيه من فرط 
سعادقاء اليوم الذي بكت فيه على نحو متصلء اليوم الذي يفوق الوصف... 

بيدافهاسمعت وقع اقدام الخالة ترانتر على السلالم» فاسرعت الى احفاء 
المفكرة» وبدات تمشط شعرها البئ الرقيق. 


40 





آه يا مودء ايتها الظبية البيضاء كالحليب» انت لا تصلحين ان تكوني 
زوجة ابدا. 


تينيسون - مود 1855 


كان وجه السيدة بولتيي يعبر عن جهل واضح عصر ذلك اليوم الذي رحع 
فيه القس ولمح اليها عن بلاغه. فمع سيدات من طرازهاء تكون الدعوة الفاشلة 
في المعرفة في اغلب الاوقات دعوة ناجحة لعدم الموافقة اذ كان وجهها يناسب تماما 
الرأي الثاني. وكانت عيناها لا تشبهان ابدا بيو ت الصلاة الساكدة ال عبر عنها 
ك 
ون ا الجزء السفلي من حديها فكان يغطيهما اللعد تقريبا ويضغط على 
شفتيها معا في رفض في محله لكل شيء يهدد مبدأيها في الحياة: الاول هو (وهنا 
استعير عبارة ترايتشكي؟!) الساحرة) الحضارة صابود والثاني هو ان الشيء ادير 
بالاحزام هو الشيء الذي لا يلحق الاساءة بي. كانت تشبه احد ابناء بكين 
البيضء واذا توحينا الدقة اكثر فإِهُا تشبه احد ابناء بكين المنتفخين لأنها كانت 
تخفي تحت صدرها جيبا يحتوي على الكافور كي يقيها من الكوليرا: - وههذا فإها 
حيثما كانت» برز منها دوما شيء محفوظ - لا اعرفها. 
الرحيه”!) صادف السيدة بولتيئ بدلا من المسافر المسكين. 


(18) ترايتشكي» هنريء (1896-1834) مؤرخ الماني. (المترجم) 

(19) اشارة الى رواية السامري الوارد ذكرها في انجيل لوقا (الفصل العاشر: 35-30) التي تقول 
ان عيسى المسيح قال: كان رجل منحدرٌ من اورشليم الى اريحا فوقع بين لصوص فعروه 
وجرحوه ثم مضوا وقد تركوه بين حي وميت فاتفق ان كاهنا كان منحدرا في ذلك الطريق 
فابصره وجاز وكذلك لاوي وافى المكان فابصره وجاز ثم ان سامريا مسافرا مر به فلما 
راه تحنن فدنا اليه وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا وحمله على دابته واتی به الى 
فندق واعتنى بامره وفي الغد اخرج دينارين واعطاهما لصاحب الفندق وقال اعتن بامره 
ومهما تنفق فوق هذا فانا ادفعه لك عند عودتي. (المترجم) ۰ 


41 


- لم افترض انك تعرفينهاء فهي فتاة من تشارماوث. 

- فتاة؟ 

- لست متأكدا من عمرها. انها امرأة» سيدة في نحو الثلاثين, رعا اكثر. لا 
اريد ان اجازف بالتخمين. 

شعر القس انه بدا حديثه بداية ضعيفة عن المدعي عليه الغائب. 

- اها قضية مثيرة للشجن» وتستحق الكثير من عطفك. 


- اهي متعلمة؟ 
- نعم» حقا. لقد درست لتصبح مربية اطفال» بل كانت هي مربية في 


الحقيقة. 

- ماذا تفعل الان؟ 

- اظنها بلا عمل. 

- لماذا؟ 

- انها قصة طويلة. 

- من المؤكد اني ارغب في سماعها قبل ان تباشر. 

هكذا جلس القس ثانية» واحبرها مما كان يعرفه او بقسم مما كان يعرفه عن 
سارة وودراف لأنه قرر ان يضع حياته في خحطر في محاولة شجاعة لانقاذ روح 
السيدة بولتيق: 

- كان والد الفتاة يقيم في منزل اللورد ميريتون بالقرب من بيمنستر. وهو 
فلاح لا اكثرهء بيد انه رجحل ذو مبادئ سامية وكان يحظى باحترام فائق وسط 
حيرانه. وقد زود الفتاة بثقافة افضل هما يمكن ان يتصور اي شخص. 

- اهو متوق؟ 

- منذ بضع سنوات. واشتغلت الفتاة مربية في اسرة القبطان حون تالبوت في 
تشارماوث. 

- أفي وسعه تزويدنا برسالة معلومات عنها؟ 

- اذا كنت قد فهمت عادئتنا السابقة فهما صحيحاء فاننا نناقش عملا من 
اعمال البر يا عزيزي السيدة بولتيئي وليس طلب وظيفة. 

هزت رأسها قليلا وهي اقرب علامة على الاعتذار عرفت ما حقا. 


42 


- ممالا ريب فيه ان الحصول على مثل هذه الرسالة امر ثمكن. لقد ت ركت 
بيته بناء على رغبتها. اما القصة فهي كما يلي: لا بد انك تتذكرين الم ركب 
الفرن سي الذي اظن بانه قد حاء من سانت مالو ودفعت به الرياح العاتية في شهر 
كانون الاول/ديسمبر الماضي قرب بلدة ستونبارو. ما لا ريب فيه انك تتذكرين ان 
ثلاثة من طاقم المركب قد انقذ حياتهم اهالي تشارماوث وكان اثنان من بينهم 
بحارة لا اكثر. اما الثالث فهو ضابط الم ركب وقد اصيبت ساقه اصابة شديدة عند 
الصدمة الاولى» بيد انه تشبث باحد الصواري ووصل الى الشاطى. لا بد انك 
قرأت عن الموضوع. 

- من الحتمل تماما. اني لا احب الفرنسيين. 

- ولما كان القبطان تالبوت ضابطا بحريا هو الاخر» فقد طلب من اهل بيته 
ان يولوا العناية للضابط الاحنبي الذي لم يكن يتحدث الانكليزية واستدعيت 
الانسة وودراف للترجمة والعناية به. 

- اتتحدث بالفرنسية؟ 

كان ذعر السيدة بولتيئ لهذا الاكتشاف الرهيب كافيا تقريبا لاغراق القس. 
بيد انه انحجن وابتسم على نحو مهذب. 

- هذا شأن معظم مربيات الاطفال يا سيدت العزيزة. وليس العيب فيهن اذا 
كان العالم يتطلب منهن مثل هذه الامور. لكن لنعد الى السيد الفرنسي. اني 
اعرب عن اسفي اذ اقول بانه لم يكن يستحق تلك الصفة. 

- سيد فورسايث! 

انتتصبت في مكافها ولكن ليس على نحو اقوى ما ينبغي لعلا تضطر الرحل 
المسكين الى ان يصمت. 

- اني اسارع الى القول بأن اي سلوك شائن لم يحدث في بيت القبطان 
تالبوت او بقدر ما يتعلق الامر بالانسة وودراف قي اي زمان او مكان لاحقين. اذ 
قطع لي السيد فورسي - هاريس عهدا بذلك. وهو على دراية بالظروف على نحو 
افضل ميٰ. 

الشخص الذي ورد ذكره هو قس بلدة تشارماوث. 

- بيد ان الرحل الفرنسي تمكن من اللعب بعواطف الانسة وودراف. 

43 


وعندما شفيت ساقه سافر بالعربة الى ويعاوث» كما يفترض عموماء ليعود الى 
وطنه. وبعد مرور يومين على رحيله طلبت الانسة وودراف من السيدة تالبوت 
وعلى جحناح السرعة ان تسمح لما بترك عملها. وقد قيل لي ان السيدة تالبوت 
حاولت انتزاع اسباب المرأة» لكن دون جدوى. 

- وتركتها تمضي دون اشعار؟ 

انتهز القس فرصته على نحو ذكي. 

- صحيح. كان تصرفا في منتهى الحماقة. كان ينبغي لما ان تدرك ادراكا 
افضل. ولو ان الانسة وودراف كانت تعمل في وظيفة تتصف بوعي اكبر لما 
راودني الشك في استحالة حدوث مثل هذه الواقعة. 

توقف هنيهة ليترك السيدة بولتيئ تدرك الاطراء المستتر. 

- سأخحتصر في سرد قصي. لحقت الانسة وودراف بالرجل الفرنسي في 
وبماوث. فاصبح سلوكها هذا يستحق الشجب والاستنكار» غير اني علمت افا 
مكثت هناك مع احدى قريباتها. 

- ذلك لا يغفر لها في نظري. 

- مؤكدء الا انه ينبغي ان تتذكري انها ليست سيدة بالفطرة. فالطبقات 
الدنيا لا تدقق كثيرا في المظاهر كما هو شأننا. يضاف الى ذلك» ان اغفلت القول 
بأن الرحل الفرنسي احذ عهدا على نفسه ان يخطب الفتاة وقد ذهبت الانسة 
وودراف الى ويماوث معتقدة انها ستتزوج. 

- لکن هل هو غير كاثوليكي؟ 

كانت السيدة بولتيي ترى نفسها مثل جزيرة باتموس7" في حيط هائج من 
الكثلكة. 

- احشی ان سلو که ينم عن عدم يمانه بي معتقد مسيحي. الا انه بلا ريب 
قد الحبرها انه واحد من افراد طائفتنا الدينية السيئة الحظ في ذلك البلد الضال. 
وبعد مرور بضعة ايام قفل راجعا الى فرنسا بعد ان قطع وعدا للانسة وودراف بانه 
حالما يلتقي اهله ويزود بسفينة حديدة - من اكاذيبه الاخرى انه سيرقى الى رتبة 


30 خرن اتر ورن ا جل ا :11 :جيل وروي رک ايها تيعس م 
واصبحت فيها مدرسة دينية في العام 9. (المترجم) 


44 


نقيب اثر عودته - فسيعود ثانية الى هناء الى لام نفسها كي يتزوجها ويأحذها 
معه. ومنذ ذلك الوقت وهي تنتظره. من الواضح تماما ان الرحل كان مخادعا بلا 
قلب. وما لا ريب فيه انه كان يمني نفسه بارتكاب فعل احمق» مقيت ازاء المخلوقة 
المسكينة في ويماوث. لكن عندما كشفت له مبادؤها الدينية القوية عبث مراميه؛ 
رحل عنها. 

- ما الذي حدث لا منذ ذلك الحين؟ من المؤكد ان السيدة تالبوت لم تعدها 
ثانية. ٠‏ 
- السيدة تالبوت امرأة غريبة الاطوار الى حدٌ ما يا سيدق. وقد عرضت ان 
تعيدها مرة احرى. غير اني اصل الان الى الخائمة الحزينة لقص هذه. ان الانسة 
وودراف ليست مخبولة. حاشا ان تكون كذلك. انها قادرة تماما على انحاز اي 
اعمال توكل اليها. بيد انما تعاني من نوبات كأبة عنيفة. لا شك ان سبب ذلك 
يعود حزئيا الى الندم. لكنه يعود ايضاء وهو ما اخشاه؛ الى الوهم الثابت في عقلها 
بأن الملازم رحل شريف وانه سيعود اليها يوما ما. لهذا السبب» ربا تشاهد غالبا 
وهي تتردد على سواحل البحر القريبة من بلدتنا. وقد حاول السيد (فورسي - 
هاريس) جادا ان يبين للمرأة لا حدوى سلوكها هذا فضلا عن افتقاره إلى اللياقة. 
اهما جزعة قليلا يا سيدق. 

ران الصمت بعد ذلك. وكيّف القس نفسه وفق سيد ون - للاحتمال 
المحض. ادرك ان السيدة بولتيئ كانت منهمكة في التفكير. ففكرقا عن نفسها 
تطلبت منها ان تبدو مذعورة» فزعة؛ لفكرة السماح لمثل هذه المخلوقة بدحول 
بيت مارلبورو. لكن ينبغي تبرير مثل هذا العمل امام الله. 

- الديها اقارب؟ 

- لا استنتج ذلك. 

کن عالت نفضيها مد :© 

- على نحو يدعو للشفقة غالبا. ادرك اها كانت تقوم ببعض اشغال التطريز 
واظن ان السيدة ترانتر استخدمتها لانحاز مثل هذا العمل الا انما تعيش في الاساس 
على ما ادحرته من موقعها السابق. 

- لقد ادحرت اذا. 


45 


استرد القس انفاسه مرة اخرى. 

- لو قبلت ما يا سيدق فانئ اعتقد انها ستجد الخلاص حقا. 

وهنا لعب ورقته الرابحة. 

- ورا ستخلص غيرها ايضا على الرغم من اني لست في موقع الحكم على 
ضميرك. 

وفجاة غشيت السيدة بولتيئ رؤيا سماوية تحير البصر. اها رؤيا السيدة 
كوتون وقد انخلع انفها الطاهر. قطبت حاجبيهاء وأمعنت النظر في سجادقًا 
الكثيفة الوبر. 

- احب ان استدعي السيد فورسي - هاريس. 

بعد مرور اسبوع جاء السيد فورسي - هاريس يرافقه قس بلدة لام ورشف 
الشراب الفرنسي وتحدث ,مثل ما نصحه به زميله القس بعد ان حذف منه ما اراد. 
كما قدمت السيدة تالبوت رسالة مطولة ضمنتها معلومات» اضرت اكثر مما 
نفعست» لأفا فشلت تماما في ادانة سلوك المربية ادانة كافية. وقد اثارت عبارة 
واحدة على وجه الخصوص من غضب السيدة بولتييٰ: «كان المسيو فارغون 
شخصا حذابا الى حدّ كبير وقد رغب القبطان تالبوت في ان اقول لك ان حياة 
البحار ليست افضل مدرسة للاخلاق». كما لم هتم ايضا للعبارة القائلة ان الانسة 
سارة وودراف كانت «معلمة مطيعة وماهرة» او لعبارة «ان اطفالي الصغار 
مشتاقون اليها كثيرا» بيد ان لين السيدة تالبوت الواضح وعدم دقة معاييرها 
وانفلات عواطفها الاحمق ساعد في النهاية سارة مع السيدة بولتيي. فقد مثل ذلك 
تحديا لما. 

هكذا جاءت سارة لاجراء المقابلة وهي في صحبة القس. وقد اثارت هجة 
السيدة بولتيئ سرا منذ البداية اذ ظهرت منبوذة» سحقتها الظروف على نحو 
بالغ. وبدت على نحو يدعو الى الازتياب كما هي حقا - فتاة في الخامسة 
والعشرين وليس في «الثلاثين او رعا اكبر من ذلك». لكن حزما الوحيد البالغ 
الوضوح كان ظاهرا على محياها ثما يدل على انما كانت اثمة. ولم تكن السيدة 
بولتيي لترغب في عمل اي شي لاي شخص لا يبدو واضحا جدا انه من ذلك 
الصنف. ثم هناك احتياطيها من المال الذي اعتبرته السيدة بولتيئ عرفانا صامتا. 


46 


يضاف الى ذلك كله ان وجود الذكريات عن الكثير من الخدم الذين غادروا 
المنزل جعل السيدة العجوز تنفر من الوقاحة والحرأة وهما صفتان ترادفان في 
تحربتها الحديث قبل الاستئذان وتوقع الطلبات مما يحرمها من متعة الاستفسار 
عن سبب عدم التوقع. 

بعد ذلك كتبت رسالة بناء على اقتراح من القس. كان الحظ جيلا جدا 
والهجاء يخلو من الاخطاء. بل اها وضعت اختبارا اكثر مكراء اذ اعطت سارة 
انمحيلهاء وطلبت اليها ان تقرأً. كانت السيدة بولتيئ قد فكرت في اختبار المقطع 
وكانت ممزقة النفس بين المزمور (119): «طوبى للكاملين في سلوكهم» والمزمور ( 
0 : «انقذي يا رب من انسان السوء». وفي فاية المطاف اختارت الاول. وم 
تصغ للصوت الذي كان يتلو حسب» بل اصغت ايضا لاي علامة قاتلة تشير الى 
ان كلمات ناظم المزامير لم تصب في قلب القارئ. 

كان صوت سارة ثابتا وقويا الى حدّ ماء وكان يحتفظ باثار لكنة ريفية غير 
ان اللكنة الرقيقة في تلك الايام لم تكن متطلبا (مستلزما) اجتماعيا كبيرا كما 
حدث بعد ذلك. فقد كان هناك رحال في مجلس اللوردات» بل دوقات ايضاء 
ظلوا محتفظين بلكنة اقاليمهم» ولم يظن احد سوءا بهم. ولعل صوقّا ارضى السيدة 
بولتيئ اول الامر مقارنة مع تلعثم السيدة فيرلي الذي يعوزه الالهام. لقد حلب لبها. 
وهكذا الامر فيما يخص سلوك الفتاة وهي تقرأ: «ان عاداتي موجهة كي تحفظ 
شرائعك». 

وهنا بقي استجواب قصير. 

- ان السيد فورسايث يخبرني بانك مرتبطة بهذا الشخص الاحنبي. 

- لا ارغب في الحديث عن ذلك يا سيدي. 

لو ان اي خادمة تحرأت وتفوهت ,مثل هذه العبارة امام السيدة بولتيئ فإن 
يوم الغضب سيحل بعد ذلك. الا ان هذه العبارة قيلت صراحة» بلا حوف» لكن 
على نحو يدعو الى الاحترام. وهكذا تركت السيدة بولتيئ اول مرة الفرصة الذهبية 
تفوت دون ان تستأسد. 


47 


في وسعي ان اضيف انما لم تكن تملك اي كتاب لأنها باعت كتبها كلها 
وليس لأنها نذير مبكر يماكالوهان”© الفظيع. 

- من المؤكد ان لديك انحيلا؟ 

هزت الفتاة رأسها علامة النفي. فتدحل القس. 

- سأهتم بذلك يا عزيزت السيدة بولتيي. 

- قيل لي انك دوما تقضين الوقت في الامور الدينية. 

- نعم يا سيدي. 

- ارجو ان تظلي كذلك. نسأل الله العزاء في شدائدنا كلها. 

- احاول ان اشاطرك ابمانك يا سيدي. 

وهنا طرحت السيدة بولتيئي اصعب اسئلتهاء وهو سؤال سبق ان طلب منها 
القس الا تطرحه. 

- ماذا سيحدث لو ان هذا... الشخص قد عاد؟ ماذا سيحدث؟ 

الا ان سارة مرة احرى قامت بافضل ما تستطيع: م تقل شيئاء بل احنت 
رأسها لا غير ومن ثم هزته. فسمحت السيدة بولتيئي لنفسها وهي في افضل 
حالات مزاجها ان تدرك بأن تلك علامة الندم الصامت. 

لذلك بدات عملها الصالح. 

م بخطر في بالهىها ان تسأل عن السبب الذي يدفع سارة الى الدحول في 
خدمتها بينما كانت قد رفضت ف السابق وظائف العمل من اشخاص اقل تزمتا 
من السيدة بولتيئ. كان هناك سببان اثنان بسيطان: الاول هو ان بيت مارلبورو 
كان يطل على خليج لايم على نحو رائع. اما الاخر فهو اشد بساطة: كانت لا 
تملك الا سبعة بنسات في هذا العالم. 


(21) هربرت مارشال ماكلوهان (1911) مفكر كندي في ميدان التربية والاتصالاتء امن بقوة 
تأثير التلفزيون والكمبيوتر وغيرها من وسائل الاتصال الالكترونية في انماط الفكر سواء 
في علم الاجتماع الفن» العلوم او الدين وقال ان مستقبل الكتاب زائل لا محالة نتيجة لذلك. 
اهم مؤلفاته (الوسط هو الرسالة - 1967). (المترجم) 


48 





ان الانتاجية الاستثنائية في الصناعة الحديثة... تسمح بالاستخدام غير 
المنتج لعدد اكبر واكبر من اوساط الطبقة العاملة وبالتالي اعادة تقديم 
عبيد المنازل القدامى» على نطاق متسع دوماء تحت اسم طبقة الخدم: 
بمن في ذلك الخدم, الخادمات والخدم من ذوي البزات الخاصةء الخ. 
ماركس - رأس المال 1867 


عندما فتح سام الستائر» غمر الصباح تشارلز مثلما كانت السيدة بولتيي 
- الي كانت لا تزال تغط في النوم - تتمئئ لو ان الحنة تغمرها بعد موقا اثر 
توقف مهيبء اذ ان مناخ شاطئ دورسيت اللطيف يوفر مثل هذه الايام عشر 
مرات او ما يقرب من ذلك في العام الواحد. ولا يوفر هذا المناخ اياما مقبولة 
في غير اوافهاء بل جزء ساحر من دفء المتوسط واشراقه. وتصاب الطبيعة .عمس 
من الحنون قي اثناء ذلك. فالعناكب الي ينبغي ان تكون في سبات» تتراكض 
فوق صخور تشرين الثاني/نوفمبر الحارة» وتشدو الشحارير في كانون 
الاول/ديسمبرء وتتفتح زهور الربيع في كانون الثاني /ينايرء ويحاكي اذار/مارس» 
حزيران/يونيو. 

جلس تشارلز منتصبا في فراشه وخلع قلنسوة النوم على عجل» وترك سام 
يفتح النافذة على مصراعيها واستند الى يديه وشرع بمعن النظر في شعاع الشمس 
الذي فاض في الغرفة. زالت الكآبة الحقيقية الي اثارت الغم في نفسه في اليوم 
السابق مع زوال السحب» وشعر ان هواء الربيع الدافئ» يشق طريقه بلطف داحل 
قميص نومه نصف المفتوح ويتجه صوب رقبته المكشوفة. وقف سام يشحذ شفرة 
الحلاقة في حين تصاعد البخار على نحو جذاب مذكرا الى حد ما بذكريات 
بروستية» اذ كشف عن العديد من الايام السعيدة والثقة الكبيرة بالمكانة والنظام 
والهدوء والمدنية من خلال الابريق النحاسي الذي اتى به معه. وفوق الشارع 
المرصوف بالحجارة من تحت» كان ثمة راكب يسير يهدوء متجها صوب البحرء في 
حين عبشت نسمة اكثر قوة بالستائر المحملية ذات اللون الاحمر قرب النافذة. لكنها 


49 


ظلت جميلة تحت ذلك الضياء. كان كل شيء حسنا تماما. ومن شأن العالم ان 
يكون دوما في هذا الزمان» في هذه اللحظة. 

كان هناك عدو حفيف الوقع لحوافر صغيرة» ثغاء ومواء لا ينقطعان. مض 
تشارلز ونظر من النافذة. كان ثمة رجلان مسنان يرتديان ثيابا فضفاضة ويتجاذبان 
اطراف الحديث في مواحهته» احدهما راع يتكئ على عصاه في حين وقفت انتا 
عشرة شاة والكثير من الحملان بقلق وسط الشارع. لقد اصبحت بقايا مثل هذا 
. الزي الفلكلوري الخاص بانكلترا القديمة صورة رائعة بحلول العام 1867 الا انه لم 
يكن زيا نادرا. ففي كل قرية» هنالك اكثر من عشرة مسنين يرتدون مثل تلك 
الملابس. رغب تشارلز في ان يقدر على لفت الانتباه. فقد كان الريف ساحرا 
حقا. وهنا التفت الى حادمه. 

- قسما بشرفي يا سام انئ في مثل هذا اليوم يبمكن ان افكر بالا اشاهد لندن 
ثانية ابدا. 

- لو بقيت واقفا امام ال حواء فلن تراها ايضا يا سيدي. 

نظر اليه سيده نظرة ساخرة. فقد مضى على وحوده مع سام اربعة اعوام 
ويعرف احدها الاخر افضل مما يعرف شريكان بعضهما بعضا في الكثير من 
البيوت الى يعتقد ان الفة اكير تسودها. 

- لقد عدت الى الشراب يا سام. 

- لا يا سيدي. 

- هل الغرفة الجديدة افضل؟ 

- نعم يا سيدي. 

- وحجرة الطعام؟ 

- مرضية تماما يا سيدي. 

- هذا يتطلب الاثبات. كانت مرحلة الصباح عسيرة عليك» تدفع البخيل الى 
الغناء. اذا كنت تتناول الشراب. 

احتبر سام حافة الشفرة القاطعة فوق طرف ييمامه الصغير وقد بانت على 
وجهه أمارات تشير الى انه في اي لحظة قد يغير من رايه وجرا فوق رقبته» او رما 
حى فوق وجه سيله الباسم. 

50 


- انها فتاة المطبخ في بيت السيدة ترانتر يا سيدي. اني اذهب.. 

- ارجو ان تضع هذه الالة جانبا وتوضح كلامك. 

- لقد شاهدقا. هناك في الخارج. 

ثم هز اهامه في اتحاه النافذة: 

- كانت تنادي من الجهة الاخرى من الشارع. 

- ما الذي كانت تناديه؟ 

ازدادت تعابير سام عمقا حب كاد يزعق: 

- الديك كيس لجمع السخام؟ 

ثم توقف مکتعبا: 

- هذا ما نادت به» يا سيدي. 

ابتسم تشارلز ابتسامة عريضة. 

- اني اعرف الفتاة. اهي الفتاة ذات الرداء الرصاصي؟ الي لا يمكن النظر 
اليها لفرط قبحها؟ 

كان كلاما قاسيا من تشارلز لأنه كان يتحدث عن الفتاة الي رفع لها قبعته 
في عصر اليوم السابق. وهي مخلوقة تصلح للزواج وفي وسع بلدة لام ان تفخر بما. 

- ليست قبيحة تماماء في مظهرها في الاقل. 

- آه» ان سيد الحب غير عادل مع اهالي لندن الفقراء. 

بانت نظرة ساحطة على وجه سام. 

- ليس من شأن ان اؤذيها بأي شيء. انها عاملة ناضرة الوحه في حقل 
الالبان. 

- اظنك تستخدم الكلمات .معناها الحرفي يا سام. جائز انك ولدت في حانة» 
كمااكدت انت مرارا... 

- بل في البيت اجاور ها يا سيدي. 

- بالقرب منها. الا اني لن اسمح لك ان تتكلم بلغة اهل الحانة في يوم كهذا. 

- انه الاذلال يا سيد تشارلز» وقد مع كل سائسي الخيل بالامر. 

فيماشمل كل سائسي ايل شخصين اثنين تماماء احدهما اصمء فإن تشارلز 
لم يظهر سوى قدر-ضئيل من التعاطف. 

51 


ابتسم» ومن ثم اشار الى سام بصب الماء الحار. 

- الان احضر لي فطوريء ايها الصديق الطيب. سأحلق ذقى بنفسي هذا 
الصباح. اريد ان أأكل فطيرتين اثنتين. 

- نعم يا سيدي. 

بيد ان تشارلز اوقف سام الساحط قرب الباب» وهدده بفرشاة الحلاقة. 

- الفتيات الريفيات كثيرات الخجل فلا يصح ان يطلقن مثل هذه العبارات 
الفظة عليهن امام سيد بارز من سادة لندن الا اذا تعرضن للاستفزاز. اول الامر 
على نحو مؤلم. احشى انك تسرعت تماما يا سام. 

وقف سام فاغرا فاه. 

- واذا لم تسرع في احضار طعامي فاني سأربط حذائي مموحرتك. 

اغلق الباب» لكن ليس على نحو بالغ الرقة. بينما غمز تشارلز لنفسه امام 
المرآة. ثم تظاهر فجأة بانه اكبر سنا ممقدار عقد من الزمن: كل الرصانة والحد لرب 
الاسرة الشاب الوقور. ثم ابتسم ابتسامة متسامحة امام وحوهه المتعددة وشعوره 
بالنشاط والخفة. وانتصب واهمك في تأمل ملامحه تأملا رقيقا. كانت ملامحه 
اعتيادية تماما - جبين مستعرض» وشارب اسود مثل شعر رأسه الذي بان اشعث 
بعد خلعه قلنسوة النوم ما جعله يبدو اصغر سنا ثما هو حقا. كانت بشرته شاحبة 
على نحو مناسب على الرغم من انما اقل شحوبا من الكثيرين من السادة في لندن - 
ففي ذلك الوقت لم تكن لفحة الشمس رمزا جنسيا مرغوبا على المكانة 
الاحتماعية» بل على العكس» كانت اشارة على المرتبة الدنيا. نعم. ومن خلال 
تفحصه وجحهه» تبين له انه عبارة عن وجه احمق في لحظة كهذه. ومرت به موجة 
صغيرة من ملل اليوم السباق. انه وجه بريء اكثر مما ينبغي عندما يجرد قناعه 
الشكلي الذي يتخذه حارج المنزل؛ لم يحقق الا الشيء القليل. وم يكن هناك 
حقا سوى الانف المفلطح والعينين الرماديتين الحادئتين. اما التهذيب والمعرفة فهما 
الشيئان اللذان كان بملكهما حقا اكثر من اي شيء. 

وهنا بدا يغطي وحهه الغامض برغوة الصابون. 

كان سام اصغر سنا منه بعشر سنوات» غير انه لا يصلح للخدمة» اضافة الى 
انه شارد الذهن» مزهو» مشاكس» يظن نفسه حاد الذهن» شديد الولع بالضحك» 


52 


كسول» يحتفظ في زاوية فمه بقطعة صغيرة من البقدونس او عود من التبن» يهوى 
الجياد او وضع العصافير تحت منخل عندما ينادى عليه من الطابق العلوي. 

ان اي حادم من اهالي لندن الفقراء امه سام يثير في نفوسنا على الفور 
ذكرى وير الخالد. والمؤكد تماما ان سام هذا برز من ذلك الماضي. الا ان ثلاثين 
سنة مرت على ظهور مذكرات بيكويك في هذا العالم» كما ان هيام سام بالفرس 
لم يكن عميقا حقا بل كان اشبه برحل حديث من الطبقة العاملة يظن ان معرفة 
السيارات معرفة دقيقة انما هو دليل على التقدم الاجتماعي. كما انه لم يعرف شيا 
عن سام ويلر عن طريق الكتاب» بل عن المسرحية المعدة عن الكتاب. وكان 
يعرف ان الزمن قد تغير. وان معرفة جيله من ابناء لندن الفقراء اوسع من ذلك. 
واذا ما ارتاد الاصطبلات فإن هدفه يتمثل في اظهار معرفته الاوسع امام سائسي 
الخيل وندل الحانات. 

شهد منتصف القرن شكلا حديدا تماما من اشكال الاناقة الشديدة يبرز في 
الساحة الانكليزية. فمجموعة الطبقة العليا القديمة الشاحبة المتحررة من الرجال 
الشديدي الاناقة كانت تعرف باسم الطبقة الانيقة. بيد ان الحرفيين الشبان الجدد 
الذين انتعشت احوالهم واولئك الذين اصبحوا من كبار الخدم شأن سام شرعوا 
ينافسوهم في الثياب الجاهزة. وكانت الطبقة المتأنقة تطبق عليهم صفة المقلد لن هو 
ارقى هنه. كان سام نموذجا صحيحا لثل هؤلاء المقلدين بهذا المعن المحدد للكلمة. 
فققد كان لديه احساس حاد بطبيعة الازياء؛ وهو احساس يستوي في حدته 
واحساس الشبان المتأنقين في ستينيات القرن العشرين. وكان يصرف معظم نقوده 
في شراء احدث الملابس. واظهر علامة احرى من علامات هذه الطبقة الجديدة في 
صراعه من احل التمكن من اللغة. 

بحلول العام 1870 كان عجر سام ويلر المعروف في عدم قدرته لفظ الصوت 
(ف) الا بصورة الصوت (و) - وهي علامة دالة على سكان لندن منذ قرون 
عديدة - حط احتقار القلدين والروائيين البورحوازيين الذين استمروا فترة من 
الوقت على ادراج ذلك على نحو غير دقيق في حوار شخصياقم اللندنية الفقيرة. 
لقد كان صراع المقلدين يمس مسا شديدا صوت الحرف (ه). وهو صراع عنيف 
في حالة صديقنا سام ينتهي في اغلب الاحوال بالمزيمة لا النصر» غير ان لفظة 


53 


صوت الحرفين (ا) و(ه) لفظا خاطئا لم يكن لفظا مضحكا حقاء بل كان اشارة 
على ثورة اجتماعية وهو امر احفق تشارلز في ملاحظته وادراكه. 

لعل ذلك سببه ان سام كان يوفر شيئا ضروريا جدا في حياته - فرصة يومية 
للحديث» للعودة الى ايام التلمذة» الى يستطيع تشارلز من خلالها - اذا جاز التعبير 
- ان يظهر ولعه الباعث على الاسى في التوريات والتلميحات المتكلفة: دعابة 
تعتمد على الامتياز الثقاثي» مصحوبة بتجرد مقزز على نحو فريد. لكن على الرغم 
من ان نزعة تشارلز قد تلوح وهي تزيد الطين بلة فيما بخص الاستغلال 
الاقتصادي» فانه لا بد لي من التوضيح ان صلته بسام كانت تظهر حقا حبا من 
نمط ماء رابطة انسانية كانت افضل بكثير من الحاجز الصلد الذي كان يعمل انذاك 
الكثير من الاثرياء الجدد في عصر مشبع بثروات جديدة على اقامته بينهم وبين 

مما لا ريب فيه ان تشارلز كان عنده العديد من الخدم البدائل. اما الاثرياء الحدد 
في عصره. فلم يملكوا ايا من هذه البدائل. كانوا في حقيقة الامر اولاد الخدم في اغلب 
الاحوال. لم يكن قادرا على تصور عالم بلا حدم» في حين كان الاثرياء الجدد قادرين 
على مثل ذلك التصور. وهذا ما حعلهم كثيري المطالب وهم في منزلتهم الرفيعة 
نسبيا. فحاولوا تحويل حدمهم الى الات في حين كان تشارلز يدرك ادراكا جيدا ان 
حادمه هو صاحبه ايضا الى حدّ ما - انه سانشو بانزا22) العنصر الحزلي الواطئع الذي 
كان يدعم هيامه الروحي بايرنستينا - دوروثي. باحتصار» احتفظ بسام لأنه غالبا ما 
كان يسليه» وليس لأنه لم تكن هناك الات افضل منه. 

بيد ان الفرق بين سام ويلر وسام فارو - اي بين 1836 و1867 - كان ممثلا 
في الآتي: كان الاول سعيدا بدوره» اما الثاني فكان شقيا به. وكان من شأن ويلر 
ان يرد على الاهانة بانتقام لفظي بينما تيبس سام في مكانه» رفع هن حاجبه» وادار 
و ش 


(22) سانشو بانزا: خادم (دون كيشوت) في رواية سرفانتس الشهيرة» يمثل الجانب المادي ازاء 
سيده الحالم المثالي. (المترجم) 


54 





يجري البحر الآن حيث كانت الاشجار تنموء 
آه ايتها الارض كم شهدت» من متغيرات 
هناك حيث يزمجر الشارع الطويل الان» 


كان سكون البحر يسود. 

التلال ظلال؛ وهي تسير 
من شكل الى شكل. ولا شيء ثابت.. 
تذوب مثل ضبابء تلك الاراضي الصلدة, 


تينيسون - احياء لذكرى 1850 


لكن اذا اردت اليوم الا تفعل اي شيءء وان تكون محترما في الوقت 
نفسه. فافضل ذريعة تتذرع بها هي ان تد تنهمك في دراسة عميقة. 
ليزلي ستيفن - تخطيطات من كيمبرج 1865 


لم يكن سام وحده صاحب الوجه المكفهر في بلدة لام ذلك الصباحء اذ 
استيقظت ايرنستينا وهي ذات مزاج لم تزده اشراقة اليوم الا سوءا. كان مرضها 
مألوفا. الا انه كان يستحيل تحميل تشارلز عواقبه. وهكذاء فعندما قدم على نحو 
مناسب في الساعة العاشرة للزيارة في منزل الخالة ترانتر وجد تلك السيدة 
وحدها في استقباله: لقد قضت ايرنستينا ليلة مضطربة قليلا وهي تريد ان تخلد الى 
الراحة. الا يرغب في ابمجيء عصرا لتناول الشاي عندما تتماثل الى الشفاء حتما؟ 

كان الرد على سؤال تشارلز الجزع: الا ينبغي استدعاء طبيب؟ هو النفي 
على نحو مؤدب» وعندها استأذن بالانصراف. واصبح لديه وقت كاف من 
الفراغ بعد ان امر سام بشراء ما يستطيع من زهور وحملها الى بيت المريضة 
الفاتنة مع الاستئذان بالسماح له ان يقدم زهرة او زهرتين من عنده للسيدة 
الشابة الى تكره السخام. وازاء هذه الخدمة البسيطة يتحرر من اعماله في ذلك 


55 


النهار مكافأة له (ليس كل أصحاب العمل الفكتوريين مسؤولين عن الشيوعية 
مسؤولية مباشرة). 

كان خيار تشارلز بسيطا. فهو من شأنه ان يذهب حيثما تستدعي صحة 
ايرنستينا منه الذهاب. الا انه لا بد من الاعتراف بأن بلدة لام ريجيس نفسها 
هي الى سهلت على نحو بميج القيام بالتزاماته لما قبل الزواج. ستونبارو» بلاك 
فين» وير كليفز - هؤلاء الأسماء قد لا تعي الا القليل لك. بيد ان بلدة لام تقع 
في وسط احدى المناطق الصخرية الناتئة المعروفة باسم صخرة لياس*2© الزرقاء. 
وهذه الصخرة غير جذابة لمن هو متعطش للمناظر الطبيعية وحسب. فهي 
رمادية اللون كئيبة تماماء حليط من انواع الطين المتحجر. لهذا فهي كالحة. 
منفرة اكثر ما هي جميلة. بل هي مضللة لأن طبقاتما هشة»ء تميل الى الانزلاق 
وكان من نتائج ذلك ان هذا الامتداد الصغير من الساحل الصخري الذي يصل 
الى اثني عشر ميلا او ما يقرب من ذلك تآكل بسبب البحر على مدار التاريخ 
اكثر من اي حزء احر تقريبا في انكلترا. الا ان طبيعته ذات الاحافير الكثيرة 
وحركته جعلت منه قبلة علماء الاحاثة البريطانيين. وفي غضون المائة سنة 
الاخيرة او ما يقرب من ذلك» كان الانسان هو الحيوان الاكثر شيوعا على هذا 
الساحل .عطرقته الجيولوجية. 

كان تشارلز قد زار قبل الان ما يعتبره اشهر المحلات في بلدة لام تقريبا في 
تلك الايام - دكان الاحفوريات القديمة الذي اسسته ماري انينغ المدهشة» وهي 
امرأة لم تلق اي تعليم رسمي الا انها ذات موهبة في اكتشاف عينات جيدة غير 
مصنفة انذاك. وكانت اول انسان يشاهد عظام اللااكصور©. ومن اكبر مخازي 
علم الاحاثة البريطاني هو ان اي نموذج محلي لم يكن يحمل صفة 1أعدنصسة الخاصة 
على الرغم من ان العديد من العلماء في ذلك الزمن وظفوا مكتشفاتا بامتنان في 
ترسيخ شهرقم الذاتية. وقد زار تشارلز هذا المكان تعبيرا عن تقديره لتلك الذكرى 
البارزة. ودفع من ماله لمختلف انواع الاصداف المتحجرة الي اشتهاها للخزائن الي 
كانت تغطي جدران مكتبه في لندن. على اي حال» كانت لديه خيبة امل واحدة» 


)23( ذات صلة بقسم فرعي من العصر الجوارسي الاوربي. (المترجم) 


56 


اذ كان في ذلك الوقت متخصصا في فرع لم ملك دكان الاحفوريات القديمة ما 
يعرضه من نماذج لها للبيع الا قليلا. 

كانت هذه النماذج هي القنفذي الحلد”© او القنفذ البحري المتحجر. 
وتسمى أحيانا القشور (وهي مأحوذة عن كلمة لاتينية تعئ الغلاف الخارحي او 
الغدفة) في حين يسميها الاميركيون دولارات الرمل. وتختلف الغدف من حيث 
الشكل على الرغم من انها دوما متمائلة اشد التماثل» وتشترك في نموذج من الحزوز 
ذات الحافات الناتئة الدقيقة. وفضلا عن قيمتها العلمية فإها عبارة عن اجسام في 
منتهى الحمال. كما تتمتع بفتنة اضافية متمثلة في صعوبة العثور عليها. فقد تنقب 
بحثا عنها اياما كثيرة ولا تعثر على واحدة منهاء في حين ان الصباح الذي تعثر فيه 
على اثنتين او ثلاث منها انما هو صباح حدير بالذكرى. ولعل السبب الذي جعل 
تشارلز مفتونا يما على نحو لا شعوري هو انه رحل لديه وقت كاف يريد مَلءه 
كما انه هاو بالقطرة:.طبيعي ان الذيه اسيايا: غلمية وإمام رما من أهراة قد يقول 
ساخطا إن قنفذيات الجلد اهمل شأنها على لحو منجل وهذا مسوغ مألوف 
لقضاء وقت طويل مما ينبغي في ميدان بالغ الصغر. لكن بغض النظر عن دوافعه» 
فقد انصرف بكليته الى الغعدف. 

الان نحجدان هذه الغدف لا تظهر من بين الصخور الزرقاء» بل من بين 
طبقات من حجر الصوان المركبة. وقد نصحه صاحب دكان الاحفوريات بأن 
البقعة الممتدة ا غرب المدينة هي المكان الافضل للبحث وليس بالضرورة منطقة 
الساحل. وهكذاء فبعد مرور نصف ساعة على زيارة تشارلز الخالة ترانتر» عاد مرة 
اخرى الى الكوب. 

كان السد الحاجز للامواج غير منعزل في ذلك اليوم. فهناك صيادون يكسون 
عمادة القطران ويصلحون شباكهم ويعملون بصفائح السرطان وجراد البحر. وهناك 
اناس من طبقة اعلى شأناء وزوار مبكرون وسكان من المنطقة نفسها يتنزهون 
بجانب البحر المتموج واللطيف في هذا الوقت. ولاحظ تشارلز انه لا اثر لوحود ٠‏ 
المرأة الي كانت تمعن النظر في البحر. ولم يعد النظر فيها او في سد الكوب بل 


(05 الفسفذي الجك: واد امن قتفتيات الج وهن طائقة من 'الأميوانات”البخزية مل نجه البحن 


57 


انطلق بخطوات سريعة مرنة تختلف اختلافا شديدا عن نزهاته المألوفة البطيئة في 
البلدة وسار على امتداد الشاطع تحت وير كليفز. 

من شأنه ان يجعلك تبتسم» فقد كان مهيئا تماما لدوره. كان يرتدي حذاء 
ثقيلا بمسامير كبيرة ووقاء من نسيج يغلف ساقي بنطاله الفضفاض مصنوع من 
الصوف السميك. وكان لديه معطف ضيق وطويل على نحو لا معقول وقبعة ذات 
لون بيجي غير محدد» وعصا ضخمة من حشب الدردار كان قد اشتراها في اثناء 
طريقه صوب سد الكوب» وكيس كبير تستطيع ان تستخرج منه مجموعة ثقيلة من 
المطارق والاغطية والمفكرات وعلب الحبوب والقوائم واشياء اخرى لا يعلمها الا 
لله. ولا شيء يستعصي على فهمنا اكثر من منهجية الفكتوريين. وي وسع المرء ان 
يشاهد ذلك على ابلغ ما يكون من الوضوح وابلغ هما يكون من السخف في 
النصيحة الي تقدم بحانا للمسافرين في الطبعات الاولى من كتب ارشاد السياح. 
ويتساءل المرء: اين يكمن العثور على اي متعة؟ ولي حالة تشارلز: كيف لم يشعر 
ان الثياب الخفيفة من شأما ان تغدو مريحة اكثر؟ ان القبعة غير ضرورية؟ ان الحذاء 
الثقيل بمساميره الضخمة فوق شاطئ ينتشر فوقه الجلمود مناسب مثل حذاء 
الترحلق على الجليد؟ 

حسنا. اننا نضحك. لعل ثمة شيء مثير للاعجاب في هذا الفصل بين ما هو 
مدعاة للراحة وما هو مقبول. ونحد هناء مرة احرى» نقطة الاحتلاف هذه بين 
قرنين: اهو الواجحب” ذلك الذي يدفعنا ام لا؟ لو اننا احذنا هذا الماجس بالملابس» 
بالاستعداد لكل احتمال» على انه حماقة وجهل ما هو تحريبي فاننا نرتكب غلطة 
كبيرة» او رما تافهة» بشأن اسلافناء كما اظن» لأن رحالا من مثل تشارلزء 
يشبهونه في ارتداء ثياب اكثر مما ينبغي ومزودين ممعدات اكثر من اللازم» هم الذين 
وضعوا اسس كل علومنا الحديثة. وكانت حماقتهم في ذلك الجانب ليست اكثر من 


(*) بوصفي مذكرا بأن مذهب اللا ادرية والالحاد في اواسط العصر الفكتوري لا الحديث كانا 
يرتبطان على وجه التحديد بالمعتقد اللاهوتي» فالافضل ان اورد عبارة (جورج اليوت) 
الشهيرة: «الله لا يمكن تصوره» الخلود لا يصدق» الا ان الواجب امر ومطلق». وفي وسع 
المرء ان يضيف بأن الواجب امر من باب اولى في وجود مثل هذا الارتداد الديني المزدوج 


والفظيع. (المؤلف) 
58 


علامة تشير الى حدهم في علم اكثر اهمية من غيره. كانوا يدركون ان التفاسير 
السائدة عن العام غير دقيقة» وام سمحوا لنوافذهم المفتوحة امام الحقيقة بأن 
تشوبّا مسحة التقليد والدين والركود الاحتماعي؛ كانوا يعرفون» باخحتصارء ان 
امامهم اشياء لا بد من اكتشافها وان الاكتشاف ستكون له اهمية قصوى لمستقبل 
الانسان. اننا نعتقد - الا اذا كنا نعيش في مختبر ابحاث - انه لا يوجد امامنا شيء 
يستدعي الاكتشاف وان الاشياء الوحيدة ذات الاهمية البالغة لنا تخص حاضر 
الانسان. اهذا افضل لنا؟ رعا. بيد اننا لسنا الذين سيصدرون الحكم في النهاية. 

لمذالا يجدر بي ان اضحك كثيرا في ذلك اليوم عندما حاول تشارلز - 
وهو يدق وينحئئ ويتفحص طريقه على امتداد الشاطئ - للمرة العاشرة ان يجتاز 
فحوة اوسع مما ينبغي بين الجلمود فانزلق على نحو مذل فوق ظهره. لم يكن 
تشارلز ليعترض على الانزلاق. فالنهار كان جميلا والاحفوريات كثيرة. 
وسرعان ما وجد نفسه وحيدا تماما. 

تلألاً البحر» وصاحت طيور الكروان. بينما حلقت امامه مجموعة من طيور 
البحر صائدة الحار بالوانها السود والبيض والقرنفلية» وهي تبشر برحلته. وهنا 
ظهرت برك صخرية مغرية» ومرت في ذهن الرحل المسكين هرطقات مروعة: او لم 
يكن اكثر مدعاة للهو» لاء لاء اكثر فائدة من الناحية العلمية لو انه يدرس علم 
الاحياء البحرية؟ لعله يترك لندن ويقطن في بلدة لاتم. بيد ان ايرنستينا ما من شأها 
ان توافق على ذلك. ثم جاءت لحظة انسانية تماما - وانا سعيد ان اسجلها - القى 
فيها تشارلز نظرة حذرة من حوله وتأكد من عزلته التامة وبعدها خلع حذاءه 
والوقاء الذي يلفه وجوربيه. انما لحظة من لحظات تلاميذ المدرسة» وحاول ان 
يتذكر بيتا شعريا من هوميروس يجعل من تلك اللحظة لحظة فريدة. بيد ان 
اهتماماته تشتت لضرورة الامساك بسرطان صغير يتجه سريعا حيث سقطت على 
عينيه اليقظتين قطرات ماء. 

بقدر ما قد تستخف بتشارلز لكثرة ما يحمل من ادوات» لعلك تستخف به 
ايضا بسبب افتقاره الى التتخصص. لكن عليك ان تتذكر ان التاريخ الطبيعي لم 
يتصف بصفة تنتقص من القدر انذاك مثلما هو اليوم لكونه يعد هروبا من الواقع؛ 
وفي اكثر اوقات الحروب الى الوحدان. لقد كان تشارلز عالم طيور وعالم نبات 


59 


كفوء ايضا. وريما كان الافضل لو انه اغمض عينيه عن كل شيء سوى قنافذ 
البحر الاحفورية او وهب حياته لتصنيف الاشنات» اذا كان التقدم العلمي هو 
الذي تتحدث عنه» وح لو تمكنت من ان تثبت لي ان من شأن التخصص ان 
يكون اكثر فائدة لتشارلز العام غير الموهوب فانه ينبغي لي مواصلة القول بأن 
التعميم كان افضل لتشارلز الانسان. هذا لا يعن ان الحواة يستطيعون الاشتغال في 
كل حقلء اذ حري بهم ان يشتغلوا في كل حقل» ولتحل اللعنة على المتزمتين 
العلميين الذين يحاولون سجنهم في زنزانة ضيقة. 

كان تشارلز يسمى نفسه داروينياء الا انه على الرغم من ذلك لم يفهم دارون 
حق الفهم. بيد ان دارون نفسه لم يفهم في ذلك الوقت. فالشيء الذي اثاره ذلك 
العبقري هو سلم الطبيعة اللينياني** الذي كان مرتكزه العظيم متمثلا بعبارة: لا 
بمكن لانواع جديدة ان تدخل العالم. ويوضح هذا المبدأ الهوس اللينياني بالتصنيف 
واطلاق الاسماء وبتحجير ما هو كائن. وفي وسعنا ان نلاحظ هذا الهوس الان على أنه 
حاولة محكومة بقضاء وقدر لتثبيت واقرار ما هو في حالة تدفق مستمر حقاء ويبدو 
مناسبا تماما ان لينايوس نفسه اصيب بالجنون قي ماية المطاف» فقد ادرك انه في متاهة. 
الا افا ليست متاهة ذات جدران وممرات متغيرة على الدوام حي إن دارون نفسه لم 
يتخلص من القيود السويدية وقلما بمكن توجيه اللوم الى تشارلز بسبب الافكار الي 
حطرت بباله وهو يعن النظر في الطبقات الصخرية في الجرف القائم من فوقه. 

كان يعلم ان تلك المقولة سخيفة. الا انه وحد في الطبقات نظاما يبعث على الثقة 
الى خد كير في الوجود. رعا وحد:رمرا اجتماعيا معاضرا جدا فق الأسلرب الذي 
كانت تتهاوى فيه تلك السلسلة الصخرية ذات اللون الازرق والرمادي. الا ان ما 
شاهده حقا هو نمط من انماط تضخيم الزمن رتبت فيه القوانين القاسية (وجذا فهي 
قوانين المية رحيمة اذ من ذا الذي يجرؤ على الحدل بأن النظام لم يكن افضل شيء 


(28) اللينياني: نسبة الى كارلوس لينايوسء الاسم اللاتيني ل (كارل فون ليني) (1778-1707)» 
عالم النبات والمستكشف السويدي الذي يعد اول من وضع مبادئ تحديد الاجناس 
والانواع الخاصة بالكائنات الحية وابتكار نظام موحد لتسميتها. اهم مؤلفاته 

(Genera Plantarum-1737) (Systema Naturae-1735) (Flora Lapponica-1737) 
(المترجم)‎ )Species Plantarum-1753) 


60 


انساني؟) نفسها وعلى نحو تقليدي تماما كي يكون البقاء للاصلاح والاقوى» مثلا 
وتشارلز سميثسون) في هذا اليوم الربيعي اللطيف وحيد, تواق» يبحث» يفهم» يقبل» 
يلاحظ ويشعر بالامتنان. والشيء الذي ينقصه حقا هو حتمية اهيار سلم الطبيعة: فاذا 
كان في وسعانواع جديدة ان تظهر الى حيز الوجود فإن الانواع القديمة مضطرة 
غالبا الى فسح الحال امامها. كان تشارلز يدرك الانقراض الشخصي - ولح يكن في 
وسع اي فكتوري عدم ادراك ذلك. بيد ان المفهوم الذي كان يغيب عن ذهنه قي ذلك 
اليوم هو الانقراض الحماعي مثلما كان تغيب عنه اصغر سحابة من السماء الممتدة من 
فوقه. لكن على الرغم من ذلك» سرعان ما امسك ,ثال ملموس جدا في يده عندما 
استأنف مرة اخرى ارتداء حوربيه والنسيج الوقائي والحذاء. 

كانت قطعة جميلة حدا من الصخور وعليها اثار من صدفة متحجرة» واضحة 
تماماء حزئيات صغيرة من عام كبير» كواكب تدور» تشق طريقها فوق عشر بوصات 
(إستتيمترات) من الحجارة. بعد ان كتب ورقة ثبت فيها الاكتشاف ومكانه» قفز مرة 
احرى خارج العلم - الى الحب هذه المرة. عزم على ان يعطيها لايرنستينا اثر عودته. 
فهي قطعة جميلة لا شك في انما ستحبها. وقبل هذا كله فإِهُا سترجع اليه ثانية واياها. 
والافضل من هذاء فإن الوزن المتزايد فوق ظهره جعل منها عبئاء اضافة الى افا هدية» 
وهكذا رفع الواحب - الانسجام مع تيار المرحلة - رأسه العنيد. 

ينطبق الشيء نفسه على الوعي بانه تجول على نحو ابطأ مما كان يرمي اليه. 
فتح ازرار معطفه» واحرج ساعته الفضية. الساعة الثانية! نظر وراءه نظرة حادة 
بعدها فشاهد الامواج وهي تضرب سفح نقطة على بعد ميل واحد. ليس هناك 
حطر من عزلته اذ كان في مستطاعه ان یری ثمرا منحدراء لكنه آمن» امامه تماما 
ويؤدي بالحرف صوب الغابة الكثيفة الممتدة فوقه. بيد انه لم يستطع العودة على 
امتداد الشاطئ. فقد كانت وجهته حقا هي هذا الممر» وكان عازما على السير 
باتحجامه بعجالة ومن ثم الصعود الى المستويات الى تبرز منها طبقات حجارة 
الصوان. ولكي يعاقب نفسه على بطته» اسرع في سيره اكثر ما ينبغي» واضطر الى 
الجلوس دقيقة واحدة طلبا للراحة بعد ان احذ يتصبب عرقا من تحت قميصه 
التحتاني المقيت. الا انه مع جدولا صغيرا بالقرب منه فروى ظمأه» وبلل منديله» 
وربت وحهه. ثم شرع ينظر من حوله مرة اخرى. 


61 





اعرف ان هذا القلبء لم يخلق ابدا لحب طويل» 
غير ان شيئا يتوقد في اعماقه. غریب جداء قلق جداء 
لا يعرف التدجين. 
ماثيو ارنولد - وداع 1853 


بينت السببين الاكثر وضوحا اللذين دفعا سارة وودراف الى عرض نفسها 
امام معاينة السيدة بولتيئ. الا انما كانت اخر انسان يورد الاسباب» مهما كان 
ذلك على نحو غريزي» اضافة الى ان هناك اسبابا كثيرة احرى؛ في الواقع» لا بد من 
وجودها لأنها لم تكن تفتقر الى ادراك سمعة السيدة بولتيي في الاوساط الادن مرتبة 
في بلدة لام. وقد ظلت مترددة يوما واحدا ثم ذهبت الى السيدة تالبوت سعيا وراء 
مشورتا. وكانت السيدة تالبوت امرأة طيبة القلب الى حدّ كبير» الا انها لم تكن 
شابة حادة الذهن تماما. على الرغم من انها كانت تود ان تعيد سارة اليها ثانية - 
بل انها عرضت بتصميم كامل ان تفعل ذلك من قبل - فإنها كانت تدرك ان سارة 
اصبحت الان عاجزة عن الاهتمام المتواصل على مدار اليوم يمتطلباها الي ينبغي ان 
تنجزها بوصفها مربية اطفال. الا انها على الرغم من ذلك كانت لا تزال ترغب 
في تقديم يد العون هها. 

كانت تعلم ان سارة واحهت الفقر المدقع» وظلت يقظة على امتداد الليالي 
وهي تنخيل مشاهد من الادب الاكثر رومانسية في مراهقتهاء مشاهد كانت بحثم 
فيها بطلات يتضورن جوعا فوق درجات ابواب مكسوة بالثلوج او تنتاهن الحمى 
في غرفة علوية محردة من الاثاث يرشح من سقفها الماء. بيد ان صورة واحدة - 
رهي صورة اعتيادية من صور القصص الي تصورها السيدة شيروود - كانت 
تلخص اسوأ مخاوفها: امرأة مطاردة تقفز من فوق حرف عال. ويشع وميض البرق 
فيكشف عن الرؤوس الوحشية لمضطهديها من فوق. الاك ارا مان الامر و 
الهلع الصارخ المرتسم على وجه المخلوقة الشاحب» واليي قضي عليها والطريقة الي 
ارتفعت جا عباءتها الى اعلى» سوداء واسعة» جناح غراب يهوي اثر موت رهيب. 


62 


هذا السبب احفت السيدة تالبوت شكوكها عن السيدة بولتيئى ونصحت 
سارة ان تقبل العمل. فقبّلت المربية السابقة بول وفرحينيا الصغيرين مودعة اياهماء 
اسار ع إن انه کا و السيدة تالبوت» فليس 
في وسع اي امرأة ذكية تثق باخرى غبية» بغض النظر عن مدى طيبة قلبها ان تتوقع 
شيا غير ذلك. 

كانت سارة ذكية حقاء غير ان ذكاءها الحقيقي ينتمي الى نوع نادر الوحود» 
وهو ذكاء من شأنه ان يمر حقا دون ان تكشفه اي من احتباراتنا الحديثة الخاصة 
بالملكات العقلية. وهو لم يكن من النمط التحليلي او الذي يفض المشاكل. مما لا 
ريب فيه ان الموضوع الوحيد الذي تسبب في هيمنة عذاهها هو الرياضيات. كما انه 
لى يفصح عن نفسه بأي شكل من اشكال الحيوية او الحذق حن في ايامها 
السعيدة. كان ذكاؤها عبارة عن قدرة رهيبة - رهيبة عند شخص لم تسبق له 
زيارة لندن ولم يختلط بالعالم - في تصنيف قيمة الناس: في فهمهم بكل ما في هذه 
الكلمة من معن 

كانت تملك نمطا من معادل نفسانى يشبه ما موجود في مهارة تاجر الخيول 
الواسع الخبرة؛ القدرة على التفريق من اول نظرة بين الحواد اليد والحواد السيى. 
او» اذا ما قفزنا قرنا واحدا الى الامام» كأنها ولدت بجهاز حاسوب في قلبها. واقول 
قلبها لأن القيم الى كانت تحسبها تعود الى ذلك المكان اكثر ما تعود الى العقل. 
كان في مستطاعها ان تدرك زيف الحدل الفار غ» الثقافة المزيفة» المنطق المنحاز 
عندما يصادفها. الا انما كانت تتغلغل في اعماق الناس على نحو ذكي. كانت ترى 
الناس على حقيقتهم» لا كما يسعون الى الظهور به من مظاهر دون ان تتمكن من 
تفسير ذلك شأفا في ذلك شأن الحاسوب الذي لا يستطيع ان يفسر العمليات الي 
يقوم ها. ولن يكون كافيا القول انما كانت حكما احلاقيا ممتازا على الناس. فقد 
كان استيعابما اوسع من ذلك واذا كانت الاخلاق وحدها هي المحك لديها لما كان 
من شأها ان تتصرف على النحو الذي تصرفت به - فحقيقة فحقيقة المسألة ببساطة هي 
اها لم تسكن مع احدى قريباتما في وبماوث. 

كان عمق البصيرة الغريزي هذا اول لعنة في حياتها. اما اللعنة الثانية فكانت 
ثقافتها. لم تكن ثقافة واسعة جداء وليست افضل من الثقافة الى يمكن الحصول 

63 


عليها في فصل دراسي من الدرجة الثالثة للشابات حيث تلقت علومها في اثناء 
النهار ودفعت ثمن تعليمها في المساء - وأحيانا حي وقت متأحر من الليل - برتق 
الملابس وغيرها من الاعمال الوضيعة. لم تكن علاقاتها طيبة مع غيرها من الطالبات 
اذ كن لا يبالين يما وكانت تطمح الى السمو من حلاهن. وهكذا صادف ان قرأت 
من الروايات والشعرء ملاذ المتوحدين الذين لا رفيق لهمء اكثر نما قرأ اقرانهما. وافادا 
بوصفهما البديل عن التجربة. وبلا وعي» كانت تحكم على الناس .معايير وولتر 
سكوت وجين اوستن اكثر من اي معايير عملية اخرى تتوصل اليها. فكانت ترى 
الذين يحيطون ها شخصيات روائية فتحكم عليهم حكما شعريا. لكن واحسرتاه! 
فالشيء الذي علمت نفسها به افسده كثيرا الشيء الذي علمه الاخرون لما. وف 
ضوء مظهر السيدة الخادع الذي ظهرت به اضحت ضحية مثالية في مجتمع قوامه 
التمييز الطبقي. فقد اضطرها والدها الى الخروج من طبقتهاء الا انه لم يفلح في 
رفعها الى الطبقة التالية. وامام شبان الطبقة الي غادرتها اصبحت امرأة ممتازة) 
منتقاة اكثر من اللازم لا يصح الزواج بما. اما امام شبان الطبقة الي كانت تطمح 
اليهاء فقد ظلت امرأة عادية اكثر ما ينبغي. 

كان هذا الاب على العكس مما وصفه به قس بلدة لام بانه وجل ذو مبادئ 
رفيعة, اذ كان يجمع العديد من المبادئ السيئة. فلم يكن القلق على ابنته الوحيدة 
هو الذي دفعه الى ارسالها الى مدرسة داخلية» بل الموس برفعة المقام. فاذا ما عاد 
المرء اربعة اجيال الى الوراء من جهة الاب» فانه يصل كما يبدو الى نبلاء مهذبين 
معترف بمم. بل هناك ثمة صلة بعيدة باسرة دريك» وهذه حقيقة لا تتصل 
بالموضوع» ترسخت رويدا رويدا على مدار السنين لتتحول الى الزعم بالانحدار 
مباشرة من السير فرانسيس العظيم. مما لا شك فيه ان الاسرة كانت تملك ذات يوم 
بيتا من نوع رديء قي تلك الارض الباردة بين دارتمور واكسمور. وقد شاهد والد 
سارة ذلك البيت بأم عينيه ثلاث مرات» وعاد الى المزرعة الصغيرة الى استأجرها 
من مقاطعة ميريتون الشاسعة ليجلس في سكينة ويزرع ويحلم. 

لعله اصيب بخيبة امل عندما قفلت ابنته راجعة من المدرسة وهي في سن 
الثامنة عشرة - من يدري اي معجزات ستحل عليه؟ - وجلست عند الجانب 
لاحر من لمنضدة المصنوعة من خحشب الدردار» وطفقت تراقبه عندما تفاخر 


64 


بنفسه» تراقبه بتحفظ هادئ اثاره» اثاره مثل سيد لا نفع لها - فهو رجحل مولود في 
ديفن والمال يعي كل شيء لاهالي ديفن - اثاره حي حن جنونه في نهاية المطاف. 
وتخلى عن ارضه المستأحرة» واشترى مزرعة خاصة به. اشتراها بثمن بخس» وتبين 
له ان الصفقة الي ظنها مذهلة انقلبت الى طامة كبرى. فظل سنوات طويلة يكافح 
من احل ابقاء الرهن العقاري ومظهر المكانة الرفيعة المثير للضحك. بعد ذلك اصابه 
مس من الحنون حقاء وارسل الى المصحة العقلية في دورتشستر وتوف فيها بعد سنة 
واحدة. وني ذلك الوقت» كان قد مضى على سارة عام كامل وهي تكسب رزقها 
بنفسها؛ ففي البداية عاشت مع اسرة في دورتشستر كي تكون على مقربة من 
ابيها. وعندما توق انتقلت للعمل في اسرة تالبوت. 

على الرغم من الافتقار الى المهرء ايا كان نوعه» فإِهًا كانت فتاة لافتة للنظر 
على نحو يصعب معه تفسير عدم وجود من يتقدم لخطوبتها. لكن بعد ذلك تماما 
احذت اللعنة الاولى والموروثة تعمل عملها. فكانت تمعن النظر في الادعياء الوائقين 
اكثر مما ينبغي بانفسهم. فكانت تشاهد وضاعتهم» كياستهم الي تظهر شعورهم 
بالتفوق» احسانهمء حماقاتهم. وهذا تبين على نحو يتعذر الهرب منه ان ترضخ للقدر 
الوحيد الذي صرفت الطبيعة منه ملايين السنين لحعلها تتجنبه: البقاء دون زواج. 

لتتخيل ما هو مستحيل» وهو ان السيدة بولتيئي وضعت قائمة ادرحت فيها 
الحسنات والمساوئ فيما بخص موضوع سارة وفي نفس اليوم الذي اهمك فيه 
تشارلز انهماكا بالغ الذروة في هروبه من واجبات حطوبته الشاقة. على الاقل» من 
الممكن التصور بانا رعا انحزتها عصر ذلك اليوم طالما ان سارة» الانسة سارة في 
منزل مارلبورو كانت غير موجودة. 

لنبدأ بداية سارة بحساب الاعتماد. النقطة الاولى من شأنها ان تكون بلا ريب 
النقطة الاقل احتمالا في الوقت الذي قطع فيه العهد قبل مضي عام. ويمكن كتابتها 
على النحو الاتي: جو عائلي اكثر سعادة. والحقيقة المثيرة للدهشة هي ان اي خادم 
او حادمة لم يبعد او تبعد من البيت (من الناحية الاحصائية ثبت في الماضي صرف 
الخادمات في الغالب). 

لقد بدا هذا التحول الغريب ذات صباح بعد اسابيع قليلة من قيام الانسة 
سارة باداء مهامهاء اي» مسؤوليتها عن روح السيدة بولتيئ. فقد اكتشفت السيدة 


65 


العجوز بحاستها المميزة الاعتيادية تقصيرا فادحا في الواحب: فقد اهملت نحادمة 
الطابق العلوي واجبها المتمثل في ان تسقي كل يوم ثلاثاء بلا كلل نبات السرحس 
في غرفة الاستقبال الثانية» اذ كانت السيدة بولتيئ تحتفظ بغرفة ها. وقد بدت 
النباتات حضراء اللون على نحو لا يتطلب سقيها. بيد ان السيدة بولتيي كانت 
حلاف ذلك على نحو هائج. واستدعيت المتهمة» واعترفت بأنها نسيت اداء 
واحبها. رعا كان في وسع السيدة بولتيئ ان تغض النظر عن ذلك بتثاقل» غير ان 
صحيفة الاقام الموحهة للفتاة كانت تتضمن هفوتين او ثلاث هفوات ممائلة 
ارتكبتها مؤحرا. فدق ناقوس الخطرء وبدات السيدة بولتيي تقرع هذا الناقوس 
واحساس متجهم بالواجحب ينتابما مثلما ينتاب كلب يوشك ان يغرس اسنانه ي 
كاحلي لص؛ ساتسامح بالكثير الا اني لن اتسامح هذا الشأن. 

- لن اكرر هذا يا سيدي! 

- من المؤكد تماما انك لن تكرري ذلك في منزلي. 

- اوه يا سيدني. ارجوك يا سيدي. 

سمحت السيدة بولتيئ لنفسها ان تستمتع بضع لحظات جادة وحادة بدموع 
الفتاة. 

- ستعطيك السيدة فيرلي مرتبك. 

كانت الانسة سارة حاضرة في اثناء هذه المحادثة لأن السيدة بولتيئئ كانت 
ملي عليها رسائل موجهة في معظمها الى اساقفة او على الاقل بلهجة من يخاطب 
الاساقفة. وهنا طرحت سؤالاء فكان اثره مذهلا. اولاء كان اول سؤال تطرحه 
في حضرة السيدة بولتين وليست له اي صلة مباشرة بواحباتها. ثانيا» كان يعارض 
ضمنا حكم السيدة العجوز. ثالثاء لم يكن موجها للسيدة بولتيي بل للفتاة. 

اانت على ما يرام يا ميلي؟ 

سواء كان الاثر ناجما عن صوت عاطفي في تلك الغرفة او عن حالة الفتاةء 
فإنها روعت السيدة بولتيئ اذ حرت على ركبتيها وفي الوقت نفسه هزت رأسها 
وغطت وجهها. وعلى الفور اسرعت الانسة سارة الى حوارها. وبعد دقيقة واحدة 
ادركت ان الفتاة كانت متوعكة حقا وقد اغمي عليها مرتين في الاسبوع الفائت 
وكانت تخشى ان تخبر احدا... 


66 


عندما رجعت الانسة سارة» بعد وقت قصير» من الحجرة الى تنام فيها 
الخادمات واليّ رقدت فيها ميلي الان» جاء دور السيدة بولتيئ لتطرح سؤالا 
مثيرا. 

- ماذا ينبغي لي ان افعل؟ 

رمقتها الانسة سارة بنظرة كانت تتضمن شيئا جعل من كلماقا التالية بحرد 
تنازل في سبيل الوصول الى اتفاق. 

- افعلي ما تظنين انه الافضل يا سيدي. 

وهكذا سمح لاندر زهرة» الغفران» .بموطئ قدم متقلقل في منزل مارلبورو. 
وعندما اتى الطبيب ليلقي نظرة على الخادمة واعلن انها مصابة بفقر الدم» اكتشفت 
السيدة بولتيئ المتعة المنحرفة في الظهور بمظهر الشفقة الحقيقية. واعقب ذلك حادثة 
او حادئتين اتخذتا نفس المنحى وان لم تكونا بذلك المستوى الدرامي. انها حادثة 
واحدة او حادثتان لا اكثر لأن سارة اناطت بنفسها مهمة القيام باجراءات 
التفقتيش. لقد فهمت سارة السيدة بولتين وسرعان ما برعت في التعامل واياها 
مثلما يفلح كاردينال ماهر في التعامل مع بابا ضعيف» على الرغم من ان ذلك كان 
يهدف الى غايات اسمى. 

اما النقطة الثانية الاكثر احتمالا في قائمة السيدة بولتيئ المفترضة فإن من 
شأما ان تكون: «صونًا». اذا كانت السيدة تعاني من خلل في بعض القضايا 
الدنيوية ذات المساس بافراد طاقمهاء فا كانت متم اهتماما كبيرا برعايتهم 
الروحية. فكانت هناك الزيارة الالزامية المزدوجة للكنيسة في ايام الاحاد» وهناك 
الطقوس الصباحية اليومية - التراتيل والدرس والصلاة - الي كانت تشرف عليها 
السيدة العجوز اشرافا يتسم بالغرور. اما الان فالشيء الذي بات يثيرها هو ان 
نظرامًا المتفرسة الرهيبة نفسها لم تعد قادرة على وضع خدمها في حالة من الخنوع 
والندم التامين اللذين كانت تعتقد ان الله (فضلا عنها هي شخصيا) يتطلباهما. 
كانت وجوههم الاعتيادية عبارة عن مزيج من الخوف من السيدة بولتيئ وعدم 
الفهم التام - مثل حرفان مرتبكة» لا اثمين مهتدين. الا ان سارة غيرت ذلك كله. 

كان صوقا بلا ريب صوتا في منتهى الجمال» منضبطاء واضحا على الرغم 
من نبرة الحزن الي كانت تشوبه دوما وقوة المشاعر غالبا. الا انه كان قبل كل 


67 


شيء صوتا صادقا. وشاهدت السيدة بولتيي للمرة الاولى في عالمها الصغير الجاحد 

ذلك امر حسن. الا ان هناك حولة ثانية من العبادة ينبغي انحازها. فقد سمح 
للخدم باقامة صلاة المساء في المطبخ تحت انظار السيدة فيرلي اللامبالية وصوقا 
الجاف القوي. اما في الطابق العلوي فلا بد من وحود من يقرأ للسيدة بولتيئ على 
انفراد. وقي هذه المناسبات الموحية بالالفة والدفء كان صوت سارة يسمع وهو 
في افضل حال وابلغ تأثير. وفي احدى المناسبات» او في مناسبتين اثنتين» حققت ما 
لا يكن تصديقه» اذ انتزعت من بين هاتين العينين العنيدتين دمعة. وما لا شك فيه 
ان مثل هذا الاثر لم يكن مقصودا بل نحم عن فرق شاسع بين امرأتين اثنتين: 
كانت السيدة بولتيئ تؤمن بإله لم يكن موجودا ابدا في حين كانت سارة تعرف 
إلا موجودا. 

افا لم تبتكر في صوقاء شأن الكثير من القساوسة والوجهاء البارزين الذين 
كان يطلب اليهم قراءة الدرس» عامل التغريب اللاواعي على الطراز البريخي («هذا 
مقطع من الانجيل يتلوه عليكم المحافظ»)» بل ابتكرت ما هو حلاف ذلك. كانت 
تتحدث مباشرة عن معاناة المسيح» عن انسان ولد في الناصرة كأنه لم يكن هناك 
اي زمن ف التاريخ» بل غالبا في بعض الازمان» عندما كان الظلام يلف الحجرة» 
وبدت وكأما قد نسيت وجود السيدة بولتيي كأفا شاهدت معاناة المسيح امامها. 
وذات يوم وصلت الى مقطع (إلهمي إهي لماذا تركتيي)”2. فقرأت الكلمات 
وتلعثمت وصمتت. التفت السيدة بولتيئ لتلقي نظرة عليها فاد ركت ان وجه 
سارة كانت تسيل فوقه العبرات. عوضت تلك اللحظة عن عدد لا متناه من 
الصعوبات الى حدنت مۇحرا ورا ستفدي ذات يوم روح السيدة بولتيئ المعذبة 
الان اذ فضت هذه السيدة العجوز ولمست كتف الفتاة. 

ان اغامر بجعل سارة تبدو مثل شخص متعصب. الا انها لم تكن تملك نظرية 
لاهوتية. ومثلما كانت تبصر الناس» فما كانت تبصر الحماقات» الزجاج الملون 


(09) السازمون (21): سنن سفن المز ان زهي عة يبنو الت ”صرحي بوت عظليه فاق 
الوهي الوهي لما شبقتني الذي تفسيره الهي الهي لماذا تركتني» (انجيل مرقس الفصل 34-15). 
(المترجم) 


68 


وحرفية الكنيسة الفكتورية. كانت تدرك ان هناك معاناة. وصلت من احل ان 
تنتهي تلك المعاناة. انا لا استطيع ان اقول ماذا يمكن ان تكون في عصرنا. وقي 
عصر يسبق عصرناء كان يمكن ان تكون قديسة او امرأة امبراطور. ويعود السبب 
في هذا الى الافراط في التدين من جهة او الجنس من حهة احرى بل بسبب تلك 
الطاقة النادرة المنصهرة ال كانت تشكل جوهرها - الادراك والعاطفة. 

نمة نقاط اخرى: القدرة في عدم اثارة السيدة بولتيئ - وهي قدرة مذهلة 
بخصيصتها وفريدة تقريبا - وتحمل المسؤوليات البيتية المختلفة بمدوء دون ان 
تتجاوز على غيرهاء ومهارتًا في اشغال الابرة. 

اهدت سارة السيدة بولتيئ غطاء لظهر الكرسي وذراعيه لمناسبة ذكرى 
ميلادها - ولم يكن سبب ذلك ان اي من الكراسي الي كانت تستخدمها السيدة 
بولتيي كان بحاحة الى مثل هذه الوقاية» بل لأن الكراسي في ذلك الوقت كانت 
تبدو شبه عارية دون مثل هذا الملحق - وكان هذا الغطاء مطرزا تطريزا متقنا 
ويحتوي على حاشية تمثل نبات السرحس وزنابق الوادي. فسرت السيدة بولتيي بها 
سرورا عظيماء وكان يذكر السيدة الرهيبة دوما وسرا - رعا كانت سارة قبل كل 
شيء اشبه بكاردينال ماهر - ويي كل مرة تتربع على عرشها بالجانب الذي يمكن 
غفرانه في الفتاة الي تحميها. وكان اثر هذا في سارة يشبه الاثر الذي كان يحدثه . 
دوما طائر الحبارى الفاني في تشارلز. 

اخيرا احتازت سارة اختبار الكراسة الدينية - وكان هذا اقسى عذاب عند 
الضحية. فقد كانت السيدة بولتيئ تعتمد اعتمادا كبيرا على قوة الكراسة الدينية 
شأها في ذلك شأن الكثير من الارامل النبيلات الفكتوريات والوحيدات. ولا بأس 
ان كان عشر الذين يستلموهها يستطيعون قراءتها - في الواقع ان عددا كبيرا لا 
يستطيع قراءتها - ولا بأس ان كان عشر هؤلاء الذين يستطيعون قراءتها حقا 
يفهمون ما يقصده كتابها الجليلون. لكن في كل مرة كانت تذهب لتسليم دفعة من 
هذه الكراسات فإن السيدة بولتيي كانت ترى عددا موازيا لما من النفوس الناجية 
من الخطيئة وقد سجلت لحسابها في السماء. وكانت ترى في التفكير العلي الذي 
تقوم به امرأة الضابط الفرنسي حلاوة اضافية. وهكذا كان شأن بقية سكان بلدة 
لاعم او سكانها الفقراء» وكانوا اكثر لطفا ما قد تتصوره السيدة بولتيئ. 


69 


ابعكرت سارة صيغة صغيرة: «من السيدة بولتيئي. نرجو القراءة والتفكير 
الجاد». وفي الوقت نفسه» كانت تنظر الى عيون سكان البيوت البسيطة نظرة 
متفرسة. فالذين كانت تعلو وجوههم ابتسامة العارفين بامرها اضاعوا تلك 
الكراسات بينما ماتت الكلمات في افواه الثرئارين. واظن انهم تعلموا من هاتين 
العينين اكثر من الكراسات المطبوعة باحرف متراصة دقيقة» الي كانت تحشر في 
ايديهم. 

ينبغي لنا الان ان ننتقل الى نقطة الضعف في هذه العلاقة. واول نقطة ستكون 
بلا ريب: «انها تخرج ممفردها». كانت الترتيبات الاولية تقضي ان تتمتع الانسة 
سارة بوقت فراغ في عصر يوم واحد من كل اسبوعء و كان هذا يعد من السيدة 
بولتيئ اكثر من اعتراف كبير يمكانتها الارفع مقارنة بمكانة الخادمات. كما انه 
كان من مقتضيات توزيع الكراسات. الا ان القس كان قد اشار بذلك. وبدا ان 
الامور تسير على ما يرام مدة شهرين اثنين. وذات صباح» لم تحضر الانسة سارة 
الى صلاة الصبح في منزل مارلبورو. وعندما ارسلت الخادمة للبحث عنها تبين 
افهالم تستيقظ» فذهبت السيدة بولتيئ لرؤيتها. كانت سارة غارقة في البكاء مرة 
احرى» الا ان السيدة بولتيئ لم تشعر الا بالانزعاج في هذه المرة. على اي حال» 
ارسلت في طلب الطبيب» فمكث مدة طويلة وحده في صحبة سارة. وعندما هبط 
ليرى السيدة بولتيئ نافدة الصبرء القى عليها محاضرة قصيرة عن مرض الاكتئاب - 
كان رجلا سابقا لزمانه ومكانه - وامرها ان تسمح للحاطئة ان تتنشق هواء منعشا 
اكثر وان تتمتع بحرية اكبر. 

- هذا اذا كنت مصرا على تلك الضرورة الملحة. 

- اني اصر يا سيدتي العزيزة» واؤكد ذلك» ولن اكون مسؤولا حلاف 
ذلك. 

- انه امر غير مناسب. 

- بيد ان الطبيب لفه صمت قاس. 

ای غا عضري ا : 

م يكن الطبيب غروغان يعتمد ماليا اعتمادا كبيرا على السيدة بولتيئ» على 
العكس من القس. واذا شئت الصراحة» ما من شهادة وفاة في بلدة لاتم من شأنه 

70 


ان يوقع عليها بحزن اقل من شهادة وفاتها. غير انه تمالك سوء طبعه مذكرا اياها 
بأن تنام عصر كل يوم بناء على اوامره الصارمة. وهكذا حصلت سارة على حرية 
حزئية كل يوم. 

كانت نقطة الضعف التالية هي «الا تكون موحودة في حضرة الزوار». وهنا 
وحدت السيدة بولتيي نفسها في معضلة لا تطاق حقا. فقد كانت ترغب في ان 
يبدو احسانها امام الاخرين وهذا يعي حتمية ان يشاهد الاخرون سارة. الا ان 
ذلك الوحه يلحق اكبر الاثار الضارة في الضيوف. فالحزن البادي عليه يوجه اللوم 
والتأانيب» وتدخله النادر جدا في الحديث - الذي يتطلبه اساسا سؤال سابق ما 
فيستوجب الرد (عرف الزوار الاذكياء الذين يترددون كثيرا على المنزل وعلى 
الفور كيف يجعلون تعابيرهم المؤدبة حول السكرتيرة - الرفيقة بلاغية على ما يبدو 
في طبيعتها وفي حتواها) - كانت له صفة حاسمة تثير القلق فيما بينهم ليس من 
خلال اي رغبة من طرف سارة في القضاء على الموضوع بل بسبب اضفاء البساطة 
او الفطرة اضفاء بريئا على بعض المسائل الي كانت تظهر في الصفات المعاكسة. 
وهنا كانت تلوح امام السيدة بولتئ في هذا الاطار مثل احد الاشخاص فوق 
مشنقة تذكرتها على نحو واهن من ايام شباها. 

اظهرت سارة حنكتها ثانية» اذ كانت تبقى حاضرة عند وحود بعض الزوار 
القدامى. اما في اثناء حضور بقية الزوار» فكانت تنسحب اثر الدقائق القليلة 
الاولى» او تتوارى عن الانظار حينما يعلن عن وصولهم وقبل دحوم مباشرة. هذا 
هو السب الذي فسر عدم مشاهدة ايرنستينا لها في منزل مارلبورو. وقد سمح 
هذا على الاقل للسيدة بولتيي ان تسهب في الحديث عن الحنة الي اضطرت الى 
تحملها على الرغم من ان غياب المحنة او زوالها كان يوحي بفشل محدد في قدرقًا 
على تحملهاء وهي محنة مرهقة في الغالب. على اي حال لا يبمكن القاء الذنب على 
سارة الا نادرا. 

بيد اني تركي اسوأ نقطة حن النهاية» وهي: «لا تزال تظهر ما يوحي 
بارتباطها من غرر ها». 

بذلت السيدة بولتيئ محاولات كثيرة لانتزاع تفاصيل الخطيئة ودرحة تكفيرها 
الحالية منها. فاي امرأة ارفع منزلة» ما كانت ترغب في ماع شيء اكثر من 


71 


اعتراف خاطئة من بنات جنسها. الا ان سارة كانت حساسة مثل شقائق البحر في 
هذه القضية. ومهما لاح الاسلوب الذي تقترب فيه السيدة بولتيئي من الموضوع 
اسلوبا غير مباشر» فإن الخاطئة كانت تخمن ما الذي سيحدث. وكانت اجاباتا 
عن الاسئلة المباشرة متشايهة دوما في فحواهاء ان لم تكن في كلماتا الحقيقية» مثل 
الاحابات الي قدمتها في اول تحقيق يجرى ها. 

لما كانت السيدة بولتيئ قلما تغادر منزها ولا تغادره ابدا سيرا على 
الاقدام» بل في عربة تنقلها الى بيوت من هم في مكانتهاء فانه كان ينبغي لما ان 
تعتمد على غيرها في نقل اخبار نشاطات سارة الي تقوم يما حارج منزها. 
ولحسن حظها فإن مثل هاتين العينين موجودتان. والافضل من ذلك فإن العقل 
الكامن وراء تلك العينين كان عقلا يوجهه الحقد والازدراء» ولحذا كان سعيدا في 
نقل التقارير المتواترة الى السيدة العنيدة. طبيعي ان هذا الجاسوس لم يكن سوى 
السيدة فيرلي. فعلى الرغم من اها لم تكن جحد اي لذة في القراءة» الا انه ساءها ان 
تنزل مرتبتها. وعلى الرغم من ان الانسة سارة كانت مؤدبة» ونزيهة معهاء 
وبذلت عنايتها في الا تبدو .مظهر من يستحوذ على مهامها في ادارة شؤون البيت 
فإن صرعا ما كان موجودا حتما؟ فلم تكن السيدة فيرلي مسرورة لأنها كانت 
تقوم بواحبات اقل وهذا يعي ان تأثيرها اقل. وكان انقاذ سارة لاميلي - وغير 
ذلك من التدحلات الحكيمة - جعلها تحظى بشعبية واحترام في الطابق السفلي. 
وكان غضب السيدة فيرلي الشديد يتمثل في عدم استطاعتها الحديث بسوء عن 
السكرتيرة - الرفيقة امام التابعين هها. كانت امرأة شديدة الحساسية» امرأة تكمن 
لذقا الوحيدة في معرفة الاسوأ وحشية الاسوأ. وكذا نمت كراهية ضد سارة نموا 
بطيئاء قاسيا في شدته. 

كانت امرأة ماكرة بلغت من الدهاء حدا ل تخفه عن السيدة بولتيئ. بل انها 
تظاهمرت بالاسى الشديد لحال «الانسة وودراف المسكينة» وكانت تقاريرها 
مديحة بكلمات من مثل اخشى واخاف الا انها كانت تملك فرصا عظيمة للقيام 
باعمال التجسس.ء لا لأا كانت هي نفسها ترتاد البلدة غالبا بحكم ادائها واحباتها 
حسب» بل لأا كانت تملك شبكة من الاقارب والاصدقاء تحت تصرفها. وقد 
اشارت طؤلاء الاصدقاء بأن السيدة بولتيئ تواقة لأن تعرف - ولاسباب دينية لا 


72 


غير - عن سلوك الانسة وودراف حارج الاسوار الحجرية الشاهقة الي تحيط 
بحدائق من زل مارلبورو. وكانت ثمرة ذلك ان كل حركة وبيماءة من سارة في 
ساعات فراغها كانت تنقل الى السيدة فيرلي بعد ان يبالغ فيها على نحو غامض 
وتفسر تفسيرا محرفاء اذ كانت بلدة لانم ريجيس انذاك» مثلما هي الان» بلدة 
تكتنفها الاقاويل مثلما تكتنف اليرقات برميلا من الجبن. 
كان نموذج حركاتا الخارحية - عندما كانت تعفى من قراءة الكراسات - في 
منتهى البساطة؛ فقد كانت تتبع الطريق نفسه دوما عصراء فتسير في شارع باوند ومن 
ثم تدلف الى شارع برود المنحدر حى تصل الى بوابة كوب وهي عبارة عن شقة من 
الارض شبه مستوية تطل على البحر ولا صلة ها بجدار الكوب. وكانت تقف هناك 
الى جسوار الحدار» وتمعن النظر في البحر مدة ليست طويلة عموما - مدة ليست اطول 
من المدة الي يستغرقها قبطان سفينة في اعطاء التخمين الدقيق عندما يظهر فوق اللجسر 
- قبل ان تتجه صوب كوكمويل او الى الحهة الاخترى؛ الى الغرب» فتسير في تمر يبلغ 
طوله نصف ميل» ويدور من حول خليج لطيف يؤدي الى الكوب تماما. فاذا ما 
سارت صوب كوكمويل فما في غالب الاحوال ستذهب الى الكنيسة وتصلي بضع 
دقائق (وهي حقيقة جديرة بالذكر لم تعدها السيدة فيرلي) قبل ان تدحل الزقاق ابجاور 
للكنيسة والمودي الى مرج حروف الكنيسة. وكان ذلك العشب يرتفع باتحاه سور 
بلاك فن. فوق هذه الارض المعشوشبة» كان يمكن مشاهدقا وهي تتجول وتلتفت 
مرارا الى البحرء الى النقطة الي يلتقي فيها الممر بالطريق القدم المؤدي الى تشارماوث 
الذي تأكل واصبح جزءا من بلاك فن وعندئذ تعود ادراحها الى بلدة لاتم. وكان من 
شأها ان تقوم بهذه الحولة عندما يبدو الكوب مزدحماء لكن عندما كان يحيله الطقس 
او الظروف الى مكان مهجور فإكما كانت في الاغلب تسلك ذلك الطريق» وينتهي بها 
الطاف الى الوقوف حيث شاهدها تشارلز اول مرة. وفي ذلك المكان كانت تشعرء 
على ما یفترض» انما اقرب ما تكون الى فرنسا. 
كانت هذه الامور كلها تنقل الى السيدة بولتيئ على نحو مشوه وشائن, الا 
افا كانت انذاك تعيش اولا متعة امتلاك لعبتها الجديدة وكانت ميالة الى اتخاذ 
المواقف العدائية المنسجمة وطبعها الفاسد النازع الى الشك والارتياب. وعلى 
الرغم من ذلكء فإِها ل تتردّد في تقريع اللعبة. 
73 


- لق اشرت يا انسة وودراف بانك تشاهدين دوما 5 نفس الاماكن لدى 


خفضت سارة من بصرها امام العينين المنطويتين على الاتهام. 
- انك تراقبين البحر. 


غير ان سارة ظلت ملتزمة بالصمت. 

- انين راضية لانك في حالة توبة. في الواقع» اني لا استطيع ان اصدق ان 
تكون غير ذلك في ظل ظروفك الراهنة. 

احذت سارة دورها. ش 

- اني اشعر بالامتنان يا سيدي. ` 

- لست مهتمة مموضوع امتنانك لي. فهناك الواحد العلي الذي يستحق اولا 
ذلك. 

همست الفتاة. 

- كيف اني لم اعرف ذلك؟ 

- قد يبدو للشخص الجاهل انك مستمرة في خطيئتك. 

- لو عرفوا قصيٍ يا سيدي فلن يفكروا على ذلك النحو. 

- لكنهم يعتقدون ذلك حقا. لقد احبرت باهم يقولون بانك تبحثين عن 
اشرعة الشيطان. 

فضت سارة بعد ذلك» واتحجهت صوب النافذة. كان الوقت بداية الصيف 
امتزج اريج زهو الليلك بشدو الشحارير. امعنت النظر قليلا في ذلك البحر 
الذي طلب اليها ان تنكر نفسها عليه» ثم استدارت صوب السيدة العجوز الي 
تربعت فوق كرسيّها على نحو لا سبيل الى تمدئتها مثل ملكة استوت على 
عرشها. 

- اترغبين في ان انصرف يا سيدي؟ 

صعقت السيدة بولتيي في اعماقها. ها هي بساطة سارة مرة احرى تنتزع كل 
كراهيتها المتأحجة. كذلك صونّا وعوامل سحرها الاخرى الى اصبحت مدمنة 
عليها! الاسوأ من ذلكء فإِنها قد تنبذ الفائدة المتنامية لما على تلك الجسور المقدسة. 
لهذا حففت من حدة لهجتها. 


74 


- اريد منك ان تبيئ ان هذا الشخص قد حرج من قلبك. انا اعلم انه قد 
خحرج. لكن يجب ان تظهري ذلك. 

- كيف لي ان اظهر ذلك. 

- بالتجول في اماكن احرى. بالا تظهري عارك. واذا لم يكن هناك اي سبب 
يدعو الى ذلك» فليكن بناء على طلبسي. 

اتتصبت سارة محنية الرأس في حين ران الصمت. وبعد ذلك تفرست في عي 
السيدة بولتيي» وابتسمت ابتسامة باهتة اول مرة منذ وصوطا. 

- سافعل ما ترغبين فيه يا سيدني. 

كانت هذه تضحية ماكرة» اذا شئنا ان نعبر عنها .مصطلحاث لعبة الشطرنج 
لأن السيدة بولتيئ استمرت في القول بانها لا تريد ان تنكر عليها تماما فوائد نسيم 
البحر وان في وسعها ان تتجول قرب البحر في بعض الاحيان» لا في كل الاحيان. 
«وارجو الا تقفي هناك وتواصلي النظر». 

باحتصار كانت صفقة عقدت بين هاجسين. فقد كان عرض سارة مغادرة 
اللزل دافعا كي ترى كل منهما الحقيقة .ممنظارين مختلفين. 

الترمت سارة بالجانب الخاص ما من الصفقة» او على الاقل» ذلك الجانب الذي 
بخص خط جولاقا. فلم تعد تذهب الى الكوب الا فيما ندر الان على الرغم من انما 
في اثناء ذهاهها كانت لا تزال تسمح لنفسها بالوقوف وامعان النظر كما حدث في 
ذلك اليوم الذي اتينا على وصفه. على اي حالء ان الريف الذي يحيط ببلدة لام يحفل 
بالاماكن المعدة للمشي. والقليل منها لا يطل على البحر. واذا كان هذا كل ما تتوق 
اليه سارة» فما عليها سوى التجول فوق العشب في منزل مارلبورو. 

مرت السيدة فيرلي اثر ذلك بفترة بائسة استمرت شهورا كثيرة. فلم تحذف 
مناسبة واحدة حدث فيها التوقف والتفرس. الا ان هذه المناسبات لم تكن كثيرة. 
واستطاعت سارة في ذلك الوقت ان تكتسب نوعا من سطوة العذاب على السيدة 
بولتيئ جنبها اي نقد حاد. فقبل كل شيء» كانت المأساة المسكينة بجنونة» وهو ما 
كنت الحاسوسة والسيدة تذكران بعضهما بعضا به. 

ثما لا ريب فيه انك حمنت الحقيقة: انما اقل حنونا ما كانت تبدو عليه... او 
على الاقل» ليست محنونة على النحو الشائع عموما. اذ كان الكشف عن عارها 


75 


على نحو مرض ويمكن السماح لهم بالخلود الى السكينة فترة وجيزة. 

لكن في يوم ماء قبل اقل من اسبوعين من بدء قصي» كانت السيدة فيرلي قد 
جاءت الى السيدة بولتيئي ووجها يكاد يصرح موت صديق قريب. 

كانت هذه العبارة قد اضحت مألوفة للسيدة بولتيئ مثل دوامة عاصفة لصياد 
سمك. الا انها تقيدت بالاتفاق. 

- الا يخص الامر الانسة وودراف؟ 

- اتمئ الا يخصها يا سيدي. 

- الا اني احشى ان الواحب يدفعين الى ضرورة اخبارك. 

- ينبغي الا نخشى ما هو واجبنا ابدا. 

- ابدا يا سيدي. 

على الرغم من ذلك» ظل فمها مطبقا. ورمما كان في وسع طرف ثالث ان 
يتساءل عن الاهوال الى يمكن ان تنجم عن ذلك. ولم يكن من شأن منظر افعى 
تتلوى فوق المذبح في الكنيسة ان يبدو ملائما اكثر. 

- لقد احذت تتجول في وير كومونز يا سيدقي. 

ياله من هبوط مفاحئ من الذروة! الا ان السيدة بولتيئ بدت غير مقتنعة 
بذلك. بل ان فمها بان على نحو غريب وقد تدلى تماما. 


76 


10 





مرة واحدة. مرة واحدة لا غير. رفعت عينيها 
وفجاة احمرت خجلا على نحو عذب» غريب 
تينيسون - مود 1855 


... بما فيها من شقوق خضر بين الصخور الرومانسيةء حيث تعلن 
اشجار الغابات المتناثرة والبساتين العامرة ان اجيالا كثيرة لا بد قد 
فضت نحبها منذ ان هيأ انهيار الجرف الجزئي الاول الارض لمثل هذه 
الحالة. حيث يشاهد مثل هذا المنظر البالغ الروعة الذي لا يشبه اي 
مشاهد مماثلة في جزيرة وايت الشهيرة. 

جين اوستن - الاقناع 


بمتد بين بلدة لام ريجيس واكسماوث الب تبعد عنها ستة اميال الى جهة 
الغرب واحد من اغرب المناظر الساحلية في جنوب انكلترا. ولا يلفت هذا المنظر 
النظر من الحوء اذ يلاحظ المرء انه في حين تمتد الحقول حي حافة الجرف في اي 
بقعة احرى على الساحلء فإِهًا تتوقف هنا على مسافة ميل واحد منها او ما 
يقرب من ذلك. فقطعة الارض المزروعة ذات اللونين الاحضر والببي المحمر 
تتحول بنظام ميج الى سلسلة مظلمة من اشجار واعشاب» ليست هناك اي 
سطوح ولو ان شخصا حلق على نحو منخفض .ما فيه الكفاية فإن في ميسوره 
ان يلاحظ بأن التضاريس غير متوقعة» تقطعها شقوق عميقة تؤكدها الجروف 
الغريبة وابراج الجير والصوان الى تميمن على اوراق النباتات اليانعة من حولها 
مثل اسوار قلاع مهدمة. هذا من الحو... اما على القدمين فإن هذه البراري الي 
تبدو عديمة الاهمية» تكتسب امتدادا غريبا. فقد حدث ان تاه اناس فيها ساعات 
طويلة» ولا يستطيعون ان يصدقوا - بعد ان يروا على الخارطة المكان الذي 
تاهوا فيه ان احساسهم بالعزلة - والأسى ان كان الحو سيئا - يمكن ان يبدو 
بتلك الدرحة من الشدة. 


77 


واالحجرف شديد الانحدار لأن هذه البقعة من الارض عبارة عن منحدر يبلغ 
طوله ميلا واحدا احدثته عمليات التأكل في وجه الجرف العمودي القديم. ان 
الاماكن المستوية نادرة شأنها شأن الزوار الذين يفدون اليها. بيد ان هذا الانحدار 
يميل بها وبنباتاتا في النتيجة الى جهة الشمس» وهذه الحقيقة» مضاف اليها الماء 
المتدفق من ينابيع لا تعد ولا تحصى والمتسبب في عملية التأكل» اضفت على المنطقة 
غرابتها النباتية - فاشجار القطلب البرية والبلوط الاحضر وغيرها من الاشجار 
نادرا ما تشاهد نامية في انكلتراء كذلك شأن اشجار الدردار والزان العظيمة» 
الصدوع البرازيلية الخضراء اللون الى تحتشد باللبلاب والنباتات المعترشة للياسمين 
البري» نباتات السرحس الي يبلغ ارتفاعها سبعة او ثمانية اقدام» ازهارها الي تتفتح 
قبل اي منطقة احرى في المقاطعة بشهر. وفي فصل الصيف» تستطيع هذه المنطقة 
السريفية ان توفر ما يشبه الاحراش الاستوائية. كما ان هذه المنطقة» شأها شأن اي 
منطقة لم يعش فيها الانسان او يسعى الى تطويرهاء تمتلك اسرارهاء ظلاهاء 
مخاطرهاء وهي بسيطة اكثر نما ينبغي من الجانب الحيولوجي لأن هناك شقوقا 
ومسنحدرات فجائية يمكن ان تتسبب في حدوث كارثة» وقي اماكن يصيح فيها 
انسان مكسور الساق باعلى صوته اسبوعا كاملا ولا يسمعه احد. وما يبدو 
غريباء ان هذه المنطقة كانت اقل وحشة مما هي عليه الان قبل مئة عام. اذ لا يوجد 
اليوم اي كوخ تحت الحرف. في حين كان هناك البعض منها في عام 1867 وكان 
يقطنها حراس الطرائد وسكان الغابات وقطيع او قطيعان من الخنازير. اما اناث 
الظبي الاحمر فلا بد انما مرت بايام اقل سكينة بعد ان كانت واثقة من توفر 
العزلة التامة. اما الان فقد بات الحزء السفلي من الجرف مقفرا تماماء اذ تداعت 
بجدران الكوخ واصبحت بقايا يعلوها اللبلاب في حين توارت عن الانظار 
ثمرات الاغصان القديمة. وليس ثمة طريق حاص بالسيارات قريبا منه» اما الطريق 
الوحيد الباقي الذي يقطعه فهو غير سالك في الغالب. وقد حرى ذلك بسبب 
احراء من البرلمان: حفظ الطبيعة على المستوى القومي. لم يضع كل شيء 
لمصلحة ذاتية. 

فالى هذا المكان. الذي يعد جنة عدن انكليزية في مثل هذا اليوم التاسع 
والعشرين من شهر اذار/مارس عام 1867» دخل تشارلز عندما ارتقى الممر القادم 


78 


من الشاطئع عند خليج بينهاي. كما ان هذا المكان نفسه هو الذي كان النصف 
الشرقي منه يدعى وير كومونز. 

عندما روى تشارلز ظمأه ورطب حاجبيه .عنديله المبلل» شرع ينظر حوله 
نظرة حادة. او على الاقل» حاول ان ينظر حوله نظرة جادة» غير ان المنحدر 
الصغير الذي وجد نفسه فيه» والاحتمالات اللحائزة امامه» الاصوات» الاريج» النمو 
الطبيعي الذي لا تشوبه شائبة» والخصب الوفير» اضطرته الى مناهضة العلم. كانت 
الارض القريبة منه تنتشر فيها زهور الربيع الصفر والذهبية ويحاذيها البرقوق الابيض 
المتفتح في كل مكان. وكانت هناك مجاميع من نباتات الحمّاض والمسك» وهي ارق 
زهور الربيع الانكليزية» في نفس البقعة الي كانت فيها اشجار البلسان ذات القمم 
الخضر تظلل الضفتين المكسوتين بالطحلب لذلك الحدول الصغير الذي ارتوى منه. 
والى الحزء الاعلى من المنحدر» شاهد الرؤوس البيض للشقائق» والى الوراء منها 
كانت ثمة اكوام ذات لون احضر غامق من اوراق نباتات ذات زهرات زرقاء اللون 
شبيهة بالاحراس. وف مكان بعيد» مع صوت الطائر النقار وهو ينقر في اغصان 
شجرة عالية في حين مع من فوق رأسه صفير عصفور الدغناش المغرد. كما كانت 
طسيور مغردة اخرى وصلت مؤخرا تشدو فوق كل شجرة وفي كل دغل. وعندما 
استدار شاهد البحر الازرق الذي يندفع بعيدا من تحته» وخليج لام برمته وقد 
اكمل استدارته» والجروف المستدقة الي كانت تنحدر في القوس الاصفر لضفة 
شيزل اللامتناهية الي كانت حافتها البعيدة تلامس حبل طارق الانكليزي الغريب 
اروف ببورتلاند بيل» وهو عبارة عن ظل رمادي حفيف محشور تحت السماء 
الصافية. 

لقد استطاع فن واحد لا غير من الامساك يمثل هذه المناظر - الا وهو فن 
النهضة. فكانت الارضية الي تنجول فيها شخوص بوتيشيلي”, المواء الذي يحيط 
بأغاني رونسار”*. لا يهم ماذا كانت اهداف ومقاصد وعي الثورة الثقافي» او 
فظائعه او احفاقاته. كانت النهضة في حوهرها النهاية الخضراء لواحد من اقسى 
(30) ساندرو بوتيشيلي (1510-1445) رسام ايطالي من مواليد فلورنسا. (المترجم) 


(31) بيير دو رونسار (1585-1524) شاعر فرنسي يعد احد اعظم شعراء عصر النهضة 
الفرنسية واغزرهم انتاجا. (المترجم) 


79 


شتاءات المدنية» كانت فاية السلاسل والقيود والحدود. ووسيلتها واحدة لا تتغير: 
الملوجود هو الجيد. باحتصار» كانت تتصف بكل الصفات الي لم يكن يتصف ها 
عصر تشارلز» لكن لا تظن انه لم يكن يدرك ذلك وهو واقف في مكانه. صحيح 
انه عند تفسيره مشاعره الغامضة الخاصة بالقلق» اللا انسجام» الحدود» كان يقترب 
من روسو والاساطير الطفولية عن العصر الذهبي والبدائي النبيل. اي» انه حاول 
ان ينبذ عدم ملاءمة مقترب عصره الى الطبيعة بالافتراض ان المرء ليس في مستطاعه 
ان يدعل ثانية في الاسطورة. وقال لنفسه انه مدلل اكثر مما ينبغي بفعل المدنية 
وليس في استطاعته بعد الان ان يقطن في الاماكن الطبيعية ثانية» وقد جعله هذا 
الامر حزينا على نحو ممتع مشوب بألم. فهو فكتوري رغم كل ذلك. وليس في 
وسعنا ان نتوقع منه ان يشاهد ما بدأنا توا بادراكه - وعساعدة معرفة اكبر 
ودروس اكثر في الفلسفة الوجودية المتوفرة لدينا - وهو ان الرغبة في الاستحواذ 
والرغبة في المتعة رغبتان مدمرتان معا. وكان ينبغي لكلامه الى نفسه ان يكون: 
«اناامتلك هذا الانء فانا سعيد اذا». بدلا من العبارة الفكتورية المألوفة: «لا 
استطيع ان امتلك هذا الى الابد فانا حرين اذا». 

استعاد العلم هيمنته ثانية في اخر الامرء وبدأ تشارلز يبحث بين طبقات 
الصوان المنتشرة على امتداد بحرى الجدول عن اختباراته. فعثر على قطعة صغيرة من 
محار حوري الشكل متحجرهء بيد ان قنافذ البحر فاتته ملاحظتها فتوغل داخل 
الاشجار رويدا رويدا الى جهة الغرب» كان ينحينٍ ويتفحص الارض فحصا متأنيا 
بعينيه ويتحرك بضع خطوات الى الامام» ثم يستأنف نفس العمل. وبين وقت 
واحرء كان يقلب ما يبدو انه قطعة من الصوان بطرف عصاه. الا انه لم يكن 
محظوظا. مرت ساعة» وبدأ واحبه ازاء ايرنستينا يقل عليه شهوته للقنافذ. نظر الى 
ساعته» وكتم لعنة كاد ان يتفوه بهاء ثم قفل راجعا الى المكان الذي ترك فيه 
حقيبته. وفي جزء اعلى من المنحدر» وجد امامه طريقاء فسار فيه منطلقا صوب 
بلدة لام والشمس الغاربة من ورائه. كان هذا الطريق ينجه وينحيي قليلا الى 
الداحل على مقربة من سور حجري ثما عليه اللبلاب» ثم يتشعب دون علامة الى 
العديد من الشعب على نحو لا يرحم. تردد اول الامرء ثم سار مسافة مسين ياردة 
او ما يقرب من ذلك (45 مترا) على امتداد الطريق الادى الذي كان يغور في 


80 


اعحدود مستعرضء وتظلله الظلال الكثيفة. غير انه توصل الى حل لمعضلته - لا 
يدري تماما كيف هي الارض من امامه - اذ ان ممرا احر تفرع فجأة عن بمينه عائدا 
الى البحر ثانية من فوق منحدر صغير تعلوه الاعشاب ومن هناك يستطيع ان يحدد 
وجهته تحديدا واضحا. لهذا اندفع الى اعلى يشق طريقه بين العليق - اذ كان الممر 
غير سالك تقريبا - ووجهته السهل الاحضر الصغير. 

انفتح الطريق من امامه على نحو مستساغ مثل مرج صغير من مروج الالب» 
بينما اتضح من خلال الاذناب البيض لثلائة او اربعة ارانب سبب قصر العشب. 

انتصب تشارلز تحت نور الشمس. كانت نباتات رجل الطير تزين العشب في 
حين اوشكت مجموعة خحضراء زاهية اللون من نبات السّمسق على التفتح. وهنا 
تقدم تشارلز نحو حافة السهل. 

وهناك شاهد شخصا ما من حته. 

مرت به لحظة رهيبة» ظن فيها انه عثر على حثة. لكن الحثة لم تكن سوى 
امرأة نائمة. لقد احتارت اغرب بقعة من الارض وهي عبارة عن رف عريض 
منحدر من العشب بمتد مسافة حخمسة اقدام (1.5 متر) تحت مستوى سطح السهل» 
ويخفيها عن رؤية اي شخص للا الا اذا وصل الحافة نفسها كما هو شأن تشارلز. 
كانت الحدران الطباشيرية من وراء هذه الشرفة الطبيعية الصغيرة قد جحعلت من 
المكان مأوى للشمسء لأن اعرض مور فيه كان يشير الى الجنوب الغربي. الا 
انه ليس مأوى يفضل اختياره الكثيرون» اذ كانت حافته الخارجية تطل على 
منحدر يصل لى ثلاثين او اربعين قدما وسط كتلة متشابكة بشعة من العليق. 
وقليلا الى الوراء منها كان الجرف الحقيقي يطل على البحر تماما. 

كان احساس تشارلز الاني يتمثل في التراحع عن مشهد المرأة. لكنه لم يعرف 
من هي. فوقف حائرا لا يدري ما يفعل وهو ينظر الى طبيعة المشهد الآسر دون ان 
يدركه. تردد» واوشك ان ينصرفء الا ان حب الفضول عنده دفعه الى الامام 
ثانية. 

كانت الفتاة مستلقية على ظهرهاء مستسلمة استسلاما تاما لنوم عميق. 
وكان معطفها مفتوحا يكشف عن ثوب نيلي لا يخفف من وطأة قسوته سوى ياقة 
بيضاء صغيرة عند الرقبة. كان وجه النائمة مائلا الى الجهة الاخرى منه في حين 


81 


كان ذراعها الايمن متدليا الى جهة الخلف وقد مال على نحو طفولي. وثمة مجموعة 
متفرقة من الشقائق فوق العشب النحيط به. كانت الطريقة الي استلقت ها تنطوي 
على رقة شديدة لا تخلو من ايحاءات جنسية» فايقظت صدى باهتا في تشارلز عن 
لحظة من لحظات وجوده في باريس. فتاة احرى» لا يستطيع الان ان يتذكر 
اسمهاء رما لم يعرفه البتة» شوهدت مستلقية ذات فجر في حجرة نوم تطل على 
فر السين. 

سار حول حافة السهل المقوسة حيث يتمكن من رؤية وجه النائمة على نحو 
افضل. وعند ذاك فقط ادرك هوية المرأة الى تطفل عليها. انها امرأة الضابط 
الفرنسي. كسان جزء من شعرها مسدلا يكاد يغطي نصف خدهاء وكان يبدو 
عندما شاهدها عند الكوب بنيا غامقا. اما الان فتشوبه صبغة همراي ودفء 
شديد» ويخلو من البريق الضروري انذاك الذي يكسبه زيت الشعر النسائي. اما 
البشرة من تحته فكانت معراء تماماء ضاربة الى الحمرة تقريباء في تلك الاشعة» 
كانت الفتاة تمتم بالصحة اكثر من اهتمامها بالوجه الشاحب ذي الوجنتين 
الواهنتين. انف بارزء حاجبان كثيفان... اما الفم فلم يستطع ان يتبينه. واستاء 
على نحو غريب لأنه مضطر لمشاهدتها على نحو مقلوب لأن طبيعة الارض لم تسمح 
له بالالتفاف ورؤيتها من زاوية مناسبة. 

TT جحو حا عانقا شرن‎ E 
اللقاء غير المتوقع وقد غلبته مشاعر غريبة ايضا - مشاعر ليست جنسية» بل اخحوية»‎ 
رما ابوية» اليقين من براءة هذه المحلوقة» من نبذها ظلما من الجتمع» وكان هذا‎ 
يعد عاملا من عوامل حدسه بوحدقا المروعة. فعلاوة على اليأس» لم يكن قادرا‎ 
على تصور الشيء الذي يدفعها الى هذا المكان القفر في عصر كانت فيه النساء‎ 
مستقرات تقريبا في بيوهن» مستسلمات» عاحزات عن بذل الجهد الجسماني‎ 
المتواصل.‎ 

في هاية الامر وصل الى حافة السور الواقي من فوقهاء والمهيمن على وجهها 
تماما. وهنا رأى ان الحزن الذي سبق له ان لاحظه قد تلاشى. كان وحهها وهي 
نائمة رقيقاء رعا يشوبه شبح ابتسامة. وفي تلك اللحظة تماماء وف حين كانت 
يتمايل الى الجانيين وهو يحاول ان يهبط الى اسفل» استيقظت من نومها. 


82 


نظرت ‏ الى الاعلى على الفور» نظرت نظرة سريعة» فكانت محاولته التراحع 
الى الخلف لا طائل من ورائها. لقد اكتشف امره» وكان سيدا مهذبا لا سبيل لديه 
الى انكار فعلته. هذا رفع قبعته» وانحجئى عندما فضت سارة على قدميها وجلة 
مذعورة» وعدّلت من معطفهاء وأمعنت النظر فيه من مكافا. لم تقل شيا بل سمرته 
في مكانه بنظرة رعب وذهولء ربا لم تكن تخلو من الاحساس بالخجل. كانت ها 
عينان جميلتان» عينان سوداوان. 

مكثا واقفين على تلك الحالة بعض الوقت وقد اسرقما الحيرة المشتركة. 
كانت تبدو في منتهى الصغر وهي تقف في مكان ادن منه وقد احتفى جسدها من 
منطقة المخصر والى الاسفل في حين تشبثت بياقتها كأنها على وشك ان تستدير 
وتندفع بعيدة عن انظاره اذا ما حطا خطوة واحدة باتحاهها. ثاب الى رشده. 
وادرك الكلام المناسب. 

- معذرة الف مرة. لقد وحدتك مصادفة على نحو غير مقصود. 

ثم استدار وسار بعيدا. لم ينظر وراءه بل اندفع الى اسفل نحو الممر الذي تركه 
ومن ثم الى الطريق المتشعب حيث سأل نفسه عن السبب الذي جعله يفتقر الى 
سرعة البديهية ولم يسأل عن الطريق الذي ينبغي له ان يسلكه وانتظر نصف دقيقة 
ليتحقق من لحاقها به او عدمه الا انها لم تظهر وعلى الفورء سار بثبات وهو يرتقي 
الطريق المنحدر. 

۾ يكن تشارلز يعرف» لكن في تلك الثواني القصيرة المتوازنة فوق البحر 
المنتتظرء في ذلك السكون المسائي المنير الذي لا يعكره سوى اندفاع الموحات 
المهادئ» كان العصر الفكتوري برمته مفقودا. ولا اقصد ممذا انه سلك الطريق 
الخطأ. 


83 


11 





بشكل مطابق تماما للاخرين» 
ودون تفكير بما يعنيه حقاء 


اذهب الى الكنيسة - هذا ما يريده العالم منك 
والى الحفلات - هذا ما يريده العالم ايضاء 
وتزوج - هذا ما يرغب فيه بابا وماماء 
واخواتك وزملاؤك في المدرسة. 
أي. إتشء كلف - الواجب 1841 


«اوهء لاء من هو!» صاحت بازدراءعء 
«لن ادفع فيه بنسا واحداء 
افضل ما فيه واضح للعيان؛ 
سترته زاهية الالوان. صحيح»› 
لكن اهله لم يربوه 
ليتعلم شيئا واحدا...» 
وليم بارنز - قصائد بلهجة دورسيت المحلية 1869 


في الوقت الذي حدث فيه هذا اللقاء تقريباء مضت ايرنستينا متململة من 
فراشها» واحضرت مفكرقا ذات الجلد الاسود من منضدة زينتها. في البداية عادت 
متجهمة الوحه» الى حد ماء الى افتتاحية ذلك الصباح وهي افتتاحية لم تكن مؤكدا 
مؤثرة جدا من وجهة النظر الادبية: «حررت رسالة الى والدي. لم اشاهد تشارلز 
الاعز» لم احرج من البيت على الرغم من روعة الطقس. نم اشعر بالسعادة». 

كان يوما سلبيا تماما للفتاة المسكينة الي لم يكن امامها سوى الخالة ترانتر 
لتتظهر لما استياءها. هناك زهور النرحس والنرحس الاسلي الي ارسلها تشارلز 
وال احذت الان تتنشق عبيرها الا ان هذه الزهور نفسها اغاظتها اول الامر. كان 
بيت الخالة ترانتر صغيرا وسممعت سام وهو يطرق الباب الرئيس في الطابق السفلي. 
وسمعت ماري الشريرة» الوقحة وهي تفتح الباب - اصوات هامسة اعقبتها قهقهة 


84 


واضحة مكتومة صدرت عن الخادمة» واصطفاق باب. وراود ذهنها شك بغيض» 
شنيع» بأن تشارلز كان موجودا وهو يغازلها. حرك ذلك واحدا من اعمق مخاوفها 
ازاءة. 

كانت تعرف انه عاش في باریس وف لشبونه وانه سافر كثيرا؛ كانت تعرف 
انه يكبرها باحد عشر عاماء وكانت تعرف انه جذاب امام النساء. وكانت ردوده 
على اسثلتها المازحة الحذرة ذات الصلة .مغامراته السابقة مازحة حذره بدورها 
دوما. تلك هي المعضلة. فقد شعرت انه لا بد احفى عليها شيئا ما - كونتيسة 
فرنسية مأساوية. مركيزة برتغالية مشبوبة العاطفة. ولم يسمح عقلها لنفسه 
لينطلق الى عاملة باريسية شابة او فتاة حانة ذات عينين لوزيتين في سينترا*› 
وهوامر من شأنه ان يكون اكثر قربا من الحقيقة. بيد ان موضوع ممارسته 
الحب مع نساء احريات كان يثير لديهاء على نحو ماء قلقاء اقل من ذلك الذي 
تثيره ممارسته الحب مع فتاة عصرية. الطبيعي ان ايرنستينا تفوهت بعبارة «لا 
ينبغي لي» حالما كان يراود ذهنها اي تفكير اثم. غير انها كانت تغار من قلب 
تشارلز حقاء اذ لم تستطع احتمال التفكير انه قلب يشاركها فيه احد سابقا او 
لاحقا. كانت سكين او كام المفيدة غير معروفة منها. وهكذاء فإن الحقيقة 
البسيطة المتمثلة في انه لم يعشق فتاة باتت دليلا واضحا امام ايرنستينا - في 
ايامها الكئيبة - بانه كان ذات يوم عاشقا مشبوب العاطفة. فمظهره الحادئ 
عدته صمتا رهيبا لميدان معركة سابقةء واترلو بعد شهرء بدلا من ان تنظر اليه 
على حقيقته - مكان بلا تاريخ. 


(83) سعيشر اد بده وترتغالية جيلية في لفسا الغرني ين الكتبوفة تفتى يبقاليا الأخاذ الشاعر 
الانكليزي لورد بايرون في قصيدته الشهيرة تشايلد هارولد. (المترجم) 

(33) سكين اوكام: نسبة الى وليم الاوكامي اعظم علماء الفرانسيسكان ولد في بلدة اوكام بمقاطعة 
سري بانكلترا حوالى 1300 وتوفي حوالى 1349 درس في اوكسفورد وباريس ولما خرجت 
اراؤه الى حد ما عن حرفية العقيدة صدر اليه الامر في 1324 بالمثول امام البابا في افينيون 
وطرد من الكنيسة عام 1328 ووجد الحماية في بلاط الامبراطور لويس في ميونيخ. كان 
معاديا للميتافيزيقيا وكان يقول «لا ينبغي الاكثار من الكيانات الى حد يتجاوز ما تدعو اليه 
القاجة»: .وقد ايحت هده العبانة ترت يسم سكين اوكا و كرات ال كان وقصيدها 
هي الصور والجواهر وما شابهها. (المترجم) 


85 


لما اغلق الباب الرئيس» سمحت ايرنستينا للوقار ان يسيطر عليها دقيقة ونصف 
الدقيقة تماما في حين امتدت يدها الرقيقة وجذبت باصرار المقبض الذهبي اللون 
الى جنب سريرها. تناهى صوت رنين متصل يبعث على البهجة من المطبخ وبعد 
ذلك تماماء مع صوت وقع اقدام وطرق» وانفتح الباب لتظهر ماري وهي تحمل 
زهرية وفيها بجموعة من زهور الربيع. دخلت الفتاة» ووقفت قرب السرير» 
ووجهها تكاد تغطيه الزهور؛ كان وجهها باسما يصعب على اي رجل ان يكون 
غاضبا منه. لهذا فإن ايرنستيناء حلاف ذلك» قطبت حاجبيها على نحو يبعث على 
التوبيخ لمرأى الزهور غير السار. 

في نظضريء كانت ماري أجمل الشابات الثلاث اللواتي اتى ذكرهن في 
الصفحات السابقة. كانت تملك حيوية اكبر الى ما لا هاية وكانت اقل ما يمكن 
من الانانية. وكانت تملك ما يناسب ذلك من الفتنة الجسدية... بشرة وردية 
صافية» شع بلون الذرة» عينان زرقاوان واسعتان لذيذتان» عينان تثيران الرجل 
وتعيدانه بالتالي الى سابق عهده؛ عينان تفوران مثلما تفور افضل انواع الشراب 
على نحو يتعذر السيطرة عليهماء لكن دون ان يلحقا اي اذى؛ كما ان الثياب 
الفكتورية الحزينة ال غالبا ما كانت تضطر الى ارتدائها لم تستطع احفاء قوامها 
الرشيق وقابليتها على الاكتناز (البدانة) - في الواقع» إن كلمة ١كتنلا‏ قاسية. لقد 
اوردت ذكر اسم رونسار قبل قليل. واعتقد ان قوامها يتطلب واحدة من صفاته» 
صفة ليس لدينا في اللغة الانكليزية ما يقابلها: ٤16ملصهع»‏ اي كل ما هو مثير في 
الجسد الريان (البدين) دون ان يفقد ما هو جميل في الرشاقة. ان حفيدة حفيدة 
حفيدة ماري الي تبلغ العشرين من عمرها في هذا الشهر الذي اكتب فيه الان 
تشبه الى حدٌ كبير جددمًا. كما ان وحهها معروف في العالم اجمع لأا واحدة من 
اشهر الممثلات الشابات في السينما الانكليزية. 

الا انب اخشى انه لم يكن وجها يناسب العام 1867. فعلى سبيل المثال» لم 
يكن ابدا ؤجها يلائم السيدة بولتيئ الذي الفته منذ ثلاث سنوات» اذ كانت ماري 
ابنة امت احدى قريبات السيدة فيرلي الي تملقت السيدة بولتيي كي تتقبل هذه 
المبتدئة للعمل في المطبخ القاسي. بيد ان بيت مارلبورو وماري اخحذ يلائم احدهما 
الاخر مثلما يلائم قبر من القبور طائر الحسون. وعندما كانت السيدة بولتيي تفتش 


86 


ذات يوم مقاطعتها على نحو مكتكب وشاهدت من نافذقا في الطابق العلوي منظرا 
يثير الاشمئزاز ويتمثل في قيام صبي الاصطبل باستجداء قبلة دون ان يلقى مقاومة 
ناححة» فإن طائر الحسون منح حريته فوراء واذ ذاك طار الى منزل السيدة 
تراشر على الرغم من تحذيرات السيدة بولتيئ الصارمة لتلك السيدة من حماقة 
اضمار مثل ذلك الفجور. 

كانت ماري سعيدة في شارع برود وكانت السيدة ترانتر هوى الفتيات 
الجمميلات» وتفضل اكثر الفتيات الحميلات الضاحكات. المؤكد ان ايرنستينا 
كانت ابنة احتها وكانت تقلق عليها اكثر. الا انها كانت لا تشاهد ايرنستينا الا 
مرة او مرتين في السنة» اما ماري فكانت تشاهدها يوميا. ومن وراء المظهر المغناج 
المتحركء كانت الفتاة تتصف .عودة رقيقة. ولم تكن لتتقيد بشيء» بل ترد الدفء 
الذي يمنح لا. ولم تعرف ايرنستينا سرا رهيبا عن ذلك البيت في شارع برود. 
فعندما كان الطاهي يتمتع بيوم احازة» كانت السيدة ترانتر تجلس وتتناول طعامها 
بصحبة ماري وحدهما في مطبخ الطابق السفلي. ولم تكن تلك الساعات اوقاتا 
حزينة لأي واحدة منهما. 

م تكن ماري بلا اخطاء. وكان احد اخطائها غيرتا من ايرنستينا. فهي لم 
تعد فجةة الفتاة المفضلة ضمنا في البيت عندما وصلت السيدة الشابة من لندن 
وحسبء بل ان السيدة الشابة القادمة من لندن اتت معها بصناديق مملوءة بأحد 
ازياء لندن وباريس» وهو امر ليس بالحسنة عند خادمة لا تملك سوى ثلاثة 
فساتين» ولا تحب اي واحد منها على الرغم من ان افضلها لا تستطيع الا ان 
تكرهه لا لشيء الا لأنه قدم لما من الاميرة الشابة القادمة من العاصمة. كما 
اعتقدت ايضا ان تشارلز رحل وسيم يصلح ان يكون زوجهاء الا انه جذاب اكثر 
نما ينبغي لمخلوقة شاحبة من مثل ايرنستينا. وهذا هو السبب في ان تشارلز كان 
غالبا ما يحظى بعون هاتين العينين الرماديتين والزرقاوين عندما كانت تفتح له 
الباب او تمر به في الشارع. والحقيقة الي لا تحارى او تبارى هي ان تلك المخلوقة 
كانت تختار اوقات خروجها ودخولها كي تتزامن وخروج تشارلز ودخوله. وڼ 
كل مرة كان يرفع قبعته محييا في الشارع» كانت تحتقر ذهنيا ايرنستيناء لأا كانت 
تعلم جيدا السبب الذي يدفع ابنة امت السيدة ترانتر للذهاب الى الطابق العلوي 


87 


حالما يغادر تشارلز البيت. وكانت تحرؤ على التفكير» شأنها شأن اي فتاة مغناج» 
باشياء لم تفعلها سيدا الشابة. وكانت تدرك ذلك. 

بعد ان سمحت ماري على نحو ملائم وخبيث لصحتها ويمجتها ان تظهر امام 
المريضة» وضعت الزهور فوق المنضدة اججاورة للسرير. 

- من السيد تشارلز يا انسة تينا. 

كانت تتكلم بلهجة معروفة بنفورها من استعمال الضمائر والاضافات. 

- ضعيها فوق منضدة الزينة. انئ لا احب ان تكون قريبة جدا مئ. 

امتثلت ماري ونقلت الزهور الى المكان الاحر» وشرعت تعيد ترتيبها قليلا 
قبل ان تلتفت وتبتسم لايرنستينا ال كانت فبا للشكوك. 

ااحضرها بنفسه؟ 

NNE 

اين السيد تشارلز؟ 

. - لا اعرف يا انسة. فانا لم اسأل عن ذلك. 

كان فمها مطبقا تماما كأنها تريد ان تنفجر في قهقهة. 

- غير اني سمعتك تتحدثين مع الرحل. 

- نعم يا انسة. 

- عن اي شيء؟ 

- عن الساعة لا غير. 

- اهذا هو السبب الذي يدفعك الى الضحك؟ 

- نعم يا انسة. انه اسلوب كلامه يا انسة. 

كان سام الذي ظهر عند الباب يشبه شبها قليلا الشاب الساخط المهموم 
الذي شحذ الشفرة. فقد دفع باقة الزهور الحميلة بين ذراعي ماري المشاكسة: 
«هذه للسيدة الجميلة في الطابق العلوي». ثم وضع قدمه على نحو حاذق في المكان 
الذي كان فيه الباب على وشك ان يغلق» واحر ج بيده الاحرى من وراء ظهره» 
على نحو حاذق ايضاء باقة صغيرة من زهور بلون الزعفران» «وهذه للمحبوبة 
اكثر في الطابق السفلي»» وقد احمر وجه ماري خجلاء وقل ضغط الباب على قدم 
سام بشكل غامض. ورأها وهي تشم الزهور الصفر على نحو يفتقر الى الكياسة؛ 

88 


ولكن بصدق فبدت قطعة صغيرة من الزعفران البرتقالي على الانف الفاتن 
والوقح. 

- كيس جمع السخام سيسلم كما هو مطلوب. 

عضت على شفتيهاء وانتظرت. 

- بشرط واحد. بلا دفع مؤجل. وسيدفع الثمن فورا. 

- كم يكلف اذا؟ 

تفرس الرحل الجريء في ضحيته كأنه بحسب ثمنا منصفا. ثم وضع اصبعه فوق 
فمه وغمز لماغمزة عميقة لا لبس فيها. فكانت حركته تلك سببا في اثارة 
ضحكتها المكتومة» واصطفاق الباب. 

القت ايرنستينا اليها نظرة ما كان من شأها ان تلحق العار بالسيدة بولتيئ. 

- نعم يا انسة. 

- لقد حدثئ عنه السيد سعيثسون قبل وقت قصير. ان الرحل يظن نفسه دون 
جوان. 

-ماذا يعي هذا يا انسة تينا؟ 

كان ثمة قلق تواق مدد للحصول على معلومات اخرى في وجه ماري الذي 
اثار استياء اير نستينا كثيرا. 

- لا يهم الان. لكن اذا شرع في المغازلة فانى ارغب في ان تخبريئ فورا. 
والان احضري لي شيئا من عصير الشعير وكون اكثر حكمة في المستقبل. 

في هذه اللحظة مر بريق خاطف في عيئ ماري» يشبه ومضة تحدء الا اها 
حفضت من بصرها بينما امالت قبعتها الصغيرة المخرمة احتراما رمزيا ها 
وانصرفت. ثلاث مجموعات من درجات السلم الى اسفل وثلاث مجموعات اخرى 
الى اعلى» ومثل ايرنستينا الى لم تكن لديها اي رغبة في احتساء شراب شعير الخالة 
ترانتر المفيد ولكن غير الممتع» عزت ماري نفسها بالذكرى. 

الا ان ماري ربحت الصفقة معن ماء لأا ذكرت ايرنستيناء الي لم تكن 
بطبيعتها طاغية البيت بل جحرد طفلة مدللة رهيبة» وبأها لا بد ان تتوقف عن 
الاهماك في لعبة السيدة وان تكون سيدة بحد. طبيعي ان الفكرة راقت لا؛ ان 


89 


تستحوذ على بيت شخص اخرء ان تكون بعيدة عن الوالدين» الا ان الخدم بمثلون 
معضلة كما يقول الجميع. ولم يعودوا كسابق عهدهم» كما يقول الجميع ايضا. 
كانوا يثيرون السأم معن ما. رعا لم تكن حيرة ايرنستينا وألمها بعيدين كثيرا عن 
حيرة تشارلز وألمه في حين كان يتفصد بالعرق ويتعثر في طريقه على امتداد 
الشاطئ. كانت الحياة الاداة الصحيحة» والتفكير حلاف ذلك هرطقة. لكن في 
هذه الاثناء» لا بد من حمل... في هذا الزمان والمكان. 

احضرت ايرنستينا مفكرقا لتطرد مثل هذه المواحس الكئيبة الي ظلت 
ملازمة لما عصر ذلك اليوم» واعتدلت في سريرهاء وعادت الى الصفحة الي تحتوي 
على زهرة الياسمين. ٠‏ 

كانت بوادر تصنيف المجتمع في لندن على اساس الثراء والنفوذ قد بدأت في 
لندن عند منتصف القرن. من المؤكد ان اي شيء لم يحل محل كرامة النسبء الا انه 
اصبح من المقبول عموما ان ينتج المال والعقول صورة طبق الاصلء معترف هاء 
للمكانة الاجتماعية المرضية. كان دزرائيلي نموذجاء لا استثناءء لعصره. ربما لم 
يكن جد ايرنستينا اكثر من تاجر ألبسة ميسور الحال في ستوك نيوونيغتون في مطلع 
شبابه. الا انه توفي تاحرا ثريا حدا - بل اكثر من ذلك اذ كان قد انتقل من 
الناحية التجارية الى م ركز لندن» وفتح له واحدا من اضخم المتاحر في حي الويست 
انند» ووسع من افاق تحارته في ميادين احرى علاوة على الالبسة. اما والدها فقد 
منحها حقا ما ورثه هو اصلا: افضل تعليم يمكن للنقود ان تشتريه. كان سيدا 
مهذبا في كل شيء باستثناء اصوله. وقد تزوج زواحا حكيما بامرأة من منزلة 
ارفع منه وهي ابنة واحد من امح محامي المنطقة التجارية بلندن وكان بي وسعه ان 
يضاهي المدعي العام ولم يكن اقل شأنا من بين اجداده الاقربين. لهذا السبب» 
كانت مخاوف ايرنستينا الخاصة ممكانتها الاجتماعية بعيدة الاحتمال» حي في ضوء 
المعايير الفكتورية» ولم تكن على الاقل لتثير قلق تشارلز واضطرابه. 

ذات يوم قال ا: 

- فكري بمدى ابتذال الاسم سميشسون الذي يوحي بالخزي. 

- اه حقا. لو كان امك اللورد بربازون فافازور فيردي فير» لتعين علي ان 
احبك اكثر كثيرا. 

90 


الا ان ثمة مخاوف كانت تكمن وراء سخريتها. 

لقد التقى يما اول مرة في شهر تشرين الثاني/نوفمير المنصرم في منزل سيدة 
كانت قد وضعت عينها عليه لعلها تحظى به لواحدة من بناقها ذوات الابتسامة 
المتكلفة. وكان من سوء حظ اولئك الفتيات ان والديهن قد اعطيا التعليمات 
النهائية مهن قبل حلول المساء فارتكبن خحطأ قاتلا محاولة التظاهر امام تشارلز 
بان مهتمات بعلم الاحاثة» وان عليه ان يعطيهن عناوين اكثر الكتب امتاعا بشأن 
الموضوع - في حين اظهرت ايرنستينا اصرارا رقيقا واهيا على الا تحمله حمل 
االجد. وقد همست بانها سترسل له اي نماذج مثيرة للاهتمام من الفحم تعثر عليها 
في دلو الفحم لديها. وفي وقت لاحق اخحبرته باها تعتقد بانه في منتهى الخمول. 
لماذا؟ ارحوك. لأنه قلما يدحل اي حجرة استقبال في لندن ولا يجد عينات لا 
تحصى من الاشياء المثيرة لاهتمامه. 

كان كل شيء يشير للشابين ان المساء سيكون مثيرا للسأم. ولما رجع الاثنان 
الى منزليهماء وجدا ان الامر ليس كذلك. 

فققد شاهد كل واحد في الاخر ذكاء حاداء رقة الملمس» وصراحة مثيرة 
للبهجة. فافصحت ايرنستينا القول بانما وحدت ف السيد #يشسون تحولا مقبولا 
من ظهور الشركاء الباعث على الضحرء الذين عرضوا عليها للمعاينة في ذلك 
الموسم. لقد قامت والدها بتحريات سرية» وشاورت زوجها الذي قام بدوره 
بتحريات اكثر. اذ لا يوجد شاب ذكر يضع قدمه في حجرة استقبال في البيت 
الملطل على حدائق الحايد بارك لم يفحص فحصا يشابه فحص دائرة الامن الحديثة 
لعلماء الذرة. اجتاز تشارلز محنته السرية بنجاح عظيم. 

اما الان فقد رأت ايرنستينا حطأ منافساتها: اي زوجة يرمى با امام تشارلز 
مامن شأنها ان تلمس شغاف قلبه. لهذاء عندما شرع يزورها في منزل والدها 
ويلتقيها في حفلات السهرة» كانت لديه خحبرة غير اعتيادية في اكتشاف عدم 
وحود اي اشارة تدل على وجود فخ الزواج الاعتيادي» او اي اشارات خفية من 
جانب الام توضح بأن الحبيبة اللطيفة تحب الاطفال او انها «تواقة في السر لأن 
ينتهي الموسم» (كان المفروض ان يقطن تشارلز في وينزيات حالما يؤدي عمه 
واحبه وير حل) او اشارات اقل ايحاء من جانب الاب عن حجم الثروة الي 


91 


ستقدمها «ابني الغالية حدا» لزوجها. كانت الاشارات الاخيرة غير ضرورية كما 
يبدو في كل الاحوال» فقد كان المنزل في هايد بارك يناسب دوقا كي يقطن 
فيه. كما ان غياب الاحوة والاحوات يعي عن الاف الكشوفات المصرفية. 

لم تبالغ ايرنستينا في تمثيل دورها اكثر ما ينبغي. على الرغم من انها سرعان ما 
وطدت العزم تماما على الاستحواذ على تشارلز» وهو ما يمكن ان تفعله اي ابنة 
مدللة. فكانت تتحقق من وحود غيره من الشبان الجذابين دوما. ولم تختر الطريدة 
الحقيقية بدافع امحاباة او الاهتمام. كانت من حيث المبدأ غير حادة معه» ودون ان 
تفصح القول» كانت تعطيه الانطباع باها واه للهوه - كانت تدرك انه لن 
يتزوج. وفي ذات امسية من امسيات شهر كانون الثاني/يناير قررت ان تزرع 
البذرة المقررة للمصير (امحتومة). 

شاهدت تشارلز يقف يمفرده. وفي الجهة المقابلة من الغرفة شاهدت ارملة 
عجوز مهيبة» من نمط سيدات حي مي فير الشبيهات بالسيدة بولتي» واد ركت 
افا ستكون مناسبة لتشارلز مثلما يناسب زيت الخروع طفلا موفور الصحة. 

- ألن تذهب للحديث مع الليدي فير ويذر؟ 

- افضل الحديث معك. 

- سأعرفك اليها. وعندئذ سيكون لديك شرح عياني بحريات الاحوال في 
بواكير الفترة الطباشيرية. 

ابتسم. 

- بواكير العصر الطباشيري”*» لا الفترة الطباشيرية. 

- لا بأس. انا واثقة اهما راسخة في القدم ما فيه الكفاية وانا اعرف مدى 
سأمك بأي شيء حدث في التسعين مليون سنة الماضية. هيا. 

ثم شرع الاثنان يجتازان الغرفة معا. لكن ايرنستينا توقفت في منتصف الطريق 
المؤدي الى السيدة الي تنتمي الى بواكير العصر الطباشيري» ووضعت يدها فوق 
ذراعه برهة وحيزةء وأمعنت النظر في عينيه. 


(34) العصر الطباشيري: العصر الثالث والاخير من الدهر الوسيط. (المترجم) 


52 


- اذا كنت عازما على ان تكون عازبا كبيرا مشاكسا يا سيد سميثسون فلا 
بد لك من ان تتمرن على اداء دورك. 

ثم تح رکت قبل ان يتمكن من الرد. ورعا كان ما قالته لا يعدو اكثر من 
استمرار في مناكدقا. الا ان عينيها افصحتا للحظة قصيرة انما قدمت عرضا واضحا 
يشبه في طريقته تلك العروض الي تقدمها اولئك النسوة في لندن في ذلك الزمن 
وهن يترددن عند ابواب المنازل في منطقة هيماركت. 

لم تعرف ايرنستينا انها لمست جزءا حساسا جدا في روح تشارلز العميقة» في 
احساسه بانه يتقدم في السن مثل عمه في وينزيات, وان الحياة تمر به وان كان 
شديد الوساوس» كما هو شأنه في اشياء كثيرة احری» وانه كان كسولاء انانيا.. 
واسوأ من ذلك» انه يسافر الى حارج البلاد في غضون السنتين المنصرمتين. وادرك 
ان رحلاته السابقة كانت تعويضا عن افتقاره الى الزوجة. كان ذلك يبعد ذهنه عن 
الشؤون المأنزلية» ويسمح له مضاحعة اي امرأة بين وقت واخرء وهي متعة 
حرمها على نفسه تحديداء رما لتذكره ليلة الروح المكفهرة الي تسببت فيها مقالته 
الاولى في ذلك الموضوع في انكلترا. 

ل م يعد السفر يشيره» بل النساء. لهذا السبب كان في وضع متناه من 
الاحباط الجنسي طالما ان رقة الاحلاق لم تسمح له ان يلجأ الى حيلة بسيطة 
وقضاء اسبوع واحد في اوستند”© او باريس. لم يكن ليسمح لمثل هذا الهمدف 
ان يفرض اسباب الرحلة. فقضى الاسبوع وهو مستغرق في التفكير العميق. ثم 
استيقظ صباح يوم ما. ٍ 

لقد بات كل شيء بسيطا. لقد احب ايرنستينا. وفكر في متعة الاستيقاظ في 
مثل هذا الصباح» البارد» المكفهر الذي اكتست فيه الارض بطبقة حفيفة من الثلج» 
ومشاهدة ذلك الوجه الصغير الرزين العذب وهو يرقد الى جواره - بصورة شرعية 
امام الله وامامه (وهي حقيقة اصابت تشارلز بقدر من الذهول). بعد مرور دقائق 
قليلة» ايقظ سام من نومه بالرنين المتواصل ليقول له: «سام. اني محنون مئة بالمئة 
ولتغفر لي السماء ذلك». 


والصابون» وهو نقطة انطلاق القطارات الى مختلف ارجاء القارة الاوروبية. (المترجم) 


53 


بعد مرور يوم او يومين قابل المحنون والد ايرنستيناء وكانت مقابلة قصيرة» 
مرضية تماما. هبط الى حجرة الاستقبال حيث كانت والدة ايرنستينا تجلس في حالة 
من اشد حالات الذعر. لم تستطع حمل نفسها على الحديث مع تشارلزء بيد انها 
اشارت على نحو غامض باتحاه بيت النباتات الزجاجيء» ففتح تشارلز الباب الابيض 
المؤدي اليهاء ومكث واقفا امام نفحة الحواء الحار المعبق بالشذى. لا بد له من 
البحث عن ايرنستينا الا انه وحدها في هاية المطاف في احد الا ركان القصية تكاد 
تحجبها تعريشة. شاهدها وهي تنظر اليه نظرة خاطفة ومن ثم تخفض بصرها بسرعة 
وتشيح النظر جانبا. كانت تحمل مقصا بيدها وتتظاهر بقطع بعض الازهار الميتة 
من النبات الذي تفوح منه رائحة قوية. وقف تشارلز وراءها مباشرة وسعل. 

- جئت كي اودعك. ٠‏ 

تظاهر بانه لم يلحظ النظرة المعذبة الي القتها اليه وذلك باللجوء الى حيلة 
بسيطة وهي الامعان في النظر الى الارض. 

- قررت ان ارحل عن انكلترا. وساقضي البقية الباقية من حياني في السفر. 
اهناك من سبيل اخحر يقضي فيه اعزب عجوز مهموم ايامه؟ 

كان على استعداد للاستمرار في ذلك المنوال. الا انه شاهد ايرنستينا وهي 
تحن رأسها ويشتد بياض اصابعها بفعل القوة الى كانت تمسك ها المنضدة فأدرك 
ان من شأها عادة ان تكتشف مضايقته فورا. وادرك ايضا ان بطء فهمها نابع الان 
من احتدام عواطفها وهو ما اتضح له. 

- الا اني لو صدقت بأن هناك من يهنم بي على نحو كاف ويشاطرن... 

م يتمكن من الاستمرار في الحديث» اذ التفت» وابصر عيناها غارقتين في 
الدموع. التقت ايديهما فجذها نحوه. لم يتبادلا القبلات» لم يستطيعا ذلك. كيف 
تستطيع ان تكبت على نحو لا يرحم كل الغريزة الجنسية الطبيعية عشرين سنة ولا 
تتوقع ان تنتاب السجين نوبات من البكاء عندما تفتح الابواب امامه على 
مصاريعها؟ 

بعد مرور بضع دقائق» قاد تشارلز الفتاة بعد ان ثابت الى رشدها قليلا وسارا في 
ثمر البيت الزحاجي الساحن واتحجها صوب الباب المؤدي الى حجرة الاستقبال. بيد انه 
توقف امام احدى نباتات الياسمين» والتقط زهرة» ووضعها مازحا فوق رأسها. 


54 


- انها ليست مّدال. غير انما تفي بالغرض. اليست كذلك؟ 

وهكذا تبادلا القبلات بشفاه بريئة تشبه براءة الاطفال في خلوها من الجنس. 
طفقت ايرنستينا تبكي ثانية. ثم كفكفت دمعها وسمحت لتشارلز ان يأحذها الى 
حجرة الاستقبال حيث كان يقف كل من والدها ووالدتها. لم تكن هناك اي 
ضرورة للكلمات. فقد هرعت ايرنستينا الى ذراعي امها المفتوحتين» وشرع الدمع 
ينهمر من مقلتيها اكثر من قبل. في هذه الاثشناء» وقف الرحلان يبتسمان احدها 
للاحرء الاول كأنه انىز لتوه صفقة تحارية ممتازة» والثانى كأنه غير واثق من 
الكوكب الذي حط توا فوقه؛ الا انه رغب مخلصا في ان يكون سكانه اصدقاء. 


(36) الهدال: نبات طقيلي دائم الخضرة يستخدم في زينة ذكرى الميلاد؛ وحفلات الزواج. 
(المترجم) 


95 


12 





مم يتكون الاغتراب في العمل؟ اولا: ان العمل سطحي للعاملء اي انه 
ليس جزءا من طبيعته؛ وهو بالتالي لا يحقق ذاته في العمل بل ينكر 
ذاته» وينتابه الاحساس بالشقاءء لا بالرفاهية... لهذا لا يشعر العامل انه 
في بيته الا عندما يكون لديه فراغ في حين يشعر في اثناء العمل انه بلا 

مازكن: مخطوطات اقتصنادية وسياسية 1844 


وكان يوم بهجتي 
صافيا وكاملا كما اقول؟ 


نیون :اكام نکر ى 1850 


اذ تشارلز يحث الخطى الى الامام» ويترك الافكار الخاصة بالمرأة الغامضة من 
ورائه وهو يشق طريقه في غابة وير كومونز. سار مسافة ميل واحد او ما يقرب 
من ذلك حي وصل في آن واحد الى هاية الاشجار واول معلم من معالح المدنية» 
وهو كوخ طويل مسقف بالقش ينتصب على اسفل طريقه قليلاء يحيط به مرجان 
او ثلاثئة مروج تتجه كلها صوب الحرف. ويي الوقت نفسه الذي حرج فيه تشارلز 
من الغابة» شاهد رحلا يسوق قطيعا من الابقار حارج زريبة منخفضة قرب 
الكوخ. وسرعان ما لاح في ذهنه مشهد: طاس من حليب بارد لذيذ. انه لم يأكل 
شيئا منذ ان تناول تينك الفطيرتين. الشاي والرقة في منزل السيدة ترانتر 
يحجتذبانه غير ان طاس الحليب كان يصيح به... وهو ليس بعيدا. هبط احد 
المنحدرات المكسوة بالعشب وطرق باب الكوخ الخلفي. 

فتحت امرأة صغيرة السن» ضخمة الحثة» يلمع ذراعاها المكتنزان برغوة 
الصابون باب الكوخ. نعم. تلقى الترحيب وفي وسعه ان يشرب كل ما يستطيع 
من الحليب. اسم المكان؟ يبدو ان اسم المكان هو معمل الالبان. لحق ها تشارلز الى 
داحل الحجرة ذات السقف المائل الي تحتل حمل الحزء الخلفي من الكوخ. كانت 

96 


حجحرة مظلمة: تكثر فيها الظلالء وقي منتهى البرودة» ارضيتها مكسوة بألواح 
ومعبقة برائحة الحبن الاخذ بالنضج. وثمة صف من طاسات حامية» ومقال نحاسية 
ضخمة» وضعت فوق مسند وفوق كل واحدة قشرة ذهبية من القشدة» امتدت من 
تحت الجن الذي جثم على نحو دائري مثل مجموعة من الاقمار الاحتياطية فوق 
الروافد الخشبية العليا. واذ ذاك تذكر تشارلز انه سبق له ان سمع هذا المكان. 
فالقشدة والزبدة اللتان ينتجهما هذا المكان مشهورتان في المنطقة. وقد تحدثت 
عنهما الخالة ترانتر. وعندما ذكر اسمها نظرت اليه المرأة الى غرفت الحليب الدسم 
من ممحضة اللبن القريبة من الباب» ووضعته في طاس بسيط ذي لونين ازرق 
وابيض كما خيل له» وابتسمت له. اذ اصبح اقل غربة ولقي ترحيبا اكبر. 

وبينما كان يتجاذب اطراف الحديث او بينما كانت تتحدث اليه المرأة الواقفة 
فوق العشب خارج معمل الالبان» عاد زوجها لاخراج قطيعه من الابقار. كان 
رحلا اصلع الرأس» كث اللحية» تلوح على وجهه امارات الكآبة الواضحة: 
التشاؤم. نظر الى زوجته نظرة حادة» فامسكت عن الكلام فجأة» ودخلت ثانية 
للاهتمام بأوعيتها النحاسية. كان الزوج رجلا قليل الكلام بلا ريب على الرغم 
من انه تكلم ما فيه الكفاية عندما استفسر منه تشارلز عن المبلغ الذي يطلبه ثمنا 
لطاس الحليب الممتاز. وسرعان ما انتقل من يد الى احرى بنس واحد تزينه احد 
الرؤوس الفاتنة لفكتوريا الشابة» هذا الببس الذي لا يزال حي الان يظهر بين وقت 
واحرء في قطع النقد الصغيرة وقد مسح فيه كل شيء الا الرأس الحميل بفعل 
استخدامه على مدى القرن. 

كان تشارلز على وشك ان يرتقي الطريق الا انه ما ان شرع يخطو خطوة 
واحدة الى الوراء حي ظهر شخص يتشح بالسواد من بين الاشجار المنتصبة فوق 
الرجلين. انها الفتاة. رمقت الشخصين الواقفين من تحتها بنظرة ومن ثم واصلت 
سيرهاء الى بلدة لام. نظر تشارلز الى صاحب حقل الالبان الذي استمر يتفرس في 
الفتاة من فوقه على نحو محتوم. من الواضح انه لم يسمح للرهافة ان تقف في طريق 
الحكم التوقعي. 

- اتعرف تلك السيدة؟ 

- نعم. 

97 


- اتأي من هنا غالبا؟ 

- غالبا ئما فيه الكفاية. 

واصل صاحب الحقل النظر. ثم قال: 

- انها ليست سيدة. انها بغي الضابط الفرنسي. 

مرت بضع لحظات قبل ان يدرك تشارلز معن تلك العبارة. واذ ذاك نظر 
نظرة غضب الى صاحب الحقل الملتحي الذي كان ميثوديا”” ولهذا كان مولعا 
بتسمية الاشياء بأسعائها مهما كانت جارحة لا سيما عندما تكون هذه الاشياء 
حطيئة شخص اخر. وتبدى لتشارلز وهو يجسد كل الغيبة والنميمة الزائفة في بلدة 
لام. لقد كان في وسع تشارلز ان يصدق اشياء كثيرة عن ذلك الوجه النائم ولكن 
ليس ابدا ان تكون صاحبته بغيا. ۰ 

بعد مرور ثوان معدودة» وجد نفسه في طريق العربات المؤدي الى بلدة لانم 
راع رشان ابيضين ين الغانة الى ترمع عن الارط:واعهايا ظويلة تفي 
البحر جزئيا. والى الامام كان شبح الفتاة الاسود ذات القبعة يسير من امامه. لم 
تكن تسير سيرا سريعا بل بخطوات معتدلة» تخلو من التصنع الانثوي كأها امرأة 
اعتادت ان تقطع مسافات طويلة. انطلق تشارلز للحاق هاء وبعد مائة ياردة 
(91 مترا) او نحو ذلك اقترب منها. لا بد انها ممعت صوت وقع حذائه ذي 
المسامير الكبيرة على حجر الصوان. الا انما لم تلتفت. ظن ان المعطف اكبر ما 
ينبغي الى حد ما وان كعبي حذائها ملطخان بالطين. عندئذ تردد لحظة. غير ان 
ذكرى النظرة المكفهرة الي ارتسمت على وجه صاحب حقل الالبان المعترض 
ابقت تشارلز على هدفه النبيل الاول: ان يظهر للمراة المسكينة ان ليس كل فرد في 
عالمها انسانا متوحشا. 

- سيدي! 

استدارت لتجده يبتسم ها وقد حلع قبعته. وعلى الرغم من ان وجهها كان 
يحمل الان قدرا كافيا من الدهشة» فإن ذلك الوجه كان له مرة اخرى تأثير غريب 
فيه. وبدا انه بعد كل مرة یری فيها ذلك الوجه لا يستطيع ان يصدق تأثيره وانه لا 


(37) الميثوديء المنهجي: احد اتباع الحركة الدينية الاصلاحية التي قادها في اوكسفورد عام 
9 (تشارلز وجون ويزلي) محاولين فيها احياء كنيسة انكلترا. (المترجم) 


58 


بد له من رؤيته ثانية. بدا وجها يحتضنه ويرفضه في ان واحدء كأنها شبح في حلم 
ساكن في وقفته ولكنه دائم الحركة. 

- اني مدين لك باعتذارين. اني لم اعرف يوم امس انك سكرتيرة السيدة 
بولتيئ. ميض 

أمعنت النظر في الارض 

- لا بأس يا سيدي. 

- والان وبعد ان... لقد حشيت ان تصابي بوعكة. 

لم تنظر اليه هذه المرة ايضا. بل امالت رأسهاء واستدارت لمواصلة سيرها. 

- الا استطيع مرافقتك؟ طالما اننا نسير في اتحاه واحد؟ 

توقفت» الا انها لم تلتفت. 

- افضل السير وحدي! 

- ان السيدة ترانتر هي الي حعلتي ادرك غلطي. اني... 

- انا اعرف من انت يا سيدي. 

ابتسم لمقاطعتها حديثه فجاة. 

- اذا.. 

وفجأة رمقته بنظرة من عينيها» لاح من ورائهما نوع من اليأس. 

- ارجو ان تتركين اواصل السير في طريقي .مفردي. 

تلعثم في ابتسامته. ثم انحجن وتراجع الى الخلف» الا انما بدلا من مواصلة السير 
في طريقهاء أمعنت النظر في الارض برهة وجيزة. 

- وأرجو الا تخبر احدا انك شاهدتئ في هذا المكان. 

هنا استدارت» وواصلت سيرها دون ان تنظر اليه ثانية كأنما كانت تدرك ان 
طلبها لا طائل من ورائه»ء وندمت لذلك حالما تفوهت به. فراقب تشارلز قفاها 
الاسود وهو يبتعد بينما كان يقف في منتصف الطريق. وكل ما بقي عنده الصورة 
التالية لتلك العينين: عينين واسعتين على نحو غير اعتيادي» كأمُما تستطيعان ان 
تشاهدا اكثر وان تتعذبا اكثر. وكان اتحاه نظرهما - وهو ما لم يعرفه» بيد ان 
النظرة الي استقبلها هي نظرة التسليم الديئي - يحتوي على عنصر الصد الاكثر 
غرابة. كانتا تقولان له: 


59 


لا تقترب مي. 

نظر من حوله في محاولة لفهم السبب الذي دعاها الى الرغبة في الا يعرف 
احد ما بانها كانت في هذه الغابة البريئة. رجحل رعاء لقاء غرامي غير شرعي؟ الا انه 
تذكر بعد ذلك قصتها. 

عندما وصل تشارلز في فاية المطاف الى شارع برود» قرر ان يزور السيدة 
ترانتر وهو في طريقه الى الوايت لابن لكي يوضح بانه استحم» وارتدى يابا انيقة. 

فتحت ماري الباب» الا ان السيدة ترانتر مرت من امام الردهة مصادفة - 
واذا توخينا الدقة اكثر فإِهًا حرحت عمدا الى الردهة - واصرت بأن عليه الا 
يسرف في اعتماد قواعد السلوك المهذب الصارمة (يتمسّك بالرسميّات)» او ليست 
ثيابه افضل دليل على اعذاره؟ لهذا تناولت ماري حاجياته وقادته الى حجرة 
الاستقبال الخلفية الصغيرة الي كانت تغمرها بقايا اشعة الشمس الغاربة وحيث 
كانت المريضة مضطجعة وقد ارتدت ثوب نوم رماديا وقرمزيا. 

- اشعر كأني ملاح ارلندي انتقل الى خدع الملكة. 

قال تشارلز شاكيا بينما كان يقبل اصابع ايرنستينا على نحو يظهر انه كان 
حقا عاملا ارلنديا مسكينا تماما. 

جذبت يدها. 

لن تحظى بقطرة من الشاي حن تشرح كل لحظة في يومك. 

وهكذا وصف لما كل ما حدث له او كل شيء تقريبا لأن ايرنستينا اوضحت 
حن الان مرتين ان موضوع امرأة الضابط الفرنسي يثير قرفها - في المرة الاولى عند 
الكوب وفي المرة الثانية بعد ذلك عند تناول طعام الغذاء عندما قامت الخالة ترانتر 
بتزويد تشارلز بنفس المعلومات ال افاد مما قس بلدة لام امام السيدة بولتيئ قبل اي 
عشر شهرا. بيد ان ايرنستينا انبت حالتها الممرضة لازعاجها تشارلز بأقاويل مملة» وقد 
رضحت السيدة المسكينة لامرهاء وكانت في الغالب تنبه لسذاجة لم تكن تدركها. 

احرج تشارلز قطعة الصدف المتحجرة الي اتى ها الى ايرنستيناء فوضعت 
هذه حجاب النار الواقي جانباء وحاولت ان تمسك هاء غير اما لم تستطع وغفرت 
لتشارلز كل شيء لتجشمه عمل يحتاج إلى عناءء ثم غضبت منه مازحة لتعريض 
حياته وجسده للخطر. 

100 


- ان الجزء الاسفل من احرف من اروع القفار. لم تكن لدي اي فكرة عن 
وحود مثل هذه الاماكن في انكلترا. لقد ذكرتئ ببعض المشاهد البحرية في همال 
البرتغال. 

فصاحت ايرنستينا. 

- لماذا؟ ان الرحل في حلم. اعترف الان يا تشارلز. انك لم تكن تقطع 
الحجارة البريئة المسكينة بل كنت تغازل حوريات الغابة. 

اظهر لما تشارلز لحظة حرج لا سبيل الى شرحهاء وعمد الى رسم ابتسامة 
فوقها. كان على وشك ان يخبرها بشأن الفتاة اذ فكر بطريقة ظريفة يصف فيها 
كيفية مصادفته اياها. الا ان ذلك بدا اشبه بالخيانة» خحيانة احزان الفتاة الحقيقية 
وخيانته نفسه. وكان يعلم انه سيكون كاذبا لو صرف النظر عن ذينك اللقائين. 
غير ان الصمت لاح احر الامر اقل زيفا في تلك الغرفة البسيطة. 

ييقى ان نوضح السبب الذي كان يثير فيه وير كومونز صورة سدوم 
وعامورة** في وجه السيدة بولتيئ قبل اسبوعين. 

في الواقع لا يحتاج المرء الى ايضاح اكبر من القول انه كان اقرب مكان لبلدة 
لام يستطيع الناس الذهاب اليه دون ان يتجسس عليهم احد. والمنطقة معروفة 
بتاريخها الغامض الطويل والباعث على الازعاج. وقد عدت دوما ارضا مشاعا حى 
صدور قانون استملاكها من السلطات. وبعد ذلك بدا التجاوز عليها وضمها كما 
تشهد على ذلك اسماء حقول مزرعة الالبان الي سرقت كلها منها. وقام احد 
السادة من اصحاب البيوتات الكبيرة الواقعة وراء الجزء الاسفل من الحرف بتحقيق 
وحدة مموافقة اصدقائه - كما هو مألوف في التاريخ - في المختمع. صحيح ان 
المواطنين الجمهوريين في بلدة لام استعدوا للقتال بالسلاح - هذا اذا كان الفأس 
سلاحا. فقد عقد السيد العزم على اقامة مشتل لاغراض علمية في الجزء الاسفل من 
الجرف. فرفع الامر الى المحكمة وتم التوصل الى تسوية اثر ذلك» اذ نقلت ملكية 
جزء من المنطقة اليه في حين ظلت الاشجار النادرة على وضعها دون ان يبمسها 
شيء. الا ان الارض المشاع وضع حذ هما. 


(38) سدوم وعامورة: مدينتان بفلسطين القديمة على شاطئ البحر الميت دمرهما الله لانغماس 
اهلهما في الرذيلة والفساد. (المترجم) 


101 


على الرغم من ذلك ظل هناك احساس بين السكان الحليين بأن وير 
كومونسز كانت ملكية عامة. كما ان منتهكي حرمة اراضي الغير سقطوا بإثم اقل 
من اي مكان اخر وهم يطاردون الارانب والدراج. وفي يوم ما اكتشفت الاهوال؛ 
كانت عصبة من الغجر تقطن في تلك المنطقة اقامت مخيمها في واد صغير بعيد عن 
الانظار مدة طويلة لا يعرفها احد. وسرعان ما لبذ هؤلاء لفون غراف ذكرى 
وحودهم ظلست شاحصة»ء وباتت تقترن بذكرى طفلة صغيرة احتفت في الوقت 
نفسه تقريبا من احدى القرى ابحاورة. واصبح من الامور الشائعة ان الغجر 
اصطحبوا الطفلة واياهم ومن ثم القوا يما في قدر طعام معد من الارانب» ومن ثم 
دفنوا عظامها. 

بيد ان احطر اتحام موجه الى منطقة وير كومونز يقترن بسلوك لا احلاقي 
شائن. فقد كان ثمر العربات المؤدي الى حقل الالبان والمنطقة الواقعة الى الوراء منه 
والمؤدية الى الغابة يمثل طريق العاشق حقا على الرغم من انه لم يحمل ابدا ذلك 
الاسم الريفي المألوف. فقد كان يجذب اليه العشاق في كل صيف. وكان المبرر في 
ذلك هو الحصول على طاس من الحليب من حقل الالبان. وكان العديد من 
الممرات الصغيرة الحذابة» اذا ما عاد المرء ادراحه» تؤدي الى اجمات السرخس 
والزعرور البري المتوارية عن الانظار. 

كانت تلك البلوى المستمرة مزعجة هما فيه الكفاية. ما زال هناك ظلام 
كثيف» وكان ثمة موروث سابق لعهد الطوفان (اقدم من شكسبير بكثير) يقول ان 
الشبان ينبغي لهم في ليلة منتصف الصيف ان يذهبوا حاملين المصابيح» مصطحبين 
عازف الكمان» وبرميلا صغيرا او برميلين من شراب عصير التفاح ويتجهوا الى 
مرج صغير يعرف باسم دونكيز غرين» الذي يقع في قلب الغابة وهناك يحتفلون 
رقصا بالانقلاب الشمسي. وقد ذكر البعض ان ما هو اكثر من الرقص كان يحدث 
بعد منتصف الليل في حين زعم من هو اقسى من اولئك البعض بأن الكثير من 
الامور الاحرى كانت تحدث والقليل القليل من الرقص. 

لقد ضاعت المنطقة النضراء هذه مؤحرا بسبب الزراعة العلمية ال كانت 
تاحذ شكل الورم الملامي. غير ان العادات نفسها تلاشت فيما يخص تلاشي 
الاعراف الجنسية. وقد مرت سنين طويلة لم بعر احد في اثنائها .منطقة دونكيز غرين 


102 


عو الت ل نل لكن الامر لم يكن 
كذلك في عام 1867. 

قبل عام واحد من ذلك التاريخ» طلبت لحنة من السيدات بزعامة السيدة 
بولتيي من السلطات المدنية ان توضع بوابة على الطريق» ويصار الى وضع سياج 
للمنطقة وغلقها. بيد ان اصواتا دعقراطية اكثر كتب لها الفوز. ولا بد من بقاء 
المنطقة العامة مقدسة الى ابعد حد. وكان هناك بعض المؤمنين بالمذهب الحسي من 
بين اعضاء المحلس البلدي قالوا بأن الطريق الى حقل الالبان انما هو متعة بريئة» وان 
حفلة دونكيز غرين ليست اكثر من مسرحية هزلية سنوية. الا انه يكفي القول بانه 
ليس على احد ابناء المدينة الحترمين الا القول بأن في ما او فتاة ما هما من نمط وير 
كومونز وعندئذ ستبقى مععتهما ملطخة الى الابد. واذ ذاك لا بد ان يكون الفى 
شبقا والفتاة عاهرة. 

لهذا السبب» وجدت سارة السيدة بولتيئي تحجلس في انتظارها عندما عادت من 
حولتها في ذلك المساء الذي اجبرت فيه السيدة فيرلي نفسها على انجاز واجبها على 
نحو نبيل. قلت ف انتظارهاء الا ان عبارة على غو رمي من شأنا ان تكون 
مناسبة اكثر. حضرت سارة الى حجرة الاستقبال الخاصة للقيام بقراءة الانخيل 
(الكتاب المقدس) المسائية» ووحدت نفسها كأفا في مواحهة فوهة مدفع. كان من 
الواضح تماما ان السيدة بولتيئ ستنفجر في اي لحظة» وبدوي هائل. 

اتجهت سارة صوب المنضدة المخصصة لتلاوة الكتاب المقدس في ركن 
الغرفة... . غير اها لاحظت ان الامور ليست على ما يرام. 

- اهناك حطب يا سيدة بولتيي؟ 

فقالت رئيسة الدير: 

- طب كبير. لقد نقل الي حبر لا استطيع تصديقه. 

- ايخص انا؟ 

- ما كان ينبغي لي ان استمع الى الطبيب. كان ينبغي لي ان اصغي الى اوامر 
فطرت السليمة. 

- ما الذي اقترفته؟ 

- انا لا اظنك بحنونة ابداء انك مخلوقة ماكرة» شريرة. وانت تعرفين ماذا فعلت. 


103 


- ساقسم بالكتاب المقدس... 

غير ان السيدة بولتيئ نظرت اليها نظرة ساخطة. 

- لن تفعلي شيئا من هذا القبيل! ذلك كفر. 

تقدمت سارة الى الامام» ووقفت امام سيدها. 

- ينبغي لي ان اعرف ما هي التهمة الموحهة لي. 

فما كان من السيدة بولتيي الا ان اخبرتها. ولدهشتها الكبيرة لم تظهر سارة . 
اي علامة تشير الى الاحساس بالخجل. 

- لكن اين هي الخطيئة في التجوال قرب وير كومونز؟ 

- الخطيئة! انت شابة» وحيدة في مثل هذا المكان! 

- لكن يا سيدق» ليس المكان الا غابة كبيرة. 

- اعرف جيدا ما هو المكان. واعرف ما يدور فيه. واعرف نوع الاشخاص 
الذين يرتادونه. 

- لا احد يرتاده. لهذا السبب اذهب الى هناك؛ كي اكون وحيدة. 

- اتكذبينئ يا انسة! الا اعرف ما اقول؟ 

كانت الحقيقة البسيطة الاولى هي ان السيدة بولتيئ لم تشاهد وير كومونز 
ابداء حي ولو من مكان بعيد لاما كانت .مناى عن انظار اي طريق تسلكه العربات. 
والحقيقة البسيطة الثانية هي انها كانت مدمنة على تعاطي الافيون - لكن قبل ان 
يأحذك الظن بانئ اضحي .ما هو مقبول على حساب الاثارة» دعي اضيف على عجل 
بافها لم تعرفه. فالشيء الذي نطلق عليه اسم الافيون كانت تسميه مستحضر الافيون. 
كانت العديد من سيدات القرن التاسع عشر يرشفن كميات كبيرة منه...» فقد كان 
ذلك الدواء رخيصا.ما يكفي لمساعدة كل الطبقات على التغلب على تلك الليلة 
السوداء الخاصة با لجنس اللطيف. كان,» باحتصار معادلا مساويا تقريبا للحبوب 
المسكنة المستعملة في عصرنا. اننا لا نحتاج الى معرفة السبب وراء كون السيدة بولتيي 
واحدة من سكان وادي الدمى الفكتوري» غير ان الامر له صلة بحقيقة ان مستحضر 
الافيون يجعل المرء يحلم احلاما سعيدة كما اكتشف ذلك كولر ج ذات مرة. 


(39) صموئيل تايلور كولرج (1834-1772): شاعر رومانسي انكليزي يعد من اعظم المنظرين 
الادبيين في عصر ه. (المترجم) 


104 


انا لا استطيع ان اتخيل اي صورة شبيهة بصور بوش”» تلك الي رسخت في 
ذهن السيدة بولتيئي عن وير كومونز على مر السنين» ولا العربدة الشيطانية التي 
تصورهًا من وراء كل شجرة» وما هي الافعال الفرنسية المستهجنة تحت كل ورقة 
شجرة. بيد اني اظن اننا نستطيع القول مطمئنين بانها اصبحت المعادل الموضوعي 
لكل ما كان يجري في عقلها الباطن. 

وكان من حراء تلك الثورة ان الترمت هي وسارة الصمت. وبعد ان حزرت 
السيدة بولتيي نفسها شرعت تغير بحرى الحديث. 

- لقد سببت حزنا عظيما لي. 

- لكن ماذا اقول؟ لقد حَرّم علي الذهاب الى البحر. حسنا جدا. لن اذهب 
الى البحر- اني ارغب في العزلة. هذا كل ما هنالك. هذه ليست حطيئة. لا يجوز 
ان اوصف بالخاطئة لذلك السبب. 

- الم تسمعي احدا يتحدث عن منطقة وير كومونز؟ 

- على اساس انه مكان من النوع الذي اوحيت به؟ لاء ابدا. 

بدت السيدة بولتيئ بعد ذلك حجولة امام سخط الفتاة» وتذكرت ان سارة 
لم تقطن في بلدة لام الا منذ وقت قريب» ولهذا السبب» فهي - كما هو مفهوم - 
تجهل العار الذي بحلبه. 

- حسنا جدا. لكن ارحو ان تفهمي على نحو واضح. اني لا امح لأي من 
الذين يعملون عندي بالذهاب الى تلك المنطقة او حي يشاهدون بالقرب منها. 
وستقتصرين في جولاتك على الاماكن المناسبة. واضح. 

- نعم. ساتحول في طرق الفضيلة. 

ظنت السيدة بولتيي في لحظة رهيبة انما كانت موضع سخرية. غيران سارة 
كانت قد خفضت من عينيها على نحو وقور كأها كانت تصدر قرارا بالحكم على 
نفسها. وكانت كلمة فطيلة مرادفة للمعاناة. 

- اذا ارحو الا نسمع شيئا عن هذه الحماقة. ان افعل هذا لصالحك. 

حمست سارة: 


(40) هايروثيموس بوش (1516-1450): رسام هولندي يعد من اواخر رسامي القرون الوسطى 
اهتم بالموضوعات الدينية التي يصعب فهمها. (المترجم) 


105 


- اعرف ذلك. 

ثم اضافت: 

- شكرا لك يا سيدق. 

لم تتفوه المرأتان بأي كلمة اثر ذلك. فعادت وقرأت المقطع الذي اشرته السيدة 
بولتسيي. وكان نفس المقطع الذي سبق لما ان اخحتارته للقراءة في المقابلة الاولى. قرأت 
سارة بصوت ينم عن الخشوع التام لكنه يخلو من اي عاطفة كما يبدو. حلست المرأة 
العجوز في مواحهة الظلال الداكنة في الطرف القصي من الغرفة. وبدت مثل صنم... 
ناسية التضحية الي يتطلبها وجهها الصارم الذي لا يعرف الرحمة. 

في وقت لاحق من تلك الليلة كانت سارة تشاهد واقفة - لا ادري ممن 
تشاهد اللهم الا من بوم عابر - قرب النافذة المفتوحة في حجرة نومها المظلمة. 
كان الصمت يغلق البيت» والمدينة ايضاء اذ كان الناس يأوون الى فراشهم عند 
الساعة التاسعة في تلك الايام الى لم تشهد بعد الكهرباء والتلفزيون. كانت الساعة 
انذاك الواحدة. وكانت سارة ترتدي تياب النوم وقد ارحت شعرهاء واحذت تمعن 
النظر في البحر. كان ثمة مصباح بعيد يبعث ضوءا خافتا متقطعا من فوق المياه 
الظلمة وفي اتماه بورتلاند بيل حيث كانت سفينة ما تبحر صوب بريدبورت. 
شاهدت سارة نقطة الضوء الصغيرة ولم تشغل بالا في التفكير فيها. 

لو انك اقتربت منها اكثر لوحدت ان وجهها غرق في عبرات صامتة. انما لم 
تكن واقفة قرب نافذتها باعتبار ذلك جزءا من يقظتها الغامضة من احل اشرعة 
الشيطان» بل كان ذلك مقدمة للابتعاد عنها. 

لن اتركها تترنح عند حافة النافذة» او تتمايل الى الامام ومن ثم تنهار باكية فوق 
بساط غرفتها العتيق. اننا نعلم انها كانت حية بعد اسبوعين من تلك الحادثة» وهمذا 
السبب فهي لم تقفز. كما لم تكن دموعها ونشيجها من النمط الهستيري الذي يتطلب 
فعلا عنيفاء بل كانت دموعا سببها البؤس المشروط العميق» لا العاطفي» الذي كان 
يتدفق تدفقا بطيئاء بلا توقف» ينز مثل دماء من تحت الضمادات. 

من هي سارة؟ 

من اي ظلال حر جحت؟ 


106 


13 





لان اندفاع الصائغ اعمى» ايزيس متخفية وراء قناع... 
تينيسون - مود 1855 


لا ادري. ان هذه القصة الي ارويها حض خيال. وهذه الشخصيات الي 
انتجها لم توجد خارج مخيل. ولو اني تظاهرت حن الان اني اعرف عقليات 
شخحصياتي وافكارها الباطنية فذلك يرجع الى اني اكتب ضمن بعض مفردات 
وصوت موروث كان مقبولا تماما في الزمن الذي تدور فيه احداث قصيَ وهو ان 
الروائي يأت في المرتبة الثانية بعد...: رعا هو لا يعرف كل شيء الا انه يتظاهر 
بانه يعرف كل شيء. بيد اني اعيش في عصر ألن روب - غريليه ورولان بارئيس. 
ولو كانت هذه رواية» فما لا يمكن ان تكون رواية وفق المعئ الحديث للكلمة. 

اذا رما اكون اكتب سيرة ذاتية منقولة؛ رعا اعيش الان في احد البيوت الي 
وصفتها في الرواية؛ رعا كان تشارلز يمثلئ انا متنكرا. رما ان المسألة ليست الا 
لعبة. ان نساء عصريات من مثل سارة موجودات. ولم افهمهن قط. او رعا احاول 
ان امرر لك كتابا مخفيا من المقالات عنك وبدلا من عناوين الفصولء ريما كان 
ينبغي لي ان اكتب: في افقية الوجودء وهم التقدم. تاربخ شكل الرواية علم 
اسباب اللرية, بعض اللظاهر الدسية عن العصر الفكتوري... حسبما تشاء. 

رما تفترض ان الروائي ما عليه الا جذب الخيوط الصحيحة وعندئذ ستتصرف 
الدمى تصرفا حياء ويقدم» عند الطلب» تحليلا شاملا لدوافعها واغراضها. من المؤكد 
انين ارمي في هذه المرحلة (الفصل الثالث عشر - الكشف عن حالة سارة العقلية) الى 
قول كل شيء» او كل ما يهم. الا اني احد نفسي فجأة مثل رحل في ليلة ربيع قاسية 
يراقب من فوق العشب تلك النافذة العلوية المظلمة في بيت مارلبورو. ان اعلم ان 
سارة في سياق واقعية روايٍ ما من شأما ان تكفكف دموعها وتميل الى الاسفل وتقدم 
فصلا في الاعتراف. ان من شأها ان تستدير على الفور لو انها شاهدتئ هناك في نفس 
الوقت الذي يظهر فيه القمر» وتتوارى عن الانظار في الظلال الداحلية. 


107 


غير اني روائي» ولست رجلا في احدى الحدائق - ااستطيع ملاحقتها الى 
حيث اريد؟ الا ان الاحتمال ليس كون الشيء جائزا. غالبا ما يتمكن الازواج من 
قتل زوجاتهم - والعكس بالعكس - دون ان يتعرضوا لعواقب وخيمة. الا انهم لا 
يفعلون ذلك. ٠‏ 

من الجائز ان تظن ان الروائيين لديهم دوما الخطط الثابتة الى يعملون 
يموجحبهاء بحيث إن المستقبل الذي جرى التوقع به في الفصل الاول انما هو دوما 
حقيقة الفصل الثالث عشر. بيد ان الروائيين يكتبون لاسباب مختلفة لا تحصى: 
سعيا وراء المال» الشهرة» مراجعي الكتب» الاباءء الاصدقاءء الاحباء» الزهوء 
الفخرء حب الفضولء المتعة: تماما مثلما يستمتع صانع الاثاث بصناعته» والحكام 
بالحكم» ومثلما يستمتع سكان صقلية بافراغ المسدس في ظهر عدو. ف وسعي ان 
املا صفحات كتاب كاملة بايراد الاسباب ومن الممكن ان تكون كلها صحيحة 
على الرغم من ان هذا الشيء لا ينطبق على الجميع. فهناك سبب واحد نشترك فيه 
جميعنا: اننا نرغب في انتاج عوالم تتساوى في واقعيتها والعالم الواقعي» ولكنها 
تختلف عن العالم الواقعي او الذي كان واقعيا. لهذا السبب لا نستطيع ان نخطط. 
اننا نعلم ان العالم عبارة عن نظام» لا ألة. ونعلم ايضا ان العام المبتكر على اساس 
اصيل ينبغي ان يكون مستقلا عن حالقه؛ ان العام المخحطط له (العالم الذي يكشف 
تماما مخططه) هو عالم ميت. وعندما تبدأ شخصياتنا واحداثنا بالتمرد علينا فإِمًا 
عندئذ فقط تبدأ بالحياة. وعندما ترك تشارلز سارة عند حافة الجحرف فاني امرته ان 
يذهب مباشرة الى بلدة لام ريحيس. الا انه لم يمتثل للامر» بل استدار واتحه بلا 
مسوغ الى حقل الالبان. 

الا انك قد تقول: اه. ان ما اعنيه حقا هو ان الفكرة مرت في ذهيئ حينما 
كنت اكتب انه رعا كان نما يدل على ذكاء اكبر ان اجعله يتوقف ويشرب 
الحليب... ومن ثم يلتقي بسارة مرة اخرى. من المؤ كد ان هذه احدى التفسيرات 
لما حری» غير انين لا استطيع الا ان انقل - وانا هنا شاهد ممكن الوثوق به تماما - 
بأن الفكرة بدت لي وهي تأي على نحو واضح من تشارلزء لا مي انا؛ وهو لم يبدأ 
فقط بالحصول على استقلال ذاتي؛ ينبغي لي ان احترم ذلك» والا احترم كل 
حططي شبه الرائعة الخاصة به اذا ما رغبت في ان يكون حقيقيا. 


108 


معن ادق» لا بد لي - كي أكون حرا - من اعطائه هو وتينا وسارة وحق 
السيدة بولتيئ البغيضة حرياهم. 

لا يزال الروائي مبتكرا لأنه مبتكر (على الرغم من ان الرواية الطليعية الحديثة 
الاوفر حظا لم تستطع الغاء الروائي الغاء تماما). كل ما حدث هو اننا لم تعد نعلم 
بكل شيء» ونصدر الاحكام القضائية؛ ولكن في الصورة اللاهوتية الجديدة حيث 
الحرية هي المبدأ الاول لا السلطة. 

هل حطمت الوهم على نحو شائن؟ لا. ان شخحصيات لا تزال موجودة ويي 
واقع ليس اقل او اكثر واقعية من الواقع الذي حطمته قبل قليل. ان الرواية محبوكة 
في كل متمااسك كما اشار احد الاغريق قبل حوالى الفين وخمسمئة سنة. وقد 
وجدت هذه الواقعية الجديدة (او اللا واقعية) صحيحة اكثر. وارغب ف ان 
تشاطرني مشاعري بانئ لا اسيطر على هذه المخلوقات سيطرة تامة في ذهي اكثر 
“ما تسيطر انت على اطفالك وزملائك واصدقائك وحن نفسك» بغض النظر عما 
ير ال 

لكن هذا محال؟ فالشخصية اما ان تكون وافعية او هتخيلة. ولو فكرت ان 

E N‏ ا تقد 

بأن ماضيك نفسه على هذا النحو من الواقعية. فتعمد الى اظهاره في صورة معينة» 
تعطيه مظهرا خداعا او تلطخه» تفرض عليه رقابة» تصلحه» تفرغه في قالب روائي 
ومن ثم تركنه فوق احد الرفوف - كتابك» سيرتك الذاتية المنطوية على 
الرومانسية. اننا جميعنا مرب من واقعية الواقع. وهذا هو تعريف أساسي للجنس 
البشري. 

هكذاء اذا ظننت أن هذا الاستطراد غير المحظوظ رالا انه الفصل الثالث عشر) 
لا صلة له بوقتك» تقدمك» بحتمعك؛ نشوئك» وكل تلك الاشباح المكبرة الاحرى 

في الليل وال تقرقع باصفادها ود اء مشاهد هذا الكتاب... فلن احادلك» غير اني 
سأرتاب منك. 

انالا انقل اذا سوى الحقائق الخارجية: ان سارة بكت في الظلام غير انها لم 
تنتحرء وواصلت التردد على منطقة وير كومونز على الرغم من الحظر الواضح 
همذا السبب» فإها قفزت حقا على نحو ماء وكانت تعيش في حالة سقوط طويل 


109 


لأن الاحبار» عاحجلا او احلاء ستصل السيدة بولتين بخصوص مضاعفة الخاطئة 
خطيئتها. صحيح ان سارة احذت تتردد على الغابة على نحو اقل ثما كان مألوفا 
لديها. وهي حالة من الحرمان كان من السهل احتماها اول الامر بسبب الطقس 
المسصحوب بالمطر في ذينك الاسبوعين التاليين. وصحيح ايضا انها اتخذت بعض 
الاحتسياطات الصغيرة من النوع العسكري. فقد كان طريق العربات يتجه في تمر 
ضيق صغيرء افضل بقليل من طريق العربات الحيد نفسه» ومن ثم ينح الى واد 
عريض يدعى وير فالي حى يلتقي بعد ذلك عند ضواحي بلدة لام بطريق العربات 
الرئيس المؤدي الى سيدماوث وأكستر. وكانت هنالك مجموعة صغيرة متنائرة من 
البيوت الحترمة في وير فالي ولهذا السبب كان محلا مناسبا للتجوال فيه. ولحسن 
الحظ لم تكن اي من تلك البيوت لتطل على تقاطع طريق العربات بالممر. وحالما 
كانت سارة تصل الى هناك فإِهًا تنظر من حوها للتأكد من عدم وجود احد. 
وذات يوم انطلقت في سيرها وهي عازمة على التوغل داحل الغابة. وبينما هي في 
ذلك الممر وصلت الى الطريق المؤدي الى حقل الالبان وشاهدت شخصين يتقدمان 
من حول حافة مرتفعة. فما كان منها الا ان اتجهت صوكماء وعندما وصلت قرب 
الحافة احذت تراقب للتأكد من ان الشخصين لم يسلكا طريق حقل الالبان. ومن 
ثم عادت ادراجهاء ودخلت مأواها دون ان يشاهدها احد. 

كانت تحازف باللقاء باشخاص اخرين يتنزهون في الطريق نفسه. كما 
كانت هناك الحازفة برؤية صاحب حقل الالبان وأعين اسرته. الا انها تمكنت من 
تحجنب هذا الخطر الاحير بأن اكتشفت لنفسها ان احد الممرات الجذابة المؤدية الى 
اجمة السرحس من فوق الطريق تلتف بعيدا عن مرأى حقل الالبان وتتجه صوب 
الممر وتخترق الغابة. وكانت تسلك هذا الطريق الى عصر ذلك اليوم عندما ظهرت 
شاحصة» على نحو متهورء كما ندرك الان» امام الرجلين. 

كان السبب بسيطا. لقد نامت نوما طويلاء وكانت تعلم أها تأخرت عن موعد 
القراءة. وكان من المقرر ان تتناول السيدة بولتيئ طعامها في بيت السيدة كوتون في 
ذلك لمساء. وتقدم الوقت ساعة كي تسمح لنفسها بالاستعداد للامر الذي كان في 
جوهره دوماء ان لم يكن في مظهره؛ عبارة عن صدام هائل بين دينوصورين اثنين» 
حيث يحل المخمل الاسود محل الغضروف الحديدي. لم تكن معركة اقل عنادا وقسوة. 

110 


سقوطها تزداد؛ عندما تندفع الارض القاسية الى الاعلى» عندما يكون السقوط من 
مثل هذا الارتفاع» ما هي فائدة الحذر؟ 


111 


14 





- ان رأيي بالعشرة الطيبةء يا سيد اليوت» هي عشرة الناس الاذكياء 
الواسعي الاطلاع الذين يملكون احاديث كثيرة. هذا ما اسميه العشرة 
قال برفق: 

- انت على خطاأ. تلك ليست بالعشرة الطيبةء بل هي افضل عشرة. 
العشرة الطيبة لا تتطلب سوى المولدء الثقافة» الاخلاق» وفيما يخص 
الثقافة, ليست لطيفة جدا. 


جين اوستن - الاقناع 


اذا لم يكن على زوار بلدة لاتم في القرن التاسع عشر ان مروا بمحنة المسافرين 
الى المستوطنات الاغريقية القديمة (في الواقع ان تشارلز لم يكن مضطرا لالقاء حطبة 
على غرار بيريكليس١24‏ علاوة على موجز شامل لانباء العام من على سلا م دار 
البلدية) فانه كان سينتظر منهم مؤكدا السماح لانفسهم ان يكونوا معرضين 
للمعاينة والحديث. وقد حذرت ايرنستينا تشارلز قبل الان من هذا الامر: ان عليه 
ان ينظر الى نفسه على انه ليس اكثر من وحش في معرض وان يتلقى النظرات غير 
المهذبة وان يتحمل وخر المظلات باكبر ما يستطيع من المودة. وهكذا كان يضطر 
مرتين او ثلاث مرات في الاسبوع الى القيام بزيارات الى سيدات ويعاني ساعات 
من السأم الموجع كان العزاء الوحيد فيها المشهد الصغير الذي كان يحدث بانتظام 
يبهج النفس عندما كانا يرجعان الى منزل الخالة ترانتر. وكان من شأن ايرنستينا 
لتقول له: «اكان الامر فظيعا؟ افي وسعك ان تغفر لي؟ اتكرهين؟» واذا ما ابتسم 
ها فما كانت تلقي بنفسها بين ذراعيه كأنه تمكن باعجوبة ان ينجو من احداث 
شغب او انيار جحليدي. 


(41) بيريكليس: (495؟ 429 ق. م) رجل دولة اثينيء بلغت اثينا في عهده اوج ازدهارها 


112 


هكذا تحدد ان يقع الافيار الجليدي في الصباح الذي تلا اكتشاف تشارلز 
منطقة الجزء السفلي من الجرف في بيت مارلبورو. لم يكن هناك اي شيء اتفاقي 
او عفوي بشأن هذه الزيارات. ولم يكن في الامكان حدوث مثل ذلك الشيء طالما 
ان شخصيات الزوار والذين يزارون تنكشف ف المدينة الصغيرة بسرعة لا تصدق. 
وقد استتبع ذلك قدر من الاحساس الصارم بنظام التشريفات. وربما كان اهتمام 
السيدة بولتيئي بتشارلز لا يزيد عن اهتمام تشارلز بما. الا انها ستشعر باهانة كبرى 
لو لم يتم اقتياده اليها مصفدا بالاغلال لتضع من فوقه قدمها الصغيرة المكتنزة - 
وبعد وصوله مباشرة» لأنه كلما تأخر عن الزيارة في اثناء اقامته قل الاحترام. 

هؤلاء الزوار كانوا في الاساس حصوما في لعبة. وكانت الزيارات غير مهمة؛ 
الملهم هو الاستخدامات اللذيذة الى يمكن ان توظف فيها عندما تحدث. «عزيزتي 
السيدة ترانترء كانت ترغب في ان أكون اول من يلتقي...» و«انئ في منتهى 
الدهشة لأن ايرنسيتنا لم تزرك بعد - لقد افسدتنا - زيارتان حى الان...» و«انئي 
واثقةانه حطاغير مقصود - ان السيدة ترانتر انسانة حنونة غير أنها شاردة 
الذهن...» هذه العبارات وغيرها من الفرص المشابمة ال يسيل فيها اللعاب كانت 
تعتمد على وجود زوار ههمين مثل تشارلز. ولم يكن في مستطاعه ان يتجنب قدره 
شأنه شأن فار مكتنز يتدلى من بين مخالب قط جائع - العديد من القطط 
الجائعة» اذا توخحينا الدقة. 

عندما اعلن عن وصول السيدة ترانتر بصحبة رفيقتيها الشابتين في الصباح 
الذي اعقب لقاء الغابة» نمضت سارة مسرعة كي تغادر الحجرة. غير ان السيدة 
بولتيني طلبت منها البقاءء وكانت فكرة السعادة الحديدة تحعلها وقحة دوما 
وكانت هي على اي حال تملك ما يكفي من الاسباب - بعد امسية السيدة 
كوتون - لأن تكون اكثر من وقحة. وقد اعتبرت ايرنستينا شابة تافهة وكانت 
واثقة ان زوجها في المستقبل هو شاب تافه ايضا. وكان من واحبها تقريبا ان تثير 
حرجهم. روي ل كانت تعلم ان مثل تلك المناسبات الاجتماعية اشبه ما 
تكون بقميص خد حشن الملمس للخاطفة. لقد تآمر الجميع. 

ادحل الزوار» وتقدمت السيدة ترانتر الى الامام وهي تحدث حفيفاء رقيقة» 
مسرفة في التعبير عن عواطفها. وقفت سارة بحياء» تشعر بألم ان المكان لا يناسبهاء 


113 


في الجزء الخلفي من الحجرة» بينما وقف تشارلز وايرنستينا هادئين فوق السجادة 
من وراء السيدتين الاكبر سناء واللتين كانتا تعرفان بعضهما بعضا عقودا من الزمن 
تكفي لحعل ما يشبه العناق الرمزي امرا ضروريا. ثم تقدمت ايرنستينا وهي تنح 
انحناءة واهية قبل ان تصافح اليد الملكية. 

- كيف حالك يا سيدة بولتيي؟ يبدو انك على ما يرام تماما. 

- ان رحاء الروح لمن هي في سين يا انسة فريمان اهم من كل شيء. 

- اذا لن احشى عليك شيئا. 

كان من شأن السيدة بولتيي ان تفضل الاستمرار في هذا الموضوع امثير 
للاهتمام» بيد ان ايرنستينا التفتت كي تقدم تشارلز الذي انحن من فوق يد السيدة 
العجوز. 

- انه لمن دواعي سروري العظيم يا سيدي. بيت رائع. 

- انه اكبر ما ينبغي» وانا احتفظ به اكراما لزوجي العزيزء فأنا اعلم انه كان 
يتمئ - بل يتمئ - ان يكون كذلك. 

ثم القت نظرة فاحصة الى ما وراء تشارلز حيث كان ينتصب أغلى ما في بيت 
الرئيس ممثلا في لوحة زيتية لفردريك يعود تاريخها الى عامين قبل وفاته في 21851 
وكان يبدو واضحا انه رجل حکيم» متدين» جليل» ي الطلة؛ وقبل كل شيء 
ارفع من الجميع. من المؤكد انه كان رجلا ورعا وجليلا الى ابعد الحدود» غير ان 
الرسام استمد الخيال من احل سجاياه الاحرى. لقد ظلت السيدة بولتيئ الي رحل 
عنها منذ زمن امرأة تافهة تماما على الرغم من ثرائها الكبير. وكان العمل الوحيد 
الهم حقافي حياته هو تركه اياها. القى تشارلز نظرة شاملة على هذا الميكل 
العظمي في الحفل باحترام مناسب. 

- اه حقا. افهم. طبيعي تماما. 

- لا بد.من اطاعة رغباتهم. 

- وهو كذلك. 

هنا انتهزت السيدة ترانتر الفرصة بعد ان ابتسمت لسارة كي تتدحل في هذا 
اللحن الافتتاحي الكئيب. 

- يسعدي ان التقي بك يا عريزت الانسة وودراف. 


114 


ثم تقدمت» وضغطت على يد سارة» ونظرت اليها نظرة قلقة حقاء واضافت 
بصوت ححفيض: 

ألن تأي لزياري - عندما ترحل العزيزة تينا؟ 

ثم اعقبت ذلك بنظرة احرى استغرقت ثانية واحدة وهي تطوف في وجه 
سارة. لقد قيم ذلك الحاسب الالكتروني الموحود في قلبها السيدة ترائتر منذ زمن 
طويلء وبقى فيه الشريط الذي يتضمن النتيجة. وسرعان ما سقط ذلك التحفظ» 
ذلك الاستقلال القريب على نحو حطر من التحدي الذي اصبح قناعها في اثناء 
وحود السيدة بولتيئ. فابتسمت في نفس اللحظة» على الرغم من ان ابتسامتها 
كانت حزينة» وأومات لبماءة متناهية في الصغر: لو استطاعت فستزورها. 

بعد هذا حرى تقدتم الاخرين» ومالت الشابتان برأسيهما بيرود الواحدة تجاه 
الأحرى بينما انحن تشارلز وراقب عن كثب ليرى ان كانت الفتاة ستفشي بأي 
شكل سر لقائيهما في اليوم السابق» غير ان عينيها تجنبتا عمدا عينيه. وكان منجذبا 
لمعرفة كيف سيكون تصرف الحيوان البري في هذه البيئة المغلقة» وسرعان ما حاب 
ظنه اذ لاحظ ان التصرف كان ينم عن الخنوع التام. فقد تحاهلت السيدة بولتيي 
سارة ججاهلا تاما الا اذا طلب منها ان تحضر شيئا ماء او ان تقرع الجرس عندما 
يتقرر ان السيدات يفضلن تناول الكاكاو. وكان ذلك شأن ايرنستينا ايضا وهو ما 
لاحظه تشارلر بشيء من الانزعاج. وقد بذلت الخالة ترانتر ما في وسعها 
لاشراك الفتاة في الحديث» غير انها ظلت جالسة في مكان منفصل تقريبا وكان 
وحهها يتسم بالانشداه» باشاحة النظرء الذي يمكن ان يفسر على انه الاحساس 
ممكانتها الادن. وقد التفت هو نفسه اليها على نحو مؤدب لتوكيد فكرة مرة 
ومرتين؛ لکن بلا طائل. فقد كانت ترد بأقل ما يمكن» وظلت تتجنب النظر في 

ومع اقتراب موعد هاية الزيارة احذ تشارلز يدرك مظهرا جديدا تماما 
للوضع. فقد اتضح له ان خنوع الفتاة الصامت كان على الضد من طبيعتهاء 
واهالهذا السبب كانت تلعب دوراء وان ذلك الدور يتمثل في الانفصال التام 
عن سيدها ورفضها لها. وقد حاضت السيدة بولتيئ والسيدة ترانتر في حدول 
موضوعات الحديث اللطيفة - وهي موضوعات رما كانت قليلة من حيث 


115 


العدد لكنها طويلة لا هاية لما... الخدم» الطقس» الولادات القادمة» الجنازات 
والزيجات» السيد دزرائيلي والسيد غلادستون - وهذا على ما يبدو في مصلحة 
تشارلز على الرغم من انه كان يسمح للسيدة بولتيئ ان تدين ادانة قوية مبادئ 
الاول الشخصية ومبادئ الثاني السياسية“- بعد ذلك يجري الحديث عن موعظة 
الاحد الاحيرة وقصور التجار المحليين وبعد ذلك العودة الى الخدم على نحو 
طبيعي. وئٍْ حين کان تشارلز يبتسم» ويرفع من حاجبيه» ويومئ في خلال هذا 
المظهر المألوف فانه عقد العزم على ان الانسة وودراف الصامتة كانت تتعذب 
في ظل الاحساس بالظلم؛ ولا تفعل شيئا يذكر لاحفاء ذلك وهو ما يتضح 
للمراقب الذكي. 

كان هذا مفهوما من تشارلز لأنه لاحظ شيئا غاب عن انظار كل شخص 
تقريبا في بلدة لام. لكن ريما كان من شأن استنتاحه ان يظل في مرحلة الشكوك 
لولا ان افصحت مضيفته عن سلوك مميز ها. 

- تلك الفتاة الي طردتها من العملء الم تتسبب في ازعاج اكثر لكم؟ 

ابتسمت السيدة ترانتر. 

- ماري؟ لن افرط يما من اجل العالم كله. 

- لقد الحبرتي السيدة فيرلي انها شاهدتقا هذا الصباح وهي تتجاذب اطراف 
الحديث مع شخص ما. 


(*) انصافا للسيدةء ربما يمكن القول إن ازدراءها الشامل في ربيع ذلك العام 1867 كان 
يشاطرها فيه اخرون كثيرون. فقد اعد السيد غلادرائيلي والسيد دزيستون عملا مشتركا 
يصيب بالدوار في تلك السنة. اننا ننسى أحيانا ان الموافقة على لائحة الاصلاح الكبيرة 
الاخيرة (التي اصبحت فيما بعد قانونا في شهر اب/أغسطس التالي) انما كان مهندسها ابي 
حزب المحافظفين الحديث في حين عارضها اشد المعارضة الاحرار. لهذه السبب وجد 
المحافظون من مثل السيدة بولتيني وقد اخذ يدافع عنهم ضد هول مشاهدة من هم احط شانا 
ذكر (ماركس) في أحد مقالاته المنشورة في صحيفة (نيويورك ديلي تريبيون) ان المحافظين 
البريطانيين في الواقع «يمثلون شيئا مختلفا تمام الاختلاف عن المبادئ المستنيرة والليبرالية 
التي يتشدقون بها. وبهذاء فانهم يشبهون في موقعهم المدمن الذي يقوم امام اللورد المحافظ 
ويعلن أنه يمثل مبادئ ضبط النفس غير انه لسبب ما يُكثر من المشروب المفضل في ايام 
الاحاد. وهذا النموذج لم ينقرض. (المؤلف) 


116 


تفوهت السيدة بولتيي بكلمة شخص على نفس النحو الذي قد يستعمل فيه 
فرنسيان وطنيان كلمة ذلاي في اثناء الاحتلال. 

- شخص شابء لا تعرفه السيدة فيرلي. 

رمقت ايرنستينا تشارلز بنظرة حادة تنطوي على تأنيب. وفي لحظة غضب 
تصور انه متهم» ثم ادرك الامر. 

ابتسم» ثم اضاف لفائدة السيدة بولتيئ: 

- مما لا شك فيه اذا انه خادمي سام يا سيدي. 

تفادت ايرنستينا عينيه. 

- اردت ان اقول انين شاهدقما يتجاذبان اطراف الحديث يوم امس. 

- من الم ؤكد اننا لن نسعى الى منعهما من الحديث اذا ما التقيا. 

- هناك فرق كبير بين ما هو مقبول في لندن وما هو ملائم في هذه المنطقة. 
اعتقد انه من الضروري الحديث الى سام. فالفتاة سهلة الانقياد. 

بدت السيدة ترانتر جريحة المشاعر. 

- يا عزيزي ايرنستيناء رعا كانت جريئة» الا اني لا املك ادن سبب ل... 

- حال العزيزة الحنون. انا اعرف جيدا كم انت مولعة بما. 

مع تشارلز لهجتها الحافة فتقدم للدفا ع عن السيدة ترانتر. 

- اتميئئ لو ان الكثير من السيدات مولعات على هذا النحو. فليست هناك 
اشارة اكيدة تدل على البيت السعيد افضل من وجود خحادمة سعيدة عند بابه. 

اطرقت ايرنستينا تفكر في ذلك وقد احكمت اطباق شفتيها. اما السيدة 
ترانتر الطيبة فقد احمر وجهها لهذا الاطراءع» واطرقت هي الاخرى في حين اصغت 
السيدة بولتيئ هذه النيران المتقاطعة بشيء من المتعة. وقررت الان انما تكره تشارلز 
على نحو يكفي لأن تكون فظة معه. 

- ان زوجتك في المستقبل حكم افضل منك في هذه الشؤون يا سيد “ميثسون. 
انين اعرف الفتاة الى يجري الحديث عنهاء وقد اضطررت الى طردها. ولو كنت اكبر 
سنا لعرفت ان المرء لا يمكن ان يكون متزمتا اكثر نما ينبغي في مثل هذه الامور. 

ثم ارقت بدورهاء وهي اشارة تدل على ان موضوعا ابدت رأيها فيه وانه 
لهذا السبب قد انتهى. 


117 


- ان انحن احتراما لتجربتك العظيمة يا سيدني. 

غير ان لهجته كانت باردة» ساحرة بلا ريب. 

حلست السيدات الثلاث وكل واحدة تتفادى النظر الى الاخريات: السيدة 
تراتتر بدافع الاحراجء ايرنستينا بدافع الانسزعاج من نفسها؛ لأا لم تكن ترمي 
الى التسبب في مثل هذا الزحر لتشارلز» وتمنت لو انها لزمت الصمت» اما السيدة 
بولتيئن فبدافع كوا السيدة بولتيي وهكذاء فإن نظرة لم تشاهدها اولئك النسوة 
بودلت احيرا بين سارة وتشارلز. كانت نظرة قصيرة جداء الا اها كانت زاخرة 
بالمعاني؛ غريبان اد ركا ان لهما عدوا مشتركا. وللمرة الاولى لم تنظر الى اعماقه» بل 
نظرت اليه. فوطد تشارلز العزم على ان ينتقم من السيدة بولتيئ وان يلقن ايرنستينا 
درسا ضروريا على ما يبدو في الانسانية المشتركة. 

وتذكر ايضا نزاله الاخير مع والد ايرنستينا في موضوع دارون. ان التعصب 
الاعمى سائد اكثر نما ينبغي في البلاد ولن يسمح بذلك عن الفتاة الى سيتزوحها. 
وسيتحدث الى سام. نعم. أنه سيتحدث اليه. 

اما كيف تحدث فهو ما سنراه بعد لحظة واحدة. غير ان الفحوى العام لتلك 
الحادثة كان مفهوما مقدما لأن شخص السيدة بولتيي كان في تلك اللحظة يجلس 
في المطبخ في الطابق السفلي من منزل السيدة ترانتر. 

لقد التقى سام ماري في شارع كومبي ذلك الصباح وسأها على نحو بريء 
ان كان ممكنا تسلم السخام في غضون ساعة من الزمن. وكان يعلم حقا ان 
السيدتين الشابتين ستكونان في منزل مارلبورو. 

كانت المحادثة في ذلك المطبخ جادة على نحو يثير الدهشة» اكثر حدية بكثير 
من تلك المحادثة في غرفة استقبال السيدة بولتيئ. مالت ماري الى خزانة الاطباق 
وادوات الطهو وقد طوت ذراعيها الجميلتين في حين برزت خصلة من شعرها 
الاصفر بلون الذرة من تحت قبعتها الى ترتديها في اوقات التنظيف. وكانت بين 
الفينة والفينة تطرح الاسئلة» غير ان سام كان يتولى الحديث في معظم الوقت. وم 
تلتق عيوفما الا قليلاء واذ ذاك كانا يشيحان النظر احدهما عن الاحر كأن اتفاقا 
کا عفد ا 


118 


15 





... فيما يخص الطبقات العاملة, فإن الاخلاق شبه الوحشية للجيل 
السسابق قد تبدلت لستحل محلها حسية عميقةء منتشرة انتشارا كليا 
تقريبا... 


او في ومضة العينين الاكثر غموضا 
ثمة سبب لابتسامة خاطفة 
تينيسون احياء لذكرى... 1850 


عندما جاء صباح اليوم التالي» وشرع تشارلز يحس بقسوة قلب سام اللندي» 
فانه لم يكن في الواقع يخون ايرنستينا بغض النظر عن طبيعة القضية مع السيدة 
بولتييٰ. وقد انصرفا بعد وقت قصير من الحديث الذي اوردنا وصفا له فيما مضى 
وكانت ايرنستينا صامتة في الطريق المؤدي الى شارع برود. وعندما وصلا الى ذلك 
المكان شعرت انا اصبحت وحدها برفقة تشارلز. وما ان اغلق الباب من وراء 
ظهر خالتها حي انفجرت باكية (بلا مقدمات اتحام الذات المألوفة) ورمت نفسها 
بين ذراعيه. لقد كان ذلك اول احتلاف يعكر صفو حبهماء وقد اثار رعبها ان 
تزرجحر امرأة عجوز رهيبة حبيبها الرقيق تشارلز وكل ذلك بسبب نوبة استياء من 
جانبها. وعندما ربت على كتفها على نحو لائق وكفكف دمعها تحدثت بقدر ما 
تريد فسرق تشارلز قبلة من كل جفن مبلل انتقاما منهاء وغفر لما على الفور. 

- لماذا يتعين علينا يا عزيزت الساذجة تينا ان ننكر على الاحرين الشيء الذي 
جعلنا في منتهى السعادة؟ ما الذي سيحدث لو ان هذه الخادمة الشريرة وخادمي 
سام المتهور احبا بعضهما بعضا؟ اينبغي لنا ان نرجمهما بالحجارة؟ 

ابتسمت له وهي جالسة في كرسيها. 

- هذه نتيجة محاولة التصرف كالبالغين. 

ركع الى جانبهاء وامسك يدها. 


119 


- ايتها الطفلة الجميلة. ستظلين هكذا دوما عندي. 

احنت رأسها كي تقبل يده» وبدوره قبل قمة رأسها. 

ومست : 

- ثمانية ونمانون يوما. لا استطيع احتمال الفكرة. 

- لنهرب معا ونذهب الى باريس. 

- تشارلز.. يا له من تفكير شرير! 

رفعت رأسها فقبلها فوق شفتيها. ثم اتكات ثانية على زاوية الكرسي» بريئة براءة 
الاطفال» حجلة» وقلبها يدق بعنف حن إنها ظنت انها على وشك الاغماء. انما رقيقة 
لا تحتمل مثل هذه التحولات المفاجئة في العواطف. احتفظ بيدها وضغط عليها مرح. 

- اذا استطاعت السيدة بي الحديرة بالاحترام ان ترانا الان؟ 

غطت وجهها بكلتا يديهاء وشرعت بالضحكء كانت قهقهات مكبوتة 
انتقلت الى تشارلز وارغمته على الوقوف على قدميه والذهاب الى النافذة والتظاهر 
بالوقار - الا انه لم يستطع الحيلولة دون النظر الى الوراء فيشاهد عينيها من بين 
اصابعها. كانت ثمة اصوات احرى مكبوتة قي الغرفة الساكنة وكلاهما مرت به 
نفس الفكرة: الحريات الجديدة المدهشة الي حققها عصرهماء كم هو رائع ان 
يكون الانسان شابا حديثا بكل ما في الكلمة من معئ» ويمتلك احساسا حديثا 
بالدعابة» على بعد الف عام من... 

- اوه يا تشارلز... اوه يا تشارلز. اتذكر السيدة الى تنتمي الى بواكير العصر 
الطباشيري؟ 

كان ذلك بداية لانفجارها ثانية» ما اثار من حيرة السيدة ترانتر المسكينة الي 
كانت في الخارج» تظن ان شجارا لا بد قد نشب. وي هاية المطاف استجمعت 
شجاعتها للدحولء لترى ان كان في وسعها اصلاح ذات البين. كانت تينا لا تزال 
تضحك عندما هرعت صوب الباب» وقبلتها فوق وجنتيها. 

- حالي العزيزة. لست حنونا اكثر من اللازم. انا طفلة فظيعة» فاسدة. ولا 
اريد ثوبي الاخضر الخاص بالنزهات. افي وسعي ان امنحه لماري؟ 

هكذاء وقي وقت لاحق من ذلك اليوم نفسه برزت ايرنستينا بصدق في صلاة 
ماري. ان اشك في ان ماري قد سمعتها لأا بدلا من ان تأوي الى الفراش مباشرة 


120 


بعد ان مضت من على ر كبتيهاء» كما ينبغي على كل المصلين الطيبين» م تستطع 
ان تقاوم رغبة بارتداء الثوب الاحضر مرة واحدة واحيرة. لم يكن لديها سوى 
ضوء الشمعة كي تراه من خلالها. غير ان ضوء الشمعة لم يكن يوما ما سيئا عند 
اي امرأة. ذلك الشعر الأشقر الوفير المتدلي» ذلك اللون الاحضر المفعم بالحيوية» 
تلك الظلال المتأرجحة» ذلك الوجه المنجول» البهيج المدهش. 

- لقد قررت يا سام اني لست محتاجا لك. 

ىم يستطع تشارلز رؤية وجه سام لأن عينيه مغمضتان. وكان يحلق له ذقنه. 
غير ان الطريقة الي توقفت بها شفرة الحلاقة احبرته عن الصدمة الى سيطر عليها. 

ثم ران صمت كان من شأنه ان يلين قلب اي سيد اقل سادية منه. 

- اليس لديك ما تقول؟ 

- نعم يا سيدي. سأكون اكثر سعادة هناك. 

- قررت ان لا فائدة ترحى منك. وانا ادرك تماما ان هذا هو وضعك 
الطبيعي . الا اني افضل ان ارى لا فائدة ترحى منك قي لندن» الي المت اكثر من 
غيرها الذين لا ترحى منهم اي فائدة. 

- لم افعل شيئا يا سيد تشارلز. 

- وارغب ايضا في ان اجنبك معاناة الاضطرار الى مقابلة تلك الخادمة الوقحة 
ف مول النيبيدة تراش 

وتناهى الى الاسماع صوت انفاس عالية. فتح تشارلز احدى عينيه بحذر. 

نظر سام نظرة ثابتة فوق رأس سيده. 

- لقد اعتذرت وقبلت اعتذارها. 

0 ماذا؟ من عاملة في حقل البان؟ مستحيل. 

اضطر تشارلز الى اغماض عينيه على وجه السرعة كي يتجنب وضع سام 
فرشاة الصابون الخاص بالحلاقة على نحو فظ فوق وجهه. 

- ادرك ذلك. اذا الامور اسوأ نما تصورت. لا بد لك من الرحيل دون شك. 


121 


غير ان سام لقي ما فيه الكفاية. فترك الصابون في محله حي اضطر تشارلز الى 

- ماذا بك الان؟ 

- انها هي يا سيدني”. 

- دبة؟ اتتحدث اللاتينية الان؟ لا بأس. ان فطني تفوقكء ايها الدب» والان 
اريد الحقيقة. في الامس لم تكن مستعدا للمس الشابة بأي شيء. اتنكر ذلك. 

- كنت معرضا للاستفزاز. 

- اه. لكن اين هي الحركة الاولى؟ من هو المستفز الاول؟ 


بقصد القتل» بل بفعل السخط المكبوت. فمد تشارلز يده واحذها منه» ثم لوّح ما 
له. , 

ار وعشوين ساغة يا سام في اربع وعشرين ماع 

شرع سام ينظف حوض الغسيل ,منشفة كان من المقرر ان ينظف ها وجني 
تشارلز. ران الصمتء وعندما تكلم كان صوته مخنوقا. 

- لسنا جياد» بل كائنات بشرية. 

عندئذ ابتسم تشارلز ووقف على قدمیه» ثم سار من وراء رحله» ثم وضع يده 
على کتفه» فالتفت نحوه. 

- اعتذر لك يا سام. لكنك ستقر بأن علاقاتك السابقة بالجنس اللطيف قلما 
جعلتي مستعدا لهذا الوضع. 

اطرق سام ممتعضا. ثمة سخرية ماضية محددة لتجثم عليه. - ان هذه الفتاة - 
ماسمها؟ ‏ ماري - ريما تكون الانسة ماري هذه هموا كبيرا يستحق الاثارة - 


)*( لفظ سام جملة «انها هي يا سيدي» بلهجة اهل لندن (الكوكني): "17و 87“فبدا وكانه يقول 
كلمة ”11558“ التي تعني «دب» او «دبة» باللاتينية. (المترجم) 


122 


- حسنا جدا. اني اصدقك دون ان تتحطم» لكنك لن تذهب الى البيت ثانية 
او تتجاذب اطراف الحديث مع المرأة الشابة في عرض الشارع قبل ان اتحدث الى 
السيدة ترانتر» وارى ان كانت تسمح .عجاملاتك طمعا في الفوز بقلب المرأة. 

رفع سام بصره ثانية بعد ان كان قد اطرق طويلاء ونظر الى سيده» وابتسم 
ابتسامة يرثى لحاء مثل جندي يحتضر على الارض قرب قدمي ضابطه. 

- اني بطة من داربي يا سيد. بطة متفتحة من داربي. 

الافضل ان اضيف ان البطة من داربي هي بطة مطبوخة توا ولهذا لا امل في 


123 


16 


مود في اشراقة شبابها وفتنتها تغني عن الموت. وعن الشرف الذي لا 
يمسوت حتسی كدت ان ابكي من اجل زمن بمثل هذه الوضاعة والقذارة 
ومن اجل نفسي البالغة الوهن والدناءة 

تينيسون: مود 1855 


لماعرف. صدقني» المشاعر بين الرجال والنساء حتى كنت في مروج 
احدى القرى في اثناء عطلات باتت الان غبية اسير الهوينى ذات يوم 
طويل» فاتر الهمة كما قال تينيسون اتجول طويلا فاتر الهمة» على نحو 
اخرق فوقعت عيناي مصادفة على فتاة بلا قبعةء بلا قلنسوة... 
اي. إتش. كلف كوخ توبر - نا - فوليتش 1848 
مرت خمسة ايام هادئة بعد اليوم الذي قد وصفته. ولم تتسنّ اي فرصة 
لتشارلز للاستمرار في استكشافاته الجزء السفلي من الجرف. وذات يوم» كانت 
هناك نزهة الى سدماوث؛ اما صباحات الايام الاخرى فكانت تتخللها زيارات 
او بعض التسالي المقبولة من مثل الرمي بالسهام» الذي اظهرت له الشابات 
الانكليزيات حماسا شديدا انذاك» واصبح مبهجا ان يتجول اسيادٌ وديعون لاحضار 
السهام الي ترميها السيدات من جذوع الاشجار (احشى ان سهام ايرنستينا 
القصيرة البصر قلما وصلت هناك) ومن ثم عودهم وهم يتبادلون سرد الدعابات 
عن كيوبيد9© والقلوب والخادمة ماريان. 
اما في اوقات العصرء فكانت ايرنستينا تقنعه عادة بالبقاء في بيت الخالة 
ترااشر؛ فهناك شؤون منزلية في منتهى الاهمية تنبغي مناقشتها طالما ان بيت 
كنزنغتون صغير اكثر مما ينبغي وان ايجار بيت بلغرافيا الذي سينتقلان اليه في 
مماية المطاف لن يصبح في متناول يدي تشارلز قبل مرور عامين اثنين. وبدا ان 
الحوادث المؤسفة الصغيرة قد غيرت من ايرنستينا اذ غدت تحترم تشارلز احتراما 


(24) كيوبيد: اله الحب عند الرومان. (المترجم) 


124 


شديداء وتطيعه طاعة عمياء حي إن تشارلز شكا انه بدا يشعر مثل باشا تركي - 
وتوسل اليهاء دون اصالة في الطلب» ان تختلف واياه في موضوع ما لكلا ينسى ان 
زواحهما سيكون زواجا مسيحيا. 

دفع تشارلز من هذا الغلو المفاجئ في الاحترام لكل رغبة من رغباته بكلام 
لطيف. اذ كان يتمتع ما يكفي من الدهاء ليدرك ان ايرنستينا قد فوجئت. فحن وقت 
احتلافهما رعا كانت مولعة بالزواج اكثر من ولعها بزوجها المستقبلي. اما الان فقد 
عرفت الرحل كما عرفت الوضع. لا بد من الاقرار بأن تشارلز وجد ان هذا التحول 
من الحفاف الى الرقة عبارة عن ظل يزداد كثافة .عرور الزمن. وكان سعيدا اذ وجدها 
تتملق اليه وتمطره بضروب العناية المفرطة» وتستشيره وتبجله. واي رجحل لا يريد 
ذلك؟ غير انه عاش سنوات طويلة من العزوبية المتحررة وكان في طبعه طفلا مدللاء 
مروعاالى ابعد الحدود. وكان يبدو غريبا له حي في ذلك الوقت انه ليس حرا في 
اوقات الصباح» وان خطط ما بعد الظهيرة يجوز التضحية بها ارضاء لنزوة من 
نزوات تينا. ان لديه حقا واحبات تسنده؛ وكان متوقعا من الازواج فعل مثل تلك 
الاشياء لهذا لا بد له من القيام ها - مثلما ينبغي له ارتداء القميص التحتاني الخشن 
وانتعال الحذاء ذي المسامير الكبيرة اذا ما اراد التنزه في الريف. 

والاماسي! تلك الساعات الى كانت تنيرها مصابيح الغاز واليّ لا بد من 
اشعالها دون الاستمتاع بالسينما او التلفزيون! قلما كانت هذه مشكلة كبيرة عند 
الناس الذين لديهم رزق كبير يكسبونه: فعندما تكون قد اشتغلت اثنيَ عشرة 
ساعة في اليوم فإن مشكلة قضاء الوقت من بعد العشاء محلولة بيسر. لكن الاثرياء 
غير ا محظوظين يستحقون الشفقة. فبغض النظر عن السماح الذي يعطى هم بقضاء 
اوقاتمم وحيدين قبل ساعات المساءء فإن الاعراف كانت تقتضي انذاك حتمية 
احساسهم بالسأم من جراء صحبة من يرافقوفم. دعونا اذا نشاهد كيف يعبر 
تشارلز وايرنستينا صحراء واحدة محددة كهذه. على الاقل كانت الخالة ترانتر 
بعيدة عنهماء لأن السيدة الطيبة ذهبت لتناول الشاي عند جارة عانس ألم بها 
ا مرض» صورة طبق الاصل منها في كل شيء باستثناء الملامح والتاريخ. 

كان تشارلز ممددا على نحو رشيق فوق الاريكة» واضعا اصبعين فوق خده» 
والاصبعين الاخرين اضافة الى الابمام تحت ذقنه» ومرفقه فوق ذراع الاريكة» في 


125 


حين احذ يحدق في تينا الجالسة في الجهة الاخرى من السجادة وهي تقرأ كتابا 
صغيرا ججلدا بجلد احمر حملته في يدها اليسرى بينما حملت في يدها اليمئ درع النار 
(وهو عبارة عن جسم يشبه مضرب كرة المنضدة مغطى بقماش الاطلس المزركش 
ومزين بشريط احمر داكن من حول حافاته وهدفه منع الحرارة المنبعثة من ذلك 
الفحم المفرقع من ان تحمر تلك الملامح الشاحبة البسيطة) الذي كان يهتزء بلا 
انتظام» طبقا لايقاع القصيدة السردية المنتظم الي كانت تقرأها. 

كان المحلد من اكثر الكتب رواجا في ستينيات القرن التاسع عشر: سيدة غاراي 
للسيدة كلاولاين نورتود الذي قالت عنه محلة ادنبرة ريفيو: «القصيدة عبارة عن قصة 
مؤثرة» رقيقة» عفيفة» من قصص العذاب والحزن والحب والواجب والطاعة 
والملوت» - سلسلة حميلة بلا ريب من الصفات والاسماء الرئيسة في منتصف العصر 
الفكتوري الي يتوقع المرء ان يصادفها (دعون اضيف قائلا احسن بكثير ثما استطيع انا 
ان ابتكره). را تظن ان السيدة نووتود جحرد شاعرة تافهة غير مشوقة من شعراء ذلك 
العصر. صحيح ان شعرها تافه كما سترى بعد قليل بيد انها لم تكن امرأة تافهة. فهي 
اولا حفيدة شريدان”*» وعشيقة ملبورن”» كما رددت الشائعات» وقد صدق زوجها 
تلك الشائعات مما حدا به الى اتخاذ اجراء ناجح ضد السياسي الكبير. وكانت من اشد 
انصار الحركة النسوية؛ او ما يمكن ان نصطلح عليه اليوم بحرية المرأة. 

كانت سيلة العنوان» اي السيدة غاراي» زوجة طروب لاحد اللوردات 
الفرنسيين المفعمين بالحيوية والنشاط وقد جرى لما حادث تسبب في عوقها 
(إصابتها بالعرج) اثر الصيد فوهبت البقية الباقية من حياتها الموغلة قي الحزن لعمل 
البر - اعمال اكثر نفعا من تلك الي تؤديها السيدة كوتون لأنها اسست احد 
اللستشفيات. ومع ان احداث القصيدة تقع في القرن السابع عشر فإها كانت في 
تأبين فلورنس نايتنغيل5». مما لا شك فيه ان هذا هو السبب في ان تمس القصيدة 


(43) ريتشارد شريدان (1861-1751): كاتب مسرحي انكليزيء برع في التاليف المسرحي 
وبخاصة في الكوميديا الاجتماعية. (المترجم) 

(44) وليم لام ملبورن (1848-1779): رئيس وزراء بريطاني (1834ء1841-1835). (المترجم) 

(45) فلورنس نايتنغيل (1910-1820) ممرضة انكليزية لقبت ب «السيدة ذات المصباح» وتعد 
نؤئسة علم التبري: [المترحم) 


126 


قلوب العديد من النساء في ذلك العقد. اما نحن الذين نحيا بعد ذلك الزمن فاننا 
نعتقد بأن المصلحين العظام انما كانوا ينتصرون على المعارضة الكبيرة او على 
اللامبالاة الكبيرة. وقد تعين على السيدة ذات المصباح الحقيقية ان تكافح ضد 
المعارضة وضد اللامبالاة. غير ان هناك عنصرا في العاطفة - كما اوضحت بي 
مكان احر - قد يكون مؤذيا تقريبا ايضا. وللوهلة الاولى يبدو من المستبعد تماما 
ان تكون ايرنستينا قد قرأت القصيدة. كانت تحفظ بعض ابياتَا عن ظهر قلب. 
وفي كل مرة تقرأها فيها (كانت تقرأها صراحة ثانية الان لأنما كانت فترة الصوم) 
تشعر بالسمو والنقاءء باها امرأة شابة افضل. اني لست في حاجة الى ان اضيف 
هنا الى انما لم تذهب قط الى اي مستشفى» ولم تمتم باحد سكان الاكواخ المرضى 
في حياتها. ان ابويها ما كانا ليسمحا لما بذلك. غير انها شخصيا لم تفكر قط بتأدية 
مثل ذلك العمل. 

آه. انك تقول إن النساء كن مقيدات بدورهن في ذلك الزمن. لكن تذكر تاريخ 
هذا المساء: السادس من نيسان/أبريل 1867. اي قبل اسبوع من انتهاز (حون 
ستيوارت مل)* الفرصة في مبئئ البرلمان في ويستمنستر قي اثناء احدى المناقشات 
المبكرة الخاصة بلائحة الاصلاح ليبرهن ان الوقت قد حان لاعطاء المرأة الحقوق 
اللنساوية في صناديق الاقتراع. وقد قوبلت محاولته الجريئة (هزم الاقتراح ب 193 
صوتا مقابل 73 صوتا بينما امتنع الثعلب العجوز دزرائيلي عن التصويت) بابتسامة من 
الانسان العادي والقهقهة من جحلة بنش - اذ اظهر احد الرسوم الكاريكاتيرية مجموعة 
من السادة تحيط .مجلس وزراء قوامه النساء - والعبوس الرافض من اغلبية حزينة من 
النساء المثقفات اللواي زعمن ان تأثيرهن بمارس على نحو اعظم في البيت. وعلى الرغم 
من ذلكء فإن الثلائين من أذار/مارس 1867 يعد النقطة الي حكن ان تؤرخ با بداية 
تحرير المرأة في انكلترا. اما ايرنستينا الي قهقهت لدى رؤيتها بحلة بنش في عدد 
الاسبوع الماضي بعد ان اعطاها اياها تشارلز» فلا يمكن عتقها تماما. 

غير اننا انطلقنا من مساء البيت الفكتوري» فلنعد اليه. تفرس تشارلز في وجه 
ايرنستينا الرزين وثمة غمامة تشوب عينيه الهادئتين. 


(46) جون ستيوارت مل (1873-1806) فيلسوف وعالم اقتصاد انكليزيء نادى بالحرية الفردية 
ودعا الى الاخذ بمذهب المنفعة. (المترجم) 


127 


- ااستمر؟ 

- انت تقرأين على نحو بالغ الجمال. 

تنتحنحت برقة» ورفعت الكتاب ثانية. كانت حادثة الصيد قد وقعت توا: 
اللورد يهتم برعاية سيدته الى سقطت. 

«يفرق كتل شعرها الأشقرء 

يرفعهاء عاحزة» برفق مروع» 

ينظر الى وجهها بعينين مذعورتين؛ - 

فتموت - حبيبة روحه - تموت!» 

تنتفض عينا ايرنستينا على نحو حاد وهما تنظران الى تشارلز. اما عيناه فمغمضتان 
كأنه يتصور المشهد المأساوي. يوميع على نحو كتيب وكله اذان صاغية. 

تيا نت ادر ها 

«ربما قد سمعت من خلل الصدمة المخيفة لتلك الفكرة» 

نبضات قلبه كأنها ساعة هائلة»؛ 

ثم يتذبذب ذلك النبض القوي حن يتوقف» 

عندما يقتلع من ذلك الخوف برعشة مفاجئة» 

صدرت من تلك الشفتين الشاحبتين الواهنتين المرتعشتين: 

«اوه» كلاود» قالت وأمسكت عن الكلام لكن حي الان 

وعلى مدى كل ايام الحب منذ ان التقيا اول مرة؛ 

لم تنبض دماء قلبه بثل هذا العهد الذي يرثى له 

باها كانت كل شيء له كما الان». 

قد قرأت البيت الاخير على نحو بالغ الاهمية. ثم ترمق تشارلز بنظرة من 
عينيها. لا تزال عيناه مغمضتين, الا انه كما يتضح بالغ التاثير لا يقوى حي على 
الاهاء. تأحذ نفسا قصيرا وعيناها لا تزالان مصوبتين تحاه خحطيبها المضطجع على 
نحو حزين» وتواصل القراءة. 

«اوه يا كلاود - العذاب» - «اوه يا غرترود» 

يا حبيب!» 

ثم لاحت على شفتيها الواهنتين ابتسامة باهتة» 


128 


تنّسم بارتياح من نغمته - 

«لقد نمت ايها العظم الكريه». 

صمت. وجه تشارلز اشبه بوجه رجل في جنازة. نفس آخر ونظرة قوية من 
القارئة. 

«اه! سعداء هم الذين في حزهم وعذابهم 

لا يشتاقون الى وجه اليف عبثا -» 

تشارلر! 

على حين غرة» يغدو الكتاب صاروخا يمس تشارلز مسا عرضيا فوق كتفه 
ويهوي على الارض وراء الاريكة. 

نعم؟ 

يشاهد ايرنستينا واقفة على قدميها وكلتا يديها على شفتيها على نحو غير 
مألوف تماما. يجلس منتصبا في مكانه ويهمس: 

اوه يا عزيري. 

لقد ضبطت متلبسا بالجريمة يا سيدي. لا عذر لديك. 

لا بد ان تشارلز قدم ما يكفي من الاعذار والتكفير لأنه في اثناء فترة طعام 
الغداء التالي مباشرة استطاع ان يستجمع شجاعته ويتذمر عندما اقترحت ايرنستينا 
للمرة التاسعة عشرة مناقشة تأثيث مكتبه في البيت الذي م يعثرا عليه بعد. ان ترك 
تشارلز مؤسسته الصغيرة المريحة في كنزنغتون ل يكن اقل التضحيات المتوقعة. 
وف وسعه ان يتحمل هذا التذكير المتكرر بما. ساندته الخالة ترانتر ومُنح على هذا 
الاساس وقت ما بعد الظهر«للتنقيب البائس» بين الصخور. 

كان يعرف على الفور المكان الذي يرغب في الذهاب اليه. لم تكن في ذهنه 
اي فكرة سوى فكرة امرأة الضابط الفرنسي عندما عثر عليها فوق مروج اجرف 
البرية. الا انه كان بملك في ما مضى الوقت ليلاحظ اكواما لا بأس ها من حجر 
الصوان المتساقط عند سفح جرف صغير كانت قمته تمثل المرج نفسه. كان هذا 
هو الدافع بلا ريب الذي ادى به الى السير بعد ظهر ذلك اليوم الى ذلك المكان. 
كان الحماس الحديد, ازدياد حدة الحب بينه وبين ايرنستيناء قد اكتسح جميع الافكار 
كلها باستثناء الفكرة العابرة عن سكرتيرة السيدة بولتيئ» من عقله الواعي. 

129 


عندما وصل المكان الذي اضطر فيه الى الصعود وسط العليق» فإِهُا من غير 
ريب مرت في ذهنه ثانية وعلى نحو واضح. تذكر بحيوية كيف كانت مستلقية في 
ذلك اليوم» لكنه عندما عبر العشب» ونظر الى الاسفل صوب مكافاء وجده 
خاليا. وسرعان ما نسي امرها. وعثر على طريق يتجه الى اسفل احرف فشرع 
يبحث بين ركام الحجارة عن قشوره. كان يوما اكثر برودة من اليوم الذي جاء به 
الى هنا من قبل. كانت الشمس والغيوم تتعاقب الواحدة اثر الاحرى على نحو 
سسریع» يلائم شهر نيسان/أبريل» بيد ان الريح كانت شمالية. لهذا كان الحو دافغا 
عند جهة الجرف السفلية المواجهة للجنوب. كما ان دفئا جديدا سرى في جسد 
تشارلر على الفور عندما شاهد قشرة ممتازة عند قدميه يبدو ان انشطارها عن 
حجر الصوان لم عض عليه وقت طويل. 

الا انه بعد مضي اربعين دقيقة اضطر الى ان يسلم نفسه لحقيقة واحدة 
وهي انه لن يؤاتيه حظ آخرء على الاقل بين صخور الصوان تحت الجحرف فعاد 
الى المرج من فوق وسار في الممر المؤدي الى الغابة. واذ ذاك شاهد حركة 
دا 

كانت في منتصف الطريق المنحدرء منشغلة في حذب معطفها العالق 
بالنبات فلم تسمع تشارلز وهو يقترب منها. وحالما رأها توقف عن السير. 
كان الممر ضيقا غير انها شاهدته» فوقفا في مكانيهماء يفصل بينهما حمسة عشر 
قدما (4.5 متر)» وقد انتاهما الحرج كما يبدوء على الرغم من ان ملامحهما 
كانت متباينة. اذ كان تشارلز يبتسم في حين حدقت سارة به بارتياب 
شديد. 

- آنسة وودراف! 

اومات نيماءة لا يدركها الحس او العقل وبان عليها الترددء كأنها تود 
الاالتفات إلى الوراء لو استطاعت الى ذلك سبيلا. غير انها اد ركت انه يقف الى 
الجانب فاسرعت الى المرور من امامه. وفي هذه الاثناء زلت قدمها فوق زاوية 
خداعة من الممر المكسو بالطين» وسقطت على ركبتيها. فقفز الى الامام» وساعدها 
كي تنهض على قدميهاء فاصبحت الان مثل حيوان هائج» ترتعش» لا تقدر على 
النظر اليه ولا تقوى على الكلام. 

130 


شجعها على المضي في الطريق بعد ان وضع يده .منتهى اللطف فوق مرفقها. 
كانت ترتدي المعطف الاسود نفسه. والثوب النيلي ذا الياقة البيضاء نفسه. كانت 
بشرقًا وردية متفتحة تناسب على نحو يثير الاعجاب الحياء البالغ في سلوكها ولا 
ادري ان كان ذلك بسبب سقوطها او لأنه كان بمسك بذراعها او لأن الهواء 
بارد. كانت الريح قد عبثت قليلا بشعرها وكانت تبدو عليها أمارات صبي 
ضبط متلبسا بسرقة التفاح من احد البساتين... إثم» الا انه إثم تمردي. وفجأة 
نرت الى تشارلز نظرة سريعة من الحانبين والى الاعلى بعينيها البنيتين القاتمتين 
الجاحظتين تقريبا اللتين يظهر فيهما البياض الشديد الوضوح: انها نظرة منفرة» 
حائفة في نفس الوقت. فما كان منه الا ان ترك ذراعها. 

- احشى ان افكر في ما قد يحدث لك يا انسة وورداف اذا ما التوى 
كاحلك يوما ما في مكان كهذا. 

- لاايهم. 

- لكنه امر يهم مؤكدا يا سيدي العزيزة. ومن طلبك الي في الاسبوع 
الماضي» افترض انك لا ترغبين في ان تعلم السيدة بولتيي مجيئك الى هذه المنطقة. 
لا سمح الله ان أسأل عن اسبابك. غير اني يحب ان اوضح بانك اذا كنت ضعيفة 
على نحو ما فانئ الشخص الوحيد في بلدة لام الذي في مستطاعه ان يرشد 
منقذيك اليك. أليس كذلك؟ 

- اها تعلم. من شأفا ان تخمن ذلك. 

- اتعلم انك تأتين الى هنا - الى هذا المكان بالذات؟ 

تفرست في الارض المكسوة بالعشب كأفا لن بحيب على اي اسئلة اخرى؛ 
توسلت اليه ان ينصرف» غير ان شيئا ما في ذلك الوجه» الذي انعم فيه تشارلز 
النففر من الحانب» جعله يصمم على عدم الذهاب. ادرك الان ان كل شيء فيه 
مضحى به من احل تينك العينين. انما لا تستطيعان احفاء براعة التفكير واستقلال 
الروح. فيهما انكار صامت لاي عاطفة» التصميم على ان تكون على ما هي عليه. 
في ذلك الوقت. كان نمط الحواجب الرقيقة» القصيرة؛ المقوسة هو السائد» غير ان 
حاحبي سارة كانا داكنين تماماء او على الاقل على نحو غير مألوف» يشبه لوهُما 
لون شعرها الذي زاد من شدة سوادهماء فمنحها مسحة صبيانية في بعض الاحيان. 


131 


لا اقصد هذا انها كانت ذات وجه رجوليء وسيم» كبير الذقن» كالذي شاع في 
العصر الادواردي”“ - من طراز جمال فتاة جبسون““. كان وجهها حسن 
التقاطيع» ينم عن انوثة كاملة. وكانت القوة الكامنة في عينيها توازيها القوة الحسية 
الكامنة في فمهاء الذي كان واسعا - لا يلاثم ثانية الذوق السائد الذي كان 
يتراوح بين فم جميل صغير بلا شفتين تقريباء وقوس كيوبيد الطفولي. كان تشارلز 
لا يزال تحت تأثير علم الفراسة للافاتير”» شأنه شأن معظم رحال عصره. انتبه 
لذلك الفم ولم ينخدع اذ رأه مطبقا على نحو غير طبيعي. 

اصداء بثتها بلا ريب نظرة واحدة سريعة من تلك العينين الداكنتين في ذهن 
تشارلز: الا انهما ليستا بانكليزيتين. كان يقرن مثل هذه الوجوه بالاحنبيات - واذا 
شئنا الصراحة (اكثر صراحة مما هو عليه مع نفسه) بالاسرة الاجنبية. وهذا مؤشر 
على مرحلة حديدة في وعيه بسارة. لقد ادرك اها اكثر ذكاء واستقلالية ما كانت 
توحي به. اما الان فقد فكر في حصائص اكثر غموضا وخفاء. 

ان مثل هذا الاحساس الغريزي بطبيعة سارة الحقيقية من شأنه ان يكون مثيرا 
للنفور عند معظم الانكليز في عصره. وقد اثار هذا قليلا من نفور تشارلز - او 
على الاقل صدمه. لقد كان يشترك في الكثير من اهواء معاصريه وعلى نحو يكفي 
لأن يرتاب في الامور الحسية بأي شكل من الاشكال. وفي حين كان من شأن هذه 
الاهواء ان تجحعل من سارة - بفعل احدى تلك المعادلات الرهيبة الي تقع بناء على 
امسر من الانا العليا - مسؤولة على نحو غامض عن ولادقا بالشكل الذي ولدت 


(47) العصر الادواردي: نسبة الى ادوارد السابع (1910-1841).: ملك بريطانيا وايرلندا (1901- 
0) وهو ابن الملكة فكتوريا ووريثها. تولى العرش وهو في الستين من العمر. 
(المترجم) 

)48( تشارلز دانا جبسون (1944-1867): رسام امريكي اشتهر بمجموعة رسومه التي عرفت 
باسم فتاة جبسون ووصفت وصفا دقيقا النموذج الانثوي الامريكي في مطلع القرن العشرين» 
وكانت فتاته هذه تستمد ملامحها من ملامح زوجته اصلاء وقد نشر هذه الرسوم في مجلة 
لايف الاسبوعيةء كما نشر عددا اخر منها في العديد من كتبه مثل لندن كما يراها جبسون 
(1895)» (شخصيات ديكنز) (1897)» تخطيطات من مصر (1899). (المترجم) 

(49) يوهان كاسبر لافاتير (1801-1741): كاتب وقس بروتستانتي سويسري يعد مؤسس علم 
الفراسة امتد تاثيره خارج حدود بلاده حتى ان غوته نفسه اشتغل معه في كتابة مقالات في 
علم الفراسة بعض الوقت. (المترجم) 


132 


فيه» فإن تشارلز لم يكن كذلك. وفي هذا الخصوص نستطيع ان نشكر هواياته 
العلمية. انا لا اقول ان تشارلز تبرأ تماما من سارة الا انه ابعد ما يكون عن توجيه 
اللوم لما ثما كانت تتصور. 

جزئيا اذاء كانت هواياته العلمية... غير ان تشارلز كانت لديه ميزة تتمثل في 
انه قرأ - سراء لأن الكتاب قدم للمحاكم بتهمة الفحش والدعارة - رواية ظهرت 
في فرنسا قبل عشر سنوات» رواية قدرية في افتراضاتًا هي مدام بوفاري 
الشهيرة. وبينما كان ينظر الى الوحه القريب منه» قفز الى ذهنه اسم لما بوفاري 
فجأة ومن مكان بجحهول. ان مثل هذه التلميحات ليست سوى هواجس» 
واغراءات. وهذا هو السبب الذي جعله في النهاية لا ينحيٰ وينسحب. 

احيرا قالت: 

- لم اعلم انك هنا. 

- كيف يمكن لك ان تعرقي؟ 

- لا بد من العودة. 

ثم استدارت» غير انه تكلم بسرعة. 

- اتسمحين لي ان اقول شيعا ما اولا؟ شيئا رعا لا يحق لي قوله وانا الشتحص 
الذي لا اعرف شيئا عنك او عن ظروفك؟ 

وقفت في مكانها محنية الرأس» مولية ظهرها اياه. 

- ااستمر في كلامي؟ 

ظلت صامتة. تردد الحظة ثم قال: 

- لا استطيع التظاهر بأن ظروفك ل تناقشها امامي يا آنسة وودراف السيدة 
ترانتر. ان لا ارغب الا في القول ان هذه الظروف نوقشت مناقشة ملؤها العطف 
والاحسان. انها تعتقد انك غير سعيدة في ظل وضعك الراهن» الذي فهمت انك 
قبلت به بسبب من قسوة الظروف» لا بسبب ملائمته لطبيعتك او مزاحك. لقد 
تعرفت الى السيدة ترانتر منذ فترة قصيرة ليس الا. 
(52) مدام بوفاري: رواية كتبها الروائي الفرنسي (غوستاف فلوبير 1880-1821) في سنة 1857ء 


عدها النقاد اول رواية واقعية تصور انحدار البطلة تدريجيا في علاقة غرامية تعمدت 
اقامتها بأمل الحصول على المال لتسديد ديونها وتنتهي على نحو مأساوي. (المترجم) 


133 


توقف فجأة عن الكلام عندما نظرت سارة بسرعة من حولها صوب الاشجار 
المتتصبة من ورائهما. لقد سمعت اذناها المرهفتان صوتا ماء غصنا يتكسر تحت 
الاقدام. الا انه قبل ان يتمكن من سوالها عما هو الخطب. “مع بدوره اصوات 
رحال حفيضة. الا افها عند ذلك الوقت كانت قد بدأت تتصرف» فلملمت 
تنورقاء وسارت مسرعة فوق العشب صوب جهة الشرق على بعد اربعين ياردة 
(36 مترا)» وهناك توارت عن الانظار وراء اجمة امتدت قليلا فوق العشب. وقف 
تشارلز مشدوها. 

ارتفعت اصوات الرجال اكثر من ذي قبل. لا بد له من ان يتصرف. فخطا 
الى الامام حيث كان بمتد الممر صاعدا بين اشجار العليق. ولحسن حظه فعل ذلك» 
اذ ما ان لاح لناظريه الحزء السفلي من ذلك الممر حي شاهد وجهين ينظران الى 
الاعلى» فانعقدت دهشتهما. من الواضح ان وجهتهما كانت السير من حول الممر 
الذي كان يقف فيه تشارلز. فتح تشارلز فمه ليحيهماء غير ان الوجهين احتفيا 
بعجالة مثيرة للدهشة. وسمع صوتا يهمهم «اسرع يا حيم» وتلا ذلك صوت وقع 
خحطوات متسارعة. وبعد لحظات سمع صوت صفير منخفض مفاجئ وانين كلب 
هائج. ثم ران الصمت. 

انتظضر دقيقة واحدة حى تأكد من ذهاقما ثم سار من حول الاجمة. كانت 
تقف الى الجانب ازاء الاشواك الحادة وقد اشاحت وجهها جانبا. 

- لقد ذهبا. شخصان متجاوزان حرمة اراضي غيرهما على ما اظن. 

اومات له» غير انها استمرت في بحنب النظر الى عينيه. كانت الاجمة متفتحة» 
زهورها الصفر كثيفة على نحو اوشكت فيه ان تخفي اللون الاحضر اما المواء فكان 


قال: 

- اظن ذلك ليس ضروريا. 

- لا يمكن مشاهدة اي سيد مهذب قمه سمعته الطيبة بصحبة امرأة بلدة لام 
القرمزية. 


(53) المرأة القرمزية: تعني العاهرة واثرنا ترجمتها حرفيا لأنها ذات صلة بجملة مقول القول 
التالية. (المترجم) 


134 


- كانت تلك بحرد خحطوة. فقد كان صوهّا تشوبه مرارة قاسية» فابتسم في 
وحهها الذي ما يرال يتفاداه. 

- اعتقد ان الشيء القرمزي الوحيد الخاص بك هو وحنتيك. 

التمعت اذ ذاك عيناها في وجهه كأنه يعذب حيوانا ما وجها لوجه. ثم 
اشاحت بوجهها مرة اخرى. 

قال تشارلر برقة: 

- لا تخطئي فهمي فانا ارثي لوضعك التعيس» كما اقدر كثيرا رقتك فيما 
يخص سمعبي» الي لا تقدم ولا تؤخر عند السيدة بولتيي. 

م تتحرك من مكافهها. فاستمر في ابتسامته» مرتاح البال في كل تنقلاته» 
قراءاته» معرفته بعالم اوسع. 

- لقد شهدت الكثير من هذه الحياة» واكره المتزمتين... بغض النظر عما 
يظهرونه من ورع للعالم. هلا تفضلت الان بالخروج من مخبأك؟ ليس هناك 
ما يعيب في لقائك العابر هذا. كما ينبغي ان تتركيئن انمي ما اوشكت على 
قوله. 

خحطا خطوة الى الجانب فتقدمت بدورها صوب العشب النامي» وشاهد 


رموشها مخضلة بالدمع فلم يضغط عليها بوجوده» بل تكلم من ورائها وهو على 


بعد بضع أمتار. 
- ان السيدة ترانتر تود مساعدتك» بل هي تواقة الى ذلك اذا ما رغبت في 


كان حواما الوحيد هو الاكتفاء بهزة من رأسها. 

- ليس هناك احد لا يمكن مساعلته او لا يثير العاطفة في نفوس الاخرين. 

توقف هنيهة في حين عبشت الريح بخصلة من شعرها تطايرت الى امام» ما 

- اني لا اعبر الا عما تود السيدة ترانتر قوله شخصيا. 

م يكن تشارلز مبالغا في كلامه. ففي اثناء طعام الغداء المرح الذي اعقب 
المصالحة» نوقش موضوع السيدة بولتيي وسارة ولم يكن تشارلز سوى ضحية 
سلطة السيدة العجوز فترة وجيزة. لا بد اهما فكرتا فيها على اها الضحية 


135 


الدائمية. فوطد تشارلز العزم على ان يخبر سارة .ما توصلتا اليه في ذلك اليوم بعد 
ان اندفع في الحديث الى نقطة لا يخشى ان تطاها... . 

- ينبغي لك ان تغادري بلدة لاتم... هذه المقاطعة. اعرف ان لديك مؤهلات 
ممتازة. وانا واثق ان وظيفة اكثر مدعاة للسعادة يمكن العثور عليها في مكان اخر. 

م تحب سارة بشيء. 

- اعرف ان الانسة فريان ووالدها ستكونان في منتهى السعادة لاجراء بعض 
الاستفسارات في لندن. 

ابتعدت عنه اثر ذلك» واتحجهت صوب حافة العشب الذي يكسو الحرف» ثم 
امعنت النظر طويلا في البحر لتلتفت بعد ذلك وتنظر اليه وهو ما يزال واقف قرب 
الاجمة: نظرة غريبة» مباشرة» متألقة» ابتسم لها: واحدة من تلك الابتسامات الي 
يعلم المبتسم اها ضعيفة» غير اها لا تنتهي. 

- شكرا لك. غير اني لا استطيع الرحيل عن هذا المكان. 

هز كتفيه قليلا وشعر بال حيرة» والاساءة على نحو غامض. 

- اذا ينبغي لي ثانية ان اعتذر لتدحلي في حصوصياتك. ولن افعل ذلك ثانية. 

انحن واستدار كي يبتعد عنها. غير انه لم خط سوى خخطوتين واذا ها تقول: 

- انئ... اني اعرف ان السيدة ترانتر ترغب في ان تكون كرية. 

- اذا اسمحي ها ان تحقق رغبتها. 

القت نظرة الى العشب الذي يفصل بينهما. 

- ان الحديث ثانية كان... كأني لست ما انا عليه... اني عظيمة الامتنان. 
غير ان مثل هذا العطف... 

مثل هذا العطف؟ 

- ان مثل هذا العطف اقسى علي من... 

م تنه جملتهاء بل استدارت صوب البحر. فانتابت تشارلز رغبة عارمة في ان 
يد يديه ويمسك ها من كتفيها ويهزها. المأساة بحسدة على نحو متقن على خشبة 
المسرح الا انها لا يمكن ان تبدو اكثر من انحراف في الحياة العادية. وهذا هو ما قاله 
بعد ذلك بكلمات اقل حشونة. 


136 


- ان ما تسميه عنادي انا انما هو عوڼ. 

- لأكن صريحا معك يا انسة وودراف. لقد سمعت انك... لست سليمة العقل 
تماما. واظن ان هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. اعتقد انك حكمت على نفسك 
حكما قاسيا بسبب سلوكك في الماضي. والان» لماذا ترغمين نفسك على السير 
وحيدة بحق السماء؟ ألم تعاقبي نفسك هما فيه الكفاية؟ انت شابة» وفي وسعك ان 
تكسبي رزقك. واظن انه لا يوحد لديك صلات عائلية تربطك بمقاطعة دورسيت. 

- لدي صلات. 

- بهذا السيد الفرنسي؟ 

استدارت بعيدا كأن الموضوع محظور فيه 

-اسمحي لي ان اؤكد - ان هذه الامور تشبه الجراح. واذا لم يتجرأ المرء على 
الحديث فيها فإما تصاب بالالتهاب. اذا لم يعد فهو ليس جديرا بك. واذا عاد» فلا 
استطيع ان أصدق انه سيتجنبك .ثل هذه السهولة ان لم يجدك في لام ريجيس» بل 
سيسعى الى معرفة مكانك واللحاق بك. اليس هذا كلام واقعي؟ 

ل ل ا 
على الرغم من ان بضعة اقدام (سنة 00 كانت ملامحها 
غريبة» هادئة تقريباء» كان الحديث الذي تفوه به قد رسخ ب بعض المعلومات الكامنة 
في اعماق قلبها. 

ظلت تحدق الى البحر حيث شاهدت سفينة ذات شراع حمري اللون تتجه 
صوب جهة الغرب تحت رقعة من اشعة الشمس وعلى بعد خمسة اميال تقريبا 
قالت ممدوء كأما توجه كلامها للسفينة النائية: 

- لن يعود ابدا. 

- أتخافين من الا يعود ابدا؟ 

- اعرف انه لن يعود ابدا. 

- لا افهم ما تقولين. 

عندئذ استدارت» ونظرت الى وجه تشارلز الحائرء الجزع. وبدت الحظة من 
الزمن وهي تستمتع تقريبا بذهوله. وفجأة شرعت تسير» تعدو» فوق العشب 
وصوب الممر. 

137 


- آنسة وودراف! 

تقدمت خحطوة» حطوتين ثم استدارت. مرة احرى صدته تلك العينان 
ومزقتاه. كان صوها تكتنفه حشونة مكبوتة» الا انه كان صوتا متفجرا ضمنيا 
بقدر ما كان موجها الى تشارلز: ش 

- انه متزوج. 

- انسة وودراف! 

الا مما لم تعر له اي اهمية. تر كته واقفا في مكانه. كان ذهوله طبيعيا. اما 
الشيء غير الطبيعي فكان متمثلا في احساسه الان بالذنب على نحو واضح تماماء 
لأنه اظهر افتقارا شديدا إلى العاطفة» في حين كان واثقا مام الثقة بانه فعل كل ما 
يستطيع فعله. أمعن النظر فيها لحظات بعد ان توارت عن الانظار. ثم استدارء 
والقى نظرة الى السفينة النائية» كأهًا قد توفر له الاجابة عن هذا اللغزء لكن بلا 
طائل. 


138 


17 





المراكب, الرمال, المتنزه. 
الحشد الضاحك› 
الخالي من الهموم, 
تحيات مدوية من اناس ليسوا قليلي الموهبة: 


الجروف المغمورة بنور شمس المغيبء الحديث. 
التحيات والوقوف. 
ملاحو البحر الاذكياء. 

الفرقة الموسيقيةء رقصة الفالس. 


ومع هذاء عندما دخلت ليلا 
تقدمت هي 
حزينةء لكنها... ذات الفتاة... 
هاردي: في بلدة على ساحل البحر في 1869 


وحد تشارلز نفسه في ذلك المساء جالسا بين السيدة ترانتر وايرنستينا في قاعة 
الاحتماع. ولعل بلدة لام ۾ تكن عظيمة» مقارنة .مثيلاتها في مديني باث 
وتشيلتنهام» غير اها كانت تبعث على السرور لسعتها ولنوافذها المطلة على البحر. 
انها كانت» ويا للاسف» ملتقى عاماء ساراء وممتازا اكثر مما ينبغي فجازت 
التضحية ما من احل ذلك الحاكم البريطاني العظيم» الراحة؛ لهذا السبب هدمت 
من قبل بحلس بلدي مخلص في اهتمامه بالمتانة الجماعية» كي يفسح المحال لما يمكن 
ان يوصف بانه اقبح مرفق صحي في المنزر البريطانية. 

على اي حالء لا ينبغي ان تظن ان فريق بولتيئي في بلدة لام اعترض فقط 
على المعمار التافه لقاعات الاجتماع» بل ان الذي اثار غضبه حقا هو ما كان 
يجري فيها. لقد كان المكان يشجع لعب الورق» وتدخين السادة للسيكار 
وحفلات الرقص والموسيقى. باحتصار» كان يشجع المتعة. وكانت السيدة بولتيئ 


139 


ومن تشبهها يعلمن جيدا ان المكان الوحيد الذي تسمح به بلدة محتشمة لسكافا 
ان يلتقوا فيه انما يتمثل في دار العبادة. وعندما هدمت قاعة الاجتماعات في بلدة 
لاعم» فإن قلب المدينة تمزق. ولم ينجح احد ح الان قي اعادة بنائه. 

كان تشارلز برفقة سيدتيه في المبئ المشؤوم لحضور حفل موسيقي. طبيعي انما 
م تكن حفلة موسيقية دنيوية - اذ كانت الفترة فترة صوم. وكان المنهاج دينيا 
بكل ما في الكلمة من معئ» حت ان السكان الضيقي الافق في بلدة لام صدموا 
واعلنواء على الاقل امام الملأ» ان احترام الصوم يوازي احترام المسلمين لشهر 
رمضان. وهذا ظلت بعض المقاعد شاغرة قبالة المنصة المزينة بنبات السرخحس عند 
احد طرفي القاعة الرئيسة حيث كانت تقام الحفلات الموسيقية. 

قدم الثلاثة المتنورون مبكرين» شأفم في ذلك شأن بقية الحاضرين» اذ كان 
الناس يستمتعون هذه الحفلات حقا - على طراز القرن الثامن عشر - بسبب 
الرفقة والموسيقى على حدّ سواء. فقد كانت تعطي السيدات فرصة رائعة لتقييم 
ملابس جيرافن والتعليق عليهاء ومن المؤكد, التباهي مملابسهن. بل ان ايرنستينا 
نفسهاء وبكل ازدرائها للاقاليم» وقعت ضحية هذا الزهو. فكانت تعرف هنا على 
الاقل انمالن جحد الا القليل ممن ينافسنها في الذوق والبذخ الخاصين بالملابس. 
وكانت النظرات المختلسة الى قبعتها الصغيرة (اذ لم تكن ترغب في القلنسوات 
القدربهة) ذات الاشرطة المخضر والبيضء وثوها الاخضرء ومعطفها الاسود 
والبنفسجي» وحذائها البالمورالي*© كانت معوضا مقبولا للسأم الذي كانت تشعر 
به في اوقات اخحرى. 

كانت في حالة مفعمة بالحيوية والنشاط» مولعة بالازعاج في ذلك المساء في 
حسين كان الناس يدحلون. اضطر تشارلز الى الاصغاء الى ملاحظات السيدة ترانتر - 
اماكن الاقامة: الاقارب» الاجداد - بأذن واحدة» ولازعاج تينا الرقيق بالأذن 
الثانية. وعلم من الخالة ان السيدة الشبيهة بجون بول كانت «السيدة تومكنزء 
ارق نفس عجوزء تعاني من صعوبة في السمع» تعيش ما وراء بيت أل ابنها في 
(54) بالمورالي: نسبة الى بلدة بالمورال الاسكتلدنية. (المترجم) 
(55) جون بول: شخصية تجسد تجسيدا نموذجيا الشعب الانكليزي وردت الاشارة اليها في كتاب 

(تاريخ جون بول) عام 1712 لمؤلفه جون اربتنوت. (المترجم) 


140 


الهند»؛ في حين اعلمه صوت اخر على نحو موجز باها «شخص ثالث غير مرغوب 
فيه». وفي رأي ايرنستينا فإن هناك اعدادا من هؤلاء الاشخاص الفظيعين اكثر مما 
هم بشرء تنتظر» بصبر» لأا تتجاذب اطراف الحديث» في انتظار ان تبدأ الحفلة 
الموسيقية. ان كل عقد من الزمن يبتكر مثل هذا الاسم والصفة المفيدين. ففي 
ستينيات القرن التاسع عشر كان «الشخص غير المرغوب فيه» يعي «كل ما هو 
موحشء عتيق الطراز»؛ اما اليوم فمن شأن ايرنستينا ان تطلق على مرتادي 
الحفلات الموسيقية البارزين صفة اللربعيئ... وهو مؤكد شكل السيدة تومكنز› 
على الاقل من الخلف. 

في فاية المطاف ظهرت للعيان صاحبة الصوت النسائي العالي» المشهورة من 
بريستول» بصحبة رفيقهاء الاكثر شهرة» السنيور ريتورنيلو (او اسم احر شبيه به» 
لأنه اذا كان عازف بيانو فلا بد ان يكون ايطاليا) وهكذا اصبح تشارلز حرا في 
مراجعة ضميره. 

لقد اصبح مهووسا الى حدّ ما بسارة... او على اي حال» باللغز الذي كانت 
تمثله. لقد عزم - او هكذا ظن - عندما طلب منه مرافقة السيدات الى شارع 
برود» ومن ثم الى مبئ الاجتماعات» على ان يخبرهم بلقائه وسارة دون أن يتكلموا 
مع اي شخص عن بحوال سارة في منطقة وير كومونز. بيد ان اللحظة بدت غير 
مناسبة نوعا ما فهناك اولا نزاع مادي تماما ينبغي التحكيم فيه - حماقة 
ايرنستينا في ارتداء ثوب من نسيج خفيف في حين ان الطقس ما يزال يتطلب 
ارتداء النسيج الصوثي طالما ان عبارة لا ترتدي النسيج افيف الا لول شهر 
أبار اهايو كانت واحدة من الوصايا البالغ عددها تسعمئة وتسعة وتسعين وصية 
ثبتها والدها فوق الوصايا العشر القانونية. قتل تشارلز القلق بالاطراء. واذا م يأت 
على ذكر سارة فذلك يعود الى انه بدأ يشعر بانه سمح لنفسه ان يتجاذب واياها 
الحديث على نحو اعمق نما ينبغي - لاء بل فقد كل احساس بالحدود. كان في 
منتهى الطيش» اذ سمح لشهامة وضعها في غير موضعها الملائم ان تعمي بصيرته. 
والاسوأ من هذا كله بات من الصعب الى ابعد الحدود توضيح ذلك لسارة. 

كان يدرك تمام الادراك ان السيدة الشابة تحضن قي ذهنها طاقات جبارة من 
الغيرة: الا انها لا تزال حفية. وفي اسوأ الاحوال» من شأها ان ترى سلوكه عصيا 


141 


على الفهم» وستغضب منه. وفي افضل الاحوال من شأنا الا تعمل الا على 
مضايقته - غير ان احتمال افضل الأحوال هذا ضعيف. فهو لم يرغب في ان يثار 
غضبه في هذا ال موضوع. رعا كان في وسع تشارلز ان يبوح ببعض مخاوفه الى 
السيدة ترانتر. اذ كان يعرف انما تشاطره مؤكدا اهتمامه المترفق في الحكم على 
الناس اما النفاق فكان بعيدا كل البعد عنها. انه لا يستطيع ان يطلب منها عدم 
اخبار ايرنستينا؛ واذا ما علمت تينا عن اللقاء من خالتهاء عندئذ سيكون في موضع 
بالغ الخطورة حقا. ۰ 

اما فيما يخص مشاعره الاحرى» مزاحه ازاء ايرنستينا في ذلك المساءء فقلما 
امتلك الحرأة لامعان النظر فيها. ان روح الدعابة ال كانت تمتلكها لم تزعجه» الا 
افهابدت سطحية على نحو غير مألوف وغير مقبول» كأنها شيء ارتدته مثل 
المعطف المز ركش بالفراء او اعتمرته مثل القبعة الفرنسية» وهدفه ان يكون مناسبا 
هما اكثر من المناسبة نفسها. وكان ذلك يتطلب استجابة منه... غمزة من عينيه» 
ابتسامة ثابتة» كان يضطر نفسه الى رسمهاء وهي ابتسامة مصطنعة ايضاء بحيث بدا 
كل شيء مغلفا ممظهر مزدوج. رعا كانت هي كاآبة الاستماع الى كثير من اعمال 
هاندل وباخ او تردد النشاز بين السيدة ومساعدهاء غير انه ضبط نفسه متليسا 
بسرقة النظر الى الفتاة الجالسة الى جانبه - ينظر اليها كأنه يراها اول مرةء كأما 
غريبة عنه تماما. كانت في منتهى الحمال» فاتنة... لكن الا يفتقر ذلك الوجه الى 
انعدام الشخصية قليلا؟ الا يثير السأم قليلا .مما فيه من تناقض بين الرزانة والبساطة» 
لو انك نزعت هاتين الصفتين فما الذي يتبقى؟ انانية مبتذلة. غير ان تشارلز طرد 
هذه الفكرة الى سرعان ما حطرت بباله. كيف يمكن للطفلة الوحيدة لابوين ثريين 
ان تكون غير ذلك؟ الله اعلم - وهل هناك سبب اخخر دفعه الى الحيام بما؟ - ان 
ايرنستينا ليست عديكة الشخصية ابدا في اطار الشابات الثريات الباحثات عن 
الازواج في مجتمع لندن. لكن اهذا هو الاطار الوحيد - السوق الوحيد للعرائس؟ 
من المواد الثابتة في عقيدة تشارلز انه لا يشبه الغالبية العظمى من انداده ومعاصريه. 
هذا هو السبب الذي دفعه الى السفر كثيرا. اذ وجد المجتمع الانكليزي ضيق 
التفكير» محافظا بعناد» اكثر مما ينبغي» والوقار الانكليزي مبالغا فيه والفكر 
الانكليزي تزمتيا اكثر مما ينبغي والديانة الانكليزية شديدة التعصب. ثم ماذا؟ الم 

142 


يكن تقليديا تماما في هذه القضية الحيوية الخاصة بالمرأة الي احتارها ان تشاطره 
حياته؟ الم يقدم على فعل ابسط الامور بدلا من ان يفعل ما ينم عن ذكاء 
0 الذي ينم عن ذكاء عظيم اذا؟ ان ينتظر. 

تحت وطأة هذه الموحة من الاسئلة الذاتية اللاسعة بدا يرثي لنفسه - رجحل 
ذكي في فخ» بايرون مدجناء وطاف ذهنه مرة احرى صوب سارة» صوب الصور 
المرئية» حاولا استعادة ذلك الوحهء ذلك الفم» ذلك الفم الغ بالنكهة. ما لا ريب 
فيه انه اوقد فيه ذكرى,. رما كانت واهنة اكثر ثما ينبغي» عمومية اكثر من اللازم» 
لا تمحكنه من متابعة اي مصدر في ماضيه. غير ان ذلك الوجه اقلقه» أقض مضجعه 
اذ داعب اعماق نفسه الخفية الي قلما علم بوحودها. وقال لنفسه: انه لمن اكثر 
الامور بلاهةء غير ان الفتاة تحذبي. وبدا واضحا له ان سارة ليست هي نفسها الي 
كانت تحذبه - وكيف يسعها ذلك وهو الخاطب - بل بعض المشاعر» بعض 
الامكانيات الي كانت ترمز اليها. لقد جعلته يدرك وجود الحرمان. لقد تبدى له 
مستقبله دوما حافلا بالامكانيات الحائلة؛ اما الان فقد بات رحلة ثابتة مقررة الى 
مكان معلوم. لقد ذكرته بذلك. 

ذكره مرفق ايرنستينا بالحاضر على نحو لطيف. كانت المغنية بحاجة الى 
التصفيق فما كان من تشارلز الا ان يسهم بنصيبه في ذلك على نحو فاتر الهمة. 
وبعد ان وضعت ايرنستينا يديها ثانية في الفروة الاسطوانية الخاصة بتدفئة اليدين 
كشرت تكشيرة ظريفة جانبية قصدت كا شرود ذهنه وفظاعة الاداء. فابتسم لها. 
كانت شابة صغيرة اشبه بطفلة وليس في مستطاعه ان يغضب منها. على اي حال» 
انها ليست سوى امرأة وهناك الكثير من الاشياء ال لا يتعين عليها ان تدركها 
ابدا: غين حياة الذكرء الصعوبة الحائلة في ان تكون ملك انسان لا يكون العالم 
عنده اكثر من جحرد الملابس والبيت والاطفال. 

سيكون كل شيء على ما يرام عندما تصبح ملكه حقاء في البيت وفي القلب 
ايضا. 

اما سام فكان في ذلك الوقت يفكر تفكيرا مغايرا تماما؛ كم من الاشياء الي 
تفهمها حواؤه؟ يصعب ان نتصور اليوم الفروق المائلة الي كانت تفصل انذاك بين 


143 


شاب ولد في منطقة سيفن دايلز وابنة سائق عربة نقل من احدى قرى ايست ديفن 
النائية. لقد كان لقاوهما محفوفا بكل العقبات تقريبا كأنما هو واحد من سكان 
الاسكيمو وهي من قبيلة الزولو. وقلما كانا بملكان لغة مشتركة لهذا غالبا ما كان 
يصعب على احدهما فهم ما قاله الاخر توا. 

غير ان هذه المسافة» كل تلك الفجوات ال لم تردم ومن ثم ردمت بفضل 
الراديو والتلفزيون والسفر الرخيص وغير ذلك» لم تكن سيئة كلها. رمعا كان 
الناس لا يعرفون بعضهم بعضا الا قليلاء الا انهم كانوا يشعرون باهم احرار من 
الاخرين. وبالتالي اكثر احساسا بفرديتهم. والعالم كله لم يكن عندهم تحولا او 
اندفاعا وحسب. فالغرباء كانوا غريبين» وأحيانا في غربة مثيرة» جميلة. لعله 
الافضل للانسانية ان نواصل الاتصال اكثر فاكثر. الا اني هرطوقي» اذ اعتقد 
بأن عزلة اسلافنا كانت اشبه بالفضاء الارحب الذي استمتعوا به: لا يمكن الا 
الاحساس بالغيرة منه. والعالم اليوم معنا على نحو اكبر مما ينبغي بشكل حرفي 
تماما. 

كان في وسع سام ان يعطي» بل ا ا ا ا 
المشربه المظهر بأنه يعرف كل ما ين ينبغي ان يعرفه عن حياة المدينة» وبعد ذلك 
القليل من تلك المعرفة. E EOE‏ كن سوق لا لعن سن 
الويست اند بلندن» ويفتقر الى حيويته. اما في اعماقه» فكانت هناك قصة اخرى. 
فهو شخص مخلوع الفؤاد» غير واثق - وعدم ثقته هذه ليست بسبب ما كان يريد 
ان يصبح (وهو امر بعيد كل البعد عما هو عليه)» بل بسبب ما اذا كان ملك 
القدرة على ان يكون كذلك. 

اما ماري فكانت على النقيض منه في اعماقها. من المؤكد انها اصيبت 
بالذهول من سام اولا: فهو مخلوق ارفع مستوى منهاء كما ان مشاكستها اياه 
كانت محرد دفاع عن النفس في مواجهة مثل هذا التفوق الحضاري البين: قدرة 
تلك المدينة اللامتناهية في ردم الحوة» العثور على طريق اقصرء هي الي عجلت من 
سرعة الخطوات. غير انها كانت تملك صفة تبات الشخصية الاساسي» وهو نوع 
من الثقة الطبيعية بالنفسء المعرفة باهما ستكون ذات يوم زوجة صالحة وأما طيبة 
وتعرف كل شيء في طبائع الناس... الاحتلاف في القيمة بين سيدا وابنة احت 


144 


سيدقاء على سبيل المثال. على اي حال» كانت فلاحة» والفلاحون يعيشون وهم 
متمسكون بالقيم الحقيقية اكثر مما يفعل عبيد المدن. 

لقداحبها سام لأا كانت يوما من ايام الصيف بعد المومسات والبغاياث 
اللواتي كن يشكلن بحربته الجنسية الماضية. لهذا فانه لم يكن يفتقر الى الثقة بالنفس 
على ذلك النحو؛ بل ان القليل من اهل لندن الفقراء يفتقرون الى ذلك. كان شعره 
اسود ناعما وعيناه زرقاوين وملاحه صافية. كان رشيقاء سريع الح ركة» رشيقهاء 
على الرغم من الميل الى المبالغة الكبيرة أحيانا في تقليد تصرفات تشارلز وحركاته 
البدنية الي كان يعتقد انها تنم عن الذوق. وقلما كانت نظرات النساء تتركه بعد 
اول نظرة» لكن من خلال معرفته الوثيقة بفتيات لندن» فانه لم يذهب الى ما هو 
ابتعد من السخرية. وكان الشيء الذي خلب لبه هو براءة ماري. اذ وجد نفسه 
مثل صبي يعكس مرآة - وفي يوم ما فعل ذلك في مواجهة شخخص رقيق الحاشية 
لا يستحق ابدا مثل تلك المعاملة. وفجأة تى ان يكون ما هو عليه واياهاء وان 

وقد حدث مثل هذا الوعي الحاد المفاجئ ببعضهما بعضا في ذلك الصباح عند 
زيارة السيدة بولتيئ اذ شرعا يناقشان مركزيهماء مزايا وعيوب السيد تشارلز 
والسيدة ترانتر. وظنت انه سعيد الحظ ليخدم مثل هذا السيد اللطيف. اما سام فقد 
اعترض على ذلك؛ وبعد ذلك» ربد نخسم انسفن هذه العاملة فق انضدم الأليان 
بشيء ل يقله سابقا الا لنفسه. 

كان طموحه في منتهى البساطة. كان يرغب في ان يصبح بائع السلع 
الرجالية. ولم ييستطع ان يمر من امام اي متجر من هذه المتاحر الا ويتوقف 
ليمعن النظر في الواحهات الزحاجية» منتقدا اياها او معجبا بماء حسبما تتطلب 
الظروف. كان يعتقد انه بملك حسا في معرفة انحر الازياء. لقد سافر بصحبة 


(*) يقصد اصلا بالمومسات الخادمات اللواتي كن يمارسن الزنى في اوقات الفراغ. اما البغايا 
فهن العاهرات» وهذه الاهمية تكمن في الصورة الكاريكاتيرية الشهيرة التي رسمها ليتش 
عام 1857 وظهرت فيها امرأتان» يلوح الحزن على وجهيهماء واقفتان تحت المطر على بعد 
اقل من مائة ميل من حي هايماركت وتخاطب احداهما الاخرى: اه فاني! كم مضى عليك 
وانت بغي؟ (المؤلف) 


145 


تشارلز الى الخارج؛ واكتسب بعض الافكار الاجنبية في ميدان الملابس 
الرجالية... ش 

لقد حصل على هذا كله ( وكذلك اعجابه الشديد بالسيد فريمان) على نحو 
يفتقر الى التناسق والانسجام - والعقبات الكبيرة: لا مال» لا ثقافة. لقد اصغت 
ماري بتواضع» اكتشفت حدسا هذا السام الاخرء واكتشفت حدسا انها قد 
كرمت اذ اعطيت صورة سريعة له. وشعر سام انه يكثر من الحديث. الا انه في 
كل مرة ينظر فيها بقلق ويتطلع الى ملاحظة ساحرة» قهقهة؛ اقل علامة تشير الى 
السخرية من ادعاءاته السخيفة» لم جد في مواحهتها سوى عاطفة ساذجة» حذرة 
توسل لأن يواصل حديثه. كانت الفتاة ال تصغي له تحس انه يحتاج اليها والفتاة 
التي تشعر ان هناك من هو بحاجة اليها تكون قد سارت في ربع الطريق المؤدي الى 
ا 

وحان الوقت الذي تعين عليه فيه الانصراف. بدا له انه قد وصل قبل قليل. 
فوقفء وابتسمت له ابتسامة مشاكسة ثانية. كان يرغب في ان يقول لها انه لم 
يتحدث في السابق مثل هذه الحرية - حسناء .مثل هذا الجد - لاي شخص اآخر 
عن نفسه. الا انه لم يستطع العثور على الكلمات. 

- حسنا. اتقولين اننا سنلتقي صباح الغد؟ 

- ارجو ذلك. 

- اليس لديك حطيب؟ 

- لا اهوى اي واحد. 

- اراهن ان لديك واحدا. سمعت ان لديك خطيبا. 

- انه بحرد كلام في هذا المكان القديم. نحن لا يسمح لنا النظر الى الرجال. 

وضع اصبعه على قبعته. 

- كأي مكان اخر. 

صمت» نظر الى عينيها. 

- الست سيعا؟ 

- أل اقل انك كذلك. 

صمت» كان يدير اصبعه من حول قبعته. 


146 


- اعرف الكثير من الفتيات. من كل الانواع. ليس هناك من واحدة تشبهك. 

- ليس صعبا العثور على واحدة. 

- لم افعل ذلك من قبل. 

ران الصمت مرة احرى. لم تنظر اليه» بل نظرت الى حافة صدريتها. 

- ماذا عن لندن اذا؟ اتحبين مشاهدة لندن. 

ابتسمت ابتسامة عريضة وأومأت؛ حماس كبير. 

- اتوقع ان تحبي مشاهدها. عندما يتزوج الاثنان في الطابق العلوي. 
سأحذك في حولة لتشاهدينها. 

- صحيح؟ 

عند ذاك غمز لها فما كان منها الا ان وضعت يدها فوق فمها وتألقت عيناها 
من فوق وجنتيها الورديتين. 

- كل فتيات لندن انيقات الملبس. لا اعتقد انك ترغب في الخروج معي. 

- اذا كنت تملكين الملابس فستكونين انيقة. ستكونين في منتهى الجمال. 


- لا اصدقك. 

- اقسم لك. 

التقت عيناهما لحظة من الزمن. ثم انحن اء وغطى الجزء الايسر من صدره بقبعته. 
- غدا يا انسي. 

- ماذا؟ 


- غدا صباحا. وسيكون المخلص لك ف الانتظار. 

عندئذ استدارت» وهي لا تقوى على النظر اليه. حطا من ورائها بعجالة» 
وحذب يدها ورفعها نحو شفتيه. فما كان منها الا ان خحطفتها بسرعة. ونظرت 
اليها كان شفتيه قد تركتا اثرا اسود. نظرة متألقة اخحرى يتبادلانها» فتعض على 
شفتيها الجميلتين بينما يغمز لهاء ثم انصرف. 

لا اعرف ان كانا قد التقيا في صباح اليوم التالي ام لا على الرغم من حظر 
تشارلز الصريح. وعندما خرج تشارلز في وقت متأخر من ذلك اليوم من بيت 
السيدة ترانتر» شاهد سام ينتظر» بفعل مصادفة مخطط لحا كما يبدو؛ قي الجانب 
الاحر من الشارع. اشار تشارلز اشارة الرحمة الرومانية فما كان من سام الا ان 


147 


رفع قبعته احتراما» ووضعها مرة احرى فوق صدره؛ كان ذلك احتراما لنعش .کر 
من امامه لولا الابتسامة العريضة الي لاحت على وجهه. 

هذا ما يوصلي الى هذه الامسية الخاصة بحفلة الموسيقى بعد اسبوع من ذلك» 
والسبب الذي توصل فيه سام الى مثل هذه الاستنتاحات المختلفة عن استنتاحات 
سيده والخاصة بالجنس اللطيف. فقد عاد الى ذلك المطبخ ثانية. وللأسف كانت 
هناك وصيفة مسنة حاضرة - طاهية السيدة ترانتر. الا ان الطاهية العحوز كانت 
تغط في نوم عميق في كرسيها قبالة موقد طبخ. اما سام وماري فقد جلسا في اكثر 
زوايا المطبخ عتمة. لم يتبادلا اطراف الحديث» اذ لم يكونا بحاحة الى ذلك طالما 
كانت ايديهما متشابكة. من جهة ماري كان الامر لا يعدو ان يكون سوى حماية 
ذاتية اذ وحدت ان تلك هي الطريقة الوحيدة للحيلولة دون امتداد اليد من حول 
حصرها. اما لماذا وجد سام ماري وقد فهمته كل هذا الفهم على الرغم من كل 
ذلك وعلى الرغم من الصمت المخيم عليهماء فهو لغز لا يحتاج اي عاشق الى 


بفسيرة. 


148 


18 





من يستطيع ان يستغرب بأن قوانين المجتمع يتناساها في بعض الاحيان 
اولئك الذين يغض المجتمع الطرف عنهم عادةء الذين غالبا ما يبدو فلب 
المجتمع وقد صرف النظر عنهم؟ 

دكتور جون سيمون: تقرير المدينة الطبي 1849 


ذهبت» وركعت وضممت يدي 
كأنني سأشرب» من الغديرء 
ولاح شبح باهت واقفا 
من فوقيء ينظر نظرة من الماضي. 
هاردي: عشية منتصف الصيف 


مر يومان ظلت فيهما مطارق تشارلز عاطلة عن العمل في حقيبته. وابعد عن ذهنه 
الافكار الخاصة بالقشور الى تنتظر منه ان يكتشفها والافكار الخاصة بنساء استسلمن 
للنوم فوق نتوءات جبلية تغمرها اشعة الشمس» وهي افكار ذات صلة بالقشور الان. الا 
ان ايرنستينا المت با الشقيقة فوحد نفسه على نحو غير متوقع حرا عصر يوم أخر. تردد 
لحظة غير ان الاحداث الى مرت من امام عي عينيه بينما كان يقف الى جوار نافذة غرفته 
الناتئكة كانت قليلة جداء مملة تماما. ا الحانة - الي تمثل صورة اسد ابيض 
له وحه يشبه وجه احد اهالي الصين الحائعين وقد سبق لتشارلز ان اوضح ذلك 
للسيدة بولتيي - وهي تحدق فيه على نحو كالح. كانت الريح حفيفة» واشعة 
الشمس واهنة... وثمة سحابة رمادية عالية» بل على نحو بالغ العلو لا تنذر بسقوط 
المطر. كان قد وطد العزم على كتابة الرسائل» غير انه وحد ان مزاحه ليس رائقا. 

اذا اردنا قول الحقيقة» فإن مزاجه لم يكن رائقا لاي شيء. فقد انتابته لذة 
السفر القديمهة على نحو موحع» غريب حن ظن انه قد ترعرع في هذه السنوات 
الاحيرة. وتمئ ان يكون في قادش» نابولي» موريا” في ربيع البحر المتوسط 


)56( قادش: مقاطعة في جنوب غرب اسبانیا. (المترجم) 
(57) موريا: جزيرة تشكل القسم الجنوبي من اليونان. (المترجم) 


149 


اللاهب: لا من احل ربيع المتوسط حسبء بل من احل ان يكون حراء ان تكون في 
انتظاره اسابيع لا تنتهي من السفرء يبحر صوب الحزرء الحبال» ظلال اجحهول الحزينة. 

بعد مضي نصف ساعة» كان يجتاز حقل مصنع الالبان ويدحل غابة وير 
كومونز. اكان في وسعه ان يسير الى جهة اخرى؟ نعم. كان في وسعه ذلك 
حقا. الا انه حرم على نفسه تماما الذهاب الى اي مكان قريب من مروج الجرف. 
ولو انه صادف في طريقه الانسة وودراف فسيفعل على نحو مؤدب ولكن ثابت» 
ما كان يجب ان يفعله في اللقاء السابق - اي رفض الخوض واياها في اي حديث. 
على اي حالء من الواضح انها تعود دوما الى نفس المنطقة. وشعر انه واثق من 
عدم رؤيتها لو انه ابتعد عن تلك المنطقة. 

على هذا الاساسء فانه قبل ان يصل إلى ذلك المكان ممسافة طويلة استدار الى 
جهة الشمال» وارتقى المنحدر العام للارض» وتوغل داخل اجمة كثيفة من اشجار 
الدردار المكسوة باللبلاب. كانت تلك الاشجار ضخمة وهي من اكبر انواع 
الاشجار في انكلترا. وكان حجمها الضخم هو الذي دفع ذلك السيد المغتصب الى 
اقامة مشتله في الجزء السفلي من الحرف. شعر تشارلز انه قميء» وهو يسرع السير 
. بينها في طريقه الى الوحوه الطباشيرية العمودية تقريبا الى كان في وسعه مشاهددهًا 
في اعلى المنحدر» وشعر ان مزاجه اخذ يروق اكثر من ذي قبل وبخاصة عندما 
برزت الطبقات الاولى من حجر الصوان من بين النباتات والاعشاب الى كانت 
تغطي الارض. وعلى الفور التقط قشرة قنفذية. كانت هذه القشرة بالية» ولم يبق 
سوى اثر ضئيل للصفوف الخمسة من الخطوط المثقبة الى تزين القشرة الكاملة. الا 
انها كانت افضل من لا شيء ثما شجع تشارلز على الانحناء ومواصلة البحث. 

رويدا رويدا ارتقى تشارلز الطريق المؤدي الى سفح ادرف حيث كانت تزداد 
كثافة الصوان المتساقط ويقل احتمال تآكل القشور. ظل في هذه المستوى من السفح, 
وشرع بالاتحاه صوب الغرب. في بعض المناطق كان اللبلاب كثيفا - مرتقيا سفح 
احرف واغصان الاشجار القريبة بلا تمييز» ليتدلى على شكل ستائر عظيمة فوق رأس 
تشارلز. في احدى لمناطق اضطر الى شق طريقه وسط ما يشبه النفق الذي صنعته 
النباتات؛ وف الطرف القصي كانت ثمة فسحة من الارض تشير الى سقوط كميات من 
الصوان مؤخرا. يحتمل حدا ان يكون مثل هذا المكان مليئا بالقشور فانطلق تشارلز اليها 


150 


تحيط به من كل الحوانب اجمات السرخس الكثيفة. دأب تشارلز على ذلك المنوال قرابة 
عشر دقائق لا يتناهى الى سمعه سوى صوت خوار عجل من حقل بعيد يمتد من فوقه 
باتماه اليابسة واصطفاق اجنحة حمام الغابة وهديلها واندفاع موج البحر الهادئ الذي 
قلما يمكن ادراكه خلال الاشجار الممتدة بعيدا من تحته. ثم مع صوتا يشبه صوت 
سقوط حجر. رفع بصره الا انه لم ير شيئاء وظن ان حجارة صوان قد سقطت حقا 
من الوجه الطباشيري الممتد من فوقه. واصل بحثه مدة دقيقة او دقيقتين اخريين» ثم 
ادرك بدافع غريزي لا بمكن تفسيره» ريما كان بقايا ملكة ما نملكها من ماضينا الحجري 
القدسم؛ انه ليس وحيدا. فما كان منه الا ان ألقى نظرة حادة من حوله. 

كانت تقف فوقه حيث كان ينتهي نفق اللبلاب» على بعد اربعين ياردة 
(36 مترا). لم يعرف كم مضى عليها وهي في ذلك المكان؛ غير انه تذكر ذلك 
الصوت الذي سمعه قبل دقيقتين. انتابه الوحل اول وهلة تقريباء اذ بدا امرا غريبا ان 
تظهر على هذا النحو من المدوء. لم تكن ترتدي حذاء يمساميرء الا انما لا بد قد 
تح ركت بحذر فائق. لاثارة دهشته. هذا السبب تعمدت اللحاق به. 

- انسة وودراف. 

ثم رفع قبعته. 

- كيف صادف وجودك هنا؟ 

- شاهدتك وانت ثمر. 

سار قليلا الى اعلى الحجارة صوبًا. كانت قبعتها في يدها ثانية؛ ولاحظ ان 
شعرها كان سبطا كأمًا كانت في مهب الريح» الا انه لم تكن هناك اي ريح. 
وكان ذلك يضفي عليها مسحة من الجموح زاد من قوتما ثبات نظراتها عليه. 
وتساءل عن السبب الذي دفعه الى الاعتقاد بانها ليست مجنونة الى حد ما. 

ألديك شيئا تريدين قوله لي؟ 

مرة احرى كانت تلك النظرة الثابتة عليه لا النظرة الي تخترقه. كانت سارة 
تملك واحدا من تلك الوجوه الانثوية الغريبة الى تختلف اختلاف بينا في جاذبيتهاء 
حسب التركيب الكيميائي الدقيق للزاوية» الضوء والمزاج. كانت في تلك اللحظة 
تحظى بعون فعال من عمود مائل من نور الشمس الواهن الذي وحد طريقه من 
خلال شق صغير في السحب» وهو امر ليس قليل الحدوث في وقت متأخر من 


151 


اوقات ما بعد الظهر في انكلترا. وهكذا تألق وجهها وقوامها الشاخص من امام 
النباتات الخضراء المدفونة من ورائها. وظهر وجهها فجأة في منتهى الجمال» بالغ 
الجمال حقاء مهيبا على نحو فاتن» يضج باشراقة داحلية وخارجية. وتذكر تشارلز 
ان ذلك كان يشبه تماما ما زعمه احد الفلاحين قرب بلدة غافارني في البيريب: 698 
من انه شاهد... تقف فوق مرتفع بجانب طريقه... وذلك قبل اسابيع قليلة من 
مرور تشارلز في ذلك الطريق. لقد نقل الى ذلك المكان. لم يكن ذلك الامر بذي 
اهمية. لكن لو ان مثل هذه المرأة وقفت قبالته!!. 

على اي حال» من الواضح ان هذه المرأة كانت لها مهمة عادية جدا. وضعت 
يديها في حيبي معطفهاء واحرحت في كل واحدة منهما قشرتين رائعتين. فما 
كان منه الا ان صعد نحوها حب اصبح قريبا ما فيه الكفاية لتمييز نوعيتهاء ثم نظر 
مندهشا الى وجهها الجامد. وتذكر انه سبق ان تحدث باقتضاب عن علم الاحاثة» 
عن اهصية قنافذ البحر في بيت السيدة بولتيئ في ذلك الصباح. وهنا شرع يمعن 
النظر ثانية في هذين الشيئين الصغيرين في يديها. 

- ألن تأحذهما؟ 

م تكن ترتدي اي قفازات» فتلامست اصابعهما. عاين القشرتين غير انه لم 
يفكر الا في لمسة تلك الاصابع الباردة. 

- اشكرك شكرا جزيلاء انما في حالة ممتازة. 

- أهما بغيتك؟ 

- نعم حقا. 

هل كانت من الاصداف البحرية ذات يوم؟ 

ترددء تم اشار الى معالم القشرة الافضل: الفم» الثقوب» الاست. وبينما كان 
يواصل حديثه وتستمع له باهتمام بالغ» زال استهجانه. كان مظهر الفتاة غريباء 
غير ان عقلها لم يكن مشوشا ابدا - كما بدا ذلك من خلال سؤالين او ثلاثة 
اسئلة طرحتها عليه. وفي النهاية» وضع القشرتين بعناية قي جيبه. 

- انه لفضل كبير ان تفتشي عنها. 

- م يكن في وسعي عمل ما هو افضل من ذلك. 


(58) البيرنز: سلسلة جبلية تمتد على طول الحدود الفرنسية الاسبانية. (المترجم) 


152 


- كنت على وشك العودة. هل لي .ممساعدتك والعودة الى الممر؟ 

غير انها لم تتحرك من مكاها. 

- كنت ارغب في ان اشكرك يا سيد سميثسون للمساعدة الي اقترحتها. 

- طالما انك رفضتها فانئ اظل شاكرا اكثر. 

ساد صمت قصيرء فتحرك صوها وفتح جدار اللبلاب بعصاه كي تعود 
ادراحها. الا انما ظلت ساكنة» وهي في مواجهة رقعة الارض المنبسطة. 

- ما كان ينبغي لي اللحاق بك. 

كان يتمئ لو في استطاعته مشاهدة وجههاء الا انه لم يفلح. 

- اعتقد بأن من الافضل ان انصرف. 

ى تقل شيئاء فاستدار صوب اللبلاب» الا انه لم يستطع مقاومة نفسه والقاء 
نظرة اخصيرة عليها. كانت تمعن النظر فيه من فوق كتفها كأن الجسد استهجن 
الوجه. وادار ظهره لمثل هذا العار. كانت نظراتها هذه المرة تنطوي على قدر من 
الحدة يفوق تماما الحاذبية» على الرغم من انما ما تزال توحي بشيء من التأنيب 
الشامل القدتم. كانت عيناها معذبتين» تبعثان على ألم مبرح» ثمة حنق عظيم فيهماء 
ضعف منتهك على نحو كريه. لم تتهما تشارلز بالحنق» بل عدم مشاهدته ان ذلك 
قد حدث. لحظة طويلة من النظرات الثابتة» ثم قالت موجهة كلامها نحو الارض 
الي تفصل بينهماء وهي متوردة الخدين. 

- ليس لدي من الحأ اليه. 

- ظننت اني اوضحت بأن السيدة ترانتر... 

- ذات قلب حنون. الا اني لا احتاج إلى الحنان. 

ران الصمت فظل واقفا وهو يفرق اللبلاب. 

- لقد علمت ان القس رحل عاقل تماما. 

- انه هو الذي عرفي على السيدة بولتيئ. 

وقف تشارلز بجوار اللبلاب كأنه يقف الى جانب احد الابواب. تحنب عينيها 
وبحث عن طريق للخروج. 

- لو كان في وسعي الحديث نيابة عنك الى السيدة ترانتر فسأكون بالغ 
السرورء الا انه سيكون غير مناسب لي... 

153 


- ان متم اكثر بظروفي؟ 

- نعم» ذلك ما اردت ان انقله اليك. 

كان رد فعلها يتلخص في اشاحة النظر جانبا. لقد أنبها تأنيبا قاسياء ورويدا 
رويدا ترك حيوط اللبلاب المتدلية تعود الى وضعها الاول. 

- ألم تفكري في اقتراحي بضرورة الرحيل عن هذا المكان. 

- لو ذهبت الى لندن فإنئ اعرف ماذا سيكون مصيري. 

تصلب ف اعماقه. 

- سأصبح في وضع مشابه للعديد من النساء اللواتيي فقدن شرفهن في المدن 
الكبيرة. 

وهنا التفتت اليه التفاتة كاملة» وازداد تغير سحنتها. 

- سأصبح مثلما يسمونئ هنا في بلدة لام. 

كان كلاما عنيفاء لا يليق ابدا. وممس. 

- يا عزيزي الانسة وودراف... 

وهنا احمرت وجنتاه. 

- انا ضعيفة. كيف لم اعرف ذلك. 

ثم اضافت .مرارة: 

- لقد ارتكبت خطيئة. 

هذا الاعتراف الحديدء لشخص غريب» وفي مثل هذه الظروف - قد ابعد عنه 
العنصر الطيب الذي خلقه اهتمامها .محاضرته الصغيرة عن القنافذ البحرية المتحجرة. 
الا انه على الرغم من ذلك تحسس القشرتين في جيبيه. كانت قد استحوذت عليه على 
نحو ما. وشعر تشارلز الذي يريد ان يختبئ من نفسه بأنه قد اشبع غروره على نحو 
غامضء مثلما يفعل رحل الدين الذي تطلب منه المشورة في مشكلة روحية. 

القى نظرة فاحصة الى الطوق المعدني حول عصاه. 

- اهذا هو الخوف الذي يبقيك في لام. 


- الى حد ما. 
- اهناك شخص اخر يعلم بتلك الحقيقة الى اخبرتئ يما في ذلك اليوم 
لدى انصرافك؟ 


154 


- لو كانوا يعلمون لما اغفلوا الفرصة في احباري. 

ران صمت طويل. لحظات مثل التغيرات الى تحدث في العلاقات الانسانية: 
فالشيء الذي كان حي ذلك الوقت حالة موضوعية» حالة رعا يصفها العقل لنفسه 
ممصطلحات نصف ادبية» حالة يكفي جرد تصنيفها ضمن عنوان عام (رحل يعاني 
من مشكلات شرب المشروب المفضلء امرأة تعاني من ماضي تعس» وهلم جرا) 
تصبح حالة ذاتية» تصبح فريدة» تصبح بالتقمص العاطفي حالة يشارك فيها الغير 
بدلا من ملاحظتها على الفور. لقد حدث مثل هذا التحول في ذهن تشارلز في 
حين كان بمعن النظر في الرأس المنحيئ للخاطتة الواقفة قبالته. وكما هو شأننا جميعا 
عندما نمر يمثل تلك اللحظات - من منا لم يعانقه سكير؟ - فقد سعى الى عودة 
سريعة؛ رغم انها دبلوماسية؛ الى الوضع الراهن. 

- اني حزين بشأنكء لكن ينبغي لي ان اقر بأنيْ لا افهم السبب الذي 
يدفعك الى... اذا جاز التعبير.. الى الوثوق بي؟ 

وهنا بدأت تتكلم - كان السؤال متوقعا منه - على نحو سريع» مرددة خطابا 
تقريباء ابتهالا حفظته عن ظهر قلب. 

- لانك سافرت كثيرا. لانك مثقف. لانك انسان نبيل» لانك... لانك... 
لا ادري. اني اعيش بين ناس يقول لي العام امم يتصفون بالحنان والورع» الا اهم 
يبدون لي اكثر قسوة من اع الكفار» اشد غباء من اجى الحيوانات. لا استطيع ان 
اصدق ان الحقيقة هي على هذا النحو. ان الحياة بلا تفاهم او عطف. انه لا توجد 
نفوس تتحلى ما يكفي من الكرم كي تدرك ما قد عانيته وسبب معاناقي... واني 
بصرف النظر عن الخطيئة الى ارتكبتهاء ليس حقا ان اقاسي الى هذا الحد. 

خيم الصمت عليهما. ولم يستطع تشارلز ان يقول شيئاء اذ لم يتوقع مثل هذا 
الشرح الواضح لمشاعرهاء لهذا الدليل» الذي كان يرتاب فيه» غير انه لم يواحهه. 
الدليل الخاص بذكاء يفوق كل ما هو اعتيادي. وابتعدت قليلا عنه ثم استرسلت في 
حديثها بصوت اكثر هدوءا. 

- سعادني الوحيدة هي عندما آوي الى الفراش للنوم... وما ان استيقظ حى 
يبدأ الكابوس. اشعر اني منفية فوق جزيرة صحراوية» سجينة» محكوم عليهاء ولا 
ادري ما هي الجرعة ال اقترفتها. 

155 


نظر تشارلز الى ظهرها نظرة فزع» مثل رجحل يوشك ان يبتلعه اهيار ارضي. 
كأنه يريد ان یهرب» لکن بلا فائدة» ان يتكلم غير انه لا يستطيع. 

وفجأة تسمرت عيناها على عينيه. 

- لماذا ولدت على هذه الصورة؟ لاذا لم أولد مثل الانسة فريمان؟ 

غير ان الاسم ما ان انطلق من بين شفتيها حى ابتعدت قليلاء مدركة انما 
تحرأت اكثر من اللازم. 

- الافضل عدم اثارة مثل هذا السؤال. 

- لم اقصد... 

- الحسد ممكن غفرانه في... 

- ليس الحسدء بل اللا فهم. 

- لست امستلك القدرات - قدرات الناس الاكثر حكمة مي بكثير - 
لاساعدك في هذا الصدد. 

- لا... لن اصدق ذلك. 

سبق لتشارلز ان عرف الكثير من النساء - وعرف ايرنستينا اكثر - وهن 
بخالفته على نحو هازل. غير ان ذلك في سياق مرح. فالمرأة لا تخالف رأي الرحل 
عندما يكون جادا الا اذا كان ذلك وفق نقاط محسوبة بعناية. اما سارة فبدت وهي 
. تتظاهر تقريبا بنوع من الفطنة المساوية له» وفي ظروف كان ينبغي ان تكون اكثر 
مراعاة للاحرين اذا ما ارادت ان تحدق بنهايتها. شعر انه قد اهين... شعر... انه 
لن يقول شيئا. كانت الخلاصة المنطقية لمشاعره تتمثل في ان يرفع قبعته» ويحسم 
الامر على نحو بارد» ويسير مبتعدا بحذائه ذي المسامير الثقيلة. بيد انه وقف قي 
مكانه» كأنه قد ترسّخ في ذلك المكان. لعله كان يمتلك فكرة راسخة اكثر مما 
ينبغي عن الصورة الي تظهر يما جنية البحر والظروف الي تظهر فيها - ضفائر 
طويلة» عري مرمري عفيف» ذنب حورية» يصحبها اوديسيوس صاحب الوجه 
مرضي في افضل النوادي. لم تكن هناك اي معابد دورية”” في الجزء السفلي من 
الجرف. لكن كانت هناك حورية. 


(59) دورية: اقدم وابسط الطراز المعمارية الثلاثة الاغريقية» الدوري» الكورتثيء والايوني. 
(المترجم) 


156 


مصست: 

- لقد اسأت اليك الان. 

- انست تثيرين حيرت يا انسة وودراف. فأنا لا اعرف ما هو الشيء الذي 
تتوقعين مين ولم اعرضه عليك لمساعدتك. لکن ينبغي ان تدركي مؤكدا ان اي 
صداقة حميمة بيننا بغض النظر عن براءة مقاصدهاء مستحيلة تماما في ظل ظروفي 
الراهنة. 

مجان )تفوت A BE a‏ هاخا زه 
صاحبي القدمين الاثنين الحامدين بعيدا من تحته. 

- اكان في وسعي ان ارمي نفسي تحت رحمتك على هذا النحو لو لم اكن 
يائسة؟ 

- لا ارتاب في يأسكء لكن على الاقل اعترق باستحالة طلبك. 

ثم اردف: 

- الذي لا زلت اجهل طبيعته تماما. 

- ارغب في ان اقص عليك ما حدث قبل ثمانية عشر شهرا. 

صمت. نظرت ايه لترى رد فعله. ومرة احری تصلب تشارلز في مكانه. 
سقطت القيود غير المرئية» وانتصر الحانب التقليدي فيه. انتصب في وقفته» مثل 
نصب في مواجهة صدمة مشكوك فيهاء مستنكرا اياها. غير ان شيعا في عينيه ظل 
يبحث عن شيء ما في عينيها... عن تفسير» عن دافع. ظن انها ستتكلم اكثرء 
وكانت على وشك ان تسير عبر اللبلاب دون كلمة اخرى. غير انها فعلت الشيء 
الذي لا يمكن ان يتوقعه ابدا وعلى نحو مفاجحئ تماما كأنها توقعت .ما عزم عليه: 

اصيب تشارلز بالذعر. ودار في خلده الشيء نفسه الذي يدور في خلد من يكون 
منهمكا ف مراقبتهما سرا. تراحع حطوة الى الوراء» كأنه يريد ان يتوارى عن الانظار. 
بدت هادئة على نحو غريب. لم يكن ركوعها ركوع من اصيب مستيريا. كانت 
عيناها فقط اكثر حدة: عينان بلا خمس» تستحمان في ضوء القمر الابدي. 

- انسة وودراف! 

- اتوسل اليك. اني لست جنونة بعد. غير اني سأجن ان لم اتلق العون. 


157 


- تمالكي نفسك. لو شاهدنا احد... 

- انت ملاذي الاخير. انك لست قاسيا. وانا اعرف انك لست قاسيا. 

تفرس فيهاء واحتلس النظر من حوله؛ ثم تقدم الى الامام وساعدها في 
الوققوف على قدميها وسار اء ويده المتصالبة من تحت مرفقهاء تحت خيوط 
اللبلاب. وقفت قبالته ووجهها مدفون في راحيٍ يديها. وجاهد تشارلز من احل 
الا يلمسهاء جاهد بسرعة مروعة تشبه قلب الانسان عندما يهاحم العقل البشري. 

- لااريدان ابدو غير مبال .كتاعبك. لکن ينبغي ان تدركي انئ.. اني لا 
املك الخيار. 

- كل ما اطلبه منك هو ان نلتقي مرة احرى وسوف أجيء الى هذا المكان 
بعد ظهر كل يوم ولن يشاهدنا احد. 

حاول ان يعترض» الا انها لم تتوقف عن الكلام. 

- انت حنون» انت تفهم ما لا يقدر على فهمه اي انسان في بلدة لام. دعي 
امي حديثي. قبل يومين اثنين اوشكت ان اصاب همس من الجنون. وشعرت اني لا 
بد ان اراكء ان اتحدث اليك. اني اعرف محل اقامتك وكان من المقرر ان اذهب 
الى هناك للسؤال عنك لولا.. لولا بقية باقية من سلامة العقل اوقفتئ قرب الباب. 

- لكن هذا لا يغتفر. فانت الان قمددينيٰ بالفضيحة: الا اذا كنت مخطئا. 

هزت رأسها بالنفي. 

- افضل ان اموت على ان تفكر في على ذلك النحو. انه... لا ادري كيف 
اعبر لك عن ذلك» اني ابدو مدفوعة بدافع اليأس للتفكير في هذه الامور الرهيبة. 
اففاتملأن بالرعب من نفسي. لا اعرف الى اين اتحه وماذا افعل» ليس لي احد 
يستطيع... الا يمكنك ان تفهم؟ 

كانت الفكرة الوحيدة الي تراود ذهن تشارلز الان هي الحروب من الورطة 
الي وقع فيهاء من هاتين العينين ا محردتين» الصادقتين على نحو موجع. 

- لا بد لي من الانصراف. هناك من ينتظر في شارع برود. 

-غير انك ستأق مرة اخرى؟ 

- لا استطيع... 


158 


- اني أحيء الى هذا المكان كل يوم اثنين واربعاء وجمعة» عندما لا تكون 

لدي واجبات اخرى. 
- ان ما توحين به هو... لا بد لي من ان اؤ كد ان السيدة ترانتر... 

- لم يكن في وسعي قول الحقيقة امام السيدة ترانتر. 

- عندئذ ليس من المناسب تماما ان يسمع ذلك رجحل غريب؛ ومن جنس غير 

- الغريب... والذي ينتمي الى الجنس الاحر... هو غالبا الحكم الاقل تحيزا. 

- من المؤكد ثماما اني ارغب في وضع تفسير مترفق لسلوكك. الا انه لا بد 
لي من القول مرة احرى اني احد نفسي في حيرة اذ انك.. 

غير انها كانت ما تزال ترنو اليه بنظراهاء وانتهت كلماته بالصمت. ان 
تشارلز» كما لاحظتء بملك اكثر من مجموعة واحدة من المفردات اللغوية: فهو في 
حديثه الى سام في الصباح» والى ايرنستينا في اثناء الغداء البهيج» وهنا في دور 
الاحتشام المذعور... كان ثلاثة رحال مختلفين تقريبا. وسيكون هناك اخرون منه 
قبل ان ننتهي. وفي وسعنا ان نفسر ذلك تفسيرا احيائيا بعبارة التلوين الخفي» 
البقاء على قيد الحياة بتعلم كيفية الامتزاج بالبيئة الي يعيش فيها الشخص - مع 
افتراضات المرء غير المفتّدة بعمره أو طائفته الاجتماعية. او نستطيع ان نفسر هذا 
اروب الى الشكلية تفسيرا سوسيولوجيا. فعندما يتزحلق المرء فوق طبقة رقيقة 
حدا من الجليد - ضغط اقتصادي شامل» استبداد الجنسء طوفان العلم الميكانيكي 
- فإن قدرته على اغماض عينيه عن تصلبه السخيف تصبح جوهرية. وهناك القليل 
جدا من الفكتوريين الذين اختاروا الارتياب في فضائل مثل هذا التلوين الخفي. الا 
ان ما كان يتألق في عي سارة لم يكن كذلك. فعلى الرغم من ان نظراتما كانت 
صريحة, الا انها نظرة حائفة. ومع هذاء فمن ورائها يكمن تعبير حديث جدا: تعال 
حاليا من التلوث يا تشارلز. تعال خخاليا. وقد اربكت تلك النظرة الشخص 
کک E E GO‏ 
زجاحي: منتهى الرقة» حى عندما يقذفن بكتب الشعر. كن يشجعن القناع» 
المسافة الامنة؛ اما هذه الفتاةء فقد حرمت ذلك من وراء المظهر ا وبدوره 
خفض من بصره. 

159 


- لا اطلب منك سوى ساعة واحدة من وقتك. 

وراى سببا ثانيا وراء هدية القشرتين» اذ لم يكن العثور عليها في ساعة واحدة 
بالامر الممكن. 

- اذا كان ذلك ممكنا على الرغم من ترددي الكبير... 

تكهنت بفحوى كلامه وقاطعته بصوت خفيض: 

- ستؤدي لي خدمة كبيرة وعندئذ سانفذ كل نصيحة ترغب في اعطائها لي. 

- لا بد ان يكون مؤكدا اننا لن نواصل المحازفة في... 

مرة ثانية تدخلت في اثناء توقفه القصير عندما اخذ يبحث عن الشكليات 
الصحيحة. 

- افهم ذلكء وافهم ايضا ان لديك ارتباطات اكثر الحاحا. 

توارت اشعة الشمس عن الانظار بعد تألق قصير. وشرع النهار يقترب من 
نمايته الباردة. وبدا له ان الطريق الذي سلكه»ء الذي يتجاوز الحقل على ما يبدوء 
قد غدا شفير هاوية. عرف ذلك وهو يتفرس في رأسها امحئ. انه لا يستطيع ان 
يقول ما هو الشيء الذي اغواه» ما هو الخلل في قراءته الخارطة. غير انه شعر 
بالضياع وانه في شرك. ومع ذلك» فقد التزم الان بارتكاب حماقة احرى. 

قالت: 

- لا استطيع ان احد الكلمات الي اشكرك فيها. سأكون هنا في الايام الي 
ذكرقا لك. 

ثم اضافت كأن مساحة الارض المقطوعة من الشجر هي حجرة استقباها: 

- لا ينبغي لي ان اؤخرك اكثر. 

انحن تشارلز هاء ترددء ثم القى اليها نظرة اخيرة متزنة واستدار. بعد مرور 
ثوان قليلة» كان يقتحم ستارة اللبلاب الاخرى ويتعثر في طريق نزوله. وكان 
منظره يشبه ذكر الايل اكثر نما يشبه منظر سيد انكليزي خبير بالحياة والناس. 

وصل الممر الرئيس في الجزء السفلي من احرف وانطلق يحث خطاه صوب 
بلدة لام. نعقت بومة مبكرة. الا ان عصر ذلك اليوم بدا لتشارلز على انه يخلو من 
الحكمة. كان ينبغي له ان يتخذ موقفا متصلبا اكثر» كان ينبغي له ان ينصرف 
مبكراء كان ينبغي له ان يعيد القشرتين» كان ينبغي له ان يقترح - لاء بل يأمر - 


160 


بحلول احرى ليأسها. شعر انها تفوقه حيلة ودهاءء ومال الى التوقف وانتظارها غير 
ان قدميه اسرعتا في السير اكثر فاكثر. 

لقدادرك انه يوشك ان يتورط في ما هو محظور او ان الحظور يوشك ان 
يتورط فيه. وكلما ابتعد عنها اكثر» زمانا ومكاناء ادرك بوضوح اكبر حماقة 
تصرفه. لقد بدا كأنه اصيب بالعمى عندما كانت تقف قبالته: انه لم يرها كما هي 
عليه امرأة خطرة كما تبدو على اوضح ما يكون تقريباء ولا تبدو كذلك على 
نحو محسوسء بل رأها ضحية احباط عاطفي حاد» وازدراء اجتماعي لا شك فيه. 

على الرغم من ذلك فانه في هذا الوقت لم يفكر ابدا فيما اذا كان ينبغي ان 
يخبر ايرنستينا؛ كان يعلم انه لن يخبرها. وشعر بالخزي» كأنه سار بعيدا عن 
الكوب» وانطلق مبحرا الى الصين دون ان يحذرها. 


161 


19 





كانت الضحية المتجهة الى الصين مضطرة في ذلك المساء حقا الى لعب دور 
المضيف في مفاحأة حططها هو وايرنستينا للخالة ترانتر. فقد كان من المقرر ان 
تأن السيدتان للعشاء عنده في حجرة الجلوس في فندق وايت لاين. وقد اعد طبق 
من سرطان البحر الريان» وسلقت وجبة من السلمون الطازج» وغبت اقبية الحانة) 
ودفع ذلك الطبيب الذي التقيناه لقاء عابرا في منزل السيدة بولتيئ الى اقامة 
التوازن الصحيح بين الجنسين. 

كان من اعظم الشخصيات في بلدة لام» وكان يعد عموما صيدا ممتازا في هر 
الزواج شأنه شأن مك السلمون» الذي وضع امامه في تلك الليلة» في نهر اكس. 
وعمدت ايرنستينا الى مضايقة حالتها مضايقة قاسية به» متهمة تلك المرأة اللطيفة 
اساسا بقسوة لا ترحم على ذلك الرحل المستوحد الذي يبي عليها الامال. لكن 
طالما تحمل هذا الشخص المأساوي تحملا ناححا وحدته البائسة ستين سنة او اكثر 
فإن المرء قد يرتاب في هذا البناء بقدر ما يرتاب في القسوة الي لا ترحم. 

كان الطبيب غروغان في حقيقة الامر عجوزا عازبا منذ زمن بعيد مثلما ان 
الخالة ترانتر عانس. ولا كان ايرلندياء فقد كانت لديه تماما تلك القدرة الايرلندية 
الغريبة على مغازلة الجنس اللطيف والتملق اليه والانتقال من امرأة الى احرى دون 
ان يسمح لقلبه بالتورط في اي منهن. كان صقرا صغيرا ساخحراء حاداء عنيفا الى 
حة ما في بعض المناسبات» الا انه يسهل عليه ان يتصرف تصرفا يخلو من التوتر 
عندما يكون رفاقه ملائمين لذوقه» وهذا اضفى صراحة محببة مجتمع لاتم. فعندما 
يكون في صحبتك» فانك تشعر دوما انه يحوم من حولك» منتظرا الانقضاض على 
اي حماقة - ومع هذاء فانه اذا ما شعر ميل اليك فذلك يكون مصحوبا دوما ايضا 
بفطنة حادة» وانسانية رجل عاش وتعلم على طريقته: ان يدع الاخرين يعيشون» 
واتصف ايضا بشيء غامض قليلا. فقد ولد كاثوليكيا: وهو في ضوء مصطلحات 
عصرنا لا يختلف عن شخص كان شيوعيا في ثلاثينيات القرن العشرين فهو مقبول 
الاذ» الا ان صفعة الشيطان ما تزال عليه. المؤكد انه بات الان مثل دزرائيلي» 


162 


عضوا محترما في كنيسة انكلترا والا ما كانت السيدة بولتيئ لتسمح له ان يكون في 
حضرتها. لا بد انه كذلك لأنه بخلاف دزرائيلي كان يذهب للصلاة محتارا في كل 
يوماحد. فاحتمال ان يكون شخص ما لا مباليا - ان كان هذا هو مكان العبادة 
الرئيس - انما هو خداع يفوق مخيلة اهالي بلدة لاتم. علاوة على ذلك» كان طبيبا 
حيدا جداء يمتلك معرفة دقيقة باهم حوانب الطبء الا وهو مزاج مرضاه. فقد 
كان يشاكس الذين يرغبون سرا في المشاكسة» وبنفس القدر كان يبدو مزعجاء 
مدللا ولا مباليا حسب متطلبات الحال. 

لم يحب احد في بلدة لام الطعام والمشروب المفضل اللذيذين اكثر منه. 
ووجحبة الطعام الي قدمها تشارلز ووايت لاين نالت استحسانه» فأحذ على عاتقه 
ضمنا القيام بدور المضيف من الرحل الاصغر سنا. لقد درس في هايدلبر غ° 
ومارس مهنته في لندن» وعرف العالم وما فيه من اشياء غير معقولة مثلما لا يعرفه 
الا الايرلندي الذكي. وهذا يعن انه حيثما خانته معرفته او ذاکرته» فإن مخيلته 
حاضرة دوما لملء الفراغ. لم يصدق احد ما قصصه جميعاء او لم يرغب في سماعها 
بدرجة اقل. رعا كانت الخالة ترانتر تعرفها مثلما يعرفها كل فرد في بلدة لايم» اذ 
كان الطبيب صديقا ودودا لها منذ زمن طويل. من المؤكد انها كانت تعلم ان كل 
مرة يرويها فيها لا تتطابق الا قليلا مع روايته للها احر مرة. وعلى الرغم من ذلك 
كانت تضحك في معظم الاحيان وبشكل مبالغ فيه في بعض الاحيان حى اني 
حشيت ان افكر ما قد يحدث لو ان عماد المجتمع في اعلى التل سمعها مصادفة. 

كانت امسية من شأن تشارلز ان يستمتع فيها اعتيادياء رما ليس على الاقل 
لأن الطبيب سمح لنفسه ان يكون حرا في استعمال اللغة والحقائق في بعض حكاياته 
وبخاصة عندما انتهى الامر بسمك السلمون الريان الى انقاض مهشمة وباشر 
السادة بتناول المشروب المفضل البرتغالي» وهو امر لا ينم عن مراعاة للاصول في 
مجتمع ايرنستينا الذي تعلمت فيه كيف تتشرف ها. ولاحظ تشارلز ان الذعر انتاما 
مرة او مرتين بخلاف الخالة ترانتر. كما شعر بالحنين الى هذه الثقافة الاكثر انفتاحا 
لشبابيهما ال كان الضيفان الاكبر سنا يشعران بالسعادة عند الرحوع اليها. وف 


(60) هايدلبرغ: مدينة المانية تقع على نهر نيكار» جنوب شرق مدينة مانهايم. (المترجم) 


163 


حين كان يراقب عيئن الطبيب العابثتين ومرح الخالة ترانتر انتابه غثيان طبيعي من 
زمانه: من احتشامه الخانق» عبادته لا الالة وحدها في النقل والتصنيع» بل الالة 
الاشد هولا الي تنصب الان في التقاليد الاجتماعية. 

قد تلوح هذه الموضوعية المثيرة للاعجاب ذات صلة واهية بسلوكه في وقت 
مبكر من ذلك اليوم. ان تشارلز لم يفهم المهام المطلوبة منهء بيد انه لم يكن يجهل 
كل الجهل تناقضه ايضا. وفكر وهو يغير وجهته صوب وجهة احرى انه نظر نظرة 
حادة اكثر ما ينبغي الى الانسة وودراف - في تردده اذ اجاز التعبير - بدلا من 
العمل بلا تردد واصبح شديد التدقيق قي التوافه الخاصة بايرنستيناء فهي لم تعد 
تتألم» بل تفتقر الى حيويتها الاعتيادية على الرغم من صعوبة القول فيما اذا كان 
ذلك بسبب الصداع النصفي او حديث الطبيب الايرلندي المتصل. على اي حال» 
ادرك رويدا رويدا ثانية» كما هو شأنه في اثناء الحفلة الموسيقية» انما تتصف بشيء 
من السطحية - ذكاؤها قائم اساساء عقليا وتدريجياء على لطافتها. الا يكمن وراء 
فطنتها المتزنة شيء من الالية» واحدة من الاليات البارعات في قصص هوفمان*“؟ 

غير انه فكر بعد ذلك: انما طفلة بين ثلاثة بالغين - ثم ضغط على يدها من 
تحت المنضدة» وبدت فاتنة وهي تحمر حجلا. 

احررا رافق السيدان» تشارلز الطويل القامة الشبيه الى حد ما بزو ج الملكةة» 
الراحل والطبيب النحيل» السيدتين الى بيتهما. كانت الساعة العاشرة والنصف» 
وهي الساعة الي تبدأ عندها توا الحياة الاحتماعية في لندن. اما في هذا المكان؛ 
فالبلدة غارقة في نوم عميق. وبعد ان اغلق الباب في وجهيهما الباسمين» وجدا انهما 
وحدھما في شارع برود. 

وضع الطبيب احد اصابع يده فوق انفه. 


(61) ارنست تيودور اماديوس هوفمان (1822-1776): كاتب وناقد ومؤلف موسيقي الماني 
اشتهر بقصصه ذات المضامين الفنتازية والظواهر الطبيعية الخارقة التي اقتبس البعض 
منها للاوبرا والباليه. ويذكر انه غير اسمه من ويلهلم الى اماديوس احتفاء بموزارت. 
(المترجم) 

(62) المقصود الامير البرت (1861-1819) زوج الملكة فكتوريا ووالد الملك ادوارد السابع» وقد 
توفي اثر اصابته بحمى التيفوئيد. (المترجم) 


164 


- اما انت يا سيدي» فوصفتك الطبية هي شراب التودي امحلي الذي ركبته 
بيدي الخبيرتين. 

تظاهر تشارلز بنظرة مؤدبة تنم عن الاحتجاج. 

- افهااوامر الطبيب» كما تعلم. فمما يبعث على السرور هو العبث» كما 
يقول الشاعر*». جميل ان يرشف للمرء في المكان المناسب. 

ابتسم تشارلز. 

- اذا وعدت ان الشراب افضل من اللاتينية عندئذ اكون بالغ السرور. 

هكذا وحد تشارلز نفسه بعد عشر دقائق محتجبا في المكان الذي يسميه 
الطبيب غروغان الكابينة. وهو عبارة عن مكتب ذي واجهة مائلة في الطابق الثاني 
يطل على الخليج الصغير الممتد بين بوابة كوب وسد الكوب نفسه؛ غرفة» على 
حد زعم الايرلندي» تزداد جمالا في الصيف بخاصة عندما تفسح للناظر منها 
مشاهدة حوريات البحر اللواق يأتين لاحتلال المياه. اي حالة الطف يكن ان يجد 
الطبيب نفسه فيها من حالته وهو يطلب لمريضاته من الاناث ما يبعث على سروره 
ايضا؟ منظار غريغوري صغير من النحاس وضع فوق المنضدة في النافذة الماثلة. كان 
لسان غروغان يتسلل على نحو شرير خارج فمه بينما يغمز بعينه. 

- طبيعي انه للاستخدامات الفلكية لا اكثر. 

اشرأب تشارلز بعنقه حارج النافذة» وتنشق المواء الماح وشاهد فوق الشاطئ 
على بعد مسافة الى جهة اليمين الظلال السود المربعة لاكواخ السباحة الي تظهر 
منه حوريات البحر. غير ان الموسيقى الوحيدة القادمة من الاعماق في تلك الليلة 
كانت مهمة المد والجزر على الحصىء والى مسافة ابعد» كانت تتناهى الى السمع 
اصوات النوارس الخشنة خافتة وهي تحط فوق الماء الساكن. وسمع من خلفه قي 
الغرفة المنيرة بضوء المصباح الصدى الذي كان يرافق تحضير غروغان لدوائه. شعر 
انه معلق بين عالمين اثنين» المدنية الرقيقة الدافئة من ورائه» الغموض البارد» المظلم 
في الخارج. كلنا يكتب الشعرء الا ان الشعراءء وحدهم الذين يكتبون بالكلمات. 


(63) الشاعر هو (هوراس 65 - 8 ق. م(“ والعبارة مأخوذة من البيت الشعري «مما يبعث 


على السرور هو العبث في بعض الاحيان» الواردة في ديوانه (قصائد - الكتاب الرابع: 
الجزء 12 ص 8). (المترجم) 


165 


حين كان يراقب عيئٍ الطبيب العابثتين ومرح الخالة ترانتر انتابه غثيان طبيعي من 
زمانه: من احتشامه الخانق» عبادته لا الالة وحدها في النقل والتصنيع»› بل الالة 
الاشد هولا الى تنصب الان في التقاليد الاجتماعية. 

قد تلوح هذه الموضوعية المثيرة للاعجاب ذات صلة واهية بسلوكه في وقت 
مبكر من ذلك اليوم. ان تشارلز لم يفهم المهام المطلوبة منه» بيد انه لم يكن يجهل 
كل الجهل تناقضه ايضا. وفكر وهو يغير وحهته صوب وحهة احرى انه نظر نظرة 
حادة اكثر ما ينبغي الى الانسة وودراف - في تردده» اذ اجاز التعبير - بدلا من 
العمل بلا تردد واصبح شديد التدقيق في التوافه الخاصة بايرنستيناء فهي لم تعد 
تتأم» بل تفتقر الى حيويتها الاعتيادية على الرغم من صعوبة القول فيما اذا كان 
ذلك بسبب الصداع النصفي او حديث الطبيب الايرلندي المتصل. على اي حال» 
ادرك رويدا رويدا ثانية» كما هو شأنه في اثناء الحفلة الموسيقية» انما تتصف بشيء 
من السطحية - ذكاؤها قائم اساساء عقليا وتدريجياء على لطافتها. الا يكمن وراء 
فطنتها المتزنة شيء من الالية» واحدة من الاليات البارعات في قصص هوفمان67؟ 

غير انه فكر بعد ذلك: انها طفلة بين ثلاثة بالغين - ثم ضغط على يدها من 
تحت المنضدة» وبدت فاتنة وهي تحمر خحجلا. 

احرا رافق السيدان» تشارلز الطويل القامة الشبيه الى حدّ ما بزو ج الملكة3» 
الراحل والطبيب النحيل» السيدتين الى بيتهما. كانت الساعة العاشرة والنصف» 
وهي الساعة الي تبدأ عندها توا الحياة الاحتماعية في لندن. اما في هذا المكان» 
فالبلدة غارقة في نوم عميق. وبعد ان اغلق الباب في وجهيهما الباسمين» وجدا انهما 
وحدها في شارع برود. 

وضع الطبيب احد اصابع يده فوق انفه. 


(61) ارنست تيودور اماديوس هوفمان (1822-1776): كاتب وناقد ومؤلف موسيقي الماني 
اشتهر بقصصه ذات المضامين الفنتازية والظواهر الطبيعية الخارقة التي اقتبس البعض 
منذها للازبتر ا والبالمية: ويذكر :انه غير اسه من يله ال فيوس أحضاء يمور اريك. 
(المترجم) 

(62) المقصود الامير البرت (1861-1819) زوج الملكة فكتوريا ووالد الملك ادوارد السابع» وقد 
توفي اثر اصابته بحمى التيفوئيد. (المترجم) 


164 


- اما انت يا سيدي» فوصفتك الطبية هي شراب التودي المحلّي الذي ركبته 
بيدي الخبيرتين. 

تظاهر تشارلز بنظرة مؤدبة تنم عن الاحتجاج. 

- انها اوامر الطبيب» كما تعلم. فمما يبعث على السرور هو العبث» كما 
يقول الشاعر*. جيل ان يرشف المرء في المكان المناسب. 

ابتسم تشارلز. 

- اذا وعدت ان الشراب افضل من اللاتينية عندئذ اكون بالغ السرور. 

هكذا وجد تشارلز نفسه بعد عشر دقائق محتجبا في المكان الذي يسميه 
الطبيب غروغان الكايينة. وهو عبارة عن مكتب ذي واجهة مائلة في الطابق الثاني 
يطل على الخليج الصغير الممتد بين بوابة كوب وسد الكوب نفسه؛ غرفة» على 
حدزعم الايرلندي» تزداد جمالا في الصيف بخاصة عندما تفسح للناظر منها 
مشاهدة حوريات البحر اللوات يأتين لاحتلال المياه. اي حالة الطف يمكن ان يجد 
الطبيب نفسه فيها من حالته وهو يطلب لمريضاته من الاناث ما يبعث على سروره 
ايضا؟ منظار غريغوري صغير من النحاس وضع فوق المنضدة في النافذة الماثئلة. كان 
لسان غروغان يتسلل على نحو شرير حارج فمه بينما يغمز بعينه. 

- طبيعي انه للاستخدامات الفلكية لا اكثر. 

اشرأب تشارلز بعنقه حارج النافذة» وتنشق اهواء الماح وشاهد فوق الشاطئ 
على بعد مسافة الى حهة اليمين الظلال السود المربعة لاكواخ السباحة الي تظهر 
منه حوريات البحر. غير ان الموسيقى الوحيدة القادمة من الاعماق في تلك الليلة 
كانت همهمة المد والحزر على الحصىء والى مسافة ابعد» كانت تتناهى الى السمع 
اصوات النوارس الخشنة خافتة وهي تحط فوق الماء الساكن. وسمع من خلفه في 
الغرفة المنيرة بضوء المصباح الصدى الذي كان يرافق تحضير غروغان لدوائه. شعر 
انه معلق بين عالمين اثنين» المدنية الرقيقة الدافئة من ورائه» الغموض الباردء المظلم 
في الخارج. كلنا يكتب الشعرء الا ان الشعراءء وحدهم الذين يكتبون بالكلمات. 


(63) الشاعر هو (هوراس 65 - 8 ق. م)» والعبارة مأخوذة من البيت الشعري «مما يبعث 
على السرور هو العبث في بعض الاحيان» الواردة في ديوانه (قصائد - الكتاب الرابع؛ 
الجزء 12 ص 28). (المترجم) 


165 5 


كان المشروب لذيذاء وسيكار الشيروت الذي رافقه مفاحأة سارة؛ وهذان 
الرحلان ما زالا يعيشان في عالم يشترك فيه الغرباء الاذكياء ممنظور عام من المعرفةء 
مجموعة متوافقة من المعلومات ومجموعة معروفة من الانظمة ولمعاني المقترنة ها. اي 
طيب يعرف اليوم الادب الكلاسيكي؟ اي هاو يستطيع التحدث الى العلماء حديثا 
مفهوما؟ كان عالم هذين الرحلين عالما يخلو من طغيان التخصص» ولا اريد منك 
- ولا من الطبيب غروغان كما ستلاحظ - الخلط بين التقدم والسعادة. 

لم يقل احدهما شيئا برهة من الزمن» وغرقا ثانية» شاكرين» في عالم الذكر 
الاكثر جدية» الذي اضطرقما السيدتان والمناسبة الى مغادرته. ووجد تشارلز نفسه 
وقد تملكه حب الاستطلاع لمعرفة الافكار السياسية الي يؤمن بما الطبيب. 
وللخوض في صلب الموضوع» سأل عن التمثالين النصفيين الحاثمين ببراءة بين كتب 

ابتسم الطبيب. واقتبس عبارة من فيرجيل تقول ما هعناه اننا نصنع افدارنا 
باختيال ذا . . 

رد تشارلز الابتسامة. 

- ان اميز بنثام*». اليس كذلك؟ 

- صحيح. اما قطعة الرحام الباروسية”» الاخرى فهي تمثل فولتير. 

- لهذا استنتج اننا ننتمي الى نفس الحزب. 

سأله الطبيب: 

- او بملك اي ايرلندي نخيارا اخر؟ 

اشار تشارلز بالنفي يمزة من رأسه. ثم شرح السبب الخاص به لكونه من 
حزب الاحرار. 

- يبدو لي ان السيد غلادستون يقر على الاقل وجود فساد حذري في اسس 
عصرنا الأخلاقي. 

- وحق السماءء؛ انا لست جالسا الى جوار اشتراكي. اليس كذلك؟ 


(64) جيريمي بنثام (1748 - 1831) فيلسوف انكليزي قال ان المتعة هي غاية الحياة الاساسية. 
(المترجم) 
(65) الباروسية: نسبة الى جزيرة باروس اليونانية الشهيرة برخامها. (المترجم) 


166 


ضحك تشارلز. 

- لست اشتراكيا حى الان. 

- لكن لا تدس ان في مستطاعي ان اغفر للانسان في عصر البخار والنفاق 
هذا كل شيء سوى الترمت الديي. 

- اه نعم حقا. 

- كنت في شبابي من انصار بنثام واخرجين فولتير من روماء بينما اخرجي 
الثاني من معسكر طروادة. أمّا هذه الاكذوبة الجديدة - توسيع حق الانتخحاب» فلا 
شأن لي بما. لا مي الولادة مطلقا. ان اي دوق» اي ملك» يمكن ان يكون غبيا 
مثل اي انسان اخر. شكرا لامنا الطبيعة فانا لن ابقى على قيد الحياة بعد مسين 
سنة من الان. وعندما تبدأ الحكومة بالخوف من الغوغاءء فذلك يشبه القول انما 
تخاف من نفسها. 

وهنا التمعت عيناه. 

- امعت ما قاله زميلي رحل الريف لاحد الميثاقيين عند ذهابه الى دبلن 
للدعوة الى عقيدته؟ قال الميئاقي: «ايها الاحوة. اليس كل رجحل طيبا مثل بقية 
الرجال؟» فصاح به بادي: «والله انت على حق ايها الخطيب بل افضل من ذلك 
قليلا». 

ابتسم تشارلزء غير ان الطبيب رفع اصبعا حادة. 

- انت تبتسم يا ميشسون» لكن اصغ السمع - كان بادي على حق. فتلك 
العبارة: «بل افضل قليلا» ستكون حطام هذا البلد. تذكر ما اقوله لك الان. 

- ولكن هل يتحمل هذان التمثالان اللوم؟ من الذي نادى بالسعادة للجميع؟ 

- لست اخالف الحكمة السائرة. بل بالطريقة الي تم بها. لقد دبرنا امورنا 
على احسن وجه بلا الممدن الحديدي» (يقصد به سكة الحديد)» عندما كنت شابا 
يافعا. انك لا تحقق السعادة للكثيرين عندما تجحعلهم ي ركضون قبل ان يتمكنوا من 
المشي . 

همس تشارلز .عوافقته ال تنم عن الادب. لقد سبق له ان لمس تلك النقطة 
الموجعة نفسها في حديثه وعمه» وهو شخص له طبيعة سياسية مختلفة تمام 
الاحتلاف. فالكثيرون من الذين ناضلوا من احل لوائح الاصلاح الاولية في 


167 


ثلاثينات القرن التاسع عشر ناضلوا ضد تلك اللوائح بعد ثلاثة عقود. وشعروا ان 
الروح الانتهازية» الازدواحية» اصابت القرن بالبلاء» وتسببت في ظهور روح الغيرة 
والتمرد الخطرة. لعل الطبيب» وهو المولود في عام 1801 كان جزءا من الانسانية 
الاغسطسسية*؟؛ اعتمد احساسه بالتقدم اعتمادا وثيقا اكثر نما ينبغي على بجتمع 
منظم - النظام هو السماح له بأن يكون تماما مثلما كان دوما عليهء وهو ما جعله 
اقرب الى بيرك الليبرالي الخفي من بنثام الفاشي الخفي. غير ان جيله لم يكن 
مخطكا كله في شكوكه ببريطانيا الجديدة وساستها الذين ظهروا في فترة الازدهار 
الاقتصادي الذي استمر طويلا بعد العام 1850. ووافقهم الكثير من الشبان» 
المغمورين من مثل تشارلز والمشهورين من مثل ماثيو ارنولد*©. ولم يكن 
غلادستون تحت ظل الخطابة النبيلة اعظم اساتذة العبارة الغامضة في التاريخ 
السياسي الحديث» حيث ارفع الاشياء يصعب فك مغاليقهاء واسوأ ال...؟ الا انه 
من الواضح ان الوقت قد حان لتغيير بحرى الحديث. وهنا سأل تشارلز الطبيب ان 
كان يهتم .حوضو ع علم الاحاثة. 

- لا يا سيدي. الافضل لي ان اعترف. انا لم ارغب في افساد ذلك العشاء 
البهيج» غير انني» من المؤكد, من الباحثين المتخصصين في علم الوجود الحديث. 

ابتسم لتشارلز وهو غارق في كرسيه الجنح. 

- عندما نعرف اكثر عن الاحياء؛ يحين الوقت لملاحقة الموتى. 

قبل تشارلز الاهانة» واغتنم الفرصة. 

لقد قدملي منذ ايام نموذج من النبات امحلي علي اميل قليلا الى الاتفاق 
معك. 

توقف بدهاء. 

- حالة في منتهى الغرابة» ثما لا شك فيه انك تعرف عنها اكثر ثما اعرف انا. 


e E a ES A 66‏ 
دام حكمه من (27 ق. م -14 بعد الميلاد). (المترجم) 

(67) ادموند بيرك (1797-1729): سياسي بريطاني عرف بعدائه للثورة الفرنسية. (المترجم) 

(68) ماثيو ارنولد (1888-1822): شاعر وناقد انكليزي لم ينحصر نقده في الادب وحده بل تعداه 
الى اللاهوت والتاريخ والفن والعلوم والسياسة. اشهر كتبه مقالات في النقد والثقافة 
والفوضى. (المترجم) 


168 


ثم اضاف بعجالة عندما ادرك ان اسلوبه غير المباشر قد يوحي بشيء اكبر من 
الاهتمام الوقي. 

- اظن ان اسمها وودراف وهي تعمل عند السيدة بولتيئ. 

القى الطبيب نظرة الى الوعاء ذي المقبض الفضي الذي يحتوي على كأسه. 

- ام نعم. مأصاة المسكينة. 

- أأنا طائش؟ لعلها مريضة. 

- حسنا. اني اداوي السيدة بولتيي» ولن امح بكلمة سوء تقال عنها. 

اعتلس تشارلز نظرة حذرة اليه» ولاحظ على نحو لا يقبل الحدل تألق عي 
الطبيب من وراء نظاراته ذات الاطار المربع. وهنا اطرق الشاب مبتسما ابتسامة 
واهنة. 

مد الطبيب غروغان يده لاذكاء جمرات النار. 

- اننا نعرف عن المتحجرات الموجودة خارجا فوق الشاطئ اكثر نما نعرف 
عمايحدث في عقل تلك الفتاة. هنالك طبيب الماني ذكي قسم مؤخرا مرض 
الاكتكاب الى العديد من الانواع. وقد اطلق على احد هذه الانواع الاكتئاب 
الطبيعي ويقصد به ان المرء يولد مكتعب المزاج. والنوع الثاني يسميه الاكتئاب 
المؤقت ويقصد به ان الاكتئاب يظهر نتيجة حدث ما. وهذا النمط» كما تعلم» 
نعاني منه جميعا في بعض الاحيان. اما الصنف الثالث فيطلق عليه الاكتئاب الغامض 
ويقصد به الرحل المسكين - انه لا يعرف ما هو سببه. 

- لكن في حياتما حدث هام. اليس كذلك؟ 

- اوه» دعك من هذا التهويل. اهي اول امرأة يتخلى عنها حبيبها؟ في وسعي 
ان احبرك بالعديد من امثالحا هنا في بلدة لاتم. 

- في مثل هذا الظرف القاسي؟ 

- في ظرف اشد قساوة عند بعضهن» اما اليوم فتجدهن في منتهى البهجة. 

- اذا انت تضع الانسة وودراف في صنف الاكتئاب الغامض؟ 

التزم الطبيب الصمت ثوان معدودة. 

- لقد استدعيت - كل ما ساقوله امر بالغ السرية كما تفهم - لقد 
استدعيت لعاينتها... قبل عشرة اشهر» استطيع ان افهم الان ما هو السبب على 


169 


الفور - بكاء دون توقف» رفض الكلام» نظرة فاحصة من حول العينين مرض 
الاكتئاب واضح وضوح الحصبة. عرفت قصتها. واعرف اسرة تالبوت» اذ كانت 
تعمل مربية لديهم عندئذ» واعتقد - حسنا ان السبب واضح» لأن ستة اسابيع» بل 
ستة ايام في بيت مارلبورو تكفي لأن تحول العاقل الى مجنون. فيما بيننا يا 
ميثسون, انا رحل وثئ عجوز. واتمئ لو اشاهد ذلك القصر وقد أل الى حطام ما 
في ذلك صاحبه. ولتحل علي اللعنة اذا لم ارقص على أنقاضه. 

- اظني سأنضم اليك. 

- لن نكون وحدنا. 

كرع الطبيب محتويات كأسه من شراب التودي بقوة. 

- ستخرج البلدة عن بكرة ابيهاء لكن لن يكون هذا هنا ولا في اي مكان 
احر. لقد فعلت ما في وسعي من احل الفتاة» غير اني وحدت علاجا واحدا. 

- ابعادها عن المكان. 

اومأ الطبيب اعاءة متحمسة. 

- بعد مضي اسبوعين» كان غروغان عائدا الى بيته عصر يوم ماء فشاهد 
الفتاة تسير صوب الكوب. فطلب منها الدحول, اتحدث اليهاء اني رقيق ازاءها 
كأفاابنة اح الاثيرة. غير ان الامر يشبه القفز فوق سور ارتفاعه عشرة اقدام 
(ثلائة أمتار). ليست مستعدة يا سميشسون. ليست مستعدة. لم يكن الكلام هو 
الشيء الوحيد الذي جربته معهاء اذ لدي صديق في اكستر يعيش وزوحته السعيدة 
واطفاله الاربعة الذين يشبهون الملائكة. وكان في ذلك الوقت يبحث له عن مربية 
وقد احبرتهما بأمره. 

- الا انها لم تتحرك. ٠‏ 

- ولا بوصة واحدة (سنتيمتران ونصف). هكذا هي القضية كما ترى. ان 
السيدة تالبوت حمامة وديعة» وتفضل ان تعود الفتاة اليها في بادئ الامر. غير انها لم 
تذهب» وآثرت الذهاب الى بيت تعلم انه بائس تماماء الى سيدة لم تعرف ابدا 
الفرق بين الخادم والعبد» الى مكان يشبه وسادة من الشوك. وها هي الان ترفض 
الرحيل. لن تصدق هذا يا ميشسون» لكن في وسعك ان تمنح الفتاة عرش انكلترا - 
والف جنيه الا انها ستهز رأسها. 


100 


- غير اني... احد هذا الامر عصيا على الفهم. ان الشيء الذي قلت لي الان 
انها رفضته هو الشيء نفسه الذي فكرنا فيه. فوالدة ايرنستينا... 

- ستضيع وقتها يا عزيزي مع عظيم احترامي للسيدة. 

ابتسم ابتسامة كالحة لتشارلز» ثم توقف لملء كأسيهما من دورق المشروب 
الموضوع فوق الحاجز الحديدي في جانب الموقد. 

- غير ان الدكتور هارتمان الطيب يصف حالات ممائلة الى حد ما. ويقول عن 
احدى هذه الحالات قولا مثيرا الان. انما قضية ارملةء اذا لم تخي الذاكرة» ارملة شابة 
في وبمار توثي زوجها الضابط في سلاح الخيالة في حادث مؤسف في اثناء التدرييات. 
هناك حطوط متوازية كما ترى. لبست المرأة ثوب الحداد» وحزنت حزنا شديدا. 
حسنا جدا. شيء متوقع. لکن حزفا استمر دون توقف يا ميشسون سنة بعد اخرى. 
ولم تسمح باحراء اي تغير في البيت. ملابس الرحل المتوف لا تزال معلقة قي الخزانة: 
وغيلونه فوق كرسيّه المفضل» حي بعض الرسائل الى وصلت اليه بعد وفاته. هناك... 

وهنا اشار الطبيب الى الظلال من وراء تشارلز. 

- هناك فوق الطبق الفضي نفسه. لم يفتحها احد» اصفر لوهًا سنة بعد اخرى. 

توقف هنيهة وابتسم لتشارلز. 

- ان اصدافك المتحجحرة لا تحتوي على اسرار كهذه. لكن هذا ما يقوله 
هارتمان. 

وقف الى حانب تشارلز ووجه كلماته اليه واصبعه يشير اليه: 

- بدا الامر كان المرأة اصبحت مدمنة على الاكتئاب مثلما يصبح امرؤ ما 
مدمنا على الافيون. اتفهم الان كيف هي؟ لقد اصبح حزما سعادتها. وهي تريد ان 
تكون ضحية يُضحى ها يا سميفسون. وحيثما ارتد انا وانت الى الوراء تراها تقفز 
الى امام. إا ممسوسة. 

وهنا جلس مرة اخرى. 

- اها غامضة حقا. في منتهى الغموض. 

خيم الصمت على الرجلين» والقى تشارلز عقب سيكارة الشيروت في النارء 
فتوهجت في لحظة واحدة. واكتشف انه لا بملك الشجاعة للنظر الى الطبيب عندما 
سأله السؤال التالي. 


1/1 


- ألم تخبر احدا بحالتها العقلية؟ 

- من المؤكد ان اقرب صديقاتها هي السيدة تالبوت. غير ان هذه السيدة 
تقول لي ان الفتاة تلتزم الصمت ازاءها ايضا. وانا اكذب على نفسي» بيد اني 
احفقت مؤكدذا. 

- واذا ما.. لنقل انها سوف تحمل نفسها على البوح بمشاعرها الى تخفيها 
لشخص اخر حنوك... 

- عندئذ ستشفى. غير انها لا تريد الشفاء. المسألة بسيطة كأهها ترفض تناول 
الدواء. 

- لكن لنفترض انك في مثل هذه الحالة... 

- كيف ترغم النفس ايها الشاب؟ افي وسعك ان تخبرني؟ 

هز تشارلز كتفيه مشيرا الى عجزه. 

- من المؤكد انك لا تستطيع. وسأخبرك بشيء ما. الافضل البقاء على هذه 
الحالة» لأن التفاهم لا ينشأ عن الانتهاك. 

- اذا هي حالة ميؤوس منها؟ 

- بالمعئن الذي تقصده؟ نعم. اذ ليس في وسع الدواء فعل اي شيء. يحب 
عليك الا تظن انها تشبهنا نحن الرحالء قادرة على التفكير بوضوح» تفحص 
دوافعهاء وتفهم لاذا تتصرف على النحو الذي تتصرف به. يجب على المرء ان 
يراها كأفافي ضباب. وكل ما في وسعنا عمله هو الانتظار والامل في انقشاع 
الضباب. وعندئذ رعا... 

وهنا سكت. غير انه اضاف بلا امل» 

- ريبما 

في تلك اللحظة نفسهاء كانت حجرة نوم سارة يلفها صمت اسود يخيم على 
بيت مارلبورو. كانت تغط في النوم» ملتفتة الى الجهة اليمئ» وشعرها الفاحم 
يغطي وجهها حن يكاد يخفيه. مرة احرى» في وسعك ان تلاحظ مدى سكون 
ملاحها وخلوها من العنصر المأساوي: فهي امرأة شابة» مفعمة بالصحة والعافية في 
السادسة او السابعة والعشرين. تدلى ذراعها من فوق ملاءة السرير» اذ كان الليل 
هادئا والنوافذ مغلقة... اقول تدلى ذراعها واستراح فوق جسد اخر. 


1/2 


ليس رحلا. فتاة في التاسعة عشرة او ما يقرب من ذلك كانت نائمة هي 
الاخرى ومولية ظهرها سارة» بل هو قريب حدا منهاء اذ كان السرير غير خصص 
لشخصين اثنين على الرغم من اتساعه. 

لا بد ان فكرة مامرت في ذهنك: غير انك تنسى اننا في العام 1867. 
لنفترض ان السيدة بولتيي وقفت فجأة قرب الباب وبيدها مصباح وشاهدت هذين 
الجسدين الرقيقين مضطجعين معا عن قرب. لعلك ستتخيل اها ستنتفخ» مثل بطة 
سوداء غاضبة» لتنفجر وتصب لعناها الغاضبة. كما ترىء ان الفتاتين لا ترتديان الا 
قميصين يرئى هما كأهما القي هما من بوابات حجر الصوان. 

حسناء ستكون على خطا تماماء اذ لما كانت السيدة بولتيئ تتناول الافيون 
كل ليلة كما نعلم» فانه غير مرجح ان توضع الحالة موضع الاختبار. لكن اذا 
وقفت في ذلك المكان على اي حالء فمن المؤكد ان تستدير وتتوارى عن 
الانظار - الاكثر من هذاء رعا ستعمد الى غلق الباب ,منتهى الهدوء حي لا 
توقظ النائمتين. 

غير مفهوم؟ ان بعض الرذائل كانت انذاك من الغرابة بحيث لم تكن موحودة 
اصلا. وانا اشك فيما اذا كانت السيدة بولتيئ قد “معت بكلمة سحافية, ولو انها 
قد سمعتهاء فإِنها ستكون مبتدئة بحرف كبير وتشير الى احدى الجزر في اليونان. 
يضاف الى ذلك ان الحقيقة الراسخة عندها رسوخ دوران العالم او حقيقة ان 
اسقف اكستر هو الدكتور فيلبوتس هي ان النساء لا يشعرن بالمتعة الجسدية. من 
المؤكد انما كانت تعلم ان النوع الرخيص من النساء يستمتع على ما يبدو بنمط 
معين من ملاطفة الذكر مثل تلك القبلة الشاذة الي رأتها تطبع ذات مرة على 
وحنيٍ ماريء غير ان مثل هذه الامور كانت تعدها نتاج زهو الانثى وضعف 
الانثى. اما البغايا فكن موجحودات مثلما توجد اكثر اعمال السيدة كوتون الصالحة 
والمعروفة. الا ان تفسير ذلك يتلخص ف امن مخلوقات بلغن درجة كبيرة من 
الحرمان حن تغلبن على نفور المرأة الموروث من الجسد في لذته سعيا وراء المال. 
وقد كان ذلك حقا افتراضها الاول فيما يخص ماري. فكما يبدو واضحا على 
الاغلب» فإن الفتاة كانت عبارة عن بغي في دور التكوين طالما انها قهقهت بعد ان 
الحق بما صبي الاصطبل اذى جسديا. 

173 


لكن ماهي دوافع سارة؟ لقد كانت» شأها شأن سيدا تجهل موضوع 
السحاق» الا انما لم تشارك السيدة بولتيي ذعرها من الجسد. فقد كانت تعلم» او 
تشك على الاقلء ان هناك متعة جسدية في الحب. وعلى الرغم من ذلك فاني 
اعتقد اما بريئة. لقد بدأت نومها هذا وميلي حالا بعد انيار الفتاة المسكينة قبالة 
السيدة بولتيي. واوصى الطبيب غروغان بنقلها من مهجع الخادمات الى غرفة 
مضيئة اكثر. وصادف وجود حجرة طويلة غير مستخدمة للبس محاورة لغرفة نوم 
سارة» فوضعت فيها ميلي. واحذت سارة على عاتقها الكثير من الرعاية الخاصة 
ال كانت تحتاج اليها الفتاة المصابة بفقر الدم. كانت ابنة فلاح» الرابعة بين احد 
عشر طفلا عاشوا مع والديهم في فقر مدقع يصعب وصفه» وكان البيت عبارة عن 
كوخ رطب» ضعيف» بغرفتين» في واحد من تلك الوديان الي تبدأ غربا من منطقة 
ايغاردون الكثيبة. وهناك مهندس معماري شاب من لندن بملك المنطقة ويأق الى 
هناك لقضاء عطلات فاية الاسبوع» وهو يحب المنطقة حبا جما لأنها منطقة ريفية 
رائعة ولعل هذا يطرد الاهوال الفكتورية الى كان تحدث هناك. ارحو ذلك. ان 
تلك الرؤى الخاصة بالعامل الريفي السعيد وتاملاته الى ابدعها حورج مورلاند“ 
وامثاله - كان بي ركيت فوستر من أكبر المحرمين في عام 1867 - تمثل انفلاتا 
عاطفيا سخيفا مؤذياء وهذا السبب كانت عبارة عن طمس للحقيقة يشبه ما تفعله 
افلام هوليوود لحياتنا الحقيقية. ان نظرة واحدة الى ميلي واشقائها وشقيقاهًا 
العشرة البائسين من شأما ان تحرق اسطورة الفلاح السعيد وتحيلها الى رمادء الا ان 
القليلين حدا هم الذين القوا مثل تلك النظرة. فكل عصرء كل عصر مذنب» يشيد 
اسوارا عالية من حول قصره. وانا شخصيا اكره هذه الاسوار اشد الكره عندما 
يشيدها الادب والفن. 

ذات ليلة» معت سارة الفتاة وهي تبكي. فذهبت الى غرفتها وطمأنتها وهو 
امر ليس بالعسير لأن ميلي كانت طفلة في كل شيء باستثناء سنينهاء فهي لا 
تعرف القراءة او الكتابة ولا تستطيع الحكم على غيرها من البشر المحيطين ها الا 
قليلا. اذا ما لاطفتهاء فهمت قصدك - اما اذا رفستهاء فتلك هي الحياة. كانت 


(69) جورج مورلاند (1804-1763): رسام انكليزي اشتهر برسم المناظر الطبيعية والحيوانات؛ 
تعرضت اعماله واسلوبه للتقليد اوائل القرن التاسع عشر. (المترجم) 


174 


ليلة باردة قاسية» ولم تفعل سارة شيئا سوى ان انسلت في الفراش واحتوت الفتاة 
بين ذراعيها وقبلتها وربثت على كتفيها. لقد كانت ميلي في رأيها اشبه بحمل من 
تلك الحملان المريضة الي غالبا ما ربتها على يديها قبل ان تبعد طموحات والدها 
الاحتماعية مثل تلك الاجراءات الفلاحية عن طريقة عيشهم. ويعلم الله ان التشبيه 
ينطبق على ابنة الفلاح. 

من ذلك الوقت فصاعداء كان الحمل يأتِ مرتين او ثلاث مرات في الاسبوع 
ويبدو فريسة الأسى والشقاء. وكانت تنام نوما سيئاء اسوأ من سارة الي كانت 
تأوي الى فراشها للنوم وحيدة أحيانا لتستيقظ فجرا لمرأى الفتاة الى جانبها - 
وكانت ميلي تنسل في مكافها على نحو حنوع» لطيف في ساعة منتصف الليل الي 
لا تحتمل. لقد كانت الفتاة المسكينة تخشى الظلام» ولولا سارة لكانت قد طلبت 
اعادتها الى المهجع في الطابق العلوي. 

كانت هذه العلاقة الرقيقة صامتة. قلما تحاذبتا اطراف الحديث» واذا ما تحدثا 
فإن حديثهما يكون عن اتفه الامور المنزلية. وكانت الاثنتان تعلمان ان وحودهما 
المشترك, الدافئ والصامت في الظلام هو الاكثر اهمية. لا بد من شيء حنسي 
يشوب مشاعرهما؟ رعا. الا اما لم تخرجا عن حدود احتين. مما لا ريب فيه ان 
هزة الجماع السحاقية موجودة في محيط اخر هنا وهناك» بين اكثر فقراء المدن 
وحشية» في اكثر الاوساط الارستقراطية تحررا. الا اننا نستطيع ان نعزو هذه 
المظاهر الفكتورية الشائعة جدا للنساء وهن يستسلمن للنوم معا الى الجهل البائس 
المدمر للرحل المعاصر اكثر مما يعزى الى دوافع اكثر اثارة للريبة. يضاف الى ذلك؛ 
اليس التقارب في مثل ينابيع الوحدة هذه تقاربا انسانيا اكثر ما هو انحراف؟ 

اذاء لنتترك هاتين الفتاتين البريئتين نائمتين» ولنعد الى ذينك الرحلين الاكثر 
عقلانية» الاكثر ثقافة» الرجلين النبيلين السائرين قرب البحر. 

عاد سيدا الابداع ثانية من موضوع الانسة وودراف والاستعارتين المزدوحي 
الحافة في ما يخص الضباب الى موضوع علم الاحاثة الاقل اهاما. 

قال تشارلر: 

- يحب ان تعترف ان اكتشافات ليل تكتسب ما هو اكثر من الاهمية 
الحقيقية. واعتقد ان رجال الدين كانت لديهم معركة هائلة تحت اشرافهم. 


115 


ارحو ان تسمحوالي بالتدحل هنا لأقول ان ليل كان الاب الروحي لعلم 
طبقات الارض الحديث. الا ان العام الطبيعي الفرنسي العظيم نفسه لم يتجرأ على 
دفع اصل العالم الى زمن يزيد عن 75.000 سنة خلت. اما كتاب ليل الموسوم 
(مبادئ علم طبقات الارض) الصادر بين 1833-1830 واقترن اقترانا بارعا 
بالاصلاح في اماكن اخرى - فقد ارحع اصل العالم الى ملايين السنين. وقد نسي 
امه هذا الى حد بعيدء الا انه ظل اما مهماء اذ وهب العصر والعديد من العلماء 
في ميادين اخرى المدة الزمنية ذات المغزى الاعظم. وهبت اكتشافاته مثل ريح 
عاتية» تبعث البرودة الشديدة في اوصال الجحبناءء والقوة والنشاط في نفوس 
الشجعان من خلال دهاليز القرن الميتافيزيقية البالية. لكن يحب ان تتذكر ان العصر 
الذي اكتب عنه لم يسمع فيه الا القليل من الناس عن رائعة ليل والقليل صدقوا 
نظرياته» واقل من ذلك قبلوا كل ما فيها من مضامين. كما ان الرحم الذي عمره 
ستة الاف سنة اشد دفئا من الرحم الذي يمتد الى الفي مليون سنة. 

لهذا السبب كان تشارلز راغبا في معرفة ما اذا كان الطبيب غروغان سيؤكد 
عناياته المفرطة بعلماء اللاهوت او ينبذها. الا ان الطبيب كان غير ودود» اذ ظل 
يتفرس في النار وهمس: 

- وهو كذلك. 

خيم صمت قصيرء قطعه تشارلز مصادفة كأنه يريد استمرار الحديث: 


- انت محق تماما. اعتذر. 

نظر اليه الطبيب القصير القامة شزرا. 

- كان غوس في هذا المكان قبل بضع سنوات بصحبة واحدة من النساء 
المثقفات اللواتي 

يلتقطن الحلازين البحرية. اقرأت كتابه النقطة المركزية. 

- وجدته كتابا في منتهى السخف. 

وهنا ابتسم غروغان بدوره ابتسامة كئيبة بعد ان وضعه في احتبار ايجابي 
وسلبي معا. 


176 


- اخبرته عا يفوق ذلك عند هاية محاضرته هنا. هه! م افعل ذلك حسب. 

مح الطبيب لمنخريه الاي رلنديين ان يشما الهواء. 

- اظن ذلك احد اكياس الريح المتمسكة بالدين الي تفكر مليا قبل ان هب 
على هذا الجانب من سواحل دورسيت ثانية. 

تفرس في تشارلز بحنان اكبر. 

- دارویي؟ 

- تماما. 

عند ذاك امسك غروغان يده وتشبث هاء كأنه كروسو في حين ان تشارلز 
هو الرجل جمعة. ورا مر هما شيء لا يشبه تماما ما مر دون وعي بين الفتاتين 
النائمتين على بعد نصف ميل. كانا يعلمان اهما اشبه بحب حميرة في بحر من عجين 
كسول؛ حب ملح في وعاء كبير من حساء حال من النكهة. 

بدا الشحصن المتمائلان الان حولة جحديدة من الشراب - او لم يرغب 
الصبي في اعماق الرحل دوما الى اللعب في مجمعات سرية؟ اشعلت سيكارتا 
شيروت جديدتان» وتلا ذلك احتفال مطول... في وسع المرء ان يفكر انهما اصبحا 
متواضعين بفعل الحقائق الجديدة الكبيرة الى كانا يناقشافا. الا اني احشى ان 
المزاج لدى كل واحد منهما - ولدى تشارلز بخاصة» عندما سار في النهاية عائدا 
الى البيت في الساعات الاولى من الصباح - كان يتمثل بالاحساس بالتفوق» 
بالسمو العقلي فوق بقية البشر. 

كانت بلدة لايم المظلمة كتلة من البشر الاعتيادي» غارقة في نوم سحيق لا 
ريب فيه» في حين كان تشارلز المنتحب انتخابا طبيعيا (المفعول المطلق ينطوي على 
كلا المعنيين) شخصا متوقد الذكاءء يسير يقظاء حرا مثل احد الالهة» مع النجوم 
الساهرة» فاهما كل شيء. 

كل شيء سوى سارة. 


177 


20 





هل الله والطبيعةء اذاء في حالة صراع, 
كي تسترسل الطبيعة بمثل هذه الاحلام الشريرة؟ 
حريصة على النوع تبدوء 
مهملة لفردية الحياة... 
تينيسون: احياء لذكرى... 1850 


اشار الطبيب الخاص بجون كيندي وهو يجثو على ركبتيه الى تنورتها 
الفاضحة بيد مرتعشة وتساعل باستحياء: «ضماد اخر؟» فقالت هامسة 


همسا متقدا: «لاء دعهم يرون الهول». 
وليم مانشستر: موت الرئيس كيندي 


وقفت وقفة مائلة في الضلال قرب النهاية الثانية لنفق اللبلاب. لم تنظر من 
حولماء فقد شاهدته وهو يصعد نحوها من بين اشجار الدردار. كان النهار مشرقاء 
مشبع بالزرقة» والنسمة دافئة» جنوبية غربية. فخرحت اسراب فراشات الربيع؛ 
الفراش الكبريي» الفراش البرتقالي» الفراش الابيض المعرّق بلون اضر الذي 
وحدناه مؤخرا لا يتفق والارباح الزراعية الكبيرة مما اقتضى تسميمه حب اوشك 
على الانقراض» خرجت كلها ترقص مع تشارلز على امتداد طريقه المار بحقل 
مصنع الالبان وفي خلال الغابة. وف هذه اللحظة حلقت فراشة كبريتية اللون» 
متألقة» في فسحة الارض المضيئة وراء شبح سارة المعتم. 

توقف تشارلز هنيهة قبل ان يتوغل في الظل الاحضر الغامق تحت اللبلاب» 
ونظر من حوله نظرة شريرة كي يتأكد من ان احدا لم يره غير ان اشجار الدردار 
العظيمة امتدت باغصافا الي لا تزال عارية من فوق الغابة المهجورة. 

م تلتفت حي اقترب منهاء وح في تلك اللحظة لم تنظر اليه» بل عبشت» 
عرض ا عن ذلك» في محتويات جيب معطفها وناولته صامتة» مسبلة الحفنين» 
قشرة احرى كأها مقدمة على سبيل التكفير. فأحذها تشارلز غير ان حرجها 


كان معديا. 


178 


- يحب ان تسمحي لي ان ادفع ذه القشور الثمن نفسه الذي يتعين علي 
دفعه في دكان الانسة انينغ. 

واذ ذاك رفعت رأسهاء والتقت عيوهما اخيرا. وشعر انه قد الحق بها اهانة. 
مرة احرى» مر به ذلك الاحساس الذي يتعذر تفسيره» الاحساس انه طعن برمح؛ 
انه قصر عن بلوغ الهدف» انه قد حذها. الا ان هذا الاحساس اعاده هذه المرة الى 
رشده» اي» الى الموقف الذي وطد العزم على اتخاذه. فهذا اللقاء حرى بعد يومين 
من احداث الفصول الاخيرة. فقد اثمرت ملاحظة الطبيب غروغان الصغيرة بشأن 
الاولوية النسبية ال تضفى على الموتى والاحياء. وشاهد تشارلز الان سببا علميا 
وانسانيا ايضا لمغامرته» اذ كان صريحا ما فيه الكفاية كي يقر امام نفسه ان هذه 
المغامرة تنطوي على عنصر المتعة رغم انها غير لائقة. اما الان فقد اكتشف عنصرا 
واضحا من عناصر الواحب. انه كان ينتمي بلا شك الى فئة الاصلح» الا ان 
الانسان الاصلح لا ملك مسؤولية محددة اقل ازاء الاقل صلاحا. 

لقند فكي كانية'ق الكش عم ذار بينه وين الأنسة وودرافت لازستينا؛ 
لكنء واأسفاه» لقد توقع توقعا حيا انما قد تطرح اسئلة انثوية سخيفة» اسئلة لا 
يستطيع الاحابة عنها اجابة صادقة دون التوغل في مياه خطرة. وسرعان ما قرر ان 
ايرنستينا لا تملك الجنس ولا التجربة كي تفهم عنصر حب الغيرة في دوافعه. 
وهكذا امل على نحو مريح ذلك المظهر الاقل حاذبية في واحبه. 

لهذا تفادى نظرة سارة المنطوية على الاهام. 

- انين ثري مصادفة» وانت فقيرة مصادفة. لذا اعتقد ان علينا الا نسرف في 
اتباع قواعد السلوك المهذب الصارمة. 

كانت هذه هي خطته في الواقع: ان يعطف على سارة وان يقيم بينه 
وبينها مسافة» ان يذكرها باحتلاف موقعيهما تذكيرا قليلا وممفارقة تخلو من 
الادعاء. 

- هذا كل ما املك كي اهبه لك. 

- لا يوحد اي سبب يدفعك الى اعطائي اي شيء. 

- لقد اتيت. 

وجد تواضعها مثيرا للقلق مثل كبريائها. 


179 


- لقد اتيت لاني اقنعت نفسي ان بك حاجة الى المساعدة. وعلى الرغم من 
اني ما زلت لا افهم لم يتعين عليك ان تضفي شرفا علي بحثي على الاشتراك في... 

هنا تلعثم» اذ اوشك ان يتفوه بكلمة قضيتك الي كان من شأنها ان تدل على 
انه يلعب دور الطبيب اضافة الى دور السيد المهذب. 

- في مأزقكء فقد اتيت وانا مستعد لأن اصغي للاشياء الي تتمنين مئ... 
اليبس كذلك؟ سماعها. 

رفعت بصرها اليه ثانية» واحس ان ذلك يشبع كبرياءه. ثم اشارت بخوف الى 
ضوء الشمس. 

اعرف مكانا منعزل على مقربة من هنا. افي وسعنا الذهاب الى هناك؟ 

ابدى رغبته فتقدمت نحو المكان المشمس وتحاوزت فسحة الارض الصخرية 
اللي كان تشارلز يفتش فيها عندما صادفته اول مرة. سارت بخفة وثقة بعد ان 
رفعت تنورقها بضع بوصات (سنتیمترات) باحدى يديها بينما امسكت بيدها 
الاخرى اشرطة قبعتها السوداء. لاحظ تشارلز وهو يسير من ورائها مخدر 
الاحاسيس الرتوق في كعبي جوربيها السوداويين» مؤحر حذائها البالي والبريق 
الاحمر في شعرها الداكن. وفكر انه شعر جميل عندما يكون سبطاء غزيرا ووفيرا. 
وعلى الرغم من انه مثبت باحكام داخل ياقة معطفها فقد تساءل فيما اذا كان 
الزهو هو الذي جعلها غالبا ما تحمل القبعة بيدها. 

تقدمت في الطسريق صوب نفق احضر اخحر» وعند فايته وصلا الى منحدر 
احضر حيث امار منذ زمن سحيق وجه الجحرف. وقد ساعدت كتل الاعشاب 
النامية على توفير موضع قدم» وسارت برفق وعلى نحو ملتو صوب القمة. وشاهد 
رهسو كيه فق سر مو راما لبر الانفل 15 الاه الا من در راه اجن 
الذي كان يصل فوق كاحليها ممسافة قليلة. 

انتظضرت سارة في مكانها كي يلحق ها تشارلز. فسار من ورائها ثم على 
امتداد قمة اللحرف. فظهرت الارض وهي تنحدر انحدارا شديدا الى جرف اخحر 
مسافة مئة ياردو (91 مترا) من فوقهما. لقد كانت هذه هي السلا( العظيمة 
الغائرة الى بمكن مشاهدها من منطقة الكوب على بعد ميلين. وقد اوصلهما هذا 
الحاحز الى كتف اشد انحداراء وبدا لتشارلز انه ذو زاوية حطرة؛ زلة قدم وعندئذ 


180 


ما هي الا بضع خطوات قليلة حى يحد المرء نفسه قد انزلق عاجزا فوق حافة 
احرف من تحته. لو كان وحده لتردد. غير ان سارة مرت فوق ذلك الكتف 
واحتازته كأنها لا تدرك الخطر. وفي الجهة البعيدة من الكتف بدت الارض مستوية 
بضع ياردات (أمتار)» وهناك كان يكمن مكافا المنعزل. 

كان المككان وهدة صغيرة في مواجهة الجنوب» تحيط ها اجمات كثيفة من 
العليق والنباتات الاخرىء نوع من الارض المنبسطة الخضراء الدقيقة. وكانت بعض 
الاشواك المتوقفة عن النمو قد نمت صوب الحزء الخلفي من الساحة» اذا كان في 
وسع المرء ان يستعمل ذلك المصطلح المكاني الذي لا تتجاوز مساحته خمسة عشر 
قدما (4.5 متر) وحيث قام شخخص ما - واضح انه ليس سارة - ذات يوم برفع 
كتلة ضخمة ذات قمة مسطحة من الصوان ازاء جذع الشجرة» فاصبحت بذلك 
عرشا ريفيا يطل على مشهد رائع من قمم الاشجار الى الاسفل والبحر من ورائها. 
نظر تشارلز من حوله متقطع الانفاس قليلا وهو ببدلته ذات النسيج الصوف الناعم 
وقد تصبب من القليل من العرق. كانت حافات الوهدة مغطاة بزهور الربيع 
والببفسج والنجوم البيض للفراولة البرية. كان منظرها ساحراء محمية من كل 
الجهات» وهي ترفرف في السماء تغمرها شس ما بعد الظهيرة. 

- يجب علي ان اهنئك. انت نابغة في ايجاد الاوكار. 

- في ايجاد العزلة. 

منحته المقعد الحجري القائم تحت شجرة الشوك الصغيرة. 

- اني وائق ان هذا هو مقعدك. 

الا انها استدارت» وجلست على نحو متعجل ورشيق على احد جنبيها فوق 
رابية تبعد مسافة بضعة اقدام (أمتار) قبالة الشجرة» وهكذا اصبحت في مواجهة 
البحر؛ وهكذا ايضا اصبح وجهها مخفيا نصفه عن انظار تشارلز الذي اكتشف 
ذلك عندما احتل المقعد الافضل» كان عليه بدافع من غنجها البارع ان يلاحظ 
شعرها. حلست منتصبة» غير ان رأسها ظل محنيا وافمكت قي تعديل قبعتها على 
نحو غير محتمل. راقبها تشارلز وهو يفكر في ابتسامة ما في ذهنه ان لم تكن على 
شفتيه. واستطاع ان يدرك انها كانت في حالة من الضياع» لا تعرف كيف تبدأ. 
الا ان الموقف كان على الرغم من ذلك في الحواء الطلق اكثر نما ينبغي» مفعما 


151 


بالشباب على نحو غير رسمي» كأفهما صبي واخته بسبب الشكلانية الخجول اليّ 
كانت تظهرها. 

وضعت القبعة جانباء وارحت معطفهاء وحلست مطوية الذراعين. غير انما ما 
زالت ملتزمة الصمت. ثمة شيء يوحي بالرحولة في ياقة معطفها العالية وطريقة 
تفصيله وبخاصة من جهة الظهر - يمنحها مسحة حوذي فتاة» امرأة محندة - مسحة 
لا اكثر وهي مسحة يناقضها الشعر بسهولة. ادرك تشارلز بشيء من الدهشة 
كيف ان الملابس المهلهلة لم تحط من قدرهاء بل كانت تناسبها على نحو ماء اكثر 
من الملابس الاكثر جمالا. لقد شهدت السنوات الخمس الاحيرة تحررا كبيرا في 
ازياء النساءء على الاقل في لندن. فأول الاشياء الاصطناعية المساعدة في تضخيم 
شكل الصدر بدأت تسود على نحو شائع. وكانت الرموش والحفون تلون» والشفاه 
تدهن» والشعر يصبغ, عند اكثر النساء المتأنقات» لا عند النساء المشبوهات 
حسب. اما سارة» فلم يكن عندها شيء من هذا كله. بدت غير مهتمة بالازياءء 
وظلت على قيد الحياة على الرغم من كل ذلك مثلما نحت زهور الربيع البسيطة 
قرب قدمي تشارلز من كل من ينافسها من نباتات الظل الدخيلة. 

وهكذا حلس تشارلز ساكناء مهيبا الى حدٌ ماء بوجود هذه المتضرعة القريبة 
قرب قدميه» لا بميل الى مساعدقا اكثر نما ينبغي بيد انما ظلت ملتزمة الصمت. رعا 
سبب ذلك تواضع مشوب بالخوف. غير انه احذ يدرك ادراكا واضحا ان التحدي 
الذي فرضته عليه هو ان ينتزع السر من اعماقهاء وفي فاية المطاف استسلم. 

- اني امقت الفسوق يا انسة وودراف. كما امقت على نحو اشد الاخلاق 
ان حلت من الرحمة. وان اقطع عهدا لك بألا اكون حكما مغاليا في قسوته. 

حركت رأسها قليلاء الا انما ظلت مترددة. ثم انطلقت في اعترافها على نحو 
مفاجئ يشبه احد السابحين المترددين وهو يحوم من حول الحافة. 

- كان اسمه فارغون» وقد أحضر الى دار القبطان تالبوت بعد تحطم سفينته. 
وغرق الجميع باستثناء شخصين اثنين. لكنك تعرف ذلك؟ 

- الظرف لا اكثر. كما اني لا اعرف شيئا عنه. 

- كان اول شيء اثار اعجابي فيه هو شجاعته. ولم اعرف في ذلك الوقت 
ان الرجال يبمكن ان يكونوا في منتهى الشجاعة وفي منتهى الزيف معا. 


182 


أمعنت النظر في البحر كأنه هو الذي يصغي ها لا تشارلز الجالس من 

- كان جرحه مروعاء وجسده ممزقا من الحوض الى ركبته. ولو حصلت 
الغنغرينا لفقد ساقه. لقد تعذب عذابا شديدا في الايام الاولى» الا انه لم يبك ابدا. 
| تمد عة آي افق وعدا وضع الطب الضماد على جره كان يت 
بيدي بقوة هائلة حي اوشكت على الاغماء ذات يوم. 

- ألم يتكلم الانكليزية؟ 

- كلمات قليلة. لم تكن معرفة السيدة تالبوت بالفرنسية افضل من معرفته 
هو بالانكليزية. وقد استدعي القبطان تالبوت لمهمة ما خارجا بعد وصوله اولا. 
واحبرنا انه من مدينة بوردو وكان والده محاميا ثرياء تزوج مرة اخرى» واحتال 
على اطفال زوحته الاولى فيما يخص الميراث» فخرج فارغون الى البحر يعمل في 
تحجارة المشروب المفضلء وعندما تحطمت سفينته كان برتبة ملازم اول» على حد 
قوله. الاان كل ماقاله كان كذبا في كذب. فانا لا اعرف من هو حقا. كان 
يبدو سيدا نبيلاء هذا كل ما هناك. 

تكلمت مثل شخص ل يألف التعبير البارع» اذ كانت تتوقف وقفات صغيرة 
غريبة اثر كل جملة سريعة» مترددة» لا تعرف هل تسمح لنفسها الاسترسال في 
الحديث او تترك له حرية مقاطعتهاء وهذا امر لم يعرفه تشارلز. 

#مس : 

- افهم ذلك. 

- أحيانا اعتقد ان لا علاقة له بتحطم السفينة. كان شيطانا في صورة 
بحار. 

القت نظرة الى يديها. 

- كان رحلا وسيما حدا. لم يسبق لي ان قابلت شخصا اولاني اهتماما 
كاهتمامه؛ اني اتحدث عنه في فترة شفائه. لم يملك وقتا لقراءة الكتب» فكان اسوأ 
من طفل صغير. لا بد انه تحدث مع الناس من حوله وكان هؤلاء يصغون له. 
احصبرني باشياء سخيفة عن نفسي. مثلا انه لا يفهم لاذا انا غير متزوجة. اشياء 
كهذه. وقد صدقته. 


183 


- باحتصار» هل شرع في مغازلتك؟ 

- يحب ان تفهم اننا تحدثنا دوما بالفرنسية. لعل ما كان يدور بيننا من 
حديث لم يبد حقيقيا تماما لي لهذا السبب. لم يسبق لي الذهاب الى فرنساء ومعرفيّ 
بلغة التخاطب ليست جيدة. في الكثير من الاحيان لم افهم كل الفهم ما كان 
يقوله. ليس الذنب ذنبه كله. لعلي معت ما لم يكن يقصده هو. كان يسخر مي» 
الا ان ذلك لم يكن لينطوي على اي اهانة. 

ترددت لحظة. 

- انين... استمتعت بذلك. كان يصفين بالقسوة عندما لا ادعه يقبل يدي. 
وقد حاء اليوم الذي اعتقدت فيه اني قاسية حقا. 

- نعم. 

حلق غراب قريبا من فوق رأسيهما. وكان ريشه الاسود يلمع متألقا منسحبا 
بتردد وسط النسمة قبل ان يتوارى عن الانظار قي ذعر مفاجئ. 

- افهم ذلك. 

لم يقصد بعبارته هذه شيئا سوى تشجيعها على مواصلة الكلام الا انها 
حملت عبارته حمل الحد. 

- لا استطيع ذلك يا سيد ”ميثسون» لانك لست امرأة» لانك لست امرأة 
ولدت كي تكون زوجة فلاح غير انما درست كي تكون شيئا احر... افضل. لقد 
عرض علي الزواج مرات كثيرة. عندما كنت في بلدة دورتشستر كان هناك احد 
رعاة الماشية الاثرياء... لكن هذا ليس بالموضوع. انت لم تولد امرأة تملك الاحترام 
الطبيعي وحب الذكاء والجمال والمعرفة.. لا اعرف كيف اعبر عن ذلك» ليس 
عندي الحق في الرغبة في هذه الاشياءء غير ان قلبي يتوق لما ولا يمكن ان اصدق 
ان كل ذلك زهو... 

صمتت برهة. 

- كما انك لست مربية يا سيد ميشسون» لست امرأة شابة بلا اطفال يدفع 
مها المال لرعاية الاطفال. وانت لا تعلم انه كلما ازدادت رقتهم صعب احتمال 
العذاب. يجب الا تظن اني اتحدث حديثا ينم عن الحسد. لقد احببت بول وفرجينيا 
الصغيرين» ولا اشعر ازاء السيدة تالبوت الا بالعرفان والحب» اني مستعدة للموت 


184 


من اجلهااو من احل طفليها. لكن ان تعيش كل يوم وسط مشاهد السعادة 
البيتية» اقرب مشاهد على الزواج السعيد» البيت» الاطفال الحبوبين... 

- السيدة تالبوت في مثل سين تماما. 

توقفت ثانية. 

- بدا يلوح لي كأنه سمح لي العيش في الفردوس» ولكني حرمت من 
الاستمتاع ها. 

- او ليس الحرمان الذي تصفينه نشترك فيه جميعا بطرق مختلفة؟ 

هزت رأسها بالنفي وبحماس يبعث على الدهشة, فادرك انه مس عواطف 
دفينة في اعماقها. 

- لم اقصد سوى الايمان ان الامتياز الاجتماعي لا يحقق السعادة 
بالضرورة. 

- ليس ثمة شبه بين حالة تكون فيها السعادة في الاقل ممكنة وحالة تكون... 

مرة اخرى هزت راسها. 

- الا انك لا تستطيعين الزعم مؤكدا ان كل المربيات غير سعيدات» او يبقين 
دون زواج. 

صمت قليلاء ثم قال: 

- لقد قاطعت قصتك. فاغفري لي. 

- وهل ستصدق اني لا اتحدث حديثا نابعا من الحسد؟ 

التفتت بعد ذلك وظهرت عيناها الحادتان في حين أوما هو. ثم استأنفت 
كلامها بعد ان قطفت بعض النباتات الصغيرة من الحافة النمحاورة هاء والزهور 
الزرقاء الشبيهة بأعضاء تناسلية دقيقة لاطفال صغار. 

- تماثل فارغون للشفاء. وقد حدث هذا في خلال اسبوع واحد من الوقت 
المحدد لرحيله. وعندئذ كان قد اعلن ارتباطه بي. 

- اطلب منك الزواج؟ 

وجدت صعوبة في الاجابة. 


185 


- كان هناك حديث يدور عن الزواج. واخيرني انه سيرقى الى رتبة قبطان 
سفينة... عندما يقفل راحعا الى فرنساء وانه ينتظر استعادة الميراث الذي اضاعه هو 
واخوه. 

ترددت» ثم افصحت قائلة. 

- لقد تمبى ان اذهب معه الى فرنسا. 

أكانت السيدة تالبوت مدركة هذا الامر؟ 

- انها امرأة بالغة الحنان» في منتهى البراءة. لو كان القبطان تالبوت موجودا هناك... 
الا انه لم يكن موجودا. كنت احجل من اخبارها في اول الامرء وحائفة في النهاية. 
ثم اضافت: 

- ححائفة من النصيحة الي كنت اعلم انها ستقدمها لي. 

ف هذه اللحظةء بدأت تزع عن النبات اوراقه. 

- بدا فارغون يلح. وجعلئ اصدق ان كل سعادته تعتمد على مرافقي له 
عند رحيله - والاكثر من هذاء ان سعادت تعتمد على ذلك ايضا. لقد استطاع ان 
يعرف الشيء الكثير عين» كيف توفي ابي في مستشفى الامراض العقلية» كيف 
ان بلا موارد مالية) بلا اقرباء. كيف ان ظللت اشعر سنوات طويلة» وعلى نحو 
غامض» ان محكوم علي بالعزلة دون ان اعرف سببا الى ذلك. 

وضعت النبتة الى جانيهاء واطبقت اصابعها فوق حضنها. 

- لقد تشبعت حيات بالوحدة يا سيد سميشسون كأنما قدّر علي الا اعقد اي 
صداقة مع ند الا اسكن في بيت هو بيي؛ الا ارى العالم باستثناء انه مبدأ عام وانا 
الاستثناء. قبل اربعة اعوام» اشهر افلاس والدي» وبيعت كل ممتلكاتنا. ومنذ ذلك 
الوقت وانا اعاني من الوهم بأن كل شيء - الكراسي» المناضدء المرايا - يتآمر كي 
يزيد من وطأة عزلي. كانت تلك الاشياء تقول لي: لن يتسئ لك امتلاكناء لن 
نكون ملكك» بل ملك شخص اخر دوما. اعلم ان هذا هو الحنون بعينه» اعلم ان 
الفقر والعزلة في المدن الصناعية موحودان» مقارنة مما اعيشه في جو من الراحة 
والرفاهية. الا انين عندما اقرأ عن اعمال الانتقام الوحشية الي قام با اعضاء 
النقابات العمالية فإن جزءا م يفهم» بل يغار منهم في الغالب لأنهم كانوا يعرفون 
اين وكيف يوجهون انتقامهم» اما انا فعاجزة. 


186 


وبدأ شيء ما ينتاب صوقاء قوة مشاعر انكرت عليها جزئيا جملتها الاخحيرة» 
واضافت كُدوء اكبر: 

- احشى ان لا اعبر عن نفسي تعبيرا واضحا. 

- لست واثقا ان في مستطاعي ان اتغاضى عن مشاعرك, الا اني افهمها تمام 
الفهم. 

- سافر فارغون ليلحق بسفينة ويعماوث» وظنت السيدة تالبوت انه حتما 
سيلحق بها حال وصوله هناك. غير انه اخبرني انه سينتظرني حى انضم اليه. لم 
اقطع له اي وعد. بل على العكس من ذلك اقسمت له ان... غير اني كنت 
غارقة في البكاء. واخيرا قال انه سينتظرن اسبوعا واحدا. احبرته اني لن الحق به 
ابدا. لكن ما ان مر يوم وتلاه يوم ثان» ولم يعد موجودا كي اتحدث معه» اجتاحي 
مرة احرى ذلك الاحساس بالعزلة الذي تحدثت عنه توا. شعرت اني سأغرق فيه 
بل اسوأ من ذلك بكثير» لقد ت ركت سارية تبتعد بعيدا عب في حين كان يمكن ان 
تنقذيي. لقد قهرن اليأس» يأس ازدادت الامه بالام احری كان ينبغي لي ان 
احفيها. وعند حلول اليوم الخامس» لم اعد استطيع تحمل ما هو اكثر من ذلك. 

- غير انين اعتقد ان هذا لم يطرق ”مع السيدة تالبوت. الم يثر ذلك 
شكوكك؟ قلما يكون هذا السلوك من صفات رحل ذي اغراض شريفة. 

- اعلم يا سيد سميثسون ان حماقي» جهلي بأحلاقه الحقيقية» لا بد ان تبدو 
مسن هو غريب عن طبيعي وظروفي في ذلك الوقت عظيمة بحيث لا تكون إلا 
جرية. انالا استطيع اخفاء ذلك. رعا كنت اعرف ذلك دوما. من المؤكد ان 
حللا عميقا في روحي كان يريد من نفسي الاعظم ان تبقى جاهلة. وعند ذاك 
بدأنا بالخداع. ان مثل هذا الطريق يصعب ارتقاؤه ثانية بعد ان يتورط فيه المرء. 

رما كان ذلك تحذيرا لتشارلزء الا انه كان مستغرقا في التفكير في قصتها حي 

- ذهبت الى ويماوث؟ 

- حدعت السيدة تالبوت بقصة صديقة من ايام المدرسة مرضت مرضا 
شديدا وصدقت اني ساذهب الى شيربورن. وتتطلب كلتا هاتين الرحلتين المرور 
بدورتشستر. وما ان وصلت هناك حي سافرت الى ويماوث. 


187 


وهنا صمتت سارة» واحنت رأسها كأنا لم تعد تستطيع مواصلة حديثها. 

- انت في غيئ عن التفاصيل يا انسة وودراف. ففي ميسوري ان احمن... 

هرت رأسها بالنفي. 

- وصلت الى الحادثة الي لا بد من سردهاء غير اني لا اعرف كيف ارويها. 

اطرق تشارلز بدوره. في تلك الائناءء كان هناك طائر غير مرئي في احدى 
اشجار الدردار العملاقة يغرد بصوت جميل تحت هدوء السماء الزرقاء. وفي هاية 
المطاف استأنفت حكايتها. 

- عشرت على نزل قرب اليناء. ثم قصدت الحانة الي ذكر انه سيقيم في 
احدى غرفهاء فلم اعثر عليه. غير ان رسالة كانت في انتظاري وفيها يخبرني عن 
عنوان حانة احرى. فذهبت الى هناك. لم يكن المكان... جديرا بالاحترام. 
واحبرون عن مكان غرفته وتوقعوا ان اذهب اليه بيد اني الححت في طلبه» فما 
كان منه الا ان حضر. وبدا فرحا كثيرا لرؤي. وهو ما ينبغي ان يكون عليه اي 
عاشق. واعتذر عن تواضع المكان وقال انه ارحص من المكان الاول وان البحارة 
والتجار الفرنسيين غالبا ما يلجأون اليه. كنت مذعورة وكان هو في منتهى 
اللطف. م اكن قد تناولت اي طعام في ذلك اليوم ووجدت ان لديه طعاما جاهزا. 

ترددت ثم اضافت: 

- كانت غرفة الاستراحة شديدة الضوضاء لهذا قصدنا حجرة الجلوس. 
عرفت انه قد تغير لكنين لا استطيع ان اخبرك بكيفية ذلك. وعلى الرغم من انه 
كان محاملا الى ابعد حد» يفيض بالابتسام والملاطفة» فإنئي ادركت اني لو لم 
احضر اليه لما انتابته الدهشة او الحزن الطويل. وعرفت بعد ذلك اني كنت له محرد 
تسلية في اثناء فترة نقاهته. وسقط القناع امام عيئي. وعرفت انه غير تخلص... 
كذاب. وادركت ان الزواج به من شأنه ان يكون زواجا .مغامر تافه. ادركت كل 
هذه الامور في الدقائق الخمس الاول من ذلك اللقاء. ظ 

وهنا توقفت عن الكلام كأها سمعت مرارة التأنيب الذاقي وهي تزحف الى 
صوقا ثانية. غير انما اردفت بصوت خفيض. 

- رعا تتساءل كيف ان لم ادرك ذلك من قبل. اعتقد ان اد ركت ذلك. 
غير ان ادراك الشيء لا يشبه الاقرار بوجوده. اعتقد انه كان يشبه الى حدّ ما 


188 


السحلية الي تغير من الوانها حسب مقتضيات بيئتها. فقد كان يبدو سيدا مهذبا 
تماما في بيت السيد المهذب. اما في تلك الحانةء فقد شاهدته على حقيقته» وعرفت 
ان لونه هناك طبيعي اكثر من بقية الالوان. 

تفرست في البحر لحظة وخيل لتشارلز ان حمرة اشد غمرت وحنتيهاء الا اها 
ادارت رأسها بعيدا. 

- في مثل هذه الظروف» اعلم ان... ان سيدة محترمة كان من شأما ان 
تنصرف على الفور. لقد نقبت في اعماق نفسي الف مرة منذ ذلك اللقاء. وكل ما 
عثرت عليه هو ان اي تفسير لسلوكي لا يكفي. في اول الامر» احسست كأنئ قد 
تحمدت من الذعر عندما اد ركت غلطي - وعلى الرغم من فظاعة تلك الغلطة... 
إني حاولت ان اعثر على الفضيلة فيه القدرة على احترامه» الشرف. ثم انتابئي 
نوع من الغضب الحامح لأنه حدعي. وقلت لنفسي لو ان ل اتعذب كثيرا بسبب 
الوحدة الي يصعب احتماها في الماضي لما اصبحت جاهلة الى ذلك الحد. لهذا 
السسبب القيت اللوم على الظروف يسيب حالق. .لم يسبق لي ان مررت ثل هذه 
الحالة. لم يسبق لي ان دحلت مثل تلك الحانة» حيث اللياقة بدت مجهولة وعبادة 
الخطيئة امرا اعتياديا مثل عبادة الفضيلة في مكان اكثر نبلا. لا استطيع ان اشرح 
لك. كان عقلي مشوشا. اعتقدت اني مدينة لنفسي كي اظهر سيدة قدري. لقد 
هربت الى ذلك الانسان. لا بد ان يبدو التواضع المبالغ فيه غير معقول... زهوا. 

- مكثت واياه. تناولت العشاء الذي قدمه لي وشربت المشروب المفضل 
الذي الح على في شربه. لم اشعر بالنشوة. اعتقد انه حعلي ارى بوضوح اكبر... 
اهذا ممكن؟ 

التفتت على نحو لا يمكن ادراكه طمعا في الاحابة؛ كان من الحائز ان يكون 
قد اخحتفى وانها تريد ان تتاكد - رغم انها لم تستطع ان تنظر - انه ل يتوارٌ عن 
الانظار في المواء الرقيق. 

- بلا ريب. 

- بدالي ان ذلك ينحين القوة والشجاعة» علاوة على الفهم. انها ليست 
وسيلة الشيطان. وجاء الوقت الذي لم يعد يستطيع فيه فارغون اخفاء طبيعة اهدافه 


189 


الحقيقية نحوي» كما لم استطع انا ايضا التظاهر بالدهشة. كانت براءق مزيفة منذ 
اللحظفة الي احخترت فيها البقاء واياه. اني لا ابغي الدفاع عن نفسي يا سيد 
سميثسون. اعرف نمام المعرفة انه كان في مستطاعي الرحيل حى بعد ان اغلق الباب 
وراء الخادمة ال رفعت بقايا طعام العشاء. في وسعي ان اتظاهر امامك انه غلبئ؛ 
حدرن... حسبما تشاء. الا ان الامر ليس كذلك. كان رجلا لا يعرف الترددء 
رجحل النزوات» رجل الانانية المفرطة. غير انه ما كان ليقدم على انتهاك حرمة 
امرأة دون رغبة منها. 

وهنا التفتت التفاتة كاملة لتنظر الى تشارلز في الحظة غير متوقعة ابدا. كانت 
محمرة الوحه» الا ان ذلك الاحمرار بدا له نتيجة شيء من الحماس» الغضب» 
التحدي اكثر مما هو نتيجة الحرج؛ كأما تقف عارية قبالته» الا انها مزهوة على 


الرغم من ذلك. 
- استسلمث له. 
واذ ذاك لم يستطع احتمال عينيها واطرق وهو يومئ اكاءة صغيرة. 
- ادرك ذلك. 


- وهكذا تحدن امرأة ملوثة السمعة مرتين: بالظروف والاختيار. 

خيم الصمت عليهما مرة اخرى ثم نظرت الى البحر. مس: 

- لم اطلب منك ان تقصي علي هذه الامور. 

- ان الشيء الذي اطلب منك ان تفهمه يا سيد سميشسون ليس هو اني 
ارتكبت هذا العمل الشائن» بل لم ارتكبته؟ لماذا ضحيت بأغلى ما تملكه المرأة 
مقابل امتنان زائل من رحل لم احبه؟ 

رفعت يديها صوب نخحديها. 

- لقد فعلت ذلك كي لا اظل على ما انا عليه ابدا. فعلت ذلك كي يشير 
الناس الي» كي يقولوا ها هي امرأة الضابط الفرنسي - اوهء نعم. دع هذه الكلمة 
تقال على الافواه» كي يعلموا اني قد تعذبت» واتعذب مثلما يتعذب الاخرون في 
كل مدينة وقرية وعلى وجه الارض. لم يكن في وسعي ان اتزوج ذلك الرجل. 
لذلك تزوحت العار. لا اقصد اني كنت اعلم ما فعلت» لقد ت ركت فارغون بعلي 
ارادته علي عن عمد. ولاح لي الامر انذاك وكأني ارمي بنفسي من فوق جرف 

190 


عال او اني اغمد سكينا في فؤادي. انه نوع من الانتحار. عمل من اعمال اليأس 
يا سيد سميئسون. اعرف انه عمل شرير... كافرء الا اني لم اكن اعرف وسيلة 
احرى تخرحي من حالي. لو اني حرحت من الحجرة وعدت الى بيت السيدة 
تالبوت واستانفت حياتيٍ السابقة لأصبحت ميتة الان حقا... وبيدي انا. ان الشيء 
الذي ابقاني على قيد الحياة هو عاري» معرفى اني حقا لست مثل اي امرأة اخرى. 
فأنا لن يكون لي اطفال او زوج او سعادة بريئة كالي تمتلكها الاحريات. كما لن 

توقفت هنيهة كأنها اد ركت ما قالته هي نفسها بوضوح اول مرة. 

- أحيانا ارثي هن. اعتقد اني املك حرية لا يفهمنها. لا تستطيع اي اهانة» 
اي تأنيب ان يؤذيئ» لاني وضعت نفسي خارج نطاق الحظيرة. انا لا شي لم 
اعد انسانا. انا امرأة الضابط الفرنسي. 

ادرك تشارلز ادراكا ناقصا تماما ما كانت تحاول قوله في حطبتها الطويلة 
الاخيرة. لقد شعر بعطف اكبر مما اظهره حقا ازاء سلوكها حي لحظة قرارها 
الغريب في ويماوث. في وسعه ان يتصور العذاب البطيء الذي مرت به في حياتًا 
وهي مربية والسهولة الي سقطت فيها في برائن وغد مقبول ظاهريا مثل فارغون. 
الا انه وجد هذا الحديث عن الحرية حارج النطاق المقبول والزواج من العار غير 
مفهوم. الا انه على الرغم من ذلك فهمه على نحو ما لأن سارة شرعت بالبكاء 
عندما اقتربت من فهاية تبرئتها. احفت بكاءها او حاولت اخفاءه. اي اها لم تضع 
وجهها بين راحي كفيها و لم تخرج منديلا ما» بل حلست واشاحت وجهها جانبا. 
ولم يتضح سبب صمتها الحقيقي لتشارلز اول الامر. 

الا انه بدافع غريزي هض واقفا على قدميه وسار خطوتين وهو صامت فوق. 
الارض المكسوة بالاعشاب حي يستطيع رؤية وجهها من الجانب. لاحظ ان 
وجنتيها مبللتان» وشعر انه متاثر تاثرا لا يحتمل» مضطرب» تحدق به من جميع 
الجوانب متاهة من تيارات متلاطمة وانه قد انحرف على نحو ميؤوس منه بعيدا عن 
مرفأ العاطفة الامين» الحكيم والحصيف. وشاهد المشهد الذي لم تفصله في حديثها: 
استسلامها. كان في الوقت ذاته فارغون الذي يستمتع اء والرحل الذي قفز الى 
امام وطرحه ارضاء تماما مثلما كانت سارة بالنسبة إليه ضحية بريئة وامرأة 


191 


وحشية. مهجورة. في اعماق نفسه الدفينة غفر لما افتقارها إلى العفة ولاحظ 
الظلال القاتمة حيث كان من شأنه ان يستمتع ها. 

ان هذا التحول المفاجئ في النغمة الجنسية مستحيل اليوم. فما ان يكون الرجحل 
والمرأة هذه الايام في اي اتصال عابر حي تحدهما يفكران في العلاقة اللحسدية. ونعتبر 
مثل هذه الصراحة حول الدوافع الحقيقية للسلوك الانساني ظاهرة صحية» غير ان 
العقول الخاصة في زمن تشارلز لم تعترف بالرغبات الي يحرمها العقل العام. وعندما 
تقفز هذه النمور الكامنة على الوعي يكون غير مستعد لها على نحو مثير للسخرية. 

ثم هناك تلك الخاصية المصرية الغريبة بين الفكتوريين: حب الاماكن المغلقة 
حبا شديداء اذ نحده ممثلا تمثيلا واضحا في ثيابهم الموميائية الملفوفة» طراز بنائهم 
المتمير بضيق النوافذ وضيق الممرات» خحوفهم من الكشف والعري. اخحف الحقيقة» 
اقلق الباب من وراء الطبيعة:.لقد كانت حر كة الف القوري في عهد تشارار هي 
حركة ما قبل الرافائيلية2 مؤكدا. كان افرادها يبذلون على الاقل محاولة لادخال 
الطبيعة والجنسء الا ان علينا ان نقارن لا اكثر بين الجذور الرعوية لواحد من مثل 
ميليه”” او فورد مادوكس براون”” بتلك الجذور الموحودة عند واحد من مثل 
كونستابل77 او بالمر©7 كي نرى كيف ان المذكورين اولا كانا مثاليين» يمتلكان 


(72) ما قبل الرافائيلية: حركة فنية تأسست في انكلترا عام 1848 على يد مجموعة فنانين بهدف 
بعث المبادئ والممارسات الفنية التي عدت مميزة للفن الايطالي مثل رافائيل (رافئيلوسانتي 
3- 1520) وكانت اعمال هذه المجموعة ذات موضوعات حسية وتفاصيل معقدة يكثر 
فيها استعمال الالوان البراقة. (المترجم) 

(73) سير جون ايفريت ميليه (1896-1829): رسام انكليزي وعضو مؤسس في جماعة الاخوة 
ما قبل الرافاتيلية. ازدهر عطاؤه الفني في خمسينيات القرن التاسع عشر وانجز اعظم 
لوحاته الفتاة العمياء في 1856. (المترجم) 

(74) فورد مادوكس براون (1893-1821): رسام انكليزي تنحو اعماله منحى الرسامين ما قبل 
الرافائيليين. (المترجم) 

(75) جون كونستابل (1776- 1837): رسام انكليزي يعد هو والرسام تيرنر اشهر الرسامين 
الانكليز الذين برعوا في تجسيد المناظر الطبيعية والريفية في القرن التاسع عشر. تخطيطاته 
الزيتية افضل اعماله. (المترجم) 

(76) صموئيل بالمر (1881-1805): رسام انكليزي شجعه الرسام والشاعر وليم بليك على ان 
ينحو منحى رؤيويا صوفيا في الرسم كما شجعه والده على الرسم ايضا. اهتم اهتماما كبيرا 
برسم اللوحات ذات الموضوعات الدينية والرؤيوية. (المترجم) 


192 


وعيا بالديكور في مقترهما من الواقع الخارحي. وهكذاء فإن صراحة اعتراف سارة - 
الصريح بخصيصته وتحت نور الشمس - بدا كأنه يعطي صورة عن عام مثالي اكثر 
ماهو عرض واقع حاد. لم يكن غريبا لأنه اكثر واقعية» بل لأنه اقل واقعية؛ عا 
اسطوري يكون فيه الجمال العاري الحرد اكثر اهمية من الحقيقة العارية. 

تفرس تشارلز فيها لحظات قصيرة حلسة» ثم استدار وعاد الى مقعده» وقلبه 
يدق كأنه عاد توا من حافة الحاوية. برزت في البحر البعيدء فوق الافق الجنوبي 
كتل من سحب نائية. امتدت الابراج والمتاريس البيض والصفر والجليدية مثل قمم 
عظيمة في سلسلة جبلية تمتد على مرمى البصر. الا انها بعيدة - بعيدة بعد دير 
تيليم””» بعد ارض بلا خاطئات» انشودة رعوية تصيب المرء بالحذر في وسع 
تشارلز وسارة وايرنستينا ان يتيهوا فيها... 

لا اقصد ان افكار تشارلر كانت افكارا محددة» غير ان السحب البعيدة 
ذكرته باستيائه؛ كم تمر لو استطاع الابحار ثانية في البحر التيراني*7 او ركوب 
جواد» والشذى المسفوع بالحرارة في منخريه» صوب اسوار ابلا او الاقتراب من 
احد المعابد الاغريقية تحت اشعة الشمس الوهاجة في بحر ايجة. الا انه شاهد نفسه 
انذاك شبحاء ظلا قاتماء شقيقته الراحلة» تتحرك امامه» بخفة وغواية» فوق السلالم 
المشيدة من حجر مربع منحوت» وتتجه صوب لغز الاعمدة المحطمة. 


(77) تيليم: دير تخيله الكاتب الفرنسي (فرانسوا رابليه 1553-1483) الذي جمع بين الطب 
والادب والتربية. (المترجم) 

(78) البحر التيراني: من متفرعات البحر الابيض المتوسطء تحده جزيرتا كورسيكا وسردينيا 
غربا وشبه الجزيرة الايطالية وصقلية في الشرق والجنوب الشرقي يتصل في الشمال بالبحر 
الليغوري. اهم جزره البا. (المترجم) 

(79) ابلا: عاصمة مقاطعة ابلا (قشتالة القديمة) الاسبانية تشتهر بسورها وكاتدرائيتها القوطية 
التي بدا البناء فيها حوالي العام 1091 كما تشتهر الان بصناعة المشروبات الغازية وطحن 
الحبوب والدباغة ومنتجات اللحوم. (المترجم) 


193 


21 





سامحيني! سامحيني! 
اه یا مرغريت. بسرور 

ستمتد هاتان الذراعان لتمسكا ذراعيك: - 
لکن انظري» بلا طائل. 


في الفراغ الممتد صوبك 
ذراعاي الملتويتان في جبيرة 
لكن بحرا يجري بيننا - 
ماضينا المختلف. 
ماثيو ارنولد: فراق (1853) 


دقيقة صمت. ثم اظهرت بحركة صغيرة من رأسها انها استعادت وعيهاء 
والتفتت قليلا. 

- افي وسعي ان امي قصيَ؟ هناك موضوع قصير اود ان اضيفه. 

- ارجو الا ترعجي نفسك. 

احنت رأسها ووعدته ثم استانفت حديثها. 

- رحل في اليوم التالي. كانت هناك سفينة. وكانت لديه مبررات. 
صعوبات تمر ما اسرته. وبقاؤه طويلا بعيدا عن الوطن. قال لي انه سيعود على 
الفور. كنت اعرف انه كاذب, الا ان لم اقل شيئا. رما تعتقد انه كان يتعين 
علي الرحوع الى السيدة تالبوت والتظاهر اني كنت حقا في شيربورن. غير اني 
م استطع احفاء مشاعري يا سيد سميئسون. كنت في صدمة من اليأس وكان 
يكفي المرء ان يلقي نظرة واحدة الى وحهي فيعرف ان حدثا يغير بحرى الحياة 
قد وقع في اثناء غيابي. ول اتمكن من الكذب على السيدة تالبوت لاني لم 
ارغب في الكذب. 

- اذا احبرتها ما ذكرته الان لي؟ 


نظرت الى يديها. 
194 


- لا. احبرهًا اني التقيت فارغون» وانه سيعود ذات يوم كي يتزوجئ. 
تكلمت واياها على ذلك النحو... لا بدافع الكبرياء. وكانت السيدة تالبوت امرأة 
حنون استطاعت ان تفهم الحقيقة - اقصد ان تغفر لي - الا اني لم استطع اخبارها 
ان سعادهّا هي الي دفعتئ الى حدّ ما. 

- م عرفت انه متزو ج؟ 

- بعد شهر واحد. اوضح لي انه زوج لا يعرف السعادة. وعلى الرغم من 
ذلك كان يتحدث عن الحب» عن ترتيبات... م تكن صدمة. ل اشعر بأي 
عذاب. بل اجبته دون ان اغضب. قلت له اني م اعد املك اي عاطفة ازاءه» 
وانئ تمنيت الا اراه ثانية. 

- واحفيت ذلك كله عن الجميع باستثناء نفسي؟ 

انتظرت وقتا طويلا قبل ان ترد: 

- نعم. للسبب الذي ذكرته لك. 

- ان تعاقبي نفسك؟ 

- ان اکون ما يجب ان اكون. منبوذة. 

تذكر تشارلز رد فعل الطبيب غروغان الطبيعي لقلقه ازاءها. 

- لكن يا عزيزت الانسة وودراف» لو ان كل امرأة خدعها شخص عدم 
الضمير من بن حنسي تصرفت مثلما تصرفت انت - فانئ احشى ان تمتلئ البلاد 
بالمنبوذات. 

- انها مليئة. 

- ذعك من هذا التهويل. غير معقول. 

- ان المنبوذات يخشين ان يبدو عليهن ذلك. 

القى نظرة فاحصة الى ظهرهاء وتذكر شيئا اخر سبق للطبيب غروغان ان 
تفوه به - عن مريضات رفضن تناول الدواء. الا انه عزم على بذل محاولة واحدة 
اخرى. مال الى الامام شابكا يديه. 

- استطيع ان افهم فهما حيدا حدا كيف ان بعض الظروف البائسة تبدو 
لشخص مثقف وذكي. لكن الا تكفي هاتان الخاصيتان لمساعدة المرء 

195 


وهنا نمضت واقفة فجأة» وسارت صوب حافة الجرف. اسرع تشارلز نحوها 
ووقف الى جنبها وهو على اتم الاستعداد للامساك بذراعها - اذ رأى ان كلماته 
' الشخصية غير المؤثرة كان لها تأثير معاكس لذلك تماما. امعنت النظر في البحرء 
وأوحى له شيء ما في تركيبة وجهها انها شعرت بانها ارتكبت غلطة» انه تافه» انه 
متحدث في مؤتمر. كان ثمة شيء ذكري يشوب مظهرها. وشعر تشارلز انه امرأة 
عجوز ولم يعجبه ذلك الشعور. 

- سامحيين. رما اطرح اسئلة كثيرة» غير ان قصدي سليم. 

اطرقت» معترفة باعتذار ضمينء الا اها استأنفت نظراتقا العميقة صوب 
البحر. لقد اصبح الاثنان مكشوفين الان» ويستطيع اي شخص قرب الأشجار في 
الأسفل رؤيتهما. 

کا ارو ان ودی اقليلة الى اورا كالمكان غير امن هاا 

التفتت ونظرت اليه. مرة احرى كان هناك نوع من التغلغل في اعماق دوافعه 
الحقيقية الي كانت مكشوفة على نحو مربك. اننا نستطيع أحيانا ان نميز النظرات 
الى ترتسم على وجه معاصر وعمرها قرن من الزمن. غير ان ايا من مثل هذه 
النففرات ليس في وسعها ان تتحقق. مرت لحظة واحدة» ثم سارت من امامه» 
وعادت الى الشوك. اما هو فقد وقف في منتصف الساحة الصغيرة. 

- ان ما ذكرته لي يؤكد مشاعري السابقة. لا بد لك من الرحيل عن بلدة لاتم. 

- لو رحلت عن هذا المكان لتركت عاري» واذ ذاك اجدنى ضائعة. 

مدت يدهاء ومست غصن زعرور بري. لم يكن متأكدا ما كانت تفعله» غير 
افها بدت وهي تضغط عمدا سبابتها فوق الشوك. وبعد ثانية واحدة كانت تحدق 
الى قطرة دم قرمزية. نظرت اليها برهة» ثم اخرجت منديلا من حيبها ومسحت 
بقعة الدم حفية. 

ظل تشارلز صامتا فترة قصيرة ثم باغتها: 

- لماذا رفضت مساعدة الطبيب غروغان في الصيف الماضي؟ 

ومضت عيناها وهي تنظر نظرة اتمام» الا انه كان مستعدا لرد الفعل ذاك. 

- نعم لقد سألته عن رأيه. ليس في مستطاعتك ان تنكري ان لدي الحق 
في ذلك. 


196 


اشاحت وجهها ثانية. 

- نعم. لديك الحق. 

- اذا ينبغي لك ان تردي على سؤالي. 

لاق ل اشأ الذهاب اليه طلبا للمساعدة. لا اقصد ان لدي شيئا ضده. فانا 
اعرف انه كان يرغب في المساعدة. 

- وهل لم تكن نصيحته مثل نصيحيٍ؟ 

- نعم. 

- اذاء لا بد لي من ان اذكرك» مع شديد احترامي لك» بوعدك. 

۾ ترد عليه. وكان في ذلك الجواب. تقدم تشارلز بضع حطوات الى حيث 
كانت تقف محدقة الى اغصان الشوك. 

- انسة وودراف؟ 

- انك تعرف الحقيقة الان - الا زلت تقدم تلك النصيحة؟ 

- بلا شك. 

- وعندئذ تغفر لي خطيئي؟ 

باغتت تشارلز بسؤالها هذا. 

- انت تضعين قيمة كبيرة لغفراني. الشيء الاهم هو ان تغفري انت 
خطيئتك. ولن تستطيعي ابدا ان تفعلي ذلك هنا. 

-انت لم ترد على سؤالي يا سيد سميئسون. 

- حاشا لله ان اصدر قرارا في موضوع لا يستطيع ان يقرره الا خخالقنا. الا 
اني مقتنع» كلنا مقتنعون» انك كفرت با فيه الكفاية عن حطيعتك. لقد غفر لك. 

- امن الممكن نسيان ما حدث؟ 

حيرته الحقيقة المطلقة المتسمة بالسخرية في صومًا لحظة وجيزة. ثم ابتسم. 

- اذا كنت تقصدين بهذا الكلام ان اصدقاءك الموحودين هنا لا ينوون 
مساعدتك مساعدة عملية... 

- لم اقصد ذلك. فانا اعرف ان قصدهم ينبع من صميم قلوهم. غير اني 
اشبه شجرة الشوك هذه يا سيد سميثسون. لا احد يؤنبها لأا تنمو في هذا المكان 
الموحش. غير ان السير في شارع برود هو الذي يلحق الاهانة باختمع. 


197 


زفر زفرة صغيرة تدل على الاحتجاج. 

- لا يمكنك القول يا عزيزت الانسة وودراف ان مهمتك هي الحاق الاهانة 
باجتمع. 

ثم اردف. 

- اذا كان هذا هو الشيء الذي استنتجته. 

التفتت نصف التفاتة. 

- لكن اليس ذلك المحتمع هو الذي يرغب في ترحيلي الى عزلة احرى؟ 

- ان الشيء الذي ترتابين في صحته الان هو عدالة الوجود... 

- اهذا محرم؟ 

- ليس محرماء بل غير مثمر. 

هزت رأسها بالنفي. 

- بل هو مثمرء على الرغم من ان ثماره مرة. 

تفوهت بحملتها الاخيرة بلا تناقض» ,.ممنتهى الحزن» كأنها تخاطب نفسها. كان 
تشارلز مقهوراء كان الذي هزمه هو انحسار موجة اعترافهاء الاحساس بالخراب. 
وتصور ان صراحة نظرها مصحوبة بصراحة التفكير واللغة - وهو امر صدمه في 
بعض الاحيان من قبل طالما ان التسليم بالمساواة العقلية (وبالتالي الاستياء المشبوه 
ضد الرحل) ليس مساواة بقدر ما هو قرب» قرب يشبه العري» حميمية الفكرة 
والشعور الي لم تستطع تصورها حن الان في اطار العلاقة بالمراة. 

لم يعتقد ان هذه المسألة ذاتية» بل موضوعية: اذ لو استطاع اي رحل متحرر 
بملك من الفطنة ما يساعده على رؤيتها فانه سيجد امامه امرأة رائعة. استثنائية. 
وليس الشعور هو حسد الرحل او غيرته» بل هو الشعور بالضياع الانساني. وفجأة 
مد يده ولس كتفها علامة الطمأنينة. وعثل تلك السرعة استدار» وساد الصمت. 

فقالت كأنما ادركت مدى احباطه. 

- اذا تعتقد بأن علي الرحيل؟ 

شعر على الفور انه متحررء فالتفت صوبا بتوق. 

- ارحو ان تفعلي ذلك. احواء حديدة» وجوه جديدة... ولا تقلقي بشأن 
الاعتبارات العملية. اننا ننتظر قرارك لا اكثر لنتدخل لصالحك. 


198 


- افي وسعي ان افكر في الامر يوما او يومين؟ 

اوا كنت ثري :ذلك کر وريا 

انتهز فرصة وتشبث بال حالة السوية الى جعلتها حالة مميزة. 

- واقترح ان نضع المسألة تحت رعاية السيدة ترائتر. ولو سمحت فسوف 
اتيقن ان محفظتها جاهزة لتلبية كل احتياحاتك. 

أحنت رأسهاء وبدت على وشك ان تبكي ثانية. وهمست: 

- انا لا استحق مثل هذه العطف. انا... 

- لا تقولىي ماهو اكثر. فانا لا اعتقد ان هناك وسيلة افضل تصرف جا 
النقود. 

انتاب تشارلز شعور رقيق بالانتصار. لقد حدث كل شيء حسبما توقع 
غروغان. لقد قدم الاعتراف العلاج؛ او على الاقل صورة واضحة منه واستدار 
كي يلتقط عصاه القريبة من كتلة الصوان. 

- اينبغي لي الحضور الى السيدة ترانتر؟ 

- عظيم. المؤكد ليست هناك اي ضرورة للحديث عن لقاءاتنا. 

- لن اقول شيئا. 

شاهد المشهد الان؛ دهشته المهذبة كانت تخلو من الاهتمام المبالغ فيه» 
مشفوعة باصراره النزيه على ان تكون اي مساعدة مالية مرغوب فيها تحت 
مسؤوليته. في مستطاع ايرنستينا ان تشاكسه بخصوص ذلك - الا ان الامر سيريح 
ضميره. وابتسم لسارة. 

- لقد وحدت من يشاطرك سرك. واعتقد انك ستجدين نفسك محررة من 
العبء بشي الطرق الاخرى. انك تملكين مزايا طبيعية مهمة جداء وليس لديك ما 
يخعلك تفشين شيعا من الحياة. سيأن اليوم الذي تبدو فيه هذه السنين الاخيرة 
الحزينة لا اكثر من تلك السحابة الي تخيم على شيزل بانك. ستقفين تحت اشعة 
الشمس وتبتسمين لاحزانك الماضية. 

شعر انه اكتشف وجود نوع من الوميض وراء الشك في عينيها. وظلت برهة 
وحيزة اشبه بطفلة» مترددة وراغبة في ان واحد في ان تتخلص من دموعها وان 
تستمع الى هذه الموعظة. واتسعت ابتسامته وهو يضيف بخفة: 


199 


- والان» اليس الافضل لنا ان هبط؟ 

لاحت وكأنها ترغب في قول شيء ماء ان تؤكد عرفاها مرة ثانية بلا ريب. 
الا ان حالته الي كانت تنم عن الانتظار المشوب بالنشاط جعلتها تسير من امامه 
بعد ان القت نظرة اخيرة مترددة الى عينيه. 

سارت من امامه على نحو رشيق وهي قبط مثلما سارت من قبل بخفة وهي 
في طريق الصعود. شعر تشارلز بالندم وهو ينظر الى ظهرها... ان عدم رؤيتها 
هكذا ثانية يبعث على الندم والارتياح. شابة رائعة. لن ينساها ابدا. وبدا له ان ما 
يبعث السلوى في نفسه انه لن يترك له امر نسيانها. فالخالة ترائتر ستكون جاسوسته 
في المستقبل. 

وصلا الى قاعدة الجرف الاسفل وتوغلا في نفق اللبلاب الاول» فوق الارض 
المنبسطة» ومن صوب الممر الاحضر الثاني... وبعد ذلك! 

تناهى الى سمعها صوت ضحكة صادرة من مكان بعيد الى اسفل» من الممر 
اللرئيس في الجزء السفلي من الحرف. كان تأثير تلك الضحكة غريبا - كان روح 
الغابة منهمكة في مراقبة لقائهما السري ولم يعد في وسعها الان كتم مشاعرها 
وفرحتها - فالضحكة كانت ضحكة انثى بلا حدال - من ثقتهما السخيفة بأن 
احدا لا يشاهدهما. 

توقف تشارلز وسارة من تلقاء نفسيهما. وسرعان ما انقلب ارتياح تشارلز 
المتزايد الى ذعر اصابه بصدمة» بيد ان ستار اللبلاب كان شديد الكثافة. وكانت 
الضحكة صادرة من مكان يبعد عنهما مسافة تقدر ما بين مائتين الى ثلاثمئة ياردة 
(180 إلى 270 مترا). لم يكن في وسع احد رؤيتهماء الا اذا هبطا السفح. لحظة 
واحدة» ثم رفعهت اصبعها سريعا صوب شفتيهاء واشارت اليه الا يتحرك, ثم 
سارت خلسة صوب فاية النفق. راقبها تشارلز وهي تشرئب الى الامام وتمعن 
النفظر حذرة في الاسفل صوب الممر. وسرعان ما ادارت وجهها بعجالة صوبه. 
اومات له؛ عليه ان يذهب اليهاء لكن في منتهى الحدوء. وفي نفس اللحظة انطلقت 
تلك الضحكة ثانية. كانت ضحكة اقل دويا هذه المرة؛ بيد انما كانت اشد قربا. 
ان من كان يسير في الممر بدا الان يرتقي الطريق الصاعد بين اشجار الدردار 
ويتجه صوكما. 


200 


وطأ تشارلز الارض بحذر صوب سارة بعد ان تأكد تماما من الموضع الذي 
ينبغي له ان يضع فيه حذاءه الفاضح. شعر ان الدم احذ يشيع في وجهه. وانه في 
حرج بالغ. وللحظة فكر ان اي تفسير لا قيمة له. وبغض النظر عن الطريقة الي 
يشاهد فيها بصحبة سارة فلا بد ان تكون بالجرم المشهود. 

وصل الى حيث كانت واقفة» والى حيث كانت كثافة اللبلاب على اشدها 
لحسن الحظ. كانت سارة قد اعرضت بوجهها عن المتطفلين» وانتصبت وظهرها 
مستند الى حذع شجرة» مطرقة الى الارض كأما ارتكبت خطيئة صامتة في بحيئهما الى 
هذا المكان. القى تشارلز نظرة من خلال الاغصان صوب المنحدر الذي تغطيه اشجار 
الدردار فتجمد الدم في عروقه. كان سام وماري يصعدان الطريق المؤدي اليهما كأهما 
ينشدان الوكر ذاته» وكان سام يطوق بذراعه كتف الفتاة وحمل قبعته بينما حملت 
هي قلنسوتا وكانت ترتدي الثوب الاحضر الذي اعطتها اياه ايرنستينا - في الحقيقة 
لقد رأى تشارلز هذا الثوب ذات مرة» عندما كانت ايرنستينا ترتديه - بينما كان 
رأسها يستند الى حد سام. هما بلا شك عاشقان شابان مثلما هي الدردار اشجار 
معمرة» ومثلما هي حضراء يانعة نباتات نيسان/أبريل الى كانا يدوسان عليها. 

انسحب تشارلز الى الوراء قليلاء الا انه تركهما تحت انظاره. وفيما هو 
منهمك في المراقبة» قرب سام وجه الفتاة منه وقبلهاء فألقت ذراعيها من حوله 
وتعانقا. ثم وقف الاثنان متباعدين» متشابكي الايدي» خحجلين. قاد سام الفتاة الى 
حيث توجد كومة من الاعشاب بين الاشجار. حلست ماري واستلقت في ذلك 
المكان» فمال سام جنبها وهو يلقي نظرة عليهاء ثم لمس شعرها وابعده عن 
وجنتيهاء وانحئ وقبلها قبلات رقيقة فوق عينيها. 

شعر تشارلز ان الورطة نفذت الى قلبه. اتلس نظرة الى سارة ليرى ان 
كانت تعرف المتطفلين. غير انها حدقت الى نبات السرحس قرب قدميها كأفما 
يلتجأن الى ذلك الوكر حشية المطر. مرت دقيقتان» فثلاث دقائق. وتحولت الورطة 
الى نسوع من الارتياح؛ فمن الواضح ان الخادمين يهتمان باستطلاع احدهما الاخر 
بدلا من استطلاع المحيط من حوطما. نظر خلسة مرة احرى الى سارة فوجدها وقد 
افمكت هي الاخرى في مراقبتهما من حول جذع شجرقا. استدارت وهي تنظر 
الى الارضء الا انها رفعت بصرها نحوه دون تحذير. 


201 


ثم فعلت شيئا غريباء مروعاء كأها نزعت عنها ثياها. 

أبتسمت . 

كانت ابتسامة في منتهى التعقيد حى ان تشارلز لم يستطع اول وهلة سوى 
التحديق بها على نحو غير مصدق» اذ كان توقيتها شديد الغرابة! وشعر انها كانت 
تنتقلر مئل هذه اللحظة لتسدد اليه - هذا الكشف عن دعابتهاء لتبين ان حزما 
ليس حزنا شاملا. وفي هاتين العينين الواسعتين» المكتئبتين» الصريحتين والحزينتين 
تماماء انكشفت المفارقة» البعد الجديد في نفسها - وهو امر الفته فرجينيا وبول في 
الايام الخوالي» لكن بلدة لام ل تألفه بعد. ٠‏ 

لاحت عيناها وشفتاها المقوستان تقوسا رقيقا وهي تقول: اين هي ادعاءاتك 
الان؟ اين هي ولادتك» علمك» اداب سل وكك» نظامك الاجتماعي؟ يضاف الى 
ذلك لم تكن ابتسامة يستطيع المرء ان يقطب حاجبيه او يتصالب ازاءهاء بل لا 
يمكن مبادلتها الا بابتسامة احرى. لأنها ابتسامة غفرت لسام وماري وكل شخص. 
كما انها قوضت على نحو صعب على التحليل» كل ما مر حن الان بينها وبين 
تشارلز اذ طالبت بحق في فهم اعمق» باعتراف بتلك المساواة المضطربة الي تتحول 
الى قرب اكبر مما اعترف به اعترافا واعيا حي الان. في الحققيقة» ل يبتسم تشارلز 
ابتسامة واعية بدوره» بل وجد نفسه يبتسمء بعينيه لا اكثر» لكنه يبتسم» وحد 
نفسه منفعلاء على نحو اكثر غموضا وعمومية مما يمكن وصفه بالانفعال الجنسي» 
من اعماقه؛ مثل رجحل وصل في النهاية سورا طويلا شاهقا ليجد الباب الذي طال 
بحثه عنه موصدا. 

وقف الاثنان لحظات طويلة» المرأة الي هي الباب» والرحل بلا مفتاح» ثم 
حفضت من عينيها ثانية. وتلاشت الابتسامة» وخيم صمت طويل عليهما. لقد 
رأى تشارلز الحقيقة: كان يقف حقا على قدم واحدة فوق شفير الحاوية. وف برهة 
من الزمن فكر في ان من شأنه بل يتعين عليه ان يقفز. وعرف انه لو بسط ذراعيه 
فلن يلقى اي مقاومة... بل تبادل مشاعر حميم. ازدادت وجنتاه حمرة وفي النهاية 
#مسنه 

- لا يحب علينا ان نلتقي وحدنا ثانية ابدا. 


202 


لم ترفع رأسهاء بل اومأت ايماءة صغيرة جداء ثم اعرضت بوجهها بحركة 
غاضبة قليلا كي لا يراه. نظر ثانية من حلال الاغصان. كان رأس سام وكتفاه 
مائلين فوق ماري الي تتعذر رؤيتها. مرت لحظات طويلة» الا ان تشارلز ظل 
يراقب المشهد وذهنه مشغول بتلك الماوية» لا يعي الا قليلا انه يتتجسس» ولكنه 
على الرغم من ذلك كان متأثراء عند مرور كل لحظة» بذلك السحر نفسه الذي 
حاول ان ينفر منه. 

وانقذته ماري. فعلى حين غرة» دفعت سام جانباء وهرعت ضاحكة اسفل 
المنحدر واتجهت صوب الممر. وبعد ان توقفت هنيهة» تألق وحهها المشاكس في 
وحه سام قبل ان ترفع تنوركها وتسرع السير الى الاسفل. ركض سام وراءها حى 
تلاشى شبحهما من وراء سيقان النباتات» تلاشياء اختفياء ومضة حضراء ومضة 
زرقاء» ضحكة انتهت بصرخة صغيرة» ثم ران السكون. 

مرت حمس دقائق لم يتكلم في اثنائها الشخصان المتواريان عن الانظار. ظل 
تشارلز يحدق بثبات الى اسفل التل» كأن المهم ان يواصل هذه الرقابة المركزة. من 
المؤوكد ان كل ما كان يريده هو تحنب النظر الى سارة واخيرا قطع الصمت. 

- الافضل ان تذهبي. 

احنت رأسها. 

- سأنتظر نصف ساعة. 

احنت رأسها ثانية ثم مرت من امامه» ولم تلتق عيناهما. 

تلات ومطير ا اقصيرة الا يعد امیت ناكار اراز 
ثانية. لم يكن في وسعها رؤية وجهه. بل لا بد انها اد ركت انه كان يراقبها. مرة 
احرى كان وجهها ينطق بتلك النظرة القديمة الى تخترق اعماقه. بعد هذا هبط 
المنحدر بخفة وهو يشق طريقه بين الاشجار. 


203 





انا ايضا شعرت بالعبء الذي انوء به 

في تأرجح العاطفة البالغة العنفوان 

انا ايضا تمنيت الا تكون هناك امرأة اخرى. 

ان تنتهي هذه البداية وهذا القلب الشديد الانفعال 


انا ايضا اشتقت الى قوة شديدة 
وارادة مثل رمح قاطع. 

واثنيت على المساق الواضح. المحدد. 
الذي لا يعرف الشكء لا يشعر بالخوف. 


الا انني في العالم الذي تعلمت» فالذي 
ستبرهنين عليه دوما ما مؤكدا 
ان تلك الارادةء تلك الطاقةء رغم ندرتهما 
فهما اندرء اندر بكثير من الحب. 
ماثبو ارنولد: وداع (1853) 


كانت افكار تشارلز في طريق عودته الحافل بالاحداث الى بلدة لام اشكالا 
مختلفة لذلك الموضوع الذكري المعروف منذ زمن سحيق: «انت تلعب بالنار ايها 
الصبي». الا ان ذلك الموضوع هو نفسه تماما الذي اقصد به ان فحوى افكاره 
انسجمت وفحوى العبارة الحرثي. كان في منتهى الطيش» غير ان طيشه نم يصبه 
ببلاء ما. لقد حازف جازفة غير معقولة» ونحا بجلده دون ان يصيبه اذى. وهكذا 
شعر الان بالنشوة بعد ان لاح لبصره من بعيد مخلب الكوب الحجري العظيم. 

لماذا كان ينبغي له ان يلوم لوما شديدا؟ لقد كانت دوافعه منذ البداية 
متسمة بالعفة؛ اذ عالحها من حنوفًا ومع ان شيئا لا يتسم بالعفة هدد في لحظة 
ما التغلغل في دفاعاته فإن ذلك لم يكن سوى وضع صلصة النعناع على فخذ 
من لحم الغنم. من المؤكد ان من شأن اللوم ان يوجه اليه لو لم يسحب نفسه 


204 


من النار الان لصالحه» وهو امر سيهتم اهتماما كبيرا في تنفيذه لأنه قبل كل 
شيء ليس فراشة تثير نشوقا الشمعة. كان انسانا حاد الذكاء» من اكثر الناس 
قدرة على التكيف» ويتمتع بارادة حرة شاملة. ولو لم يكن واثقا من تلك 
الوقاية الاخيرة فهل كان يفكر في المجحازفة بنفسه في مثل تلك المياه الخطرة؟ اني 
اخلط بين الاستعارات؛ لكن ذلك هو الاسلوب الذي كان يعمل به ذهن 
تشارلز. 

هكذاء هبط التل في طريقه الى البلدة معتمدا على الارادة الحرة قدر اعتماده 
على عصاه. ومن شأنه ان يعمد من الان فصاعدا الى كبح كل مشاعر العطف ازاء 
الفتاة بكل قوة» بالارادة الحرة. وسيرفض رفضا باتا اي توقف للقاء سري بالارادة 
الحسرة. وينبغي احالة ادارة اهتماماته الى الخالة ترانتر بالارادة الحرة. لهذا السبب» 
كان مسموحا له» بل كان مضطرا اذا توخينا الدقة» الى الاستمرار في ابقاء 
ايرنستينا جاهلة كل شيء بنفس الارادة الحرة. ولما اقترب من وايت لاين كان قد 
حرر نفسه بارادته الحرة وانتقل الى حالة التهنئة الذاتية... حالة يستطيع فيها ان 
ينظر الى سارة على انها شيء من ماضيه. 

شابة رائعة» شابة رائعة» ومحيرة. وقرر ان عنصر الحاذبية فيها يكمن في هذه 
الصفة: عدم قابلية التوقع ما. ولم يدرك انها تتمتع بخاصتين نموذحيتين عند الانكليز 
مثل الخاصتين اللتين يتمتع هما وهما المفارقة والتمسك بالتقاليد. واقصد بذلك 
العاطفة والخيال. ولعل تشارلز شرع يدرك الخاصية الاولى على نحو واه. اما 
الخاصية الثانية فلم يدركها. وهو لم يستطع ذلك لأن خاصين سارة حرمتهما تلك 
الحقبة» اذ كانت الاولى تعادل الانغماس في الشهوات الحسية والثانية تعادل 
الاوهام. لقد كان هذا التعادل المزدوج المنبوذ اكبر اخطاء تشارلز» ومن هناء كان 
يعبر عن عصره تعبيرا صادقا. 

كانت هناك حدعة بحسدة. او ايرنستينا يتعين مواحهتها. غير ان تشارلز وجد 
ان الاسرة هبت لمساعدته لدى وصوله إلى فندقه. 

فقد كانت هنالك برقية في انتظاره» مرسلة من عمه في وينزيات» يطلب 
فيها منه الحضور على جناح السرعة «لاسباب في منتهى الاهمية». احشى ان 
تشارلز ابتسم حالما قرأ محتوياتهاء بل اوشك تماما ان يقبل الظرف البرتقالي. وقد 


205 


حرره ذلك من اي ازعاج اخحر في الوقت الراهن» من الحاحة الى اكاذيب اللامبالاة 
بالواجب الاحرى. كانت البرقية مناسبة تماما. فما كان منه الا ان قام ببعض 
التحريات... ووجد ان قطارا يغادر بلدة اكستر في وقت مبكر من صباح اليوم 
التالي. ولما كانت هذه البلدة هي اقرب محطة الى لايم فقد كان لديه العذر الواقي 
للرحيل على الفور وقضاء الليلة هناك. واصدر اوامره بتدبير اسرع عربة في لاتم. 
وقرر ان يقود العربة بنفسه وشعر انه يميل الى الذهاب مثل هذه السرعة ويترك 
رسالة الى الخالة ترانتر تفي بالغرض. غير ان من شأن ذلك ان يبدو عملا جبانا. 
لهذا سار في اتحاه الشارع والبرقية في بيده. 

كانت السيدة الطيبة في غاية الجزع لأن البرقيات كانت تعين لما الاخبار 
السيئة. اما ايرنستينا الاقل امانا بالخرافات» فقد انزعجت كما هو واضح. 
وفكرت ان العم روبرت يبدو سيئا تماما وهو يتصرف مثل رئيس وزراء على هذا 
النحو. وكانت واثقة ان الامر ليس بذي شأن» نزوة هوى من اهواء الرحل 
العجوزء والاسوا من هذا الغيرة من حب الشباب. 

من المؤكد انحا زارت في وقت سابق وينزيات بصحبة والديها؛ وم 
يستهوها سير روبرت. ورعا كان ذلك سببه شعورها انها تحت المراقبة» او لأن 
العم لديهما يكفي من طبقة ملاك الاراضي من ورائه - وفق معايير الطبقة 
الوسطى في لندن - لأن يمتلك احلاقا سيئة حقاء رعا لأا عدت البيت حظيرة 
قديمة. عتيق الطراز على نحو فظيع ما في ذلك اثائه وصوره وكل ما علق على 
حدرانه» لأن العم المذكور شديد الشغف بتشارلز» تشارلز ابن اخ كثير 
الاستفزاز ما حمل ايرنستينا على الاحساس بالغيرةء الا انما قبل كل شيء كانت 
وجلة. 

استدعيت جاراتما من النساء لرؤيتها. من المعلوم ان والدها في وسعه شراء 
كل ابائهن وازواجهن الحترمين برمتهم. وشعرت انما حط ازدراء مختلف الاوجه 
على الرغم من انما كانت ايضا موضع حسد. لم ترقها كثيرا فكرة العيش في 
وينزيات في احر الامر على الرغم من ان ذلك يساعدها على ان تحلم باسلوب 
واحد على الاقل ينبغي ان تقضي به جزءا صغيرا من زواجها الضخم على النحو 
الذي اصرت عليه تماماء» بدلا من كل هذه المقاعد الخشبية المزحرفة والسخيفة 


206 


الشارلية البالغة النفاسة0*©. الخزانات الكئيبة التيودرية*» النسيج امزحرف الغو بليي*» 
واللوحات الباهتة بما فيها لوحي لكوديس وواحدة لتينتوريتو** لم تلق 
استحسافا. 

م تستطع البوح بامتعاضها من العم امام تشارلز. اما اعتراضاتها الاخرى 
فكانت توحي وتلمح مما بروح الدعابة لا السخرية. ولا اظن ان اللوم يحب ان 
يلقى على عاتقهاء فهي اسوة بالكثير من بنات الاغنياءء سواء في الماضي او 
الحاضر» اي» انها تعرف كيف تصرف مبالغ طائلة في محلات الملابس النسائية 
والقبعات النسائية والاثاث. فهذا هو عالمها. ولما كان ذلك هو عالمها الحقية 
الوحيدء فإنها لم ترغب فی ان ترى من ينتهكه. 

تحمل تشارلز المسرع استهجافا المكتوم وغضبها ل ال ا 
يعود بأسرع ما يمكن. كانت لديه فكرة واهية عن السبب الذي يريده عمه هذه 
السرعة» فقد جرى التطرق الى الموضوع مؤقتا لدى وجوده هناك بصحبة تينا 
ووالديها... مؤقتا لأن عمه رجل خحجول. وكان ذلك يخص احتمال ان يشا رکه 
تشارلز وعروسه وينزيات؛ اذ في مستطاعهما ان يحلا في الجناح الشرقي. وقد 
عرف تشارلز ان عمه لا يقصد بذلك جيئهما والبقاء هناك عند الاقتضاءء بل ان 
على تشارلز ان يستقر ويبدأ تعلم كيفية ادارة المقاطعة. ولم ترقه هذه الفكرة مثلما 
لم تكن لترق ايرنستينا لو انه ادرك ذلك. فهو كان يعرف انما ترتيبات بائسة» لأن 
عمه سيكون بين حال الشغف والاستهجان وان ايرنستينا بحاجة الى التعلم في 
وينزيات وبزواج مبكر اقل تقييدا. غير ان عمه ألمح اليه سرا بخصوص شيء اكثر 
من هذا: ان وينزيات قصر اوسع مما يحتمله رحل عجوز وحيد, ولا يدري ان 


(80) الشارلية: المنسوبة الى تشارلز الاول (1649-1600) ملك انكلترا واسكتلندا وايرلندا 
(1649-1625)ء في عهده نشبت الحرب الاهلية (1652-1642). اعدم» والى تشارلز اناي 
(1685-1630) ملك انكاترا واسكتلندا وايرلندا (1685-1660) ابن تشارلز الاول» شهد 
عهده توسعا استعماريا. (المترجم) 

(81) التيودرية: نسبة الى اسرة تيودور التي حكمت انكلترا من 1485 الى 1603. (المترجم) 

(82) الغوبليني: نسيج وسجاد ينتج في معامل غوبلين في باريس. (المترجم) 

(83) تينتوريتو(1518 - 1594): رسام ايطالي تميزت اثاره بتغاير شديد بين الضوء والظل. 
(المترجم) 


207 


كان في وسعه العيش سعيدا في بيت اصغر. كانت البيوت الاصغر حجما متوفرة 
في المنطقة المحيطة به... بل ان بعضها تابع لقصر وينزيات وكان هناك واحد من 
هذه البيوت» وهو بيت اليزابيثي““ ريفي في قرية وينزيات على مرأى من البيت 
الكبير. 

حمن تشارلز الان ان الرجل العجوز احس بالانانية وانه استدعاه الى 
وينزيات ليعرض عليه البيت الريفي او البيت الكبير. وكلاهما مقبول. ولم يكن 
يهمه كثيرا اي بيت ينبغي له السكن فيه شريطة ان يكون عمه بعيدا عنه... وشعر 
انه على ثقة بأن الاعزب الكبير يمكن ان يستدرجه لاعطائه اي من البيتين» وانه 
اشبه بفارس متوتر الاعصاب وصل حاجز عقبة لا بد من قفزها ويريد ان 
يتجاوزها. 

وعلى هذا الاساس» وبعد اللقاء القصير الثلاني في شار ع برود» التمس 
تشارلز الحديث على انفراد مع ايرنستينا. وحالما انسحبت الخالة ترانتر» اخبرها 
بشكوكه. 

- لكن لماذا لم يناقش الموضوع من قبل؟ 

- احشى ان يكون هذا هو العم بوب بعينه يا عزيزق. لكن احبريئ ما الذي 
يجب ان اقوله؟ 

- ماذا تفضل؟ 

- ايهما تختارين انت. ولا واحد ان كانت هذه رغبتك» على الرغم من انه 
سوف يستاء.. 

صبت ايرنستينا لعنة مكتومة على الاعمام الاثرياء. غير ان صورتًا مرت في 
ذهنها وقد اصبحت السيدة سميثسون في بيت وينزيات المؤثث حسب ذوقهاء ولعل 
ذلك سببه اها كانت في يهو بيت الخالة ترانتر الخلفي والصغير نسبيا. على اي حال» 
ان اللقفب يمحتاج الى اطار. ولو ان الرجل جل العجوز الفظيع موثوق منه تحت نفس 
السقف... وانه كبير السن» وتشارلز العريز» ووالديها اللذين تدين هما بب... 

- اليس البيت الريفي هو نفس البيت الذي مررنا به ونحن في العربة؟ 


(84) اليزابيثي: نسبة الى اليزابيث الاولى (1533 فنا انكلترا وايرلندا (1603-1558). 
(المترجم) 


208 


- نعم. انت تتذكرين ذلك. انه يحتوي على كل تلك الجملونات العريقة 
الرائعة. ش 

- رائعة عندما ينظر اليها من الخارج. 

- من المؤكد انه يحتاج الى ترميمات. 

- ماذا سميته؟ 

- القرويون يسمونه البيت الصغير» لكن هذه التسمية للمقارنة بغيره من 
البيوت لا غير. لقد مر زمن طويل منذ ان زرته احر مرة» الا اني اظن انه اكبر ما 
يبدو حقا. 

- اعرف هذه البيوت القديمة» عشرات الغرف الصغيرة البائسة. اظن السكان 
في العصر الاليزابيثي كانوا اقزاما كلهم. 

ابتسم (على الرغم من انه كان الافضل لو صحح فكرتّا الغريبة عن العمارة 
التيودورية)» ثم وضع ذراعه من حول كتفيها. 

- اذا قصر وينزيات؟ 

نظرت اليه نظرة مباشرة صغيرة من تحت حاجبيها المقوسين. 

- اترغب فيه؟ 

- انت تعرفين ما الذي يعثله لي. 

- افي وسعي البدء بوضع طلاء جديد في غرفه؟ 

- في وسعك دكه من اساسه وبناء قصر بلوري ثان. لا يعنيئ مطلقا. 

- تشارلز! كن جادا. 

تقدمت على منافسهاء الا انه سرعان ما تلقى قبلة غفران» وسار في طريقه» 
ناعم البال. اما ايرنستينا فقد ذهبت الى الطابق الثاني واحرحت مستودعا من 
لات نماذج الاثاث والبيوت. 


209 


23 





جزء من شجرة الصنوبر هذه 
رجل كان جدي يعرفه... 
هاردي: تحولات 


احتازت العربة بوابة البيت» مكشوفة الغطاء لتسمح لتشارلز ان يستمتع 
بأشسعة همس الربيع. كان هوكنز الشاب يقف جوار البوابة المفتوحة في حين 
تألقت السيدة هوكنز العجوز على استحياء قرب باب المنزل. صاح تشارلز 
بالحوذي ان يتوقف لحظة» وكان هذا في انتظاره في تشيبنهام بينما هو الان يقود 
العربة والى حانبه سام. كانت ثمة علاقة خاصة تربط بين تشارلز والسيدة العجوز. 
فبعد أن حرم من امه وهو ف العام الاول من عمره» اضطر ان يتحمل سلسلة من 
البدائل كطفل صغير. وتي اثناء مكوثه في وينزيات تعلق بالسيدة هوكنز الي 
كانت انذاك فنيا رئيسة عاملات الغسل والكي» الا انما كانت بفضل خدمتها 
الطويلة وشعبيتها تأت في المرتبة الثانية من بعد مدبرة المنزل المهيبة. لعل مشاعر 
تشارلز للخالة ترانتر صدى لذكرياته الاولية عن هذه المرأة البسيطة الى عرحت في 
مشيها في الممر المؤدي الى بوابة الحديقة لترحب به. 

كان مضطرا للاجابة عن كل استفساراتا التواقة عن الزواج القادم» وان 
يسأها بدوره عن اولادها. بدت مشتاقة اليه اكثر من المألوف واكتشف في عينيها 
ذلك الظضل الذي يدعو للأسى الذي يحتفظ به أحيانا الفقراء الطيبو القلب 
للموسرين الموهوبين. وإنه ظل هو يعرفه منذ زمن طويل تمنحه المرأة البريئة - 
الذكية للصبي اليتيم الام المسكين»ء ذي الاب الشريرء اذ إن الشائعات القوية 
عن استمتاع والدي تشارلز الباقيين على قيد الحياة عباهج حياة لندن كانت تنفذ 
الى وينزيات. بدت تلك العاطفة في غير محلها الان» غريبة» غير ان تشارلز سمح 
ومامسرورا. فقد كانت نابعة من حبها له مثلما حاء كل شيء» حسب رأيه او 
حسب احساسه» نابعا من الحب المكرس له: حديقة البيت اللطيفة» المتنزه الممتد 


210 


الى ما ورائهاء مجموعة الاشجار المعمرة» الي تحمل كل واحدة منها اسما محبوبا: 
هضبة اشجار الصنوبر العشرء اشجار الراميليه (الى زرعت احتفاء .بمعركة راميليه)*؟» 
اشجار البلوط والدردار» اشجار عروسة الشعر» وعشرات اخرى غيرها مألوفة عند 
تشارلز شأفا في ذلك شأن اسماء احزاء من حسده» وكذلك شارع الزيزفون 
العظيم والسور الحديدي. واخيرا ابتسم لعاملة الغسل العجوز. 

- لا بد لي من الذهاب» فعمي في انتظاري. 

بدت السيدة هوكنز لحظة قصيرة كأنها لن تسمح لنفسها ان يبتعد عنها 
كمثل هذه السهولة. غير ان الخادمة تغلبت على الام البديل» واقتنعت بلمس يده 
عندما وضعها فوق باب العربة. 

- نعم يا سيد تشارلز. انه في انتظارك. 

ضرب الحوذي كفل الحصان الامامي ضربة حفيفة بسوطه فارتقت العربة 
منحنيا صغيرا» وسارت في ظل تتخلله الفتحات من اشجار الزيزفون العارية من 
الاوراق. ثم استوت الارض ومس السوط مسا متراخيا فخذ الحيوان الكستنائي» 
فشرع الفرسان يخبان حببا رشيقا وهما يتذكران ان سيدهما على مقربة منهما. 
واثارت جلبة العجلات الحديدة السريعة المرحة» وحور العجلات الذي ينقصه 
التزييت الكافي» والعاطفة القديمة الي اثارتها السيدة هوكنزهء وثقته انه عما قريب 
سيمتلك كل هذه المناظر الجميلة» اثارت في نفسه ذلك الشعور الذي يفوق 
الوصف والقدر السعيد والنظام الصحيح الذي اقلقه على نحو باهت وجوده في 
بلدة لاتم. كان هذا الجرء من انكلترا لينتمي اليه» مثلما ينتمي هو اليه. ومسؤولياته 
من مسؤولياته كذلك امتيازاته ونظامه الذي بمتد قرونا طويلة. 

مروارمجموعة من العاملين لدى عمه: ايبينزر الحداد الى جانب كانون 
متنقل وهو يطرق احد الأسيجة الحديدية الملتوية. ومن ورائه» حارسان من حراس 
البيت وهما يعضيان وقتهما. اما الرابع فهو رحل مسن لا يزال يرتدي ثوب الشباب 


(85) معركة راميليه (23 مايس 20006 معركة دارت رحاها في قرية راميليه الواقعة الان في 
بلجيكا بين قوات التحالف الانكليزي الهولندي بقيادة دوق مارلبورو ضد الجيش الفرنسي 
الذي هزم هزيمة ساحقة فيها؛ الا ان انتصار التحالف لم يحقق السلام مع لويس الرابع عشر 


211 


الفضفاض الواقي من الاوساخ وقبعة مستديرة قديمة... انه بن العجوزء والد الحداد 
وهو واحد من عشرة معمرين تقاعدوا عن العمل في المقاطعة وسمح هم بالعيش 
فيها. وكان حرا ف ذهابه وبحيئه مثل سيده تماما. وهو اشبه .عملف حي » يستشار في 
اغلب الاحوال» فيما يخص السنوات الثمانين الاخيرة» او ما يزيد عنهاء من تاريخ 
وينزيات. 

استدار هؤلاء الاربعة عند مرور العربة» ورفعوا ايديهم والقبعات» فرد تشارلز 
بتحسية السادة الاقطاعيين. وكان يعرف كل حيواتمم مثلما يعرفون حياته. وكان 
يعرف حى سبب التواء السياج... اذ هاجم ثور العم المفضل عربة السيدة 
تومكنز. وقد ذكر العم في رسالته ان الغلطة غلطتها لأا صبغت فمها باللون 
القرمزي. ابتسم تشارلز متذكرا الاستفسار الجحاف في اجابته عن السبب الذي يدفع 
مثل هذه الارملة الحذابة الى زيارة وينزيات دون وصيفة... 

غير ان الحدوء الريفي الثابت العظيم كان مبعث لذة فائقة تحتم العودة اليه. 
ميال من المروج الربيعية» الجزء الخلفي من اراضي ويلتشاير المنحفضة» البيت البعيد 
الذي اصبح الان على مرأى من النظرء بلونيه الابيض والرمادي» هما فيه من اشجار 
الارز العملاقة» واشجار الزان النحاسية الشهيرة (كل اشجار الزان الشهيرة) القريبة 
من الحناح الشرقي» والاصطبل الذي يوشك ان يتوارى عن الانظار من ورائهاء 
ببرجه الخشبي الصغير وساعته؛ الذي يشبه علامة تعجب بيضاء اللون بين 
الاغصان المتشابكة. كانت تلك الساعة رمزا. وعلى الرغم من عدم وحود اي 
شيء عاحل في وينزيات - باستشناء البرقيات - فإن الايام المفعمة بالحياة تنساب 
الى غد مفعم بالحياة ايضاء والساعات الحقيقية حقا هي الساعات الشمسية» وعلى 
الرغم من كثرة الايادي العاملة وقلة العمل المطلوب انحازه - باستثناء ايام صناعة 
التبن والحصاد فإن الاحساس بالنظام اتسم بالالية تقريبا لما فيه من عمق في نفس 
المرء حن اصبح يصعب ققلاقه» وانه سيظل على هذا المنوال: كربا ومقدسا. 
السماء تعلم وكذلك ميلي ان هناك ظلما وبؤسا في الريف يستويان في ضعتهما 
مثل الظلم والبؤس المنتشرين في شفيلد ومانشستر. وكانت هذه تنأى بنفسها عن 
منطقة البيوت الكبيرة في انكلتراء رعا دون سببء الا لأن الملاك كانوا يحبون 
الفلاحين المطيعين قدر حبهم الحقول والمواشي والانعام الي يعتى بما. ولعل رقتهم 

212 


النسبية ازاء العدد الضحم من العاملين لديهم ليس اكثر من نتاج فرعي لسعيهم 
وراء مستقبل افضل. غير ان التابعين كانوا يكسبون بتلك الوسيلة. وربما لم تكن 
دوافع الادارة الحديثة الذكية محبة للاخرين اكثر من هذه. فعندما يفكر المستغلون 
الرقيقون بالمستقبل السعيد» فإن الاخرين ينشدون الانتاجية العالية. 

في حين ظهرت العربة من هاية شارع الزيزفون» حيث اخذ المرعى الحاط 
بالسور يفسح اججال امام اعشاب وجنبات كثيفة» وامتد الطريق امتدادا منحنيا 
طويلا صوب واجهة البيت - الذي هو عبارة عن مبن واق لم يطوره او يضيف 
عليه ويات الاصغر سنا - اذ ذاك شعر تشارلز انه يتملك حقا میرانه. وبدا ذلك له 
وهو يقدم التفسير لكل تسكعه السابق في الحياة» كل اهتمامه بالدين» العالم» 
والسفر. كان ينتظر هذه اللحظة... دعوته الى العرش» اذا جاز التعبير. لقد 
اصبحت مغامرته السخيفة في الجزء السفلي من اللحرف نسبيا منسيا. وكانت المهام 
الكثيرة» الاحتفاظ هذا الحهدوء والنظام» تنتظره» مثلما انتظرت الكثيرين من شباب 
اسرته في الماضي. الواجب هو زوجته الحقيقية» هو ايرنستينا وهو سارة. ثم قفز من 
العربة ليحيها تحية مرحة مثل صبي في نصف عمره الحقيقي. 

على اي حالء كانت ترحب به في المقابل قاعة حاوية. لقد اقنحم غرفة 
الاستقبال متوقعا ان يشاهد عمه مبتسما وهو واقف على قدميه محييا اياه. غير ان 
تلك الغرفة كانت حاوية هي الاخرى. هناك امر غريب فيهاء يثير حيرة تشارلز. ثم 
ابتسم. هناك ستائر جحديدة - والسجاد. نعم كان هو الاخر جديدا. ليس من 
شأن ايرنستينا ان تشعر بالسعادة عندما تدرك ان الخيار سحب من بين يديها - 
لكن اي دليل اوضح من هذا على عزم الاعزب العجوز على تسليم المشعل تسليما 
لبقا؟ 
حرانة انية من الخزف الصيئ. 

كمانانه لم يستطع ان يخمن ما حدث لسارة - وكيف يستطيع ان يخمن ف 
هذه الحالة - عندما تركته عصر اليوم السابق. لقد سارت سيرا حثيثا في طريق 


213 


عودتًا داخل الغابة حي وصلت الى المكان الذي تنطلق منه في صعودها الممر الذي 
يحجب عنها اي فرصة يمكن ان يشاهدها فيها احد من حقل مصنع الالبان. ومن 
شأن اي مراقب يراقبها ان يلحظ ترددها ولو كان بملك سمعا رهيفا مثل سارة 
نفسها لادرك السبب: هناك اصوات تنبعث من كوخ المزرعة على بعد مائة ياردة 
(91 مترا) من الاشجار. تقدمت سارة في طريقها صامتة» بطيئة النطوات» حى 
وصلت إلى دغل من نبات شائك كانت تستطيع ان تمعن النظر من خلال اوراقه 
الكثيفة في مؤحر الكوخ. ظلت واقفة بعض الوقت» لا يتصف وجهها بأي شيء 
ما يدور في ذهنها. ثم حدث تطورها في المشهد التحتاني» حارج الكوخ» دفعها الى 
الحركة... لا الى الملجأً في الغابة» بل الى السير بشجاعة من وراء الدغل وعلى 
امتداد الممر الذي يرتبط بطريق العربات من فوق الكوخ. وهكذا ظهرت للعيان 
امام امرأتين قرب باب الكوخ» كانت احداهما تحمل سلة وعلى وشك ان تنطلق 
عائدة الى البيت. 

ظهر شبح سارة الداكن. ولم تنظر في اتحاه الكوخ» في اتحاه هاتين المرأتين 
الذاهلتين بل سارت سريعا حى تحاوزت سياج احد الحقول الذي يبمتد اعلى 
المزرعة. 

كانت احدى المرأتين هي زوحة صاحب حقل مصنع الالبان. اما الثانية فهي 
السيدة فيرلي. 


214 


24 





ذات يوم سمعت مقترحا يفيد ان القول الفكتوري 
المأثور كان: «عليك ان تتذكر انه عمك...» 
جي. أم. يونغ: مقالات فكتورية 


- شيء رهيب. رهيب. لا يمكن ان اصدق انه لم يفقد عقله. 

- لقد فقد احساسه بالتناسب. غير ان هذا ليس الشيء نفسه تماما. 

- لكن عند هذه النقطة! 

- يا عزيزي تينا. ان كيوبيد معروف بعدم احترامه راحة الاخرين. 

- انت تعرف معرفة جيدة ان كيوبيد لا دحل له في الموضوع. 

- بل احشى ان له صلة بذلك. ان القلوب الكبيرة اكثر القلوب حساسية. 

- انها غلط. وانا اعرف انه يرفضيٰ. 

- هوي عليك. هذا كلام فارغ. 

- ليس كلاما فارغاء فانا اعلم اني لست بالنسبة إليه سوى ابنة تاحر 
اة 
- تمالكي نفسك يا طفلي العزيزة. 
- انئ غاضبة بسببك. 
- حسنا حدا. اذا دعي اغضب نيابة عن نفسي. 
حيم الصمت بعد ذلك وههذا يسمح لي ان اقول إن الحديث اعلاه دار في 
البهو الخلفي لمنزل الخالة ترانتر. وكان تشارلز يقف قرب النافذة وظهره في 
مواجهة ايرنستيناء الي بكت منذ فترة قصيرة» وجلست الان وهي تعبث يعنديل 
مخرم على نحو انتقامي. 

- اعرف كم انت تحب وينزيات. 

اما حواب تشارلز على هذه العبارة فلا يمكن سوى تخمينه» اذ فتح الباب في 
تلك اللحظة وبانت الخالة ترانتر» وقد علت وجهها ابتسامة ترحيب لطيفة. 


215 


- لقد عدت سريعا. 

كانت الساعة هي التاسعة والنصف من اليوم نفسه الذي شاهدنا فيه تشارلز 
يتجه فيه صوب منزل وينزيات. 

ابتسم تشارلز ابتسامة رقيقة. 

- فرغنا... من مهمتنا على الفور. 

- حدث شيء فظيع وشائن. 

نظرت الخالة ترانتر نظرة يشوبما الذعر الى وجه ابنة احتها الحانق الي تفوهت 
بالجملة السابقة» ثم استرسلت: 

- لقد حرم تشارلز من الارث. 

حرم من الارث! 

- ان ايرنستينا تبالغ. كل ما في الامر ان عمي قد قرر الزواج. واذا ما كان 
محظوظا ورزق بولد ووريث... 

ا 

- نظرت ايرنستينا نظرة حارقة قصيرة الى تشارلز في حين حولت الخالة ترانتر 
انظارها من وجه الى ار وهي مذعورة. 

- لک من هي... السيدة؟ 

- اسمها السيدة تومكنز يا سيدة ترانتر» وهي ارملة. 

وفيها من الشباب ما يجعلها قادرة على انحاب عشرة اولاد. 


ابتسم تشارلز. 
- ليس ذلك» بل فيها من الشباب ما يجعلها قادرة على انحاب الاولاد. 
- اتعرفها؟ 


فردت ایرنستینا قبل ان يتمكن تشارلز من الجواب: 

- هذا هو المعيب في الموضوع. فقبل شهرين لا اكثر» سخر العم من المرأة في 
رسالة موجهة الى تشارلز. اما الان فتجده يتذلل تحت قدميها. 

- يا عزيزي ايرنستينا! 

- لن يهدأ لي بال. انه امر لا يطاق. فبعد كل هذه السنين... 

احذ تشارلز نفسا عميقاء والتفتت الى الخالة ترانتر. 


216 


- اعرف ان لديها صلات ممتازة. فقد كان زوجها عقيدا في سلاح الفرسان» 
وترك لها ثروة ضخمة. لا ريب ان القضية فيها بحث عن المال. 

افصحت النظرة الحارقة الى رمقت ما ايرنستينا تشارلز عن ان ذهنها يمتلئ 
بالشكوك. 

- وقيل لي انها امرأة في منتهى الحاذبية. 

- لا شك انها تمارس ركوب الخيل لصيد الثعالب. 

ابتسم ابتسامة كتثيبة في وجه ايرنستينا الي كانت تشير الى علامة سوداء 
حصلت عليها في كتاب العم الفظيع. 

- لا شك في ذلك. لكن هذه ليست جركة. 

تمالكت الخالة ترانتر فوق احد المقاعد» وحولت انظارها بين الوجهين 
الشابين» باحثة» كما هو شأها في مثل هذه الحالات» عن بصيص امل. 

- ولكن اليس هو اكبر سنا من ان ينجب اولادا؟ 

استطاع تشارلز ان يبتسم ابتسامة لطيفة لبراءتا. 

- انه في السابعة والستين يا سيدة ترانتر. فهو ليس كبيرا جدا. 

- حى لو كانت هي شابة في مثل عمر حفيدته. 

- يا عزيزي تينا. ان كل ما بملكه المرء في مثل هذه الظروف هو الكرامة. لا 
بد لي من ان اتوسل اليك الا تكون قاسية لاحلي انا. علينا ان نتقبل الحدث عن 
طب اط 

نظرت اليهء ووجدت مدى صلابته. لا بد ها من ان تلعب دورا اخر. 
فهرعت اليه» وامسكت بيده» ورفعتها صوب شفتيها. فما کان منه الا ان جحذما 
نحوه وقبل قمة رأسهاء الا انه لم ينخدع. فالفأرة والرّبابة قد تبدوان متشاكتين» الا 
اهما ليستا كذلك. وعلى الرغم من انه لم يستطع العثور على كلمة يصف ها 
استقبال ايرنستينا لاخباره غير السارة والرهيبة فإن ذلك الاستقبال لم يكن ليفتقر 
الى اللياقة. فقد قفز من الفخ مباشرة وعاد ادراجه من اكستر الى منزل الخالة 
تراتترء وتوقع ان يحظى بعاطفة رقيقة لا ثورة عنيفة بغض النظر عن مدى الزيف 
الذي كان يكتنفها كي توازي مشاعره. رعا كان ذلك من طبيعتها؛ انها م تكن 
تتصور ان سيدا مهذبا لا يستطيع ابدا الكشف عن الغضب الذي تعزوه اليه. 


217 


غير انه لاحظ فيها شيئا ذكره بابنة تاحر الملبوسات في اثناء الدقائق الاولى» 
بشخص استخدم في صفقة بحارية وهو يفتقر الى رباطة اللحاش التقليدية» الى ذلك 
الاعتراض الارستقراطي على السماح لنكسات الحياة ان تكدر اسلوبه. 

اعاد ايرنستينا ثانية الى الاريكة الى قفزت منهاء وشعر الان ان السبب 
الموهري لزيارته» القرار الذي اتخذه في طريق عودته الطويل ينبغي ان يترك 
موضوع مناقشته حى الغد» وبحث عن طريق ما يعرض فيه الاتحاه الصحيح» وم 
يحد افضل من تغيير دفة الموضوع تغييرا طفيفا. 

- ما هي الاحداث المهمة الي وقعت في بلدة لايم اليوم؟ 

التفت ايرنستينا الى حالتها كأنما تذكرت شيئا. 

- اوصلتك اخبار عنها؟ 

ثم رفعت بصرها الى تشارلز قبل ان تتمكن الخالة ترانتر من الاجابة. 

- لقد وقع حادث. اذ طردت السيدة بولتيئ الانسة وودراف. 

شعر تشارلز ان قلبه توقف عن النبض لحظة. غير ان اي صدمة يمكن ان 
يوحي با وجهه. مرت دون ملاحظة في غمرة توق الخالة ترانتر الى سرد اخبارها: 
ذلك هو سبب غيابها عند وصول تشارلز. الواضح ان الطرد حدث في مساء اليوم 
السابق» وسمح للحاطئة ان تقضي ليلة واحدة اخيرة تحت سقف منزل مارلبورو. 
وي وقت مبكر من صباح اليوم التالي حضر حمال لنقل حاجياتهاء وصدرت اليه 
التعلميات بأخذها الى وايت لاين. وهنا شحب وجه تشارلز تماماء الا ان الخالة 
ترانتر هرّنت من مخاوفه بحملتها التالية. 

- اي مرأب الحافلات كما تعلم. 

كانت الحافلات المتجهة من دورتشستر الى اكستر لا تسلك التل المنحدر 
صوب بلدة لانم بل كان ينبغي انتظارها عند تقاطع الطرق على بعد اربعة اميال 
من الطريق الرئيس الى جهة الغرب. 

- الا ان السيدة هانيكوت تكلمت الى الرحل. وكان الرجل في منتهى الثقة 
ان الانسة وودراف ليست هناك. وقالت الخادمة انما رحلت في وقت مبكر من 
الفجر ولم تعط تعليمات سوى الي تخص حاجياتها. 

- منذ ذلك الوقت؟ 


218 


- لم يعد لها اثر. 

- هل التقيت القس؟ 

- لا. غير ان الانسة تريمبل تؤكد لي انه ذهب الى منزل مارلبورو قبل ظهر 
اليوم» واخحيروه ان السيدة بولتيئ ليست على ما يرام. فتحدث الى السيدة فيرلي 
وكانت معلوماها لا تزيد عن ان موضوعا شائنا طرق “مع السيدة بولتيئي وقد 
صدمت صلمة عنيفة وانسزعجت... 

وهنا تدخلت السيدة ترانتر الطيبة وهي حزينة على ما يبدو لجهلها الامر 
ولاحتفاء سارة والتمست عيون ايرنستينا وتشارلز. 

- ماهو؟ ماهو؟ 

- ما كان يجدر ان تعمل في منزل مارلبورو. فذلك يشبه تقدديم حمل الى 
احد الذئاب. 

نرت ايرنسيتنا الى تشارلز وهي تنشد توكيدا لرأيها. غير انه التفت الى 
السيدة ترانتر وهو اقل هدوءا بكثير مما كان يبدو عليه. 

- ليس هناك خطر من... 

- هذا ما نخشاه جميعا. لقد ارسل القس رجالا بحثا عنها على طول الطريق 
الممتد الى تشارماوث لأنها تسير هناك فوق الجرف؟ 

- ولم... 

- ول يجدوا شيئا. 

- ألم تذكري انها اشتغلت يوما ما عند... 

- لقد ارسلوا من يبحث عنها هناك» لکن بلا طائل. 

- لم يستدع غروغان الى بيت مارلبورو؟ 

استخدم هذه الطريقة في تقدتم الاسم استخداما ذكيا والتفت الى 
ار تسيا 

- لقد اتى على ذكرها في تلك الامسية عندما احتسينا المشروبات» اني 
اعرف انه مهتم بوضعها. 

- شاهدته الانسة تريعبل يتحدث الى القس في الساعة السابعة. وقالت انه بدا 
في منتهى القلق. الغضب. تلك هي كلمتها. 


219 


كانت الانسة تريمبل تدير محلا لبيع الحلي النسائية الصغيرة في الجزء الادى من 
شارع برود» لهذا كان موقعها يمثل مركز المعلومات العام في المدينة. حاول وجه 
الخالة ترانتر اللطيف ان يحقق المستحيل» الا انه ظهر قاسيا تماما. 

- لن اذهب لزيارة السيدة بولتيئ مهما كانت شدة مرضها. 

غطت ايرنستينا وجهها بكلتا يديها. 

- اوه» يا له من يوم قاس! 

حدق تشارلز بالسيدتين. 

- رعا يتعين علي زيارة غروغان. 

- اوه يا تشارلز - ماذا في وسعك ان تفعل؟ هناك ما يكفي من الرحال 
م يكن ذلك الشيء في ذهن تشارلز مؤكدا. ومن ان طرد سارة لم يكن 
عدم الصلة بتجواطها في الحرف» من الطبيعي ان رعبه تمثل في احتمال ان يكون قد 
شاهدها شخص ما هناك بصحبته. وقف في مكانه وهو يعاني من تردده. لا بد ان 
يكتشف الى اي مدى اصبح سبب طردها معروفا. وفجأة وحد ان جو حجرة 
الجلوس الصغيرة لا يطاق. ينبغي له ان يكون وحيدا. لا بد له من التفكير قي ما 
سيفعله. فاذا كانت سارة ما تزال على قيد الحياة - من يدري اي قرار متهور 
اتخذته في ليلة يأسها في حين كان ينعم بنوم هادئ في فندقه باكستر؟ - لكن اذا 
كانت ما تزال على قيد الحياة فانه يعرف اين هي. وقد عذبه شعوره انه الشخص 
الوحيد في لام الذي يعرف ذلك الا انه على الرغم من ذلك لا ملك الجرأة 
للكشف عن معلوماته. 

بعد مرور بضع دقائق» كان يخطو خطوات واسعة اسفل التل المؤدي الى 
وايت لاين. وكان المواء عليلاء غير ان السماء ملبدة بالغيوم. ومسحت اصابع 
الهواء الرطب وحنتيه. ثمة رعد في عرض البحرء وف قلبه ايضا. 


220 


25 





اوه ايها اللورد الحبيب. اي حسرات هذه 
من اجل امرأة لن تكون لك ابدا؟ 
تينيسون: مود 1855 


كان هدفه العاحل في ارسال سام حاملا رسالة الى الطبيب الايرلندي. وصاغ 
عباراتها وهو يسير - «السيدة ترانتر في غاية القلق» «اذا تطلب تشكيل فريق بحث 
اي نفقات...» او على وجه افضلء «اذا كان في وسعي تقدم اي عونء مالي او 
غير مالي» - طافت في ذهنه مثل هذه العبارات. وصاح بسائس الخيل غير الاصم 
وهو يدحل الفندق ان يأ بسام من المشرب ويرسله اليه في الطابق العلوي. الا انه 
ما ان دحل حجرة المعيشة حي تلقى صدمته الثالثة في ذلك اليوم الحافل بالاحداث. 

كانت ثمة رسالة فوق المنضدة الدائرية» مختومة بشمع اسود. اما الخط فهو غير 
مألوف لديه: «السيد - سميفسون في وايت واين» فتح الرسالة» فوجد انما تخلو من 
العنوان ومن التوقيع. ا 

«اتوسل اليك ان تلقاني للمرة الاخيرة. سأنتظر بعد ظهر هذا اليوم وصباح 
الغد. واذا لم تأت فلن ازعجك ثانية ابدا». 

فا تقار الرسالة مرن ثلاث مرات» ثم أمعن النظر في الحو المظلم. شعر 
بالغضب لأنها تعرض على هذا النحو الطائش “معته للخطرء غير انه ارتاح لهذا 
الدليل على انا ما تزال على قيد الحياة. ثم غضب ثانية للتهديد الضمئن في العبارة 
الاخيرة. دحل سام الغرفة وهو يمسح فمه .منديله» وهي اشارة غير ذكية على انه لم 
يكمل طعام عشائه. ولا كان غذاؤه يتكون من زجاحة شراب وثلاث قطع من 
البسكويت فانه يمكن ان يغفر له. الا انه شاهد بلمحة نظر ان سيده لم يكن في 
حالة اسوأ من هذه الحالة منذ مغادرته وينزيات. 

- اذهب واعرف من الذي ترك هذه الرسالة. 

- نعم يا سيد تشارلز. 


221 


انصرف سام الا انه لم یسر سوى ست حطوات حن كان تشارلز يقف قرب 
الباب. 

- واطلب من الشخص الذي استلمها ان يصعد الي. 

- نعم يا سيد تشارلز. 

عاد السيد الى حجرته... 

التفت عندما دحل سام بصحبة سائس الخيل الذي تكلم تشارلز معه قبل 
قليل. لقد اتى صبي بالرسالة في الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم» والسائس 
يعرف الصبي من وجهه. غير انه لا يعرف اسمه. لاء لم يقل من الذي ارسله. 
وسرعان ما طرده تشارلز وهو نافد الصبر» ثم سأل سام بنفاد صبر عن الشيء الذي 
يحدق اليه. 

- لا احدق الى اي شيء يا سيد تشارلز. 

- حسنا جدا. قل لهم ان يرسلوا عشائي الى الطابق العلوي. اي شيء» اي 
شيء. 

- نعم يا سيد تشارلز. 

- ولا اريد اي ازعاج ثانية. في وسعك ان تضع حاجيات الان. 

قصد سام حجرة النوم النحاورة لحجرة الجلوس في حين وقف تشارلز يجانب 
النافذة. وبينما كان ينظر الى الاسفل شاهد في الضوء المنبعث من نوافذ الحانة صبيا 
صغيرا يعدو صوب الحهة الاخرى من الشارع» ومن ثم يعبره من تحت نافذته» 
ويتوارى عن الانظار. واوشك ان يرمي حزامه» ثم صرخ اذ حدس ان هذا هو 
حامل الرسالة ثانية. وقف في حمى من الحرج» كان هناك توقف طويل يكفيه لكي 
يبدأ بالتصديق انه كان على خطأ. حرج سام من حجرة النوم» وسار صوب 
الباب. وقي تلك اللحظة مع صوت طرق. ففتح سام الباب. 

كان الطارق هو سائس الخيل» وقد ارتسمت ابتسامة غبية على وحهه وكان 
يحمل رسالة في يده. 

- انه نفس الصبي يا سيدي. وقد سألته فأحاب انما المرأة نفسها كما في 
السابق يا سيدي» الا انه لا يعرف اسمها. اننا ندعوها... 

- نعم» نعم. ناولي الرسالة. 

22 


احذ سام الرسالة وناولها لتشارلز. وكانت ثمة عجرفة صامتة» معرفة تتسم 
بالسخرية» من تحت قناع خدمته. اشار بابهامه الى السائس» وغمز له غمزة سرية 
فانسحب. واوشك سام ان يلحق به» غير ان تشارلز ناداه. وتوقف وهو يبحث 
عن عبارة دقيقة» مقبولة ما فيه الكفاية. 

BES O a =‏ لقد 
تمنيت... اقصد.ء لا أزال اتمئى ان يكون الموضوع بعيدا عن السيدة ترانتر 
فهمت؟ 

- تماما یا سيد تشارلز. 

- ارحو ان اتمكن من تحديد الشخص الذي يكون في موضع مناسب اكثر 
لقدرقا. بعد ذلك سأحبر السيدة ترانتر. انما مفاجأة صغيرة. مكافأة صغيرة لحسن 
ضيافة السيدة ترانتر. انها مهتمة ا. 

تظامر سام بسلوك وصفه تشارلز لنفسه بساح الخادم الطاعة العمياء لاوامر 
سيده. وكان ذلك بعيدا جدا عن سلوك سام الحقيقي حن ان تشارلز اغري 
بالاستمرار في تعثره و تخبطه. 

- اذا لن تتحدث عن هذا الموضوع لاي شخص على الرغم من انه عديم 
الاهمية. 

- لا یا سيد تشارلز. 

بدا سام كأنه تعرض لصدمة تشبه صدمة اتهام راعي الابرشية بالمقامرة. 

التفت تشارلز صوب النافذة» وتلقى دون وعي نظرة من سام» استمدت 
تأثيرها الاكبر من زم شفتيه على نحو غريب واعاءة من رأسه» ثم فتح الرسالة الثانية 
بينما اغلق الباب من وراء الخادم. 

«انتظرتك طيلة النهار. ارحوكء انا امرأة تتوسل اليك متذللة ان تساعدها في 
يأسهاء وساقضي الليل ابتهل من احل حضورك. وسأكون منذ الفجر عند 
مستودع البيت الصغير قرب البحر» والذي يوصل اليه باول تمر الى اليسار بعد 
الحقل». 

كانت الرسالة مفتوحة بسبب الافتقار الى الشمع من غير ريب وهذا ما يفسر 
كتابتها بلغة فرنسية مميزة لمربية. كانت مكتوبة بالقلم الرصاص» على نحو عاحل 

223 


قرب باب احد الاكواخ او في الجرف - اذ كان تشارلز يعرف انها التجأت الى 
ذلك المكان. ولا بد ان الصبي هو ابن احد الصيادين الفقراء من منطقة الكوب - 
فهناك طريق يهبط من الجرف الى الكوب» يتحاشى ضرورة المرور بالمدينة نفسهاء 
لكن يا للتهور الذي ينطوي عليه هذا الاحراءء يا للمغامرة! 

الفرنسيون! فارغون! 

دعك تشارلز الورقة في قبضته في حين اعلن وميض البرق النائي عن اقتراب 
العاصفة» وفي حين كان ينظر من وراء النافذة» تطايرت اول قطرات المطر الثقيلة 
والبطيئة على زجاج النافذة» وتساءل: اين هي؟ فلاحت له صورقًا وهي تعدو 
مبللة تحت البرق والمطر وجذبته بعيدا عن قلقه الحاد الموحه الى ذاته. كان هذا لا 
يحتمل! بعد يوم كهذا! 

انين ابالغ في استعمال علامات التعحب» لكن بينما كان تشارلز يخطو جيئة 
وذهاباء تدفقت الافكار وردود الافعال ازاء ردود الافعال تدفقا غاضبا في رأسه. 
توقف قرب النافذة الناتئة وحدّق الى شارع رود. وفجأة تذكر ما قالته عن اشجار 
الشوك الي تسير فيه. استدار وانشب اظافره في صدغيه» ثم دحل حجرة النوم 
ونظر الى وجهه في المرآة. 

الا انه عرف جيدا انه كان يقظا. وظل يقول مخاطبا نفسه: لا بد من عمل 
شيء ماء لا بد ان اتصرف. وانتابه نوع من الغضب لضعفه - اصرار هائل على ان 
يبدي مايشير الى انه اكثر من محرد صدفة متحجرة يتقاذفها التيار» وان في 
مستطاعه ان يوحه ضربته ضد السحب السود الي تغلفه. لا بد له من الحديث الى 
شخص ماء لا بد ان يكتشف عن روحه. ش 

عاد ثانية الى حجرة الحلوس وجذب السلسلة الصغيرة المتدلية من ثريا الغازء 
فتحول الوهج الاخضر الشاحب الى وهج ابيض كما حذب بقوة حبل الحرس 
القريب من الباب. ولما حضر النادل العجوز ارسله تشارلز حلب مزيج من شراب 
عصير التفاح والبراندي الذي كان من شأنه ان يترك العديد من الفكتوريين فاقدي 
الوعي. 

م تمض اكثر من حمس دقائق» حى توقف سام مندهشا وهو يحمل صينية 
العشاء في منتصف السلا لم لمراى سيده وقد احمرت وحنتاه وهو يهبط للقائه مرتديا 


224 


ثوبه الخارجي المصنوع في بلدة انفرنس”*. توقف تشارلز على بعد درجتين منه» 
ورفع الغطاء الذي يغطي المرق البئ» لحم الضأن والبطاطا المسلوقة ثم واصل هبوطه 
السلام دون ان ينبس ببنت شفة. 

- سيد تشارلز؟ 

- تناول العشاء انت. ٠‏ 

وذهب السيد - بخلاف سام الذي ظل واقفا في مكانه ولسانه يلمس وجنته 
اليسرى وعيناه ثابتتان فوق حاجز السلا لم الى جانبه. 


)86( انفرنس: بلدة اسكتلندية تحيط بها التلال من ثلاثة جوانب وتعد نقطة التقاء الطرق الممتدة 
بين 5 لقة الهايلاندز وال 0 لقتير الجنوبية والشرقية من اسكتلندا. (المترجم) 


225 


26 





دعوني اخبركم يا اصدقائي ان الشيء كله يعتمد 
على حق اقليمي موغل في القدم 
لويس كارول: بحثا عن سنارك 1876 


كان اثر ماري في ذهن الشاب اللندي اثرا متصلا. لقد احب ماري لذاهاء 
شأنه في ذلك شأن اي شاب اعتيادي بمتلك مثل احاسيسه النابضة بالحياة. غير انه 
احبها ايضا للدور الذي ادته في احلامه - وهو ليس ابدا ذلك النوع من الاداء 
الذي تؤديه الفتيات في احلام الشبان في عصرنا الذي لم يعد فيه يال او حرمات. 
ففي معظم الاحيان» كان يشاهدها وراء النضد في محل احد الرحال. وكان الزبائن 
البارزون من الذكور في جميع انحاء لندن يأوون الى ذلك الوجه الشهواني 
كالمسحورين. وكانت الشوارع في الخارج معتمة بسبب قبعاقّم المرتفعة» اصابهُم 
الصمم بفعل عجلات عرباقم. 

كان يدرك تمام الادراك ان المسألة لا تعدو اكثر من حلم. غير ان ماري اذا 
جاز التعبير» كانت تؤشر هذه الحقيقة. والاكثر من هذاء كانت تزيد من حدة 
ملامح الشيطان المخيفة الواقف في طريق تحقيقه. اسمه؟ 

رما كان عدو الجنس البشري هذا الموجود قي كل مكان هو الذي ظل سام 
يحدق به في حجرة جلوس سیده» حيث استرخى على راحته - بعد ان شاهد 
تشارلز اولا وهو يتوارى عن الانظار بأمان في ادن شارع برود» وقد زم شفتيه 
ثانية على نحو غامض - وهو يتلهى بعشائه الثاني: ملعقة مليئة او ملعقتان بالمرق 
قطع مختارة من لحم الضأن» اذ كان سام يملك كل غرائز الشخص الرفيع المنزلة 
على الرغم من عدم امتلاكه ثرواته. غير انه يحدق الان ثانية في الفضاء من وراء 
قطعة من اللحم مغمسة مرق براعم الكبّر الخضراء المخللة ولا يزال يمسك ما 
بشوكته على الرغم من عدم احساسه بسحرها. 

ان كلمة مال 28481 - اذا كان في وسعي ان اضيف شيعا الى ذخيرتك من 
المعلومات غير المفيدة - هي كلمة انكليزية قديمة مأحوذة عن اللغة النرويجية القديمة 


226 


وحاءت الينا عن طريق الفايكنغ. وكانت تعن في الاساس كلام ولكن ما ان 
الوقت الوحيد الذي ذهب فيه الفايكنغ الى النشاط النسوي كان يتمثل في طلب 
شيء بقوة الفأس» فقد اصبح معناها ضريبة او دفع الجزية» وقد ذهب رهط من 
الفايكنغ الى الجنوب» وانشأوا المافيا في صقلية» الا ان رهطا احر - وكانت كلمة 
هال تلفظ انذاك ميل - اممك في القصف والعربدة على الحدود الاسبكتلندية. واذا 
مااراد شخص حماية محصوله او عذرية ابنته» فانه يدفع الميل لرؤوساء القبائل 
المحاورة. واخذ الضحايا يطلقون على ذلك وعرور الزمن كلمة الضريبة السوداء 
اتهحم ackاb‏ اي الابتزلا. 

من المؤكد ان سام كان يفكر في معئ الكلمة ان لم يكن مستغرقا في تأملات 
بأصل الكلمة وتاريخها. فقد من على الفور من هي اللرأة السيئة الحظ. فحادثة 
من مثل طرد امرأة الضابط الفرنسي تعد مادة ممتعة لا بمكن ها الا ان تدور على 
ألسنة الجميع في بلدة لام في ذلك اليوم. وقد مع سام قبل الان مصادفة محادثة في 
المشرب عندما جلس ليتناول عشاءه الاول الذي لم يكمله. وكان يعرف من هي 
سارة لأن ماري اتت على ذكرها امامه ذات يوم. وكان يعرف ايضا سيده 
وتصرفاته؛ لم يكن على طبيعته» بل كان قد عزم على امر ماء وهو في طريقه الى 
مكان ما وليس الى بيت السيدة ترانتر. وضع سام الشوكة جانبا وفيها لقمته» وبدأ 
يضرب جانب انفه ضربا خفيفا. وهي علامة لم تكن غير مألوفة في المراهنات في 
نيوما ركت عندما يشم رجل مقوس الساقين رائحة جرذ مقنع بقناع حصان 
السباق. غير اني انحشى ان الحرذ هنا هو سام وان الشيء الذي اخحذ يشم رائحته 
هو سفينة غارقة. 

كان الناس في الطابق السفلي في وينزيات يعرفون جيدا ماذا يحدث. فقد 
حرج العم لمضايقة ابن اخيه. واحتقروا تشارلز لعدم زيارته كثيرا سير روبرت 
وتملقه له كلما سنحت الفرصة» وكان دافعهم في ذلك هو الاحترام الفطري الذي 
تشعر به الطبقة العاملة الريفية ازاء الرعاية الزوحية. لقد كان ينظر الى الخدم في 
تلك الايام على انهم افضل بقليل من الاناث وغالبا ما نسي اسيادهم ان لديهم أذانا 
وعقولا. فالحديث الساخن بين الرحل العجوز ووريثه لم بعض دون ملاحظة او 
مناقشة. وعلى الرغم من وحود ميل بين النساء الشابات للاحساس بالشفقة على 


227 


تشارلز الوسيم» فإن القسم الاكثر حكمة تبن موقفا يشبه موقف النحلة من الحرادة 
الكسول. لقد اشتغلوا طيلة حياهم من احل كسب قوم وكانوا سعداء لرؤية 
تشارلز يتلقى العقاب بسبب كسله. 

يضاف الى ذلك ان السيدة تومكنز الي كانت مغامرة من الطبقة الوسطى 
العليا بالغت مبالغة ذكية من احل القوز بالحظوة عند مدبرة اللزل وكبير الخدم 
الموافقة على الزواج - على الارملة المكتنزة المسرفة في التعبير عن عواطفها الي 
اوضحت لمدبرة الزل عند مشاهدها طقم الاثاث والمفروشات غير المستعملة في 
الجناح الشرقي الذي سبق ذكره» ان غرف هذا الجناح من شأها ان تغدو مناسبة 
تماما للاطفال. صحيح ان السيدة تومكنز لديها ولد واحد وابنتان من زواجها 
الاول» الا انها كانت - برأي مدبرة المنزل الذي نقلته لكبير الخدم السيد بنسون 
- تصلح تماما للانحاب ثانية. 

- قد تكون بئات يا سيدة تروتر. 

- انها محربة يا سيد بنسون» تذكر ما اقوله لك الان. اها مجربة. 

رشف كبير الخدم شايه؛ واضاف. 

تناهى الى مع سام هذا الموضوع في حين كان ينتظر عودة تشارلز في غرفة 
الخدم. لم يكن الموضوع ممتعا بخصيصته او ممتعا بالقدر الذي كان يتعين فيه على 
سام» بو صفه حادم الجرادة» ان يسهم في جزء من الحكم العام الصادر بحقه. وم 
يكن هذا كله عدم الصلة ما يشبه الخنيط الثاني الذي احتفظ به سام دوما لقوسه: 
انه حلم لا بديل له رأى فيه نفسه في الموقع الرفيع نفسه في وينزيات الذي يشغله 
السيد بنسون الان. بل انه زرع هذه البذرة مصادفة في ذهن ماري وهو يدرك تماما 
وقد اقتلعت اقتلاعا وحشيا حى لو لم تكن البذرة الاثيرة. 

لم يقل تشارلز كلمة واحدة لسام عندما غادرا وينزيات. لهذا فإن سام لا 
يعرف رسميا اي شيء عن اماله القاتمة. غير ان وجه سيده القاتم كان عمليا يتسم 


228 


والان هذا. 

احيرا اكل سام قطعة الضأن المتحجرة ومضغها وابتلعها. وكانت عيناه : 
تنظران طيلة الوقت الى المستقبل. 

لم تكن مقابلة تشارلز عمه مقابلة عاصفة لاما شعرا بالذنب - العم» بسبب 
ما كان يفعله» وابن الاخ» بسبب ما احفق في تحقيقه في الماضي. وكان رد فعل 
تشارلز للخبر الذي نقل اليه على نحو قاطع ولكن دون ان تلتقي فيه النظرات› 
مؤدبا تماما بعد الصدمة الباردة الاولى. 

- لا استطيع الا ان اهنئك يا سيدي» واتمئى لك كل السعادة. 

اما عمه الذي جاء اليه في حجرة الاستقبال» فقد اعرض بوجحهه صوب 
النافذة كأنها ليستمد الشجاعة من فدادينه الخضراء. وشرح شرحا مختصرا 
عواطفه. لقد رفض اول الامر: وقد حدث ذلك قبل ثلاثة اسابيع» الا انه ليس 
بالرحل الذي يولي الادبار لدى اول رفض. فقد شعر بوحود تردد محدد في 
صوت السيدة. وقبل اسبوع واحد من سفره بالقطار الى لندن والعودة ثانية 
كانت العقبة قد ازيلت بنجاح. «قالت لاء ثانية يا تشارلزء الا انها كانت 
تبكي. وعرفت اني انتهيت». من الواضح ان التفوه بكلمة نعم على نحو قاطع 
استغرق يومين او ثلاثة ايام اخرى. 

- واذ ذاك يا ولدي العزيز» اد ركت ضرورة مواجهتك. فانت اول شخص 
اخبره بالموضوع. 

غير ان تشارلز تذكر انذاك تلك النظرة المشفقة من السيدة هوكنز العجوز؛ 
لا بد ان الخبر وصل الى الجميع الان في وينزيات. وقد منح اسلوب سرد العم 
المحتنق الى حد ما لملحمة حبه الوقت لتشارلز كي يستوعب الصدمة. شعر انه 
كمن جلد واهين. الا انه لم يملك سوى دفاع واحد: ان يتقبل الامر يمدوء؛ ان 
يظهر الرجل الرزين ويخفي الصبي الثائر. 

- اني اقدر دقتك يا عمي. 

- لديك كل الحق في ان تسميي الاحمق العجوز الخرف. ولسيفعل هذا كل 
الجيران. 

- الاحتيارات الاحيرة هي الافضل دوما. 

229 


- افهاامرأة لطيفة يا تشارلز» لا تشبه واحدة من آنساتك الرقيقات 
المعاصرات الملعونات. 

فكر تشارلز في لحظة قاسية ان عبارته استخفاف بايرنستينا غير انها غير 
مقصودة. واسترسل عمه دون وعي. 

- افا امرأة صريحة. يظن بعض الناس اليوم ان هذه الميزة تشير الى ان المرأة 
مهاجمة. الا انها ليست كذلك. 

وهنا استعان بصورة من حديقته: 

- مستقيمة مثل شجرة دردار. 

- ل.افترض الحظة واحدة انها يمكن ان تكون حلاف ذلك. 

واذ ذاك نظر اليه العم نظرة ذكية» ومثلما لعب سام دور الخادم المطيع امام 
تشارلزء فإن تشارلز لعب أحيانا دور ابن الاخ الذي يحترم الرحل العجوز. 

- فكرت انك قد تكون غاضبا على ان تكون... 

كان على وشك ان يقول مثل سمكة باردة» الا انه سار ووضع ذراعه فوق 
كتف تشارلز» اذ حاول ان يبرر قراره باثارة الغضب ضد تشارلز - وقد كان 
رحلا رياضيا جيدا جدا لا يمكنه ان يغفل ان ذلك سوى تبرير وضيع. 

- اللعنة الان يا تشارلز. لا بد من ان اقول ان هذا الامر يحدث تغييرا في 
مستقبلك. ففي سين الله يعلم... 

اراد ان يقول ان العصفور الفرد غير انه رفض ذلك. 

- لو حدث ذلك يا تشارلز» فان احب ان تعلم انك لن تبقى دون ثروة 
بغض النظر عن نتائج الزواج. انا لا استطيع ان امنحك البيت الصغيرء الا اني 
اؤكد ان في وسعك اخذه واعتباره ملكك طالما بقيت انت على قيد الحياة. واحب 
ان يكون هذا البيت هدية الزفاف لك ولايرنستينا اضافة الى تكاليف الترميمات 
الضرورية. 

- هذا كرم لطيف منك. غير ان اعتقد اننا قررنا بشكل او بآخر ان ننتقل 
الى بيت بيلغرافيا عندما ينتهي عقد الايجار. 

- نعم» نعم» لكن لا بد لك من بيت في الريف. لن ادع هذا الموضوع يقف 
بي وبينك يا تشارلز» ولسوف افيه غدا لو ان... 


230 


تمكن تشارلز من انتزاع ابتسامة. 

- لا تكن ساذحا. كان في مستطاعك ان تتزوج منذ سنين طويلة. 

- هذا جائز. غير ان الحقيقة هي اني لم اتزوج. 

سار بعصبية صوب الحدار» وعدل من وضع احدى الصور. ظل تشارلز 
صامتاء رعا شعر باستياء اقل لصدمة الخبر من التفكير بحلمه المتهور في التملك 
عندما كان يتجه الى وينزيات. كان على الشيطان العجوز ان يكتب وصيته. غير 
ان ذلك من شأنه ان يكون جبنا عند الشيطان العجوز. وعاد من مكانه قرب 
اللوحة. 

- انت شاب يا تشارلزء وقد قضيت نصف حياتك في السفر. ولا تعرف الى 
اي حدّ اشعر بالسأم بسبب الوحدة» الا اني اقضي نصف الوقت مفكرا ان اشبه 
بالميت. 

همس تشارلز. 

- ليس لدي فكرة... 

- لاء لاء لا اقصد اتمامك» فأنت تعيش حياتك. 

الا انه ظل يلوم تشارلز سراء شأنه شأن العديد من الرحال الذين ليس لديهم 
اولاد» لتقصيره فيما كان يتوقع ان يفعله كل ابن: ان يكون مطيعا ومحبا. من شأن 
ابوة حقيقية قصيرة الامد ان تحعله يدرك انما حلم وموغل في عاطفيته. 

- على اي حال» هناك اشياء لا تستطيع الا المرأة ان تقوم بما. كل الاشياء 
القديمهة المعلقة على الجدران في هذه الغرفة الان. الاحظتها؟ لقد وصفتها السيدة 
تومكنز ذات يوم بانها كميبة. اللعنة. اني اعمى. لقد كانت حقا كثيبة. هذا ما 
تفعله المرأة. انها تجعلك ترى ما موجود امامك تماما. 

شعر تشارلز انه يريد تحت تأثير الاغراء ان يقترح ان النظارات تؤدي نفس 
الغرض وعلى نحو ارخص. بيد انه احى رأسه علامة الادراك؛ في حين لوح سير 
روبرت متملقا. 

- ما رأيك هذه الاشياء الجديدة؟ 

اضطر تشارلز عندئذ الى ان يبتسم ابتسامة عريضة. لقد كانت احكام عمه 
الجمالية حددة منذ زمن طويل بقضايا من مثل عمق الجزء العلوي من كاهل الفرس 


231 


وتفوق جو مانتون على كل صناع البنادق المعروفين على امتداد التاريخ. وكان 
سؤاله يشبه سؤالا يطرحه احد القتلة» ويطلب رأيه في اغاني الاطفال. 

- تطور كبير. 

- صحيح تماما. هذا ما يقوله الجميع. 

عض تشارلز شفته. 

- م سألتقي السيدة؟ 

- في الحقيقة» انا اوشك ان اتطرق الى هذا الامر. انها تواقة الى التعرف اليك. 
هناك مسألة في منتهى الدقة يا تشارلز... حسنا... كيف اعبر لك عنها؟ 

- تحديد امكانياق المادية؟ 

- صحيح تماما. لقد اعترفت في الاسبوع الماضي انها رفضتي اول الامر لهذا 
ال 

ادرك تشارلز ان هذا الامر يفترض فيه ان يكون اطراءء وابدى دهشة لطيفة. 
٠‏ - غير اني اكدت لما انك احترت رفيقة ممتازة» وان من شأنك ان تدرك وان 
توافق على خياري لشريكت... للبقية الباقية من عمري. 

- لم تحب عن سؤالي بعد يا عمي. 

ظهر السير روبرت خجلا الى حدّ ما. 

- انما تزور اسرتها في مقاطعة يو ركشاير» فهي» كما تعلم» من عائلة داوبينيز. 

- حقا! 

- سألتحق ها يوم غد. 

- أه. 

- وفكّرت ان افضل طريقة لافهاء الموضوع هي الصراحة التامة. الا انما تواقة 
جدا للقائك. 

تردد عمه» ثم مد يده إلى جیبه» حجلا على نحو ساذج» واخرج علبة صغيرة. 

- اعطتن هذه العلبة لك الأسبوع الماضي. 

حدق تشارلز بالعلبة المعدنية النفيسة ذات الاطار الذهبي والى اصابع عمه 
الضخمة» كانت العلبة تحتوي على تذكار رسم السيدة تومكنزء وقد بدت امرأة 
شابة» مكتنزة الشفتين» وذات عينين حازمتين - لا تفتقران الى الحاذبية حى 


232 


لشخص مثل تشارلز. وما يثير الغرابة» كان ثمة شبه قليل بوجه سارة» وهكذا 
اضسيف بعد جديد اخر لاحساس تشارلز بالذل والحرمان. لقد كانت سارة امرأة 
تفتقر الى الخبرة العميقة» اما هذه المرأة فهي تعرف العالم كله. الا ان كل واحدة 
منهما وباسلوها المختلف تقف على النقيض من قطيع النساء الرقيقات عامة» وهو 
امر كان عمه محقا فيه. ففي لحظة شعر انه اشبه بقائد جيش ضعيف يدرس ترتيبات 
العدو القوية. وتوقع بوضوح شديد بنتيجة المواجهة بين ايرنستينا وسيدة ميئسون 
مستقبلاء فوجد انها هزكة منكرة. 

- ادرك ان لدي سيبا احر لتهنئتك. 

- انها امرأة رائعة» امرأة ممتازة. حديرة ان ينتظرها المرء يا تشارلز. 

- لكزه عمه في عظام صدره. 

- ستكون غيورا. انتظر وسترى. 

حدق ثانية بالعلبة المعدنية الصغيرة» واغلقها على نحو مهيب» ومن ثم وضعها 
في جيبه. وبحدة جعل تشارلز يرافقه الى الاصطبلات - كأنه يريد بذلك ان يعادل 
تملقه - لمشاهدة فرسه الاخيرة الاستيلادية ال اشتراها بمبلغ يقل مئة جنيه عما 
تستحقه وقد بدت هذه الفرس غير واعية تماماء الا انها واضحة توزاي في ذهنه 
مكتسباته الاخرى. 

كانا سيدين مهذبين وحرصا على تفادي الخوض في مناقشة الموضوع الذي 
شغل الحيز الاكبر من اهتمامهما مناقشة مستفيضة ان لم يكن تفادي الاشارة اليه 
تماما (اذ كان السير روبرت محظوظا دوما لا يترك فرصة الا وتحدث فيها). غير ان 
تشارلز اصر على وحوب الرحوع الى بلدة لام وخحطيبته في ذلك المساء. اما عمه 
فلم يعترض اعتراضا يذكر الان بعد ان كان في الايام الخوالي يصاب بالوجوم عند 
تركه على هذه الحال. ووعده تشارلز ان يناقش موضوع البيت الصغير مع 
ايرنستينا وان يحضرها معه للتعرف الى عروسة المستقبل حالما يتمكن من ترتيب 
الامور ترتيبا ملائما. غير ان دفء عمه في الدقيقة الاخيرة ومصافحته اياه لم 
يستطيعا اخفاء الحقيقة بأن الرجل العجوز قد استراح لرؤيته وهو ينصرف. 

استطاعت الكبرياء ان تثبت تشارلز» وتدعمه في غضون الساعات الثلاث او 
الاربع من الزيارة» غير ان عودته كانت مسألة حزينة. اذ بدا العشب والمراعي 


233 


والاسيجة والبساتين الخلابة تنساب من بين اصابعه مثلما كانت تناسب من امام 
ناظريه انسيابا بطيئا. وشعر انه لا يرغب في رؤية وينزيات ثانية. كما غدت ساء 
الصباح الزرقاء ملبدة بستار عال من الغيوم» منذرة بزوابع رعدية سمعناها توا في 
بلدة لام وسرعان ما احذ ذهنه يغور عميقا في مناخ مشابه من الاستبطان الكئيب. 

كان هذا الاستيطان موجها الى حد كبير ضد ايرنستينا. فقد كان يعلم ان 
عمه لم ترقه تصرفاتها التافهة» الصعبة الارضاءء وافتقارها التام تقريبا الى الاهتمام 
بالحياة الريفية. ولا بد انما ظهرت لرجل وهب الكثير من حياته لتربية الحيوانات 
مدخلا حديدا بائسا لماشية رفيعة من مثل اسرة ميئسون. ثم ان أحد الروابط الي 
كانت تربط دوما بين العم وابن اخيه تمثلت في العزوبية - رعا فتحت سعادة 
تشارلز عيئن السير روبرت قليلا. واذا ما تروج هو فلم لا اتزوج انا؟ ثم هناك 
الشيء الوحيد الذي استحسنه العم في ايرنستينا استحسانا كاملا: مهر زواجها 
الحا ل. الا ان ذلك هو السبب نفسه الذي سمح له بتجريد تشارلز من الملكية 
بضمير مرتاح. 

غير ان تشارلز قبل كل شيء» شعر انه في وضع غير مريح من الدونية 
بخصوص ايرنستينا. لقد كان. دخله من املاك والده يكفي احتياحاته دوماء بيد انه 
۾ يزد الرأسمال. وبوصفه سيد وينزيات مستقبلاء ففي مستطاعه ان ينظر الى 
نفسه على انه يساوي العروس في ثروها... وما انه صاحب الدحل» فلا بد ان 
يغدو عالة مالية عليها. فكره هذا الشيء واصبح اصعب على الارضاء من معظم 
شبان طبقته وسنه. لقد كان البحث عن المهر عندهم (في ذلك الوقت» اصبح 
الدولار مقبولا مثل الحنيه الاسترليي) مسعى شريفا شأن صيد الثعالب او لعب 
القمار. رما كان ذلك هو السبب: شعر بالاسف على نفسه الا انه عرف ان 
القليلين من شأنهم ان يشاطروه مشاعره. بل ان ذلك زاد من استيائه بأن الظروف 
م تمعل ظلم عمه اكبر من ذلك: ولو انه صرف وقتا اطول في وينزيات» او 
لنفترض انه ل يلتق ايرنستينا في المقام الاول... 

غر أن برعا وشرو رة أظهار الفبير غلل ادا كانا رل شید رةه 
من بؤسه في ذلك النهار. 


234 


27 





كم جلست متأملا 
شبابي الغريب المشوه» 
باحثا بلا جدوى في كل خزائني. 
عن شعور واحد يعتمد على الصدق... 
ثابت مثل ثبات فؤادي, 
متذبذب كما ينبغي ان يكون» 
فانه حسن للاخرين ولي 
جاف مثل غبار الصيف. 
الانفعالات تأتي» والفعل والكلام 
ينسابان انسيابا حرا الى الامام: - لكن لاء 
لا هي ولا اي شيء اخر بوسعها ان تصل إلى 
العالم المدفون في الاعماق 
اي. اج. كلف: قصيدة 1840 


فتحت مدبرة البيت الباب. فقد كان الطبيب في غرفة المعاينة» على ما ييدو؛ لكن 
اذا رغب تشارلز في الانتظار في الطابق العلوي... وهكذاء سرعان ما وجد نفسه بعد 
ان نزع قبعته ورداءه الخارحي الفضفاض في تلك الغرفة نفسها الى احتسى فيها 
المشروبات المفضلة واعلن انه من انصار... كانت النار تضطرم ثي الموقد وكان الدليل 
على عشاء الطبيب المتروك موضوعا فوق منضدة دائرية» والذي اسرعت المدبرة في 
نقله» قرب النفذة المطلة على البحر. ومع تشارلز على الفور صوت اقدام على 
السلالم. تقدم بعدها غروغان موحيا بالدفء الى داحل الغرفة. مادا يده. 

- تسرن رؤيتك يا سميشسون. تلك المرأة الغبية الان - ألم تعطك شيئا لمقاومة 
المطر؟ 
- شكرا لك. 

كان يوشك ان يرفض الشراب المفضلء الا انه غير من رأيه. لما اصبح الكأس 
ف يده أفصح عن هدفه. 

235 


- لدي موضوع سري وشخصي اريد مناقشته. اني احتاج الى نصيحتك. 

وهنا ظهر بريق حافت في عييٰ الطبيب. لقد سبق ان قدم اليه شبان كثيرون 
مهذبون قبل زواحهم بوقت قصير. بعض الحالات كانت السيلان» حالات اقل من 
السفلس؛ أحيانا لم يكن هناك سوى الخوف, الخوف من الاستمناء. وكانت ثمة 
نظرية شائعة في ذلك الوقت تزعم ان الاستمناء يؤدي الى العنة» غير ان ذلك ليس 
سوى جهل. فقبل عام واحد لا اكثر حضر زوج شاب بائس» بلا اولاد» لرؤية 
الطبيب غروغان الذي اضطر ان يفسر له ان الحياة الجديدة لا تحدث ولا تولد من 
حلال السرة. 

- اتعلم؟ حسناء لست متأكدا من وجود بقية من النصائح الطبية لدي - 
لققد اعطيت كمية كبيرة منها اليوم. اساسا فيما يخص ما ينبغي عمله بشأن 
تلك المتعصبة العجوز اللعينة في منزل مارلبورو. امعت ما الذي اقدممت 
عليه؟ 
22 -هذاهو حقا الموضوع الذي ارغب في التحدث عنه واياك. 

احذ الطبيب شهيقا ينم عن الارتياح» وقفز ثانية الى الاستنتاج الخاطئ. 

- آه» من الموكد ان السيدة ترانتر قلقة. ابلغها نيابة عي اننا سنفعل كل ما في 
وسعنا. هناك مجموعة من الناس تبحث عنها. وقد عرضت مبلغ خمسة باوندات 
للرحل الذي يأ ها. 

ازدادت المرارة في صوته. 

-... او يعثر على جثة المخلوقة البائسة. 

- انها على قيد الحياة. لقد تلقيت رسالة منها قبل قليل. 

اطرق تشارلز امام نظرة الطبيب الي تنم عن الدهشة. ثم وجه كلامه اول الامر 
الى كأسه» ومن ثم شرع يقول الحقيقة عن لقاءاته بسارة - اي» كل الحقيقة تقريباء لأنه 
ترك مشاعره الخاصة ول يأت على ذكرها. وتمكن, او حاول» ان يلقي جزعا من اللوم 
على الطبيب غروغان وحديثهما السابق» معطيا لنفسه نوعا من المكانة العلمية لم يفشل 
الرجل القصير القامة والذكي من ملاحظتها. ان الاطباء الكبار في السن والقساوسة 
الكبار في السسن يشت ركون في شيء واحد: فهم يقدرون على اكتشاف الكذب او 
الغش» سواء كان ظاهرا او بمارسء؛ كما هو في حالة تشارلز» بدافع الحرج. وبينما هو 


26 


مسترسل في اعترافه» بدا طرف انف الطبيب غروغان ينتفض على نحو محازي. وقد اشر 
هذا الانتفاض اللامرئي شيئا يشبه تماما اسلوب سام في زم شفتيه. لم يظهر الطبيب اي 
اشارة تدل على شكوكه. وبين الفينة والفينة طرح بعض الاسئلة» الا انه ترك تشارلز 
عموما يتحدث حديثا متعثرا على نحو متزايد حي فاية قصته. ثم مض واقفا. 

- حسنا. لنفعل الاهم قبل المهم. لا بد لنا من استدعاء المساكين. الباحثين 
عنها اولا. 

كان الرعد الان اقرب بكثير من السابق وعلى الرغم من ان الستائر كانت 
مسدلة» فقد اهتز وميض البرق الابيض في انسجتها من وراء ظهر تشارلز. 

- لقد اتيت بأسرع ما استطيع. 

- نعم. لست موضع لوم في ذلك. الان دعي افكر. 

جلس الطبيب من وراء مكتب صغير في مؤخر الغرفة. مرت لحظات لم يسمع 
فيها اي صوت سوى صوت قلمه الحبر وهو يكتب به كتابة سريعة. ثم قرأ بعد 
ذلك ما كتبه امام تشارلز. 

«عزيزت فورسايث. وصلئ خبر في هذه اللحظة يفيد ان الانسة وودراف في 
امان. وهي لا ترغب في الافصاح عن مكان وجودهاء وفي وسعك ان تدأ بالا. 
ارجو ان تصلئ اخبار اخرى عنها يوم غد. ارجو اعطاء هذه المرفقات الى مجموعة 
الباحثين لدى عودهم». 

ثم قال لتشارلر: 

- ايكفى هذا؟ 

- ممتاز. سوى ان المرفقات يجب ان تكون من عندي. 

ثم احرج محفظة صغيرة مزركشة من صنع ايرنستيناء ووضع ثلاثة جنيهات 
استرلينية ذهبية فوق المكتب ذي الغطاء الاحضر الى حانب غروغان. فدفع هذا 
اثنين منها جانباء ثم رفع بصره» ورمق تشارلز بنظرة وابتسم. 

- السيد فورسايث يحاول الغاء المشروب المفضل الجهنمي. اعتقد ان قطعة 
واحدة من الذهب تكفي. 

ثم وضع الرسالة وقطعة النقد في داخل الظرف وختمه» وذهب لاتخاذ 
الترتيبات لارسال الرسالة على نحو عاحل. 


237 


وعاد وهو يتحدث. 

- والان» الفتاة ما الذي ينبغي عمله بشأما؟ اليست لديك اي فكرة عن 
مكان وجودها في هذه اللحظة؟ 

- لاء ابدا على الرغم من اني متأكد انما ستكون صباح الغد في المكان الذي 
اشارت اليه. 

- لكنك حتما لن تستطيع الذهاب الى هناك» فانت لا تستطيع في وضعك 
هذا المحازفة بأي فضيحة اخرى. 

نظر تشارلز اليه» ثم حفض بصره» ونظر الى السجادة. 

- انا تحت تصرفك. 

نظر الطبيب نظرة الى تشارلز. لقد اعد الان اختبارا صغيرا يفحص به 
عقل ضيفه. وقد كشف ذلك الاختبار عما كان يتوقعه. استدار وابحه 
صوب رفوف الكتب القريبة من مكتبه» ثم عاد وهو يحمل المحلد نفسه 
الذي سبق ان اطلع تشارلز عليه. وجلس قبالته والمقعد يفصل بينهما. 
ابتسم ابتسامة صغيرة» ونظر الى تشارلز من فوق نظارته» ووضع يده فوق 


الكتاب. 
- لن يخرج الى ما وراء حدران هذه الحجرة كل ما قيل فيها او كل ما تبقى 
من قول. 


- لم يكن هذا ضروريا يا عزيزي الطبيب. 

- والنصف الاخر؟ 

- الثقة في المريض. 

الا انه اتتصب واقفا قبل ان يتمكن تشارلز من الكلام. 

- حسنا الان. لقد اتيت الي طالبا النصيحة. اليس كذلك؟ 

نظر الى تشارلز كأنه عازم تقريبا على الملاكمة» لم يعد الايرلندي المازح بل 
المقاتل. ثم بدا يذرع الغرفة جيعة وذهابا ويداه مثبتتان من تحت سترته. 


238 


- انين امرأة شابة فائقة الذكاء» حظيت بقسط من التعليم. اعتقد ان العام 
ظلمي ولا استطيع السيطرة تماما على عواطفي. اتصرف تصرفات طائشة» من مثل 
رمي نفسي امام نذل وسيم يصادفئ في طريقي» والاسوأ من هذاء ان وقعت في 
هوى ان اكون ضحية القدر. واستخدم طريقة محترفة حدا للظهور يمظهر المرأة 
المكتعبة. لدي عينان مأساويتان. ابكي دون سبب. الم. الخ. والان... 

اشار الطبيب القصير القامة بيده صوب الباب كأنه يستحضر السحر. 

- يدعحل شاب. ذكي. وسيم. نموذج مثالي للطبقة الي علمتئ ثقافي ان 
اعجب با. الاحظ انه مهتم بي. كلما ظهرت حزينة اكثرء زاد اهتمامه بي 
على ما يبدو. اركع امامه» فيرفعيٰ لاقف على قدمي يعاملئ كأنيٰ سيدة. لاء بل 
اكثر من ذلك. ويعرض علي بروح الاخوة المساعدة كي اهرب من قدري البائس. 

حاول تشارلز مقاطعة الطبيب الا ان هذا اسكته. 

- اني في منتهى العجز. لا استطيع ان استخدم أيا من اساليب الخداع الي 
تستخدمها بنات جنسي الاوفر حظا في اغواء الرحال نحوهن. 

- الا اني املك سلاحا واحدا لا غير. الشفقة الي اثيرها في نفس هذا الرحل 
الطيب القلب. ان هذه الشفقة تحتاج الى الكثير من التغذية. وقد غذيت هذا 
الانسان الطيب بمماضي فالتهمه. اذا ماذا في وسعي ان افعل؟ لا بد من جعله يشعر 
بالشفقة على حاضري. وذات يوم وبينما اسير في المكان الذي حرم علي السير 
فيه» انتهز فرصييّ. اظهر امام شخص اعرف تاما انه سينقل جرعي الى الشخص 
الوحيد الذي لن يغفرها. واذ ذاك اطرد من وظيفي. فأتوارى عن الانظار في ظل 
افتراض قوي سببه انى سأرمي نفسي من فوق اقرب قمة حرف. وبعد هذاء وبينما 
انافي النزاع الاخير» اصرخ من الاعماق» او على نحو ادق من الاعالي» منادية 
منقذي ان يهرع الى بحدني. 

توقف وقفة طويلة والتقت عينا تشارلز بعينيه التقاء بطيئا. فابتسم الطبيب. 

- لكن اقامك المحدد - انها دعت... 

جلس الطبيب» وبعث الحياة في الموقد. 


239 


- لقد استدعيت مبكرا صباح اليوم الى بيت مارلبوروء لم اعرف ما هو 
السبب - كل ما هناك ان السيدة بي. كانت متوعكة. وقد اخبرتئ السيدة فيرلي - 
مدبرة المنزل» كما تعلم - .ملخص ما كان قد حدث. 

توقف و رکز نظره في عيئ تشارلز الحزينتين. 

- كانت السيدة فيرلي قد ذهبت يوم امس الى حقل مصنع الالبان في وير 
كليفزء وقد سارت الفتاة من امامها بعد ان حرحت من الغابة. ان تلك المرأة 
تشبه سيدتا تمام الشبه وانا وائق انما انخزرت مهمتها التالية بكل الرغبة الوضيعة 
الي تمتلكها مثيلاتها. غير اني مقتنع يا عزيزي سميثسون انها فعلت ذلك 
عمدا. 

- تقصد... 

وهنا اومأ الطبيب» بينما القى عليه تشارلز نظرة شنيعة» ومن ثم ثارت 
ثائرته. 

- لا استطيع ان اصدق ذلك» ليس محتملا اها... 

لم يفرغ من جملته اذ مس الطبيب. 

- بل محتمل» وااسفاه. 

- لكن فقط الشخص الذي يملك... 

كاد ان يقول عقلا منحر فا الا انه فض فجأة, واتحه صوب النافذة» وفتح 
الستارة» وامعن النظر الى الليل المدلهم لحظة من الزمن. واضاءت ومضة شاحبة 
مزرقة من البرق الكوب والشاطئع والبحر الساكن. استدار. 

- لقد ارغمت على ذلكء اذا توحينا الدقة. 

- نعم. اعتقد انك ارغمت. لكن هذا الارغام يتطلب شخصا كربا. ولا بد 
لك من ان تتذكر ان العقل المشوش ليس عقلا احراميا. وني هذه الحالة» يجب ان 
تؤمن ان اليأس مرضء لا اكثر ولا اقل. ان تلك الفتاة مصابة بالكوليرا يا 
ميشسون» بتيفوئيد الملكات العقلية. يحب عليك ان تفكر مها على هذا النحوء لا 
على اساس اها مدبرة خحبيثة. 

عاد تشارلز الى الغرفة. 

ما هو برأيك غرضها النهائي؟ 


240 


-اشك في ان تعرف هي غرضها النهائي. فهي تعيش يوما بيوم» ولا بد ها 
من ذلك. فلا يمكن لانسان بمتلك قدرا من بعد النظر ان يتصرف على النحو الذي 


تصرفت به. 
- لکن لا يمكن لها ان تفترض افتراضا جادا ان شخصا في مثل مكان... 


ابتسم الطبيب ابتسامة ضارية. 

- لقد عرفت مومسات كثيرات. ولا بد لي من الاسراع في القول إن ذلك 
سببه مواصلة ومتابعة وظيفق» لا وظيفتهن. واتمئ لو ان كنت املك جنيها واحدا 
اعطيه لكل واحدة سمعتها تتشفى من ان الغالبية من ضحاياهن الازواج والاباء. 

حدق الى الموقد» الى ماضيه. 

- ان منبوذة» الا ان سأنتقم. 

- انت تحعلها تبدو وكأنا عدو - وهو امر غير صحيح. 

تحدث بحماس» والتفت على نحو عاجل. 

- لا يمكن ان اصدق هذا عنها. 

- لانك تحبها الى حد ماء هذا اذا سمحت لرحل عجوز في مثل مقام ابيك ان 
يقول شيئا كهذا. 

استدار تشارلز» وحدق الى وجه الطبيب اللطيف. 

- لا اسمح لك ان تقول هذا الكلام. 

اح غروغان رأسه. فاضاف تشارلز في حضم الصمت. 

- هذه اهانة كبيرة للانسة فربمان. 

- حقا. لكن من هو الذي يوجه الاهانة؟ 

بلع تشارلز ريقه. م يكن في وسعه احتمال تلك العينين المغيظتين ونظر نظرة 
ملية الى الغرفة الطويلة كأنه يريد الانصراف. الا انه قبل ان يتمكن من الوصول الى 
الباب» امسك به غروغان من ذراعه وجعله يلتفت» ثم امسك بالذراع الثانية. كان 
قاسياء كلبا من كلاب الصيد النشطة ازاء مهابة تشارلز. 

- الا نؤمن كلانا بالعلم ايها الرحل؟ الا نؤمن معا ان الحقيقة هي المبدأ العظيم 
الاول؟ لماذا قضى سقراط نحبه؟ للاحتفاظ بالوجاهة الاجتماعية؟ اكراما للذوق؟ اتعتقد 


241 


انب في اثناء سنوات عملي الاربعين طبيبا ل اتعلم م يكون الانسان في شدة؟ ولا 
يخفي الحقيقة عن نفسه؟ اعرف نفسك يا ميئسون. اعرف نفسك. 

لفح مزيج النار الايرلندية والاغريقية القديمة في روح غروغان وجه تشارلز. 
وقف وهو ينظر مليا الى الطبيب» ثم اعرض بوجهه. وعاد الى الموقد وظهره الى 
معلمه. ران صمت طویل» وراقبه غروغان على نحو مركز. 

اخيرا تكلم تشارلز. 

- لم احلق للزواج. مصيبيٍ اني اد ركت هذا بعد فوات الاوان. 

- اقرأت مؤلفات مالفثوس87؟ 

هز تشارلز رأسه علامة النفي. 

- لقد كان يؤمن ان مأساة الجنس البشري هي ان اقل الناس قدرة على البقاء 
على قيد الحياة يتوالدون اكثر من غيرهم. لهذاء لا تقل انك لم تخلق للرواج يا 
ولدي. ولا تلم نفسك لانك اغرمت بتلك الفتاة. اعتقد اني اعرف سبب هروب 
ذلك البحار الفرنسي. لقد كان يعلم ان لها عينين يبمكن ان يغرق فيهما اي انسان. 

استدار تشارلز وهو يتعذب. 

- اقسم بشرف المقدس ان شيئا غير لائق لم يحدث بين وبينها. يجب ان 
تصدق هذا الكلام. 

- اصدقك. لكن دعين اضعك في احتبار الاستجواب القدهم. اترغب في 
سماعها؟ اترغب في رؤيتها؟ اترغب في لمسها؟ 

اعرض تشارلز بوجهه ثانية» وتمالك فوق احد المقاعد واضعا وحهه بين يديه. 
م يقل شيئاء غير ان ذلك افصح بكل شيء. وبعد لحظة واحدة» رفع رأسه وحملق 
في الموقد. 

- اوه ياعزيزي غروغان» لو كنت تعرف فوضى الحياة الى عشتهاء 
ضياعها... لا فائدتما. ليس لي اي هدف اخلاقي» ولا اي احساس حقيقي 
بالواحب بحاه اي شيء. قبل اشهر قليلة كنت املك وانا في الحادية والعشرين امالا 
عظيمة... لكن حاب ظييْ. والان تحدى اتورط قي هذه القضية البائسة... 


(87) توماس مالثوس (1834-1766): عالم اقتصاد انكليزيء دعا الى كبح التزايد المتعاظم في 
عدد سكان العالم عن طريق ضبط النسل. (المترجم) 


242 


تقدم غروغان صوبه» وامسك بكتفه. 

- انت لست اول رجل يرتاب في خياره عروسته. 

- انها لا تعلم الا القليل ما انا عليه حقا. 

-انها... ماذا؟ عشر سنوات اصغر منك؟ ولم تعرفك الا منذ ستة اشهر. 
كيف تستطيع فهمك اذا الان؟ لقد تخرجحت من المدرسة توا. 

هز تشارلز رأسه مكتثبا. اذ لم يستطع احبار الطبيب برأيه الحقيقي في 
ايرنستينا: انها لن تفهمه ابدا. وشعر انه حرد تماما من ذكائه. وانه حذل في اختياره 
شريكة حياته. اذ كان تشارلز» شأنه شأن الكثير من الفكتوريين» ورا من هم في 
عصر احدث» يعيش كل حياته تحت تأثير المثالي. هناك بعض الرجال الذين يجدون 
العزاء في فكرة ان هناك نساء اقل حاذبية من زوحاتمم. واخرون تستحوذ عليهم 
المعرفة ان هناك من هن اكثر حاذبية. وقد ادرك تشارلز الان بوضوح اكبر مما 

قال بصوت خحفيض. 

- ليست غلطتها. لا يبمكن ذلك. 

- يجب ان اؤمن بأنها ليست غلطتها. فتاة شابة بريئة كهذه. 

- سأوفي بوعدي ها. 

- مؤكد. 

صمت . 
- قل لي ماذا افعل؟ 

- اولا احبر بحقيقة مشاعرك باه الفتاة الاخرى. 

رفع تشارلز بصره يائسا. ثم حفض بصره» ونظر الى الموقد» وحاول في هاية 
المطاف ان يقول الحقيقة. 

- لا استطيع ان اقول يا غروغان. اني احد نفسي لغزا ازاء كل ما يخصها. 
اني لا احبها. وكيف بمكن ذلك؟ امرأة معرضة للشبهات الى هذا الحد. امرأة تعاني 
من مرض عقلي كما تقول لي انت. لكن... انه اشبه... اني اشعر كأنئي رجحل 
تسلطت عليه فكرة جنونية على الرغم من ارادته - على الرغم من كل الاشياء 
الحسنة في شخصيته. وح في هذه اللحظة ارى وجهها يبرز امامي منكرا كل ما 


243 


تقول. هناك شيء ما فيها. معرفة» حوف من اشياء انبل من ان تكون متطابقة مع 
الشر او الجنون» تحت الزيف... لا استطيع ان افسر اي شيء. 

- لم انسب الشر اليها. بل الياس. 

لا صوت سوى فرقعة واحد او اثنين من الواح ارضية الغرفة في اثناء سير 
الطبيب. اخيرا تكلم تشارلز ثانية. 

- ماذا تنصحي؟ 

- ان ترك كل شيء تحت تصرفي. 

-اتذهب لرؤيتها؟ 

- سأنتعل حذائي» واخبرها انك استدعيت على نحو غير متوقع. ولا بد لك 
من الذهاب يا سميثسون. 

- يصادف كثيرا ان تكون لدي مشاغل عاجلة في لندن. 

- هذا افضل. واقترح ان تطرح الموضوع برمته امام الانسة فرعان قبل 
سفرك 

- قررت قبل الان ان افعل ذلك. 

فض تشارلز على قدميه. الا ان ذلك الوجه ظل ماثلا امامه. 

- وهئ - ماذا ستفعل انت؟ 

- الشيء الكثير يعتمد على حالتها العقلية. رعا كان الشيء الذي يبقيها في 
حالة عقلية سليمة حي الان هو اعتقادها انك تعطف عليها - رما اعذب من ذلك 
- واحشى ان تؤدي الصدمة الناجمة عن عدم حضورك الى كآبة اشد. لا بد لنا من 
توقع ذلك. 

حفض تشارلز بصره. 

- لن تلوم نفسك من جراء هذا. ولو لم تكن انت» فقد يكون شخص اخر. 
ان مثل هذه القضية تحعل الامور اكثر سهولة على نحو ما. سأعرف اي سبيل اتخذ. 

حملق تشارلز في السجادة. 

- مستشفى الامراض العقلية. 

- ذلك الزميل الذي حدثتك عنه - انه يشاطرن الرأي في معالجة مثل هذه 
الحالات. سنفعل ما في وسعنا. وستكون مستعدا لدفع جزء من النفقات. 


244 


- كل شيء من احل التخلص منها؛ دون الحاق اي اذى بما. 

- اعرف مصحة امراض عقلية خاصة في اكستر. وفيها يرقد بعض المرضى 
الذين يعالجهم صديقي سبنسر. وتتم هذه المعالجة باسلوب ذكي ومتنور. 

ولا احب ان اوصي ممصحة حكومية في هذه المرحلة. 

- لا سمح الله. لقد تناهى الى معي الكثير من التقارير الرهيبة عنها. 

- اطمئن. هذه المكان نموذجي تماما. 

- اننا لا تتحدث عن ايداعها في مستشفى الامراض العقلية؟ 

مر في ذهن تشارلز الان شبح الخيانة: ان الحديث عنها مثل هذا الحديث 
الطبي» والتفكير بها وهي سجينة غرفة صغيرة... 

- لاء ابدا. اننا نتحدث عن مكان يمكن ان تشفى فيه جراحها النفسية» 
وحيث ستقى العناية الرقيقة وتبقى مشغولة - وستحظى بفوائد خبرة سبنسر 
ورعايته الفائقتين. لقد عالح مثل هذه الحالات وهو يعرف عمله جيدا. 

تردد تشارلز» ثم وقف ومد يده. كان في حالته الراهنة يحتاج الى الاوامر 
والوصفات الطبية. وما ان حصل عليها حي تحسنت حاله. 

- اشعر انك انقذت حياتي. 

- كلام فارغ يا صديقي العزيز. 

- لا. ليس كلاما فارغا. سأكون مدينا لك طيلة حياتي. 

- اذا دعبي اكتب اسم عروستك في لائحة الدائنين. 

- سأوفي الدين. 

- وامنح المخلوقة الفاتنة بعض الوقت. فافضل انواع المشروب المفضل تتطلب 
اطول وقت كي تنضج. اليس كذلك؟ 

- في مثل حالي» احشى ان نفس الشيء ينطبق على نوع رديء جدا. 

- اه. هراء. 

ربت الطبيب على كتفه. 

- حطر على بالي انك تقرأ باللغة الفرنسية؟ 

ابدى تشارلز موافقة تشوبها الدهشة. ففتش غروغان بين رفوفه» وعثر على 
كتاب ثم أشّر احدى الفقرات فيه بقلم الرصاص قبل ان يقدمه لضيفه. 


245 


- لن تحتاج الى قراءة المحاكمة كلها. الا اني احب ان تقرأ هذا الدليل 
الطبسي الذي قدمه حامي الدفاع. 

- حملق تشارلز في المجلد. 

- تطهير؟ 

ابتسم الطبيب القصير القامة ابتسامة قزم خرافي. 

م شيء مشابه لذلك. 


246 


28 





افتراضات» سريعة» فجةء لا جدوى فيهاء 
غالبا ما يتنازل العلم ويستعملها؛ 
الفلينات التي يستعملها المبتدئون اليوم 
سرعان ما سيرمي بها السابحون جانبا. 
اي. جي. كلف: قصيدة 1840 


ثانية اقفز لاوضح اختياري؛ 
ثانية بلهجة غاضبة 
اسمع صوت اله مدويا - 
اسمع النصيحة وانسحب! 
ماثيو ارنولد: البحيرة 1853 


تعد محاكمة الملازم اميل دي لارونسييه في عام 1835 من اكثر القضايا اثارة 
للاهتمام من ناحية الطب النفسي في بواكير القرن التاسع عشر. كان اميل ابن 
الضابط الصارم الكونت دي لارونسييه» عابثا على ما يبدو - اتخذ له خليلة وغرق 
في الديون - غير انه لم يكن شابا غريبا في اطار وظيفته» زمانه» وبلاده. في عام 
4 التحق .مدرسة الخيالة الشهيرة في سامور قي وادي اللوار. وكان آمره البارون 
دي موريل الذي كانت له ابنة متوترة الاعصاب في السادسة عشرة من عمرها 
تدعى ماري. وقي ذاك الزمن» كانت بيوت الضباط القادة في الثكنات تصلح لأن 
تكون مائدة مشتركة مع من هم ادن رتبة. وفي احدى الامسيات» استدعى 
البارون الملازم وهو عنيد» متكبر؛ مثل والد اميل لكن اشد تأثيرا» وذلك في اثناء 
حضور انحوته الضباط والعديد من السيدات وامره غاضبا ان يترك البيت. وف اليوم 
التالي عرضت على لارونسييه مجموعة سيئة من رسائل محررة بروح من الخبث 
والحقد تمده اسرة موريل. وقد اظهرت كل تلك الرسائل معرفة خارقة بادق 
التفاصيل الخاصة بحياة الاسرة» وموقعة بالاحرف الاولى من اسم الملازم؛ وكانت 
تلك شائبة غير معقولة في قضية الدعوى. 


217 


وحدث ما هو اسوأ من ذلك. ففي ليلة الرابع والعشرين من ايلول/سبتمبر 
4 ايقظت الفتاة البالغة ستة عشر عاما مربيتها الانكليزية الانسة الين» واخحبرما 
والدموع تنهمر من مقلتيها كيف ان لارونسييه اقتحم بزيه الكامل حجرة نومها 
المحاورة من خلال النافذة» واحكم اغلاق الباب بالرتاج» وتوعدها بشكل فاحش» 
وضرها فوق صدرها وعلى يدها ثم ارغمها على رفع قميص نومها وحرحها في 
اعلى الفخحذ» وبعد ذلك هرب من نفس الطريق الذي اتى منه. 

في صبيحة اليوم التالي» تلقى ملازم احر تحابيه ماري دي موريل رسالة 
تنطوي على اهانة بالغة من لارونسييه على ما يبدو. فجرى النزال بينهما وفاز 
لارونسييه» غير ان الخصم الذي اصيب اصابة بليغة رفض هو ومساعده الاعتراف 
بزيف التهمة المسمومة. وتوعدا لارونسييه اهما سيخبران والده ان لم يوقع اعترافا 
بالذنب؛ وما ان يتحقق ذلك فإن القضية ستصبح في طي النسيان. وبعد ليلة من 
التردد المؤلم» وافق لارونسييه على التوقيع. 

بعد ذلك طلب اجازة وسافر الى باريس معتقدا ان من شأن المسألة ان 
تطمس. غير ان الرسائل الموقعة استمرت في الظهور في بيت موريل وادعت بعضها 
ان ماري حامل» في حين ذكرت اخرى ان والديها سيلقيان مصرعهما وهلم جرا. 
وبات الامر فوق طاقة احتمال البارون» فاعتقل لارونسييه. 

لقد كان عدد الظروف المؤاتية للمتهم كبير حدا حى اننا لا نكاد نصدق 
اليوم انه كان ينبغي تقديمه للمحاكمة» ناهيك عن ادانته. اولاء كان معروفا في 
سامور ان ماري استاءت من اعجاب لارونسييه الواضح بأمها الحذابة» الي كانت 
الابنة تخار منها كل الغيرة. وكان قصر موريل محاطا بالحراس في ليلة محاولة 
الاغقصاب. ولم يلحظ اي شخص شيئا مريبا» وعلى الرغم من ان حجرة النوم 
المقصودة كانت في الطابق العلوي» ولا يمكن الوصول اليها الا عن طريق سلم فإن 
الامر كان يحتاج الى ثلاثة اشخاص على الاقل لنقله ونصبه - لهذا السبب» فانه 
سيكون سلما من شأنه ان يترك الاثار في التربة الناعمة تحت النافذة... فقرر محامي 
الدفاع عدم وحود شيء كهذا. يضاف الى ذلك» اشار مركب الزجاج الذي جيء 
به لاصسلاح الزجاج المكسور بفعل المتطفل ان كل الزجاج المكسور قد سقط 
حارج البيت وانه كان يستحيل قي اي حالة الوصول الى مقبض النافذة من خلال 


248 


الفتحة الصغيرة. ثم سأل الدفاع عن السبب الذي جعل ماري لا تصرخ ابدا طالبة 
النجدة في اثناء الاعتداءء والسبب الذي لم تستيقظ فيه الانسة الين من نومها 
الخفيف على صوت الشجارء ولماذا اوت الاثنتان الى فراشهما للنوم ثانية دون ان 
توقظا السيدة دي موريل الي كانت تنام طيلة الحادثة في الطابق التحتانى» لماذا لم 
يفحص جرح الفخذ الا بعد شهور من الحادثة (وتبين اذ ذاك انه خحدش بسيط 
وشفي الان تماما)» لماذا ذهبت ماري الى حفلة بعد امسيتين اثنتين لا اكثر 
واستأنفت حياقا الاعتيادية تماما حي وقت حدوث الاعتقال - عندما اصيبت 
فجأة بانميار عصبي (مرة احرى اظهر الدفاع انه انميار بعيد عن ان يكون الاول 
في حسياتها الفتية)» كيف يمكن للرسائل ان تستمر في الظهور حى عندما اصبح 
لارونسييه المفلس نزيل السجنء ينتظر المحاكمة» لماذا لم يعمد اي كاتب رسائل 
محررة بدافع من الخبث ويملك قواه العقلية لا الى التدكر في الكتابة (الى يمكن 
تقليدها بسهولة) وحسب» بل الى ان يوقع اسمه ايضاء لماذا اظهرت الرسائل دقة في 
المجاء والنحو (ولسوف يشر طلاب الفرنسية بالسرور عندما يعلمون ان 
لارونسييه نسي دوما ان يجعل اسماء المفاعيل متطابقة) افتقرت اليها افتقارا واضحا 
مراسلات حقيقية قدمت للمقارنة» لماذا احفق مرتين في قجئة امه صحيحاء ولاذا 
ظهرت الرسائل الي قتم بالحرعة مكتوبة على ورق باثل مجموعة اوراق وحدت في 
مكتب ماري؟ باختصارء لماذاء لماذاء لماذا؟ واوضح الدفاع في ار شكوكه ان 
بجموعة ممائلة من هذه الرسائل وحدت مسبقا في بيت موريل بباريس وفي وقت 
كان فيه لارونسييه في الجانب الاخر من العالم؛ يؤدي الخدمة العسكرية في مدينة 
کایین؟. 

غير ان الظلم النهائي الذي حدث في المحاكمة (اليَ حضرها هوغوء بلزاك 
وحورج صاند ضمن العديد من الشخصيات المشهورة) تمثل في رفض امحكمة 
السماح باستجواب شاهد الدعوى الاساسي: ماري دي موريل. فقد قدمت 
شهادتها بأسلوب هادئ» رابطة الحاش» الا ان رئيس الحكمة قرر ان تواضعها 
وحالتها العصبية الضعيفة تحول دون اي استجواب اضافيء وذلك بعد ان اثرت 
فيه نظرات البارون المحدقة كفوهة مدفع وجحموعة مهيبة من الاقارب البارزين. 


(88) كايين: ميناء في غيانا الفرنسية في الجزء الشمالي من اميركا الجنوبية. (المترجم) 


249 


ثبتت ادانه لارونسييه وصدر الحكم عليه بالسجن عشر سنوات وعارض 
الحكم كل محام بارز في اوروباء لكن بلا فائدة. وق وسعنا ان نفهم لماذا ادين» او 
على وجه الدقة» بأي شيء ادين: بالمكانة الاجتماعية» باسطورة العذراء الصافية 
الذهن» بالجهل النفساني» .مجتمع وهو ينم عن رد فعل افكار الحرية الضارة الي 
اشاعتها الثورة الفرنسية. 

دعون الان اترحم الصفحات الى اشرها الطبيب. انها مأخوذة عن كتاب 
ملاحظات طبية نفسانية للدكتور كارل ماتاي» وهو طبيب الماني مشهور في زمانه» 
وقد الفه تأييدا لاستئناف ضد الحكم الصادر بحق لارونسييه. وكان ماتاي من 
الذكاء لأن يدون التواريخ ال وقعت فيها الرسائل الداعرة الي انتهت .محاولة 
الاغتصاب. فوجد انما تقع ضمن نموذج شهري - او طمثي - واضح. وبعد تحليل 
الدليل المقدم الى المحكمة» يتقدم السيد الطبيب ليوضح بلهجة اخحلاقية الى حدّ ما 
المرض العقلي الذي نطلق عليه اليوم اسم الهستيريا - اي نظرية اعراض مرض او 
عجسز لنيل عطف الاحرين او لفت انظارهم: وهو اضطراب عصبي وظيفي او 
اضطراب عقلي سببه الثابت تقريبا - كما نعرف الان - هو الكبت الجحنسي. 

«لو انسي تأملت سير حيات العملية بوصفي طبيباء فانئ اتذكر العديد من 
الحالات الى كانت فيها الفتيات هن البطلات» على الرغم من ان اشتراكهن بدا 
مستحيلا منذ مدة طويلة». 

«فقبل اربعين سنة» كان من بين مرضاي اسرة فريق في الخيالة. وكان يملك 
عقارا صغيرا على بعد ستة اميال من المدينة الي كانت توجد فيها حاميته 
العسكرية» وعاش هناك ممتطيا ظهر الحصان في طريقه الى البلدة كلما كان لديه 
واحب. وكانت لديه ابنة على قدر حارق من الحمال في السادسة عشرة من 
عمرهاء ترغب رغبة جياشة في ان يعيش والدها في البلدة. ولم تعرف الاسباب 
الدقيقة لذلك» لكن مما لا ريب فيه اهما رغبت في ان تكون بمعية الضباط وتستمتع 
بمباهج المجتمع هناك. ولتحقيق غايتها احتارت اسلوبا في منتهى الاجرام: اضرمت 
النار في البيت الريفي لاحراقه. وذات يوم احترق ثانية احد اجزاء البيت. وبعد 
ذلك حدثت ما لا تقل عن ثلاثين محاولة حرق متعمد» ولم تكتشف هوية 
الفاعل ابداء وقد اعتقل العديد من الاشخاص وجرى استجوايم. والشخص 


250 


الوحيد الذي لم يثر الشكوك هو تلك الابنة الشابة الجميلة البريئة. مرت سنوات 
كثيرة» واخيرا قبض عليها بالجرم المشهود وحكم عليها بالسجن المؤبد في 
احدى الاصلاحيات. 

«في مدينة المانية كبيرة» وجدت احدى الشابات من احدى الأسر العريقة 
سعادمًا في ارسال رسائل تخلو من التوقيع هدفها تحطيم احدى الزيجات السعيدة 
مؤخرا. كما اشاعت الفضائح المشينة بصدد سيدة شابة احرى اثارت اعجابا 
شديدا لما تمتلكه من مواهب ويهذا اصبحت موضع حسد. استمرت 
هذه الرسائل طيلة سنوات. ولم يقع اي ظل من الشك على المؤلفة» على الرغم 
من ان الكثير من الناس اتمموا. وفي فاية المطاف» كشفت عن نفسها 
ووحه اليها الافام فاعترفت بجريمتها... وقضت فترة طويلة في السجن 
لشرورها». 

«مرة احرى» في الوقت نفسه وقي هذا المكان نفسه الذي اكتب فيه الان“ 
تقوم الشرطة بالتحقيق في قضية مشافة... 

ا Ss‏ 
بنفسها طمعا في الوصول الى غايتها. غير ان عذابها كان في منتهى البساطة مقارنة 
بغيره في قضايا احرى من حوليات الطب. وفيما يلي بعض الامثلة الي تسترعي 
الانتباه». 

«عرف الاستاذ هيرهولدت من كوبنهاغن شابة جحذابة ذات ثقافة رفيعة ومن 
اسرة ثرية. وقد حدع يما حداعا كاملا شأنه في ذلك شأن الكثيرين من زملائه. 
واستخدمت كل ما لديها من حيلة ودأب لتنفيذ خدعها وعلى مدى سنين عديدة. 
بل انها عمدت الى تعذيب نفسها بأقسى ما يمكن من وحشية. فغرزت بضع مئات 

من الدبابيس في احزاء مختلفة من جسدها. ولا حدئت فيها بعض الالتهابات 
والتقيحات عمدت الى شق تلك الاجزاء بآلة حادة. ولما رفضت ان تتبول» اخذ 
البول يستخر ج منها صباح كل يوم عن طريق القسطرة. وعمدت الى ادخال الحواء 
الى مثانتهاء فكان يهرب عند ادحال الآلة. وظلت سنة ونصف السنة وهي راقدة 


(*) هانوفر 1836. (المؤلف) 


251 


دون حركة» لا تتكلمء ترفض الطعام» تتظاهر بالتشنج» تصيبها نوبات الاغماء 
وغير ذلك. وقبل ان تكتشف حيلهاء فحصها عدد من الاطباء المشهورين» اتى 
بعضهم من خارج البلادء وهالهم ان يشاهدوا مثل ذلك العذاب. وقد نشرت 
قصتها الحزينة في كل الصحضف» ولح يراود احد الشك في صحة حالتها. واخيراء 
في 1826ء اكتشفت الحقيقة. وكانت الدوافع الوحيدة لهذا النصب والاحتيال 
البالغي الذكاء أن تصبح موضع اعجاب الرحال ودهشتهم اذ سخرت من 
اكثرهم ثقافة وشهرة وادراكا. ان تاريخ هذه القضية المهمة من وجهة النظر 
النفسانية يمكن العثور عليها في مؤلف هيرهولدت: ملاحظات عن مرض ريشل 
هيرتز بين 1826-1807. 

«وفي مدينة لونبرغ عثرت ام وابنتها على خطة هدفها استدرار الكثير من 
الععطضف على نفسيهما - وهي خطة سعت الاثنتان وراءها حى النهاية بعزم 
فظيع. فقد شكت الابنة من الم لا يطاق في احد هديهاء وندبت وبكت» 
وناشدت اهل الاختصاص» وحربت كل انواع العلاج» غير ان الام استمر 
على حاله. وثارت الشكوك حول السرطان. فقررت دون تردد ان يستأصل 
النهد» لكن تبين انه سليم تماما. وبعد مرور بضع سنوات» لعبت نفس الدور 
القديم بعد ان خفت حدة العاطفة تحاهها. فاستؤصل الثدي الثاني. ووجد 
انه ثدي سليم تماما مثل الثدي الاول. ولا حفت حدة العطف ثانية احذت 
تشكو من الم في يدها. فأرادت ان تستأصل يدها. غير ان الشكوك حامت من 
حوها. فأرسلت الى المستشفى» واقمت بادعاءات باطلة ومن ثم القي ما في 
المتحن: 

«ويخبرنا لينتين في كتابه ملحق المعرفة العملية للطب» هانوفر 21798 يهذه 
القصة الي كان شاهدا فيها. استخرج من فتاة ليست كبيرة حدا ما لا يقل عن مئة 
واربع حصوات في عشرة اشهر بوساطة الملقط بعد عملية استئصال سابقة للمثانة 
وعنقهاء وقد عمدت الفتاة الى ادخال الحصى الى مثانتها على الرغم من ان 
العمليات اللاحقة سببت لما حسارة كبيرة في الدم وألما عظيما. وقبل هذه كانت 
تنقيأ وتصاب بالتشنج اضافة الى اعراض عنيفة مختلفة الاشكال. وقد اظهرت براعة 
نادرة في اساليب تضليلها. 


252 


«بعد مثل هذه الامثلة» الي حكن التوسع فيها على نحو سهلء من ذا الذي 
يقول انه يستحيل على فتاة ان تعمد الى الحاق الاذى بنفسها من اجل الوصول الى 
غايتها المنشودة“؟». 

كانت الصفحات الاخيرة تلك هي اول الصفحات الي قرأها تشارلز 
وجاءت بمثابة صدمة قاسية له اذ لم تكن لديه اي فكرة عن وجود مثل هذه 
الانمحرافات لدى الجنس اللطيف. كما لم يستطع ان يدرك حقا المرض العقلي 
من النمط المستيري وماهيته: سعي يرثى له من احل الحب والامان. وعاد الى 
بداية تقرير المحاكمة ووجد نفسه مدفوعا اليه» وعلى نحو مميت. وقلما احتاج 
الى القول انه شبه نفسه على الفور باميل در لارونسييه البائس. وعند فاية 
امحاكمة وصل الى تاريخ حعل فرائصه ترتعد. ففي اليوم الذي ادين فيه الملازم 
الفرنسي الاحر كان هو نفس اليوم الذي ولد فيه تشارلز. وفي لحظة من الزمن؛ 
وفي ذلك الليل الصامت في دورسيت» تحلل العقل والعلم» كانت الحياة آلة 
مظلمة» علم تنجيم سيئ الطالع» حكم عند الولادة» بلا استغناف» صفر فوق 
كل شيء. 

لم يشعر ابدا انه اقل حرية. 

ولم يشعر ابدا انه اقل حاجة للنوم من الان. نظر الى ساعته فوجدها الرابعة 
الا عشر دقائق. كل شيء هادئ الان في الخارج. لقد مرت العاصفة. فتح تشارلز 
احدى النوافذ وتنفس هواء الربيع البارد والنقي. تألقت النجوم بوهن من فوقه» 


(*) لا استطيع ان اترك قصة لارونسييه - التي نقلتها عن مصدر عام 1835 الذي ناوله الطبيب 
غروغان لتشارلز - دون ان اضيف انه في العام 1848 وبعد مرور بضع سنين على انهاء 
الملازم فترة حكمه؛ ارتاب احد محامي الدفاع الحقيقيين بانه ساعد في ارتكاب الظلم. وكان 
انذاك في موقع يستطيع منه اعادة فتح ملف القضيةء فبرئ لارونسييه واعيد له اعتباره 
واستانف حياته العسكرية وربما عثر عليه في الساعة التي كان يقرأ فيها تشارلز ذروة 
حياته المظلمة وهو يحيا حياة راضية حاكما عسكريا في (تاهيتي). غير ان قصته انتهت 
نهاية غريبة. ففي وقت متأخر اكتشف انه كان يستحق جزئيا انتقام الانسة دي موريل 
الهمستيري منه. اذ لاجل الحقيقة النهائية اللامعقولة والشنيعة لاحداث تلك الليلة من 
ايلول/سبتمبر 1834- وهي ليلة لا تلعب فيها ممثلة انكلترا الغادرة المربية الانسة الين اي 
دور مشرف - لا بد لي من ارسالكم الى رينيه فلوريوت وكتابه اخطاء القضاء باريس» 
8. (المؤلف) 


253 


على نحو بريء» متخلية عن اي تأثير» سواء كان تأثيرا سيئا او حسنا. اين هي 
الان؟ يقظة ايضاء على بعد ميل او ميلين في ظلمة غابة شديدة الرطوبة. 

انتهى مفعول الشراب المفضل تاركا تشارلز في صحبة احساس عميق 
بالذنب. فكر انه تذكر الخبث في عيي الطبيب الايرلندي» مستود ع متاعب هذا 
السيد اللندني السخيف الي ستنتقل همسا وتوزع بالجملة في لاتم» او ليس سيئا ان 
جنسه لا يحفظ سرا؟ 

كم كان تصرفه تصرفا غير مشرف» صبيانيا! فهو لم يفقد في اليوم الماضي 
وينزيات حسب» بل فقد ايضا احترامه ذاته. وكانت العبارة الاخيرة اطنابا. لقد 
فقد بكل بساطة الاحترام لكل ما كان يعرفه. كانت الحياة حفرة في مستشفى 
المحاذيب. ومن وراء الوحوه الاكثر براءة» كانت تتوارى الخطايا الاكثر قذارة. لقد 
كان هو السير غالاهاد** الذي عرضت عليه جنيفر على انها عاهرة. 

ولكي يتوقف تشارلز عن التأمل الذي لا طائل من ورائه - اه لو استطاع ان 
يتصرف! - تناول الكتاب المصيري وقرأ ثانية بعض الفقرات من بحث ماتاي حول 
الهستيريا. فشاهد شبها مماثلا اقل الان لسلوك سارة. وبدأت خطيئته تلتصق .موضوعها 
الملائم. حاول ان يتذكر وجههاء اشياء تفوهت بماء التعبير الذي كان تنطق به عيناها 
وهي تتفوه بماء غير انه لم يستطع ان يفهمها. ولكن على الرغم من ذلك شعر انه رعا 
يعرفها معرفة افضل من اي شخص اخر. وكانت تلك الرواية الي سردها امام غروغان 
عن لقاءاتهما.,. في وسعه ان يتذكرهاء كلمة كلمة. او لم يخدع غروغان في غمرة قلقه 
لاحفاء مشاعره الحقيقية؟ بالغ في غرابة اطوارها ول ينقل ما قالته حقا نقلا امينا؟ 

او لم يعدها مجرمة ليتفادى تحريم نفسه؟ 

سار في ارجاء الغرفة دون ان يتوقف» باحثا عن روحه وكبريائه الجريح. 
لنفترض اما كانت حقيقة على النحو الذي قدمت نفسها به - خاطتئة» مؤكداء الا 
اما ايضا امرأة فائقة الشجاعة» ترفض ان تولي ظهرها خطيئتهاء واصيبت الان 
بالوهن في مع ر كتها الضارية ضد ماضيهاء مستغيثة» طالبة النجدة؟ 
(89) سيرغالاهاد: الفارس العفيف في اسطورة ارثر الشهيرة وهو ابن لانسيلو دولاك وايلين. 


وكان غالاهاد قد جعل ابن لانسيلو لمقارنة الحب الدينوي اذا كانت جنيفر ملهمة لانسيلو 


254 


اذا سمح لغروغان ان يحكم عليها عوضا عنه؟ 

لانه كان يهتم بانقاذ المظاهر اكثر من انقاذ روحه» لأنه لم تعد لديه ارادة 
حرة اكثر 

من ارادة الصدفة المتحجرة» لأنه كان مثل بيلاطس البنطي””): اسوأ منهء لا 
يتغاضى عن الصلب» بل يشجعه؛ لا بل انه تسبب في كل الاحداث الي ادت الان 
الى تنفيذه او لم يتطور كل شيء اثر اللقاء الثاني لما ارادت الانصراف» بيد انه 
اضطرها الى مناقشة وضعها؟ 

فتح النافذة ثانية. مرت ساعتان منذ ان فعل ذلك. انتشر الان ضوء نخافت 
من حهة الشرق. فحدق الى النجوم الباهتة. 

القدر. 

تلك العينان. 

استدار فجاة. 

لو التقى غروغان» لاصطدم به. لا بد ان يوضح ضميره سبب عصیانه» ذهب 
الى حجرة نومه. وهناك شرع يبدل ملابسه» وقد بان عليه وقار خارجي مرير 
يعكس الاصرار الداحلي» الرهيب» الذي يصعب فك مغالقه والذي توصل اليه. 


(90) بيلاطس البنطي: -الحاكم الروماني من مقاطعة يهوذا ايام السيد المسيح وهو الذي صلبه في العقيدة 
المسيحية - تلبية لرغبة الشعب وان كان مقتنعا ببراعته (متى 27 يوحنا 18: 19-28: 42)» 
عن موته. يضرب به المثل للانتهازي الذي يخشى ان يقوم بواجبه. (المترجم) 


255 


29 





لان نسمة الصباح تنشط 
وكوب الحب في الاعالي... 
تينسيون: مود 1855 


انه لجزء من حصافة خاصة الا تفعل اي شيء لانك 
تميل الى ان تفعله» بل لأنه واجبك. او لأنه معقول. 
ماثيو ارنولد: دفاتر ملاحظات 1868 


كانت الشمس الحمراء توشك ان تغيب عن الموجات الوهمية الرمادية بلون 
الحمام للتلال الواقعة وراء شيزل بانك عندما حرج تشارلز من ابواب فندق وايت 
لاين وهو لم يلبس ملابس الدفان حسب بل بانت عليه كل ملامح صمته وبكمه. 
كانت السماء خالية من السحب» صافية اثر عاصفة الليلة السابقة» زرقاء لطيفة 
على نحو لذيذ» وكان الحواء حادا مثل عصير الليمون, الا انه نقي» مطهر. ولو 
استيقظت في ساعة كهذه في بلدة لام اليوم» فستستمتع ها. لم يكن تشارلز 
محظوظا تماما في ذلك العصر الذي كان ينهض فيه الناس مبكرين» الا الناس الذين 
كانوا محظلوظين تقريباء افتقروا الى ذلك المظهر الاجتماعي» الى انعدام النظام 
الطبقي لسكان الفجر: الناس البسطاء المنطلقون الى عملهم اليومي. حيا شخص او 
شخصان تشارلز تحية بكيجة وحصلوا مقابل ذلك على ايماءات قاطعة واشارات 
مقتضبة من عصاه. فقد كان يفضل رؤية بعض الحثث الرمزية ملقاة في الشوارع 
على رؤية تلك الوحوه النضرة. وشعر بالسعادة وهو يترك البلدة من ورائه ويدحل 
الطريق المؤدي الى الحرف. 

الا ان وحومه لم يكن مناسبا في ذلك اليوم (وكذلك الشك الذاتي الذي 
احفيته بأن قراره كان يستند حقا الى حكمة سارق الاغنام» الى يأس حطير» اكثر 
ما يستند الى دوافع انبل في ضميره). سرى تيار من الدفء في داخله بسبب سيره 
المستعجل»؛ دفء داحلي زاد من حدته الدفء الخارجي الذي كانت تبعثه اشعة 


256 


الشمس. لقد بدت همس الفجر النقية بارزة» واضحة المعالم على نحو غريب. 
وكانت تنبعث منها رائحة» تشبه رائحة صخرة دافئة» غبار الفوتون الحاد المنبعث 
من الفضاء. وكانت كل ورقة عشب مرصعة بالضباب. وعلى سفوح المنحدر 
المطلة على طريقه؛ اقامت حذوع اشجار الدردار والحميزء الي كانت بلون الذهب 
العسلي في نور الشمس المائل» قناطر حضراء ندية من اوراق غضة. ثمة شيء ورع 
فيها. ورع قبل الورع نفسه» بلسم شاف عذوبة خضراء فوق كل شيء... خضرة 
لا متناهية» بعضها بميل الى السواد في اوراق النباتات المنعزلة» من الاشجار الزمردية 
الى الاشجار المثمرة الاقل احضرارا. عبر احد الثعالب الطريق من امامه وحملق برهة 
وجحيزة على نحو غريب كان تشارلز احد المتطفلين. وبعد وقت قصيرء وبشبه 
استئنائي وبنفس افتراض التملك المقدس» نظر ايل من مرعاه وحملق بجلال قبل ان 
يدير ذنبه بمدوء وينسل صوب الاحراش. ثمة لوحة للرسام بيسانيلو"* في المتحف 
الوطي تصطاد مثل هذه اللحظة: القديس هوبرت في غابة تمثل بواكير فن النهضة 
محاطا بالطيور والوحوش. ويصاب القديس بصدمة كأنه ضحية دعابة حقيقية» 
تزول كل غطرسته بجرعة مفاجئة من اعمق اسرار الطبيعة: تكافؤ الوجود الشامل. 

م يكن هذان الحيوانان وحدهما ينطويان على الاهمية» اذ كانت الاشجار 
مليئة بالعصافير المغردة - طيور الخوري» أبيض الحنجرة» الدج» الشحارير» هديل 
حمام الغاب» كلها تملا ذلك الفجر الساكن كّدوء المساء الا انما تخلو من حزنه 
من خحاصيته الكثيبة. شعر تشارلز انه يسير بين صفحات سفر رمزي عن الحيوانات 
وعاداهاء سفر له مثل هذا الجمال» هذا الوضوح الدقيق» حي ان كل ورقة من 
اوراقه» كل طير صغير» كل انشودة يغرد اء انما كانت تأت من عالم كامل. 
توقف الحظة» اذ ادهشه هذا الاحساس بكون حاص دقيق» كل شيء فيه حدد» كل 
شيء فريد. حط طائر صغير مغرد في اعلى شجرة من اشجار العليق لا تبعد عنه 


(91) انطونيو بيسانيلو (1455-1395): رسام ايطالي تعكس اعماله التحول في ايطاليا من 
الاسلوب القوطي الى بواكير اسلوب عصر النهضة. رسومه محفوظة في اللوفر بباريس 
وهسي ذات قيمة كبيرة لدراسة الاسلوب الفني في تلك الحقبة» كما تعكس سعة اهتمامه 
وحساسية بصره. علاوة على ذلك؛ فإن بيسانيلو عرف مصمما للانواط التي كانت نتيجة 
مباشرة لدراسته البورتريهات الاغريقية والرومانية القديمة. (المترجم) 


257 


اكثر من عشرة اقدام (ثلاثة أمتار). وبدأ يغرد اغنيته القاسية. وشاهد عينيه 
السوداوين المتألقتين» حنجرته الحمراء والصفراء ال كانت تنفرج بفعل شدوه - 
كرة صغيرة من ريش تمكن من ان يجعل من نفسه الملاك المعلن عن التطور: انا ما 
انا عليه الان ولن تتجاوز كيان الان. وقف مثل وقفة قديس بيسانيلو وقد اعترته 
الدمشة من وجود هذا العالم على مقربة شديدة منه» في متناول كل تلك التفاهة 
الخانقة للحياة الاعتيادية. في اللحظات القليلة من تلك الاغنية المتحدية» بدت كل 
ساعة او مكان اعتيادي - وهذه اللافائية الواسعة لكل ساعات تشارلز وامكنته 
السابقة - مبتذلة» رديئة» مزحرفة على نحو يعوزه الذوق. ان السأم المروع للواقع 
الانساني يكمن في تصدع غائر حن المركزء في حين ينبض قلب الحياة كلها هناك 
في حنجرة الطائر المغرد المنتصرة. 

بدا ذلك كله وهو يعلن عن واقع اعمق واشد غرابة من الواقع المماثل للواقع 
اللينيان الذي سبق لتشارلز ان احس به وهو عند الشاطئ في ذلك الصباح الباكر - 
مالم يكن هناك شيء اكثر اصالة من اسبقية الوجود على الموت؛ الفرد على 
الانواع» البيئة على التصنيف. اننا نسلم بهذه الاولويات اليوم» ولا يمكن ان نتصور 
المضامين العدوانية الي كانت تعلنها على تشارلز رسالة الطائر الصغير المبهمة اذ بدا 
انه يرى واقعا اقل عمقا من الفوضى الشاملة» يخيم من فوق البناء الهش للنظام 
البشري. 

كانت ثمة مرارة اكثر قربا في هذه القربان المقدس الطبيعي» طالما ان تشارلز 
شعر انه شخص محروم من الكنيسة بكل الطرق. لقد طرد وضاعت الحنة كلها. انه 
اشبه بسارة - في وسعه ان يقف هنا في جنة عدن» ولكنه لا يستطيع ان يستمتع 
يماء بل يحسد الطائر المغرد على نشوته. 

سار في الطريق الذي سبق ان سلكته سارة وهو طريق يجعله بعيدا عن مرأى 
حقل مصنع الالبان. حسنا ما فعل» اذ ان صوت دلو حذره ان صاحب الحقل او 
زوجته» منهمك في العمل. هذا دحل الغابة» واستأنف سيره على نحو جدي لائق. 
وجعله تحول الذنب الجنوني يشعر ان الاشجار والازهار» حت الاشياء الجامدة 
المحيطة به تراقبه. واصبحت الازهار عيوناء والحجارة لما اذان» وحذوع الاشجار 
المؤنبة حوقة اغريقية لا عد ها. 


258 


وصل الى حيث يتشعب الممر» وهنا سار في الفرع الايسر الذي كان ينحدر 
صوب الشجيرات النامية تحت الاشجار الكبيرة وفوق منطقة متكسرة اذ كانت 
الارض فيها موشكة على التآكل والانجراف. كان البحر على مقربة منه» ازرق 
وديعاء هادثا الى ما لا اية. غير ان الارض كانت ترتفع قليلا فوقه حيث تحولت 
قطعة من البرية الى سلسلة من مروج صغيرة» وشاهد تشارلز سقف مخزن على بعد 
مائة ياردة (91 مترا) او ما يقرب من ذلك الى القرب من اخر هذه المروج. وهو 
يقبع في احدود بمتد هابطا في النهاية الى حافة الجرف. وكان السقف مهجورا 
ونمت عليه الطحالب ما زاد من كابة المظهر الموحش للمبئى الحجري الصغير الذي 
هو اقرب الى الكوخ مما يوحي به اسمه. وكان هذا في اول الامر المأوى الصيفي 
لاحد رعاة الماشية واصبح صاحب الحقل يستخدمه الان مخزنا للتبن ما جعله يفقد 
اي اثر. لقد ساءت اوضاع هذه القطعة من الارض كثيرا في غضون المائة سنة 
الماضية. 

وقف تشارلز» وشرع يحدق به. لقد توقع ان يشاهد شبح امرأة هناك. 
وازدادت عصبيته لأن المكان بدا موحشا اكثر ما ينبغي. فسار متجها صوبه كأنه 
رجحل يقتحم دغلا مشهورا بنموره. وتوقع ان يثب عليه احدهاء ولم يكن واثقا تمام 
الثقة من مهارته في استعمال البندقية. 

كان ثمة باب قديم مغلق. دار تشارلز من حول المبئ الصغير» وشاهد نافذة 
صغيرة مربعة الى جهة الشرق. فحدق با وأمعن النظر في الظلال في داخلها 
فتسللت الى منخريه الرائحة العفنة المنبعثة من التبن القدم. كان في وسعه ان يشاهد 
ركاما صغيرا منه عند هاية المبئ قبالة الباب. فسار من حول الحدران الاحرى الا 
انه لم يشاهدها هناك. القى نظرة وراءه صوب الطريق الذي جاء منه معتقدا انه لا 
بد قد سبقهاء غير ان الارض الخشنة كانت ساكنة في هدوء ذلك الصباح المبكر. 
تردد» احرج ساعته» وانتظر دقيقتين او ثلاث دقائق» لا يدري ماذا يفعل واخيرا 
دفع باب المبئى وفتحه. 

استطاع ان يميز ارضية حجرية صلبة» ومربطا او ثلاثة مكسورة مليئة بتبن من 
المؤمل استخدامه مستقبلاء وذلك في طرف قصي من المبى الا انه يصعب عليه ان 
يشاهد بسهولة اقسام المبئى البعيدة» اذا ان اشعة الشمس كانت تخترق المكان من 


259 


النافذة الصغيرة. تقدم تشارلز صوب عمود الضوء الساقط ثم توقف وقد انتابه ذعر 
مفاحئ. فقد تمكن من ان بميز وراء الضوء شيئا متدليا من مسمار في احد اعمدة 
المربط القديمهة: قبعة سوداء. لعل قراءته في الليلة الفائتة هي السبب الذي جعله 
يتوقع ان يشاهد شيئا ما من وراء الالواح الي اتى عليها الدود والمثبتة وراء القبعة 
الى كانت متدلية مثل مصاص دماء ينذر بالشؤوم فوق الشيء الذي لا يتمكن من 
مشاهدته. انالا اعرف ما الذي كان يتوقعه. تنكيل مرو ع» جثة... اوشك ان 
يلتفت ويعدو خارجا من المبن ويعود الى بلدة لام الا ان شبح صوت ما دفعه 
للسير الى الامام. ومذ عنقه مذعورا من فوق اللوح الخشبي. 


260 


30 





لكن كلما ازداد اظهار هذه الاوهام الواعية للطبقات الحاكمة على انها 
مزيفة وانها اقل ارضاء للفطرة السليمة» كلما ازداد توكيدها على نحو 
دوغمائي وكلما اصبحت لغة المجتمع القائم اكثر خداعاء واكثر وعظية 
وروحانية. 


ماركس: الايديولوجية الالمانية 1846-1845 


طبيعي ان سارة وصلت البيت قبل السيدة فيرلي» على الرغم من ان البيت 
مفارقة في هذه الظروف» وادت دورها المعهود في صلوات السيدة بولتيئ المسائية؛ 
ثم ذهبت الى غرفتها لقضاء بضع دقائق. وهنا انتهزت السيدة فيرلي الفرصة وكانت 
الدقائق القليلة هي كل ما تحتاج اليه. ثم جاءت بنفسهاء وطرقت باب حجرة نوم 
سارة. فتحت سارة الباب وكان يعلو وجهها قناع الحزن المألوف» غير ان السيدة 
فيرلي كانت مثرعة بالنصر. 

- السيدة قي انتظارك. على الفور من فضلك. 

- اطرقت سارة» ثم اومأت بوهن. سددت السيدة فيرلي نظرة فكمية مرة 
مثل مرارة عصارة الحصرم صوب ذلك الرأس الخنوع» ثم انصرفت على نحو حقود. 
وعلى اي حالء فإِهًا لم تذهب الى الطابق السفلي» بل انتظرت وراء ركن ماء 
حن "معت صوت باب حجرة استقبال السيدة بولتييٰ يفتح ويغلق من وراء 
السكرتيرة - الرفيقة. ثم تسللت هدوء واحذت تصغي من وراء الباب. 

لم تكن السيدة بولتيئي قد حلست فوق عرشها هذه المرة بل وقفت قرب 
النافذة» واضعة كل فصاحتها في ظهرها. 

- اترغبين في التحدث معي؟ 

لم تكن السسيدة بولتيي راغبة بذلك على ما يبدو لأا لم تتحرك وم تنفوه 
بأي كلمة. لعل حذف لقب سيدة من السؤال هو الذي ابقاها صامتة» ثمة شيء في 
هجة سارة جعل الحذف يبدو متعمدا. نقلت سارة بصرها من ظهر السيدة الاسود 
الى منضدة وقتية قائمة بينهما. وكان فوقها ظرف بلا ريب. اما رد فعلها الوحيد 


261 


ازاء هذا التكبر الحامد فقد تمثل في زم شفتيها على نحو دقيق ليتحول الى اصرار او 
اثمئزاز» وهو ما يصعب تحديده» ولو عرفت هذه السيدة الحقيقة» فإِهُا ستكون في 
ضياع قليلا لأن افضل طريقة هي سحق هذه الافعى الى احذما في احضاها نادمة. 
واخختارت السيدة بولتيئ في النهاية ضربة فأس واحدة. 

- مرتب شهر واحد في هذا الظرف وستأحذينه بدلا من الاشعار» وسترحلين 
عن هذا البيت صباح الغد. 

اصبح لدى سارة الان من الوقاحة ما جعلها تستخدم سلاح السيدة بولتيي 
بالمقابل. لم تتحرك ولم تحب بشيءء» حى ثارت ثائرة السيدة وتنازلت» 
واستدارت لتكشف عن وجه شاحب احترقت فوقه بقعتان ورديتان من 
العواطف المكبوتة. 

- اسمعتيني يا انسة! 

٠‏ - الن احبر بالسبب؟ 

- اتملكين الحرأة على الوقاحة؟ 

- امتلك الحراة لاسأل عن سبب طردي. 

- ساكتب الى السيد فورسايث. وسأتيقن من سجنك. انت فضيحة 

احدثت هذه الثورة العاصفة بعض الاثر. فقد بدأت بقعتان تتوردان في وجني 
سارة. ران الصمتء ولاح انتفاخ صدر السيدة بولتيي المنتفخ في الاساس. 

- ان اامرك .مغادرة هذه الغرفة على الفور. 

- حسنا جدا. طالما كل ما مارسته فيها ليس سوى النفاق. فانئى سأنصرف 
ببالغ السرور. 

استدارت سارة لتتصرف بعد ان اطلقت هذا السهم الاحير» غير ان السيدة 
بولتيي كانت واحدة من الممثلات اللواتي لا يستطعن الا ان يكون لحن الحضور 
الاخير في المشهد, او ريبما اني اظلمهاء وكانت تحاول ان تقوم باحسان» بغض 
النظر عن مدى عدم ملاءمة ذلك للهجتها. 

- حذي مرتبك. 

التفت سارة اليهاء وهزت رأسها بالنفي. 


262 


- في وسعك الاحتفاظ به. واذ كان في الامكان» فاني اقترح ان تشتري هذا 
المبلغ البسيط آلة تعذيب. فانا واثقة ان السيدة فيرلي ستكون مسرورة لمد يد العون 
لك واستخدامها ضد كل البائسين الذين يقعون تحت سطوتك. 

- بدت السيدة بولتيئ مثل سام في لحظة واحدة» اي» انها وقفت فاغرة فاها 
الكثيب. 

- امام الله؟ اانت متأكدة انه سيصغي اليك في اليوم الاخر؟ 

ابتسمت سارة للسيدة بولتيئ اول مرة في تاريخ علاقاتهما... ابتسامة صغيرة 
جد الا انها ابتسامة ذات مغزى. مرت لحظات قصيرة ظلت فيها السيدة تحملق 
فيها على نحو غير مصدق - بل على نحو يرئى له كانت سارة هي الشيطان بعينه. 
ثم وحدت طريقها كالسرطان صوب كرسيها وانمارت فوقه كأنها مغشي عليها. 
امعنت سارة النظر لبرهة وجيزة» ثم سارت ثلاث او اربع خطوات سريعة صوب 
الباب وفتحته. كانت مدبرة المنزل قد اسرعت بالانتصاب مذعورة كأفًا 
اعتقدت بأن سارة ستثب عليها. الا ان سارة تنحت جانباء» واشارت الى السيدة 
بولتيئ المتقطعة الانفاس» مما فسح الخال امام السيدة فيرلي الذهاب لنجدقا. 

- ايتها الوقحة الشريرة! لقد قتلتها! 

- لم تحب سارة بشيء. وظلت تراقب برهة وجيزة السيدة فيرلي وهي 
تستخدم غاز النشادر لاعادة السيدة فيرلي 7 رشدها. ثم استدارت» وذهبت الى 
غرفتها. اتمجهت صوب مرآتما الا انها لم تنظر الى نفسها. بل غطت وجهها بكلتا 
يديها على نحو بطيء ومن ثم رفعت عينيها ببطء شديد من فوق الاصابع. لم يكن 
في وسعها ان تحتمل ما شاهدته. وبعد لحظتين اثنتين» كانت تركع قرب سريرهاء 
وتبكي صامتة فوق الغطاء البالي. 

اكان الافضل لما ان تصلي؟ كانت تؤمن باها كانت تصلي. 


263 


31 





عندما تملأ الحسرات اللاهثة الصدر, 
وتهز يدان اتحدتا مصادفةء 

بالم لذيذ وعلى الفورء 

نبضات واعصاب اثنين» 

عندما تتحاشى بخجل عينان 

كانتا بيسر من قبل تلتقيان» 

الاتحاد الوعي اللذيذ» 

فالبدايات المؤكدة, انقول؛ هي. 

تمهيد لعذاب الحب 

الذي تغنيه الملائكة في السماء من فوق؟ 


التي يتعلمها - بمثل هذه الدقة 
كل من يتنفس تحت القمر وبشكل سريع؟ 
اي. إتش. كلف: قصيدة 1844 


والان كانت نائمة. 


ذلكم هو المشهد الفاضح الذي ابصرته عينا تشارلز عندما ل اطراف شجاعته 


وتأهب للنظر من فوق الحاحز. استلقت متكورة مثل فتاة صغيرة تحت معطفها 
القديمء وحذبت قدميها بفعل برودة الليل» ورأسها الى الجهة المقابلة له» مرتكز 
فوق وشاح مزركش احضر اللون» كأنه بذلك يحمي جوهرقا الوحيدة العظيمة» 
شعرها المسترسل» من القش من تحتها. وفي ذلك السكون» كانت انفاسها الرقيقة» 
النتظمة» مسموعة ومرئية وبدت للحظة انما في نومها الاضطراري على ذلك النحو 
المادئ» انما هو جريعة شريرة مثل اي جرية احرى كان يتوقعها تشارلز. 

الا انه على الرغم من ذلك انتابته رغبة لا يمكن اطفاؤها بحمايتها. وقد مرت 
به تلل الرغبة على نحو حاد حي انه اعرض بوجهه واصابه الذعر هذا الدليل الذي 


264 


انطوى عليه اتام الطبيب» اذ ادرك ان مشاعره الغريزية تتمثل في ان يحثو الى جانبها 
ويطمفنها... بل اسوأ من ذلك فقد اوحت له حصوصية المخزن المظلمة ووضع 
الفتاة انه في غرفة نوم» وهو ايحاء لا سبيل الى مقاومته. وشعر ان قلبه يدق كأنه 
قطع ميلا عدوا. لقد كان النمر في داخله لا في داحلها. مرت برهة من الزمن ثم 
عاد ادراحه بمدوء ولكن بعجالة الى الباب. نظر من ورائه وهو يوشك على 
الذهاب» غير انه مع صوته هو وهو ينادى اسمها. لم يكن عازما على التفوه به. الا 
انه حرج من بين شفتيه. 

- انسة وودراف! 

لا جواب. 

ردد اسمها ثانية بصوت اعلى هذه المرة» كأنه موجه الى نفسه هو بعد ان 
جاشت الاعماق المظلمة بعيدا بأمان. 

كانت هناك حركة صغيرة» حفيف ضعيف» ثم برز رأسها على نحو مضحك 
الى حذ ماء في حين انتصبت واقفة بعجالة» واطلت من فوق الحاحز. كان لديه 
انطباع باهت من بين ذرات الغبار بالصدمة والذعر. 

- اوه. سامحين. سامحيئ.. 

توارى الرأس عن الانظار في حين انسحب هو الى ضوء الشمس خارجا. 
وحلق نورسان من فوقهما وهما يصيحان صيحات خشنة. ابتعد تشارلز عن مرأى 
الحقول القريبة من حقل مصنع الالبان. لم يكن يخشى غروغان» او يتوقع رؤيته» الا 
ان المكان كان مكشوفا اكثر ما ينبغي فقد يأتي صاحب الحقل لاحذ بعض التبن... 
على الرغم من انه لا يوجد اي سبب يدعوه الى ذلك اذ ان الحقول حضراء عامرة 
بالعشب الربيعي وهو امر لم يفكر فيه تشارلز بسبب عصبيته البالغة. 

- سيد مميئسون؟ 

عاد مرة اخرى الى الباب في الوقت المحدد دون مناداتها باسمه ثانية على نحو اكثر 
توقا هذه المرة. وقف الاثنان تفصل بينهما عشرة اقدام إثلاثة أمتار) تقريباء سارة عند 
الباب وتشارلز قرب ركن المبئ. اسرعت بتعديل هندامهاء وارتدت معطفهاء 
وامسكت وشاحها بيدها كأما استخدمته .كثابة فرشاة. كانت عيناها قلقتين» غير ان 
ملاحها لا تزال رقيقة بفعل النوم على الرغم من احمرارها بسبب ايقاظها على نحو فظ. 

265 


كان مظهرها يوحي بالوحشية. ليست وحشية الجنون او الحستيريا بل تلك 
الوحشية نفسها الى شعر ما تشارلز عند الطائر الصغير المغرد... وحشية البراءة» 
الي تصل إلى حذ التوق. ومثلما قهر ذلك الانحدار الحاد في تحواله في الفجر حزنه 
الجاد وعقده فإن ذلك الوحه الشديد القرب قهر وعقد كل الرعب الذي غذاه في 
عقل تشارلز الطبيبان الكفوءان ماتاي وغروغان. ان الفكتوريين لم يكونوا ليفكروا 
تفكيرا جدليا على الرغم من هيغل. وهم لم يفكروا بالاضداد» بالايجابيات 
والسلبيات بوصفها مظاهر الكل نفسه. وكانت المتناقضات تقلقهم اكثر ما 
تفرحهم. فهم ليسوا افراد اللحظات الوحودية» بل سلسلة السبب والنتيجة» 
النظريات الايجابية الواضحة الي تدرس بعناية وتطبق بحد واجتهاد. واهفمكوا بالبناء 
مؤكداء وانهمكنا نحن بالهدم منذ مدة طويلة حت لاح البناء نشاطا وقتيا زائلا مثل 
الفقاعات. لهذا كان تشارلز صعب التعليل امام نفسه. واخيرا تمكن من انتزاع 
ابتسامة لا توحي بالاقناع ابدا. 

- الن نشاهد في هذا المكان؟ 

تابعت نظرته صوب حقل مصنع الالبان المتواري عن الانظار. 

- انه سوق اكسمنستر وما ان يفرغ من الحلب حى يذهب. 

غير انها عادت داحل المخزن فلحق ها ووقفا متباعدين وكانت سارة قد ولته 
ظهرها. 

- قضيت الليلة هنا؟ 

اومات. وخيم الصمت. 

- الست جائعة؟ 

هزت سارة رأسها بالنفي وران الصمت من جديد. الا انها انمته بنفسها هذه 
المرة. 

- تعرف؟ 

- كنت نخارجا طيلة يوم امس» لم اتمكن من ابحجيء. 

صمت . 

- اشفيت السيدة بولتيي؟ 


- اعتقد ذلك. 


266 


- كانت في منتهى الغضب معي. 

- رب ضارة نافعة. لم يكن بيتها المكان المناسب. 

- واين هو المكان المناسب لي؟ 

تذكر ان عليه انتقاء كلماته بعناية. 

- هون عليك. لا ينبغي ان ترئي لحالك. 

تقدم خطوة او خطوتين منها. 

- لقد ساد القلق العظيم س وخرج فريق بحث للتفتيش عنك طيلة ليلة امس» 
في اثناء العاصفة. 

التفتت اليه كأنه رعا يخدعها. واد ركت ان الامر ليس كذلك. وشاهد بدوره 
من خلال دهشتها انها لم تكن تخدعه عندما قالت. 

- لم اقصد اثارة مثل هذا الاضطراب. 

- حسنا. لا بأس. في وسعي القول ان الجميع استمتع بالاثارة. الا ان الواضح 
الان هو وحوب رحيلك عن لاتم. 

احنت رأسها. كان صوته عنيدا اكثر ما ينبغي. تردد» ثم تقدم الى الامام 
ووضع يده فوق كتفها مطمئنا. 

- لا تخشي شيئا. حت لاساعدك في تنفيذ ذلك. 

- ظن تشارلز انه يهذه الاشارة الصغيرة والتوكيد سيتخذ الخطوة الاولى في 
اطفاء النار الى قال له الطبيب انه قد اضرمهاء لكن عندما يكون المرء نفسه هو 
الوقود» فإن مكافحة النيران مهمة يائسة. كانت سارة شعلة متوهجة تماماء عيناها 
متوهجتان وهي تسدد نظرة متقدة صوب تشارلز. حذب يده» الا اها امسكت 
اء وقبل ان يتمكن من وقفهاء رفعتها صوب شفتيها. فخطفها مذعورا وکان رد 


فعلها يشبه تلقيها صفعة على وجهها. 

-ارجو ان تسيطري على نفسك يا عزيرني الانسة وودراف.. 
اني.. 

- لا استطيع. 


قلما تناهت كلماتها الى السمع» الا انها اسكتت تشارلز» وحاول ان يقنع 
نفسه اما قصدت افا لا تستطيع ان تسيطر على مدى امتناما لاحسانه... حاول» 


267 


حاولء الا ان ذكرى عابرة لكاتولوس”” مرت به «كلما شاهدتك» يخنقي 
الصوت» يتلعثم لساني» وتتسلل النار البطيئة في اطرائي» ويلف اذني وعيئ وهدير 
باطبي» ظلام» كان كاتولوس يترجم سافو في هذا الصدد» ويبقى شعر سافو افضل 
وصف طبي للحب في الطب الاوروبي. 

وقف تشارلز وسارة في مكانيهما ضحية الاعراض نفسهاء ان كانا يد ركافاء 
راغبين من جهة وممتنعين من جهة احرى» على الرغم من ان الذي امتنع وجد 
نفسه عاجزا عن الانصراف. مرت اربع او حمس ثوان من العواطف المكبوتة كبتا 
شديداء بعدها لم تستطع سارة احتمال ما هو اكثر من ذلك. فخرت جائية على 
ركبتيها عند قدميه» واندفعت منها الكلمات. 

- لقد كذبت عليك» لقد تأكدت بأن السيدة فيرلي رأتئى» اذ كنت اعرف 
ان من شأنها ان تخبر السيدة بولتيئ. 

بدا تشارلز يفقد ضبط النفس الذي شعر انه يتحكم فيه. حدق في ذهول الى 
الوجه الذي كان يرنو اليه. من الواضح انه كان يطلب منه الصفح, الا انه هو 
نفسه كان يطلب المشورة طلما ان الاطباء حذلوه ثانية. فقد انتظرت السيدات 
الشابات المرموقات اللوان عمدن الى حرق البيوت وكتابة الرسائل الجمهولة حي 
يقبض عليهن قبل ان يقدمن على الاعتراف بذنبهن» مع مراعاة لطيفة للاحكام 
الأحلاقية الواضحة. 

وثبت الدموع من مقلتيها. ثروة هبطت عليه» عالم ذهبي؛ وازاء ذلك» مع 
نزيز بسيط من الغدد المسيلة للدموع» قطرة او قطرتان مرتعشتان من ماء» في 
منتهى الصغرء في منتهى الزوال» في منتهى الاختصار. الا انه على الرغم من ذلك 
وقف مثل رحل تحت سد ينهار» بدلا من رجحل من فوق امرأة تبكي. 

- لکن لماذا؟ 


(92) غايوس فاليريوس كاتولوس (84؟-54 ق. م) شاعر غنائي روماني» تعد مفرداته عن الحب 
والكراهية من اعذب الشعر الغنائي في روما القديمة عبر في 25 قصيدة من قصائده البالغة 
3 عن عففوان حبه الذي لا طائل من ورائه لامرأة سماها ليزبياء وهي امرأة مجهولة 
الهوية. اما قصائده الاخرى فتعبر عن ازدرائه يوليوس قيصرء وغيره من الشخصيات 
الادنى مرتبة. (المترجم) 


268 


رفعت بصرها اليه ثانية بمنتهى الحد والتضر ع» باعلان لا يرقى اليه الشك حى 
باتت الكلمات غير ضرورية؛ بوضوح جعل اي مراوغة - اي عبارة من مثل: «يا 
عزيزت الانسة وودراف - مستحيلة». 

مد يده ببطء وساعدها على النهوض. وظلت عيناهما مشدودتين صوب 
احدها الاخرء كأفهما تحت تأثير التنويم المغناطيسي. ولاحت له - او لاحت له 
تلك العينان الواسعتان المدمرتان - اجمل شيء شاهده في حياته. لا يهم ماذا يكمن 
من ورائهما فقد تغلبت اللحظة على الحياة. ش 

احذها بين ذراعيه» وشاهد عينيها عن قرب وهي تتمايل في احضانه. ثم اغلق 
عينيه وعثر على شفتيها. لم يشعر بطراوتما حسب» بل شعر بكل ثورة جسدها 
القريبة منه» ضالتهاء هشاشتهاء ضعفهاء رقتها... 

دفعها دفعة قوبة بعيدا عنه. 

نظرة ملؤها العذاب» كأنه احقر بحرم ضبط متلبسا بارتكاب ابشع جرائمه. 
ثم استدار واندفع صوب الباب - ليدخل في رعب اخر. وهو ليس رعب الطبيب 
غروغان. ش , 


2069 


32 





وهي بثوبها الموسليني الابيض تنتظر هناك 
في الشرفة بقلب شديد الترقب 
في حين لا يزال الهواء الرقيق 
يتغلغل في الداخل. 
هاردي: صندوق الموسيقى 


لم تتمكن ايرنستينا من النوم في تلك الليلة السابقة. اذ كانت تعرف تماما 
نوافذ غرفة تشارلز في وايت لاين. ولم تخفق في ملاحظة ان ضوء الغرفة ما زال 
منيرا بعد ان اذ شخير خالتها يزحف في ارجاء البيت الذي يلفه الصمت. فقد 
شعرت بادئ ذي بدء انما جريحة الكبرياء» كما شعرت بالذنب ايضا وبنفس 
القدر. لكن عندما انسلت من فراشها للمرة السادسة عشرة لتتأكد من ان النور لا 
يزال مضاءء وشاهدته مضاء حقاء بدا ذنبها يتصاعد. نما لا ريب فيه ان تشارلز 
كان مستاء منها بحق. 

والان» وبعد ان انصرف تشارلزء حاطبت ايرنستينا نفسها - ومن ثم الخالة 
ترانتر - باها لا هتم مطلقا بوينزيات» فقد تعتقد ان الحصرم من شأنه ان يكون 
استعارة بستانية ملائمة اكثر. المؤكد انما حاولت اقناع نفسها بقبول دور امر 
القلعة بعد ان توحه تشارلز الى بيت عمه» بل انها شرعت حقا في وضع قائمة 
بالمواد الق ينبغي اعدادها... الا انه موت ذلك الحلم المفاجئ جاء اشبه بارتياح 
مؤكد. فالنساء اللوات يقمن بادارة البيوت الكبيرة بحاحة الى مسحة القائد من 
حوهن. اما ايرنستينا فلم تكن تملك اي تطلعات عسكرية. كانت تموى البذخ» ان 
تمثل بين يديهاء ان لم يكن بين قدميهاء الاحرون. وكانت تملك احساسا برحوازيا 
بالتناسب. فوجود ثلاثين غرفة بينما لا تكفيها سوى حمس عشرة غرفة ليس الا 
حماقة. رما ورثت هذا الاقتصاد النسبي في النفقات عن ابيها الذي امن سرا بأن 
الارستقراطية رديف الفخرة الزائفة على الرغم من ان هذا ل يمنعه من اعتماد 
جزء ليس باليسير من تحارته على ذلك الخطأ او ادارة بيت في لندن من شأن عدد 


270 


كبير من النبلاء ان يكونوا سعداء ل - او ينقضوا على - اول فرصة لقب يعرض 
على ابنتهم العزيزة المحبوبة. ولكي لا ننكر محاسنه» فهو قد يرفض لقب الفايكونت 
على انه متجاوز الحد» اما لقب البارون فهو ملائم كل الملاءمة. 

اني لا اوفي حق ايرنستينا الي كانت قبل كل شيء ضحية الظروف»ء البيئة 
الضيقة الافاق. من المؤكد ان نظرتا المزدوجة اساسا الى المجتمع هي الي تجعل 
الطبقة الوسطى هذا المزيج الفريد من الخميرة والعجين. اننا نميل اليوم الى ان ننسى ان 
تلك الطبقة كانت دوما الطبقة الثورية العظيمة. ونرى اكثر المظهر الشاحب» 
البرحوازية بوصفها معقل الرحعية» الاهانة الكبرى» انانية وملتزمة بالعادات والتقاليد 
دوما. ان هذه الخاصية المزدوحة الشبيهة بيانوس”© مستمدة من فضيلة الطبقة الوحيدة 
وهي: ان هذه الطبقة هي الوحيدة بين الطبقات الثلاث الكبرى في المجتمع الي تحتقر 
نفسها بكل احلاص وعلى نحو مألوف. من المؤكد ان ايرنستينا لم تكن استثناء هنا. 
فلم يكن تشارلز وحده الذي مع سخرية غير سارة في صوقاء بل معت هي ذلك 
ايضا. الا ان مأساتها (المأساة الوحيدة الي تظل قائمة) هي انها كانت تسئ 
استخدام موهبة ازدراء الذات هذه وهذا تجعل من نفسها ضحية افتقار طبقتها 
الدائم الى الايمان بنفسها. وعوضا عن ان ترى احفاقاتًا سببا في رفض مجحمل نظام 
الطبقة» فإها رأتها سببا في البحث عن الاسمى. اننا حقا لا نستطيع ان نلومها. فقد 
تعلمت تماما ان تنظر الى المجتمع على انه مجموعة كبيرة من الدرحات في سلم ماء 
ويهذا تقلل من شأن مكانتها على انها حطوة نحو شيء يفترض فيه ان يكون افضل. 

وهكذا («اني حجلة» لقد تصرفت مثلما تتصرف ابنة تاحر ملبوسات») فإن 
ايرنستينا تخلت في الهزيع الاخير من الليل عن محاولة النوم» ونمضت وارتدت ثويها 
الفضاض وفتحت مفكرقا. لعل تشارلز سيرى ان نافذتها كانت هي الاخرى 
مضيئة على نحو تكفيري في الظلام الدامس الذي اعقب عاصفة الرعد. وفي هذه 
الاثناء شرعت بالكتابة. 

«لا استطيع النوم. تشارلز الاعز مستاء مي - لقد انزعجت انزعاجا 
شديدا بسبب الاحبار الفظيعة من وينزيات. اردت البكاء. كنت في منتهى 


3) يانوس: اله الابواب والبوابات والبدايات عند الرومان. ويصور عادة بوجهين ينظران ١‏ 
وماں. ويصور ل 
اتجاهين متباينين. (المترجم) 


271 


وانا اسأل الله ان يغفر لي اذ ان تفوهت بها بسبب حبي لتشارلز الاعز لا بسبب 
الخبث. لقد بكيت مر البكاء عندما حرج. ليكن هذا درسا لي بأن احمل الكلمات 
الجمسيلة لمراسيم الزواج في ضميري وان اشرّف تشارلز الاعز واطيعه حن عندما 
تدفعين مشاعري الى الاحتلاف واياه. دعين أتعلم يحد وتواضع كيف احبي اراد 
البغيضة والفظيعة امام حكمته الاعظم شأناء لاصن حكمه واربط نفسي بفؤاده 
لأن «عذوبة الندم الصادق هي بوابة النعيم المقدس». 

رما لاحظت افتقار ايرنستينا المحدد الى الحفاف المألوف في هذه الفقرة المؤثرة. 
الا ان تشارلز ليس الوحيد الذي له العديد من الاصوات. وكما تأملت بأن يرى 
الضوء في وقت متأخر في حجرقاء فإها واجهت فارا قد يقنعها فيه مشاركة هذا 
السسجل الحميم عن روحها قبل ان تتزوج. كتبت جزئيا من احل عينيه - وجزئيا 
من أجل عينيه شأما في ذلك شأن اي امرأة فكتورية. اوت الى فراشها مستريحة 
البال» عروسا طاهرة في روحها تماما وعلى نحو ملائم» مما لا يترك امامي اي خيار 
سوى الاستنتاج باها لا بد ان تفوز في ماية المطاف بتشارلز بعد خحيانته. 

كانت مستغرقة في نوم عميق عندما وقعت حادثة صغيرة دوها بأربعة طوابق. 
لم ينهض سام من النوم مبكرا مثل سيده في ذلك الصباح وعندما ذهب الى مطبخ 
الفندق لتناول الشاي والحبن بالخبز المحمص - شيء واحد واظب عدد قليل من 
الخدم في العصر الفكتوري على القيام به هو تناول طعام اقل من سادهم بغض 
النظر عن حاجة معدهم - أدرك من رؤية حذاء تشارلز ان سيده قد حرجء وان 
على سام ان يعد العدة ويتهيأ للرحيل في الظهيرة. احفى سام صدمته. فاعداد العدة 
ليس سوى عمل لا يستغرق اكثر من نصف ساعة» وهو لديه امور اكثر الحاحا. 

ذهب على الفور الى بيت الخالة ترانتر. ولسنا في حاجة إلى الاستفسار عما 
قاله سوى ان ذلك الشيء كانت تشوبه المأساة طالما ان الخالة ترانتر (الي حافظت 
على ساعات ريفية لا تنم عن اللياقة) وجدت لدى هبوطها الى المطبخ بعد دقيقة 
واحدة ماري وهي منهارة تبكي عند منضدة المطبخ. طرحت الاسئلة على ماري 
وسرعان ما انتزعت الخالة ترانتر المعلومات بأسلوها الرقيق عن مصدر المأساة» 
واستعملت علاحا اكثر رقة من علاج تشارلز. في الامكان صرف الخادمة حق 


272 


يجين موعد تلبية حاجات ايرنستينا؛ كانت ستائر الانسة ايرنستينا الموشاة تبقى 
مسدلة كما هو مألوف حي الساعة العاشرة» وهذا يعن مهلة قدرها ثلاث ساعات 
تقريبا. وكوفئت الخالة ترانتر باكبر ابتسامة عرفان بالجميل شهدها العالم ف ذلك 
النهار. وبعد خمس دقائق» شوهد سام منبطحا في وسط شارع برود. لا ينبغي 
للمرء ان يجري باقصى سرعة فوق الحصى» حن لو كان ذلك من اجل ماري. 


213 


33 





دعني احب حبيبي لنفسي حسب› 
واعرف معرفتي غير المعروفة للاخرين 


لن ادعو شاهدا لرؤياي: 
ارى الكل ولا يراني الجميع... 
اي. إتش. كلف: قصيدة 1852 


يصعب تحديد من الذي صدم اكثر من الاحر - السيد الجامد على بعد ستة 
اقدام (1.8 متر) من الباب او الخادمان اللذان لم يكونا اقل جمودا على بعد ثلاثين 
ياردة (27 مترا). وبلغ ذهول الاخرين حدا جعل سام لا يحرك حن ذراعه من 
حول خصر ماري. قطع المشهد ظهور الشخص الرابع: سارة على نحو جامح» عند 
مدحل الباب. وتراجعت بسرعة كبيرة حي ان المشهد قلما كان اكثر من ان يدرك 
او يمحس به. غير ان ذلك كان كافيا. اذ فغر سام فاه» وسقطت ذراعه من حول 
ماري. 

- ما الذي تفعله هنا؟ 

- اتنزه يا سيد تشارلز. 

- اظنيٰ تركت تعليمات ل... 

- لقد نفذها يا سيدي. كل شيء جاهز. 

علم تشارلز انه يكذب. ابتعدت ماري برقة تناسبها. تردد تشارلز ثم تقدم 
صوب سام الذي ومضت ف ذهنه صور الطرد والهجوم. 

- لم نعرف يا سيد تشارلز. صدقي لم نعرف. 

تألقت عينا ماري بنظرة حجل سددها نحو تشارلز: ثمة صدمة فيها. وحوف» 
لكن تشوها مسحة خفيفة من اعجاب سري. فخاطبها. 

- اتركينا وحدنا لحظة من فضلك. 

احنت الفتاة رأسهاء وسارت بعيدا عن مدى السمع. تفرس تشارلز في سام 
الذي عاد الى وضع الخادم الذليل» وأمعن النظر في حذاء سيده. 


274 


- لقد جئت الى هذا المكان في مهمة ذكرقا. 

- نعم يا سيدي. 

خحفض تشارلز من صوته. 

- بناء على طلب الطبيب الذي يعالجها. وهو يدرك ادراكا تاما الظروف. 

- نعم يا سيدي. 

- الي لا ينبغي البوح بها تحت اي ذريعة. 

- افهم ذلك يا سيد تشارلز. 

ح وهل تفي جي 

رفع سام نظره. 

- لن تقول ماري شيئا يا سيدي. اقسم بحياتي. 

اطرق تشارلز وهو يدرك ان وجنتيه محمرتان تماما. 

- حسنا حداء اني. اني اشكرك. وسأنظر في الامر... هنا ثم تحسس محفظة 
نقوده. 

- اوه» لا يا سيد تشارلز. 

تراحع سام خطوة الى الوراء على نحو درامي مبالغ فيه ليقنع المراقب الخالي 
من الاهواء. 

- ابدا. 

هنا توقفت يد تشارلز. تبادل السيد والخادم نظرة. لعلهما اد ركا ان تضحية 
ذكية قن فدهت 

- حسنا حدا. سأترك الامر لك. لكن بلا كلمة واحدة. 

- اقسم بذلك يا سيد تشارلز. 

استدار سام بعد ان افرط ي المغالاة في القسم» وحرج وراء ماري الي كانت 
في انتظاره مستديرة الظهر على نحو متحفظ وعلى بعد حوالى مائة ياردة (واحد 
وتسعين مترا) بين السرحس والاشجار الشائكة. 

ليس في وسع المرء الا ان يخمن السبب الذي جعل مخزن الغلال وحهتيهما. 
رما انتابتك الحيرة لأن فتاة عاقلة مثل ماري تنفجر باكية لفكرة الغياب بضعة ايام. 
لكن لنتسرك سام وماري في حين يدخلان الغابة ثانية ويسيران بصمت مذهولين 


275 


ومن ثم ينظر احدهما الى الاحر حلسة - وينتهي هما الامر الى ضحكة صامتة» 
ولنعد الى تشارلز صاحب الوجه القرمزي. 

راقبهما وما يتواريان عن الانظارء ثم ألقى نظرة الى مخزن الغلال الذي لا 
يوحي بالحقيقة. لقد شق تصرفه اعماق كيانه» غير ان الحواء الطلق اتاح له فرصة 
التأمل برهة وجيزة. وكما في اغلب الاحوال» فقد جاء الواحب لنجدته. لقد زاد 
من ميب الحرقة اشتعالا على نحو صارخ. ورا كانت الضحية الاخرى تحتضر الان 
تحت طيبهاء ملقيا بذلك حبل المشنقة من فوق العارضة الخشبية... تردد» ثم رحع 
الى مخزن الغلال وسارة. 

كانت تقف بجانب حافة النافذة» بحيث لا يمكن مشاهدقا من الخارج كأفا 
حاولت ان تسمع ما كان يدور من حديث بين تشارلز وسام. ووقف هو قرب 
الباب. 

- لا بد لك ان تغفري لي لانتهازي فرصة لا يمكن الصفح عنها من موقفك 
البائسن: 

توقف هنيهة ثم استأنف كلامه. 

- لا في هذا الصباح وحده. 

اطرقت وارتاح هو عندما رأى انها بدت مرتبكة» ولم تعد غاضبة. 

- لقد كان احر شيء اتمناه هو مداعبة عواطفك. لقد تصرفت تصرفا طائشا. 
بل في منتهى الطيش. واللوم يقع علي وحدي انا. 

تفرست في الارضية الحجرية الصلبة الممتدة بينهماء سجينة تنتظر قرار الحكم. 

- لقد وقع الضرر الان» وااسفاه. ولا بد لي من ان اسألك مساعدق في 
اصلاحه. 

مكثت رافضة دعوته للكلام. 

- لدی اعمال تتطلب وجودي في لندن» ولا ادري كم سيطول غيابي. 

وهنا نظرت اليه نظرة لم تدم سوى الحظة واحدة. فتلعثم وهو يستأنف حديثه. 

- اعتقد انه ينبغي لك الذهاب الى اكستر. وارجو ان تأحذي النقود الموحودة 
في هذه المحفظة... .مثابة قرض ان شئت. حى تتمكي من العثور على مكان 
لائق... واذا ما احتجت الى اي مساعدة مالية اضافية. 


206 


ضعف صوته حي تلاشی» وبات شكليا اكثر نما مضى. لقد عرف انه لا بد 
ان يظهر امامها شخصا جديرا بالازدراءء اذ ولته ظهرها. ٠‏ 

- لن اراك ثانية. 

- لا تتوقعي مين ان انكر ذلك. 

- على الرغم من ان رؤيتك هي كل ما اعيش من اجله. 

ظل التهديد الفظيع معلقا في الصمت الذي ران بعد ذلك. م يملك الحرأة 
ليدفع به علانية. شعر كأنه رحل مكبل بالاغلال. وحاء خلاصه على نحو غير 
متوقع مثلما يأ الى سجين صدر الحكم بادانته... نظرت من حوها وقرأت افكاره 
بوضوح. ٤‏ 

- لو اردت قتل نفسي لكانت لدى اسباب كافية قيل الان. 

نظرت الى حارج النافذة. 

- اني اقبل قرضك... بامتنان. 

اغمض عينيه في لحظة شكر صامت. ووضع محفظة النقود - وهي غير الحفظة 
ال سبق ان صنعتها له ايرنستينا - فوق حافة بارزة قرب الباب... 


- ستذهبين الى اكستر؟ 

- ان كانت تلك هي نصيحتك. 
- اما كذلك مؤكدا. 

احنت رأسها. 


- لا بد لي من ان اقول لك شيعا احر. ثمة حديث قي البلدة عن ارسالك الى 
مستشفى الامراض العقلية. ش 

ومضت عيناها من حوها. 

- قد جاءت الفكرة من منزل مارلبورو بلا ريب. ولا ضرورة لأن تنظري 
للمسألة نظرة جادة. فعلى الرغم من كل ذلك» في وسعك ان تحنبي نفسك 
الحرج اذا لم ترحعي الى لام. 

تردد ثم قال. 

- اعرف ان فريقا سيأتي عما قريب للبحث عنك ثانية. هذا السبب اتيت مبكرا. 

- ان صندوق ملابسي... 


277 


- سأهتم بذلك. وسأعمل على ارساله الى المراب في اكستر. وقد فكرت لو 
انك كنت تملكين القوة» فإن الافضل السير الى اكسماوث كروس. فهذا من شأنه 
ان يحنب... كل واحد منا الفضيحة. الا انه ادرك ماذا كان يطلب منها. فبلدة 
اكسماوث تقع على بعد سبعة اميال. اما كروس» الي تمر فيها العربات» فهي ابعد 
من ذلك .يلين اثنين. 

وافقت. 

- ولستخبرين السيدة ترانتر حالما تعثرين لك على مكان؟ 

- ليس لي اي معارف. 

- في وسعك اعطاء اسم السيدة تالبوت واسم السيدة ترانتر. وسأتحدث اليها 
كمذا الشأن. وارحو الا تكون مترفعة اكثر ثما ينبغي وان تطلبي مبلغا احر من 
الملل اذا دعتك الضرورة. وسأتدبر ذلك ايضا قبل ذهابي. 

- لن يكون ذلك ضروريا. 

كان صوا ضعيفا لا يكاد يسمع. 

- غير اني اشكرك. 

- اعتقد اني انا الذي يحب ان اشكرك. 

نظرت الى عينيه. كان السهم لا يزال فيهماء شاهدته كله. 

- انت امرأة رائعة يا انسة وودراف. واشعر بالخجل الشديد لأني لم ادرك 
ذلك من قبل. 

فقالت. 

- نعم. انا امرأة رائعة. 

غير اها تفوهت بعبارهّا دون كبرياء» دون سخرية» بل ما لا يزيد عن 
البساطة المرة. وران الصمت من جديد. فتحمله بقدر ما يستطيع ثم احرج ساعة 
حيبه ذات الغطاء المعدني وهي اشارة غير ذكية على انه يريد الانصراف. وشعر 
بارتباكه» صلابته» وكرامتها ال تفوق كرامته» رعا لا يزال يستعذب طعم شفتيها. 

الن تصحبئي حى نصل الممر؟ 

لم يرغب في ان تراه حجلا في لحظة الفراق الاخير هذا. ولو ظهر غروغان 
فلن يهم الان. غير ان غروغان لم يظهر. سارت سارة من امامه بين السرحس 


218 


الميت والاعشاب الحية في ضوء الشمس الباكر» متألقة الشعر» صامتة لا تلتفت 
البتة. ادرك تشارلز تماما ان سام وماري ريما كانا يراقبانماء الا ان الافضل الان ان 
يشاهدانه علنا واياها. كان الطريق يرتفع من امامهما بين الاشجار حي وصل الى 
ماية المطاف الى الممر الرئيس. استدارت» فتقدم الى جانبها ومد يده. 

ترددت لحظة, ثم مدت يدها. فامسك جا بقوة محرما بذلك اي حماقة اخرى. 

وغمغم. 

- لن انساك ابدا. 

رفعت وجهها اليه بحركة غير محسوسة بل ثاقبة من عينيهاء كان هناك شيعا لا 
بد لهمن ان يراه» ولم يفت الاوان على ذلك بعد: حقيقة تتجاوز كل الحقاق» 
عاطفة تتجاوز كل العواطف» تاريخ يتجاوز كل تصوراته عن التاريخ. كان في 
وسسعها ان تعبر عن عوالم» لكنه على الرغم من ذلك علم انه اذا لم يستطع فهم 
تلك العوالم دون ان تعبر هي عنها... 

ظلت نظراتهما متشابكة مدة طويلة» ثم حفض من ناظريه» وترك يدها. 

بعد دقيقة واحدة نظر من ورائه. فشاهدها واقفة حيث تركها وهي تراقبه. 
فرفع قبعته بينما لم تبد اي شارة. 

بعد مرور عشر دقائق توقف عند بوابة في الطريق المواجه للبحر المؤدي الى 
حقل مصنع الالبان» وكانت تطل على مشهد بمتد الى ما وراء الحقول حى 
الكوب. وفي مكان بعيد الى الاسفل» شوهد شخص قصير القامة يرتقي ممر الحقل 
صوب البوابة الي يقف عندها تشارلز. تراجع قليلا الى الوراء» تردد لحظة... ثم 
استأنف سيره على امتداد الطريق المؤدي الى الممر ومن ثم الى البلدة. 


219 


34 





وانتزعت الوردة المتعفنة من الجدار. 
هاردي: في اثناء الريح والمطر 


- كانت تتنزه. 

وهكذا اثبت تغييره ثيابه مرة ثانية مظهرا لا جدوى منه. 
- اردت ان احعل ذهي صافيا. لقد نمت نوما سيئا. 
انا كذلك: 

ثم اضافت: 

- قلت انك مرهق الى حدّ لا يصدق. 

- حما. 

> آلآ الله قت تاها مشي عد الساعة الو دة 
التفت تشارلز بغتة صوب النافذة. 

- كانت لدي اشياء كثيرة انظر فيها. 

يشير دور ايرنستينا في هذا الحديث المتصالب الى فشل محدد في الاحتفاظ في 


ضوء النهار بنبرة التوسل الذاتي الليلية. غير اهما عرفت من سام والخالة ترانتر 
المرتبكة ان تشارلز حطط للرحيل عن بلدة لاتم في ذلك اليوم اضافة الى قيامه 
بنزهته. لقد وطدت العزم على الا تطالب بأي تفسير لهذا التغير المفاحئ في رأيه. 
لتترك سيادته يوضح ذلك في وقته المناسب. 


لما جاء احيرا» قبل الساعة الحادية عشرة» وي حين حلست وهي ترم شفتيها 


على نحو متكلف. منتظرة اياه في غرفة الجلوس الخلفية» كان هو من القسوة بحيث 
تحدث حديثا مطولا في الردهة مع الخالة ترانتر» وعلى نحو غير مسموع» هو اسواً 
ما في الامر. وهكذا ظلت تغلي من اعماقها. 


لعل اقل ما شعرت به من استياء انها صرفت وقتا طويلا في العناية بمندامها في 


280 


حصي صالتناول الفطور ضيقا قرب الابط ثم ينثي على نحو ضخم عند منطقة 
الرسغ. وكان بذلك يكشف هشاشتها بصورة جميلة جدا. ولعبت الاشرطة البيض 
في شعرها الناعم وعطر ماء الورد المنبعث منها على نحو رقيق دورها. كانت 
افسروديت من سكرء نمضت من فراش ذي ملاء أبيض على الرغم من عينيها 
المتورمتين قليلا. رما وحد تشارلز انه سهل عليه ان يكون قاسيا. الا انه انتزع 
ابتسامة وامسك باحدى يديها وشرع يربت فوقها وهو جالس الى جوارها. 

- يا اعز الناس. لا بد لي من طلب الغفران. انا لست على حقيقي. واحشى 
اني قررت وحوب الذهاب الى لندن. 

- اوه يا تشارلز. 

- اتمهئ لو ان الامور ليست كذلك. غير ان هذا التطور الجديد في الاحداث 
قد حتم علي رؤية مونتاغ على الفور. 

كان مونتاغ هو امحامي - في تلك الايام الى سبقت وجود المحاسبين - الذي 
كان يعتئ بشؤون تشارلز. 

- الا تستطيع الانتظار حى عودت؟ انها عشرة ايام احرى لا اكثر. 

- سأعود لاحذك. 

- اليس في وسع السيد مونتاغ الحضور الى هنا؟ 

- لاء مع الاسف. هناك العديد من الوثائق. يضاف الى ذلك» ليس ذلك هو 
هدي الوحيد. لا بد لي من اخبار والدك ما قد حدث. 

حلصت يدها من بين ذراعه. 

- ولكن ما هو الشيء الذي يتعلق به؟ 

- ان كل شيء يتعلق به يا طفل العزيزة. لقد عهد الي برعايتك ومثل هذا 
التحول الخطير في مستقبلي... 

- لكن لا يزال لديك دحلك الخاص! 

- حسنا... نعم» مؤكداء سأظل دوما ميسور الحال» الا ان هناك بعض 
القضايا الاحرى. اللقب... 

- كنت قد نسيت ذلك. حقا. يستحيل ان اتزوج رجلا من عامة الناس. 
القت نظرة حاطفة اليه بثبات ساخر ملائم. 


281 


- اصبري يا حبيبي. لا بد من قول هذه الاشياء - انت ستأتين .بلغ كبير من 
المال. من الم كد ان عواطفنا الخاصة ذات اهمية قصوى. وعلى اي حال» هناك... 
حسناء جانب قانوني وتعاقدي في موضوع الزواج وهو. 

- هراء! ` 

- يا اعز الناس يا تينا... 
ذلك. 

- رما يكون الامر كذلك. لكن حي اكثر الاباء وها يفضلون ان يكونوا 
على علم... 

- كم غرفة في بيت بيلغرافيا؟ 

- ليست لدى اي فكرة. 

تردد» ثم اردف. 

- يحتمل عشرون غرفة. 

- وذكرت في يوم ما ان دخلك في السنة الواحدة يصل الى الفين وحمسمئة. 
وسيكون مهري... 

- سواء كانت الظروف المتغيرة لا تزال كافية لتحقيق الراحة ام لا فذلك 


- لقد اسأت فهمي. اني اعرف واحبي. ولا يمكن للمرء ان يكون كثير 
الوساوس في مثل هذه النقطة. 

حرى هذا الحديث دون ان يجروٌ احدهما على النظر في وجه الثاني. 

حفضت رأسها معترضة على نحو واضح» متمرد» بينما كمض ووقف من 
ورائها. 

- ليس الامر اكثر من شكليات. الا ان مثل هذه الشكليات ذات اهمية. 

اطرقت بعناد. 

- لقد سئمت من بلدة لايم واراك هنا اقل مما في المدينة. 


282 


ابتسم. 

- غير معقول. 

- يبدو ذلك اقل. 

ارتسم خط صغير من الوجوم على فمها. ما من شأن غضبها ان يستكين. 
سار صوب الموقد ووقف قبالته» واضعا ذراعه فوق حافته وهو يبتسم ها. غير انها 
كانت ابتسامة تخلو من الفكاهة» قناعا. لم تكن لتعجبه عندما تكون صعبة المراس. 
فذلك يخالف مخالفة شديدة يابا الانيقة الي صممت لتظهر الافتقار التام الى 
التناسب حارج اطار البيت. لقد قدمت الخطوة الاولى في الثياب المعقولة الي من 
شأنها ان تكون ذات نتائج خطيرة السيدة بلومر الشائنة قبل عقد ونصف من الزمن 
الذي اكتب عنه. الا ان تلك امحاولة المبكرة في ارتداء البدلة والسروال هرمت على 
يد التنورة المنتفخة ذات الاسلاك - حقيقة بسيطة ذات اهمية كبيرة في فهمنا 
الفكتوريين. لقد وهب هم العقل» فاحتاروا حماقة طولها ستة اقدام (1.8 متر) لا 
توازيها حماقة في اكثر الفنون الثانوية المحكومة بالحماقات. 

على اي حالء لم يفكر تشارلز» في اثناء الصمت الذي اعقب ذلك» في 
سخافة الازياء الرفيعة» بل في كيفية الرحيل بلا ضجة اخرى. ولحسن حظه؛ كانت 
تينا في الوقت نفسه تفكر في وضعها: فاثارة مثل هذا اللغط بسبب غياب قصير 
الامدانماهو تصرف الخادمات (فقد اوضحت الخالة ترانتر السبب الذي جعل 
ماري تعجز عن الاستجابة حرس الاستيقاظ) علاوة على ذلك» فإن زهو الذكر 
يكمن في اطاعته» اما الانثى» فإِها تلجأ الى الطاعة كي تحقق النصر النهائي. 
ولسيحين الوقت الذي يضطر فيه تشارلز الى دفع ثمن قسوته. وكانت ابتسامتها 
الصغيرة وهي ترفع بصرها اليه ابتسامة الندم والتكفير. 

- ستكتب الرسائل يوميا؟ 

مد يده» ولمس وجنتها. 

- اعدك. 

- وان تعود بأسرع ما تستطيع؟ 

- حالما اتمكن من تنفيذ القضايا مع مونتاغ. 

- سأكتب الى بابا مع اوامر صارمة باعادتك مباشرة الى هنا. 


283 


انتهز تشارلز فرصته. 

- وساحمل الرسالة اذا كتبتها على الفور. فسأغادر في بحر ساعة من الزمن. 

وقففت ومدت يديها. كانت تتمئئ ان يقبلهاء الا انه لم يستطع حمل نفسه 
على تقبيلها على فمها. فامسك بكتفيها وضغط قليلا على صدغيها. ثم استعد 
للانصراف. الا انه توقف لسبب غريب. نظرت ايرنستينا ملياء جخنو ع واستحياء 
امامها الى ربطة عنقه الداكنة الزرقة والدبوس اللؤلؤي المثبت فيها. ان السبب الذي 
جعل تشارلز لا يستطيع الذهاب لم يكن واضحا توا. في الواقع» هناك يدان اثنتان 
عالقتان في حيبي صدريته السفليين. وادرك ثمن اطلاق سراحه ودفعه. م تنهار 
اي عوالم» لا صرخحة داخلية» لا ظلمة تغلف العينين والاذنين في حين وقف يضغط 
شفتيه فوق شفتيها بعض الوقت. كانت ايرنستينا ترتدي ثيابا في غاية الجمال. 
وتوغلت في ذهن تشارلز صورة؛ رعا انطباع ملموس اكثر» بجسد ابيض صغير 
ورقيق. ادارت رأسها فوق کتفه» واستكانت بين ذراعيه. وبينما كان يربت وعسد 
ويهمس ببضع كلمات سخيفة وجد نفسه في تمام الحرج بغتة. شعر انها اثارت 
رحولته. كان هناك دوما مزاج ايرنستيناء استياؤها الغريب البسيط واهواؤها 
العاطفية» وعد بتمرد جامح مدفون... رغبة في تعلم المشاكسة والعناد» ان تقضم 
ذات يوم على استحياء ولكن بلذة» فاكهة محرمة. لعل ما شعر به تشارلز دون 
وعي منه ليس اكثر من الحاذبية الى لا تذوي عند النساء السطحيات: اي في وسع 
المرء ان يصنع منهن ما يريد. اما الشيء الذي شعر به شعورا واعيا فهو الاحساس 
بالتلوث: ان يشعر بسرغبة جنسية الان بينما لمس شفينّ امرأة احرى في ذلك 
. الصباح. 


كانت لا تزال امامه محنة قاسية طالما ان ماري كانت تقف قرب الباب حاملة 
قبعته وقفازه. كانت تسدد نظراقًا صوب الارض الا ان وجنتيها محمرتان. اتلس 
نظرة سريعة الى الباب المغلق للغرفة الى حرج منها بينما اهمك في ارتداء قفازيه. 
- قد شرح لك سام ظروف هذا الصباح؟ 
- نعم يا سيدي. 
284 


- فهمت؟ 

- نعم يا سيدي. 

نزع احد قفازيه ثانية» وتحسس جيب صدريته. لم تتراجع ماري حطوة الى 
الوراء على الرغم من انها حفضت رأسها اكثر نما مضى. 

- اوه يا سيدي. لا اريد ذلك. 

الا انها تلقتها على الفور. وبعد لحظة واحدة» اغلقت الباب من وراء تشارلز. 
وعلى نحو بطيء جدا فتحت يدها الصغيرة - احشى انما الحمراء قليلا - وحذقت 
الى قطعة النقد الذهبية الصغيرة في راحتها. ثم وضعتها بين اسناما البيض وعضتهاء 
وهو امر الفت مشاهدة والدها يفعله» كي تتأكد من انه ليست من النحاس. ولمم 
تكن لتقدر على تمبيز الذهب عن النحاس بالعض» بل ان العض اثبت انها من 
الذهب» تماما مثلما اثبت ان وجود المرء في منطقة الجرف السفلي انما هو خطيئة. 

ماذا في وسع عذراء ريفية بريئة ان تعرف عن الخطيئة؟ السؤال يتطلب اجابة. 
في هذه الاثناءء يستطيع تشارلز الذهاب الى لندن .عفرده. 


285 


بالفضائح» حيث كان القانون الجزائي 


35 





فيك تكمن قوتي الوحيدة لديمومتي العذبة من هذا المكان 
هاردي: خلودها 


ادخل المستشفى العديد من الحوامل وهن في سن الرابعة عشرة بل حتى 
فتيات بين الثالثة عشرة والسابعة عشرة من عمرهن واعترفت الفتيات 
ان الحمل حدث... في اثناء ذهابهن الى العمل الزراعي او في رجوعهن 
منه. فالفتيات والفتيان يذهبون في هذه السن مسافة خمسة او ستة او 
سبعة اميال ليصلوا الى مكان عملهم, ارين في رع احا 0 
الطرقات والشوارع الفرعية. وقد رأيت بأم عيني سلوكا يفتقر الى 
الاحتشام التام بين الفتيان والفتيات في سن الرابعة عشرة الى سن 
السادسة عشرة. وشاهدت ذات مرة فتاة شابة تتعرض الى الاغتصاب 
على ايادي خمسة او ستة شبان على قارعة الطريق. وكان هناك 
اشخاص اكبر سنا على بعد عشرين او ثلاثين ياردة (18 أو 27 مترا)ء 
الا انهم لم يحركوا ساكنا. كانت الفتاة تصرخ., مما دفعني الى التوقف. 
شاهدت ايضا فتيانا يسبحون في الجداول في حين كانت تتفرج عليهم 
من فوق الضفة فتيات في الثالثة عشرة والتاسعة عشرة من عمرهن. 
تقرير لجنة تشغيل الاطفال 1867 


ماالذي نواحهه في القرن التاسع عشر؟ عصر حيث كانت المرأة مقدسة» 
حيث تستطيع ان تشتري صبية في الثالثة عشرة 
إنكليزية قليلة - شلنات قليلة ان كنت ترغب فيها ساعة او ساعتين. حيث شيدت 
كنائس اكثر ما شيدت على مدى تاريخ البلاد الماضي. حيث كان بيت واحد من 
كل ستين بيتا مبغى (النسبة المعاصرة هي بيت واحد من بين ستة الاف بيت 
تقريبا)» حيث ينادي بقدسية الزواج (والعفة قبل الزواج) من فوق كل منبر» وفي 
كل مقال افتتاحي في الصحف والخطب العامة» وحيث لم يعش مثل هذا العدد 
الكبير من الشخصيات البارزة - بدءا ملك المستقبل فنازلا - حياة خاصة مليئة 
تشوبه مسحة انسانية» والحلد بالسوط شائعا 


286 


من العمر لقاء باوندات جنيهات 


على نحو دفع احد الفرنسيين الى ان يثبت جادا ان المركيز دي ساد لا بد ان يكون 
احداده من الانكليز» حيث لم يكن جسد الانثى مخفيا على هذا النحو عن الانظارء 
وحيث كان كل نحات يقيم وفق قدرته في نحت النساء العاريات» حيث لم تذهب 
اي رواية» مسرحية او قصيدة ذات سمة ادبية بارزة الى ما هو اكثر من الاحساس 
بالقبلة» حيث عد الدكتور باودلر - الذي يذكرنا تاريخ وفاته في العام 1825 ان 
الطباع المميزة عند الفكتوريين قائمة منذ زمن طويل يسبق ابواب العصر الصارمة - 
محسنا عاماء حيث انتاج الادب المكشوف لم یزد عنه اي انتاج فيما بعد حيث لم 
يشر ابدا الى الوظائف البرازية» وحيث بقيت المرافق الصحية بدائية. فالمرافق 
الصحية ذات السيفون جاءت في وقت متأخر من ذلك العصر وبقيت ترفا حى 
حلول العام 1900 - فكانت هناك قلة من البيوت وقلة من الشوارع لا يذكر المرء 
مادوما. حيث ساد الاعتقاد عموما ان النساء ليست عندهن هزة الجماع» وعلى 
الرغم من هذاء فإن كل مومس كانت تلقن كيفية التظاهر هها. حيث كان هناك 
تقدم هائل وتحرر في كل ميادين النشاط الانساني الاحرى» ولا شيء سوى الطغيان 
في اكثر الامور الشخصية والجوهرية. 
من النظرة الاولى يبدو الجواب سهلا - انما مسألة التسامي. فقد صب 
الفكتوريون نشاطاتم الحيوية في ميادين احرى. كان جين الارتقاء قال لنفسه 
والاحساس بالكسل يراوده: اننا بحاجة الى بعض التقدم» فلنحصر هذه القناة 
الوحيدة والعظيمة ونحوها ونرى ما الذي سيحدث. 
- في حين اعترف بصحة نظرية التسامي الى حدّ ماء فانئ أحيانا اتساءل ان لم 
يقدنا هذا الى خطأ الافتراض بأن الفكتوريين لم يكونوا في الحقيقة من اصحاب 
الشهوة الجنسية الطاغية؟ غير انهم كانوا يستوون في شهوقم الحنسية وابناء قرننا 
وكانوا اكثر انشغالا بالجنس منا على الرغم من ان الجنس يحيط بنا ليلا مارا 


(94) توماس بادولر (1825-1754): طبيب ومحسن واديب انكليزي اشتهر بكتابه (شكسبير 
العائلة) الصادر في 1818 وهو كتاب يهدف الى تقديم مسرحيات (شكسبير) على نحو 
محتشم وتصلح للقراءة بصوت عال داخل البيوت بعد ان حذف منها كل ما يخدش حياء 
الصبيان والصبيات دون المساس بجمال الصورة الشعرية. وعلى الرغم من الانتقاد الذي 
وجه اليه بتشويه نصوص (شكسبير) الا انه يستحق الثناء اذ ذاعت شهرة المسرحيات هذه 
من اوساط اكبر عدد من الناس والقراء. (المترجم) 


287 


(مثلما كان الدين يحيط بالفكتوريين). المؤ كد انهم كانوا منهمكين بالحب» وام 
وهبوا له من فنونمم اكثر نما ب نحن. كما لا يستطيع مالثوس ولا الافتقار الى 
وسائل تحديد النسل” من توضيح حقيقة انهم تكاثروا كالارانب وقدسوا التوالد 
اكثر منا. كما ان قرننا الحالي غير متلكئ في قضايا التقدم والتحرر وعلى الرغم من 
ذلك فاننا قلما نستطيع الادعاء بأن ذلك يرجع الى اننا نملك طاقة كبيرة من 
التسامي نستطيع ان نوفرها. لقد شهدت فترة التسعينيات الفاضحة وهي تقدم على 
انها رد فعل للعديد من عقود الزهد والتقشف. اظن ان السبب هو نشر ما كان 
حن الان يعد سراء واشك في اننا في الواقع نتعامل مع ثابت انساني: الاحتلاف هو 
احتلاف في المصطلحات» درجة من درجات الاستعارة. 


(*) عرض للبيع اول قراب ذكر مصنوع من المصارين (لمنع الحمل) اواخر القرن الثامن 
عشر. ومن بين الناس جميعاء دان مالثوس اساليب تحديد النسل بوصفها «غير ملائمة», الا 
ان القلق من استعمالها بدا في عشرينيات القرن التاسع عشر. وكان اول مدخل لدليل الجنس 
الحديث يتمثل في كتاب -> الدكتور (جورج درايزديل) ذي العنوان غير المباشر (مبادئ 
العلوم الاجتماعية» او الجسديء الجنسي والدين الطبيعي. شرح السبب الحقيقي والعلاج 
الوحيد للشرور الاساسية الثلاثية: الفقرء البغاء والعزوبية). وقد صدر في 1854 وانتشرت 
قراءته وترجمته انتشارا واسعا. وفيما يلي نصيحة درايزديل العملية بما في ذلك الجملة 
الاعتراضية النهائية الواضحة: «يمكن تجنب حدوث الحمل اما بسحب العضو الذكري قبل 
حدوث القذف مباشرة (وهي ممارسة يلجأ اليها كثير من الرجال المتزوجين وغير 
المتزوجين)» او باستخدام قراب الذكر (وهو شائع الاستعمال ايضا في القارة الاوروبية اكثر 
منه في هذه البلاد)» او باستخدام قطعة اسفنجية توضع في الرحم... او بحقن ماء فاتر في 
الرحم بعد الجماع مباشرة». 
وينطوي اول هذه الاساليب على اذى جسدي ومن شأنه ان يتسبب في حدوث اضطراب 
عصبي ووهن واحتقان جنسيين... اما الطريقة الثانية» استعمال قراب الذكر. فهي تفسد 
المستعة» وتتسبب في عجز الرجل في الغالب والنفور في كلا الطرفين. وبهذا فهي ضارة 
ايضا. 
اعتقد ان هذه الاعتراضات لا تنطبق على الاسلوب الثالثء اي استخدام قطعة اسفنجية او 
اي مادة اخرى لحماية مدخل الرحم. وفي وسع المرأة ان تستخدم هذه الطريقة بسهولة وقلما 
تؤثرء حسب اعتقادي» في اللذة الجنسية. كما لا يوجد فيها اي اثر ضار في صحة اي من 
الطرفين. (واذا ما اريد لاي وسائل منع الحمل ان تكون مرضيةء لا بد من استخدامها من 
المرأة. واذا ما اضطر الرجل الى التفكير فيهاء فإنها تفسد العاطفة ودوافع الفعل التناسلي). 
(المؤلف) 


208 


لقد اختار الفكتوريين ان يكونوا جادين في موضوع نتعامل معه على نحو 
حفيف. وكان الاسلوب الذي يعبرون به عن جديتهم لا يكمن في الحديث 
صراحة عن الجنس» مثلما ان جزءا من اسلوبنا هو العكس تماماء بل ان هذه 
الاساليب الى تنحو منحى الحد ما هي الا اعراف مألوفة. وتبقى الحقيقة من 
ورائها ثابتة. 

اعتقد ان هناك خطأ شائعا احر: معادلة درجة عالية من الجهل في اللجنس 
بدرحة منخفضة من المتعة الجنسية. اني لا ارتاب في ان اللحظة الي التقت فيها 
شفاه تشارلز وسارة» لم تظهر سوى براعة صغيرة جدا في العشق من كلا الجانبين. 
الا اني لا استنتج وجود اي نقص او افتقار الى النشوة الجنسية من ذلك. وعلى 
كل الاحوال» فإن نسبة اكثر اثارة للاهتمام تكمن بين الرغبة والقدرة على 
تحقيقها. وفي هذا الصدد» رعا نؤمن اننا نفلح افضل من اسلافنا. الا ان الرغبة 
تتكيف وفق الحالات الي تثيرها: فعالمنا يصرف وقتا هائلا طالبا منا مثمارسة الجماع 
في حين ان واقعنا منهمك في اثارة احباطنا. النساء محبطات مثل الفكتوريين؟ رعا. 
لكن اذا كنت تستطيع الاستمتاع بتفاحة واحدة في اليوم فإن هناك اشياء كثيرة 
ينبغي قوها ضد العيش قي بستان من اشجار التفاح؛ بل رما ستجد التفاح الذ 
طعما لو انك اعطيت واحدة في الاسبوع. 

لذا يبدو بعيدا عن الواقع عدم ممارسة الفكتوريين لذة حنسية اكثر حدة 
منالأفمااقل. ولم يكونوا ليدركوا ذلك على نحو واهن فاختاروا اسلوب 
الكبتء والقمع والصمت للاحتفاظ بحدة اللذة. وعلى نحو ماء فإن قرننا هو 
القرن الاكثر فكتورية عندما ننقل الى خيال عامة الناس الاشياء الى تركوها 
سراء لاننا بتحطيمنا الكثير من الاسرار والصعوبات وهالة المحرمات نكون قد 
حطمنا الكثير من اللذة. من المؤكد اننا لا نستطيع ان نقيس درجات نسبية من 
اللذة. ولكن قد يكون اكثر مدعاة لسعادتنا لا لسعادة الفكتوريين عجزنا عن 
ذلك. يضاف الى ذلك» فإن وسيلتهم اعطتهم طاقة اضافية. فتلك الدرحة من 
السرية» تلك الحوة بين الجنسين الى كثيرا ما اثارت اضطراب تشارلز عندما 
حاولت سارة ان تتغلب عليهاء هي الى احدثت مؤكدا قوة عظمى وصراحة 
اعظم في الغالب في كل الميادين الاخرى. 


289 


يبدو هذا كله وقد جذبنا بعيدا عن ماري على الرغم من انين اتذكر الان انها 
كانت شديدة الميام بالتفاح. اما الصفة الي لم تكن لتنطبق عليها فهي صفة العذراء 
الريفية البريئة» لسبب في منتهى البساطة هو ان الصفتين الريفية والريئة ليستا 
متطابقتين في زمافا. ولا يصعب العثور على الاسباب.٠‏ 

تنتمي الغالبية العظمى من الشهود والمخبرين الصحفيين في كل عصر الى 
الطبقة المثقفة. وقد نحم عن هذاء وعلى امتداد التاريخ» نمط من التشويه او 
الواقع الخاص بالاقلية. والتزمت المفرط الذي نعزوه الى الفكتوريين ونطبقه 
تطبيقا متوانيا على حمل طبقات المحتمع الفكتوري ليس سوى رأي من اراء 
الطبقة الوسطى في طبائع هذه الطبقة وعاداتها. فشخصيات الطبقة العاملة الي 
صورها ديكنز شخصيات هزلية كلها او تثير العراطف والمشاعر وسلسلة لا 
تقارن من الغرائب. الا اننا نحتاج الى الذهاب الى مكان احر من احل الحقيقة 
القاسية - الى مايهيو””, الى تقارير الوكالة وغير ذلك» لا الى اي شيء احر 
سوى المظهر الجنسي في حياتهم الي هذها ديكنز - الذي كان يفتقر الى 
المصداقية في حياته - وانداده قذيبا شديدا. ان الحقيقة الراسخة (الي اود ان 
ادعوها ناعمة» لكن لا بأس) عن انكلترا الفكتورية الريفية هي ان ما اماه عصر 
ابسط بعبارة احتبر قبل الشراء... (اي الاتصال الجنسي السابق للزواج حسب 
مصطلحاتنا الراهنة) كان هو القاعدة» لا الاستثناء. اصغ الى هذه الشهادة من 
سيدة لا تزال على قيد الحياة» ولدت في العام 1883 وكان والدها طبيب 
الروائي توماس هاردي. 

ان حسياة عامل المزرعة كانت تختلف احتلاف بينا في القرن التاسع عشر عما 
هي عليه الان. فعلى سبيل المثال» كان الحمل قبل الزواج امرا اعتياديا تماما بين 
الفلاحين في دورسيت ولم يكن الزواج ليتم الا بعد ان يظهر الحمل للعيان. وكان 


(95) هنري مايهيو (1887-1812): صحفي انكليزي ومؤسس مجلة بنش الشهيرة عام 1841» من 
ابرز اعماله (عمال لندن وفقراء لندن) بأربعة اجزاء (1862-1850) وقد تأثر به تاثيرا 
واضحا تشارلز ديكنز ويعتمد هذا المؤلف الضخم على رسائل كتبها هو شخصيا الى جريدة 
(لندن مورنينغ كرونيكل) (1850-1849)» استجابة لرغبة الجريدة في الحصول على 
معلومات يوثق بها عن المشكلات الاجتماعية الكبرى انذاك... (المترجم) 


290 


السبب يرجع الى قلة الاحور الي تقاضاها العمال والحاجة الى تأمين ايد اضافية في 
الاسرة لكسب القوت”. 

يضعي ذكر هاردي تحت ظل الروائي الذي يعلو فوق هذا الجزء من انكلترا 
الذي اكتب عنه. عندما نتذكر ان هاردي كان اول من حاول كسر ختم الطبقة 
الوسطى الفكتورية من علبة بندورا©” الجنسية» فإن اقل الاشياء اثارة للاهتمام 
(المؤكد اكثرها تناقضا) هي حمايته المتزمتة نتم حياته الجنسية وحياة ابيه عنه. 
طبيعي ان ذلك كان وسيبقى حقه الذي لا يمكن التصرف فيه. غير ان القليل من 
الاسرار الادبية ظلت خفية تماماء اذ لم يكشف عن هذا السر الا في مسينيات 
القرن العشرين. ويرد هذاء اسوة بواقع انكلترا الريفي الفكتوري الذي حاولت 
الالماح اليه في هذا الفصل على تأنيب ادمون غوس الشهير: كان من شأنه ان 


(*) وهناك سبب اقتصادي اضافي يتمثل في النظام الشيطاني الخاص بدفع نصف الاجرة التي 
يتقاضاها الرجال المتزوجون للرجال غير المتزوجين. على الرغم من انهم كانوا ينجزون 
عمل رجل في كل الاحوال. ولم تنته هذه الطريقة المذهلة من تأمين القوة العاملة بالكلفة 
المذكورة الا باستخدام الالة الزراعية استخداما واسعا. ومن الممكن ان نضيف ان دورسيت 
عرفت بانها اكثر المناطق الريفية استغلالا على نحو شنيع في انكلترا. 
ويكتب جيمس فريزر في نفس عام 1867: «لا بد ان يكون التواضع فضيلة مجهولة والعفة 
شيئا لا يمكن تخيله في غرفة صغيرة يلتم فيها على نحو جماعي اكبر عدد من الاسرة التي 
يمكن حشرها: الاب» الام» الشباب» الصبيانء الفتيات الصغيرات والبالغات يمثلون جيلين او 
ثلاثة اجيال أحيانا وحيث يمارسن كل فعل من افعال الطبيعة» ارتداء الثياب» نزعهاء 
الولاداتء الموت - امام مرأى ومسمع الجميع - حيث يكون الجو كله حسياء والطبيعة 
البشرية تتضاءل الى مستوى اقل من مستوى الخنازير... حالات الزنا بالمحارم مألوفة. اننا 
نشكو من انعدام عفة نسائنا قبل الزواج» من الحديث والسلوك السائبين عند الفتيات العاملات 
في الحقول» من الاسلوب الواهي الذي تتخلى به الخادمات عن شرفهن. ومن انه ان يندر 
ان يغلي دم احد الابوين او الاخ نتيجة العار - هنا في هذا المكان» شرح وافي لكل 
شيع». 
ووراء هذا كله تخيم اشباح اكثر كابةء مألوفة في كل منذ فجر التاريخ: سل الغدد اللمفاوية 
والكوليراء التيفوئيد الوبائي والسل. (المؤلف) 

(96) بندورا: امرأة ارسلها زيوس عقابا للجنس البشري بعد سرقة بروميثيوس النار واعطاها 
علبة ما ان فتحها بدافع الفضول حتى انطلقت منها جميع الشرور والرزايا فعمت البشر ولم 
يبق فيها سوى الامل. (المترجم) 


201 


يستفسر على نحو معقول ايضا عن السبب الذي دفع اتباع اتريوس”” الى هز 
قبضاقم البرونزية صوب السماء قي وجه مسيئ. 

ليس هذا المكان الذي تتوغل فيه داحل الظلال قرب ايغدون هيث. الا ان 
الشيء المعروف تماما هو ان هاردي عاد في عام 1867 وله من العمر سبعة 
وعشرون عاما الى دورسيت بعد ان كان يدرس العمارة في لندن ليقع في هوى 
قريبته ترايفينا البالغة من العمر ستة عشر عاما. وتمت خطوبتهماء ولكنها فسخحت 
بعد مرور خمس سنوات على نحو لا يمكن فهمه. وعلى الرغم من عدم توفر اي 
دليل قطعي» فانه يبدو الان واضحا ان الخطبة فسخت بعد ان تبين لحاردي وجود 
مثلبة مخجلة تحاول الاسرة كتماها: ترايفينا ليست قريبته» بل هي ابنة غير شرعية 
لاحته غير الشقيقة وغير الشرعية ايضا. وتشير قصائد لا تحصى لماردي الى ذلك: 
«عند بويب البوابة»» « لم ترجحع»» «خلودها»” واخحرى كثيرة غيرها؛ وان هناك 
العديد من الحالات غير الشرعية من جانب الأم في اسرته ثبت صحتها. وقد ولد 
هاردي نفسه قبل زواج امه وابيه بخمسة شهور وزعم المتدينون أحيانا انه فسخ 
حطوبته لاسباب طبقية - فقد بدا شابا واعدا لا يستطيع احتمال فتاة بسيطة من 
دورسيت. صحيح انه تزوج من فتاة اعلى منه مكانة في 1874- وهي لافينيا 
غيفورد المتبلدة الشعور على نحو مأساوي. اما ترايفينا فكانت شابة رائعة» 


(97) اتريوس: الاساطير الاغريقية» اتريوس هو ابن بيلوبس ووالد اغا ممنون ومينيلاوس. تعد 
قصة اسرة اتريوس من اقدم القصص واشدها تعقيداء واكثرها فسادا. وقد سعى اتريوس الى 
الانتقام من اخيه ثيستس الذي اغوى زوجته وخطط لقتله واغتصاب عرشه على مسيني بأن 
قتل اولاد اخيه هذا وقدمهم له في مأدبة عشاء وقد هرب تيتس مذعورا بعد ان اكتشف 
الحقيقة ومارس السفاح مع اخته بيلوبيا كي تنجب له ولدا وينتقم بعد ذلك من اخيه. ثم تزوج 
اتريوس بيلوبيا التي حملت بعد ذلك اجيستوسء ابن ثيستسء غير ان اتريوس اعتقد انه 
ولده» وعثر اغا ممنون ومينيلاوس على ولد اتريوس وايروب واودعاه السجن في مسيني ثم 
ارسل اجيستوس لقتل ثيستس الا ان كلا منهما عرف الاخر من خلال السيف الذي اخذته 
بيلوبيا من ابيها واعطته لابنها فما كان من الاب والابن الا ان قتلا اتريوس واستوليا على 
العرش وطردا اغا ممنون ومينيلاوس خارج البلاد. (المترجم) 

(*) هذه القصيدة من اكثر قصائده كشفا للسر وان لم تكن اعظمها في هذا السياق. ولعل اول 
لرواية (جود الغامض) في كانون الثاني/يناير 1896. (المؤلف) 


202 


واصبحت مديرة في احدى مدارس بلاعموث وهي في العشرين من العمر بعد ان 
تبوأت المركز الخامس عند تخرجها من دار المعلمين في لندن. ويصعب عدم القبول 
بأن سرا رهيبا من اسرار العائلة هو الذي ارغمهما حقا على الانفصال. المؤكد انه 
سر سعيد على نحو ما طالما ان اي عبقري انكليزي لم يهب كل كيانه لمصدر واحد 
من مصادر الالمام مثلما فعل هاردي. لقد منحنا ذلك المصدر اعظم مرائيه في 
الحبء ومنحنا سو برايدهيد وتيس اللتين تعدان صورة نقية عن ترايفيناء بل ان 
جود الغامض مهداة اليها على نحو خفي في مقدمة هاردي نفسه للرواية - «وضع 
اساس المشروع في 1890... وقد اشار الى بعض الظروف موت امرأة...» وكانت 
ترايفينا المتزوحة من رجل احر انذاك قد توفيت في ذلك العام. 

ان هذا التوتر بين الشهوة والتنازل» الذكريات الي لا تموت والكبت الذي لا 
يموت الاستسلام الفنائي والواحب المأساويء بين الحقائق الكريهة ووظيفتها 
النبسيلة» تعزز واحدا من اعظم كتاب العصر وتوضحه» ومن ورائه» تشيد بحمل 
العصر نفسه. لقد ذهبت هذا المذهب كي اذكرك. 

اذا لنعد وهبط الى الحائرين. انك ستخمن الان السبب الذي دفع سام وماري 
الى الذهاب صوب مخزن الغلال. وما انها ليست المرة الاولى الى يذهبان فيها الى 
هناك فانك ستفهم رما على نحو افضل دموع ماري... ولماذا كانت تعرف عن 
الخطيئة اكثر قليلا نما يتوقعه المرء لدى اول نظرة الى وحهها ذي التسعة عشر عاما. 
او رما كان سيرتاب المرء لو انه مر في انحاء دورشستر قي وقت متأحر من ذلك 
العام من خلال وحه فتاة افضل ثقافة ولكن اصغر بثلاث سنوات في العام 
الحقيقي» الواقفة على نحو مُستغلق الان والى الابد قرب هارديء المهندس الشاب 
اشا الذي عا فوا من راف اتسين الك فق العامة الى زو شاف ركه 
تلتهم النيران نمديهاء وفمها وشعرها) ان يصبح الرمز المثالي لاعظم لغز في عصره. 


203 


36 





الا ان على جبين المعرفة تستقر نارً: 
تيمم وجهها الى الامام 
وتثب صوب فرصة المستقبل 
وقد اخضعت كل شيء للرغبة. 
تينيسون: احياء لذكرى 1850 


كانت مدينة اكستر قبل مئة عام ابعد بكثير ثما هي عليه اليوم عن العاصمة؛ 
ولحذا ظلت توفر لنفسها بعض وسائل الترفيه التي جحد بريطانيا اليوم كلها وهي 
قرع الى لندن للاستمتاع بما. اننا نبالغ لو قلنا ان المدينة كانت تضم حيًا للعاهرات 
في سنة 21867 وهذا كانت فيها منطقة تثير الشبهات على نحو واضح بعيدا عن 
مركز المدينة وعن وجود الكاتدرائية المؤثر. كانت هذه المنطقة تقع في جزء من 
المدينة ينحدر صوب النهر الذي كان يوما ما بمثل قلب حياة اكستر عندما كانت 
ميناء مهما قبل سنة 1867. وكانت تتألف من مجموعة من الازقة الضيقة لا تزال 
فيها اعداد كثيرة من بيوت على الطراز التيودوري» سيئة الاضاءة وكريهة الرائحة 
وتغص بالسكان. وفيها بيرت دعارة وقاعات رقص وحانات مبهرجة. الا انه 
كانت هناك اعداد كثيرة من الفتيات والنساء المحطمات - امهات غير متزوجات 
وعشيقات وبمجموعة من السكان فح تقر دلت زميق EA‏ 
باحتصار» كانت منطقة تدفع المرء ان يشيح بوجحهه خحجلاء تحتشد ببيوت تؤجر 
غرفا مفروشة رخيصة وحانات كالي اتت سارة على وصفها في ويماوث» ملاجئ 
امنة وبمنأى عن التيار الاخلاقي المتزمت الذي اكتسح اماكن اخرى في حياة البلاد. 
ولم تكن اكستر في هذا كله استثناء» فقد كانت كل مدن الاقاليم الكبيرة مضطرة 
في ذلك الزمن الى ايجاد مكان هذا الجيش البائس من الاناث اللواتي حرحن في 
المعركة من اجل النقاء الذكري الشامل. 

كانت هناك مجموعة من بيوت على الطراز الجيورجي في احد الشوارع 
الواقعة على هامش هذا الحي. ومما لا شك فيه ان هذه البيوت كانت تحظى لدى 

294 


بنائها ممنظر جميل يطل على النهر. غير ان المخازن المرتفعة حجبت ذلك المشهد. 
وفقدت البيوتء على ابرز ما يكون» الثقة الذاتية في بريقها الطبيعي. فكانت 
اعشاها تفتقر الى الطلاء» وسطوحها الى القرميد وكانت الواح الابواب منفصلة. 
وكان واحد او اثنان من هذه البيوت من الدور الخاصة. غير ان احدى العمارات 
اللكونة من مسة بيوت كانت منسجمة بفعل الطلاء الب الكامد الذي صبغ به 
القرميد الاصلي» وكانت هذه البيوت تعلن عن نفسها بلوحة خحشبية طويلة فوق 
مدحلها الموحد على انها فندق - فندق اسرة انديكوت» اذا توخينا الدقة. وكانت 
تملكه وتديره كما تشير اللوحة الخشبية لعابري السبيل السيدة مارا انديكوت الي 
يمكن القول إن ابرز حصائصها الافتقار التام الى حب الفضول فيما يخص شؤون 
زبائنها. كانت امرأة تحمل كل صفات ديفن» اي انها لم تكن لترى ضيوفا هم 
نياتهم واغراضهم» بل المال الذي سيأ من وراء اقامتهم. وعلى هذا الاساس 
كانست تصنف اولئك الاشخاص الذين يقفون في مكتبها الصغير قرب الردهة: 
اصحاب العشرة شلنات» اصحاب الاثبي عشر شلناء وهلم جرا. وكانت هذه 
الاسعار تمثل الاحرة الاسبوعية. والذين آلفوا ان يكونوا من اصحاب الخمسة عشر 
شلا فأقلء لا ينبغي ان يظنوا في كل مرة يقرعوا فيها حرسا في فندق حديث ان 
فندقها رحيص. اذ كان الايجار المألوف لاحد البيوت في تلك الايام يكلف شلنا في 
الاسبوع» وشلنين على الاغلب. ويمكن ايجار البيوت الصغيرة الجميلة في اكستر 
لقاء ستة او سبعة شلنات. وكان مبلغ العشرة شلنات اسبوعيا لارخص غرفة» قد 
جعل اسرة انديكوت في الجانب الممتاز على الرغم من عدم وحود اي مسوغ فيما 
خلا جشع مالكة الفندق. 

كان مساء رمادي اللون احذ يتحول الى ليل. وكان المصباحان الغازيان 
المواجهان للفندق فوق الرصيف قد اشعلهما عامل البلدية الذي يطوف لايقاد 
المصابيح بوساطة عموده الطويل فشع النور فوق قرميد جدران المخزن. هناك بعض 
الانوار الموقدة في غرف الفندق؛ وكان الضوء في الطابق السفلي اشد بريقا وفي 
الطابق الاعلى خافتا اذ كانت انابيب الغاز تعد» كما هو الحال في الكثير من 
البيوت الفكتورية اغلى ثمنا من ان توضع في الطوابق العليا. فكانت المصابيح الزيتية 
تستخدم فيها. ومن خلال احدى نوافذ الطابق الارضي القريبة من الباب الرئيس» 


295 


كان ممكنا مشاهدة السيدة انديكوت نفسها جالسة وراء منضدة قرب مستوقد 
فحمي صغير ومنكيّة من فوق سجل حساباتها؛ ولو مررنا مرورا قطريا من تلك 
النافذة واتجهنا الى نافذة احرى في اقصى بين البيت» وهي نافذة مظلمة في الطابق 
العلوي لا تزال ستائرها مسدلة» ففي وسعنا ان نرى مثالا جيدا لاثى عشر قدما 
(3.6م) وستة اقدام (1.8م)» اقصد حجم الغرفة لا الضيف. 

وهما غرفتان في الحقيقة» غرفة جلوس صغيرة وحجرة نوم اصغر منهاء وقد 
صممتا من غرفة واحدة مناسبة الحجم على الطراز الجيورحي. وكانت الجدران 
مكسوة بورق تزينه نماذج دقيقة من الورود. ووضع فيها سجاد قم ومنضدة 
دائرية ثلانية القوائم مغطاة بغطاء ميك له لون احضر غامق كان في زواياه ما يشير 
الى ان شخصا ما حاول - اول مرة كما يبدو - تعلم التطريزء وهناك مقعدان 
يعوزهما الذوق ومضرب غولف خشبي مزدان بمخمل أحمر داكن وصوان ثياب 
من الخشب الب الداكن» وعلى الحدار علقت صورة تشارلز ويزلي*” وصورة مائية 
في منتهى الرداءة تمثل كاتدرائية اكستر - استلمت .كثابة دفع حزئي على مضض 
قبل سنوات من احدى السيدات اللواق عصفت يمن الظروف. 

يضاف الى القرقعة الصغيرة من تحت المستوقد الصغير» قطعة ياقوت نائمة 
الاذ» هناك قائمة جرد محتويات الغرفة. وهي قائمة لم ينقذها سوى تفصيل صغير 
واحد: المرمر الابيض الحيط بالمستوقد وهو مرمر حيورحي» يكشف من فوق عن 
حوريات رشيقات تزينهن الورود. رعا كانت تشوب وجوههن الكلاسيكية دوما 
مسحة من الدهشة, من المؤكد امن يتصفن ها الان» عند مشاهدة اي تغييرات 
مدهشة كن ان تفعلها مائة سنة في ثقافة أمة. لقد ولدن في غرفة مكسوة بخشب 
الصنوبر الجميل اما الان فيجدن انفسهن في زنزانة قابضة للصدر. 

من الم ؤ كد انه كان في وسعهن ان يتنفسن الصعداءء لو استطعن الى ذلك 
سبيلاء عند فتح الباب ووقوف النزيل الغائب الان قرب المدحل. ذلك المعطف 
الغريب الطراز» تلك القبعة السوداءء ذلك الثوب النيلي بياقته الصغيرة البيضاء... 
الا ان سارة دخحلت الغرفة على نحو تواق تقريبا. 


(98) تشارلز ويزلي (1788-1707): واعظ ديني انكليزي مؤلف تراتيل دينية. (المترجم) 


29%6 


لى يكن هذا هو وصوها الى فندق اسرة انديكوت. اما كيف وصلت هذا 
المكان قبل بضعة ايام فهو امر بسيط. فقد كان اسم الفندق اشبه بدعابة في 
الاكادبمية الى درست فيها وهي فتاة في اكستر. وقد استخدمت الصفة كثابة اسم 
وكان من المفترض ان اسرة انديكوت كانت كثيرة العدد ثما تطلب فندقا بأكمله 
كي يسكنوا فيه انفسهم. 

لقد وحدت سارة نفسها تقض قرب شيبء وهو المكان الذي ينتهي فيه 
حط رحلة حافلات دورشستر. كان صندوق امتعتها في انتظارها اذ وصل في 
اليوم السابق لوصولما. وكان احد الحمالين قد سألا عن المكان الذي ستقصده» 
فانتايما ذعر قصير الامد ولم بمر بخاطرها اي اسم جاهز باستثناء تلك الدعابة 
ال تتذكرها على نحو واه. وعندما سمع الحمّال اسم المكان الذي ستقصده بان 
و و بورض آنا لم تختر ابرز مكان للاقامة في اكستر. الا انه حمل 
صندوقها دون جدال» وسارت من ورائه في البلدة صوب الحي الذي سبق لي 
ان اتيت على ذكره. لم دهش لمظهر المكان - ففي ذاكرتا (غير انها لم تشاهده 
سوى مرة واحدة) كان جوه اكثر الفة» اكثر كرامة» اكثر صراحة... على اي 
حالء المتسولون لا يملكون حق الاختيار. وارتاحت على نحو ما لأن حالة 
عزلتها لم تثر اي تعليق... فدفعت ايجار غرفة مقدما مدة اسبوع» وهي تزكية 
كافية كما يبدو. كانت عازمة على ان تسكن في ارحص غرفة:؛ الا انها عندما 
وحدت ان غرفة واحدة ايجارها عشرة شلنات وان غرفة ونصف لقاء نصف 
كراون إضاقء فإِها غيّرت من رأيها. 

دخلت الغرفة مسرعة واغلقت الباب. اشعلت عود ثقاب» واضاءت به فتيلة 
المصباح الذي طرد نوره برفق ظلمة الليل. ثم نزعت قبعتهاء وهزت شعرها هزتًا 
المعروفة فتهدل فوق كتفيهاء وحملت الحقيبة ال كانت تمسك بما ووضعتها فوق 
المنضدة وكانت تواقة لفتحها اكثر من توقها الى حلع معطفها. واحذت ترفع ببطء 
وعناية صفوف محتوياها المغلفة وتضعها فوق غطاء المنضدة الاخضر. ثم وضعت 
السلة فوق ارضية الغرفة» وشرعت تنزع اغلفة مشترياها. 

بدأت اولا بابريق الشاي المصنوع في ستافوردشاير ويحمل رما مطبوعا 
جميلا بمثل بيتا قرب جدول ماء وعاشقين (امعنت في النظر الى العاشقين) وقدح 


297 


توبي” لا يشبه الصناعات الفكتورية البشعة ذات الالوان المبهرحة» بل عبارة عن 
مادة صغيرة رقيقة بلون بنفسجي فاتح واصفرء وقد ظهرت فيه ملامح الرحل 
الطروب يتخللها على نحو جميل بريق ازرق ناعم (رعا يتمكن خبراء الخزف من 
ييز صورة رالف وود). وقد كلف سارة هذا تسعة بنسات في احد متاجر الخزف 
القديمة. لقد تصدع القدح» وتصدع ثانية على مر الزمن. وف وسعي ان اؤكد هذا 
لاني اشتريته بنفسي قبل سنة او سنتين .عبلغ يزيد كثيرا عن البنسات الثلاثة الي 
انفقتها عليه سارة. الا اني بخلافهاء احببت صورة رالف وود. اما هي فقد احبت 
الابتسامة. 

كانت سارة تتمتع بحس جمالي على الرغم من اننا لم نشاهدها وهي تظهر 
وحدت نفسها فيه. لم تكن لديها اي فكرة عن عمر قدحها الصغير. الا انما كانت 
تملك شعورا خافيا بانه استخدم استخداما كثيرا وتناقلته الكثير من الايادي... 
واصبح الان في حوزقا. اصبح الان في حورا - فوضعته فوق رف الموقد 
وحدقت اليه وهي لا تزال مرتدية معطفهاء بوله طفولي كأفها لا تريد ان تضيع 
ذرة واحدة من طعم التملك الاول. 
الغرفة. القت نظرة قصيرة غير انما حادة الى الباب. مرت الخطوات. وهنا نزعت 
سارة معطفهاء وح ر کت جمرات النار» ووضعت ابريقا مسودا فوق الحامل اجاور 
للموقد. عادت ثانية الى مشترياتها: كيس يحتوي على الشاي» واحر يحتوي على 
السكرء وعلبة معدنية صغيرة تحتوي على الحليب وضعتها قرب ابريق الشاي. ثم 
حملت الرزم المغلفة الثلاث الباقية من المشتريات واتحهت صوب حجرة النوم: سرير 
ومغسلة من المرمر ومرآة صغيرة وسجادة داكنة» وهذا كل شيء. 

الا ان النظر كان يستهويها الى رزمها الثلاث. وكانت الرزمة الاولى تحتوي 
على قميص نوم. ولم تحاول ان تحرب وضعه على جسدها من الخارج» بل وضعه 
فوق السريرء ثم فتحت الرزمة التالية وكانت تحتوي على لفاع احضر داكن ذي 


(99) قدح توبي: قدح صغير بهيئة رجل بدين يرتدي قبعة ذات ثلاث زوايا. وتوبي هي كنية 
توبياس. (المترجم) 


298 


عي E‏ را بابر حجري CB ERO‏ يوه مريت 
بلا ريب بسبب ارتفاع ثمنه» اذ انه كلفها مبلغا يزيد على مبلغ كل مشتريامًا 
الاحرى. واخيرا رفعته وهي مستغرقة ف التفكير ومست به وجنتهاء ملقية نظرة 
ملية الى قميص النوم. وي اول تلميح انثوي صادق اسمح لما به» دفعت خحصلة من 
شعرها الكستنائي الى امام لتستلقي فوق القماش الاخضرء وبعد لحظة واحدة 
نفضت اللفاع فبدا واسعاء يزيد طوله عن الياردة (90 سم) وضغطته فوق كتفيهاء 
وحذقت اكثر الى المرآة هذه المرة» ثم عادت الى السرير» ورتبت اللفاع من حول 
كتفي قميص النوم المفروش فوقه. 

ونتحت E a‏ ويه امغر الززم او كاك E‏ التارانية 
الشكل» شرعت بحملها مرة ثانية الى الغرفة الاحرى» بعد ان ل شع اه فة 
في الشكل الابيض والاحضر فوق السرير» ووضعتها في درج الصوان الخشبي في 
نفس الوقت الذي بدا فيه غطاء الابريق يقرقع. 

كانت محفظة تشارلز تحتوي على عشرة جنيهات انكليزية من الذهب» 
وكانت هذه الجنيهات وحدها - بغض النظر عن المحتويات الاجرئ. - تكن ,لآن 
تحول سارة الى العام الخارحي. ومنذ الليلة الاولى الي عدت فيها هذه النقود 
الذهبية» كانت تواصل عذها في كل ليلة. ولم يكن ذلك ليشبه ما يفعله البخيل؛ 
بل يشبه ما يفعله المرء من مشاهدة احد الافلام مرات ومرات» بسبب المتعة الى لا 
تقاوم في الموضوع» وقي صور محددة.. 

منذ ان وصلت اكستر لم تصرف من النقود الا النزر اليسير من مدخراتًا 
الخاصة لتسد ما رمقها. الا انها كانت تحملق في المتاحر: في الثياب» في الكراسي» 
المناضدء البقالين» المشروب المفضلء في مقات الاشياء الى بدت معادية لهاء معبرة 
وساخرة من الكثير من سكان بلدة لانم المنافقين» الذين تجنبوا النظر الى عينيها في 
اثناء مرورها امامهم وكشروا عن اسنام بعد ان تحاوزقهم. وهذا هو السبب الذي 
حدا ما الى شراء ابريق شاي بعد وقت طويل جدا. ففي وسعك ان تكتفي بابريق 
الماء. وقد عوّدها فقرها على احتمال صعوبة عدم امتلاكه» وابعدت عن نفسها 
شهرة شرائه ماما كأنها بار اعتاد ان يقضي اسابيع طويلة على نصف قطعة من 
البسكويت يومياء اذ لم يكن في وسعها ان تأكل الطعام الذي تملكه الان. وهذا لا 


209 


يعن اها كانت غير سعيدة. بل ابعد من ذلك. كانت تستمتع باول عطلة في حياتا 
كامرأة بالغة. 

اعدّت الشاي» وتوهجت شعلة ذهبية صغيرة وانعكست فوق الابريق. 
وظهرت وهي تنتظر في الضوء الخافت» الظلال الي كانت تلقي ها النار. رما 
ستظن افا لا بد ان تكونء بعد ان تغيرت على هذا النحو» قد رضيت بقدرها واا 
معت اخبارا من تشارلز او عنه. لكن هذا غير صحيح. لا ابغي من الان اكتشاف 
مايدور في ذهنها وهي تحملق في النار اكثر ما حاولت ان افعله في تلك المناسبة 
الاحرى عندما اغرورقت عيناها بالدموع في تلك الليلة الصامتة في منزل 
مارلبورو. وبعد برهة وجيزة فضت من مكافاء وتناولت من الدرج الاعلى ملعقة 
شاي وفنجانا بلا صحن. وبعد ان صبت لنفسها الشاي قرب المنضدة» فتحت اخر 
رزمها. كانت عبارة عن فطيرة محشوة باللحم. ثم بدأت تأكلها دون رقة تماما. 


300 


37 





تجبر البورجوازية الامم كلهاء مهددة اياها بالفناء؛ على تبني نمط 
الانتاج البورجوازيء وتجبرها على تقديم ما تسميه المدنية في وسطها. 
اي ان تصبح بورجوازية هي الاخرى. باختصارء انها تنتج عالما على 
صورتها هي. 

ماركس: البيان الشيوعي 1848 


كان لقاء تشارلز الرسمي الثاني بوالد ايرنستينا اقل يمجة من اللقاء الاول بكثير 
على الرغم من ان الخطأ ليس خطأ السيد فرعان. فقد كان السيد فريمان رحلا 
متعاليا وبخاصة في مظاهر حياته الخارحية على الرغم من مشاعره الدفينة عن الطبقة 
الارستقراطية بانها تبعث على الملل. وكان شغله الشاغل يتمثل في ان يبدو انسانا 
مهذبا نبيلا وهو ما اهتم به مثل اهتمامه بأعماله الاخرى. لقد كان يؤمن امانا 
واعيا بانه انسان نبيل كل النبل. ولعلنا لا نستطيع تلمس اي شك باطيئ كان 
يساوره الا من خلال عزمه الراسخ على ان يبدو كذلك. 

كان اولعك الجندون الجدد في الطبقة الوسطى العليا في مكانة قلقة. فلو شعروا 
بأنفسهم مجندين اجتماعياء لادركوا ادراكا تاما انهم سادة اقوياء في عام التجارة 
الخاص بكم. فاختار البعض الاخر صورة احرى من الالوان المبهمة. واهتم اهتماما 
كيرا مثل السيد جور و كس بلحوايات واحلاق وصفات سادة الريف الحقيقيين. 
وحاول ارون - مثل السيد فريمان اعادة تحديد المصطلح. كان السيد فريعان يملك بيتا 
حديث البنيان في غابة الصنوبر .مقاطعة سَرْي ((51159)» وكانت زوجته وابنته 
تقضيان هناك وقتا اكثر مما يقضيه هو نفسه. وفي اسلوب حياته كان عثل طليعة 
الاثرياء المعاصرين الذين يسافرون يوميا الى مقار اعمالهم» فما خلا انه كان لا يحضي 
الا عطلات هاية الاسبوع هناك وي فصل الصيف لا اكثر. وفي حين يهتم انداده 
المعاصرون بلعبة الغولف او الورود او البغاء فإن السيد فريمان كان يهتم بالامور اللحادة. 

في الحقيقة» كان الربح والجد وفق ذلك النظام, مما شعاره. اذ ازدهرت 
حياته في ظل التحولات الاحتماعية والاقتصادية الكبر ى الي حدثت بين عامي 


301 


1870-0 - تحول التركيز من المصنع الى المتجرء من المنتج الى المستهلك. 
وانسجمت الموجة الاولى العظيمة من موجات الاستهلاك اللافت للنظر وحساباته 
انسجاما لطيفا تماما. وعلى نحو تعويضي - وفي محاولة تقليد جيل اسبق من التجار 
الاستغلاليين الذين فضلوا مطاردة الخطيئة على مطاردة الثعالب - فقد اصبح في منتهى 
الجد والورع في حياته الخاصة. ومثلما يهتم بعض كبار الاثرياء اليوم بجمع اللوحات 
الفنية» ضامنين بذلك استثمارا ماليا متازا مع بريق الاحسان الجميل» فقد اسهم السيد 
فريمان اسهاما كبيرا في جمعية نشر الفكر المسيحي وغيرها من الموسسات المتطرفة 
المماثلة. وفي ظل معاييرناء فإن تلاميذه وصناعه وغيرهم كانوا مستَعّلين» يعيشون عيشة 
فظيعة. غير انه في ظل معايير عام 1867 فإن مؤسسة فرعان كانت متقدمة على نحو 
استنائي» وكانت نموذجا فريدا من نوعها. واذا ما صعدت روحه الى السماءء فانه 
سيجد من ورائه قوة عاملة سعيدة وسيكون لورثته الربح الوفير من هناك. 

كان رحلا وقورا يشبه مديري المدارسء» له عينان رماديتان حادتان ييل 
دهاؤما الى حعل كل من يقع تحت نظرهما كأنه سلعة بائسة من سلع مانشستر. 
وعلى اي حالء فقد اصغى لاخبار تشارلز دون ان يبدو عليه اي انفعال على 
الرغم من انه اومأ يماءة تنم عن الجد عندما اختدم تشارلز شرحه. ران الصمت بعد 
ذلك. لقد جرى اللقاء في مكتب السيد فران ببيته في منطقة هايد بارك. لم يكن 
ذلك المكتب ليوحي البتة ما يشير الى مهنته» اذ كانت الحدران مرصوفة بكتب 
رصينة المظهرء تمثال نصفي يمثل ماركوس اوريليوس”" - او رعا هو اللورد 
بالمرستون*“ في حمامه؟ - صورة او صورتان كبيرتان غير واضحي المعالم من 


(101) ماركوس اوريليوس (121 - 180 م): امبراطور روماني مشهور بكتابه (التأملات) الذي 
يبحث في الفلسفة الرواقية. افلح في رد غزو الالمان شمالي ايطاليا واعاد الهدوء الى 
الاقاليم الشرقية. (المترجم) 
(102) اللورد بالمرستون (1784 - 1865): سياسي ورجل دولة بريطاني استعماري. تقلد 
المناصب الحكومية مدة نصف قرن تقريبا وعمل على اقامة كيانات دولية تخدم المصالح 
١‏ البريطانية. اشرف على سياسة بريطانيا المعادية لدولة محمد علي الكبير وابنه ابراهيم 
باشا اذ رأى في قيام دولة عصرية موحدة تضم وادي النيل والجزيرة العربية والمشرق 
العربسي ما يهدد مستقبل المصالح البريطانية. شغل منصب رئيس الوزراء (1855 -1858) 
و(1859 - 1865). (المترجم) 


302 


الحفر المنقوش يصعب التكهن ما اذا كانتا تمثلان احتفالات او معارك على الرغم 
من انهما افلحتا في اعطاء الانطباع عن انسانية مبتسرة بعيدة كل البعد عن الاجواء 
الراهنة. 

تنحنح السيد فرعان وحملق في الجلد الاحمر البرّاق الذي يغلف مكتبه. ظهر 
وهو يوشك على الكلام» الا انه غير من رأيه. 

- امر مدهش ثماما. مدهش ثّاما. 

خيّم صمت اطول شعر في اثنائه تشارلز انه نصف منزعج ونصف مرتاح. 
ورأى انه في سبيله الى اذ جرعة من الأب الوقور. لكن طالما انه دعي الى ذلك» 
فلا يستطيع الا المعاناة في الصمت الذي تلا ذلك وابتلع رد الفعل غير المريح. في 
الحقيقة» ان رد فعل السيد فريمان الشخصي كان رد فعل تاحر اكثر منه رد فعل 
سيد مهذب» لأن الفكرة الي التمعت في ذهنه على الفور تمثلت في ان تشارلز جاء 
' يطلب زيادة في مهر الزواج» وهذا امر يسهل عليه تنفيذه» غير ان احتمالا رهيبا مر 
في خاطره في نفس الوقت - هو ان تشارلز كان يعلم كل العلم زواج عمه 
المحتمل. والشيء الوحيد الذي اثار اشمئزازه هو ان يُقهر في صفقة تحارية مهمة - 
وكانت هذه الصفقة تخص قبل كل شيء الشخص الذي يرعاه بكل حنان. 

اخيرا قطع تشارلز الصمت. 

- لست محتاجا لأن اضيف ان قرار عمي هذا قد اثار دهشي الشديدة ايضا. 

- مؤكداء مؤكدا. 

- الا اني شعرت ان واجبي يدفعي الى احاطتك به علما على الفور - 
وشخصيا. 

- انت محق في هذا كل الحق. اتعرف ايرنستينا؟ 

- كانت اول انسان اخبره بالامر. وهي متأثرة تأثرا طبيعيا بالعواطف الي 
اغدقتها علي. 

تردد تشارلز ثم تحسس جيبه. 

- لدي رسالة اليك منها. 

وقف ووضعها فوق المكتب فحملق فيها السيد فريمان بعينيه الرماديتين 
الماكرتين وبدا مشغولا بافكار احرى. 


303 


- لا يزال لديك دحل حاص معقول. اليس كذلك؟ 

- لا استطيع التظاهر بأنيْ اصبحت فقيرا. 

- والى هذا يحب ان نضيف احتمال ان عمك ليس بالثراء الذي بمكنه من ان 
ييجعل له وريثا في النهاية. 

- صحيح. 

- وكذلك اليقين بأن ايرنستينا لن تأي اليك دون مورد مالي مناسب؟ 

- انت في غاية الكرم. 

- وانئ في يوم ما سأحلد الى الراحة الابدية. 

- يا سيدي العزيز» اني... 

انتصر السيد المهذب. نمض السيد فرعان واقفا. 

- يجب ان نقول هذه الاشياء فيما بيننا. سأكون في منتهى الصراحة معك يا 
عزيزي تشارلز. ان الاعتبار الاساسي لدي هو سعادة ابني. الا اني لست مضطرا 
الى ان احبرك عن الجائزة الى تمثلها بالمصطلحات المالية. عندما تقدمت لخطبتها 
مئء لم تكن ادن تزكية عنك في نظري هي ثقي بان الارتباط سيكون قائما على 
الاحترام المتبادل والكفاءة المتبادلة. فقد اكدّت لي ان ظروفك المتبدلة قد حدثت 
على نحو مفاجئ تماما. ولا يمكن لاي غريب عن استقامة احلاقك ان يعزو اليك 
اي دافع غير نبيل. هذا هو هاجحسي الوحيد. 

- وهو هاحسي ايضا يا سيدي. 

خيم الصمت من جديدء لقد ادرك الاثنان كل الاشياء الي قيلت حقا: لا بد 
ان الاقاويل الخبيثة ستحيط بالزواج الان. ولسوف يتم الاعلان عن ان تشارلز فقد 
اعتباره قبل خطوبته؛ وان ايرنستينا ستكون موضع سخرية لأا حسرت اللقب 
الذي كانت تستطيع شراؤه في اي مكان اخر. 

- الافضل ان اقرأ الرسالة. ارحو ان تسمح لي بذلك. 

رفع سكينه الذهبية القوية الي يستخدمها في فتح الرسائل» وش يما المغلف. 
توجه تشارلز صوب النافذة وحملق في اشجار هايد بارك. وشاهد وراء مجموعة 
العربات الواقفة في طريق بايزووتر فتاة - فتاة متجر او حادمة كما يبدو من 
مظهرها - تنتظر فوق مصطبة امام السياج. وفي حين كان يراقبها» وصل جندي 


304 


يرتدي سترة مراي وحياهاء فالتفتت نحوه. كانت الفتاة بعيدة تصعب رؤية 
وجههاء غير ان لهفة التفاتها اوضحت بانهما عاشقان. رفع الجندي يد الفتاة 
وضغطها على الفور فوق قلبه. شيء ما قيل. ثم وضعت يدها تحت ذراعه وشرعا 
يسيران ببطء صوب شارع اوكسفورد. تاه تشارلز في خحضم مشهده الصغير. 
وذعر عندما تقدم منه السيد فريعان حاملا الرسالة وهو يبتسم. 

- رعا يتعين علي أن اقرأ ما تقوله في ملاحظة حتامية. 

- عدّل من وضع نظارته ذات الاطار الفضي. 

- لو اصغيت الى كلام تشارلز الفارغ لحظة واحدة فانئ سأحعله يتروحي 
ونرب معا الى باريس. 

رفع بصره ونظر الى تشارلز نظرة جافة. 

- يبدو اننا لا نملك اي خحیار. 

ابتسم تشارلز ابتسامة واهنة. 

- لكن اذا شئت وقتا اضافيا تفكر فيه... 

وضع السيد فربمان يده فوق كتف الانسان الكثير الوساوس. 

- سأحبرها ان رأيتها شديدة العزم» بل اكثر مثارا للاعجاب في اوقات 
الشدة عنها في اوقات اليسر. واظن ان الافضل ان تسرع في العودة الى بلدة 
لامم. 

- هذا لطف عظيم منك. 

- بل هو لطف اعظم منك اذ تجعل ابن في منتهى السعادة. ورسالتها ليست 

امسسك بذراع تشارلزء وقاده ثانية الى الحجرة. 

- والان يا عزيزي تشارلز. 

كانت هذه العبارة تمنح السيد فرركان متعة معنية. 

- لا اعتقد بضرورة تنظيم نفقات المرء البتة عندما يكون الزواج شيئا رديئا. 
لكن لو ان الظروف... انت تفهم ما اقصد. 

E 

- لنتوقف عن الكلام اذا. 


305 


احرج السيد فريمان سلسلة مفاتيحه» وفتح دُرّجا في مكتبه» ووضع فيه رسالة 
ابنته كأها وثيقة نفيسة من وثائق الدولة» او رعا يعرف عن الخدم اكثر ثما يعرفه 
جميع اصحاب الاعمال الفكتوريين. بعد ان اعاد اقفال المكتب رفع بصره الى 
تشارلز الذي تولد لديه الانطباع غير المريح الان انه قد اصبح احد المستخدمين - 
احد المستخدمين المفضلين مؤكداء ولكن في هذا التنظيم التحاري العملاق. وسيأتي 
ما هو اسوأ من ذلك. فرعا لم يكن السيد المهذب قبل كل شيء هو الوحيد الذي 
قرر لطف السيد فرعان وعطفه. 

- طالما ان اللحظة مؤاتية الان» افي وسعي ان افتح لك فؤادي فيما يخص 
مسألة الحرى ذات صلة بك انت وايرنستينا؟ 

انحن تشارلز انحناءة مؤدبة تنم عن القبول» غير ان السيد فريمان بدا لحظة وهو 
لا جد الكلمات المناسبة. وبدلا من ذلك» وضع سكين الرسائل في مكافا المحدد 
واتحه صوب النافذة الي تركاها قبل قليل؛ ثم التفت. 
ناحية واحدة. 

ثم اضاف كأنه يوجه كلامه الى السجادة. 

- ليس لدي ولد. 

توقف ثانية» ثم نظر نظرة ملية الى صهره. 

- ادر ان التجارة قد تبدو لك شيئا مُنفراء فهي ليست مهنة الرحل النبيل. 

- اتقصد ذلك حقا؟ ام تراك توجه إلي نوعا من المداهنة؟ 

فجأة باتت العينان الرماديتان بلون الحديد مصوبتين نحوه. 

فذهل تشارلز برهة وحيزة لا يدري ما يفعل» ثم فتح كلتا يديه. 

- اني ارى كل ما يراه اي رجحل ذكي - الفائدة العظمى من وراء التجارة» 
مكانتها الجوهرية في... 

- آم نعم. هذا ما يقوله كل سياسي. وهم مضطرون الى ذلك لأن رفاهية 
بلدنا تعتمد عليها. لكن اترغب في ان يقال عنك انك... في التجارة؟ 

- لم يرد هذا الاحتمال مطلقا. 


306 


- لكن قل ان هذا الاحتمال سيرد؟ 

- اتقصد... اني. 

اخيرا ادرك ما كان يرمي اليه عمه (الحمو). ولا رأى العم صدمته اسرع 
بالتوحه صوب السيد النبيل. 

- انب لا اقصد بكل تأكيد انه ينبغي لك ان تزعج نفسك بالشؤون اليومية 
لمشروعي. فتلك هي مهمة المشرفين» الكتاب وما الى ذلك. الا ان تحاري مزدهرة يا 
تشارلز. وف العام المقبل سنعمل على فتح متجر كبير في كل من بريستول وبرمنغهام. 
وهما ليسا سوى البداية. انين لا استطيع ان اعطيك امبراطورية سياسية او جغرافية» الا 
اني مقتنع ان امبراطورية من شى الاشياء ستحصل عليها ذات يوم انت وايرنستينا. 

بدا السيد فريمان يذر ع الحجرة ذهابا وجيئة. 

- عندما نضح ان مهامك المستقبلية تكمن في ادارة املاك عمك فاني لم 
اقل شيئا. لكن لديك الطاقة والثقافة والقدرة الفائقة.. 

- غير ان حهلي في الامور الي تقترحها هو... حسناء جهل مطبق تقريبا. 

اهمل السيد فريان اعتراضه. 

- ان امورا من مثل النزاهة والاستقامة والقدرة على فرض 0 
والحكم على الرحال حكما واضحا انما هي ذات اهمية قصوى ولا اظنك تفتقر الى 
مثل هذه الخصال. 

- لست وائقا بانئى اعرف تماما ما توحي به. 

- لا اوحي بشيء. انئى على اي حال» في السنة او السنتين القادمتين عليك 
ان تفكر في امور زواج ولن ترغب في هموم ومشاغل خارجية في مثل ذلك 
الوقت. لكن اذا ما حل اليوم الذي من شأنه ان تتسلى في معرفة ما هو اكثر عن 
التجارة الي سوف ترثها عن طريق ايرنستيناء فإن لا شيء سيحقق لي او 
لزوحت... اذا جاز التعبير... متعة اعظم من تعزيز ذلك الاهتمام. 

- ان الشيء الاخير الذي اتمناه هو الظهور يمظهر ناكر الحميل» لكن... 

.. ذلك يبدو غير منطبق على ميولي الطبيعية» لأن المواهب القليلة الى املكها... 

لي و ا ا ا ل 
البداية من مسؤولية زيارة مكتب الادارة بين وقت واخرء واشراف عام على ما 


307 


يدور. اعتقد انك ستدهش لنمط الرحل الذي اوظفه الان قي المراكز ذات المسؤولية 
الاكبر. وليس هناك حاجة لأن يشعر المرء بالخجل منها. 

- اذكر لك ان ترددي لا يتأتى بأي حال من الاحوال من اعتبارات اجتماعية. 

- عندئذ لا يمكن ان يكون الدافع سوى تواضعك. وف هذا الصدد» فانك 
تسيئ الحكم على نفسك ايها الشاب العزيز. لا بد ان يأ ذك اليوم الذي اشرت 
اليه - ولن اكون على قيد الحياة انذاك. لا ينكر انك قد تتخلص مما قضيت عمري 
في بنائه. قد تحد مديرين اكفاء ينوبون عنك في الاهتمام بتصريف الشؤون. الا اني 
اعرف عما اتحدث. ان المشروع الناحح بحاجة الى مالك نشيط مثلما يحتاج اليش 
الحسن الى قائد. ولن يفيد وحود كل الجنود الاشاوس من العام ما لم يكن هو 
موجودا لادارة المعركة. 

شعر تشارلز وهو تحت تأثير هذه المقارنة الحذابة انه لا يرال امامه الكثير من 
الايام ال يقضيها في البراري عل الاقتراح مغويا اكثر. غير انه سيد نبيل وليس في 
وسع السيد النبيل ان يفكر في التجارة. بحث عن وسيلة ليعبر فيها عن مثل هذه 
الرأي» غير انه احفق. ففي مناقشة الامور التجارية» يكون التردد علامة الضعف. 
وهنا استغل السيد فريمان فرصته. 

- انك لا تستطيع ان جتحعلي اوافق على اننا انحدرنا جميعا من القرود. اني 
اجد هذه الفكرة الحادية. غير انئى فكرت اكثر في بعض المسائل الي ذكرقا في اثناء 
اختلافنا الصغير. 

- لكي يبقى الانسان على قيد الحياة» لا بد ان يكيف نفسه وفق التغيرات في 
محيطه. 

- تماما. الان استطيع ان افهم ذلك. انين اكبر منك بعشرين سنة. علاوة على 
ذلك» لقد قضيت حياتقٍ في مكان اذا ما احفق المرء في تغيير نفسه - تغييرا ذكيا - 
ليلبي متطلبات عصره فانه لن يبقى على قيد الحياة. ان يصاب بالافلاس. 
الازمنة تتغير» كما تعلم. وهذا عصر كبير من عصور التقدم. والتقدم يشبه جوادا 
مفعما بالحيوية. حاشا الله ان اوحي ان صفة السيد النبيل هي حرفة غير كافية في 
الحياة. لا بمكن هذا ابدا. غير ان هذا العصر هو عصر الفعل» الفعل العظيم يا 
تشارلز. رعا تقول ان هذه الاشياء لا تمكء انها دونك ولكن اسأل نفسك فيما 


308 


اذا كان خليقا يما ان ممك. هذا كل ما اقترحته عليك» لا بد ان تفكر في هذا 
الامر. ليست هناك ضرورة لاتخاذ قرار الان. لا ضرورة مطلقا. 

الا انك لن ترفض الفكرة رفضا باتا وقاطعا؟ 

شعر تشارلز في هذا الوقت انه اشبه بنموذج غطاء منضدة رتقَ على نحو 
رديه انه بكل الاحوال ضحية التطور. فقد استيقظت ثانية وعلى نحو سهل تماما 
تلك الشكوك القديمة ال كانت تراوده بخصوص لا حدوى وجوده. وادرك الان 
وجهة نظر السيد فرعان الحقيقية فيه: انه كسول. وادرك ما اقترحه عليه: ان يوفر 
مهر زوحته. كان يفضل ان يكرن هادئا حذراء الا ان ثمة دفءا! في صوت السيد 
فريان من وراء الحماسة» افتراض علاقة. وبدا الامر لتشارلز كأنه قضى حياته 
مسافرا بين المرتفعات البهيجة ووصل الان الى سهل شاسع من الضجر والسأم. 

افلح في النظر الى تلك العينين النفاذتين التجاريتين التواقتين. 

- اعترف بأن هذه الاشياء عصفت بي الى حل ما. 

- لا اطلب منك ما هو اكثر من التفكير في الموضوع مليا. 

- بكل تأكيد. امر طبيعي. سأفكر تفكيرا جادا. 

تقدم السيد فرعان وفتح الباب. وابتسم. 

- اخحشى ان امامك محنة واحدة احرى. السيدة فربمان تنتظرنا وهي متأحجة 
بحب الاستطلاع عن احر ما يدور من احاديث في بلدة لام. 

بعد مرور بضع الحظات كان الرحلان يسيران في ممر عريض يؤدي الى فضاء 
واسع يطل على قاعة البيت الكبرى. ولم يكن فيها شيء يذكر لا يناسب افضل 
مظاهر الذوق العصري. ولكن في حين كانا يهبطان السلالح صوب الخادم الواقف 
في الانتظار» شعر تشارلز ان كرامته امتهنت على نحو غامض» انه اشبه بأسد وضع 
داحل قفص. واحس وی جارف غير متوقع يشذه الى وينزيات» الى اثاثه 
ولوحاته القديمة البائسة؛ الى عصره امانهء لباقته الاجتماعية. كانت فكرة الارتقاء 
الجحردة تثير نشوته غير ان ممارستها بدت محفوفة بفظاظة ظاهرة مثل الاعمدة 
الكورنثية المطلية بالذهب حديثا الى تؤطر الباب الذي توقف عند عتبته هنيهة هو 
ومعذبه قبل ان يدحلا «السيد تشارلز سميئسون يا سيدي». 


309 


38 





عاجلا او اجلاء سأخذ انا ايضا بشكل سلبي طابع 

العصر الذهبي - لم لا؟ لا املك املا ولا ثقةء 

واجعل قلبي مثل حجر الرّحى؛ ووجهي مثل الصوان» 

اخدع وأخدع واموت: من يدري؟ نحن رماد وغبار. 

تینیسون: مود 1855 
لما وحد تشارلز نفسه اخيرا فوق السلا م العريضة لبيت السيد فريعان» كان 
الغفسق قد ارخى سدوله» واضيئت مصابيح الغاز وبات الحو منعشا. ثمة ضباب 
حفيف بمتزج بشذى نضارة الربيع من المننزه في الجهة الاحرى من الشار ع اضافة 
الى السخام المعهود. تدشق تشارلز الهواء اللندن اللاذع» وقرر ان يتمشى. اما العربة 
ال استدعيت لاجله فقد مضت في سبيلها. 
سار دون ان يكون لديه هدف واضح تماما صوب ناديه في سانت جيمز. في 

البداية» سار الى حانب اسوار متنزه هايد بارك» تلك الاسوار الثقيلة ال كان 
افمفيارها امام الدهماء (وتحت انظار محاوره الذي حاوره منذ عهد قريب) بعد ثلاثة 
اسابيع لا اكثر قد عجل من اقرار لائحة الاصلاح العظمى. استدار بعد ذلك صوب 
ارك لين الا ان.حتفظ: خر که المروو كان مقا .اذ كان مطل رة المرور بسنب 
ازدحام العربات في اواسط العهد الفكتوري سيئا كما هو في العصر الحديث» بل اكثر 
ضوضاء لأن كل عجلة كانت ذات اطار حديدي يحرٌ بلاط الشارع الحجري. هذ 
لما سار في طريق متخيلا انه يختصر المسافة» وجد نفسه في قلب حي مايفير. ازداد 
الضباب كثافة» الا انه لم يحل دون رؤية الطريق امامه» بل اضفى مسحة من الحلم على 
الاشياء الي كان ير بماء كان اشبه بزائر من عالم احر» اشبه بكانديد123 الذي لا 


(103) كانديد (1759): مقطوعة هجائية فلسفية كتبها فولتير في اعقاب مغامرات الشاب الساذج 
كانديد وحبيبته الاميرة ومعلمه» وهي مغامرات يصادف الثلاثة في اثنائها العديد من 
الكوازث مثل زلزال لشبونة ومحاكم للتفتيش والاعتصاب والخرب. وتسخر المقظوعة من 
تفاؤل الفلسفة العقلانية المعاصرة بخاصة فلسفة ليبنتز. (المترجم) 


310 


يستطيع ان يفهم اي شيء سوى الشروح الواضحة» اشبه برحل حرم فجأة من 
احساسه بالمفارقة. 

ان تجرده من مثل هذا المظهر الجوهري في نفسه يعي ان يكون عاريا تقريبا. 
لعل هذا يصف ادق وصف ما شعر به تشارلز. انه لا يدري الان ما الذي دفعه 
حقا الى والد ايرنستينا. كان يمكن معالحة القضية برمتها بارسال رسالة. لو بدت 
وساوسه الان غير معقولة» فالامر ينطبق ايضا على كل هذا الحديث عن الفقر» عن 
ضرورة تنظيم المرء مورده المالي. في تلك الايام» وبخاصة في الامسيات الى يهددها 
الضباب» كان الاثرياء يتنقلون بالعربات» ولا بد للمشاة ان يكونوا فقراء. لهذاء 
فإن معظم الذين صادفهم تشارلز في طريقه كانوا من الطبقات الفقيرة. حدم في 
البيوت الضخمة في حي مايفير» كتاب» متبضعون» شحاذون» كناسون (وهي مهنة 
شاعت كثيرا عندما ساد الحواد كل شيء)» باعة متجولون» اولاد الشوارع؛ 
مومس او مومستان. كان يعلم ان مائة حنيه إنكليزي في السنة من شأفا ان تكون 
ثروة لكل هؤلاء. وقد لقي المواساة الوجدانية توا لأنه لا يملك الا ان يسد رمقه 
مبلغ يزيد عن هذا بخمسة وعشرين ضعفا. 

۾ يكن تشارلز واحدا من طلائع الاشتراكيين. وهو لم يشعر بالفظاعة 
الاحلاقية لمكانته الاقتصادية المتميزة» لاحساسه انه بعيد كل البعد عن اصحاب 
الامتيازات بطرق اخرى. والدليل يحيط به من كل جانب. فعلى وجه العموم لم 
يكن يبدو على المارين به انهم غير سعداء مصيرهم» سوى الشحاذين الذين كانون 
مضطرين الى الظهور ,مظهر بائس كي ينجحوا. الا أنه كان غير سعيد» غريباء 
حزينا. وشعر ان المنزلة الضخمة الي تتطلب من السيد النبيل ان يقيمها من حوله 
تشبه الدرع الضخم الذي كان كثل الاذن بالموت للعديد من رتبة العظائيات 
القديبهة. تباطأت خطواته لصورة الوحش المنقرض هذه. في الحقيقة» انه توقف» 
متحجرة حيّة مسكينة» في حين تدافعت امامه اشكال الحياة الاقوى والاشد» مثل 
أميبا البرك من تحت المجهرء توقف امام صف صغير من محلات صادفها في طريقه. 

تنافس عازفا ارغن» وتنافس واياهما عازف آلة البانحو. بائعو البطاطا 
المهروسة» بائعو الكوارع (الكارع ببنس واحدء ولن تحد اشد سخونة منه)» 
الكستناء الحارة. امرأة عجوز تبيع علب ثقاب» واخرى بمعيتها سلة ورد 


311 


مراكبيون» عمال نابيب المياه» كناسون بقبعاتم المطوية من الخلف» مصلحو 
مكائن بقبعاقم المربعة» مجموعة من الصعاليك الصغار يجلسون فوق عتبات ابواب 
البيوت» على حافات الارصفة» يتكئون على اعمدة العربات مثل نسور صغيرة. 
قاطع احد هؤلاء الصبيان سيره - وكان هذا حافي القدمين شأنه في ذلك شأن بقية 
الاولاد - واطلق صفيرا حذرا صوب صبي الصور الذي هر ع ملوحا عمجموعة 
من صور ملونة في وجه تشارلز الذي وقف في جناحي هذا المسرح من الرسوم 
المتحركة. ظ 

استدار تشارلز مسرعاء وبحث عن شارع اشد ظلمة. فلاحقه صوت احش 
صغير وهو ينشد ابياتا من احدى الاغنيات الشعبية الي راحت في ذلك العام. 

لم لا تأي الى البيت يا لورد مارماديوك 

لتناول وجبة عشاء ساحنة واياي؟ 

وبعد ان نفرغ من تناول المشروب المفضل» 

فسنشرع في اللعب 

سنشرع في اللعب 

ذكرت هذه الاغنية تشارلز وهو يبتعد عن الصوت وصيحات الاستهزاء الي 
رافقته بعنصر اخر من عناصر الحو اللندني - وهو ليس عنصرا مادياء بل عنصرا لا 
بمكن الارتياب فيه مثل السخام - الا وهي رائحة الخطيئة. فما يشاهده من 
عاهرات بائسات هنا وهناك» ونساء يراقبنه دون استدراجه لارتكاب الفحشاء (اذ 
كانت تبدو عليه مسحة النبلاء المهذبين في حين كن يبحثن عن طريدة اقل شانا) 
يقل كثيرا عن رؤيته ضياع هوية المدينة الكبيرة» الاحساس بأن كل شيء يمكن 
اخفاؤه هناء كل شيء عضي دون ملاحظة. 

كانت لاتم بلدة ذات عينين حادتين. اما هذه المدينة فهي مدينة العميان. ل 
يلتفت احد ما وينظر اليه. كان انسانا لا مرئياء غير موجود, ثما منحه الاحساس 
بالحرية» غير انه احساس فظيع» لأنه في الواقع فقده - انه باختصار اشبه 
بوينزيات. كل شيء في حياته ضاع» وكل شيء يذكره بذلك الضياع. 

تحدث رجحل وامرأة اسرعا بالسير من امامه باللغة الفرنسية؛ كانا فرنسيين. 
وهنا تمن تشارلز لو انه في باريس - ومن هناك... سيأحذ طريقه للسفر الى 


312 


الخارج. ثانية! لو كان في وسعي الحرب. لو كان في وسعي المرب... غمغم هذه 
الكلمات عشرات المرات» ونفض عن نفسه نفضا جازيا حقيقة انه يفتقر الى 
الواقعية» انه موغل في الرومانسية» وانه بلا واجبات. 

مر مجموعة اصطبلات في زقاق خلفيء ولم تكن ميئة صف من شقق انيقة» 
بل تمثل وظيفتها الاصلية: حياد يُمشط شعرها وتنظف, عدقها تسحب من اماكنهاء 
الحوافر تقرقع وهي توضع بين عريش العربة» حوذي يصفر صفيرا مزعجا وهو 
يفسل جوانب عسربته استعدادا للشغل في المساء. حطرت ببال تشارلز نظرية 
مدهشة: الطبقات الدنيا في المختمع اسعد سرا من الطبقات العليا. وهي ليست» 
كما يريد المتطرفون من الاحرين ان يصدقواء الطبقة التحتية المعذبة الرازحة تحت 
حماقات الاثرياء الكثيرة» بل هي اشبه بطفيليات سعيدة. وتذكر انه صادف قبل 
بضعة اشهر قنفذا في حدائق وينزيات وضربه بعصاه وجعله ينقلب. وشاهد بين 
اشواكه المتتصبة سربا من القمل المضطرب. لقد كان هو عالم الاحياء الذي 
يندهش اكثر مما ينفر من هذه العلاقة الداحلية في العوالم» وقد اصبح الان مكتتبا ما 
فيه الكفاية كي يرى من هو القنفذ: حيوان وسائل دفاعه الوحيدة هي ان يستلقي 
كالميت» وينصب اشواكه» عواطفه الارستقراطية. 

بعد وقت قصير وصل الى محل بائع الادوات المعدنية المنزلية» ووقف في 
المخارجء وهو يتفرس من خلال الواحهة في النضد, في بائع الادوات» وقد ارتدى 
صدريته القطنية واعتمر قبعته» ونمك في عد الشموع لطفلة في العاشرة من عمرها» . 
رفعت بصرها محملقة فيه واصابعها الحمر ترفع عاليا البنس الذي سيتقاضاه البائع. 

تحارة. اتجار. واتتشى وهو يتذكر العرض الذي قدّم اليه. ادرك الان ان 
العرض ليس سوى اهانة» احتقار لطبقته» وهو الذي عجل بالمقترح. يحب ان 
يعرف فريمان انه لا يستطيع ان يهتم بالتجارة» او ان يلعب دور صاحب المتجر. 
كان ينبغي له ان يرفض العرض رفضا باتا حالما اتى على ذكره. لكن كيف في 
وسعه ذلك في حين ان كل ثروته ستأق من ذلك المصدر؟ وهنا نصل الى الجذر 
الاساس لنقمة تشارلز: الاحساس انه الان الزوج الذي سيتم شراؤه. لا تنس ان 
مثل هذه الزيجات امر مألوف بين افراد طبقته» وقد نشأ هذا العرف عن عصر كان 
فيه الزواج الراقي وثيقة عمل مقبولة علنا لم يكن يتوقع فيها من الزوج او الزوجة 

313 


الوفاء ما هو اكثر من البنود الواردة فيها: المال من احل المكانة. غير ان الزواج الان 
رباط مقدس» طاهر» لا مصلحة خالصة. وحن لو كان يملك من الاستخفاف ما 
بمکنه من محاولة تحريبه» فانه كان يعلم ان ايرنستينا ما من شأنما ان تسمح لمثل هذا 
الحب ان يصبح مبدأ ثانويا في زواحهما. وسيكون اختبارها الدائم هو حبه لها 
وحدها. من هنا تأت ضرورات اخرى: عرفانه بمالهاء الذي يبتز ابتزازا احلاقيا 
ليتحول الى مشاركة... 

وصل الى ناحية مما يشبه السحر القدري. كانت ثمة واجهة مبئ مضيئة شاهقة 
تملا فاية احد الشوارع الحانبية المظلمة. فكّر انه الان لا بد ان يكون قريبا من 
ساحة البيكاديلي. غير ان هذا القصر الذهبي عند فاية هاوية بنية اللون كان يقع 
الى شماله» وادرك انه فقد احساسه بمعرفة اتحاه الطريق» ووصل الى شارع 
اوكسفورد... نعمء مصادفة قدرية» وصل إلى ذلك الجزء الممتد من شارع 
اوكسفورد الذي يحتله متجر السيد فريمان الضخم. وسار منجذبا في احد الشوارع 
الجانبية المؤدية اليه» ووصل شارع اوكسفورد بحيث يستطيع رؤية امتداد العملاق 
الكامل بطبقته الصفراء (اذ استبدلت واجهته مؤخرا بزحاج جديد)» صفوفه 
المزدحمة من القطنيات» اشرطة الزينة» الفساتين النسائية» لفات الاقمشة. وبدت 
بعض الاشكال الاسطوانية والملتفة من الاصباغ الكيميائية الجديدة توشك ان تلوث 
الو من حوطاء اذ كانت حادة» تنم عن الثراء الحديث. وفوق كل مادة ثبتت 
بطاقة بيضاء كتب عليها السعر. كان المتجر لا يزال مفتوحاء والناس ثمر من بين 
ابوابه. حاول تشارلز ان يتصور نفسه وهو يمر ايضا من حلاها الا انه احفق احفاقا 
تاما. وفضّل ان يكون الشحاذ الجالس القرفصاء عند الباب قربه. 

المسألة ليست ان المتجر لم يعد يبدو له ما كان يمثله في السابق - دعابة 
ساخرة» منحم ذهب في استرالياء مكان لا وحود له في الحقيقة. بدا له الان بكامل 
قوته» آلة ضخمة» فرس بحر يتربص لالتهام كل من يقترب منه ويطحنه بين اسنانه. 
وحن في ذلك الوقت كان العديد من الناس يرى ان الوقوف ومعرفة ان المبئ 
الضخم؛ ومباني احرى شبيهة به» ما فيه من ذهب وقوة تكمن في قبضته بسهولة» 
لا بد ان يعي الجنة على الارض. وعلى الرغم من ذلك» وقف تشارلز على 
الرصيف المقابل» واغمض عينيه كأنه تمى لو استطاع ان يزيله من الوحود تماما. 


314 


من المؤكد ان هناك شيئا زائفا في رفضه - الترفع ا محض» السماح لنفسه ان 
يحكم عليه جمهور من الاسلاف ويتجاذبه. ثمة شيء كسول فيه. الخوف من 
العمل من الرتابة» من التركيز في التفاصيل. ثمة شيء يوحي بالحبن فيه ايضا - لأن 
تشارلز» كما سبق ان لاحظت على الارجحح. كان يخاف غيره من البشر لا سيما 
اولعك الذين هم دون طبقته. كان يشعر بالغثيان عندما يفكر في الصلات بكل 
تلك الظلال الواهية الي شاهدها تندفع من امام الواجهة وتدحل من الابواب 
القائمة في الجهة الاخرى من الشار ع وتخرج منها. كان شيئا مستحيلا. 

غير ان رفضه كان ينطوي على عنصر نبيل: الاحساس ان السعي وراء المال انما 
هو هدف غير كاف ف الحياة. وما من شأنه ان يصبح مثل ديكنز او فنانا عظيما او 
عالاء بل في اسوأ الاحوال» شخصا ذا اهتمامات سطحية» طفيليّاء إنسانا يترك 
الاحرين يشتغلون ولا يفعل هو شيئا. بيد انه اكتسب نوعا غريبا من احترام الذات 
المؤقت في عدميته» الاحساس ان اختيار الا يكون اي شيء - الا يكون لديه اي شيء 
سوى الاشواك - انما هو النعمة الاحيرة الباقية للسيد النبيل؛ رعا حريته الاخيرة. 
اتضحت لديه الفكرة تماما: لو اني وضعت قدميّ في ذلك المكان لانتهيت. 

رما تبدو لك هذه المعضلة موغلة في القدم» ولا اؤيد شخصيا هذا السيد 
النبيل بخاصة. ففي العام 1969 هناك انواع تنقرض اكثر ما توقعته مخيلة تشارلز 
ال منشائمة في ذلك المساء من شهر نيسان/أبريل البعيد. الموت ليس في طبيعة 
الاشياءء بل هو طبيعة الاشياء الا ان الذي يموت هو الشكل. اما المادة فخالدة. 
وف هذا التعاقب من الاشكال المنحلة الي نطلق عليها اسم الوحود ثمة شيء فيه 
يشبه الحياة الاخرة. فنحن نستطيع ان نقتفي افضل سجايا السيد الفكتوري النبيل 
حى نصل الى فرسان العصور الوسطى» ونقتفي اثرها عائدين حى نصل إلى السيد 
النبيل الحديث» تلك السلالة الى نسميها العلماءء طالما ان ذلك هو المكان الذي 
سار فيه بلا ريب النهر. واذا توخينا الدقة» فإن كل ثقافة» وبغض النظر عن لا 
دكقراطيتهاء او بغض النظر عن مدى ااا بالمساواة بين ب البشرء تحتاج الى نمط 
من انماط الشك الذاتي» النخبة الاحلاق» محددة بقواعد سلوكية معينة» الجائز ان 
يكون بعضها لا احلاقيا تماماء ويهذا تفسر لون الشكل الحتمي على الرغم من ان 
هدفها الخفي هو الخير: ان تعمل مثل بناء من احل افضل تأثير لوظيفتها في التاريخ. 

315 


لعلك ترى صلة واهية حدا بين تشارلز عام 1267 بكل ما يحمله من افكار 
فرنسية عصرية عن العفة والسعي وراء الكأس المقدسة وتشارلز عام 1867 ما يملكه 
من نفور من التجارة وتشارلز المعاصر ليومنا هذاء عالم الحاسوب الذي يصم اذانه 
دون صسرحات الانسانيين الاكثر رقة منه الذين احذوا يدركون لا جدوى 
وحودهم. لكن هناك صلة: لقد رفضوا جميعا او يرفضون فكرة التملك باعتبارها 
هدف الحياة» سواء كان ذلك يعي امتلاك جسد امرأة او ربح هائل بكل ثمن او 
حق املاء سرعة التطور. ان العالم ليس سوى شكل اخحرء وسيأقٍ اليوم الذي يحل 
حله غيره من الاشكال الاخرى. " 

كل هذا له صلة وثيقة باسطورة العهد الحديد الخاصة بالاغواء في البريةء وان 
كل الذين بمتلكون بصيرة وثقافة بمتلكون بالتالي بريتهم وعند نقطة محددة من 
حياقم» سيجدون الاغواء. وقد يكون رفضهم طائشاء الا انه ليس الشر بعينه. فقد 
اعملت توا عرضا مغريا في العلوم التطبيقية التجارية كي تواصل تدريسك الجامعي؟ 
كما ان معرضك الاخير لم تحظ معروضاته على اقبال واسع في الشراء كالمعرض 
السابق» غير انك عازم على الاحتفاظ باسلوبك الحديد؟ لقد اتخذت مؤحرا قرارا 
مالا يسمح بالتدحل في فوائدك الشخصية» في فرصتك من احل التملك؟ اذا لا 
ل 
انظر اليه على حقيقته: رحل يكافح من احل التغلب على التاريخ. وهو على الرغم 
TT‏ 

لقد ضغطت على تشارلز اكثر نما تضغط على الانسان الاعتيادي غريزة 
الاحتفاظ بالحوية الذاتية» فهناك وراءه كل سنوات الفكر والتأمل والمعرفة الذاتية؛ 
وبداماضيه كله افضل ما في نفسه الماضية» هو الثمن المطلوب منه دفعه؛ ُ 
يستطع ان يصدق ان كل ما اراد الحصول عليه كان عدم القيمة» بغض النظر عن 
مدى فشله في التوفيق بين الواقع والحلم. لقد سعى وراء معى الحياة» بل اكثر من 
ذلك» كان يؤمن - وهو المهرج المسكين - بانه ادرك شيئا منه في بعض الاوقات. 
اهي غلطته اذا كان يفتقر الى الموهبة في نقل هذا الادراك الى الاحرين؟ وانه يبدو 
للمراقب الخارجي شخصا ذا اهتمامات سطحية» هاويا لا فائدة منه؟ على الاقل» 
حصل على المعرفة بأن معن الحياة لا يمكن ان يوجد في متجر فرعان. 


316 


الا ان الشيء الذي ينطوي على هذا كله» على الاقل عند تشارلز» هو 
مذهب البقاء للاصلح وبالاحص احد مظاهره الى سبق له ان تحدث عنها - وهي 
مناقشة يشوها التفاؤل - الى غروغان في تلك الليلة قي بلدة لاع: ان الانسان لا 
يستطيع الا ان يرى قوته في التحليل الذاي على اها احتياز حاص نماما في الكفاح 
من احل التكيف. لقد رأى كلا الرحلين الدليل هناك على ان ارادة الانسان الحرة 
ليست في خطر. واذا ما اضطر المرء الى التبدل كي يبقى على قيد الحياة - مثلما 
اعترف فربمان - فإن المرء على الاقل منح خيارا في الوسائل. الى هنا ينتهي الحديث 
عن النظرية - اما التطبيق الذي اخحذ يتدفق الان على تشارلز فهو شيء اخر. 

لقد سقط في الفخ. انه لا يستطيع ان يكون لأنه كان. 

وقف لحظة ازاء الضغوط المائلة الى يفرضها عصره. ثم احس بالبردء جمد 
الدم في عروقه بفعل ثورة عارمة ضد السيد فريعان ومذهبه. 1 

رفع عصاه ملوحا لعربة مارة. وتمالك في داحلها فوق مقودها الجلدي النعن» 
واغعمض عينيه. لاحت في ذهنه صورة تنطوي على السلوان. امل؟ شجاعة؟ 
اصرار؟ اظن ان الامر ليس كذلك. 


317 


39 





ماذا لو كنت الان بغيا؟ ما شأن المجتمع كي يلحق بي الاهانة؟ هل 
حصلت على عطف من المجتمع؟ لو انني سرطان خبيث في المجتمعء 
افلا ينبغي البحث عن جذور المرض في عفونة الجثة؟ الست ابنته 
الشرعيةء لست نغلة يا سيدي؟ 

من رسالة منشورة في صحيفة التايمز 24 شباط/فبراير 1858(“ 


قدلا يبدو الشراب المصنوع من مزيج المشروب المفضل والسكر خحلاصة 
فلسفية في منتهى العمق لمثل هذا النمط من تحليل الذات. بيد ان هذا المزيج وصف 
دومافئي (كيمبرج) باعتباره حلا لكل المشكلات المعروفة. وعلى الرغم من ان 
تشارلز كان قد تعلم الكثير عن المشكلات منذ تخرحه من الجامعة, الا انه لم يطور 
الحل. لحسن الحظ ان ناديه» اسوة بالكثير من نوادي النبلاء الانكليز» تأسس على 
افقراض مربح ويتمثل في منتهى البساطة بأن ايام تلمذة المرء انما هي افضل الايام. 
ويحتوي على كل ما يتوفر في اي كلية غنية دون اي مشكلات سطحية (مثل 
الالقاب والعمداء والامتحانات). باحتصار» كان يخضع لرغبات المراهقة عند 
الرحل. كما انه يقدم مزيج المشروب المفضل والحليب والسكر الممتاز. 

صادف ان اول عضوين زميلين تقع عليهما انظار تشارلز لدی دخوله حجرة 
التدحين هما من زملاء التلمذة؛ كان احدهما الابن الاصغر لاحد الاساقفة وكان 
بمثل لطخة عار شهيرة لابيه. اما الشخص الثاني فهو رحل توقع تشارلز قبل وقت 
قصير ان يكون مثله: بارونيت (لقب إنكليزي). لقد اثبت السير توماس بيرغ الذي 
ولد وفي جيبه اجزاء كبيرة من مقاطعة نورثمبرلاند» انه صخرة ثابتة لا سبيل للتاريخ 
الى زحرحتها. كانت هوايات اجداده من غابر العصور الصيد والرماية وتناول 
المشروبات. وظل هو بمارسها بحس متوارث ملائم. في الحقيقة» كان زعيم المجموعة 
(*) يمكن قراءة هذه الرسالة الشهيرة والساخرة في (وثائق انسانية عن العصر الفكتوري) 


وهي رسالة تنسب الى مومس ناجحةء الا ان المرجح ان يكون كاتبها شخص مثل هنري 
مايهيو. (المؤلف) 


318 


السريعة الي انخرط واياها تشارلز في تلك الايام في كيمبرج. وكان طيش شبابه 
سيئ السمعة على غرار ميتون وكازانوفا. وبذلت محاولات شي لطرده من النادي 
ولكن ما انه كان يجهزه بالفحم من احد مناجمه وبثمن يجعله اشبه يهدية له» فإن 
المسشاورات الحكيمة كانت تسود دائما. يضاف الى ذلك» ثمة شيء نزيه في 
اسلوب حياته. كان يرتكب الخطيئة بلا حجل» بل بلا نفاق. كان اريحيا فيما 
بخص الخطأ. وكان نصف اعضاء النادي من الشبان مدينين له بين وقت واخر - 
وكانت قروضه قروض سيد نبيل» قابلة للتمديد الى ما لا هاية وبلا فائدة. وكان 
اول مسن يراهن على شيء ما اذا كانت هناك مراهنة. وعلى نحو ماء كان يذكر 
الجميع باستثناء الاعضاء الصاحين الذين لا امل في خلاصهم بايام صحوهم 
القصيرة. كان قصير القامة» بديناء متورد الوجنتين دوما بفعل الطقس والشراب. 
وكانت تلوح في عينيه تلك البراءة الرائعة» تلك الصراحة الشفافة الي تعرف عن 
الساقطين. لقد تحعدت تلك العينان لرؤية تشارلز وهو يدحل. 

- تشارلز ما الذي تفعله حارج سجن الزواج؟ 

ابتسم تشارلز ابتسامة لا تخلو من احساس معين بالطيش الواهي. 

- مساء الخير يا توم ويا ناثانيال. كيف حالكما؟ 

رفع ابن الاسقف السيئع الحظ يدا متراخية والسيكار الابدي في فمه في حين 
التفت تشارلز الى البارونيت. 

- مطلق السراح قبل فاية المدة كما تعلم. ان الفتاة العزيزة في دورسيت 
تستعد للخوض في حياقا الجديدة. 

غمز توم. 

- في حين تتزود انت بالشراب. ايه؟ الا اني اسمع اها وردة الموسم. هذا ما 
يقوله نات وهو شاب غر كما تعلم. افضل فتاة وافضل زواج. ليست شقراء. 
اليس كذلك يا نات؟ 

اة :ابن الاعف مروا نوما ماه اناه ل الال وك ار ن 
مظهر ايرنستينا ليس هو موضع الحسد. عند هذه النقطة كان يفضل غالبا الانتقال 
الى الصحف او ينضم الى بعض المعارف الاقل بشاعة. الا انه ظل اليوم حيث هو. 
هل سيتحدثون عن الشراب والحليب والسكر؟ نعم. وهكذا جلس بينهما. 

319 


كيف حال العم امحترم يا تشارلز؟ 

غمز سير توم ثانية» لكن على نحو مرض متأصل فيه لا حكن عدّه .مثابة اهانة. 
غمغم تشارلز انه في احسن حال. ۰ 

- كيف يسعى وراء كلاب الصيد؟ اسأله ان كان يحتاج الى زوج منها من 
افضل ما موجود في نورتمبرلاند... تورنادو - اتتذكر تورنادوء انها احفاده. كان 
تورنادو قد قضى وقتا سرا في جناح سير توم ذات صيف في كيمبرج. 

- اتذكره ويتذكره كاحلي. 

ابتسم السير توم ابتسامة عريضة. 

- نعمء كان يستلطفك وكان دوما يلدغ من يحب. يا عزيزي تورنادو. 
ليتغمدك الله برحمته. 

ثم كرع محتويات شرابه بحزن حعل صاحبيه يضحكان وهو امر صعب طالا 
ان الحزن حقيقي ثماما. 

كمثل هذا الحديث انقضت ساعتان - وافرغت قنينتان من الشراب وكوب 
احر من مزيج الشراب والحليب والسكر» وقطع اخرى من الكلى (اذ انتقل السادة 
الثلاثة الى غرفة الطعام) تطلبت كمية كبيرة من الماء لتسهيل هضم الاكلة. 

كان السير توم وابن الاسقف محترفين في الشرب فشربا اكثر مما شرب 
تشارلز. بدا الاثنان ظاهريا عند انتهاء الدورق الثاني مترنحين اكثر منه. غير ان 
مظهره في الواقع كان يوحي باليقظة بينما يشير مظهرهما بالترئح وهو عكس الواقع 
تماما اذ اتضح ذلك عندما غادر الثلاثة غرفة الطعام للقيام ما اماه السير توم جولة 
صغيرة حول البلدة. كان تشاراز يحد صعوبة في الوقوف على قدميه. ولم يسر 
مسافة حن ادرك انه في وضع حرج» وشاهد على نحو ما عي السيد فربمان 
الرماديتين الخبيرتين تنظران اليه» على الرغم من ان اي شخص له مثل هذه الصلة 
الوثيقة بالتجارة كالسيد فربمان لا يسمح له بدحول ذلك النادي. 

ساعدوه في وضع ردائه الخارحي» وتسلم قبعته وقفازيه وعصاه. ثم وجد 
نفسه في الحواء الطلق الحاد - الضباب الموعود لم يظهر للعيان على الرغم من ان 
شيئا من الضباب الخفيف ظل يغلف الاجواء - وتفرس في تركيز شديد في الشعار 
المثبت على باب عربة السير توم. مرة ثانية شعر بوينزيات وهي تسدد طعنة اليه 


320 


الا ان الشعار تأرحح ناحيته. وشعر بأن هناك من يتلقف ذراعيه وبعد لحظة واحدة 
وحد نفسه جالسا الى حانب السير توم وقبالة ابن الاسقف. لم يكن قد بلغ مبلغا 
يجعله عاجزا عن ملاحظة الغمز المتبادل بين صديقيه» الا انه كان قد بلغ من الترئح 
ما جعله يعجز عن الاستفسار عن معئئ ذلك. وقال لنفسه : ان الامر لا يهمه. 
كان سعدا لأنه مل على هذه الحال» لأن كل شيء كان يسبح قليلاء لأن كل 
شيء مر وسيمر من امامه لا قيمة له تماما. كانت لديه رغبة عارمة في ان يخبرهما 
عن السيدة (بيلا تومكنز) ووينزيات» الا ان الامر لم يكن قد بلغ حد التحدث 
عن ذلك ايضا. 

فالسيد المهذب يبقى مهذباء حي في مثل هذه الحالة. والتفت الى توم. 

- توم... توم» يا صديقي العزيز» انت انسان محظوظ تماما. 

- وانت كذلك يا غلامي تشارلي. كلنا محظوظون. 

- الى اين نذهب؟ 

- الى حيث يذهب المحظوظون في ليلة لطيفة. ايه؟ اليس كذلك يا نات؟ 

خيم الصمت بعد ذلك» وحاول تشارلز ان يتبين بوهن الاتحاه الذي يسيرون 
فيه. وفي هذه المرة لم يشاهد الغمز المتبادل للمرة الثانية. لقد سجلت ببطء 
الكلمات الاساسية في جملة (سير توم) الايرة. والتفت التفاتة رزينة. 

ليلة لطيفة؟ 

اننا في طريقنا الى ماما تيربسيشور القددم يا تشارلز. الى معبد الشعر. الا تدري؟ 

حملق تشارلز في وجه ابن الاسقف الباسم. 

- معبد؟ 

- اذا جاز التعبير يا تشارلز. 

قاطعهما ابن الاسقف. 

- كناية. 

تفرس تشارلز فيهما ثم ابتسم فجأة. 

- فكرة رائعة. 

ثم استأنف نظرته الحادة حارج النافذة. وشعر ان الاجدر به ان يوقف العربة 
ويودعهما. وتذكر» في ومضة قصيرة من ومضات من يزن الامور .ميزاما الصحيح» 


321 


ماهية سمعتهما. ثم ظهر له وحه سارة من العدم» ذلك الوجه ذو العينين المغمضتين 
وهو ميل اليه» القبلة... ضجة كبيرة دون سبب. وادرك سبب كل متاعبه: كان 
يحتاج الى امرأة. كان يحتاج الى فترة مون اخيرة» مثلما كان يحتاج أحيانا الى 
مُطهر. نظر من حوله الى السير توم وابن الاسقف. كان الاول يتكئ في ركنه في 
حين مذ الثاني ساقيه فوق المقعد» بينما ارتفعت قبعتا الرجلين بزاوية تنم عن 
الاستهتار. في هذه المرة تبادل الثلاثة الغمز فيما بينهم. 

سرعان ما اضحوا في حضم العربات المتجهة الى تلك المنطقة من لندن 
الفكتورية الي اسقطناها من صورتنا عن العصر طالما انها كانت مركزية في اكثر 
من جهة: انها منطقة كازينوهات (اماكن للقاء لا للعب القمار)» مقاهي 
الجمعيات» حجرات لتدخين السيكار في الاقسام العامة منها (منطقة هايماركت 
وشارع ريجنت) ومبغى يتوارى عن الانظار في كل الشوارع الخلفية ابحاورة. 
احتازوا دكان المحار المشهور في هايماركت - سرطانات البحرء الحار» عمك 
السلمون المخلل والمدحّن - وكذلك بطاطا رويال البرت الي لا تقل شهرة بادارة 
حان» وهو حقا حان باعة البطاطا المحمرة في لندن» من وراء حامل ضخم قرمزي 
وبرونزي يشرف ويهيمن على المكان. وهنا احرج ابن الاسقف منظاره من 
علبته الجلدية الخشنة في حين اجتازوا حشد الفتيات الطائشات الشهيرات وهن في 
عرباقن» والاقل شهرة في حشود عند ارصفة الشارع... فتيات بعضهن بوجوه 
صغيرة شاحبة متزنة واخريات مشاكسات» سليطات» بوجنات محمرة. سيل 
جارف من الالوان - من الازياء» فقد كانت الاشياء الى لا يمكن تخيلها مسموحا 
يما هنا. وارتدت النسوة ملابس البحارة الفرنسيين» والقبعات المستديرة ذات اللون 
الاسود والسراويل. وظهرن مثل بحارة» مثل سنيورات» مثل فلاحات صقلية؛ 
كانت كل مثلات الملاهي الرخيصة المحاورة الي لا تعد ولا تحصى اندفعت الى 
الشارع. والاكثر كآبة من هؤلاء هم الزبائن - الجنس الخشن الذي يساويهن عددا 
وهو يحدق الى عباقرة المساء» العصا في اليد والسيكارة في الفم. اما تشارلز الذي 
تمن لو انه لم يشرب الى ذلك الحد فاضطر بذلك الى رؤية الاشياء مرتين» فقد 
وجد المشهد لذيذا ومرحا وحياء وقبل كل شيء» بعيدا كل البعد عن كل ما يمت 
بصلة لمذهب فرعان. 2 


322 


اشك في ان تيربسيشور قلما تشمل برعايتها الجمهور الذي يتشكل منه 
اصحابنا الثلاثة في خلال الدقائق العشر. فأصدقاؤنا لم يكونوا وحدهم. فقد 
كان هناك ستة او سبعة شبان واثنان مسنان اخران عرف تشارلز احدهماء وهو 
ركن من اركان مجلس اللوردات» وقد جلسوا كلهم في القاعة الكبيرة المعدة 
وفق الذوق الباريسي الرفيع ويمكن الوصول اليها عن طريق زقاق ضيق» كثير 
الضوضاءء يتفرع عن احد الشوارع القريبة من اعلى شار ع هايماركت. وف احد 
طرفي الحجرة المزدانة بالثريات» كان ثمة مسرح صغير تخفيه عن الانظار ستائر ذات 
لون احمر داكن» نقش عليها بخيوط مذهبة زوجان من الحوريات وصورتا سيدي 
الغابات وكان سيد واحد يبدو وهو على وشك امتلاك راعيته. اما الثاني فيبدو 
وقد اكمل اتصاله. وكتب بحروف سوداء فوق شكل مستطيل مذهب يعلو الستائر 
. بربابوس 44. 

رعا لم تتغير مثل تلك المشاهد على مر التاريخ بخلاف اي تغييرات احرى في 
اي نشاط احر. فالذي جرى امام تشارلز في تلك الليلة حرى على النحو نفسه 
امام هليوغابالوس225 - وبلا ريب امام اغاممنون299 ايضا. ويجري اليوم في حانات 
سوهو السيئة السمعة الي لا تعد ولا تحصى. ان الشيء الذي يثير متعي بشأن 
خاصية عدم التغير في هذا الشكل الموغل في القدم من اشكال المتعة والمتمتع بقدسية 
القدم هو انه يسمح لي بالاقتباس من مخيلة الاحرين. اذ كنت ابحث عما قريب عن 
افضل نموذج من نماذج الكتب الاكثر مبيعا القديمة - نموذج مهمل. وكان يجلس 
بمدوء تحت عبارة الطب بين (مقدمة في علم وظائف الكبد) و(امراض الجهاز 
التنفسي) عنوان اشد كابة هو (تاريخ قلب الانسان). في الحقيقة» انه تاريخ بعيد 
كل البعد عن الكآبة يعالم موضوع العضو الذكري. وقد نشر اول مرة في العام 
9 وهو نفس عام صدور رائعة كليلاند في نفس الموضوع (فاني هيل). ويفتقر 
المؤلف الى تحربته الا انه يفي بالغرض. 


(105) هليوغابالوس (204 -222 م): امبراطور روماني (222-218). عرف بالاستهتار 
والخلاعة. (المترجم) 

(106) اغاممنون: (في الميثولوجيا اليونانية» القائد الاعلى للحملة الاغريقية ضد طروادة). 
(المترجم) 


323 


الأحلوا حجرة كبيرة» وقدّم الشراب» وطلب من النادل الانصراف. وبعد 
شرت اعات طب من الشينات الاستعداة. وعلن' القون معدن كرف اة 
دهش كاميلو تماما هذه الوسيلة ولم يدهش اقل من ذلك في معرفة الهدف الذي 
سعت من ورائه الفتيات عندما ارتقين ذلك المكان البارز. كانت اطرافهن ملسا 
ملاحهن نضرة وبشرقن بيضاء كالثلج المندفع وقد ازدادت شدة البياض هذا بفعل 
لون شعرهن الاسود الفاحم. وكانت وجوههن مليحة جدا. اما الحمرة الطبيعية 
الي تألقت على وجناقن فقد انتقلت الى ذهن كاميلو بوصفهن حسناوات الى حد 
الكمال وعلى استعداد لمنافسة فينوس نفسها. وبعد ان شاهد وجوههنء القى نظرة 
حجلى الى مذبح الحب الذي لم يسبق له ان شاهده .مئل هذا الوضوح الذي يراه 
به في الوقت الراهن... 

... على اي حال» على الرغم من ان المشهد اثار ضحك الرفاق كلهم فقد 
تحمل حفلة السمر هذه بكثير من الصبر اذ سبق ان قيل له انه ضروري ان يقدم 
كل الاعضاء الجدد على هذا النحو الى اسرار مجتمعهن. وبدا كاميلو الان يمتعض 
من وقاحة النساء الاستثنائية. ووجد نفسه خاليا من تلك العاطفة القلقة ال شعر 
مما لدى بدء العرض ورغب في ان يطردهن الرفاق. الا ان رفاقه ما من شأنهم ان 
يفترقوا عنهن حن فاية تمرينهن. لم تطلب الحوريات اللائي جمعن التبرعات عند 
كل اكتشاف حديد لابتكاراتمن الوقحة» اي استعطاف لاسترضاء الشبان 
الفاسقين» بل واصلن دون اي احساس بالنجل عرض مدى الدناءة ال يمكن ان 
توصل الطبيعة البشرية نفسها اليه. 

على اي حال» لم يكن تشارلز هناك ليقدم عرضه. فقد استمتع بالمشاهد 
الاولية استمتاعا تاما. وظهر .مظهر الرحل الذي سبق له ان تنقل كثيراء اذ شاهد 
عروضا افضل في باريس - او هذا ما مس به للسير توم - ولعب دور من سكم 
الملذات وعرف كل شيء. بعد ذلك القى نظرة حاطفة الى الافواه الفاغرة على نحو 
داعر للرجال الجالسين الى جواره وقد ظللتهم الظلال وسمع السير توم وهو يشير 
الى ابن الاسقف موضحا اخحتياره. تعانقت الاحساد البيض» تلوّت» اتسمت 
بالتقليد وا محاكاة. غير ان تشارلز ادرك وجود شيء من اليأس يكمن وراء 
ابتسامات الممثلات الثابتة والموحية. كانت احدى هؤلاء طفلة بلغت توا سن 


324 


البلوغ. وبدا في تظاهرها .مظهر البراءة المتردد وجود شيء يتسم بالعذرية الحقيقية» 
شيء من العذاب الذي لم تحجره مهنتها. 

على الرغم من انه اشمأز فانه استثير» وتقزز من الحو العام هذا العرض. غير انه 
كان على درحة من الحيوانية تكفي لأن يقلق ويستثار سرا. قبل وقت قصير من 
ماية الععرض» فض وغادر الحجرة كأنما ليريح نفسه. وفي حجرة الاستراحة» 
حلست راقصة الباليه الصغيرة الي قدمت الشراب من وراء منضدة قرب معاطف 
السادة وعصيهم. وتحعّد وجهها المكسو بالاصباغ اثر ابتسامة مصطنعة وهي تنهض 
واقفة. تفرس تشارلز برهة وجيزة في حصلات شعرها غير المنتظمة» في ذراعيها 
العاريين وصدرها العاري تقريبا. وبدا موشكا على الحديث» بيد انه غير رأيه» 
واشار على نحو حاف الى حاجياته. ثم رمى نصف جنيه فوق المنضدة قرب الفتاة) 
وانصرف متخبطا في سيره. 

في الشارع» قرب فاية الممرات» وجد العديد من العربات في الانتظار. 
فاستقل اول عربة وصاح عاليا (لان تلك هي التقاليد الفكتورية الحذرة) باسم احد 
شوارع كنزنغتون القريبة من المكان الذي يسكن فيه» ورمى نفسه داخل العربة. 
لم يشعر باللياقة النبيلة» بل شعر كأنه ابتلع الاهانة او احجم عن مبارزة. لقد عاش 
والده حياة كانت فيها مثل هذه الامسيات امرا مألوفاء وما انه لم يستطع هضمهاء 
فذلك يعي انه شاذ. اين هو الان رجل الرحلات حول العالم؟ لقد تضاءل حى 
استحال الى حبان بائس. ماذا عن ايرنستينا؟ التزامه بالخطوبة؟ ان تذكره هذه 
الامور جعله اشبه بسجين يستيقظ من حلم وجد نفسه فيه حرا ويحاول الوقوف 
على قدميه الا انه ينطرح ارضا بفعل الاغلال الي تقيده فيعود ثانية الى واقع 
زنزانته المرير. 

سارت العربة سيرا وئيدا اسفل شارع ضيق» محتشد بعربات اخرى لأن 
المنطقة لا تزال هي منطقة الخطيئة. اذ وقفت المومسات تحت كل ضوء وعند عتبة 
كل باب. وراقبهن تشارلز من مكانه المعتم. وشعر بالدم يغلي في عروقه» وانه لا 
يطاق. وتذكر سارة قبالة شجرة الاشواك» وشعر لو ان امامه شوكة حادة لغرس 
يده فيهاء اذ كانت رغبته جامحة في تعذيب نفسه» في معاقبتهاء في القيام بعمل من 
شأنه ان يشق صفراءه. 


325 


شارع اكثر هدوءا. ومرّت العربة من امام مصباح غازي وقفت تحته فتاة 
وحيدة. لاحت له يائسة» قليلة التجربة لا تقوى على الاقتراب اكثرء لعل ذلك 
سببه كثرة النساء الواضحة في الشارع الذي مرّت به. الا ان مهنتها على الرغم 
من ذلك لا تقبل الجدل. كانت ترتدي ثوبا قطنيا ورديا متسخا تزينه ورود 
اصطناعية فوق الصدر وتلف كتفيها بلفاع ابيض» في حين تربعت قبعة سوداء 
وفق زي حديث» صغيرة ورحولية من فوق ضفيرة كبيرة من الشعر الكستنائي. 
تفرست في العربة المارة من امامها. ووحد تشارلز نفسه يشرأب الى الامام 
ويواصل النظر اليها من خلال فتحة النافذة البيضوية الحانبية مدفوعا بذلك 
بظلال الشعر والعينين اليقظتين اللتين تظللهما ظلال سوداء والوقفة الي تشوبما 
اللهفة والحزن. مرت به لحظة لا تحتمل ثم امسك عصاه» ونقر سقف العربة من 
فوقه بقوة. فتوقف السائق على الفور» وتناهى الى السمع صوت وقع حطوات 
مسرعة, ثم برز الوجه للعيان» ادن منه قليلاء على مقربة من واجهة العربة 
المفتوحة. 

في الحقيقة, لم تكن تشبه سارة. ولاحظ ان الشعر بالغ الاحمرار بحيث لا 
بمكن ان يكون لونه هذا طبيعيا. كما ان مظهرها مألوف تماماء جرأة مصطنعة في 
العينين الثابتتين وابتسامة فوق الشفتين الحمراوين» البالغي الاحمرار مثل الدم. الا ان 
هناك شائبة حفيفة - شيئا ما في الحاحبين الثابتين» او في الفم. 

- ألديك غرفة؟ 

- نعم يا سيدي. 

- احبريه بالمكان. 

توارت عن انظاره لحظة واحدة» وذكرت شيا ما للسائق من خلفه. ثم 
ارتقت العربة الي تأرححت بفعل ثقلهاء وحلست الى جانبه» فامتلات المسافة 
الضيقة بالعطر الرخيص. وشعر .علمس احد كميها وتنورتها وهي الى جانبه» الا ان 
ذلك لم يدم طويلا فاستأنفت العربة سيرهاء وخحيم الصمت مسافة مئة ياردة 
(91 مترا) او اكثر. 

- هل سأقضي الليلة كلها يا سيدي؟ 

- نعم. 

326 


- ان اسأل لان اضيف ثمن احرة العودة في حالة عدم المبيت. اومأ ثم تفرس 
في الظلام من امامه. احتازت العربة مئة ياردة (91 مترا) اخرى قي صمت. وشعر 
انها قد استراحت قليلاء كما شعر بضغط قليل على ذراعه. 

- الجو شديد البرودة لا يناسب هذا الوقت من العام. 

- نعم. 

ثم رمقها بنظرة سريعة. 

- لا بد انك تلاحظين مثل هذه الاشياء. 

- انا لا اشتغل عند سقوط الثلج. بعض الفتيات يشتغلن. اما انا فلا اشتغل. 

صمت احر. وني هذه المرة تكلم تشارلز. 

- مضى عليك زمن طويل وانت...؟ 

- منذ ان كنت في الثامنة عشرة من العمر يا سيدي. وسأكمل السنتين بحلول 
أيار/مايو. 

- أه. 

اختلس نظرة اخرى اليها في الصمت الذي اعقب ذلك الحوار» وبدأ حساب 
رهيب ينهش عقل تشارلز. ثلاثمئة وخمسة وستون يوماء لنقل ثلاثمئة يوم عمل 
مضروبا في اثنين... وهذا يعن بنسبة ستمئة الى واحد انها غير مصابة مرض. اهناك 
وسيلة رقيقة يستطيع بها ان يوجه السؤال؟ لا توجد. الحتلس نظرة احرى اليها في 
لحظة مؤاتيه انصب فيها الضوء الخارحي من فوقهما. بدت ملامحها لا تشويا 
شائبة» الا انه مغفل. ففيما يخص مرض السفلس» كان يعرف ان من شأنه ان 
يكون في وضع اكثر امانا بعشر مرات في مكان مريح كالذي غادره. ان التقاط اي 
مومس لندنية... الا ان قدره تقرر هائيا. وقد رغب هو بذلك. كانت العربة تتجه 
صوب الشمال» صوب شارع توتنهام كورت. 

- اترغبين في ان ادفع احرتك الان؟ 

- لا على وجه الخصوص يا سيدي. كما موى. 

- حسنا جدا. كم الاحرة؟ 

ترددت. ثم قالت. 

- بالوضع الاعتيادي يا سيدي؟ 


327 


رمقها بنظرة» ثم اوماً. 

- اجري المعتادة لليلة كاملة... 

وبدا ترددها القليل لا يوحي بالنزاهة: 

- جنيه واحد. 

تحسس جيب سترته الطويلة وسلمها قطعة النقد. 

- شكرا لك يا سيدي. 

ثم دستها في حقيبة يدها الصغيرة» واجحابت اجابة غير مباشرة على خوفه 
السري. 

- انا لا احرج الا في صحبة النبلاء يا سيدي. فلا ضرورة لأن تقلق على هذا 
النحو. 

٠‏ وقال بدوره. 


- شكرا لك. 


328 


40 





على شفاه الاخرين» وااسفي. 
كم ضغطت هاتان الشفتان» 
وعاتق ذلك الصدرء قبلي, 


صدور الاخرين. 
ماثيو ارنولد- فراق 1853 


توقفت العربة امام بيت في احد الشوارع الفرعية الضيقة شرقي شارع توتنهام 
كورت. وبعد ان ترجلت الفتاة مسرعة من العربة ارتقت مباشرة درجا يؤدي الى 
باب» ودلفت منه. كان سائق العربة رحلا عجوزء اعتاد منذ زمن طويل على 
ارتداء معطف السياقة وقبعة الرأس ذات الشريط الغامق حي بات يصعب تصور 
عدم كبرها على حسده. ووضع السوط في مكانه ليتسلم النقود. في هذه الاثناءء 
ملق مباشرة امامه صوب فاية الشارع المعتم كأنه لا يستطيع النظر الى تشارلز 
ثانية. كان تشارلز سعيدا لأنه لم يكن لينظر اليه» وبدا فاقدا القدرة على النطق تماما 
مثلما بدا سائق العربة العجوز هذا وطيد العزم في اثارة مشاعره. انتابته لحظة شك 
وكان في وسعه ان يقفز ثانية داحل العربة. لأن الفتاة توارت عن الانظار... غير ان 
عنادا شريرا جعله ينقد السائق اجرته. 

وحد تشارلز المومس تنتظره في رواق حافت الانارة وقد اولته ظهرها. م 
تلتفت» بل ارتقت السلالم حالما معته يغلق الباب. كانت هناك رائحة طبخ 
واصوات مبهمة تنبعث من مؤخر البيت. 

ارتقيا مجموعتين مرهقتين من السلالم, ثم فتحت احد الابواب» وامسكت به 
حن يجتازه. ولما مر اغلقته» واتحهت الى الداحل» ورفعت فتيل المصباح فوق الموقدء 
واذكت النار مضيفة بعض الفحم. نظر تشارلز من حوله. كانت محتويات الغرفة 
رثة باستثناء السرير. غير ان النظافة كانت سائدة. كان السرير مصنوعا من الحديد 
والنحاس وقد صقل النحاس صقلا جيدا حي ظهر كالذهب. وق الركن المواجه 
للسرير ثمة حاجز استطاع ان يرى من ورائه وحود مغسلة. وهناك بعض الزينة 


329 


والصور الرخيصة المثبتة فوق الحدران. اما الستائر البالية المصنوعة من المورين 
فكانت مسدلة. ولم يكن في الغرفة ما يوحي بالغرض المترف الذي تستخدم من 
اجله. 

- معذرة يا سيدي. تفضل بالحلوس ولن اتأخر دقيقة. 

ثم احتازت بابا احر يؤدي الى حجرة اخرى في مؤخر البيت. كانت الحجرة 
مظلمة ولاحظ انها اغلقت الباب من ورائها همنتهى الرقة. تقدم ووقف» وولى ظهره 
الموقد. وسمع من خلال الباب المغلق غمغمة واهية لطفل يستيقظ من نومه» محاولة 
لاسكاته وبضع كلمات مهموسة. فتح الباب ثانية» وظهرت المومس ثانية» وقد 
خلعت لفاعها وقبعتهاء وابتسمت ابتسامة عصبية له. 

- انها طفليَ الصغيرة يا سيدي. لن تتسبب في اي ضوضاء. وهي كالذهب 
في جودتقا. 

ولما شعرت بامتعاضه اسرعت قائلة: 

- ان كنت جائعا يا سيدي فهناك مطعم على بعد خطوة واحدة لا اكثر. 

ىم يكن تشارلز جائعاء كما انه لم يشعر الان بالجوع الجنسي ايضا. ووجد 
صعوبة في النظر اليها. 

- اطلبي ما تشائين لكء اما انا فلا اريد سوى شيء من الشراب المفضل 
اذا امكن. 

- شكرا لك يا سيدي. سارسل الصبي لاحضاره. 

ثم توارت عن الانظار ثانية. وسمعها وهي تنادي بصوت حاد» صوت يفتقر 
الى الرقةء في اتحاه الرواق. 

- هاري! 

همس اصوات» وانغلاق الباب الامامي بقوة. وما عادت سألا ان كان ينبغي 
له ان يدفع لها بعض النقود. لكن بدا ان هذه الخدمة من ضمن الاجور. 

ألن تتفضل با حلوس يا سيدي؟ 

ثم بسطت يديها لتأحذ قبعته وعصاه اللتين ما زالتا في يده. فسلمهما اليها ودفع 
مؤخر سترته الطويلة وحلس قرب الموقد. ظهر ان الفحم الذي وضعته في الموقد بطئ 
الاشتعال. حثت على ركبتيها قبالته وقبالة الموقد» واهمكت قي اذكاء النار ثانية. 


330 


- ان الفحم من افضل نوعية» فلا يجدر ان يحترق ببطء. انه القبو. فهو رطب 
مثل البيوت العتيقة. 

راقب وجهها من الجانب وقد انعكس عليه وهج الضوء الاحمر المنبعث من 
الموقد. لم يكن وجها جميلاء بل ثابتاء رائعاء غير دال على تفكير. وكانت عامرة 
الثديينء رقيقة الرسغين واليدين على نحو يبعث على الدهشةء كثيفة الشعرء مما 
جحعل رغبته تتقد حالا. واوشك على مد يده للمسهاء غير انه غير من رأيه 
ولسوف يشعر بالتحسن عندما يشرب المزيد من الشراب المفضل. بقيا على تلك 
الحال دقيقة او اكثر. وف النهاية نظرت اليه فابتسم لما. 

للمرة الاولى في ذلك اليوم شعر بالحدوء. 

حولت من انظارها صوب الموقد ثانية ومست: 

- لن يتأخر كثيرا. فالمكان على بعد خطوتين لا اكثر. 

وهكذا لبث الاثنان في صمت مرة احرى. غير ان مثل هذه اللحظات كانت في 
منتهى الغرابة للرجل الفكتوري. فالالفة الت تربط حي بين الزوج والزوجة محكومة الى 
حد بعيد بقوانين التقاليد الصارمة. ولكن على الرغم من ذلك كان تشارلز يجلس 
قرب موقد هذه المرأة الى لم يعرف بوحودها قبل ساعة واحدة» مثل... 

- والد طفلتك الصغيرة...؟ 

- جندي يا سيدي. 

- جندي؟ 

حملقت في الموقد: ذكريات. 

- انه في المند الان. 

- أليس من شأنه ان يتروحك؟ 

ابتسمت لبراءته؛ ثم هرت رأسها بالنفي. 

- لقد اعطان النقود عندما استلقيت في الفراش. 

وكانت هذا توحي انه فعل كل ما يمكن ان يتوقعه المرء على نحو نبيل. 

- الم تتمكئ من العثور على وسيلة احرى للعيش؟ 

- هناك العمل. الا انه عمل طيلة ساعات النهار. ثم عندما ادفع المال للعناية 
بامر طفليٍ ماري... 


331 


هزت كتفيها. 

- لا يمكن اصلاح ذلك. هذا عليك ان تكتشف افضل ما تستطيع عمله. 

- وهل تعتقدين ان هذه افضل وسيلة؟ 

دالا غرف وسئلة احور ا سيد بعد الان 

الا انما تكلمت دون ما يشير الى الخجل او الندم. لقد تقرر مصيرها. وكانت 
تفتقر الى الخيال لادراك ذلك. 

سمع صوت وقع اقدام على السلا م. نمضت واتحهت صوب الباب وفتحته قبل 
ان يطرق. لمح تشارلز صبيا في الثالثة عشرة او ما يقرب من ذلك واقفا حارج 
الحجرة» كان من الواضح انه تعلم الا يتفرس في اي شيء» اذ ظلت عيناه حفيضتين 
في حين حملت هي الصينية واتجهت ها صوب منضدة قريبة من النافذة» وعادت الى 
الباب وهي تحمل محفظة نقودها. مع صوت النقود المعدنية الصغيرة» ومن ثم اغلق 
الباب بمدوء. سكبت له كاسا من الشراب المفضل واحضرته له» ووضعت 
الزجاحة فوق ركيزة معدنية بثلاث قوائم في المكان الحيط بالموقد قربه. حلست 
وازاحت قطعة القماش الى كانت تغطي الطبق الموضوع في الصينية. ولمح تشارلز 
بطرف عينيه قطعة صغيرة من الفطائرء وشيئا من البطاطا وكأسا من الشراب 
اللفضل والماء على ما يتضح» اذ قلما تكون قد طلبت احضار الماء وحده. كان 
طعم الشراب المفضل حامضاء الا انه شربه على أمل ان تتبلد حواسه. 

كان هناك صوت فرقعة صغيرة منبعثة من الموقد المتأحج الان» وهسيس شعلة 
الغازء ورنين ادوات الطعام: لم يدرك كيف ينبغي هما الانتقال الى هدف وجوده 
الحقيقى. شرب كأسا احرى من الشراب المفضل ذي الطعم الشبيه بالخل. 

سرعان ما فرغت من وجبتهاء ونُقلت الصينية خارجا. ثم عادت الى الحجرة 
المظلمة حيث ترقد الطفلة الصغيرة. مرت دقيقة» ثم عادت الى الظهور من جديد 
وهي ترتدي هذه المرة رداء فضفاضاء ابيض اللون امسكت به كي لا ينفتح من 
الامام. كما ارحت شعرها الذي انساب فوق ظهرها. كانت يداها تمسكان 
حافات الرداء على نحو محكم لتظهر انها عارية من تحته تماما. 

نمض تشارلز. 

- لا داعي للعجالة يا سيدي. افر غ من تناول شرابك. 


332 


حملق في الزحاحة القريبة منه كأنه لم يلحظها من قبل» ثم اومأء وحلس ثانية» 
وصبٌ لنفسه كأسا احرى. تح ركت من امامه» ومدّت يدها لتقلل من حدة اشتعال 
موقد ق حن ما اؤالت يدها الأحترى مسك بالرذاء.:غمرها ضوء الموقد ولطف من 
ملاحها الغفضة» ثم حثت ثانية قرب قدميه في مواجهة الموقد. وبعد لحظة مدت 
يديها الى الموقد» فانفتح الرداء قليلا ورأى هدا ابيض» تغمره الظلال» غير 
مكشوف تماما. 

تكلمت وهي لا تزال متجهة صوب الموقد: 

- اتفضل ان اجلس على ركبتيك يا سيدي. 

- نعم... من فضلك. 

عب ما في الكأس في حين مضت وهي تمسك رداءها باحكام وحلست 
مسترخية فوق ساقيه المضمومتين» ووضعت ذراعها اليمى من حول كتفيه. وضع 
ذراعه اليسرى حول خصرها بينما ظلت ذراعه اليمئ ممتدة على نحو طبيعي غير 
معقول فوق ذراع الكرسي. ظلت يدها اليسرى لحظة تمسك بردائها غير اها مدقا 
بعد ذلك» وداعبت وحنتيه. مرت لحظة. قبلت وجنته الاخرى. التقت عيناهما. 
القت نظرة الى فمه» كأما حجلة, بيد انها استأنفت عملها دون استحياء. 

- انت سيد في منتهى الحاذبية. 

- انت فتاة جميلة. 

- اتحبنا نحن الفتيات الشريرات؟ 

لاحظ اها اغفلت ذكر كلمة سيدي. احكم ذراعه اليسرى من حول 
خحصرها. 

- اانا ثقيلة عليك؟ 

ع لاون انموي 

- انه سرير لطيف. ناعم. 

وقفت بعيدا عنه» واتحجهت صوب السرير» وطوت اغطيته ثم التفت لتنظر اليه. . 
تركت الرداء يسقط عن كتفيها. كانت ذات جسد حسن التقاطيع؛ ومؤخرة 
متناسقة. مرت لحظة» ثم حلست» وادخلت ساقيها تحت الاغطية» واستلقت 
مغمضة العينين معتقدة على نحو واضح ان ذلك هو الوضع الحتشم. بدأت احدى 

333 


قطع الفحم تتوهج بعنف» ملقية ظلالا قوية الا انها مرتعشة. وتراقص القفص» طرفا 
السرير على الجدار من ورائها. نمض تشارلز واقفا وهو يحارب ضد المعركة الناشبة 
في معدته. كان الشراب المفضل هو السبب. كان مجنونا عندما شربه. شاهد عينيها 
مفتوحتين تنظران اليه. ترددت» ثم مدت ذراعيها الرقيقتين البيضاوين» فاشار الى 
سترته الطويلة. 

بعسيد بق اخظات شعر بعليل مو الجن قرح يضرع ثيابةا جاب على 
نحو مرتبء مرّتب اكثر من اي وقت مضى فعله في غرفته الخاصة» فوق ظهر 
الكرسي. كان مضطرا الى الجلوس كي يفك شريط حذائه. حدّق الى الموقد وهو 
يبخلع سرواله وثيابه التحتانية الي كانت تصل الى ما دون ركبتيه» حسب الزي 
السائد في تلك الايام. الا انه لم يتمكن من حلع قميصه. لقد هاجمه الغثيان من 
حديد. امسك بحافة الموقد المزركشة» واغمض عينيه وهو يكافح من اجل السيطرة 

ظنت في هذه لمرة ان سبب تأخره يكمن في خجله. فما كان منها الا ان 
طوحت باغطية السرير كأها تريد النهوض لأ به الى السرير. ارغم نفسه على 
السير صوها. فاستلقت ثانية» الا انها لم تغط جسدها. وقف قرب السرير» وتفرس 
نيوا عدت د راغا نظن افا يدق :نا کی سرت رار ق راه زرا 
الشراب المفضل... 

- لا اعرف اسمك. 

ابت وهی رفم ضرفا ال حت يديها صوب يديه وجذبته ناحيتها. 

- سارة يا سيدي! 

اضناه التشنج الداحلي الذي لا يطاق. وبعد ان مال الى الحجانب بدا يتقيأ فوق 
الوسادة قرب رأسها الذي ابعدته الى الوراء وهي مذعورة. 


334 


41 





انهض وتخلص 
من سيد الحقول المترنح ومن حفل الملاذ 
تسامى متخلصا من الحيوان فيك, 
ودع القرد والنمر يموتان 
تينيسون: احياء لذكرى 1850 


للمرة التاسعة والعشرين في ذلك الصباح اصطدمت عينا سام بعيئ الطاهية 
فحول انظاره الى صف من الاحراس فوق باب المطبخ» ومن ثم مررها صوب 
السقف. كان الوقت ظهراء وريما جاز للمرء ان يعتقد بأن سام سعيد باحازته في 
ذلك الصباح» الا ان الاحازات الصباحية الوحيدة الي كان يتطلع اليها انما هي 
تلك الى يقضيها .معية انثى اكثر حاذبية من السيدة روجرز البدينة. 

- انه ليدنق خالتة السوية: 

قالت الارملة للمرة التاسعة والعشرين ايضا. على اي حالء لو انما شعرت 
بالانزعاج فذلك بسبب سام» لا بسبب السيد الشاب في الطابق العلوي. ومنذ 
عودته من بلدة لاتم قبل يومين» استطاع الخادم ان يلمّح الى احداث ووقائع خفيّة. 
صحيح انه نقل نقلا لطيفا الخبر الخاص بوينزيات» الا انه اضاف طبق الاصول: 
«لكن هذه ليست نصف الاستعدادات الجارية». لقد رفض ان يستدرج في 
اللحديث. «ثمة ثقة معينة» ولا يجوز الحديث عن ذلك يا سيدة آر. الا ان الاشياء 
الى حدثت قلما تصدق عيناي انها وقعت فعلا». 

من المؤكد ان لسام احد المواضيع العاحلة الي تبعث على المرارة. لقد اغفل 
تشارلز صرخة في ذلك المساء عندما ذهب للقاء السيد فريمان. وهكذا ظل سام 
منتظرا حن ما بعد حلول منتصف الليل ليتلقى بعد ذلك تحية من نظرة متجهمة 
تعلو وجها شاحبا بعد ان مع الباب الامامي وهو يفتح. 

- لماذا لم تأو الى فراشك بحق الشيطان؟ 

- لانك رن انك ستتناول طعامك حارج البيت يا سيد تشارلز. 


330 


- كنت في النادي الخاص بي. 


- نعم يا سيدي. 
- غير هذه النظرة الوقحة من على وجهك اللعين. 
- نعم يا سيدي. 


مذ سام يديه وتناول - او امسك - الحاجيات المختلفة» بدءا بالاشياء المتفرقة 
الي تلبس عند الخروج وانتهاء بالنظرة الجهنمية القاسية الي رمقه تشارلز ها. ثم 
تقدم السيد بجلال صوب الطابق العلوي. كان عقله صاحيا تماماء الا ان جسده ما 
زال مترنحا قليلا وهي حقيقة لم تعكسها بوضوح بالغ الا ابتسامة سام المريرة وغير 
المرئية معا. 

- انت على حق يا سيدة آر. انه ليس في حالته السويّة. كان مترنحا تماما 
الليلة الماضية. 

- ما كنت لاصدق احتمال ذلك. 

- هناك اشياء كثيرة ما من شأنك ان تصدقي احتمالها يا سيدة آر. وا ان 
ذلك قد حدث» فالامر ان 

- انه لا يريد الاعتذار. 

- الخسائر الكبيرة لا تفارق شف يا سيدة آر. 

احذت الطاهية نفسا عميقا في حين دقت الساعة القريبة من فرن الطبخ. 

- غير انك حادة يا سيدة آر. في منتهى الحدّة. 

من الواضح ان مشاعر سام الخاصة بالامتعاض ستحقق ما عجزت عن تحقيقه 
الجياد الثائرة. الا ان سام انقذ والسيدة روحرز احبطت عندما دق الجرس. تقدم 
سام ورفع صفيحة معدنية فيها غالونان من الماء الحار كانت تنتظر طيلة الصباح 
بصبر وراء فرن المطبخ. ثم غمز لرفيقته وتوارى عن الانظار. 

هناك نوعان من الاثار الي يخلفها في المرء اسرافه في الشراب المفضل. قي النوع 
كان تشارلز يقظاء بل حارج السرير قبل وقت قليل من قرع اللحرس. وكان لديه 

336 


كان تقيؤه قد انتزع العنصر الجنسي المشكوك فيه في تلك الغرفة من انظاره 
وعقله تماما. اما الفتاة ذات الاسم الذي لا يبعث على السرور فقد فضت بعجالة» 
وحذبت رداءها واثبتت انها ممرضة هادئة مثلما عزمت على ان تكون مومسا. 
ساعدت تشارلز على الجلوس فوق الكرسي القريب من الموقد وهناك شاهد 
زجاحة الشراب المفضل فشعر بالغثيان ثانية. الا انها في هذه المرة كانت قد هيأت 
حوضا اتت به من قرب المغسلة. كرر تشارلز اعتذاره بين محاولاته للتقيؤ. 

- آسف جدا. شيء يؤسف له... شيء ما لم يناسب... 

- لا بأس يا سيدي. لا بأس. اترك نفسك تتقياً. 

اضطر الى ترك نفسه كي يتقيا. ثم ذهبت» واتت بلفاعهاء ورمت به من حول 
كتفيه. حلس بعض الوقت على نحو يثير الضحك كأنه جد عجوز» منحنيا فوق 
الحوضء جائما على ركبتيه. وبعد برهة شعر بقليل من التحسن. ايفضل النوم؟ 
نعم لكن في سريره الخاص به. ذهبت والقت نظرة صوب الشارع» ثم ت ركت 
الحجرة قي حين ارتدى ثيابه مرتحفا. ولما عادت» كانت قد ارتدت هي الاخرى 
ثياها. نظر اليها مشدوها. 

- اانت متأكدة. 

ج انتدعى لك عربة يا شيدي: لى اظ رت:: 

- اه» نعم... شكرا لك. 

ثم جلس ثانية في حين هبطت السلا م» وخحرحت من البيت. 507 
انه لم يكن متأكدا بأن غفيانه قد انتهى» فقد احس نفسيا بارتياح عميق. اذ بغض 
النظر عن ماهية قصده. فانه لم يرتكب عملا قاتلا. تفرس في النار المضطرمة قبالته» 
وابتسم ابتسامة شاحبة وهو امر يدعو الى الاستغراب. 

تناهى الى سمعه بكاء ضعيف من الحجرة المحاورة. ثم حيم الصمت» غير ان 
الصوت عاد من حديد على نحو اعلى هذه المرة واقوى. من الواضح ان الطفلة 
الصغيرة قد استيقظت. واصبح بكاؤها - صمتهاء عويلهاء اختناقها» صمتهاء 
عويلها - صعب الاحتمال. اتحه تشارلز صوب النافذة» وازاح الستائر» غيران 
الضباب حال دون رؤيته الى مسافة بعيدة. م يستطع مشاهدة اي شخص. وادرك 
انمحسار صوت وقع حوافر الخيل وظن ان الفتاة لا بد ذاهبة الى مكان ما لاحضار 


337 


العربة. وقي حين كان يقف متردداء» احس ري كو على الجدار من البيت 
المحاور. وصرخ صوت رحالي حقود غاضبا. تردد تشارلز ثم وضع قبعته وعصاه 
فوق المنضدة وفتح الباب المؤدي الى الحجرة الاخرى. واستطاع ان ييز من خلال 
الضوء المنعكس خزانة ملابس وصندوقا قديعا. كانت الحجرة صغيرة جدا. وف 
ركن قصي» ثمة سرير حفيض مدولب قرب خزانة صغيرة مغلقة. وعاد بكاء الطفلة 
فجاة» مخترقا الحجرة الصغيرة. وقف تشارلز عند عتبة الباب المضيئة» وقفة مرتكبة» 
عملاق أسود مثير للهلع. 

- صه. صه ستأي امك عمًا قريب. 

زاد الصوت الغريب من تفاقم الامور» وشعر تشارلز ان اليران كلهم لا بد 
قد استيقظواء اذ كان الصراخ حادا الى ابعد الحدود. ضرب رأسه يائساء ثم تقدم 
الى امام صوب الظلال قرب الطفلة. وما رأى صغر سنها ادرك لا حدوى 
الكلمات. انحن من فوقهاء وربّت على رأسها برفق. فامسكت اصابع دافئة صغيرة 
باصابعه» غير أن البكاء لم يتوقف. وعبر الوجه الصغير المتجعد عن كل ما يخزنه من 
حوف بقوة مثيرة للدهشة. لا بد من العثور على وسيلة ما. وعثر عليها تشارلز. 
تلمس طريقه صوب ساعته» وحرّر سلسلتها من صدريته وادلاها فوق الطفلة؛ 
فكان الاثر سريعا. وتحولت صرحات البكاء الى انين ثم امتدت الذراعان الصغيرتان 
الى اعلى للقبض على اللعبة الفضية اللذيذة. فسمح هما بذلك» حى فقدقا بين 
اغطية السرير» وحاولت الجلوس الا انما احفقت. فعاد الصراخ من جديد. 

مد تشارلز يديه لمساعدة الطفلة في الاتكاء قليلا على الوسادة. واعترته رغبة» 
فرفع الطفلة من السرير وهي ترتدي قميص النوم الطويل» واستدار وجلس على 
الخزانة الصغيرة. وامسك بالطفلة الصغيرة وهي فوق ركبتيه» وادلى الساعة قبالة 
الذراعين الصغيرتين التواقتين الان. كانت طفلة فكتورية» ممينة الوجه» سوداء 
العينين والشعر. انبعث السرور في نفس تشارلز عندما شاهد تغير مزاحها وقهقهتها 
الفرحة عندما امسكت اخيرا بالساعة المفضلة. وشرعت تلهو في حين غمغم 
تشارلز بمحيبا... «نعم» نعمء ايتها الطفلة الحميلة الطيبة» ايتها الجميلة». ومرت في 
ذهمنه صورة السير توم وابن الاسقف في تلك اللحظة... فاية فجوره الكبير. 
متاهات حياته الغريبة المظلمة؛ لغر اللقاء. 


338 


اببتسم. فقد استحضرت تلك الطفلة رقة عاطفية اكثر من بعث احساس 
بالمفارقة الذي كان بدوره موازيا لنوع من الايمان في نفسه. وف وقت مبكر من 
ذلك المساءء وعندما كان في مركبة السير توم» راوده احساس زائف بالحياة في 
الحاضر. وكان رفضه انذاك ماضيه ومستقبله ليس سوى اندفاع متهور الى النسيان 
اللامسؤول. والان يراوده احساس اكثر عمقا واصالة عن الوهم الانساني الكبير 
الخاص بالزمن ومفاده ان واقعيته تشبه واقعية الطريق - الذي يستطيع المرء دوما ان 
يعرف اين هو واين سيكون - بدلا من الصدق: ان الوقت عبارة عن غرفة» قريبة 
جدا منا الان حى اننا نفشل في رؤيتها بانتظام. 

كان تشارلز على النقيض تماما من التجربة السارترية. فالاثاث البسيط 
المحيط به والضوء الدافئ المنبعث من الحجرة المحاورة والظلال القاهرة» وفوق 
كل شيء ذلك الكائن الصغير الذي يمسك به فوق ركبتيه» المتناهي في الضعف 
بعد امه (الا انه لم يفكر قط فيها)» لم تكن اجساما عدوانية تنتهكه» بل ودودة 
وشرعية. اما الجحيم النهائي فهو الفراغ اللامتناهي» وقد حاولت هذه الاشياء 
ان تبقي ذلك على مسافة منها. وشعر فجأة انه قادر على مواجهة مستقبله» 
الذي لم يكن سوى شكل من اشكال ذلك الفراغ الرهيب. وبغض النظر عما 
حدث له» فإن مثل هذه اللحظات تتكرر؛ لا بد من العثور عليهاء ومن الممكن 
العثور عليها. 

فتح احد الابواب. وقفت المومس تحت الضياء. لم يتبين تشارلز وجههاء الا 
انه حمن انها ذعرت قليلاء ثم هدأت. 

اوه يا سيدي. هل بکت؟ 

- نعم. قليلا. اظنها عادت الى النوم الان. 

- اضطررت الى الذهاب اسفل شارع وارين حيث تقف العربات. 

- انت في منتهى الرقة. 

ع نيا Sb‏ وراقبها وهي تضعها ثانية في فراشهاء ثم استدارت فجأة 
وغادرت. تحسس جيبه وعد حخمسة حنيهات ذهبية ووضعها فوق المنضدة. 
استيقظت الطفلة من حديد. فعادت الام الى تحدئتها مرة احرى. تردد» ثم 


غادر بصمت. 


339 


كان قد حلس ف العربة الي كانت تنتظره عندما هرعت الفتاة وهي بط 
السلالم وتنجه صوب الباب. ورمقته بنظرة مشدوهة»ء نظرة مرتبكة حريحة الى حد 
ما. 

- اوه يا سيدي... شكرا لك. شكرا لك. 
المكسوبة بالجهد. 

- انت فتاة شجاعة» رقيقة. 

مد يده ولمس يدها الي كانت تمسك بحافة الباب المغطى بالمشمّع. ثم نقر 
بعصاه. 


340 


42 





التاريخ ليس مثل فردء يستخدم البشر لتحقيق اغراضه. التاريخ ليس 
سوى افعال البشر الساعين وراء غاياتهم. 
ماركس: العائلة المقدسة 1845 


م يعد تشارلز» كما عرفناء الى كنزنغتون رائق المزاج بعد ان غادر اخيرا 
منزل المومس. شعر بالغثيان مرة ثانية في الرحلة الى امتدت ساعة وكان لديه من 
الوقت لاثارة الكثير من مشاعر النفور الذاتي ايضا. غير انه استيقظ بذهن اكثر 
صفاء. وكما هو شأن الرجالء فقد اعطى الاثار الناجمة عن اسرافه في الشراب حق 
قدرهاء وحملق مذعورا في وحهه المنهك» وأمعن النظر الى فمه الظامئ اللاذع؛ ثم 
قرر انه قادر عموما على مواجهة العالم. 

من المؤكد انه واجه سام لما دحل حاملا الماء الساحن» واعتذر لمراجه السيئ 
في الليلة الفائتة. 

- لم الحظ اي شيء يا سيد تشارلز. 

- كانت امسيي مرهقة بعض الشيء يا سام. والان» كن طيباء واحضر لي 
ابريقا كبيرا من الشاي» فانا في منتهى الظمأ. 

انسصرف سام مخفيا رأيه الخاص بأن سيده ظامئ الى شيء اخر ايضا. اغتسل 
تشارلز» وحلق ذقنه» وفكر في نفسه. من الواضح انه ليس مهيئا لأن يكون خليعا. 
كما انه لا علك خبرة كافية في التشاؤم الباعث على الندم. ألم يقل السيد فريمان 
نفسه ان سنتين قد تنقضيان قبل ان يتخذ اي قرار بشأن احتياحاته في المستقبل؟ 
الكثير من الوقائع قد تحدث في سنتين. في الحقيقة» لم يقل تشارلز لنفسه: «رعا 
يتوق عمي»» الا ان الفكرة حامت في حدود عقله. ثم ذكره المظهر الشهوان في 
تحربة الليلة الماضية ان اللذات المشروعة في ذلك الاتحاه سرعان ما ستصبح ملكه 
ويستمتع يما . اما في الوقت الراهن فعليه ان يمتنع. وتلك الطفلة - الى اي مدى 
ينبغي على الاطفال ان يعوضوا عن عيوب الحياة! 


341 


رجع سام حاملا الشاي - ورسالتين. اصبحت الحياة طريقا ثانية. وسرعان 
ما شاههد ان المغلف العلوي حتم مرتين بالختم البريدي» ارسل من اكستر الى 
كنزنغتون بعد ان كان قد صدر من وايت لاين في بلدة لام ريجيس. اما المغلف 
الثاني فهو مرسل من لام مباشرة. تردد» ثم تناول مدية فتح الرسائل» كأنما ليخفف 
شك وكه» واتحه صوب النافذة. فتح الرسالة المرسلة من غروغان اولاء الا اننا قبل 
ان نبدأ في قراءتاء يتعين علينا ان نقرأ الملاحظة الي ارسلها تشارلز في طريق عودته 
الى لام في ذلك الصباح الذي سار فيه فجرا الى مخزن غلال كارسليك. وكانت 
محتوياها كالاتي: 

«عزيزي الدكتور غروغان» 

اكتب اليك على جناح السرعة لاشكرك على النصيحة القيمة والمساعدة في 
الليلة الماضية» ولاؤكد ثانية اني سأكون في منتهى السعادة لأن ادفع نفقات الرعاية 
والاهتمام الي تراها انت وزملاؤك ضرورية. ارحو منك ويي ضوء ادراكي التام 
بأنئى قد شهدت حماقة مصلحي المضللةء ان تخبرني .ما استجد فيما يخص اللقاء 
الذي من شأنه ان يكون قد تم لدى قراءتك هذه الرسالة. 

يما يؤسف له ان لم استطع التطرق الى الموضوع في شارع برود هذه الصباح 
ققد كان رحيلي المفاحئ تقريبا وظروف شن لا اريد ان ازعجك ها الان قد 
جعلت من اللحظة غير مؤاتية كما يبدو. وستتم معالحة القضية حال عودتي. ولا 
بد لي من ان اطلب منك ان تبقي الامر سرا في هذه الاثناء. 

اني راحل على الفور. وعنواني في لندن مثبت ادناه. مع عميق شكري. 

(ت. س)» 

لم تكن رسالة نزيهة. الا ان كتابتها كانت ضرورية. والان فض تشارلز 
متوترا جواب الرسالة لقراءته. 

«عزيزي ”ميڻسون» 

تأحرت ف الكتابة اليك على أمل الحصول على بعض التنوير بخصوص لغز 
دورسيت الصغير. ويؤسفين القول ان الانثى الوحيدة الي قابلتها في صباح حملي 
كانت الام الطبسيعة - وهي سيدة وجدت ان حديثها بعد ثلاث ساعات من 
الانتظار ممل تافها. باحتصار» لم يظهر الشخص للعيان. ولدى عودي الى بلدة 


342 


لام. ارسلت فى حاد الذهن ليقوم بالمهمة بدلا عبي. غير انه هو الاخر جلس في 
عزلة بميجة. اني اكتب هذه الكلمات بلا مبالاة» غير ان اعترف اني بدأت 
احشى ما هو اسوأ لما عاد الف وقت هبوط الليل. 

على اي حال» طرق سمعي في صباح اليوم التالي ان تعليمات تركت في وايت 
لاين تقضي بنقل صندوق حاجيات الفتاة الى اكستر. ليس في وسعي معرفة 
صاحب تلك التعليمات. مما لا ريب فيه انما هي الى ارسلت تلك الرسالة. اعتقد 
ان علينا ان نقر بانُا رحلت. 

ان حوفي الوحيد يا عزيزي ميئسون يتمثل في لحاقها بك الى لندن ومحاولة 
صب ويلاتها عليك. واتوسل اليك الا همل هذه الحادثة الطارئة بابتسامة. لو كان 
لدي الوقت الكاتي لذكرت لك حالات احرى تحت هذا المنحى. ارفق طيا عنوانا 
لرجل ممتاز اراسله منذ مدة طويلة وانصحك كل النصح ان تضع الامور بين يديه 
اذا ما طرا اي طارئ يدق بابك. 

كن مطمئنا الى ان اي كلمة لن تخرج من بين شفي ولن اكرر نصيحي فيما 
بخص المحلوق البارع - الذي سعدت بمصادفته في الشارع تواء فالشيء بالشيء 
يذكر؛ الا اني اوصي بضرورة الاعتراف في اقرب فرصة ولا اظن الغفور سيتطلب 
عقابا طويلا او قاسيا اكثر ثما ينبغي» 

المخلص: مايكل غروغان 

تنفس تشارلز الصعداء وهو يشعر بالذنب قبل ان يفرغ من قراءة الرسالة 
بوقت طويل. لم يكشف امره اذا. القى نظرة طويلة حارج نافذة حجرة النوم ثم 
فض الرسالة الثانية. 

توقع ان يجد صفحات» الا انه لم يجد سوى صفحة واحدة. 

توقع سيلا من الكلمات» الا انه لم جحد سوى ثلاث. 

عنوان. 

جعّد الورقة في يده» ثم عاد الى الموقد الذي اشعلته خادمة الطابق العلوي في حين 
كان يشخر في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم ورمى ها في اللهب. وفي غضون 
حمس ثوان تحولت الى رماد. تناول كوب الشاي الذي كان سام ينتظر واقفا ليناوله 
اناف فقدريه رخاز ار سورع واجدة A Ng‏ اليا كرا اشن 


343 


لقدانمحزت واحبي يا سام. وسنعود الى بلدة لام غداء بقطار الساعة 
العاشرة. عليك ان تدبر امر التذاكر» واذهب جاتين الرسالتين الموحودتين فوق 
متسس ]داقعنال طن لاقت لحار علد نايد 
الظهيرة كي تتمكن من اختيار الاشرطة لماري الحميلة - هذا اذا لم تبع قلبك في 
مكان اخر منذ عودتنا. 

كان سام ينتظر تلك الاشارة لبدء الحديث. القى نظرة حاطفة الى ظهر سيده 
في حن افهمك في ملء كوب الفطور الذهبيء وقال وهو يمد الكوب من فوق 
صينية فضية صغيرة الى اصابع تشارلز الممتدة اليه. 

- سأتقدم لخنطوبتها يا سيد تشارلز. 

- احقا؟ 

- نعم يا سيد تشارلز. لو لم تكن لدي مثل هذه الفرصة الرائعة للعمل في 
حدمتك. 

رشف تشارلز شايه. 

- تفوه ما عندك يا سام. توقف عن الحديث بالالغاز. 

- لو تزوجت فانيٰ سأعيش في مكان اخر يا سيدي. 

اظهرت نظرة تشارلز الحادة المعبرة عن اعتراض غريزي الى اي حدّ لم يعط 
المسألة اي اهتمام. استدار» وحلس قرب الموقد. 

- والان يا سام لا سمح الله ان اكون عقبة في سبيل زواحك؛ الا انك لن 
تتخلى عي قبل ان اتزوج. 

- لقد احطأت في ادراك غايي يا سيد تشارلز. اني افكر في الفترة الي 
ستعقب الزواج. 

- ستكون في مؤسسة اكبر بكثير واني لعلى ثقة بأن زوجي ستكون سعيدة 
اذ تكون ماري معها هناك... ما هي المشكلة اذا؟ 

- احذ سام نفسا عميقا. 

- اني افكر في العمل في التجارة يا سيد تشارلز» اي عندما يستقر بك المقام 
يا سيد تشارلز. ارحو ان تعرف اني لن اتخلى عنك في ساعة الضيق. 

- تحارة! اي تحارة؟ 


344 


- لقد تملكت الرغبة في الحصول على متجر صغير يا سيد تشارلز. 

وضع تشارلز الكوب فوق الصينية بسرعة. 

- لكن الا... اقصدء انت تعلم» بعض النقود؟ 

لقد وفرت بعض المال يا سيد تشارلز وكذلك ماري. 

- نعم» نعم. لكن هناك ايجار يستوجب الدفع» وفوق هذا كله» بضائع 
تستوجب الشراء ايها الرحل... اي نمط من التجارة؟ 

- تحارة الملبوسات والسلع الرجالية يا سيد تشارلز. 

هملق تشارلز في سام» كان اللندني وطد العزم على ان يتحول الى بوذي. غير 
انه تذكر واقعة او واقعتين صغيرتين حدثتا في الماضي. ذلك الميل الى تقليد الطبقة 
الراقية في تصرفاتما؛ واحد مظاهر مهنته الحالية الي لم يتذمر منها سام عنايته بثيابه. 
في الحقيقة» ان تشارلز سخر منه اكثر من مرّة (حوالى عشرة الاف مرة اذا توخينا 
الدقة) بسبب زهوه الشخصي في هذا المنحى. 

- ولديك ما يكفي... 

- لاء وااسفاه يا سيد تشارلز. علينا ان نقتصد تماما. 

خحيم صمت له مغزى خاصا. كان سام منهمكا في اعداد الحليب والسكر. 
اما تشارلز فقد فرك جانب انفه على نحو يشبه ما يفعله سام. فطن للامر ثم تناول 
الكوب الثالث من الشاي. 

- كم؟ 

- اعرف متجرا على النحو الذي اريد يا سيد تشارلز. وصاحبه يريد مائة 
وخمسين حنيه إنكليزي لاسم ا محل التجاري ومئة للبضاعة. ولا بد من ايجاد ثلاثين 
لدفعها ايجارا. 

قدر صفات تشارلز وخصائصه واردف يقول. 

- القضية ليست هي ان غير سعيد معك يا سيد تشارلزء بل ان المتجر هو 
الشيء الوحيد الذي رغبت فيه دوما. 

- وكم ادخرت؟ 

تردد سام 

- ثلاثون جنيه إنكليزي يا سيدي. 


345 


م يبتسم تشارلز بل ذهب ووقف قرب نافذة حجرة نومه. 

- كم من الوقت استغرقت في توفير المبلغ؟ 

- ثلاث سنوات يا سيدي. 

as‏ ل الا انها كانت ثلث 
احور ثلاثة اعوام كما حسب تشارلز بعجالة» واظهر نسبيا انه يفوقه في الاقتصاد 
في النفقات. اختلس نظرة الى سام الذي وقف ينتظر بخنوع - لكن ما هو الشيء 
الذي كان ينتظره؟ - قرب المنضدة الحانبية الى وضعت فوقها ادوات الشاي. وف 
الصمت الذي اعقب ذلك» ارتكب تشارلز غلطته المميتة الاولى المتمثلة في اعطاء 
سام رأيه المخلص بالمشروع. رما كان على نحو ما حدعة»ء او احد المظاهر الي لا 
يرقى اليها الشك لقاء الخدمات الي قدمها سام. الا ان ذلك بعيد كل البعد عن 
التسليم بالمسؤولية العريقة - الي لا تترادف والمكابرة السامية - للسيد الذي لا 
بخطئ على تابعه الذي يخطئ. ٠‏ 

- انين احذرك يا سام. اذا ما فكرت في أمور تفوق مكانتك فانك لن تحد 
سوى الحزن. ستكون بائسا بلا متجر. وبائسا اكثر اذا كان لك متجر. 

غاص رأس سام قليلا الى اسفل. 

- علاوة على ذلك» فاني الفت وجودك يا سام».. مولع بك يا سام. ولتحل 
علي اللعنة لو اردت خسارتك؟ 

- اعرف ذلك يا سيد تشارلز. وانا اقدّر مشاعرك كل التقدير يا سيدي. 

- حسنا اذا. كل واحد منا سعيد بوحود الاخر اذا. فلنستمر على هذا 
النحو. 

احن سام رأسه» والتفت ليأخذ ادوات الشاي. كانت خيبته واضحة. كان 
الامل المهمل. الحياة وقد احتصرت» فضيلة لم ثكافاً» وعشرات من التماثيل 
المكتكبة. 

- والان يا سام لو انك تزوجت هذه الفتاة فعندئذ ستحصل على أجر رحل 
متزوج» اضافة الى مبلغ اخر تبدأ به حياتك. كن مطمئنا الى اني سأحزل لك 
العطاء. 

- هذا لطف منك يا سيد تشارلز. 


346 


الا ان الصوت كان مرائياء فتلك التمائيل لم هدم. وشاهد تشارلر نفسه فترة 
وحيزة من خلال عيين سام. لقد شوهد وهو ينفق الاموال الكثيرة في الاعوام الي 
قضياها معا. لا بد ان سام يعرف ان امولا احرى كثيرة سيحصل عليها عند 
الزواج. هذا فانه ليس عجبا - اي بدافع بريء - ان يعتقد بأن مائي او ثلاتمئة 
جنيه إنكليزي ليست بالمبلغ الكبير عندما يطلب. 

- لا بد انك تظن اني لست كريا يا سام. في الحقيقة» حسنا ان السبب وراء 
ذهابي الى وينزيات هو... حسناء سيتزوج السير روبرت. 

- لا يا سيدي. السير روبرت! ابدا. 

تبعل دهشة سام المرء يرتاب في ان طموحه الحقيقي كان ينبغي ان يتجه الى 
المسرح. فقد فعل كل شيء سوى القاء الصينية الي كان يحملها. غير ان هذا سابق 

يقة ستانسلافسكي*'. واجه تشارلز النافذة وواصل حديثه. 

- وهذا يعن يا سام اني في حين تزداد نفقاتي لا اجد الكثير لاوفره. 

- ليست لدي فكرة يا سيد تشارلز. لماذا... قلما استطيع ان اصدق - في 
هذا العصر. 

اوقف تشارلز بعجالة الرثاء المتوقع. 

- علينا ان نتمئ للسير روبرت كل سعادة. فقد انتهى كل شيء. وعما 
قريب سيعرف الجميع النبأ. على اي حال» لن تقول شيئا عن هذا الامر يا سام. 

- اوه يا سيد تشارلز... انت تعرف كيف احافظ على السر. 

نظر تشارلز نظرة ثاقبة الى سام» غير ان عيئ خادمه كانتا تنظران الى اسفل 
بتواضع. وتمێ تشارلز مخلصا لو ان في استطاعته ان يراهما. الا اهما ظلتا بعيدتين 
عن تلك النظرة المحدقة ودفعتاه الى ارتكاب غلطته المميتة الثانية - اذ لم يكن يأس 
سام نابعا من رفض سيده فكرته بقدر ما كان نابعا من الارتياب في ان سيده ليس 
لديه سر يشوبه الاثم يمكن ان يجد مكانه من فوقه. 

- اني يا سام... اقصدء عندما اتزوج» ستكون الظروف اسهل... وانا لا 
اريد ان ابدد امالك تماما؛ دعي افكر في الموضوع. 


(108) ستانسلافسكي: (1865 - 1938): احد اهم منظري مسرح القرن العشرين يؤكد اهمية 
الاسلوب وملائمة الاسلوب للدور. (المترجم) 


347 


وانبعث في قلب سام وهج صغير الى الحياة. لقد افلح. والمكانة باتت 
موجودة. 

- امن يا سيد تشارلز لو اني لم اتكلم في الموضوع. ليست لي اي فكرة. 

- لاء لا. اني سعيد لانك اثرت هذا الموضوع. ورا ساطلب نصيحة السيد 
فريمان اذا ما توفرت لي الفرصة. مما لا ريب فيه انه يعرف ما يمكن قوله فيما يخص 
هذا المشروع. 

- ذهب خالص يا سيد تشارلز» ذهب خالص - هكذا اصف اي نصيحة 
تصدر عن فم ذلك السيد النبيل. 

انصرف سام اثر هذه المبالغة. حدق تشارلز الى الباب المغلق» وشرع يفكر في 
ما اذا كان شيء ما سينفجر على سطح شخصية سام» ازدواجية معينة. لقد قلد 
دوما السيد النبيل في ثيابه وتصرفاته والان ثمة شيء اخر غامض فيما يخص السيد 
النبيل المزيف الذي يقلده. هكذا كان العصر» عصر تحولات» وهكذا احذ الكثير 
من الانظمة يذوب ويتحلل. 

ظل فترة وجيزة وهو مطرق؛ ولكن رباه. ما صلة التعبير عن الامنيات لسام 
بأموال ايرنستينا في المصرف؟ التفت الى مكتبه» وحذب احد الادراج» واخرج 
دفقر حيب» ودوّن فيه ملاحظة: مما لا شك فيه انما تذكرة للتحدث الى السيد 
فريمان. َّ 

في هذه الاثناءء كان سام يقرأ في الطابق السفلي محتويات البرقيتين. كانت 
احداهما موحهة الى وايت لاين تعلم صاحب الفندق بعودتما. اما الثانية فتقول: 

«الانسة فريمان» منزل السيدة ترانتر» شارع 

برود» لام ريجيس. امرت بالعودة وسيلبي ذلك في 

منتهى السرور المخلص لك تشارلز “ميشسون». 

في تلك الايام» لم يلجأ الى لغة البرقيات المقتضبة سوى اليانكي الاحرق. 

م تكن تلك الرسالة الشخصية الاولى الى وقعت تحت عي سام في ذلك 
الصباح. فقد كان ظرف الرسالة الثانية الي احضرها الى تشارلز ملصقة بالصمغ الا 
انها ختومة. والقليل من البخار يصنع الاعاحيب» وكان الصباح كله تحت تصرف 
سام حيث وجد نفسه وحده دقيقة واحدة في ذلك المطبخ. 


348 


لعلك بدأت توافق تشارلز رأيه في سام. فهو لا يكشف عن نفسه على انه 
اشرف انسان. هذا ما يجب قوله» غير ان فكرة الزواج تفعل اشياء غريبة. فهو 
يجعل الشريكين المرتقبين يرتابان في وجود عدم المساواة بين الاشياء. ويجعلهما 
يتمنيان ان بملكا ما هو اكثر ليقدماه لكل واحد منهما. وهو يقتل لامبالاة الشباب. 
كماان مسؤولياته تحدث العزلة وتضعف مظاهر العقد الااجتماعي الاكثر غيرية. 
باحتصار» يسهل ان تكون كاذبا امام الاثنين بدلا من امام واحد منهما. لم يفكر 
سام في هذا الاحراء على انه اجراء كاذب» غير شريف» بل اماه «لعب الاوراق 
لعبا صحيحا». بكلمات بسيطة كان يعني ذلك الان ان الزواج بايرنستينا لا بد من 
ان يحضي قدما. ولا يستطيع الا من مهرها ان يأمل بالحصول على المائتين وخمسين 
جنيها إنكليزيا. واذا ما حدث غزل اخحر بين السيد والمرأة الشريرة في لام» فيجب 
ان يمحدث ذلك تحت سمع لاعب الورق وبصره - ورا ليس ذلك بالامر السيئ 
كله. طالما انه كلما زادت خطايا تشارلز» اصبح هو على تماس اكبر. لکن لو 
تطورت الامور اكثر مما ينبغي... وهنا مص سام شفته السفلى» وقطب حاجبيه. 
ممالا يشر العجب انه بدا يشعر انه اعلى مرتبة من مكانته» وهذا شأن صانعي 
الرّيجحات. 


349 


43 





لكنني حسبت انني رأيتها واقفةء 


ظلا هناك قرب قدمي, 
عالية فوق الارض المغمورة بالظلال 


تينيسون: مود 1855 


رءما يستطيع المرء ان يعثر على الوان لاسطورة السلوك الانساني العقلاني في 
عصر حديدي كالعصر الفكتوري اكثر من اي عصر اخحر. من المؤكد ان تشارلز 
قرر بعد ليلة تمرده تلك ان يذهب قدما في موضوع زواجه بايرنستينا. ولم يخطر 
بباله على نحو جاد انه لن يفعل ذلك. فالام تيربسيشور والمومس لم تكونا سوى 
توكيدات لذلك العزم - على الرغم مما يبدو من عدم الارجححية في ذلك - اخخر 
الشكوك من حول امر وصل فايته» اخر الاستفسارات عمًا لا يمكن الاستفسار 
عنه. وقد فكر كثيرا على هذا النحو وهو في طريق عودته المضطرب الى البيت» ما 
يفسر المعاملة القاسية ال لقيها سام. اما فيما يخص سارة... سارة الاخرى كانت 
بديلة عنهاء هايتها الحزينة القذرة» وكانت يقظته. 

على الرغم من ذلك كان في مستطاعه ان يتمئ لو ان رسالتها اظهرت 
خطيئة اكثر وضوحا - لو انها طلبت مالا (الا انها نادرا ما تصرف عشرة جنيهات 
إنكليزيات في مثل هذا الزمن القصير)» لو انها افصحت بمشاعرها المحرّمة نحوه. الا 
انه يصعب تييز العاطفة عن اليأس في الكلمات الثلاث ”فندق اسرة انديكوت'؛ لا 
يوجد حن تاريخ ولا حى الحروف الاولية من الاسم! من المؤكد انه فعل من 
افعال التمرد» اهمال من لدن الخالة ترانتر. لكن يصعب اققامها بالطرق على بابه. 

يسهل عليه ان يقرر وحوب اهمال الدعوة الضمنية: يجب الا يراها ثانية. لكن 
را د كرت رة المومسح كفارلر بروعة سار ةامر دة فاب العهرر ال ره خياب 
تاهما في احداهما لم يؤكد الا وحود هذا الشعور على نحو مدهش ف الثانية. كم 
كانت ذكية وحساسة. بطريقتها الخاصة الغريبة... كانت بعض الاشياء الي 
ذكرقا اثر اعترافها تستحوذ على عقل المرء. 


350 


فكّر طويلا - هذا ان كانت الذكرى فكرة - في سارة وهي تشق طريقها 
الطويل صوب الغرب. ولم يتمكن الا من الاحساس بأن ايداعها في مصحة 
الامراض العقلية من شأنه ان يكون خيانة مهما كانت تلك المصحة متنورة. ان 
استعمل ضمرر الغائبة هنا الا انه واحد من افظع الاقنعة الي ابتكرها الانسان: 
فالذي استحضره تشارلز لم يكن ضميراء بل عينين» نظرات» شعرة متدلية فوق 
الصدغ» حطوة رشيقة» وجه نائم. لم يكن هذا كله من احلام اليقظة» بل تفكير 
حاد في مشكلة اخلاقية سببها توق خالص على نحو مهيب لصالح مستقبل المرأة 
التعيكن: 
وصل القطار بلدة اكستر» وظهر سام قرب نافذة المقصورة في اثناء الوقفة 
الاخيرة من صفير التوقف النهائي. كانت رحلته بالدرجة الثالثة. 

- هل سنمكث الليلة هنا يا سيد تشارلر؟ 

- لا. عربة. عربة بأربع عجلات. يبدو ان الأمطار ستَهطل قريبا. 

راهن سام بينه وبين نفسه على الف جنيه إنكليزي بافهما سيمكثان في بلدة 
اكستر» الا انه اطاع سيده دون ترددء شأنه في ذلك شأن سيده عندما قرر لدى 
رؤيته وجه سام - في حين ظل في اعماقه قرار ينبغي اتخاذه - بلا تردد ما سيفعله. 
في الحقيقة ان سام هو الذي قرر ذلك: لم يعد في وسع تشارلز مواجهة اي تملص 
من الاجابة عن الاسئلة. 

ولا احذا يتقدمان في ارحاء ضواحي المدينة الشرقية انتاب تشارلز احساس 
بالحزن والضياع» فقد سبق السيف العذل. ولاح له ان مما يثير الدهشة ان يحدد 
قرار بسيط واحدء اجابة واحدة عن سؤال تافه» كل هذه الاشياء. وح تلك 
اللحظة» كان كل شيء احتمالاء اما الان فقد اصبح ثابتا على نحو لا يرحم. 
لقد فعل الشيء الصحيح» المقبول» الاخلاقي. غير ان ذلك بدا كأنه يظلل في 
اعماقه بعض الضعف الموروث» بعض الرغبة في قبول قدره الذي يعلم - 
باحدى تلك الهواجس المؤكدة مثل الحقائق - انه سيقوده الى عالم التجارة» الى 
ارضاء ايرنستينا لأا كانت ترغب في ارضاء والدها الذي يدين له بالشيء 
الكثير... حملق في الريف الذي توغلا فيه الان» وشعر انه يغور فيه تدريجيا كأنه 
داحل انبوب فظيع. ش 


351 


ترنحت العربة» ثمة نابض مرتخ يبعث صريرا عند كل رجحة» على نحو حزين 
كأفا عربة نقل السجناء المحكومين الى المقصلة. كانت سماء المساء ملبدة بالغيوم» 
واخذت تمطر مطرا حفيفا. في مثل هذه الظروف» وعند سفره وحده» كان تشارلز 
يطلب من سام المجيء للجلوس الى جواره. الا انه لم يستطع مواجهة سام - على 
الرغم من ان سام هذا الذي لم يشاهد سوى الذهب مفروشا فوق الطريق المبلل 
المؤدي الى بلدة لام» ما كان ليعترض على نبذه من ظهر انيهم - ظهر كان ما من 
شأنه ان يحظى بالعزلة ثانية. لا بد له من ان يستمتع بالشيء القليل الذي بقي له. 
فكر ثانية في المرأة الي تركها في المدينة من ورائهما. من المؤكد انه لم يفكر فيها 
على اها بديلة عن ايرنستيناء ولا بوصفها امرأة يستطيع ان يتزوجهاء لو شاء ذلك 
بدلا عنهاء ذلك غير ممكن. في الحقيقة» قلما فكر في سارة الان - فهي ليست 
سوى الرمز الذي تكاثرت من حوله كل احتمالاته الضائعة» حرياته المنقرضة» 
رحلاته الى لن يقوم بما. لا بد له من ان يودع شيئا ماء لقد كانت قريبة وبعيدة في 
ان واحد. 

ليس هناك شك. كان واحدا من ضحايا الحياة» صدفة متحجرة احرى 
امسك ما في حركات التاريخ الحائلة» بانت شاردة الان والى الابد» طاقة كامنة 
تحولت الى احدى المتحجرات. 

بعد برهة وجيزة استسلم لنقطة الضعف الاخيرة: استسلم للنوم. 


352 


44 


الواجب - يعني الالتزام 
بكل ما يمكن توقعه هنا... 
بشكل مطابق تماما للاخرين 
ودون تفكير بما يعنيه حقا.. 
انه القمع العنيد العاجل؛ 
مثل خطيئة مهلكة واضحةء 
كل بحث وتكهن 
لروح الروح في الاعماق: 
انه الاذعان الجبان 
لامر من القدر... 
اي. إتش. كلف: واجب 1841 


وصلا وايت لاين قبل الساعة العاشرة تماما من تلك الليلة. كانت الاضواء لا 
تزال متوهجة في بيت الخالة ترانتر» وتحركت احدى الستائر في اثناء مرورهما. 
اسرع تشارلز الى تحميل نفسه تاركا سام يخرج الامتعة من الحقائب» وارتقى 
الحضبة على نحو رحولي. سعدت ماري كل السعادة بلقياه» اما الخالة ترانتر الي 
كانت وراءهاء فقد تورّد وحهها وهي تبتسم له محيية. كانت لديها اوامر صارمة 
تقتتضي الانصراف حالما تفرغ من الترحيب بالمسافر: لن يكون هناك هراء امرأة 
مسنة في ذلك المساء. اما ايرنستينا فقد ظلت في حجرة الجلوس الخلفية بسبب من 
احساسها المألوف بكرامتها. 

لم تنهض لدى دخول تشارلزء بل نظرت اليه نظرة طويلة مؤنبة من تحت 
رموشهاء فابتسم. 

- نسيت ان اشتري الورد في اكستر. 

- هذا ما الاحظه يا سيدي. 

- كنت في عجالة اريد الوصول الى هنا قبل ان تأوين الى الفراش. 


353 


عضت برها ورافيك يديه التوفكين ن شال رة اقرب شار 
اكثرء فتوقفت اليدان على نحو مفاجئ عن العمل» واصبحتا فوق القطعة الصغيرة 
الى كانتا تشتغلان بما. 

- ارى ان لدي منافسا. 

- تستحق ان يكون لديك الكثير. 

جثا الى جوارها ورفع احدى يديها برفق وقبّلها. فنظرت نظرة قصيرة اليه. 

- لم انم دقيقة واحدة منذ رحيلك. 

- استطيع رؤية ذلك من وجنتيك الشاحبتين وعينيك المتورمتين. 

م تبعسم. 

- اراك الان تسخر مي. 

- اذا كان هذا ما يفعله الارق بك فسأرتب نصب جرس منبه كي يدق دوما 
في حجرة نومنا. 

احمرت خجلا. فض تشارلز وجلس الى جوارهاء وحذب رأسها وقبّل فمها 
وعينيها المغمضتين اللتين فتحتهما بعد ان لمسهما على هذا النحو» وحملقت فيه بعد 
ان تلاشت منهما كل ذرة دمع. 

أبتسم. 

- والان دعي اشاهد ما توشين لمعجبك السري. 

رفعت القطعة الى اعلى وهي عبارة عن جيب ساعة من المحمل الازرق - 
محفظة صغيرة يعلقها السادة الفكتوريون قرب منضدة زينتهم ويضعون فيها 
ساعاتمم في الليل. ونقش على الغطاء المتدلي قلب ابيض وعلى كل حانب منه 
الحرفان الاوليان من اسميهما. ونقشت على واجهة الجيب مطلع ثنائي من ابيات 
شعرية بخيط ذهبي. فقرأ تشارلز بصوت عال: 

- «في كل مرة تملا الساعة...» وما هي فهاية المطلع؟ 

- لا بد ان تخمن. 

-«فان زوجتك ستصرٌ بأسنانها». 

وهنا ابعدته عن نظره. 

- لن احبرك الان. لست افضل من المحصل في حافلة نقل الركاب. 


354 


كان المحصل في تلك الايام مشهورا بذلاقة اللسان. 

- الذي لن يطلب الاحرة من واحدة يمثل هذا الجمال. 

- النفاق كاذب والتوريات الضعيفة غير مقبولة. 

- وانت رائعة عندما تغضبين يا عزيزي. 

تعد سأغفر لك... لكي اكون فظيعة. 

التفتت عنه قليلا على الرغم من ان ذراعه بقيت تطوق خصرهاء وعاد ضغط 
يديه على يديها من جديد. بقيا صامتين بضع لحظات» ثم قبل يدها ثانية. 

- افي وسعي التنزه سيرا واياك صباح الغد؟ وسنظهر للعالم اي عاشقين 
عصريين انا وانت» وسنبدو ضحرين واتنا تزوجنا زواج مصلحة لا ريب؟ 

ابتسمت ثم كشفت عن جيب الساعة. 

- في كل مرة تمل الساعة» فاني اذكرك بالحب. 

- يا حبيبي. 

ملق في عينيها مدة طويلة» ثم تحسس جيبه ووضع فوق حضنها علبة صغيرة 
ذات جلد احمر داكن. 

- زهور من مط ما. 

ضغطت بحياء على ابزتم صغير وفتحت العلبة؛ على مخمل قرمزي رقد مشبك 
صدر سويسري انيق يستخدم للزينة: قطعة فسيفساء بيضوية من مجموعة زهور 
تحيط ها اللالئع وقطع المرجان المذهبة. التفتت ومالت وطبعت قبلة بريئة رقيقة على 
شفتيه» ثم وضعت رأسها فوق كتفيه» ونظرت ثانية الى المشبك وقبلته. 

تذكر تشارلز ابيات تلك الاغنية البريبابوسية وهمس ف اذفا: 

- اتمئى لو ان الغد يوم زواجنا. 

المسألة بسيطة: الاول يعيش بالمفارقة والعاطفة والاخر يحترم التقاليد. والشيء 
الممكن هو موضوع احر للملاحظة المحردة الساحرة؛ بكلمات ادق؛ احدها 
استسلم» والاخر تعلم ان يكون كما هو دوما. 

ضغط تشارلز ذراع الفتاة. 

- لدي اعتراف صغير يا عزيزي اريد البوح به. وهو يخص تلك الانثى 
البائسة في منزل مارلبورو. 


355 


اعتدلت قليلاء مندهشة تماماء ومسرورة. 

- اهي مأساة المسكينة؟ 

أبتسم. 

- اظن ان تكون الكنية الاكثر ابتذالا مناسبة على نحو افضل. 

ضغط على يدها. 

- انه عمل غبي وتافه. ان ما حدث هو الاتي. ففي احدى جولاټ للبحث 
عن القنفذيات المراوغة... 

هكذا تنتهي القصة. اما ما حدث لسارة فهو امر لا اعرفه - بغض النظر عن 
ماهيته» فإِهُا لم تزعج تشارلز ثانية بذاتهاء وبغض النظر عن طول المدة الي يمكن ان 
تكون قد علقت في ذاكرته. هذا ما يحدث في اغلب الاحوال. الناس يتوارون عن 
الانظار» فيغرقون في ظلال الاشياء الاكثر قربا. 

لم يتعش تشارلز وايرنستينا حياة سعيدة من ذلك الحين فصاعداء غير اهما 
عاشا معاء على الرغم من ان تشارلز عاش بعدها عشر سنوات (وحزن لاجلها كل 
الحزن طيلة ذلك الوقت). وانحبا - كم سيكون العدد - لنقل سبعة اطفال. وزاد 
السير روبرت الطين بلة عندما انحب هو الاخر وريثين لا وريثا واحدا في اثناء 
الشهور العشرة من ارتباطه بالسيدة بيلا تومكنز. وهكذا دفع هذان التوأمان 
تشارلز الى التجارة اخيرا. كان السأم يستبد به في اول الامر» غير انه اعتاد العمل. 
لم يكن لابنائه اي خيار احر» ولا يزال الابناء يديرون اليوم المتجر الكبير بكل 
فروعه. 

سام وماري؛ لكن من ذا الذي همه سيرة الخدم؟ تزوجا وانحبا وتوفيا على 
النحو الرتيب الذي يلائمهما. 

من الذي بقي الان؟ الطبيب غروغان؟ لقد توفي وهو في سن الحادية 
والتسعين. ولا عاشت الخالة ترانتر حي التسعينات من عمرهاء فإن لدينا الدليل 
الواضح على لطف هواء لايم النقي. 

على الرغم من ذلك» لا يمكن للتأثير ان يكون شاملاء طالما ان السيدة بولتبي 
توفضيت بعد شهرين من عودة تشارلز الاخيرة الى لام. وهنا احدني مسرورا كي 
اقول ان في استطاعي ان استحضر اهتماما كافيا لتأمل المستقبل - اي» حياتها ما 


356 


بعد الموت. فقد وصلت مرتدية الملابس السود» على ظهر مركبتها الى البوابات 
السماوية وهبط خادمها - اذ طبيعي ان يموت معها كل خدمها على غرار مصر 
القديمة - وفتح باب المركبة بوقار. ثم جذبت الجرس فظهر رئيس الخدم اخيرا. 

- سیدني؟ 

- انا السيدة بولتيئ. جفت لاقيم هنا. فأحبر سيدك بالامر رجاء. 

- لقد علم حلالته موتك يا سيدي وقد انشدت الملائكة ابتهاجا بالمناسبة. 

- حسن. 

احذت السيدة الوجيهة المنتفخة الاوداج طريقها داحل القاعة البيضاء الي 
شاهددها من وراء رأس رئيس الخدم. الا ان الرجل لم يتحرك جانباء بل هرّ عوضا 
عن ذلك بعض المفاتيح الي صادف وجودها في يده. 

- افسح الطريق ايها الرحل. انا هي. السيدة بولتيئ من بلدة لاتم ريجيس. 

- سابقا من لام ريحيس يا سيدتي. اما الان فمن مكان مداري. 

اغلق الخادم الباب في وجهها. فكان رد فعل السيدة بولتيئ الفوري متمثلا في 
النظر من حواليها حشية ان يكون حدمها قد تنصتوا على ما دار في هذا المشهد. 
بيد ان مركبتها ال ظنت اا سمعتها وهي تبتعد صوب احياء الخدم» قد توارت 
عن الانظار على نحو غامض. في الحقيقة» توارى كل شيء عن الانظار» الطريق 
والمنظر الطبيعي (الشبيه لسبب ما بطريق غريت درايف المؤدي الى قلعة وندسور” 
”21 كل شيء» كل شيء اختفى. لم يعد هناك سوى الفضاء - والاشد هولاء 
فضاء مفترس. واحذت السلا لم الي ارتقتها السيدة بولتيئ واحدة واحدة تختفي هي 
الاحرى. ولح تبق سوى ثلاث ثم اثنتين» ثم واحدة. ولم تعد السيدة بولتيي تقف 
على اي شيء. و ممعت وهي تقول بوضوح: «ان السيدة كوتون وراء هذا كله». 
ثم هوت» مندفعة» ومنتفخة» مثل غراب اصيب باطلاقة» حيث كان ينتظرها 


سيدها الحقية 


(109) قلعة وندسور: مقر اقامة الاسرة الملكية الانكليزية منذ عهد وليم الفاتح (1027 - 1087). 
(المترجم) 


357 


45 





.ا و مهن o‏ 


الا ينهض في انسان جديد 
وينتهي بذاك الانسان الذي هو انا! 


تينسيون: مود 1855 


الان وبعد ان انميت هذه الرواية فاية تقليدية تماماء اجد الافضل ان اوضح 
انه على الرغم من حدوث كل ما اتيت على وصفه في الفصلين الاخيرين؛ فإن 
ذلك لم يحدث على النحو الذي رعا دفعتك الى تصديقه. 

ذكرت في وقت سابق اننا كلنا شعراء» على الرغم من ان الكثيرين منا لا 
يكتبون الشعر؛ كذلك فاننا كلنا روائيون» اي» لدينا عادة كتابة مستقبل متخيل 
لحياتناء على الرغم من اننا رعا نميل اليوم اكثر الى تحسيد حياتنا في احد الافلام 
السينمائية. فنستعرض في اذهاننا افتراضات عمًا يمكن ان يكون عليه سلوكناء عمًا 
يمكن ان يحدث لناء وغالبا ما يكون لمذه الافتراضات الروائية او السينمائية تأثير في 
كيفية تصرفنا في الوقع» عندما يصبح المستقبل | مَية حاضراء اكبر تما نسمح به 
عادة. 

م يكن تشارلز ليشكل اي استثناء؛ والصفحات الاخيرة القليلة الي قرأمًا 
ليست هي ما حدث» بل كانت هي الاشياء الي قضى الساعات بين لندن 
واكستر يتخيل امكانية حدوثها. من المؤكد انه لم يفكر تماما في الاسلوب السردي 
الممصّلء المتماسك الذي وظفته» كما اني لا اقسم بانه تابع حياة السيدة بولتيئي 
بعد مماتها بمثل هذه الدقة المثيرة للانتباه. غير انه» من المؤكد» تمىئ ان تكون من 
نصيب الشيطان» وهذا تحقق نفس الشيء تقريبا. 

قبل هذا كله» شعر انه وصل إلى ماية المطاف في القصة. الى هاية لم ترقه. 
ولو انك لاحظت في ذينك الفصلين الاحيرين مفاجأة, افتقارا الى المطابقة» حيانة 
لامكانيات تشارلز الدفينة» ومسألة بسيطة متمثلة في انه مُنح حياة تقارب القرن 
وربع القرن» ولو انك شعرت بالارتياب» وهو ارتياب ليس غير مألوف في الادب» 
ان نفس الكاتب قد انتهى وانه انى السباق فهاية اعتباطية في حين لا يزال يخامره 


358 


الاحساس بأنه رابح» فلا تلق باللائمة علي» لأن كل هذه الاحاسيس» او 
انعكاساقاء كانت حاضرة في ذهن تشارلز. فسفرٌ وجوده» كما بدا له اوشك ان 
يصل الى حانمة رئة كما يتضح. 

والاناء ضميرر المتكلم» ذلك الكيان الذي وَحَدَ مثل هذه الاسباب المعقولة 
ظاهريا غير انها باطلة لدفع سارة الى ظلال النسيان» لم يكن اناء بل هو تحسيد لا 
مبالاة هائلة محددة في الاشياء الى وضعت الخمول الخبيث في جانب ايرنستينا من 
الميزان؛ لقد تبدّى ذلك اتحاها الى امام لا يقاوم ثابتا مثل القطار الذي حر تشارلز 
معه. 

لم يكن مخادعا عندما قلت ان تشارلز قرّر ان يُمضي قَدُما في زواجه في اثناء 
وحوده في لندن في ذلك اليوم الذي اعقب نزقهء كان ذلك هو قراره الرسمي» 
تماما مثلما كان قراره الرسمي ذات يوم قد يكون رد فعله هو التعبير الادق ان 
ينحرط في الكهنوت. اما النقطة الى عمدت فيها الى التضليل فتتمثل في تحليل 
الاثرالذي ظلت تحدثه فيه تلك الرسالة المؤلفة من ثلاث كلمات. فقد عذبته» 
ادت رارت اط انض :و كلما افك قياف عاذت مارو ال الظهون اانه 
ثانية وهي الي يرتاب في انها هي الي ارسلتها. فقد كانت متطابقة وكل تصرفاها 
الاحرى» ولا بمكن وصفها الا بالارداف الخلفي (تناقض ظاهري بين عبارتين 
لإثارة الإإعجاب)» الابتعاد المغري» البساطة الذكية» التوسل المتكبرء الاتهام المدافع. 
لقد كان العصر الفكتوري مولعا بالاسهاب؛ م يألف التباس المعن. 

اللا انه قبل كل شيء تبدى امام تشارلر واضعا امامه حیارا؛ وف حين كرة 
ممتي و ا نه اشير و ی ا 
جهة الغرب لما نعلم ان جزءا اخر منه شعر بانفعال لا يحتمل يراوده لدى اقتراب 
لحظة الخيار. لم يكن ليعرف المصطلحات الوجودية. غير ان الاحساس الذي انتابه 
كان في الحقيقة قضية في منتهى الوضوح» الا وهي قضية قلق الحرية - اي» الادراك 
ان المرء حر والادراك ان كون المرء حرا ليست سوى حالة رعب. 

اذا لنطرح سام بعيدا عن مستقبله المفترض ونعود الى حاضره في اكستر. فنراه 
يذهب الى مقصورة سيده لدى توقف القطار. 

- هل سنمكث الليلة هنا يا سيدي؟ 


359 


يتفرس تشارلز فيه برهة وجيزة» ثمة قرار لا بد من اتخاذه» ويرفع بصره لينظر 
الى السماء الملبّدة بالغيوم من وفق رأسه. 

- اظنها ستمطر. سنأوي الى فندق السفينة. 

وهكذا وقف سام» الاكثر غين بالالف حنيه إنكليزي الى لم يمتلكهاء بضع 
يحرها حصان واحد. اظهر تشارلز قلقا واضحاء واحيرا ربطت حقيبة السفر الكبيرة 
ومثل كل شيء بين يديه. 

- اظني سأرتاح قليلا يا سام بعد رحلة القطار اللعينة. هل ستهتم بامر 


الامتعة؟ 

غار قلب سام. 

- بكل احترام يا سيد تشارلز لن افعل ذلك. فالغيوم توشك ان تتفجر. 

- لن يؤذيي قليل من المطر. 

بلع سام ريقه» وانحن. 

- نعم يا سيد تشارلز. افي وسعي اصدار الامر باعداد الطعام؟ 

- نعم... اي... سأرى ذلك عندما اصل. رما احضر صلاة المساء في 
الكاتدرائية. 

انطلق تشارلز يرتقي التل في اتحاه المدينة. راقبه سام مكتعبا برهة وجيزة ثم 
التفت الى الحوذي. 

- ايه؟ اسمعت بفندق اسرة انديكوت؟ 

- نعم. 

- اتعرف اين هو؟ 

انع 


- حسنا. حذن الى فندق السفيدة فرعا يطرق سمعك شيء يفيدك ايها 
الرحل. 

ركب سام العربة باعتداد مناسب بالنفس وسرعان ما تحاوزت هذه تشارلز 
الذي كان يسير سيرا وئيدا كأنه يتمشى لاستنشاق الحواء الطلق. غير انه حث 
خطاه حالما توارت العربة عن الانظار. 


360 


كان سام يملك الكثير من الخبرة في التعامل مع الحانات الريفية الحادئة. 
انزلت الامتعة» واختيرت افضل الغرف» واشعل الموقد» ووضعت ملابس النوم 
في مكانها اسوة ببقية الحاحيات؛ كل ذلك في سبع دقائق. ثم حرج يخطو خخطوات 
واسعة صوب الشارع حيث كان الحوذي في الانتظار. وحدثت رحلة اخرى 
قصيرة. نظر سام وهو في داخل العربة نظرة حذرة من حوله ثم ترحل ونقد الحوذي 
احرته. 

- اول منعطف الى اليسار يا سيدي. 

- شكرا لك يا رحل. هذه اكراميتك. 

ومنح الحوذي اكرامية تافهة حى في مفهوم اكستر لضآلتها ثم نكس قبعته من 
فوق عينيه وغاب في الظلمة. وفي منتصف الشارع الذي سار فيه وفي مواجهة 
الشارع الذي اشار اليه الحوذي» شاهد الكنيسة الميثودية منتصبة بأعمدقا المهيبة. 
وتسل المخبر السري وراء احد هذه الاعمدة. كان الوقت بداية الليل الذي هبط 
مبكرا من تحت السماء السوداء الرمادية. 

لم يضطر سام الى الانتظار طويلا. فقد وثب فؤاده لمرأى شخص طويل القامة 
يبدو للعيان. خاطب الشخص صبيا صغيرا وهو حائر على ما يظهر. وسرعان ما 
قاد الصبي الشخص الى الركن القريب من سام» واشار الى المكان اشارة اكسبته 
اكثر من بنسين» افصحت عنها ابتسامته العريضة. 

توارى ظهر تشارلز عن الانظار» ثم توقف ورفع بصره الى الاعلى؛ سار بضع 
حطوات الى الوراء صوب سام. ثم استدار كأنه نافد الصبرء ودخل احد البيوت. 
تسلل سام من وراء عموده» وهبط السلا م» وعبر الشارع الذي يوحد فيه فندق 
اسرة انديكوت. انتظر برهة قرب الناصية» غير ان تشارلز لم يظهر ثانية. ازداد سام 
شجاعة؛ وسار على امتداد حدار المستودع المواحه لصف من البيوت. ووصل الى 
نقطة يستطيع منها مشاهدة رواق الفندق. كان الرواق خاليا كما كان عدد من 
الغرف مضيئا. مرت حمس عشرة دقيقة وعندئذ افهمرت الامطار. 

عض سام اظافره برهة وجيزة وقد انتابته الافكار الجاحة. ثم بدا يحث حطاه 


مبتعدا. 


361 


46 





اه رغم ذلك عندما يكون كل شيء قد تم التفكير فيه وقیلء 
لا يزال القلب يهيمن على الرأس» 

ولا يزال ما نأمله واجب التصديق: 

وما تُعطى اياه واجب الاخذء 


لا يزال يتحتم علينا التصديق» لاننا لا نزال نأمل 
بأن في عالم اكثر اتساعاء 

ما بُدئ هنا باخلاص 

سيكمل دون تعطيل. 


لا بد لنا يا طفلتي من التفكيرء اذ عندما 
نرى معا تلك الحياة الاوسعء 
لما نحن عليه؛ معاء هنا. 
اي. إتش. كلف قصيدة 1849 


تردد تشارلز في الرواق الرثء ثم طرق باب احدى الغرف وكان مفتوحا 
قليلا ينبعث منه الضوء. طلب اليه الدحول فوجد نفسه في مواجهة صاحبة الفندق. 
قبل ان يتمكن من تقديرها بلمحة نظر» اسرعت هي بتقديره: لا ريب انه نزيل 
يبحث عن غرفة اجرهًا خمسة عشر شلنا. لهذا ابتسمت ابتسامة عرفان. 


- غرفة يا سيدي؟ 

- لا. اني... اني ارغب في الحديث الى احدى... الى انسة تدعى وودراف. 

سرعان ما انقلبت ابتسامة السيدة انديكوت الى عبوس. فانخلع قلب تشارلز. 

- اها ليست... 

- اه» السيدة الشابة المسكينة. لقد هبطت الى الطابق السفلي يوم اول امس 
صباحاء ثم زلت قدمها يا سيدي. لقد لوت كاحلها على نحو رهيب. وتورم حي 
بات كالعظم الكبير. اردت استدعاء الطبيب يا سيدي» الا انها رفضت ذلك. 


362 


صحيح ان الكاحل الملتوي يعود الى حالته الطبيعية دون علاج. كما ان اجرة 
الاطباء باهظة. 

نظر تشارلز الى طرف عصاه. 

- اذا لا يمكنيئ ان اراها. 

- اوه. يا الله؟ في وسعك ان تصعد الى الطابق العلوي يا سيدي. 

وسيرفع ذلك من معنوياتقا. افي وسعي القول انك احد اقربائها؟ 

- اني مضطر الى رؤيتها في مسألة عمل. 

ازداد احترام السيدة انديكوت. 

- أه... محام؟ 

تردد تشارلز, ثم قال: 

- نعم. 

- عليك ان تصعد اذا يا سيدي. 

- اظن... هلا اخحبرتها ان كان الافضل تأحيل زيار حى تشفى؟ 

شعر بارتباك تام. وتذكر فارغون. الخطيئة تقع في السر. لقد جاء للاستفسار لا 
اكثرء وكان يأمل في لقائها في حجرة في الطابق السفلي - في مكان ماء اليف وعام. 
ترددت المرأة العجوزء والقت نظرة سريعة على صندوق مفتوح قرب الحزء العلوي 
الاسطواني من المكتب» وقررت على ما يبدو ان الحامين انفسهم ريما كانوا لصوصا؛ 
وهو احتمال من شأنه الا يكون موضع خلاف عند الذين يضطرون الى الحصول على 
احرتهم. وصاحت دون ان تنحرك من مكافها وبصوت قوي منادية فتاة تدعى بق ال. 

ظهرت بيق الا للعيان» وارسلت وهي تحمل بطاقة زيارة. احتفت بعض 
الوقت تعيّن في خلالها على تشارلز ان يبعد عددا من الحاولات الاستفزازية لمعرفة 
مهمته. واخيرا عادت سيق اء وطلبت منه الصعود الى الطابق العلوي. سار من 
وراء الخادمة البدينة صرب الطابق العلوي» ودلته على مكان الحادثة. كانت 
السلالم شديدة الانحدار بلا ريب. ويي تلك الايام» كانت النسوة يتعرضن الى 
السقوط دوما حيث لم يكن في استطاعتهن حى رؤية موضع اقدامهن. 

وصل الى احد الابواب في هاية ثمر كئيب. واعلن عن وصول تشارلز على 
نحو حاف في حين شرع قلبه يدق اسرع مما تطلبته السلا م الشديدة الانخدار. 


363 


- السيد يا انسة. 

خطا داخل الغرفة. كانت سارة تحلس قرب الموقد وفوق كرسي قبالة الباب» 
واضعة قدميها فوق كرسي بلا مساند وغطتهما وغطت ساقيها كذلك ببطانية 
ويلزية حمراء اللون. كان اللفاع الاحضر يحيط كتفيهاء غير انه يخحف حقيقة اها 
كانت ترتدي قميص نوم بكمين طويلين. كان شعرها منسابا فوق كتفيها 
الخضراوين. تبدّت له اكثر ضآلة؛ حجلة على نحو مدمّر. لم تبتسم. بل اطرقت 
ونظرت الى يديهاء بعد ان القت نظرة حاطفة عند دحوله اول مرة كأفا تائبة 
حائفة» واثقة من غضبه. قبل ان تحئ رأسها ثانية. وقف وهو يحمل قبعته بيد 
وعصاه وقفازه بيده الاخرى. 

- كنت مارا ببلدة اكستر. 

احنت رأسها على نحو اشد من السابق بمزيج من الفهم والخجل. 

- اليس الافضل لي الذهاب واستدعاء طبيب؟ 

قالت وهي تنظر الى حضنها: 

- لاء ارحوك. فمن شأنه ان ينصحئ بعمل ما عملته توا. 

۾ يتمكن من تحويل بصره عنها - بعد ان شاهدها مقصوصة الحناحين, 
مريضة على هذا النحو (على الرغم من ان وجنتيها كانتا شديدت الا مرار)» 
يائسة» وبعد ذلك الرداء النيلي الخالد - اللفاع الاحضرء ذلك الشعر الغزير الذي 
لم يكشف على هذا النحو من قبل. وتسللت الى منخري تشارلز رائحة مرهم 
باهتة. 

- الا تتألمين؟ 

هزت رأسها نافية. 

- ان اقدامي متعودة على ارتكاب مثل هذا العمل... لا ادري كيف تعين 
على ان اكون غبية هكذا. 

- على اي حال» اشكري الله ان ذلك لم يحدث عند الجرف. 

جي 

لاحت مرتبكة تماما بسبب وجوده» فاختلس نظرة الى ارجاء الغرفة الصغيرة. 
كانت النار تنبعث من الموقد وكانت هناك بعض سيقان زهور النرحس في قدح 


364 


توبي فوق حافة الموقد. غير ان حقارة الاثاث كانت واضحة على نحو مۇم 
وكانت الما مضافا. وكان السقف ملطخا ببقع من دخان منبعث من المصباح 
الزيي» شأنه في ذلك شأن الكثير من البقايا الشبحية للكثير من شاغلي الغرفة في 
الماضي. 

اوها ينيعي ل 

- لاء ارحوك. تفضل بالجلوس. سامحين. فانا... انا... م اتوقع... 

وضع حاجياته فوق صوان الثياب» وجلس على الكرسي الخشبي الوحيد 
الاحر قرب للمنضدة في الجهة الاخرى من الغرفة. كيف يتعين عليها ان تتوقع 
الشيء الذي استبعده تماما على الرغم من رسالتها؟ حاول ان يجد عذرا ما. 

- لقد ارسلت عنوانك الى السيدة ترانتر؟ 

هرت رأسها نافية. صمت» حملق تشارلز في السجادة. 

- ارسلته الي فقط؟ 

احنت رأسها ثانية. فأومأ بدوره كأنه فطن لذلك. ثم خيّم الصمت من 
حديد» في حين ضربت زحة مطر غاضبة الواح النافذة من ورائها. 

قال تشارلز. 

- هذا ما اتيت للحديث عنه. 

اتتظرتء الا انه لم يواصل كلامه. مرة اخرى تُتَبَت عيناه على عينيها. كان 
قميص النوم مزررا حي الرقبة وعند الرسغين. واكتسى لونه الابيض بلون وردي 
تحت ضوء الموقد اذ لم يكن ضوء المصباح فوق المنضدة القريبة منه ساطعا جدا. 
وكان شعرها الذي يعززه اللفاع الاخضر مفعما بالحيوية في الاماكن ال يسقط 
عليها ضوء الموقد» كان غموضها كله. هذه الذات الحميمة جداء قد تكشفت 
قبالته: متكبرة ومستسلمة» مقيّدة وطليقة» عبدة ونديدة. كان يعرف سبب بحيئه: 
لرؤيتها ثانية. كانت رؤيته اياها ضرورة» مثل ظمأ لا يحتمل لا بد من اروائه. 

ارغم نفسه على ان يشيح بوجهه. غير ان عينيه ابصرتا الحوريتين العاريتين 
المسصنوعتين من الرخام والموضوعتين فوق حافة الموقد. واكتست الحوريتان ايضا 
بلون وردي بفعل الضوء الدافئ المنبعث من البطانية الحمراء. ل يقدما له اي عون» 
وتحركت سارة قليلا ثما دفعه الى النظر اليها ثانية. 


365 


كانت قد رفعت يدها بسرعة الى رأسها انحجى» ومسحت اصابعها شيئا ما 
عن وجنتهاء ثم استقرت فوق حنجرقا. 

- ارحوك لا تبكي يا عزيزت الانسة وودراف... ما كان ينبغي لي الجيء... 
لم اقصد.. 

غير اها هرت رأسها بحماسة مفاجئة. منحها بعض الوقت لتستعيد وضعها. 
وقي حين كانت تمسح .منديلها استبدّت به رغبة جنسية عارمة» شهوة اكبر الف 
مرة من اي شيء راوده في حجرة المومس. لعل بكاءها الضعيف هو الاختراق 
الذي ولدت منه المعرفة؛ الا انه ادرك فجأة سبب استحواذ وجهها عليه» وسبب 
شعوره يذه الضرورة المائلة لرؤيتها ثانية: كان يريد امتلاكهاء ان ينصهر فيهاء ان 
يحترق» ويحترق ويحترق حن يتحول الى رماد في ذلك الجسد وفي تلك العينين. من 
المكن تأجيل مثل هذه الرغبة اسبوعاء شهرا سنة» بل حي بضع سنوات» اما الى 
الابد فهو ما لا يطاق. 

قلما تناهت الى السمع كلماتا التالية ال ارادت ها تفسير دموعها. 

- ظننت اني لن اراك ثانية. 

م يستطع ان يخبرها الى اي مدى اقتربت من حقيقته. رفعت بصرها اليه 
وسرعان ما خفضته. وعصفت به تلك الاعراض الغامضة الخاصة بالغثيان الي 
مرت به في مخزن الغلال. تسارع نبض قلبه» وارتعشت يده. وعلم انه لو نظر الى 
تلك العينين لضاع. فاغمض عينيه كأنه يريد حظرهما. 

كان الصمت الذي اعقب ذلك رهيباء متوترا مثل حسر يوشك ان ينشطر» برج 
يوشك ان يهويء لا يحتمل لما فيه من عواطف» حقيقته تنفجر كأنها تريد الكلام. 
وفجأة تساقط بعض الفحم من الموقد. وقد سقط في معظمه فوق الحافة الواقية 
المنحفضة» غير ان قطعة او قطعتين وثبتا فوق حافة البطانية الي كانت تغطي ساقي 
سارة. وسرعان ما هزت قدميها في حين جثا تشارلز سريعا وامسك الحرفة الصغيرة 
الملرحودة في الدلو النحاسي. واعيد الفحم المتساقط فوق السجادة الى مكانه على 
جناح السرعة. الا ان البطانية احترقت ببطي» فامسك هاء وطرحها بعيدا فوق 
الارض» واطفأ الشرر. امتلات الغرفة برائحة الصوف الحترق حرقا حفيفا. كانت 
احدى ساقي سارة فوق الكرسي الصغيرء اما الساق الاخرى فوضعتها على الارض. 


366 


كانت قدماها عاريتين. نظر الى اسفل صوب البطانية» واطمأن الى عدم وجود اي 
جمرات بأن ضرها بيده ضربة او ضربتين» ثم التفت» ووضعها ثانية فوق ساقي سارة. 
كان منحنيا على مقربة منها وهو ينظر الى الترتيب. وهنا امتدت يدها على استحياء» 
واستراحت فوق يده بحركة غريزية لم تستطع ان تحسبها. كان يعرف انها تنظر اليه. م 
يتمكن من تحريك يده. وفجأة لم يستطع ان يبعد عينيه عن عينيها. 

نمة عرفان فيهماء وكل الحزن القديم, وقلق غريب» كأنها كانت تعلم انها 
تؤذيه. الا انها قبل كل شيء» كانت تنتظر. حجلة الى ما لا فاية» لكنها منتظرة. 
لو بانت على شفتيها ابتسامة واهنة» لتذكر ريا نظرية الطبيب غروغان. غير ان 
هذاالوحه لاح مندهشا تام الدهشة» ضائعا مثلما هو ضائع. لم يعرف الى اي 
مدى ظل كل واحد منهما ينظر في عي الاخر. دهرا كاملا على ما يبدو؛ على 
الرغم من انها ليست سوى ثلاث او اربع ثوان في الحقيقة. ا همكت ايديهما اولاء 
فتشابكت الاصابع على نحو غامض» ثم خر تشارلز على احدى ركبتيه» وضمها 
بوله الى صدره. التقى الفمان بعنفوان جامح صدم كل واحد منهماء وجعلها تبعد 
شفتيها. غمر وحنتيهاء عينيها بالقبلات. واخيرا لمست يده ذلك الشعر» وداعبته» 
تحسست الرأس الصغير من خلال نعومته مثلما كان يتحسس جسدها ذي الملابس 
الخفيفة تحت ذراعه وصدره. وفجأة دفن وحهه في رقبتها. 

- يحب الا... يجب الا.. هذا جنون. 

غير ان ذراعيها احاطتا به» وضغطت على رأسه اكثر. لم يتحرك. شعر انه 
محمول على اجنحة من نار» مندفعاء لكن في مثل هذا الحواء الرقيق» اشبه بطفل 
تحرر احيرا من المدرسة» سجين في حقل احضرء صقر محلق. رفع رأسه ونظر اليها: 
نمةعنففوان وحشي. ثم تبادلا القبلات ثانية. الا انه ضغط عليها بقوة جعلت 
الكرسي يندفع قليلا الى الوراء. شعر مما وهي بحفل من الالم عندما هوت قدمها 
المربوطة بالضماد من فوق الكرسي. نظر الى قدمهاء ثم الى وجههاء الى عينيها 
المغمضتين. اشاحت بوجهها بعيدا صوب مؤخرة الكرسي» كأنه اثار نفورهاء بيد 
ان صدرها ظهر وهو يتقوس على نحو يتعذر ادراكه باتحاهه في حين تشبثت يداها 
بيديه على نحو مصحوب بالتشنج. القى نظرة سريعة الى الباب من ورائها؛ ثم وقف 
وخطا حطویتن حى بات الى جانبه. 


367 


لم يكن ليضيء حجرة النوم سوى ضوء الغسق ومصابيح الشارع الضعيفة في 
الجهة المقابلة. بيد انه شاهد سرير النوم الرمادي والمغسلة. وقفت سارة مرتبكة عند 
الكرسي» واسندت نفسها الى ظهرهاء ورفعت القدم المصابة عن الارض في حين 
هوی احد طرق اللفاع عن كتفها. كان كل واحد منهما يعكس العنفوان المستبد 
في عسي الثاني» يعكس الطوفان» الانحراف امامه. وبدت وهي تخطو نصف حطوة 
وتوشك ان تسقط وهي تسير نحوه. قفز من مكانه الى الامام وطوقها بذراعيه. 
سقط اللفاع فوق الارض. لم يبق بينه وبين جسدها العاري سوى غلالة رقيقة. 
ضم ذلك الجحسد بقوة الى صدره» ضاغطا فمه فوق فمها بكل ما لديه من جوع 
سببه الاحباط الطويل - ليس جوعا جنسيا فقط» بل جوع سببه تيار لا يمكن 
السيطرة عليه من اشياء محظورة» من الرومانسية» المغامرة» الخنطيئة» الجنون» 
الحيوانية» كل هذه الاشياء تدفقت تدفقا وحشيا قي اعماقه. 

هوى رأسها الى الوراء بين ذراعيه كأنها قد اغمي عليها عندما رفع اخيرا شفتيه 
عن فمها. رفعها قليلا الى اعلى ثم حملها الى حجرة النوم. فاستلقت حيث وضعها فوق 
السرير» مغميا عليها تقريبا واحدى ذراعيها الى الوراء. امسك يدها الاحرى وقبلها 
بحرارة بالغة. فداعبت وجهه. حذب نفسه وهرول الى الحجرة الاحرى. شرع يخلع 
ملابسه على نحو اهوج» سريع» كأن شخصا ما يغرق وهو واقف عند الضفة. انخلع 
احد ازرار سسترته» وتدحرج صوب احد اركان الغرفةء الا انه لم ينظر حن ليعرف 
المكان الذي وصل اليه. حلع صدريته» حذاءه» حوربيه» سرواله ولباسه الداخلي... 
مشبك رباطه اللؤلؤي ورباطه. اختلس نظرة الى الباب الخارحي» ثم ذهب ليقفل الباب 
بالمفتاح» وتقدم عاري الساقين لا يرتدي سوى قميصه الطويل داحل عرفة النوم. 

كانت قد تج ركت قليلاء اذ كان رأسها فوق الوسادة الان» على الرغم من 
انه في الجزء الاعلى من السرير ووجهها الى احد الجانبين لا يتمكن من رؤيته 
بسبب خصلة داكنة من شعرها. وقف يراقبها لحظة وهو متأحج العاطفة... 

- اوهء يا عزيزي. اوه يا عزيزقء» يا ملاكي الحبيب... سارة... سارة... 
اوه يا سارة. 

استلقى ساكنا بضع لحظات. مرت تسعون ثانية نماما منذ ان تر كها ليتفحص 
غرفة النوم. 


368 


47 





ابتعد عناء كما ابعدت ديدو" باشارة صارمة 
صديقها الخادع في حادس!!1) 
اطردنا بعيداء واحتفظ لنفسك بالانعزال! 
ماثيو ارنولد: الغجري التلميذ 1853 


صمت 

استلقيا كأهما مشلولان بسبب فعلتيهما. متجمدين في الخطيئة» متجمدين 
بالنشوة. كان تشارلز اشبه عدينة ضربت من اعلى السماء الحادئة بقنبلة ذرية؛ اذ ل 
يشعر بحزن رقيق ينتابه اثر الجماع؛ بل شعر برعب شامل على الفور. لقد دمر كل 
شيء تدميرا تاماء كل المبادئ» كل المستقبل» كل الابمان» كل العزم الشريف. الا 
انه على الرغم من ذلك ظل على قيد الحياة» فهو يستلقي في احضان حياته العذبة» 
انه الرجل الاخير الذي بقي حياء المعزول الى ما لا فهاية... غير ان الاشعاع 
الراديوي بالذنب سرعان ما بدا يزحف» يزحف في اعصابه وعروقه. وقي الظلال 
النائية» كانت ايرنستينا تقف محملقة بحرن اليه. اما السيد فريمان فضربه على 
وجحهه... الى اي حدّ تحمدا في مكانيهماء متصالبين بحق» ينتظران دون حراك. 

تمرك قليلا ليخلص سارة من ثقله, ثم ولاها ظهره كي تستطيع ان تضطجع 
مستندة اليه ورأسها يتكئ على كتفه. حملق في السقف. يلها من فوضىء يلها من 
فوضى يصعب التعبير عنها! 

قرها اليه اكثرء فمدت يدها على استحياء وطوقته» توقف المطر. وقع اقدام 
ثقيلة» بطيئة, محسوبة» مرت في مكان ما من تحت النافذة. رما ضابط شرطة. 
القانون. 
(110) ديدو: ملكة قرطاجة في انياذة فرجيل التي تضيف اينيس بطل الانياذة وتقع في غرامه 


لكنه يخدعها ويرحل عنها فتنتحر لدى رحيله. (المترجم) 
(111) حادس: العالم السفلي اي مثوى الاموات في الميثولوجيا الاغريقية. (المترجم) 


3069 


قال تشارلز. 

- انا اسوأ من فارغون. 

كان جواها الوحيد الضغط على يده كأفا تنكر ذلك وتريد اسكاته الا انه 
رحل. 

- ما الذي سيحدث لنا؟ 

- لا استطيع التفكير في ما وراء الساعة هذه. 

ضغط على كتفيها ثانية» وقبل جبينهاء ثم حملق ثانية في السقف. كانت في 
ريعان الصبا الان» في غمرة النشوة. 

- لا بد لي من فسخ حطوبي. 

- لا اطلب منك اي شيء. فانا لا استطيع ذلك واللوم يقع علي. 

- لقد حذرتي. لقد حذرتي. انا الذي اتحمل اللوم كله. كنت اعلم لما اتيت 
الى هنا... اخترت ان اكون اعمى. وضعت كل التزاماي ورائي. 

عمعمت. 

- لقد رغبت في ذلك. 

قالتها بحرن ثانية. 

- لقد رغبت في ذلك. 

مسد شعرها برهة وجيزة» فسقط على كتفهاء وحههاء ساترا اياها. 

- سارة... انه اجمل الاسماء. 

م تحب. مرت دقيقة ويده تصقل شعرهاء كأما طفلة. غير ان ذهنه كان في 
مكان اخر. فقالت اخيرا كأهها احست عا يدور فيه. 

- اعلم انك لا تستطيع أن تتزوجيي. 

- لا بد من ذلك. فانا ارغب في الزواج. ا و 
اذا لم افعل ذلك. 

- كنت شريرة. طالما تخيلت طويلا يوما كهذا. انا لا اصلح زوحة لك. 

- يا عزيزي.. 

- ان مكانتك في العالم» اصدقاءك» و... وهي؛ اعرف انما لا بد ان تكون 
هائمة بك. كيف تسن لي الا اعرف مشاعرها؟ 


370 


- الا اني لم اعد احبها بعد الان! 

تركت حماسته تتلاشى في الصمت. 

- انها حديرة بك. اما انا فلست كذلك. 

اخيرا شرع يدرك ما تقول. تركها تلتفت ثم نظرا من خلال الضوء الخافت 
في الخارج الى عيين بعضهما بعضا الظليلتين. كانت عيناه تمتلئان رعباء اما عيناها 
فكانتا هادئتين تبتسمان ابتسامة شاحبة. 

- لا يمكنك ان تعن ان علي الانصراف» كأن لا شيء قد حدث بيننا. 

قل نينا الا انه قرأ في عينيها ما كانت تعنيه. رفع نفسه قليلا واتكأ على 
مرفهه. 

- لا يمكنك ان تغفري لي الى هذا الحد. او تطلبي مثل هذا الطلب اليسير. 

دفنت ای ف الوسادة: عيناها تنظران الى مستقبل مظلم. 

لم لا ان كنت احبك؟ 

ضِمّها الى صدره. وترقرقت الدموع في عينيه لفكرة مثل هذه التضحية. يا له 
من ظلم الحقه ها هو نفسه وغروغان. اها انسان انبل من كليهما. احتاح تشارلز 
احتقار حارف لبي جنسه: لتفاهتهم» لسذاجتهم» لانانيتهم. الا انه ينتمي الى ذلك 
الجنس. وقد حل به شيء من جبنهم المراوغ الموغل في القدم: الا يمكن ان تكون 
هذه لذته الاخيرة؟ الانغماس الاخير في هو الشباب وعبثه؟ غير انه ما ان فكر في 
ذلك حي شعر انه اشبه بقاتل احلي سبيله لخطأ فى في قضية الدعوى. في الامكان 
ان يقف طليقا حارج قاعة المحكمة»ء الا انه مذنب الى الابد في اعماقه. 

- اشعر اني غريب عن نفسي تماما. 

- شعرت بنفس الشعور. وهذا سببه اننا ارتكبنا الخطيئة. ولا نستطيع ان 
نصدق اننا احطأنا. 

تكلمت كأفا تحدق الى ليل لا اية له. 

- كل ما اتمناه لك هو السعادة. اعرف الان انك يوما ما احببتي حقا. 
استطيع ان اسمع... ان اسمع اي فكرة... سوى انك مُت. 

رفع نفسه قليلا ثانية» والقى نظرة اليها. كانت ثمة ابتسامة شاحبة في عينيهاء 
معرفة عميقة؛ اجحابة روحية او نفسية لمعرفته اللجسدية اياها. م يشعر يوما ما انه 


3/1 


قريب هكذاء وعلى وفاق مع امرأة. انحن وقبلها قبلة نابعة من حب بريء اكثر من 
ذلك الحب الذي بدأ يعلن عن نفسه ثانية» عند الاتصال العاطفي بشفتيهاء وني 
اعماقه. كان تشارلز يشبه الكثير من الرجال الفكتوريين. فهو لم يستطع حقا ان 
يصدق ان اي امسرأة نبيلة في عواطفها تستطيع ان تستمتع بكوها وعاء لشهوة 
الذكر. لقد عاب توا حبها له على نحو لا يرحم؛ يجب الا يحدث ذلك ثانية. 
والوقت - لح يعد يقوى على البقاء مدة اطول! فجلس منتصبا. 

- المرأة في الطابق السفلي... وهناك حادمي ينتظرن في الفندق. اتوسل اليك 
ان تمنحيين مهلة يوم او يومين» فانا لا استطيع التفكير عا سأفعله الان. 

اغمضت عينيها. وقالت. 

- لست جديرة بك. 

تفرس فيها برهة وجيزة» ثم غادر السريرء واتحه صوب الحجرة الاخرى. 

هناك ضربته صاعقة! 

ففي حين كان ينظر الى اسفل وهو يرتدي ثيابه لاحظ وجود لطخة حمراء 
في اسفل الطرف الامامي من قميصه. وفكر برهة ان لا بد قد جرح نفسه الا انه لم 
يشعر بأي الم. تفحص نفسه سريعاء ثم امسك بالحزء العلوي من الكرسي وهو 
يحملق في باب حجرة النوم - لقد ادرك فجأة ما من شأن عاشق اكثر خبرة او اقل 
عنفوانا ان يدركه حالا. 

لقد فض بكارة عذراء. 

كانت هناك حركة في الغرفة من ورائه. كان في دوامة» مذهولاء الا انه على 
الرغم من ذلك» ارتدى ثيابه بعجالة مفرطة. وتناهى الى سمعه صوت ماء يرغ في 
حوض ورنة الخزف الصيئ عند انزلاق الصابونة. انها لم تستسلم لفارغون. لقد 
كذبت. كان سلوكها كله ودوافعها كلها في بلدة لام ريجيس قائمة على كذبة. 
لكن ما هو الحدف؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ 

ابتزاز! 

لوضعه تحت سيطرقا تماما. 

كل الشيطانات المسيطرات على استحلام الذكورء مخاوفهم من المؤامرة 
الانثوية الكبرى لامتصاص الرجولية من عروقهم» لافتراس مثاليتهم» صهرقم 


32 


وحولتهم الى شع وقولبتهم حسب اهوائهن الشريرة... هذه الافكار» وافكار 
العودة الى معقولية الدليل المخيف المقدم في دعوى لارونسييه ملأت ذهن تشارلز 
برعب لا يوصف. 

توقف صوت الغسيل المكتوم» وسمعت اصوات اخرى خفيضة؛ افترض اما 
عادت الى السرير. وقف يحملق في النار وهو بكامل ملابسه. كانت جنونة 
شريرة» طوقته باغرب شبكة... لكن لاذا؟ 

نمة صوت» التفت» وكانت افكاره مرتسمة في منتهى الوضوح على وجهه. 
كانت واقفة قرب عتبة الباب مرتدية ثوا النيلي القلتم وشعرها لا يزال مسترسلاء 
الا ان شيا من ذلك التحدي القدمم ظل يشوما: تذكر لحظة ذلك الوقت الذي 
صادفها فيه اول مرة وهي واقفة فوق تلك البقعة المطلة على البحر وحملقت فيه. لا 
بد انها عرفت انه قد اكتشف الحقيقة؛ مرة احرى توقعت بالتهمة الي تراود ذهنه 

كررت نفس كلمانا السابقة. 

- لست جديرة بك. 

فصدقها الان. وممس: 

فارغون؟ 

- لما ذهبت الى المكان الذي سبق ان احبرتك به في ويعاوث» كنت بعيدة 
قليلا عن الباب... وقد شاهدته يخرج بصحبة امرأة. امرأة من النوع الذي لا يحكن 
ان يخطئع به اي انسان. 

تحنبت النظر الى عينيه الثاقبتين. 

- تواريت قليلاء ولما انصرفاء غادرت المكان. 

- لکن لماذا قلت... 

ا صرب اا سكت لم تكن تعرج. لم يكن هناك اي كاحل 
ملتو. احتلست نظرة الى نظرته المنطوية على اهام حديد» ثم ولته ظهرها. 

- نعم. لقد حدعتك. الا اني لن ازعجك ثانية. 

- لكن ماذا... لماذا تعين عليك ان... 

مجموعة من الالغاز. 

373 


نظرت اليه وجها لوجه» في حين بدأت الامطار الغزيرة حارجا. كانت عيناها 
ثابتتين» وعاد اليها تحديها السابق» الا انها ظلت محتفظة بشيء رقيق» شيء يذكره» 
انه قد امتلكها توا. انها نفس المسافة البعيدة» لكنها مسافة اكثر رقة. 

- لقد منحتيْٰ سلوى الاعتقاد بانئي قد اكون زوحة لك في عالم احر, في 
عصر اخرء في حياة اخرى» لقد منحتي القوة لأواصل ا حياة... في هذا الزمان 
وهذا المكان. 

اقل من عشرة اقدام (ثلاثة أمتار) تفصل بينهماء الا انها تبدت مثل عشرة 
اميال. ظ 

- هناك شيء واحد لم اخدعك فيه. لقد احببتك... منذ اللحظة الاولى الي 
رأيتك فيهاء كما اعتقد. لم احدعك في هذا الامر قط. الشيء الذي خدعك هو 
عزلي. الازدراء» الحسدء لا اعرف. لا اعرف. 

ثم التفتت ثانية الى النافذة والى المطر. 

- لا تطلب مين ان اوضح ما فعلت» فأنا لا استطيع ان افسر ذلك. انه امر 
غير قابل للتفسير. 

حدق تشارلز الى ظهرها في اثناء الصمت المشحون. ومثلما شعر قبل قليل 
باحراف صوهياء شعر الان بانحراف بعيد عنها؛ وي كلتا الحالتين» تتحمل هي 
اللوم. 

- لا اقبل هذا الكلام. لا بد من تفسير. 

الا انها هرت رأسها بالنفي. 

- ارحوك اذهب الان. اني اصلي من احل سعادتك» ولن اقلقها ثانية قط. 

م يتحرك. بعد لحظة او لحظتين التفتت اليه» وقرأت على ما يتضح فكرته 
الغامضة مثلما كانت قد فعلت في السابق. كانت ملامحها هادئة» قدرية. 

- الامر كما اخحبرتك من قبل. اني اقوى مما قد يتصور اي رحل. وستنتهي 
حياتٍ عندما تقرر الطبيعة ذلك. 

تحمل رؤيتها بضع ثوان اخرىء ثم التفت صوب عصاه وقبعته. 

- هذه مكافأق» لقاء مساعدقء لقاء المغامرة بالشيء الكثير لكي... والان 
اعلم اني لست سوى مغفل من صنع نحيالك. 

374 


ا ركن ماق اله ول قد ان اتنس ن اي 
استطيع الا التفكير في سعادتك. لن تكون سعيدا معي. فانت لا تستطيع ان 
تتزوحي يا سيد ميثسون. 

كانت العودة الى النبرة الرسممية موجودة جدا. نظر اليها نظرة قاتلة» الا اها 
كانت قد ولته ظهرها كأنما توقعت ذلك. فتقدم خطوة صوها. 

- كيف تستطيعين مخاطبي على هذا النحو؟ 

م تقل شينا. 

- كل ما اطلبه منك هو ان تسمحي لي بأن افهم... 

اتوسل اليك. انصرف. 

التفتت اليه. ظهر الاثنان لحظة واحدة مثل مجنونين. اوشك تشارلز على 
الكلام» على ان يقفز الى امام» على ان ينفجرء الا انه دون تحذير» استدار على 
عقبيه» وغادر الغرفة. 


375 


48 





اعتقد بها حقيقة مع من غناها 
على انغام قيئارة واضحة متنوعة النغمات 
بأن البشر سينهضون من اجداثهم الميتة 
لاشياء بالغة السمو. 
تينيسون: احياء لذكرى 1850 


تظامر يممظهر رمي وهو يهبط السلال الى الرواق. كانت السيدة 
انديكوت واقفة قرب باب مكتبهاء فاغرة فاهاء توشك ان تتكلم. الا ان 
تشارلز مر من امامها وهو يقول على نحو مؤدب «شكرا لك يا سيدقي». ليلفه 
الظلام بعد ذلك قبل ان تتمكن من السؤال او ملاحظة افتقار سترته إلى احد 
الازرار. 

سار مبتعدا على نحو اعمى وسط زحة جديدة من المطر. ولم يلحظ تلك 
الزخة مثلما لم يلحظ المكان الذي يقصده. كانت رغبته العظمى هي الظلام 
الاحتفاء النسيان الذي يستعيد فيه الحدوء. الا انه توغل دون دراية في ذلك الحي 
السبئ السمعة في اكستر الذي سبق لي وصفه. وكما هو شأن معظم الاحياء السيئة 
السمعة» فقد كان هذا الحي يضج بالنور والحياة: بالحلات والحانات» بالناس 
اللائذين من المطر الى عتبات الابواب. سلك شارعا ينحدر انحدارا مفاجئا صوب 
فهر اكس وشاهد صفوفا من درحات ملطخة بالقاذورات على جانبي الساقية 
الوسطية المختنقة بالمياه. الا ان المكان هادئ. لاحت له عند فاية الشارع كنيسة 
صغيرة مشيدة بالحجارة الحمراء عند المنعطف. وعلى حين غرة شعر تشارلز بحاحته 
الى ملاذ. فدفع بابا صغيرا منخفضاً على نحو اضطره الى الانحناء قليلا كي يدحل. 
ثمة درجات ترتفع الى مستوى ارضية الكنيسة الي تعلو مستوى مدخل الشارع. 
وكان راعي الكنيسة الشاب يقف فوق قمة هذه الدرحات مخفضا وهج اخر 
مصباح ومندهشا هذه الزيارة المتأخرة. 

- اوشكت ان اقفل الباب يا سيدي. 


376 


- أفي وسعي طلب السماح بالصلاة بضع دقائق؟ 

زاد الراعي من وهج المصباح» وامعن طويلا في النظر الى هذا الزائر المتأخر. 
انه سيد نبيل. 

- بيت في الجهة الاخرى من الطريق. وهناك من ينتظرن ارجو ان تتكرم بقفل 
الباب نيابة ع واحضار المفتاح. 

انحن تشارلز في حين هبط راعي الكنيسة السلالم ووقف الى جانبه. 

- السبب هو الاسقف. في رأيي ان بيوت الله يحب ان تظل مفتوحة 
دوما. الا ان ادوات المائدة لدينا قيمة حدا. زمن عصيب هذا الذي نعيش 

هكذا وجد تشارلز نفسه وحيدا في الكنيسة. ومع صوت وقع خطوات 
راعي الكنيسة في الجهة الاخرى من الشارع» ثم اقفل الباب العتيق من الداحل» 
وارتقى الدرج صوب الكنيسة. انبعثت رائحة طلاء حديث في حين اضاء المصباح 
الغازي الوحيد على نحو واهن التذهيب الجديد. الا ان الاقواس القوطية العظيمة 
ذات اللون الاحمر المعتم اظهرت ان الكنيسة موغلة في القدم. حلس تشارلز في 
منتصف الممر الرئيس وحدق فوق المذبح: جثا على ركبتيه وتمتم بالصلاة. ثم 
تشبشت يداه بحاجز الصلاة قبالته. 

تفجر الصمت القاتم والفراغ حالما تفوه بكلمات الصلاة. وبدأ يؤلف دعاء 
خاصا يليق بظروفه: «اغفر لي يا الله بسبب انانيي. اغفر لي عصيان اوامرك. 
اغفر لي اغتصابي الفتاة. اغفر لي افتقاري الى العفة. اغفر لي عدم رضاي عن 
نفسي. اغفر لي افتقاري الى الابمان بحكمتك واحسانك. اغفر لي واهدي يا الله 
في محني». 

بفعل احدى التوريات البائسة الناجمة عن عقله الباطن المشوش برز وجه سارة 
امامه. مبللا بالدموع» معذبا...؛ وشاهدها في مدن كولار» وكوبلنز 
وكولون... واخحرى لا يتذكرها. شرد ذهنه ثواني معدودة بحثا عن اسم المدينة 
المنسية الي تبدأ بالحرف (سي). فض وجلس ثانية فوق المصطبة. ياها من كنيسة 
خحاوية:؛ صامتة! حملق» وحاول ان يستأنف دعاءه» لكن بلا فائدة. عرف انه غير 
مسمو ع» فأجهش بالبكاء فجأة. 


377 


ثمة احساس عميق بالعزلة» بجائزة محجوبة» ينتاب كل الناس سوى بعض الملحدين 
واللاأذريين الفكتوريين (يقود تلك النخبة المتطرفة برادلاف)12؟ رعا كانوا بين اصدقاء 
من هم على شاكلتهم يسخرون من حماقات الكنيسة» نعراتها الطائفية» اساقفتها 
الرفهين» كهنتها المخادعين» قساوستها المتغيبين“ ورعاا القليلي المرتبات ولاهوتّا 
الموغل في القدم وما اشبه... فبين قسوة عصرنا وخطيئتنا اقمنا صرحا هائلا من العون 
الغا ادان ك ةوطم اعمال لوالا کر عا 
اكثر قربا من تلك القسوة؛ وشعر الاذكياء والحساسون انهم شخصيا اكثر مسؤولية 
من غيرهم؛ وهكذا بات يصعبء في الازمة العصبية» رفض رمز الرحمة الشامل. 

لم يكن تشارلز في اعماقه يرغب في ان يكون لاأذريا. ولا لم تكن به حاجة 
البتة الى اي ايعان فقد تعلم ان يستغيئ عنه وهو سعيد تماما. اما عقله...» فقد اعلمه 
انه على حق في الاستغناء عن العقيدة. لكن ها هو الان على الرغم من ذلك لا 
ييكي من اجحل سارة بل من اجل عجزه عن مخاطبة الله. كان يدرك ان الاسلاك 
مقطعة في تلك الكنيسة المظلمة وان اي اتصال غير ممكن. 

انبعث صوت عال وسط الصمت. التفت ومسح عينيه باحد كميه. الا ان 
اي شخص حاول الدحول عرف فيما يبدو ان الكنيسة مغلقة الان؛ كان الجزء 
الرافض من تشارلز هو الذي خرج. وقف على قدميه» وشرع يذرع الممر الكائن 
بين المصاطب جحيئة وذهابا واضعا يديه وراء ظهره. شعر ان اسمماء وتواريخ 
منقرضة. البقية الباقية من حياتنا المتحجرة» تحدق به على نحو مستغلق من شواهد 


(113) تشارلز برادلاف (1833 - 11): مفكر بريطاني راديكالي متطرف وملحد نهج منهج 
فولتير وتوماس بين وعرف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدعوته الى 
الحريات الفردية. في الفترة الاخيرة من حياته عارض الاشتراكية وتحول الى الفكر 
المحافظ. (المترجم) 

(١‏ من الذي في وسعه ان يوجه اللوم لهم في حين يقدم رؤوساؤهم مثل هذا النموذج؟ لقد 
اشار راعي الكنيسة قبل قليل الى الاسقف وهو الدكتور فيلبوتس اسقف اكست - الذي 
اصبحت فيما بعد كل ديفن وكورنوول تحت رعايته - الذي يعد نموذجا لهذه الحالة. فقد 
قضى السنوات العشر الاخيرة من حياته في مسكن مريح في توركواي وقيل انه اساء ذات 
مرة لكاتدرائيته في اثناء ذلك العقد الاخير من الزمن. وكان اميرا مدهشا من امراء 
الكنيسة الانكليزية - كل جزء منه يوحي بالرجعية المولعة بالخصام والمشاكسةء ولم يمت 
الا بعد عامين من السنة التي نحن فيها الان. (المؤلف) 


38 


ب 


القبور المطمورة في الارض. لعل سيره جيئة وذهابا وسط هذه الشواهد, الاحساس 
الضثيل بالالحاد وهو يفعل ذلكء لعل الحظات يأسه الماضيه اعادت اليه في النهاية 
المدوء والصفاء. وبدأ حوار يدور بين نفسه الخيرة ونفسه الشريرة - او رعا بينه 
وبين ذلك الشخص المفروش الحناحين في الظلال في هاية الكنيسة. 

- من اين أبدأ؟ 

- ابدأ .مما فعلت يا صديقي. وتوقف عن التمئ بانك لم تفعله. 

- لم افعل ذلك. لقد دفعت الى فعله. 

- ما الذي دفعك الى فعله؟ 

- لقد حدعت. 

- ما هو القصد من وراء الخديعة؟ 

- لا ادري. 

- غير انك يجب ان تقرر. 

- لو كانت تحب حبا صادقا لما تركتئ اذهب. 

- لو كانت تحبك حبا صادقاء اكان في وسعها مواصلة خداعك؟ 

- ل تترك لي اي حيار. لقد قالت شخصيا ان زواجنا مستحيل. 

- ما المسوغ الذي قدمته؟ 

- احتلافنا في المركز الاحتماعي. 

دصي بيل: 

- ثم هناك ايرنستينا. لقد وعدقا وعدا صادقا. 

- لقد نكثته توا. 

- سأصلح ذلك. 

- بالحب؟ ام بالخطيئة؟ 

- لا يهم بايهما. الوعد مقدس. 

- اذا كان لا يهم ايهماء فلا يمكن للوعد ان يكون مقدسا. 

- واحبي واضح. 

- تشارلز» تشارلزء قرأت افكارك في العينين القاسيتين. الواحب ليس سوى 
دعاء»؛ وهو يحتوي على اي شيء تضعه فيه» بدءا بالشر المستطير وانتهاء بالخير العظيم. 

379 


- لقد تمنت ان ارحل. كان في وسعي رؤية ذلك في عينيها - انه الاحتقار. 

- افي وسعي احبارك ما الذي يفعله الاحتقار في هذه اللحظة؟ ان بكاءها 
يقطع نياط القلب. 

.- لا استطيع العودة اليها. 

- اتظن ان الماء قادر على غسل ذلك الدم من احشائك؟ 

- لا استطيع العودة اليها. 

- اكنت مضطرا الى لقائها في الجحرف ثانية؟ اكنت مضطرا الى التوقف هذه 
الليلة في اكستر؟ اكنت مضطرا الى الذهاب الى غرفتها؟ الى ترك يدها تستريح فوق 
يديك؟ اكنت... 

- اقر واعترف ممذه الاشياء! لقد احطات. الا اني وقعت في مصيدقا. 

- لم انت متحرر منها الان اذا؟ 

١‏ عبن شار شى خن اناق مص وشابك اصابعه بعنفوان 
متقدء كأنه يريد ان يحطم عظام اصابعه» .محدقاء محدقا الى الظلمة. الا ان الصوت 
الاحر ما كان ليسمح له بذلك. 

- رعا هناك شيء واحد تحبه اكثر منك يا صديقي. والشيء الذي لا تفهمه 
هو انما يجب ان تعطيك الشيء الذي تحبه اكثر لأنها تحبك حبا صادقا. سأخبرك 
عن سبب بكائها: لأنك تفتقر الى الشجاعة في اعادة هديتها اليها. 

- اي حق تملكه في تعذيبي عذابا شديدا؟ 

- اي حق تملكه في ان تولد؟ في ان تتنفس؟ في ان تكون ثريا؟ 

- ساعطي قيصر*'" ما ل... 

- او السيد فريمان؟ 

- تلك همة دنيئة. 

- او الي. اهذا هو وفاؤك؟ هذه المسامير الى تدقها في راحييٌ؟ 

- مع شديد احترامي؛ ايرنستينا ايضا ها راحتان. 

- اذا لنمسك واحدة ونقرأها. لا احد اي سعادة. انها تعلم انك لا تحبها حبا 
صادقا. انها خدوعة. ليس مرة واحدة» بل مرات ومرات» في كل يوم من ايام الزواج. 


(114) اشارة الى نصيحة يسوع للناس ان يعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. (المترجم) 
380 


وضع تشارلز يده فوق الحاحز قبالته» ودفن رأسه فيه. شعر انه في معضلة 
متمثلة في تيار من التردد: الواضح تقريباء ليس السلبي بل الفعًالء الذي يدفعه 
الى الامام» صوب مستقبل يختاره التردد لا هو. 

- فتش عن قلبك يا تشارلز المسكين. عندما اتيت الى هذه المدينة ظننت - او 
ليس كذلك؟ - انك ستثبت لنفسك انك لست بعد في سجن مستقبلك. الا ان 
المرب ليس هو الفعل الوحيد يا صديقي. في كل دقيقة ينتظر المسمار من سيدقه. 
وانت تعلم ما هو خيارك. ابق في السجن» في المكان الذي يدعوه عصرك الواحب» 
الشرف» احترام الذات وعندئذ تكون مطمئن البال. او كن حرا. رفاقك 
الوحيدون هم الحجارة» الاشواك» الظهور المذبرة» صمت المدن وحقدها. 

- انا ضعيف. 

- بل حجل من ضعفك. 

- ما الفائدة الى ستحققها قوت للعام؟ 

لا جواب. غير ان شيا ما جعل تشارلز ينهض عن المصطبة. وينظر من 
احدى النوافذ الخشبية الى... فوق المذبح» وبعد تردد تقدم داحل الباب الوسطي 
واحتاز مقاعد الجوقة ومن ثم الى الدرج المؤدي الى منضدة المذبح... . 

ظهر وهو واقف ف مكانه كأنه يشاهد حمل عصره» هما فيه من حياة 
مضطربة» حقائق ثابتة» اعراف صارمة» عواطف مكبوتة وفكاهة ظريفة» علم حذر 
ودين غير حذر» سياسات فاسدة وطبقات غير قابلة للتغيير» مثل العدو المائل الخفي 
لكل لوعته الدفينة. ذلكم هو الشيء الذي خدعه» وهو بلا حب ولا حرية... 
تلكم هي الحلقة المفرغة الي استبدّت به» ذلكم هو الاحفاق» الضعف» السرطان» 
المثلب الاساس الذي اوصله الى ما كان عليه: ترددٌ اكثر منه واقع» حلم اكثر منه 
انسان» صمت اكثر منه كلمةء عظمٌ اكثر منه فعل. ومتحجرات! 

اصبح مثل ميت بي حين لا يزال على قيد الحياة. 

انه اشبه ما يكون قد وصل الى هوة لا قرار ها. 

شيء ما احر: ثمة احساس غريب ينتابه منذ ان دحل تلك الكنيسة - وهو ليس 
احساسا خاصا بتلك الكنيسة بل حسًا داحليًا ينتابه كلما دحل الكنائس الخالية - بانه 
ليس وحيدا. ثمة حشد من المصلين يقف من ورائه. التفت ونظر الى صحن الكنيسة. 


381 


صمت. مقاعد شاغرة. 

فكر تشارلز: لو كانوا حقا موتى» لو لم تكن هناك حياة بعد الموت» لاذا 
ينبغي لي ان اهتم بوجهة نظرهم في؟ ليس في وسعهم ان يعرفواء ليس في وسعهم 
ان يقرروا. 

ثم وب وثبته الكبرى: انهم لا يعرفون» فليس في وسعهم ان يقرروا. ان ما 
كان يرمي به جانبا كان قد استبد عصره وألحق به ضررا بليغا. وقد اوضح ذلك 
كل الايضاح تينيسون في المقطع الخمسين من قصيدة (احياء لذكرى”" ارثر هنري 
هالم) اصغ له: 


ام حقا ان يكون الموتى 

على مقربة مناء الى جانبنا؟ 

اليست ثمة حسة ينبغي لنا احفاؤها؟ 
ولا رذيلة داخلية نخشاها؟ 


هل الذي اسعى من اجل استحسانه» 
والذي بجلت كل التبجيل تأنيبه» 
يرى بعين واضحة بعض العار الخفي 


واحظى انا بحبه؟ 


ان اظلم القبر.مخاوف غير صحيحة: 
ايلام الحب لافتقاره الى الايمان؟ 
لا بد من حكمة بالموت العظيم 
سيتفخصي الموتى مرارا عن كثب. 


(115) (احياء لذكرى ارثر هنري هالم): رائعة الفرد لورد تينيسون (1809 - 1892) التي 
كتبها حزنا على موت صديقه المفاجئ ارثر هالم وهو في الثانية والعشرين من عمره 
وكان موته سببا دفع الشاعر الى الشك في معنى الحياة ودور الانسان في الكون. 
(المترجم) 


382 


كن قريبا منا عندما نسمو او نموي 
انت تراقب» كالاله» الساعات المنصرمة 
بعينين احريين أكبر من عيوننا 

وتغفر ما نقترفه جميعا من هفوات. 


«لا بد من حكمة بالموت العظيم» سيتفحصي الموتى مرارا عن كثب». ثار 
كيان تشارلز كله ضد هذين الافتراضين» ضد هذه الرغبة المخيفة للعودة الى 
المستقبل» بعينين مثبتتين على اسلاف المرء المتوفين بدلا من ابناء المرء غير المولودين 
بعد. كان هذا الامان السابق بحضور الماضي حضورا شبحيا قد دانه - دون معرفة 
منه البتة - وحكم عليه بقضاء حياته في القبر. 

على الرغم من ان هذه الافكار تبدو مثل قفزة صوب الالحاد... إلا أا 
خلصته... حلاصا جزئيا ان لم يكن كليا. سار تشارلز ببطء ثانية صوب صحن 
الكنيسة موليا ظهرة النقوش الخشبية اللامبالية. شرع ثانية يخطو المكان جيئة 
وذهاباء مثبتا عينيه في البلاط. وكان الشيء الذي رأه الان يشبه محة من عام 
احر: واقعا جديداء علة جديدة» خلقا حديدا. واهمر شلال من صور ثابتة - 
فصل احر من سيرته الذاتية المفترضة ان شعت - في ذهنه. وفي لحظة تسامي 
ثمائلة» في وسعك ان تستحضر السيدة بولتيئ» وقد هبطت» وتخلصت من 
عبوديتها التامة للسيدة كوتون بعد ثلاث دقات من ساعة حجرة الاستقبال 
الرحامية والمذهبة. سأكون قد احفيت الحقيقة اذا ما احجمت عن الايضاح بأن 
تشارلز فكر في هذه اللحظة في عمه. وهو لن يلقي باللائمة على السير روبرت 
بسبب زواج م فاشل ورباط غير حدير بالاسرة. الا ان من شأن عمه ان ينحو 
باللائمة على نفسه. وهنا وثبت صورة احرى الى ذهنه: السيدة بيلا في مواحهة 
سارة» ورأى ايهما قد تخرج اكثر كرامة» لأن ايرنستينا ستحارب باسلحة 
السيدة بيلاء اما سارة... فبتلك العينين اللتين ستبلعان الشتائم والترفع: 
تستقبلها بصمت! تحعلها تتلاشى لتصبح لا شيء سوى ذرات هباب في السماء 
اللازوردية! 

كذلك اكساء سارة! احذها الى باريس» الى فلورنساء الى روما. 


383 


... توقف تشالرز - وقد ولى للاسف» ظهره المذبح ثانية - وبدا نوع من 
الاشراق في وحهه. لعل ذلك سببه ضوء المصباح الغازي فوق السلالم؛ انه لم 
يترجم الاسباب النبيلة بل المجردة الى مرّت في ذهنه على نحو جذاب. الا اني اؤمل 
انك ستصدق بأن سارة كانت تقف قريبة منه» بغض النظر عن ابتذالهاء من اجل 
الجوهر الحقيقى للحرية القاسية والضرورية في آن واحد؛ اذا ما شتنا البقاء على قيد 
الحياة» نعم» حن اليوم. 

استدار» وعاد الى مصطبته» وفعل شيئا غير عقلان تماماء فقد حثا على ركبتيه 
وصلى صلاة قصيرة. ثم سار حن فاية الممر» وجذب السلك الى الاسفل حى بات 
المصباح الغازي شاحباء وغادر الكنيسة. 


384 


49 





لا احتفظ سوى برجل وخادمةء على استعداد للافتراء والسرقة... 
تينيسون: مود 1855 


عثر تشارلز على بيت راعي الكنيسة فقرع الجرس. فتحت الباب خادمة» غير 
ان الشاب تراءى من ورائها بشاربيه وهو يسير في الرواق. تراجعت الخادمة في 
حين تقدم سيدها الى امام ليتسلم المفتاح الثقيل القلتم. 

- شكرا لك يا سيدي. اني احتفل بالعشاء الرباني في الساعة الثامنة من 

- لاء انا في رحلة وقد مررت با. 

- كنت اتمئ لو اراك ثانية. اليس في وسعي تقدتم اي مساعدة احرى؟ 

ثم اشار القزم الشاب المسكين صوب باب يقع مكتبه وراءه بلا ريب. لقد 
سبق ان لاحظ تشارلز شيئا من التباهي في اثاث الكنيسة ومفروشاتها. وعرف انه 
مدعو الى الاعتراف.. فقد كان راعي الكنيسة هذا واحدا من الشبان الذين ولدوا 
بعد انقضاء الانشقاق الديي ©2016 واحذوا الان يضيعون وقتهم على نحو عابث 3 
ولكن مأمون - (طالما ان الدكتور فيلبوتس هو الكنيسة العليا المؤوكدة على 
الطقوس والعناصر التقليدية) بالطقوس الدينية والحبب» وهو مظهر شائع من مظاهر 
الافراط في المندام الدييٰ. انحتبره تشارلز برهة وجيزة ولم اطراف شجاعته وازداد 
ثقة بنفسه: لن يكون الامر اكثر حماقة من هذا. هذا انحن ورفض ثم سار في 
طريقه. لقد أحل من الدين القائم بقية حياته. 

رعا تظن ان طريقه ذلك لا بد ان يقوده مباشرة الى فندق اسرة انديكوت. 
ممالا ريب فيه ان الرجل المعاصر سيعود مباشرة الى هناك. الا ان احساس 


(116) يقصد به الانشقاق الديني الناجم عن نظام مبادئ الكنيسة الذي وضع في مجموعة كراسات 
دينية في اوكسفورد (1833 - 1) وعرف بأسم حركة أوكسفورد. (المترجم) 


385 


واحباته تطهير نفسه من التزاماته السابقة» واذ ذاك فقط يستطيع ان يقدم نفسه 
ليعرض المساعدة. 

شرع يدرك سر خداع سارة. كانت تعلم انه يحبهاء وكانت تعلم انه اعمى 
لا يعرف عمق ذلك الحب. وكانت روايتها المفبركة عن اغواء فارغون لماء 
ووساللها الاحرى المضللة» ليست سوى مكائد لتبصيره. وكل ما قالته بعد ان 
جعلته يصل مرحلة الادراك ليس سوى اختبار رؤيته الجديدة. لقد احفق احفاقا 
بائسا. ثم استخدمت نفس المكائد دليلا على حقارتما. من اي نبل تنبع مثل هذه 
التضحية الذاتية؟ كم تمئ لو كان في وسعه ان يقفز الى الامام ويضمها الى صدره 
ثانية» ويخبرها انها ملكه على نحو لا جدال فيه. 

كان في وسعه ان يضيف الا انه لم يضف» لو لم يكن هناك ذلك الانقسام 
القدري الى قسمين بين الفكتوريين (لعله النتيجة الاكثر رعبا هي هوسهم في 
التصنيف الى درحات) الذي دفعهم الى رؤية الروح على انما اكثر حقيقة من 
الجسدء وانها هي نفسها الحقيقية الوحيدة. الي قلما ترتبط بالجمسد» بل تطفو عاليا 
فوق البهيمة» وهي على الرغم من ذلك» وبفعل خطأ يتعذر تفسيره في طبيعة 
الاشياء» سحب على مضض في اعقاب حركة البهيمة» مثل بالون اسير ابيض من 
وراء طفل عاق شائن. 

ان حقيقة امتلاك كل فكتوري عقلين اثنين واحدة من الادوات الي يجب 
علينا دوما ان نصحبها معنا في رحلتنا الى القرن التاسع عشر. انها فصام الشخصية 
الي نراها على اوضح ما يكون» واسوأ ما يكون» في الشعراء الذين غالبا ما 
استشهدت باقتباساتهم - عند تينيسون وكلف وارنولد وهارديء الا انها اقل 
وضوحا في الاتحاهات السياسية الغريبة من اليمين الى اليسار وعند رجال من امثال 
ميل وغلادستون في شبابيهماء في الامراض العصابية والجسدية النفسية الواضحة 
عند المثقفين الذين يختلفون احتلاف تشارلز كنغزلي عن دارون» في الشتائم الي 
اهالت اولا على ما قبل الرافائيليين الذين حاولوا - او بدوا وهم يحاولون - ان 
يكونوا متحدي الرأي في الفن والحياة» في لعبة حر الحبل الي لا تنتهي بين الحرية 
والانضباط» الغلو والاعتدال» صحة الرأي والابمان» بين صرحخة الانسان المبدئي من 
احل ثقافة شاملة وذعره من حق التصويت الشامل» والشفافية في الموس من احل 


386 


التحرير والتنقيح حن اننا اذا اردنا معرفة ميل الحقيقي او هاردي الحقيقي فاننا 
نستطيع ان نتعلم من عمليات الحذف والتبديل في سيرهم الذاتية اكثر ما نتعلم من 
الطبعات المنشورة... نتعلم اكثر من الرسائل الي سلمت من الحرق» من المذكرات 
الخاصة» من نثار عمليات الاحفاء. ان السجل لم يكن .مثل هذه الدرجة الكاملة من 
التشوش» ولم تمر واحهة على هذا النحو من النجاح مثل الحقيقة الخاصة بجيل سهل 
الانفداع يصدق كل ما يقال له؛ وق رأيي» يشكل هذا افضل دليل الى عصر هو 
من امحتمل تماما عصر (دكتور جيكل والسيد هايد)”1". فمن وراء المظهر القوطي 
المتأخر تكمن حقيقة عميقة تكشف النقاب عن مرحلة من مراحل الزمن. 

لكل فكتوري عقلان. وهذا ينطبق على تشارلز على الاقل. فقد شرع وهو 
يسر في شارع فور صوب فندق السفينة يردد الكلمات الى من شأن بالونه 
الابيض ان يرددها عندما شاهد الطفل الشرير سارة ثانية» الحوار العاطفي والمشرئف 
الذي من شأنه ان يجعلها تبكي بامتنان والاعتراف بأن ليس في وسعها العيش دونه. 
رأى ذلك كله رؤية واضحة اجد نفسي مدفوعا الى تسجيلها هنا. الا ان واقعا 
يتبدى بصورة سام واقفا عند باب الحانة القديمة» قد برز امامه: 

- العئلاة مقيولة يا نيد تشاراز؟ 

- لقد... لقد اضعت طريقي. وتبللت حن النخاع. 

م تكن تلك العبارة لتلائم ما تشاهده عينا سام. 

- املأ لي حوض الاستحمام ايها الانسان الطيب» وسأتعشى في غرفي. 

- نعم يا سيد تشارلز. 

بعد خمس عشرة دقيقة» في وسعك ان تشاهد تشارلز عاريا كما ولدته امه 
منهمكا في عمل غير مألوف» الا وهو الغسيل. فقد ضغط ثيابه الملطخة بالدم على 
حافة حوض الاستحمام الكبير المنخفض الجوانب الذي ملأه سام بالماء» واذهمك 
بفركها بقطعة من الصابون. شعر انه احمق وانه لم بحسن عمله. ولا حضر سام بعد 
مضي مدة من الوقت حاملا صينية العشاء» كانت الثياب مرمية باهمال» نصفها في 
حوض الاستحمام ونصفها الاخر خارحه. فما كان من سام الا ان جمعها دون 


(117) دكتور جيكل والسيد هايد: رواية الكاتب الاسكتلندي المعروف روبرت لويس ستيفنسون 
(1850 - 1894) الذي يعد احد اعلام ادب المغامرات. (المترجم) 


367 


ابداء اي ملاحظة» وفي هذه المرة لا غير» كان تشارلز ممتنا له لاهماله المعروف في 
مثل هذه الامور. 

وبعد ان فرغ من عشائه؛ فتح محفظة الكتابة الخاصة به. 

«يا اعز الناس» 

نصفي سعيد على نحو لا يوصف وانا اخاطبك على هذا النحو في حين ان 
نسصفي الاخصر يتساءل كيف یکن له ان يتحدث عن خلوقة لم يفهمها الا فهما 
قليلا؟ شيء ما فيك يا ليتئ اعرفه معرفة حقة» وشيء ماء احر» احهله منذ اول يوم 
رأيتك فيه. اقول هذا القول لا لاعتذر عن سلوكي هذا المساءء بل لأفسّره. انا لا 
استطيع ان اعذره الا انني يحب ان اعتقد بانه كان هناك اسلوب واحد يمكن ان 
يوصف به على انه محظوظ لأنه عجل في البحث في ضميري الذي تأخر عن ميعاده 
طويلا. لن احوض في كل التفاصيل والظروف. الا اني عازم كل العزم ايتها 
الحبيبة الغامضة سارة» على ان يكون الرباط الذي يربطنا الان رباطا ابديا. لست 
ادرك ادراكا تاما سوى انين لا املك الحق في رؤيتك ثانية» ناهيك عن الطلب كي 
اعرفك معرفة كاملة في ظل ظروف الراهنة. لهذا فإن اول مقتضيات فسخ حطوبي. 

ثمة هاحس غامض يلازميئ منذ وقت طويل بأن من الحماقة الدحول في تلك 
الترتيبات» حن قبل ان تدخلي حياتي. لهذاء اتضرع اليك الا تشعري بالذنب ازاء 
هذا الامر. ان الشيء الذي يستحق اللوم هو الجهل في اعماقي بكل ما يخفي 
طبيعي الحقيقية. لو كنت اصغر سنا بعشر سنوات» لو لم اشاهد الكثير وانا في هذا 
السن وهذا المحتمع الذي لا اتعاطف واياه» فمما لا ريب فيه اني سأكون سعيدا 
والانسة فريمان. كانت غلطي متمثلة في اني نسيت اني في الثانية والثلاثين لا في 
الثانية والعشرين. 

هذا سأقوم في وقت مبكر من يوم غد برحلة عذاب الى بلدة لام. وستقدّرين 
ان تحقيق غرضها هو الفكرة المستحوذة على ذهي في هذه اللحظة. غير ان 
واحبي في ذلك الصدد قد انتهى» وستكون جل افكاري متجهة اليك» لا بل الى 
مستقبلنا. انا لا اعرف اي قدر غريب هذا الذي رمان اليك. لكن» .مشيعة الله» لن 
يأحذك شيء مين الا اذا كنت انت ترغبين في ذلك. لا تدعينئي اقول شيئا الان» يا 
لغزي الحبيب» اكثر من انك مضطرة الى تقديم ادلة وحجج اقوى بكثير ثما قدمته 


388 


حى الان. انا لا استطيع ان اصدق انك ستحاولين ذلك. فقلبك يعرف اني ملكك 
وسأدعوك ملكي. 

اهناك ضرورة» يا عزيزي» يا عزيزتي سارة» لاطمئنك الى ان اغراضي من 
الان فصاعدا انما هي اغراض شريفة؟ هناك الف شيء اود ان اسألك عنه» الف 
اهتمام اوجهه اليك» الف متعة امنحك اياهاء لكن مع الاخذ بعين الاعتبار دوما 
اي اصول تقتضيها رقتك. 

انا الذي لن يعرف السكينة ولا السعادة حى يطوقك بذراعيه ثانية» 

«ش. س» 

«ملاحظة: لدى اعادة قراءة ما كتبت وحدت نوعا من المخاطبة الرسمية الي 
لا يقصدها فؤادي. اغفري لي. انت قريبة حدا وغريبة رغم ذلك» ان لا اعرف 
كيف اعبر عما احس به حقا». 

«المولع بك: ش» 

ل يتم الورصول الى هذه الرسالة المتصاعدة الى الذروة الا بعد العديد من 
المسودات. واذ ذاك بات الوقت متأحرا فغير تشارلز من رأيه بخصوص ارسالما على 
الفور. لا بد اها الان قد بكت بكاء مرا حي رقدت. سيجعلها تتعذب ليلة مظلمة 
احرى» غير انها ستستيقظ فرحة. اعاد قراءة الرسالة مرات ومرات. كانت تشوها نغمة 
سبق لها ان استخدمها قبل يوم واحد او يومين في الرسائل المرسلة من لندن الى 
ايرنستيناء غير ان كتابة هذه الرسائل كانت هي العذاب بعينه» الاستسلام للتقاليدى 
وهذاهمايفسر سبب كتابته تلك الملاحظة. كان لا يزال يشعر انه غريب عن نفسه 
مثلما احبر سارة تماما. الا ان هذا الشعور يمتزج الان .كتعة مخيفة دفعت به الى ان يحدق 
الى وحهه ف المرآة. شعر بشجاعة فائقة في نفسه» حاليا ومستقبلاء وتفرداء وانه انر 
عملا لا مثيل له. ثم هناك رغبته: فهو منطلق في رحلة ثانية» رحلة تضاعفت لذقا 
بالرفيقة الموعودة. حاول ان يتخيل صورا غير معروفة عن سارة؛ سارة وهي 
تضحك» سارة وهي تغيْ» سارة وهي ترقص. يصعب تصور ذلك لكنه ليس 
مستحيلا... تذكر تلك الابتسامة الي اوشك عندها ان يكشفهما سام وماري. 
كانت ابتسامة عرّافة» التوقع بالمستقبل. وفي ذلك الوقت» جعلها تنهض من على 
ركبتيها - يالا من متعة طويلة» لا تنتهي» سيفعل ذلك الان في حياتهما معا! 

389 


اذا كانت هذه هي الاشواك والحجارة الي تمدده» فانه يستطيع تحملها. وعلى 
الرغم من ذلكء فقد فكر في شوكة واحدة صغيرة: سام. الا ان سام يمكن 
الاستغناء عنه مثل كل الخدم. 

كما بمكن استدعاؤه. لقد استدعي في ساعة مبكرة تدعو الى الدهشة. ووجد 
تشارلز مرتديا مبذله وفي يديه رسالة مغلقة ورزمة صغيرة. 

- ارجو ان تأحذ هذه الاشياء الى العنوان المثبت فوق الظرف يا سام. عليك 
الانتظار عشر دقائق لتطمئن الى وجود رد. اذا لم يكن هناك اي رد - وانا لا اتوقع 
اي رد» لكن انتظر لعل وعسى - اذا لم يكن هناك اي رد» عليك الحضور الى هنا 
مباشرة» لاستئجار عربة سريعة اذ سنذهب الى بلدة لام. 

ثم اضاف. 

- لكن بلا حقائب» اذ سنعود الليلة الى هنا! 

- الليلة يا سيد تشارلز! اني ظننت... 

- لا يهم ما ظننت! نفذ ما قلته لك! 

تظاهر سام .عظهر الخادم وانصرف. وفي حين كان يهبط السلا م الى الطابق 
السفلي اتضح عنده ان مركزه لا يُطاق. كيف يستطيع خوض معركة بلا 
معلومات؟ عمثل هذه الشائعات الكثيرة المتناقضة المتوفرة عند العدو؟ حدق الى 
الظرف في يده. كان العنوان صارعا: الانسة وودراف» فندق اسرة انديكوت. ثم 
يوما واحدا في بلدة لام؟ في حين تنتظر حقائب السفر هنا؟ قلب الرزمة الصغيرة في 
يده» وضغط على الظرف. بدت سميكة. ثلاث صفحات اخيرا. اختلس نظرة من 
حواليه» ثم فحص الختم. لعن سام الانسان الذي اخترع الشمع. 

الان يقف ثانية قبالة تشارلز الذي ارتدى ثيابه. 

- حسنا؟ 

- لا رد يا سيد تشارلز. 

ل يستطع تشارلز السيطرة على ملاحه» فاشاح وجهه جانبا. 

- والعربة؟ 

- على استعداد وف الانتظار يا سيدي. 

ع خسنا جداء. سانول قرييا: 


390 


انصرف سام. وما ان اغلق الباب حت رفع تشارلز يديه الى رأسه. ثم 
بسطهما الى الجانبين كأنه يخاطب جمهوراء كأنه ممثل يتلقى التصفيق» وقد 
ارتسمت ابتسامة العرفان والتقدير على شفتيه. فلدى اعادة قراءة رسالته في الليلة 
السابقة للمرة التاسعة والتسعين» اضاف ملاحظة ثانية» وكانت تخص المشبك الذي 
شاهدناه في يدي ايرنستينا. تضرع الى سارة ان تقبله» وعلى نحو ماء فإن قبوها به 
كان يعي قبولها اعتذاره عن سلوكه. وقد انتهت الملاحظة الثانية على هذا النحو. 

«سينتظر حامل الرسالة حب تفرغي من القراءة. واذا ما يتعين عليه ان يعيد 
الرزمة... غير اني اعرف انك لست هذه القسوة». 

على الرغم من ذلك» فقد كان المسكين يتعذب في غياب سام. 

هاهو سام ثانية» يثرثر بصوت حفيض» ويلقي بنظرات معذبة متواصلة. 
المشهد في ظلال احراش الليلك النامية حارج باب المطبخ في حديقة الخالة ترانترء 
موفرة بذلك حاجزا ضمن الحديقة حسب. تميل همس العصر من خلال الاغصان 
والبراعم البيض. المستمع هو ماري» وقد توردت وجنتاهاء في حين غطت يدها 
فمها باستمرار. 

- ليس مکنا ليس ممكنا: 

- انه عمه. لقد دفعه الى الجنون. 

- لكن السيدة الشابة... اه ما الذي ستفعله الان يا سام؟ 

رفع الاثنان بصرهما الى اعلى بذعر» صوب النوافذ الي تعلو فوق الاغصان» 
كأنهما اعتقدا انما سيسمعان صرخة او يشاهدان جسدا يهوي. 

-نحن يا ماري. ما الذي سنفعله؟ 

- اوه. يا سام. ليس من الانصاف... 

- احبك يا ماري. 

- اوه اما 

- ليس الامر سيئا. انئى سأموت حالما افقدك. 

- اوه» ماذا سنفعل؟ 

- لا تبكي يا حبيب» لا تبكي. لدي ما يكفي في الطابق العلوي. اهما ليسا 
بافضل منًا. 


391 


امسك بها من ذراعيها. 

- اذا كان علي ان اختار بينك وبينه» فاني احتارك انت. 
تصالب مثل جندي يوشك ان يطلق النار. ۰ 

- سأتخلى عن خدمته. 

- سام! 

- سأتخلى» وسأعمل في نقل الفحم» في اي شيء. 

- وماذا بشأن نقودك؟ الن يعطيك اياها بعد الان؟ 

- انه لا يملك النقود كي يعطيها. 

نظر نظرة مريرة الى ذعرهاء غير انه ابتسم وبسط يديه. 

- هل لي في ان احبرك من نحن؟ لو احستا انا وانت لعب اوراقنا؟ 


392 


50 





وصلا بلدة لام قبل الساعة الثانية تماما. وبعد دقائق معدودة» كان تشارلز قد 
وضع يده على الغرفة الى حجزها. ثم شرع يذرع الغرفة جيئة وذهاباء معذبا عذابا 
فكريا هذه المرة» وململما اطراف شجاعته ومتأهبا لمواجحهة المقابلة المنتظرة. استبد 
به الرعب الوحودي ثانية» لعله كان يعرف به وهذا فانه قطع على نفسه سبيل 
الرّجعة بارساله تلك الرسالة الى سارة. كرر ثانية العبارات الالف الي صاغها في 
رامن ا کی إفاطارك هن فة مكل اوراق اريت اد تعبا ميقا 
ثم حمل قبعته وخرج. 

فتحت ماري الباب وهي تبتسم ابتسامة عريضة حال رؤيته فما كان منه الا 
ان مارس وقاره عليها. 

- مساء الخير» هل الانسة ايرنستينا موحودة في البيت؟ 

قبل ان تتمكن من الاجابة ظهرت ايرنستينا في اقصى الردهة» وهي تبتسم 
ابتسامة صغيرة. 

- لا. حرجت سيدق لتناول الغداء» لكن في وسعك الدحول. 

توارت عن الانظار في حجرة الجلوسء وناول تشارلز قبعته الى ماري» وعدّل 
ياقة سترته» وثمئ لو انه ميت» ثم احتاز الردهة صوب محنته. التفتت ايرنستينا اليه 
وهي تحت نور الشمس قرب النافذة المطلة على الحديقة. 

- تلقيت رسالة من بابا هذا... تشارلز! تشارلز! ما الخطب؟ 

تقدمت صوبه في حين لم يتمكن من النظر اليها بل حدق الى السجادة. 
توقفت والتقت عيناها المذعورتان بعينيه القلقتين المرتبكتين. 

- تشارلز؟ 

- اتوسل اليك ان تحلسي. 

- ماذا حدث؟ 

- هذامااتيت لاجله. 

- ل تنظر الي هذه النظرة؟ 

393 


- لاني لا اعرف كيف ابدا الكلام الذي يتعين علي قوله. 

مدّت يدها من ورائها وهي تنظر اليه» وحلست فوق كرسي قريب 
من النافذة. لا يزال لائذا بالصمت. لمست رسالة موحودة فوق المنضدة الجاورة 
لما. 

- أن بابا... 

الا ان نظرته السريعة جعلتها تتوقف عن اكمال عبارقا. 

- كان هو العطف بعينه... الا اني ل احبره بالحقيقة. 

- الحقيقة؟... اي حقيقة؟ 

- حقيقة اني توصلت بعد ساعات كثيرة من التأمل العميق والمؤ لم الى نتيجة 
مفادها اني لست جديرا بك. 

شحب لون وجههاء وظن انها ستقع مغشيا عليهاء فتقدم الى الامام ليمسك 
هاء الا انها مدت يدها ببطء الى ذراعها الايسر كأنما لتشعر انها لا تزال يقظة. 

- انت تمرح يا تشارلز. 

- انا لا امزح البتة. 

- انت لست جديرا بي؟ 

- لست جديرا تماما. 

- وانك... اوه. هذا كابوس. 

رفعت بصرها اليه» ونظرت غير مصدقة» ثم ابتسمت مذعورة. 

- لقد نسيت برقيتك. انت تمزح. 

- انت لا تعرفين الا القليل عي اذا ما ظننت ان في وسعي المزاح في مثل هذه 
المسألة. 

- لكن... لكن... برقيتك! 

- ارسلتها قبل اتخاذ قراري. , 

في حين حفض عينيه بدأت اذ ذاك تقبل الحقيقة» لقد عرف مسبقا اها لا بد 
ان تكون اللحظة الحاسمة» لو اغمي عليهاء او اصابتها الهستيريا... الا انه لم يعرف» 
لكنه نفر من الالم ولن يفوت الاوان قبل ان يعترف» ان يقول كل شيء» ان يرمي 
نفسه طالبا رحمتها. لكن على الرغم من ان عيي ايرنستينا ظلتا مغلقتين لحظة طويلة 


394 


فإِهُا لم تغب عن الوعي. فهي ابنة ابيها ورا تمنت لو انها فقدت الوعي؛ الا ان مثل 
هذا الخداع الكبير ل... 

- اذا ارحوك فسر لي ماذا تعي. 

انتابته لحظة ارتياح. لقد اصيبت بجر ح» لكنه ليس جرحا قاتلا. 

- هذا ما لا استطيع قوله بجملة واحدة. 

حدقت الى يديها على نحو مرير. 

- اذا استخدم جملا كثيرة ولن اقاطعك. 

- كنت ولا ازال اكنٌ لك احتراما وعاطفة شديدين. ولم اشك لحظة انك 
ستكونين زوجحة مثيرة للاعجاب لاي رحل يكون محظوظا ما فيه الكفاية لنيل 
حبك. الا انئى كنت ايضا ادرك دوما وحجلا ان جزءا من تقديري لك يفتقر الى 
النبل. ان اشير الى الثروة ال ستأتين بها والحقيقة بانك طفلة وحيدة. لقد شعرت 
دوما في اعماقي يا ايرنستينا ان حيان بلا هدف» بلا انجاز» لا. ارحوك استمعي الي 
حن النهاية؛ لما ادركت في الشتاء الفائت انك قد ترحبين بعرض الزواج» فإن 
الشيطان اغواني. ووحدت بالزواج هذا فرصة لاعادة الاجمان الى نفسي. اتوسل 
اليك الا تي اني اسير قدما وقي ذه حسابات جاهزة. لقد طبت لي كثيراء 
واعتقدت اعتقادا مخلصا ان هذا سيتحول الى حب. 

ارتفع رأسها ببطء» وتفرست فيه غير اها ظهرت غير قادرة على رؤيته. 

- لا استطيع ان اصدق ان الذي اسمعه هو انت. انه دجال» قاس» بلا قلب 
هذا.. 

- اعرف ان هذا سيكون .مثابة صدمة بالغة. 

- صدمة! 

بان الاهتياج على ملامحها. 

- عندما تقف ,مثل هذا الحدوء ورباطة الحاش - لتقول لي انك لم تحبي! 

رفعهت صوقا في حين اتحه هو صوب احدى النوافذ المفتوحة فاغلقها. 
وتحدث برفق على مقربة من رأسها الحيْ» دون ان يضل طريقه. 

- انالا ابحث عن اي عذر. كل ما اريده هو ان اوضح لك ان جرعي لم 
تكن جحركة محسوبة. ولو كانت كذلك» كيف كان في وسعي ان افعل ما افعله 


395 


الان. ان رغبي الوحيدة تتمثل في حعلك تدر كين اني لم احدع احدا سوى نفسي . 
مي ما شئت: جبان» اناني... اي شيء تريدين سوى غليظ القلب. 

احذت نفسا صغيرا مرتعشا. 

- ما الذي دفعك الى هذا الاكتشاف العظيم؟ 

- ادراكي الذي لا اتنصل من شناعته بأنئي اصبت بخيبة امل عندما لم يفسخ 


نظرت اليه نظرة فظيعة. 


- احاول ان اكون نزيها. وهو لم يكن في غاية الكرم في موضوع ظروفي 
المتغيرّة» بل اقترح ان على يوما ما ان اصبح شريكه في العمل. 

تألق وجهها ثانية. 

- عرفت ذلك. عرفت ذلك. السبب هو انك ستتزوج زواج تحارة. الست 
على حق؟ 

التفت الى النافذة. 

- لقد قبلت ذلك تماما. على اي حال - ان الاحساس بالعار من والدك من 
شأنه ان يكون تعاليا قبيحا. 

- ان الحديث عن الاشياء لا يجعل المرء اقل ذنبا. 

- لو اعتقدت بانئي راجعت هذا العرض الحديد» فانت على حق تماما. الا ان 
الرعب كان بسبب عدم استحقاقي ما كان يخططه لي - لا المقترح نفسه. الان 
دعيين افر غ من ايضاحي. 

- ذلك يحطم فؤادي. 

التفت صوب النافذة. 

- لنحاول ان نتمسك بذلك الاحترام الذي كان دائما يشدنا الى بعضنا 
البعض. عليك الا تظئ اني فكرت في نفسي فقط في هذا كله. ان الذي يستبد 
بي هو الظلم الذي سالحقه بك - وبابيك - عندما اتزوحك بلا الحب الذي 
تستحقين. لو كنت انا وانت شخصين مختلفين - الا اننا لسنا كذلك» فنحن 
نعرف بنظرة» بكلمة» فيما اذا كان ا قاد ل 


عتمت . 


396 


- ظئنت اننا كنا نعرف. 

- يا عزيزي ايرنستيناء الامر يشبه الابمان. في وسع المرء ان يتظاهر بانه يملكه 
الا ان التظاهر سينتهي وينكشف امره. اني معتقد كل الاعتقاد بانك لو بحثت في 
قلبك لوجدت ان تلك الشكوك الواهية قد انتابته. ات ونه 
الشكوك وقلت انه... 

غطْت اذنيهاء ثم مررت اصابعها فوق وجههاء ثمة صمت. ثم قالت: 

- افي وسعي الكلام الان؟ 

- مؤكدا. 

- اعرف اني لم اكن لك سوى قطعة صغيرة جميلة من اثاث غرفة الاستقبال. 
اعرف انين بريئة. اعرف اني مدللة. اعرف اني لست استثنائية. لست هيلين بطلة 
طروادة او كليوباترة. اعرف اني اتفوه أحيانا باشياء تزعج سمعكء اني اثير سأمك 
فيما يخص الترتيبات المنزلية» اني اجرح مشاعرك عندما اسخر من متحجراتك. 
رعالست سوى طفلة. الا اني اعتقدت اني سأصبح افضل في ظل حبك 
وحمايتك... وثقافتك... لا بد لي ان اتعلم كي اسعدك» لا بد لي ان اتعلم كي 
اجعلك تحب لما آلت اليه نفسي. رعا لا تعرف ذلك» لا تستطيع ان تعرف ذلك» 
لكن هذا هو السبب الذي حذبي اول مرة اليك. انت تعرف ان مائة رحل غيرك 
قد حام من حولي؛ لم يكونوا كلهم من الباحثين عن الثروة او التافهين. انا لم 
احترك لان كنت من البراءة بحيث اعجز عن عقد اي مقارنة» بل لانك ظهرت 
اكثر كرما وحكمة واكثر خبرة. اتذكر اني كتبت بعد خطوبتنا انك لا تؤمن 
بنفسك الا قليلا - وساحضر يومياني ان كنت لا تصدقئ. لقد احسست بذلك. 
انت تعتقد انك انسان فاشل» تعتقد انك محتقر» انا لا اعرف... هذا ما اردت ان 
يكون هدية زواجي الحقيقية لك: الابمان بنفسك. 

ران صمت طويل» في حين ظلت مطرقة. 

تكلم بصوت خفيض. 

- انت تذكريني بفداحة حسارت. وااسفاه» اني اعرف نفسي اكثر مما 
ينبغي. ولا يستطيع المرء ان يبعث الى الحياة شيئا غير موحود. 

- اهذا ما يعنيه كلامي كله لك؟ 


397 


- انه يعن الشيء الكثير» الشيء الكثير جدا لي. 

التزم الصمت» على الرغم من انها توقعت ان يقول ما هو اكثر من ذلك وم 
يتوقع هو منها مثل هذا الضبط للنفس. لقد تأثر» وشعر بالخزيء لما تفرّهت به 
ولم يستطع هو ان يظهر اي احساسء هذا التزم الصمت. كان صوقا ناعماء 
ومنخفضا. 

- في ضوء الكلام الذي قلته لك» اليس في وسعك على الاقل... غير انها م 
تعثر على الكلمات. 

- ان اعيد النظر في قراري؟ 

لا بد انما معت شيئا ما في صوته لم يقصد هو ان يكون موجودا فيه اذ 
نظرت اليه فجأة نظرة استغاثة متقدة. كانت عيناها مبللتين بدموع مكتومة» 
ووجها شاحبا يدعو الى الرئاء ويسعى جاهدا الى الظهور ممظهر الحدوء المتوازن. 
شعر انه اشبه بسكين: الى اي حدّ جرحها! 

- اتوسل اليك يا تشارلز ان تنتظر قليلا. صحيح انا جاهلة» لا اعرف ماذا 
تريد من... اذا اردت ان تخبرني عن الشيء الذي احفقت فيه... او عن الصورة 
الي تريد ان اظهر بما... فاني سأفعل كل شيء» كل شيءَ لاني سأتخلى عن كل 
شيء كي اجعلك سعيدا. 

- يجب الا تتكلمي مثل هذا الكلام. 

- بل يجب - فانا لا احتمل ذلك - بالامس فقط كانت تلك البرقية» لقد 
بكيت» قبلتها مغة مرة. يحب الا تظن بانئ افتقر الى المشاعر العميقة لاني اناكد. 
من شأني... 

بيد ان صوقا تلاشى كأن حَدّسا لاذعا غمرها. نظرت اليه نظرة قاسية 
قصيرة. 

- انك تكذب. شيئا ما حدث مذ ارسلتها. 

تحرك صوب الموقد» ووقف موليا ظهره اياها. بدأت بالبكاء. فوجد ذلك 
شيعا لا يطاق. احيرا التفت ونظر اليهاء متوقعا ان يراها محنية الرأس» الا اها كانت 
تبكي على نحو واضح وعيناها تنظران اليه. ولا رأته وهو ينظر اليهاء أحدثت 
حركة كأفها شخصٌ في حالة هلع» طفل ضائع؛ واشارت بيديهاء نصف واقفة» 


398 


وتقدمت حطوة» ثم خرّت على ركبتيها. وانتاب تشارلز احساس حاد بالنفور ليس 
متها بل من الموقف: من الحقائق المبتورة» من احفائه الامر الجوهري. لعل اقرب 
تشبيه يتمثل في الشعور الذي ينتاب جراحا أحيانا امام ضحية معركة رهيبة او 
حادثة مؤسفة» اصرار هائل على المضي قدما في انحاز العملية - والا ماذا يمكن 
عمل غير ذلك؟ - ان يقول الحقيقة. انتظر حي جاءت اللحظة الي توقفت فيها 

- اردت ان اجنبك ذلك. نعم - شيء ما قد حدث. 

فضت على قدميها ببط ورفعت يديها الى وجنتيها دون ان تشيح عنه نظراتها. 

- من؟ 

- انت لا تعرفينهاء واسمها غير مهم. 

- وهي... انت... 

اشاح بوجهه عنها. 

- لقد عرفتها منذ سنوات طويلة» وظننت ان الصلة قد انقطعت» الا اني 
اكتشفت في لندن ان الامر ليس كذلك. 

- اتحبها؟ 

- احبها؟ لا ادري... مهما كان الامرء فإنه يجعل تقديم المرء قلبه بحرية الى 
الاخر شيئا مستحيلا. 

- لم احجمت عن اخباري هذا الموضوع في البداية؟ 

يم صمت طويل. فلم يستطع احتمال عينيها اللتين كانتا تتوغلان في كل 
كذبة يتفوه بها. 


وء 

- كنت ارجو ان احنبك العذاب من وراء ذلك. 

او تب لساك السعور ا ري انلك .م انلق وتحدن: 

تمالكت على كرسيها وهي تتفرس فيه بعينيها الواسعتين. ثم وضعت وجهها 
بين كفيهاء فتركها تبكي» وحدق على نحو صارم الى خروف من الخزف الصيئ 
فوق رف الموقد. ولم يشاهد ثانية حى موته خروفا من الخزف الصيي الا وشعر 
بالتقزز من نفسه. ولما تكلمت اخيراء كان كلامها قويا على نحو جعله يخجل. 


399 


- اذا م اقتل نفسي فإن العار سيقتلها. 

- انا لا استحق لحظة ندم واحدة» وستصادفين رجالا اخرين... لم تحطمهم 
الحياة» رجالا نزيهين سوف... 

توقف قليلا ثم انفجر قائلا. 

- اقسمي بكل المقدسات الى تؤمنين بها على الا تقولي ذلك ثانية. 

نظرت نظرة عنيفة اليه. 

- اتظن اني سأغفر لك؟ 

هز رأسه بالنفي. 

- والداي» اصدقائي» ماذا سأقول لهم؟ ان السيد تشارلز سميئسون قرر رغم 
كل شيء ان خليلته اهم من شرفه» وعده» و... 

تناهى الى ”معه صوت ورقة تتمزق. وادرك دون ان يلتفت انها صبت جام 
غضبها على رسالة ابيها. ا 

- اعتقدت انها حرحت فائيا من حياق. ثمة ظروف غامضة... 

صمت: كأفا فيما اذا كانت ستنهال بالنقد عليه. وفجأة لاح صوقا هادئاء 


حقودا. | 

- لقد نكثت بوعدك. وهناك علاج لبنات جنسي. 

- لك الحق كله في اتخاذ مثل هذه الاجراء. ولا يسعين الا الاعتراف بذنبي. 

بشيعرف الغا خقيقتك. هذا كلما يهمق: 

- سيعرف العالم» رغم كل ما يحدث. 

مرت في ذهنها ثانية حسامة غلطته» وظلت مز رأسهاء فما كان منه الا ان 
احذ كرسيا وجلس قبالتهاء ابعد من ان يستطيع لمسهاء ولكن على مقربة تكفي 
كي يخاطب نفسها الطبية. 

- افي وسعك الافتراض لحظة واحدة اني لم اعاقب؟ ان هذا لم يكن افظع 
قرار في حياق؟ وهذه الساعة ابشع ساعة؟ الساعة الي سأتذكرها بأعمق مشاعر 
الندم حى مماتي. رما اكون... حسنا... اكون مخادعا. الا انك تعرفين اني لست 
بلا قلب. لو كنت كذلك لما رأيتئ هنا الان. كان في وسعي ان اكتب رسالة» ان 
اهرب الى خارج البلاد... 


000 


- اتمئ لو انك فعلت ذلك. 

نظر الى قمة رأسها نظرة مطولة» ثم مض واقفا. لمح نفسه في مرآة. وبدا 
الانسان في المرآة. تشارلز في عالم اخرء هو النفس الحقيقية. اما الانسان في الغرفة 
فهو دجالء كما وصفته» لقد كان دوما دحالا في علاقته بايرنستينا؛ انسان اخر 
مراقب. واخيرا بدا احدى خخطبه المعدّة مسبقا: 

- لا استطيع توقع اي شعور منك سوى الغضب والاشئمزاز. كل ما اطلبه 
منك هو ان تتذكري عند تلاشي هذه المشاعر ان اي ادانة لتصرفي يمكن ان تُساوي 
قسويهّا قسوة اداني... وان عذري الوحيد هو عدم قدرتي طويلا على خداع 
الانسان الذي تعلمت ان احترمه واعجب به. 

بدا كلامه مزيفا. بل كان مزيفا. وادرك تشارلز على نحو لا يبعث على 
الارتياح احتقارها اياه. 

- احاول ان اتصورها. اعتقد اها ذات لقب... لو اني اصغيت لوالدي العزيز 


المسكين! 

- ماذا يعني ذلك؟ 

- انه يعرف الشهامة. وله عبارة معروفة في ذلك - اخلاق رفيعة وقوائم غير 
مدفوعة. 

- الست شهما؟ 


- انت مثل عمك تتصرف كان مقامك يسوّغ كل الاهتمام .ما نعتقد 
به نحن ابناء هذا العام العاديين. وينطبق الامر عليها ايضا. اي امرأة يمكنها 
ان تكون .مئل هذه الوضاعة فتدفع رحلا الى النكث بعهده؟ في وسعي ان 
اممن. 

- اها امرأة متزوجة. 

- لن اناقش هذا الموضوع. 

- اين هي الان؟ في لندن؟ 

حدق الى ايرنستينا لحظة واحدة» ثم استدار على عقبيه وسار صوب الباب» 
فنهضت واقفة. 


401 


- سيلطخ والدي امك بالعار» امك واسمهاء بالوحل وسيحتقرك ويزدريك 
كل الذين يعرفونك. وسيتعقبونك حين تخرج من انكلتراء وسوف... 

توقف قرب الباب» وفتحه. فدفعها ذلك الى التوقف» او دفعها استحالة 
التفكير في عار يكفيه. كان وحهها يضطرب» كأفا ارادت ان تقول ما هو اكثر 
من ذلك الا انها لم تستطع. تمايلت» ثم نطقت ذاهها النقيضة باسمه» كأن الامر .عثابة 
کابوس» وتمنت الان لو قيل ها انها قد استيقظت منه. 

م يتحرك من مكانه. ترئّحت ومن ثم اهارت فجأة على الارض قرب 
كرسيها. كانت حركته الغريزية الاولى هي ان يذهب اليها. الا ان شيئا ما اوقفهء 
شيا ما بخص الطريقة الي سقطت بها على الارض والعناية الشديدة ال تكورت 
كما وانزلاق جسدها الى الجانب فوق السجادة. 

حدق لحظة الى الجسد المنهار» وادرك اها اصيبت بالاغماء. وقال: 

ساكب رسالة ال والدك على الفور. 

م يصدر عنها اي اشارة» بل ظلت مستلقية» مغمضة العينين» باسطة احدى 
يديها على نحو يثير الشفقة فوق السجادة. تقدم صوب حبل الحرس اجاور للموقد 
وحذبه بقوة» ثم سار صوب الباب المفتوح» وغادر الغرفة حالما مع صوت وقع اقدام 
ماري. هرولت الخادمة وهي ترتقي السلالم فأشار تشارلز الى حجرة الجلوس. 

- لقد اصيبت بصدمة. يجب الا تغيبي عنها لاي سبب كان. ساذهب 
لاحضار الطبيب غروغان. 

لاحت ماري لبرهة وجيزة كأهها توشك ان تفقد وعيهاء فوضعت يدها فوق 
حاجز السلالم» وحملقت في تشارلز بعينين ذاهلتين. 

- فهمت؟ لا تتركيها لاي سبب كان. 

ا ا رأسهاء الا انها لم تحرك ساكنا. 

- لقد اغمي عليها لا اكثر. حففي من ثياها. 

دلفت الخادمة الى الحجرة بعد ان نظرت اليه نظرة رهيبة احرى. انتظر تشارلز 
بضع ٹوان» فسمع انينا خافتاء ثم مع صوت ماري. 

- اوهء يا انسة» يا انسة. انا ماري. سيأ الطبيب يا انسة. لا بأس يا انسة. 
لن اتركك. 

402 


هنا رجع تشارلز الى الغرفة فشاهد ماري جائية على ركبتيهاء وقد رفعت 
ايرنستينا قليلا الى اعلى. كان وجه الانسة يواجه صدر الخادمة. رفعت ماري 
بصرها الى تشارلز: هاتان العينان المفعمتان بالحيوية تمنعاه من المراقبة او البقاءء فقيل 
حكمهما الصريح. 


403 


51 





كما ذكرت» فقد استمرت العادات الاقطاعية المتأصلة الخاصة بالاخضاع 
والاذعان زمنا طويلا في احداث اثرها البالغ في الطبقة العاملة. اما 
الانء فقد عملت الروح الحديثة على اذابة هذه العادات ذوبانا تاما 
تقريبا... وعلى نحو مطردء اخذ هذا الرجل وذاكء هذه المجموعة وتلك 
من الرجال؛ يعمل وفي جميع ارجاء البلاد على تأكيد وتطبيق حق الرجل 
الانكليزي في فعل ما يشاء: حقه في السير حيث يشاءء يلتقي حيث 
يشاءء. يدخل حيث يشاءء يطلق البوق كما يشاءء يهدد كما يشاءء يحطم 
كما يشاء. ان هذا كله يقود الى الفوضى. 

ماثيو ارنولد: الثقافة والفوضى 1869 


من دواعي الرحمة ان الطبيب غروغان لم يكن في واحدة من جولاته المهنية 
لزيارة المرضى. وقد رفض تشارلز دعوة مدبرة البيت للدحولء واثر الانتظار على 
عتبة الباب حي جاء الطبيب القصير القامة مسرعا للقائه؛ وباشارة من تشارلز خطا 
خارج الباب كي لا يسمع احد حديثهما. 

- لقد فسخت توا خحطوبي» وهي في حالة قلق شديد. اتضرع اليك الا 
تسألني عن اي تفسير - وارجو ان تذهب الى شارع برود دون تأخير. 

القفى غروغان نظرة ذاهلة الى تشارلز من فوق نظارته» ثم عاد الى داخل 
لزل دون ان ينطق كلمة واحدة» وبعد ثوان معدودة» ظهر من جديد ومعه 
قبعته وحقيبته الطبية» وعلى الفور بدأ الاثنات سيرهماء 

ل 

اومأ تشارلزء وعلى الفور لاح الطبيب القصير القامة مذهولا على نحو لا 
يقوى معه على الكلام. سارا مسافة عشرين او ثلاثين حطوة. 

- انها ليست كما تظن يا غروغان» انا متأكد من ذلك. 

- ليس عندي اي كلام يا سميثسون. 

- لا ابحث عن عذر. 


404 


- اهي تعرف؟ 

- ان هناك امرأة احری. لا اكثر. 

استدار عند الناصية» وشرعا يصعدان شارع برود. 

- لا بد لي ان اسألك عدم الافصاح عن اسمها. 

نظر اليه الطبيب نظرة جانبية قاسية. 

- من اجل الانسة وودراف» لا من اجلي. 

توقف الطبيب فجأة. 

- في ذلك الصباح - اافهم ان...؟ 

- ارجوك اذهب الان. سأنتظر في الحانة. 

الا ان غروغان ظل يحدق اليه كأنه هو الاخر لا يستطيع ان يصدق انه ليس 
واقعا تحت وطأة كابوس. تحمّل تشارلز النظرة لحظةء ثم اشار الى الطبيب 
بالاستمرار في طريقه بينما عبر هو الشارع واتحه صوب فندق وايت لاين. 

- عجبا يا سميثسون... 

استدار تشارلز لحظة» وتحمل نظرة الايرلندي الغاضبة» ثم واصل السير في 
طريقه دون كلمة. كذلك فعل الطبيب على الرغم من انه لم يترك تشارلز يغيب 
عن عينيه حى توارى عن الانظار تحت مظلة الامطار. 

عاد تشارلز الى غرفته» في الوقت المحدد ليرى الطبيب» وقد دحل بيت الخالة 
ترانتتر. فدخل واياه روحيا. شعر انه مثل يهوذاء مثل كل حائن غذار منذ بدء 
الزمان. الا انه تخلص من عذاب الذات لما مع طرقة على الباب. وظهر سام. 

- ماذا تريد؟ فانا لم اقرع الجرس. 

فتح سام فاه الا ان اي كلمة لم تصدر عنه. فلم يستطع تشارلز تحمل تلك 
النظرة. 

- ما انك قد حضرت فأتئٍ بكأس من الشراب المفضل. 

۾ يكن ذلك سوى اللعب بالوقت. اذ حضر الشراب» ورشفه تشارلز. مرة 
اخرى اضطر الى مواجهة نظرة خحادمه. 

- ليس صحيحا يا سيد تشارلز؟ 

- اذهبت الى البيت 


405 


- نعم يا سيد تشارلز. 

اتحمه تشارلز صوب النافذة الناتئة المطلة على شارع برود. 

- نعم» صحيح. لن نتزوج انا والانسة فريمان. اغرب عي الان» ولا تتكلم. 

- لكن... يا سيد تشارلز... انا وماري؟ 

- فيما بعد» فيما بعد. لا استطيع التفكير في مثل هذه الامور الان. 

كرع ما تبقى في الكأس من شراب» ثم لتحه صوب منضدة الكتابة» واحرج ورقة. 
مرت بضع ثوان؛ فلم يتحرك سام» او ان قدميه لم تتحركا. وشوهد حلقه متورما. 

- اسمعت ما قلت؟ 

كانت نظرة سام حادة غريبة. 

- نعم يا سيدي. لا بد لي من التفكير في حالي» مع شديد احترامي. 

استدار تشارلز من مكانه. 

- ما الذي يعنيه هذا؟ 

- هل ستقيم في لندن من الان فصاعدا. 

امسك تشارلز القلم. 

- من المحتمل جدا ان اسافر الى حارج البلاد. 

- واذ ذاك اتوسل اليك يا سيدي بالا ارافقك. 

وثب تشارلز من مكانه. 

- كيف بحرو على مخاطبي على هذا النحو السفيه؛ اللعين! احرج! 

وهنا اصبح سام هو الدجاجة الثائرة. 

- لن احرج قبل ان تسمعين. لن اذهب ثانية الى اكستر وسأتخلى عن خدمتك. 

- (سام)!!! 

كانت صرخة غضب. 

- وهو ما كان ينبغي لي ان افعله... 

- اغرب! 

اتتقتصب سام وكان على استعداد لأن يضرب سيده (كما قال فيما بعد 
لماري) بيد انه سيطر على غضبه اللندن» وتذكر ان السيد يستخدم اسلحة مهذبة. 
هذا اتحه صوب الباب وفتحه» ومن ثم نظر نظرة متعالية الى تشارلز. 


406 


- انا لا احب اي مكان يا سيدي التقي فيه بصديق مثلك. 

ثم اغلق الباب على نحو لا يخلو من الافتقار الى الرقة البالغة. اتحه تشارلز 
صوبه» وفتحه بقوة ورأى سام وهو يسير اسفل الممر. 

- كيف تحرؤ على هذا الكلام؟ تعال الى هنا! 

استدار سام بمدوء. 

- اذا اردت من يهتم بأمورك فما عليك سوى ان تقرع الجرس ليأتيك احد 
الخدم. 

توارى سام عن الانظار من حول منعطف يؤدي الى الطابق السفلي بعد تلك 
الاطلاقة الي فرقتهماء وتركت تشارلز عاجزا عن الكلام. ولم تستمر تكشيرته 
طويلا لما مع صوت الباب يغلق بعنف ثانية من فوق. لقد انصرف بعد ان فعلها. 
في الحقيقة» شعر انه مثل بحار انقطعت به السبل بعد ان شاهد سفينته تبحر بعيداء 
الاسوأ من ذلك كان يعرف سرا انه يستحق عقابه. احشى ان الثورة لم تكن 
حركته الوحيدة. 

صب تشارلز جام غضبه على قدح الشراب الفارغ الذي طوح به في الموقد. 
لقد تذوق هذا اول مرة طعم العلاج الحقية المر» ولم يعجبه. وكاد في لحظة 
هائجة ان يندفع حارج وايت -لاين - من شأنه ان يرمي نفسه تحت قدمي 
اير نستينا» ان يعترف بالجنون» بالعذاب الداحلي» باحتبار حبها... ظل يضرب 
قبضته في راحة يده. ما الذي فعله؟ ماذا سيفعل؟ اذا كان حي خدمه يحتقرونه 
ويرفضونه؟ 

وقف ممسكا رأسه بيديه ثم نظر الى ساعته. لا يزال ينبغي له ان يرى سارة 
الليلة. ويكفيه منه وجهها الرقيق المادئ» دموع الفرح الناعمة وهو بمسك ها. عاد 
ثانية الى منضدة الكتابة وشرع يكتب مسودة رسالة الى والد ايرنستينا. كان لا 
يزال منهمكا في كتابتها لما اعلن عن وصول الطبيب غروغان. 


407 


52 





اوه اصنعوا تابوتا لحبيبتي 
من ذهب يشع بلون اصفر 
وستدفن 
على ضفاف الصفصاف الاخضر 
اغنية نة من مقاطحة ر تة 
«على ضفاف الصفصاف الاخضر » 


الشخص الحزين في هذا كله هو الخالة ترانتر. فقد عادت من تناول غدائها 
متوقعة ان تلتقي تشارلزء وعوضا عن ذلك رأت بيتها وقد حلت به كارثة شاملة. 
ففي البداية حيّتها ماري في الردهة» شاحبة» مرتكبة. 

- ما الذي حدث ايتها الطفلة؟ 

لم تستطع ماري سوى هز رأسها متألة. فتح باب في الطابق العلوي فما كان 
من السيدة الطيبة الا ان رفعت تنورتهاء وشرعت ترتقي السلا م مثل امرأة في نصف 
عمرها. وعلى فسحة الدرج» التقت الطبيب غروغان الذي سرعان ما رفع اصبعه 
الى شفتيه. ولم يخبرها بحقيقة ما حدث الا بعد ان وصلا حجرة الجلوس وشاهد 
السيدة ترانتر وهي تحلس. 

- لا بمكن ذلكء لا يمكن ذلك. 

- سيديي العزيزة. وااسفاه للمرة الالف... لكن هذا ممكن. 

- لكن تشارلز... الرقيق» العطوف... لماذا؟ بالامس فقد كانت البرقية... 

ولاحت كأفا تيد کر او ر اليب ا 

- سلوكه بشع ولا استطيع فهمه. 

- لكن ما هي الاسباب الي قدّمها؟ 

- لم تتكلم. لا تقلقي. ل عو ا غدا 
يتضح كل شيء. 

- ليس كل شيء في العالم.. 


408 


بدات تبكي. 

- اه يا سيدي العزيزة. ابك فلا شيء يحرر المشاعر افضل من ذلك. 

- عزيزقي المسكينة. ستموت كسيرة الفؤاد. 

- لا اعتقد ذلك. لم اقرر بعد ان ذلك يسبب للموت. 

- انت لا تعرفها كما اعرفها انا... اه... ماذا ستقول اميلي؟ ستكون غلطئ انا. 

كانت اميلي شقيقة السيدة فريكان. 

- اعتقد انه ضروري ارسال برقية لها على الفور. ارجحو ان تتركي لي ذلك 
الامر لاتدبره شخصيا. 

NES‏ ا 

ابتتسم الطبيبء الا ان ابتسامته كانت لطيفة هذا الاستنتاج غير المتفق مع 
المقدمات. لقد اضطر فيما مضى الى معابحة مثل هذه الحالات» وكان يعلم ان 
افضل وصفة هي ضجة انثى لا تنتهي. 

- الان» ارحو ان تصغي الي يا عزيزي السيدة ترانتر. يحب ان تتأكدي في 
الايام القليلة القادمة ان هناك رقابة على ابنة احتك ليل فار. ولو ارادت ان تعامل 
معاملة المرضىء» فما عليك الا ان تعامليها كذلك. ولو رغبت يوم غد ان تنهض 
وترحل عن بلدة لاتم فما عليك الا ان تلبي طلبها. حاولي ان تحاري اهواءها. 
افهمت؟ انها شابة» وفي صحة ممتازة. وانا اضمن ان تصبح مرحة مثل عصفور 
مغرد بعد ستة اشهر. 

- كيف يمكنك ان تكون .عثل هذه القسوة! انما لن تتمكن من التغلب على 
ذلك ذلك الشرزير: لحن كيف 

مرت فكرة في ذهنها فمدّت يدهاء وللست كم الطبيب. 

- هناك امرأة اخرى. 

ضغط الطبيب غروغان انفه. 

- هذا ما لا استطيع قوله. 

- انه وحش. 

- ليس وحشاء حن انه لم يعلن عن ذلك. كما انه حسر رفيقة من شأن 
الكثير من الوحوش الطيبين ان يلتهموها بنهم. 

409 


- نعم. نعم. هذا امر يستوحب الشكر. 

الا ان ذهنها تضاربت فيه المتناقضات. 

- لن اغفر له البتة. 

ثم حطرت لها فكرة احرى. 

- الا يزال في البلدة؟ سأذهب واخبره برأبي. 

امسك يما من ذراعها. 

- هذا ما يجب ان امنعه. لقد طلب بنفسه ان احضر الى هنا. وهو ينتظر كي 
يعرف ان الفتاة لم تعد في خطر. سأراه. اطمئي الى اني سأقول كل شيء بصراحة. 
وسأجلده بسبب ذلك. 

- لا بد من جلده بالسوط ووضعه في الة التعذيب. هكذا كانوا يفعلون بنا 
عندما كنا صغارا. لا بد من عمل ذلك. يا للملاك المسكين. 

ثم وقفت على قدميها. 

- لا بد لي من الذهاب اليها. 

- ولا بد لي من رؤيته. 

- عليك ان تخبره نيابة عي انه دمر سعادة ارق واعذب... 

- نعم» نعم نعم»... هدإي من روعك الان. وحاولي ان تعرقي السبب الذي 
يدفع الخادمة الشابة الى مثل هذا الحزن. ان من يراها يظن ان قلبها انفطر. 

ودعت السيدة ترانتر الطبيب حي حرج ثم كفكفت دموعهاء وارتقت 
السلالم» واتجهت صوب غرفة ايرنستينا. كانت الستائر مسدلة» الا ان ضوء النهار 
كان ينساب من خلال الحواشي» في حين حلست ماري قرب الضحية» وفضت لا 
رأت سيدقا تدحل. كانت ايرنستينا نائمة نوما عميقاء وقد استقلت على ظهرهاء 
الا ان رأمسها كان بميل الى احد الحانبين. كان وجهها هادئاء متماسكا على نحو 
غريبء وانفاسها هادئة هي الاخرى. بل كان هناك ما يشير الى ابتسامة شاحبة 
فوق تلك الشفتين. صدمت مفارقة ذلك الحدوء السيدة ترانتر ثانية» الطفلة العزيزة 
المسكينة» عندما استيقظت... وثبت الدموع من مقلتيها. فضت قليلاء وكفكفت 
دمعهاء ونظرت الى ماري اول مرة. في الحقيقة» ان ماري بدت الان مثل نفس في 
قعر المأساة» بدت على النحو الذي كان ينبغي ان تظهر فيه تيناء الا انها لم تظهر. 


410 


وتذكرت السيدة ترانتتر كلمات الطبيب المتسمة بالشكوى الى حدّ ما لدى 
انصرافه. أومات الى الخادمة ان تلحق مماء وحرحت الاثنتان الى فسحة السلالم» 
وتحدثتا همسا والباب نصف مغلق. 

- الان قولي لي ماذا حدث ايتها الطفلة. 

- هبط السيد تشارلز السلا لم في حين كانت الانسة تينا مستلقية» وقد فقدت 
وعيهاء وهرع الى الطبيب. فتحت الانسة تينا عينيها الا انها لم تقل شيئا فساعدتا 
في النهوض. لم اعرف ماذا افعل. كنت في غاية الرعب يا سيدق. كانت تبدو 
وهي تضحك وتولول دون توقف. ثم قدم الطبيب غروغان وهدأ من روعهاء اوه 
يا سيدني. 

- كفى بكاء يا ماري. كنت فتاة طيبة. الم تقل شيئا؟ 

- لا شيء سوى عندماً صغدت السلالم يا سيدق وسألتئ اين السيد تشارلز 
يا سيدي فقلت ها انه ذهب ليستدعي الطبيب. هكذا كانت البداية يا سيدق. 

- صه» صه. 

کان صوت ماري قد بدا يرتفع» وكانت هناك اعراض قوية تدل على اها 
مصابة بامستيريا. على اي حال» كان لدى السيدة ترانتر دافع قوي للمواساةء لهذا 
طوقت ماري بين ذراعيهاء وشرعت تربت على رأسها. على الرغم من انها بعملها 
هذا قد حرقت كل القوانين المناسبة فيما يخص العلاقة بين السيدة والخادمة. كان 
ج ا قدا اشكاة اكا ابييل اللي ار لت وان م علية من اا 
الاخرى. واخخيرا هدأت. 

- الان ما الخطب؟ 

- انه سام يا سيدق. انه في الطابق السفلي. لقد تكلم كلاما فظيعا مع السيد 
تشارلز يا سيدټ» وتخلى عن خدمته. 

كظمت بكاء متأخرا. 

- نحن لا ندري ما الذي سيحل بنا. 

- كلمات فظة؟ مي حدث هذا ايتها الطفلة؟ 

- قبل محيئك يا سيدني» حسب تفسير الانسة تينا يا سيدي. 

- كيف حدث ذلك؟ 


411 


- كان سام يعلم ان ذلك سيحدث,. ان السيد تشارلز رحل شرير يا سيدي. 
اوه يا سيدي. كنا نريد ان نخبرك يا سيدي. الا اننا ما كنا لنجحرق. 

تناهمى الى السمع صوت واهن من الغرفة. فاسرعت السيدة ترانتر وألقت 
نظرة» الا ان الوجه ظل هادئا ينعم بنوم عميق. فخرحت ثانية الى الفتاة ذات الرأس 
احي. 

- سأبدا المراقبة الان يا ماري» ولنتحدث فيما بعد. 

احنت الفتاة رأسها اكثر مما مضى. 

- اتحبين سام هذا؟ 

- نعم يا سيدي. 

- ايحبك هو؟ 

- هذا هو السبب الذي جعله لا يرغب في الذهاب بمعية سيده يا سيدي. 

- قولي له ان ينتظر. لا بد لي من الحديث معه. وسنعثر له على عمل. اذ ذاك 
رفعت ماري وجهها الممتلئ بالدموع. 

- انا لا اريد ان اتركك يا سيدي. 

- لن تتركيين البتة ايتها الطفلة حى يوم زفافك. 

انمحنت السيدة ترائتر الى الامام» وقبلت جبينها» ثم ذهبت وجلست قرب 
ايرنستينا في حين ذهبت ماري الى الطابق السفلي. ما ان وصلت الى المطبخ حى 
هرعت الى الخارج - تحت انظار الطاهية وازدرائها - واتحهت صوب ظلال 
الليلك وذراعي سام القلقتين» التواقتين في آن واحد. 


412 


53 





اذ اننا نرى الى اين اوصلنا ذلك... الاصرار على الكمال في جزء واحد من 
طبيعتنا لا في كلهاء انتقاء الجانب الاخلاقي؛ جانب الطاعة والفعلء لمثل 
هذا الاعتبار الحازم» تقبيد الضمير الاخلاقي هو لحد الان الشيء الاساس, 
وتأجسيل الاهتمام بموضوع الكمال في كل الامور منذ الان والى عالم اخرء 
تطور انسانيتنا تطورا كاملا ومتناسقا. 

ماثيو ارنولد: الثقافة والفوضى 1869 


- استعادت وعيها؟ 

-جعلتها تنام. 

سار الطبيب صوب الجهة الاخرى من الغرفة» ثم وقف واضعا يديه وراء 
ظهره» حدقا الى ما وراء شار ع برود حيث البحر. 

- قالت... قالت شيئا ما؟ 

هر الطبيب رأسه بالنفي دون ان يلتفت» ظل صامتا برهة وجيزة ثم انفجر في 
وجه تشارلز: 

- اني انتظر تفسيرك يا سيدي. 
سارة الا قليلاء وكانت محاولته الوحيدة في تقديتم العذر متمثلة في خداعه غروغان 
نفسه. صب اللوم في ذلك على اعتقاده بأن ايداع سارة اي مصحة عقلية من شأنه 
ان يكون ظلما كبيرا. اصغى الطبيب بصمت رهيبء مركرٌ. ولما فرغ تشارلز من 
كلامه» التفت الى النافذة. 
يناقضون القوانين والمبادئ» واذ ذاك يصبح ف مستطاعي ان اصفه لك. 

- اظنيٰ ساتلقى ما يكفي من العقاب. 

- هذا غير ثمكن. ليس من خلال سجلي الخاص. 

توقف تشارلز هنيهة. 


413 


- لم ارفض نصيحتك دون ان افتش كثيرا في فؤادي. 

- السسيد النبيل ييقى سيدا نبيلا يا ميشسون عندما يرفض النصيحة. وهو لا 
يفعل ذلك لما يكذب. 

- ظننتها ضرورية. 

- مثلما اعتقدت ان اشباع شهوتك ضروري. 

- لا اقبل بتلك الكلمة. 

- الافضل لك ان تتعلم قبولها. فهي الكلمة الي سيلصقها العالم بسلوكك. 

تقدم تشارلز صوب المنضدة الوسطية» ووقف واضعا احدى يديه فوقها. 

- اتريد مين يا غروغان ان اعيش حياة تعتمد على المظاهر؟ الا يكفي ان 
عصرنا كما هو مليء بنفاق معسول اللسان» بالترلف لكل ما هو زائف في 
طبائعنا؟ اكنت تريد ان اضيف الى كل ذلك النفاق؟ 

- كنت اريد ان تفكر مليا قبل ان تورط تلك الفتاة البريئة في بحثك عن 
معرفة الذات. 

- افي وسعنا المرب من سلطة تلك المعرفة لما تمنح لناء بغض النظر عن المقت 
الذي تنم عنه تلك العواقب. 

اشاح الطبيب بوجهه الذي بانت عليه تكشيرة صغيرة صلبة. رأى تشارلز انه 
غاضب» متوتر» وقي حالة من الارتباك بعد الوعيد الاول» لا يدري كيف يتعامل 
مع هذا التحدي الرهيب للتقاليد الريفية. في الحقيقة» كان هناك صراع ناشئ بين 
غروغان الذي قضى ربع قرن من حياته حي الان في بلدة لاتم» وغروغان الذي 
طاف العالم. هناك اشياء احرى: استلطافه تشارلز» رأيه الخاص - الذي لا يختلف 
كثيرا عن رأي السير روبرت» بأن ايرنستينا كانت شيئا جميلا صغيراء الا انها شيء 
تافه صغير ايضا. وهناك ايضا حادثة مدفونة منذ زمن طويل في ماضيه لا ضرورة 
لكشف طبيعتها الخاصة الا بقدر ماء جعلت اشارته الى الشهوة مسألة اقل 
موضوعية مما اراد بدرحة كبيرة. وظلت لمجته مؤنبة؟ بيد انه تحنب السؤال 
الاخلاقي الذي طْرح عليه. 

- انا طبيب يا سميئسون. ولا اعرف سوى قانون واحد مهيمن. المعاناة كلها 
شر. رعا كانت ضرورية. الا ان ذلك لا يغير من طبيعتها الاساسية. 


414 


- لا ارى من اين هو منبع الخير» ان لم يكن من الشر. كيف يستطيع المرء ان 
يشيد ذاتا افضل ما لم يكن ذلك على انقاض الذات القديمة؟ 

- وانقاض تلك المخلوقة الشابة المسكينة المرمية على قارعة الطريق؟ 

- الافضل ان تعاني مرة واحدة» ان تتحرر مي لا... 

وهنا الترم الصمت. 

- اه. انت متأكد من ذلكء اليس كذلك؟ 

لم يقل تشارلز شيئاء فحدق الطبيب بالشارع. 

- لقد ارتكبت حرعة» وعقوبتك هي ان تتذكرها طيلة حياتك. فلا تمنح 
نفسك الغفران. فالموت وحده هو الذي سيحلك من تلك التبعة. 

حلع نظارته» ومسحها يعنديل حريري احضر اللون. ران صمت طويل؛ 
طويل جدا؛ وفي النهاية جاء صوته ااحف حدة» الا انه ظل مؤنبا. 

- هل ستتزوج الفتاة اللاخرى؟ 

زفر تشارلز زفرة ارتياح محازي. فما ان دحل غروغان تلك الغرفة حى ادرك 
ان توكيداته الذاتية السابقة - بانه لا يهتم لرأي طبيب مدينة للسباحة كانت 
فارغة. ثمة شعور انساني في اعماق الايرلندي احترمها تشارلز كل الاحترام. لقد 
كان غروغان مئل على نحو ماء كل الاشياء ال يحترمها. كان يعرف انه لا 
يستطيع ان يتوقع غفرانا كاملا للخطاياء الا انه يكفي له ان يشعر ان الحرمان من 
حقوق عضوية الكنيسة لن يكون قدره. 

- تلك هي نيي الخالصة. 

- اتعرف هي ذلك؟ ااحبرها؟ 

- نعم. 

- من المؤكد انما وافقت على عرضك؟ 

- لدي كل الاسباب الى تحملى على الاعتقاد بهذا الشيء. 

وهنا شرح ظروف رحلة سام في ذلك الصباح. 

استدار الطبيب كي يواحهه. 

- اعرف انك لست شريرا يا سميشسون. واعرف انك ما كنت لتنصرف على 
ذلك النحو ما لم تصدق بتفسير الفتاة نفسها لسلوكها الغريب. الا اني احذرك 


415 


بأن شكا ماء يظل قائما. ومثل هذا الشك لا بد ان يلقي ظله على اي حماية 
تفرضها عليها في المستقبل. 

- احذت ذلك بعين الاعتبار. 

غامر تشارلز بالابتسام ابتسامة رقيقة. 

- مثلما احذت بعين الاعتبار غمامة الرياء المشوش في حديث بي جنسنا عن 
النساء. فهم يتخذون اماكنهم» اليس كذلك؟ مثل الكثير من محتويات محل ما 
يتركوننا ندحل ونقلبها ونشير الى هذا او ذاك؛ فاعجب بواحدة. ولو وافقوا على 
ذلك لقلنا انه امر حسن» محترم متواضع. لکن اذا ما امنلكت احدى هذه المحتويات 
الحرأة لقول كلمة والتعبير عن نفسها... اعتقد انها فعلت ما هو اكثر من ذلك. 

سخر تشارلز من الاهانة. 

- لقد فعلت ما هو شائع تقريبا في المجتمع الراقي. لا اعرف لاذا تُمنح البراءة 
العديد من الزوجات اللواتي يلطخن سمعة أزواحهن في ذلك الوسط في حين... 
يضاف الى ذلك انا الذي يجب ان اتحمل اللوم كله. فهي لم تفعل شيئا سوى 
ارسال عنوانهاء وكنت حرا تماما في تحجنب عواقب الذهاب الى ذلك العنوان. 

احتلس الطبيب نظرة صغيرة صامتة اليه. لا بد له من الاعتراف الان بالنزاهة. 
استأنف النظر طويلا الى الشارع وبعد بضع لحظات تكلم بنفس اسلوبه وصوته المعتاد. 

- رعا تقدمت في السن. اعرف ان انتهاكات الثقة الممائلة لانتهاكاتك قد 
اضحت شائعة على نحو يجعل اي امرئ» محافظا عتيق الطراز اذا ما صدمته. اني 
اشاطرك ازدراءك الرياء» سواء كان دينيا او قانونيا. لقد تبدى لي القانون دوما مثل 
حمار. اني لا انتقدك على هذه الاسس ولن انتقدك على اي اسس» بل سأوضح 
لك وجهة نظري وهي: انت تعتقد بانك تنتمي الى نخبة علمية وعقلانية. لا لا. 
اعرف ما ستقول. فانت لست مزهوا مذا. ليكن كذلك. على الرغم من ذلك» 
انت تتمئ ان تنتمي الى تلك النخبة. لا الومك في هذا. اذ اني تمنيت ذلك انا 
شخصيا طيلة حياتي. الا اني اتوسل اليك ان تتذكر شيعا واحدا يا سميشسون. فقد 
قامت النخبة وعلى مدى التاريخ البشري بتعزيز قضيتها من احل الصفوة. الا ان 
الزمن لا يسمح الا بالتماس واحد. 

وضع الطبيب نظارته فوق عينيه ثانية» والتفت الى تشارلز. 


416 


- إنه هذا: ان هذه الصفوة قد قدمت مثلا احلاقية رفيعة الى هذا العام المظلم 
بغض النظر عن الحجج الخاصة الي تطرحها في قضيتها. واذا ما فشلت الصفوة في 
ذلك الاحتبار» فإهًا لا تغدو اكثر من ججموعة مستبدة» سلاطين» جرد اشخاص 
يبحثون عن متعتهم وسلطتهم. خلاصة القول» بحرد ضحايا لرغباتهم الدنيئة. اظنك 
تفهم ما اريد الوصول اليه» ومدى انطباقه على نفسك من هذا اليوم البائس 
فصاعدا. لو اصبحت انسانا افضل واكرم» فرعا يغفر لك. لكن اذا ما اضحيت 
اكثر انانية... فإن لغتك ستكون مزدوجة. 

اطرق تشارلز كي يتجنب النظر الى تلك العينين القاسيتين. 

- لقد افصح ضميري توا عن الشيء الكثير على الرغم من ان هذا الافصاح 
اقل اقناعا. 

- امين اذا. سبق السيف العذل. 

تناول قبعته وحقيبته من فوق المنضدة واتحه صوب الباب. الا انه تردد في 
مكانه؛ ثم مد يده. 

- اين التوفيق في اجتيازك الروبيكون8!". 

امسك تشارلز اليد الممدودة اليه» كأنه غريق. حاول ان يقول شيعا ما» لكنه 
احفق. مرت لحظة ازداد فيها ضغط اصابع غروغان على يده» ثم التفت وفتح 
الباب. نظر من ورائه وعيناه تومضان. 

- اذا لم ترحل من هنا في خلال ساعة» فسأعود وععيي اكبر سوط استطيع 
العثور عليه. 

تيسبّس تشارلز لتلك العبارة» غيران الوميض ظل باقياء وبلع ابتسامة مؤلمة) 
واحن رأسه موافقاء واغلق الباب. 

لقد ترك وحيدا بصحبة دوائه. 


(138)الروشكرن: نهين فن شمالى ابنالا كان يشكل جز ءامن كدو بين الجمهورية الزومائية 
والولايات التابعة لهاء وقد اجتازه يوليوس قيصر عام 9 ق. م مشعلا بذلك نار الحرب 
الاهلية التي جعلته سيد روما. والمراد بالتعبير الوارد اعلاهء كما هو واضح» اتخاذ قرار 


417 


54 





انقلبت ريحي الى ريح شمالية عاتية 
بعد ان كانت تهب خفيضة من الجنوب. 
اي. إتش. كلف: قصيدة 1841 


ايضاحا ل تشارلز: لا بد ان نقول انه ارسل من يبحث عن سام قبل مغادرته 
فندق وايت لاين» الا ان الخادم لم يكن في حجرة بيع المشروب المفضل في الفندق 
ولا في الاصطبلات. والحق ان تشارلز ضمّن مکانه» غير انه لم يستطع ان يرسل 
اليه شخصا الى ذلك المكان» وهكذا غادر بلدة لام دون ان يراه ثانية بعد ان 
ركب عربته في الفناء واسرع في اسدال الستائر. اجتاز ميلين كأنه في عربة نقل 
الموتى قبل ان يرفع الستائر ثانية تا ركا همس المغيب المائلة - اذ بلغت الساعة الان 
الخامسة - تنير طلاء العربة المعتم وتنجيدها. 

غير ان اشعة الشمس ل تنر معنويات تشارلزء الا انه على الرغم من ذلك 
شعر رويدا رويدا وهو يواصل ابتعاده عن لاتم ان عبئا ثقيلا قد انزاح من على 
كتفيه. لقد تعذب بسبب المزيعة» لكنه نحا منها. لقد قبل بتحذير غروغان الصارم 
المتمثل بأن يعيش البقية الباقية من حياته دليلا على عدالة ما فعله. غير انه وجد 
وسط المروج الخضر الصارخة والسياحات المصنوعة من شجيرات شهر أيار/مايو 
في ريف ديفنء انه يصعب عليه عدم رؤية المستقبل على نحو حصب - ثمة حياة 
حديدة امامه» تحديات عظيمة» غير انه سيثبت انه اهل لمواحهتها. ولاحت خحطيئته 
ذات فائدة: فقد منح تكفيره اياها حياته هدفها الذي تفتقر اليه الان. 

وكانت في ذهنه صورة من مصر القديمة - تمثال في المتحف البريطان يمثل 
فرعونا يقف الى حانب زوجته الي وضعت ذراعها من حول خصره في حين 
وضعت الذراع الثانية فوق ساعده. بدا ذلك لتشارلز رمزا تاما للانسجام الزوحي 
ليس في الاقل لأن الشخصين منحوتان من نفس الكتلة من الصخر. انه لم ينحت 
وسارة بعد في مثل ذلك الانسجام» الا اهما من نفس الصخرة. 


418 


ثم اطلق العنان لافكاره عن المستقبل» عن الترتيبات الواقعية. لا بد من ايجاد 
المكان اللائق لسارة في لندن. وينبغي لهما السفر خارج البلاد حالما امكن تسوية 
قضاياه» واستطاع التخلص من البيت في كنزنغتون ووضع حاجياته في المحزن. 
رما يسافران ‏ الى المانيا اولا ومن ثم الى الجنوب في فصل الشتاءء الى فلورنسا او 
روما راذا سمحت الظروف الاهلية بذلك) او رعا الى اسبانيا. غرناطة! الحمراء! 
ضوء القمر» الصوت البعيد للمغنين الغجر. هاتان العينان الرقيقتان اللتان تنمان عن 
العرفان والتقدير... وف غرفة معطرة باريج الياسمين سيستلقيان ويبقيان يقظين بين 
ذراعي بعضهما بعضاء وحيدين الى ما لا نهاية» منفيين الا انما يتحدان في تلك 
العزلة» لا بمكن فصلهما في ذلك المنفى. 

هبط الليل. اشرأب تشارلز وشاهد اضواء اكستر البعيدة. نادى على السائق 
طالبا منه ان يقله اولا الى فندق اسرة انديكوت ثم مال الى الوراء واستلذٌ بالمشهد 
القادم. ان اي شهوة لن تلوئه حتما. انه على الاقل مدين لايرنستينا مثلما هو مدين ' 
لسارة» غير انه رأى ثانية لوحة رائعة من الصمت الرقيق» رأى يديها في يديه... 

وصلا. دحل تشارلز الفندق وا ف السيلة انديكوت بعد ان طلب 
من الرجل ان ينتظره. 

- اوم انت يا سيدي. 

- الانسة وودراف في انتظاري. ساذهب .مفردي. 

كان اذ ذاك قد استدار مبتعدا صوب السلال. 

- لقد رحلت السيدة الشابة يا سيدي. 

- رحلت؟ تقصدين خرجحت؟ 

- لا يا سيدي. اقصد رحلت. 

حملق بوهن فيها. 

- لقد استقلت قطار لندن هذا الصباح يا سيدي. 

- لكنئ... اانت متاكدة؟ 

- مستاكدة مثلما انا واقفة هنا يا سيدي. وقد سمعتها تخبر السائق بوضوح ان 
يقلها الى محطة القطار يا سيدي. وما سالها عن اي قطار قالت له على نحو واضح 
مثلما اتحدث انا اليك الان: قطار لندن. 


419 


تقدمت السيدة العجوز المكتنزة الى امام. 

- حسناء انا مندهشة شخصيا يا سيدي. لا تزال احرة غرفتها مدفوعة للايام 
الثلاثة القادمة. 

- الم تترك اي عنوان؟ 

- ولا سطر يا سيدي. لم تقل كلمة واحدة لي عن وجهتها. 

الغت تلك العلامة السوداء على نحو واضح تماما العلامة الجيدة بفضل عدم 
طلب اعادة مبلغ الايام الثلاثة. 

- الم تترك رسالة لي؟ 

- ظننت انها ذاهبة معك يا سيدي. هذا ما فكرت به. 

كان الوقوف مدة اطول هناك ضربا من المستحيل. 

- هذه بطاقي. لو معت اي اخبار عنها. ارحو اعلامي جا. مؤكدا. تفضلي. 
شيء ما لقاء الخدمة والبريد. 

ابتسمت السيدة انديكوت ابتسامة تزلف. 

- اوه» شكرا لك يا سيدي. مؤكدا. 

- ثم حرجء الا انه عاد بنفس السرعة. 

- الم يات احد الخدم هذا الصباح حاملا رسالة ورزمة صغيرة الى الانسة 
وودراف؟ 

بدت السيدة (انديكوت) كأفا لا تفهم شيئا. 

- بعد الساعة الثامنة مباشرة؟ 

ظلت صاحبة الفندق خالية الذهن لا تفهم شيئا. ثم نادت بيتسي ان الي 
حضرت واستجوبتها سيدها استجوابا دقيقا... حب انصرف تشارلز. 

قالك في مقعده في العربة واغمض عينيه. وشعر دون ارادته انه عدم الارادة. 
لولم يكن مدققا في التفاصيل على ذلك النحوء لو انه حاء بعد سام مباشرة... 
سام! لص! حاسوس! هل اغوي واصبح جاسوسا عند السيد فريعان» او هل يمكن 
تفسير جرعته بوصفها استياء من الثلاثمئة جنيه إنكليزي البائسة؟ الى اي حدّ واضح 
يدرك تشارلز الان المشهد في لايم - لا بد ان سام ادرك ان امره سيكتشف حال 
رحوعهما الى اكستر ولهذا لا بد انه قرا رسالته... فاحمر وجه تشارلز خجلا في 


420 


العتمة. لو راه ثانية فلسوف يدق عنقه» بل انه فكر في لحظة ما في الذهاب الى احد 
مراكز الشرطة ويتهمه ب... حسنا بالسرقة على اي حال. الا انه سرعان ما ادرك 
عبث ذلك. ثم ما هي الفائدة ال سيحققها ذلك في الاساس: اكتشاف سارة؟ 

شاهد ضوءا واحدا في الظلمة الحالكة الي لفته. لقد رحلت الى لندن» كانت 
تعرف انه عش في لندن. لكن لو كان دافعها هو انحيء. كما اوحى بذلك 
غروغان ذات مرة» ودق بابه» او ليس من الاجدر ان يدفعها ذلك الدافع الى العودة 
الى لام حيث تفترض انه سيكون فيها؟ او لم يقرر أن كل ناتا كانت شريفة؟ او 
لا يتعين الا يبدو امامها انسانا مرفوضاء ضائعا الى الابد؟ لمع الضوء الوحيد ثم 
انطفاً. 

في تلك الليلة فعل شيئا لم يفعله منذ سنوات كثيرة. جثا على ركبتيه قرب 
السرير وصلى. وكانت فحوى صلاته ان يجدها؛ لو فتش عنها بقية حياته 
فسيجدها. 


421 


55 


برب ب ب ےھ > »> چ چ س ی 


صاح تويدلدي متعجبا وهو يصفق يديه منتصرا: 
- لماذا؟ عنك! واذا ما توقف عن الحلم فيك فأين ستكونين في رأيك؟ 


قالت أليس: 

- حيث انا الان مؤكدا. 

قال تويدلدي بازدراء: 

لست انت. لن تكوني في اي مكان. لماذا؟ لأنك لست سوى شيء ما في 
حلمه! 


اضاف تويدلدام: 
- اذا ما استيقظ ذلك الملك» فستنطفئين مثل شمعة. 
هتفت أليس ساخطة: 
- ان تتطف 
لويس كارول: عبر المرآة 1872 


وصل تشارلز المحطة في الوقت المحدد صباح اليوم التالي. وبعد ان تدبّر على 
نحو لا يليق بسيد نبيل انزال حقائبه ووضعها في عربة الامتعة واختيار مقصورة 
فارغة من الدرجة الاولى» حلس نافد الصبر منتظرا انطلاق القطار. بين الفينة 
والفينة» كان بعض المسافرين يلقي نظرة الى داخل المقصورة فتزحرهم تحديقة 
غروغان - فهذه المقصورة محجوزة لغير المصابين بالجذام - الي يسهل على 
الانكليز السيطرة بما. انطلقت الصفارة وظن تشارلز انه كسب العزلة الي كان 
يتوق اليها. الا ان وحها ملتحيا ضخما ظهر في اللحظة الاخيرة امام النافذة 
وواجحهت التحديقة الباردة تحديقة اشد برودا من رحل في عجالة من امره يسعى 
الى ايجاد مكان له. 

تمتم القادم المتأحر بعبارة «عفوا يا سيدي» ووجد سبيله صوب الجهة 
القصوى من المقصورة. جلس الرجل البالغ من العمر اربعين عاما او ما يقرب من 
ذلك بقبعته ذات القمة المربعة» واضعا يديه على ركبتيه» مستعيدا انفاسه. في محياه 
ثمة شيء يوقع الأمن في النفس. لعله ليس سيدا نبيلا تماماء رعا رئيس نخدم طموحا 


422 


(الا ان الخدم لا يسافرون بالدرجة الاولى)» او واعظا بروتستانتيا ناححا - من نمط 
سبيرجيون*'“ صاحب المعبد المستأسد الذي يهدي الناس الى مذهب جديد بحرقهم 
ببلاغة رخيصة عن اللعنة الابدية. وفكر تشارلز ان هذا الرحل لا يبعث على 
الارتياح البتة ولذا فانه من الامور النموذجية في العصر لا بد من التعالي عليه اذا ما 
حاول ان يتجاذب اطراف الحديث. 

وكمايحدث أحيانا عندما يحدق حلسة شخص ما الى الناس ويمعن في النظر 
اليهم» فإن تشارلز ضبط متلبسا وهو يحدق على ذلك النحو فاستنكر عمله ذلك اذ 
كان نمة ايضاح واضح حدا في النظرة الحادة المصوبة الى احد الجانبين بأن على 
تشارلز ان يكتفي بالنظر الى نفسه. وسرعان ما حول تحديقته حارج النافذة وعزى 
نفسه ان الشخص رفض الالفة مثلما رفضها هو نفسه. 
- وسرعان ما جعلت الحركة المتوازنة تشارلز يستكين الى حلم اليقظة. كانت 
لندن مدينة كبيرة» لكن لا بد لها من البحث عن عمل على الفور. لديه الوقت» 
الموارد المالية» الارادة» ريما بمر اسبوع» اسبوعان» الا انما بعد ذلك ستقف قبالته. 
رما سيهبط عليه عنوان اخر من فتحة الرسائل. عجلات القطار هي الي كانت 
تقول ذلك: لا - بمكن - لما - ان - تكون - هذه القسوة؛ لا يمكن- لما - ان - 
تكون - بمذه - القسوة, لا يمكن لما - ان تكون - بهذه - القسوة.... احتاز 
القطار الوديان الخضر والحمر واتحه صوب بلدة كولومتون. وشاهد تشارلز 
كنيستها دون ان يعرف موقع المكان» ثم اغمض عينيه بعد ذلك. فهو لم ينم نوما 
هنيئا في الليلة الماضية. 

لم ينتبه رفيق السفر لتشارلز النائم بعض الوقت. لكن ما ان غار ذقنه اكثر 
فاكثر - كان تشارلز قد احتاط للامر بأن خلع قبعته - حي بدأ الرحل الملتحي 
يتفرس فيه وهو مطمئن الى ان فضوله لن تضايقه الدهشة. 

كانت نظرته غريبة: مكسوة همادة غروية» متأملة» مستهجنة كأنه يعرف اي 
مط من الرحال هو هذا (مثلما اعتقد تشارلز اعتقادا تماما اي نمط من الرحال هو)» 


(119) تشارلز هارون سبيرجيون (1834 - 1892): قس بروتستانتي معمداني متطرف وواعظ 
مشهورء مواعظه الاسبوعية المنشورة تملأ اكثر من خمسين مجلدا في الطبعة الكاملة 
لاعماله. اعلن عن ارتيابه في المدخل العلمي الذي نهجه النقد الانجيلي الحديث. (المترجم) 


003 


ولم يعجب بتلك المعرفة ولا النوع. صحيح انه لاح» دون ان يلحظه احد» شخصا 
اقل بروداء دكتاتورياء بيد ان ملاحه ظلت توحي مالة غير مريحة من الثقة بالنفس - 
واذا لم تكن الثقة بالنفس تماماء فإِهها على الاقل في حكمه على الاخرين» في المقدار 
الذي سيجنيه منهم» وما يتوقعه منهم» وما يفرضه عليهم. 

ان تحديقة امدها دقيقة او ما يقرب من ذلك بمكن ان تكون قابلة للتفسير. 
فالسفر بالقطار مثير للسأم؛ ومن الممتع التجسس على الاخرين» وهلم جرا. الا ان 
هذه النظرة المْحدّقة الى اصبحت وحشية في شدقاء استمرت اكثر من دقيقة 
واحدة. استمرت حن تحاوز القطار بلدة تونتون على الرغم من انها قوطعت هناك 
عندما جعل الصوت المنبعث من رصيف المحطة تشارلز يستيقظ بضع لحظات. غير 
انه لما عاد الى نومه ثانية» انشدّت العينان اليه ثانية على نفس النحو الطفيلي. 

رعا تقع تحت النظرة المحدقة نفسها ذات يوم. ورعا تكون واعيا بما - في اطار 
اقل تحفظا من اطار قرننا - فالمراقب العنيد لن ينتظر حن تنام. وما لا ريب فيه ان 
ذلسك سسيوحي بشي غير سار» مدل جنسي منحرف الى حدّ ما... رغبة في 
التعرف اليك على نحو لا تريد ان يعرفك به شخص غريب. وفي جربي الحياتية 
هناك مهنة واحدة لا غير جحد فيها تلك النظرة ما فيها من مزيج غريب من الفضول 
والهيبة» من التهكم والغواية. 

الان هل استطيع استخدامك؟ 

الان ماذا في وسعي ان افعل لك؟ 

انها تماماء وكما بدا لي دوماء النظرة الى يجب ان يظهر ها الاله. هي ليست نظرة 
مقدسة:؛ كما نظن؟ بل هي نظرة تثير الريبة (كما اوضح منظرو الرواية الجديدة). اني 
ارى هذا رؤية واضحة على الوجه؛ نظرة مألوفة لي اكثر ما نبغي» هي نظرة ذلك 
الرحل الملتحي امحدقة الى تشارلز. هذاء وسأتوقف عن التظاهر والادعاء. 

فالسؤال الذي اطرحه وانا اتفرس في وجه تشارلز ليس شبيها تماما بالسؤالين 
الواردين انفا فهو: ما الذي سأفعله بك بحق الله؟ لقد فكرت قبل قليل ان انمي حياة 
تشارلز الان وعند هذه النقطةء ان ات ركه الى ما لا ناية وهو في طريقه الى لندن. 
غير ان تقاليد الرواية الفكتورية تسمح بالنهاية الي تفتقر الى الخاتمة الا انها لم تسمح 
بالنهاية المفتوحة» ولقد ذكرت في مكان سابق ان على وحوب اعطاء الحرية 


424 


للشخصيات. ان مشكلى بسيطة - ما يريده تشارلز واضح؟ نعم في الحقيقة. الا 
ان ما يريده البطل ليس واضحا تماما. وانا لست متأكدا من مكان وجود البطلة في 
هذه اللحظة. مؤكداء لو ان هذين الشخصين بمثلان شريحتين من الحياة الحقيقية 
بدلا من ان يكونا شريحتين من خيالي» فإن المنفذ من هذه المعضلة واضح: المتطلب 
الاول يكافح المتطلب ا الو ل وتتظاهر الرواية 
عادة بالتوافق مع الواقع: فيضع المؤلف المتطلبات المتناحرة في الحلبة ومن ثم يصف 
القتال - الا انه في الحقيقة يرتب القتال» تاركا الجانب الذي يميل اليه يفوز. ونحن 
نحكم على كتاب الرواية من مهارم في ترتيب القتال (بكلمات ادق» في اقناعنا ان 
القتال غير مرئّب) ومن نوع المقاتل الذي يحددون ميلهم اليه: المقاتل الطيب» 


المأساوي» الشرير» المضحك» وهلم جرا. 
ود الحجة الاساسية في ترتيب القتال تنمثل في اظهار الكاتب لقرائه ما 
يعتقده عن العالى المحيط به - فيما اذا كان متشائماء متفائلاء حسبما تريد. لقد 


E u 
عمره قرن من الزمن. ومن العبث اللامحدي اظهار التفاؤل او التشاؤم او اي شيء‎ 
احر فيما بخص ذلك العام لاننا نعلم ما الذي حدث منذ ذلك الوقت.‎ 

ا احد سببا هذه المرة لترتيب 
القتال الذي يوشك ان يشترك فيه. وهذا يترك امامي حيارين اثنين: ان اترك القتال 
يستمر ولا العب فيه سوى دور المسجل له» او ان احذ كلا الجانبین فيه. اني 
اتفرّس في الوجه المنهوك على نحو غامض والعابث تثماما. وف حين نقترب من 
لندن. اعتقد بأني احد حلا؛ اي» اني ارى بأن المعضلة زائفة. والاسلوب الوحيد 
الذي لا استطيع ان اؤدي فيه دورا في المعركة هو ان اظهر وصفين اثنين لما. وهذا 
يبقي لدي مشكلة واحدة: هي اني لا استطيع ان اقدم الوصفين على الفور. وعلى 
الرغم من هذاء فايا كان ثاني الوصفين» فانه سيبدو الوصف النهائي» الوصف 
الحقيقي لأن طغيان الفصل الاخير على درجة بالغة من القوة. 

اتناول محفظة نقودي من حيبي واخحرج منها قطعة نقد من ذوات الشلنين, 
اضعها فوق ظفر ايمامي الايمن واطوح ما في المواء لترتفع مسافة قدمين اثنين (60 
سم) ومن ثم امسك مما بيدي اليسرى. 

425 


فليكن كذلك. وفجأة ادرك ان تشارلز فتح عينيه واحذ ينظر الي. ثمة ما هو 
اكثر من الاستهجان يلوح في عينيه الان؛ انه يدرك اني إِمّا مغامرٌ أو خبول. فأرد 
على استهجانه واعيد قطعة النقد الى محفظة نقودي. يتناول قبعته وبمسح ذرة غبار 
غير مرئية (بديلا عن نفسي) من مخملها ويعتمرها. 

نمر من تحت الاعمدة الحديدية العملاقة الي تسند سقف محطة بادنغتون. 
نصلء فيهبط الى الرصيف ويومئ الى حمال» ويلتفت بعد بضع ثوان» اثر اعطائه 
التعليمات. كان الرحل الملتحي قد توارى عن الانظار بين الحشود. ّ 


426 


50 





ما هي واين هي الان! 
تينيسون: مود 1855 
مكستب تحريات خاص تشرف عليه الارستقراطية وتحت توجيه مباشر 
من السيد بولاكي نفسه. علاقات مع الشرطة السرية البريطانية 
والاجنبية. تحريات دقيقة وسرية تجري في انكلترا والقارة الاوروبية 
والمستعمرات. ادلة تجمع لقضايا في محكمة الطلاق» الخ. 
اعلان من اواسط العهد الفكتوري 


قد ينقضي اسبوعء اسبوعان» الا انها بعد ذلك ستقف قبالته... يبدأ الاسبوع 
الثالث ولم تقف قبالته. لا يمكن لتشارلز ان يتصدّع» فقد كان هناء هناك في كل 
مكان. 

وقد حقق هذا الوجود في كل مكان باستمجار اربعة مخبرين سريين - اما اذا 
كانوا تحت اشراف السيد بولاكي التام» فهذا ما لست واثقا منه» الا انهم عملوا 
بحد اذ كان ينبغي لهم ذلك لأن مهنتهم كانت مهنة حديثة تماما عمرها احدى 
عشرة سنة لا اكثر وكانت مثار احتقار عام. فالسيد النبيل الذي يطعن شخصا 
حي الموت في عام 1866 كان عمله يعد عملا مناسبا. وقد حذرت جلة بنش 
قائلة: «لو سار الناس مرتعبين مثل من يقدم على الخنق فعليهم تحمل العواقب». 

بذل رحال تشارلز جهودهم اول مرة في مكاتب المربيات» دون طائل. 
وحاولوا البحث قي احالس التعليمية لكل الملل الي تدير مدارس الكنيسة. بل ان 
تشارلز نفسه استأجر عربة وامضى ساعات عقيمة في الببحث» كانت عيناه 
العنيدتان في اثنائها تنظران مليا الى وحه كل انثى شابة يمر به» في مناطق لندن 
الفقيرة - الارستقراطية. لا بد ان سارة تسكن في واحدة منها: في - بكهام» في 
بنتونفيل» في بوتيْ؛ بحث في عشرات المناطق المتشايهة ذات الشوارع الحديثة» 
الانيقة» وفي البيوت الي تعمل فيها خادمة واحدة. كما ساعد رجاله في التحري 


407 


عن مكاتب النساء الحديدة الآحذة بالانتشار. فكان يتضح فيه عداء عام لادم طالما 
ان هذه المكاتب تحملت كل المسؤولية عن الانحياز الذكري كما انها بانت من اهم 
الاماكن لنشوء حركة التحرير. اظن ان هذه التجارب العقيمة في المسألة الوحيدة 
ال كان يهتم مها لم تكن مضيعة عنده. اذ شرع يدرك رويدا رويدا مظهرا واحدا 
من مظاهر سارة على نحو افضل: شعورها بالاستياء» بالظلم» الناجمين عن التحيز 
الذي يتعذر علاجحه في ابجتمع. : 

استيقظ صباح يوم ليجد نفسه في منتهى القنوط. فقد بات يقينا في نظره 
الاحتمال الرهيب في امتهاما البغاءء وهو القدر الذي الحت اليه ذات مرة. في ذلك 
المساء حرج في حالة من الذعر الى نفس منطقة هاما ركت الي زارها من قبل. اما 
الشيء الذي تخيله سائق العربة فهذا ما لا استطيع افتراضه. الا انه لا بد قد اعتقد 
ان الراكب من اشد الذين عرفهم وسوسة. فقد سارت العربة بين هذه الشوارع 
ساعتين» ولم يتوقفا الا مرة واحدة» فقد شاهد السائق مومسا ذات شعر احمر تحت 
مصباح غازي. الا ان نقرتين اوعزتا اليه بالمضي قدما. 

م تنتظر عواقب خياره الحرية كي تفرض عليه ضريبتها. فالرسالة الاخيرة الي 
بعث يما الى السيد فريمان ظلت بلا رد عشرة ايام. الا انه اضطر ان يوقع على 
استلام رسالة وصلته باليد وكانت منذرة بالنحس» ارسلها محامو السيد فريعان. 

سيدي» 

فيما يخص الانسة ايرنستينا فريمان 

«احبرنا السيد ايرنست فريمان» والد المذكورة اعلاه الانسة ايرنستينا فريعان» 
راحيا حضو ركم الى هذا المكتب في الساعة الثالثة من يوم الجمعة القادم. ان عدم 
حضو ركم سينظر اليه على انه اعتراف في حق موكلنا في اقامة الدعوى». 

اوبري وباغوت 

احذ تشارلز الرسالة الى محاميه الذين كانوا يعالجون قضايا اسرة سميفسون منذ 
القرن الثامن عشر. وكان مونتاغ الحالي شابا اكير قليلا من تشارلز نفسه الذي 
جلس يراوده الاحساس بالعار وهو الاثم المعترف قبالة مكتبه. كان الاثنان في 
ونشستر معا؛ لم يكونا صديقين ودودينء الا اهما كانا يستلطفان بعضهما بعضا 
ها فيه الكفاية. 


428 


- حسناء ماذا يعن هذا يا هاري؟ 

- يعون يا فتاي العزيز انك تملك حظ الشيطان» وهم جبناء. 

- لماذا يرغبون في رؤيي اذا؟ 

- لن يتركوك كليا يا تشارلز. هذا الامر يتطلب اشياء كثيرة» وتخميئي هو 
امم سيطلبون منك اعترافا خطيا. 

- اعترافا بالذنب. 

- تماما. احشى انك ستواجه حتما ادلة شرسة» الا اني لا استطيع الا ان 
انصحك بالتوقيع عليهاء اذ ليست لديك اي حجة. 

في عصر تلك الجمعة» اقتيد تشارلز ومونتاغ الى غرفة انتظار كثيبة في 
واحد من مبان الحيئات القانونية الاربع في لندن"'. شعر تشارلز ان الامر 
يشبه ما يكون بالمبارزة» وان مونتاغ مساعده. وثُركا ينتظران طويلا ح 
الساعة الثالثة والربع. ولا كان مونتاغ قد توقع مثل هذا العقاب الاولي» فقد 
تحمله الاثنان .متعة عصبية. 

واحيرا طلب اليهما المثول. نمضء رجحل مسن قصير القامة» سريع الغضب من 
وراء مكتب كبير» ووقف من ورائه السيد فربمان الذي كان يتفرس في تشارلز. في 
الحقيقة» كانت عيناه هادئتين» احتفت منهما كل يبهجة. انحن تشارلز له الا انه لم 
يتلق اي رد. صافح الحاميان احدهما الاخر بجفاف. وكان هناك رجل خامس: 
رحل طويل القامة» نحيف» اصلع الرأس» ذو عينين داكنتين» نفاذتين» حفل مونتاغ 
لمرآه على نحو غير محسوس. 

- اتعرف السيد امحامي ميرقي؟ 

- من معته لا اكثر. 

كان المحامي من الطراز الاول يع في العهد الفكتوري مستشارا قانونيا عالي 
الرتبة. وكان الحامي ميرقي قاتلاء اكثر الناس اثارة للرعب في زمانه. 

اشار السيد اوبري على نحو قطعي الى مقعدين يجلس عليهما الزائران» ثم 
جلس ثانية. اما السيد فربعان فقد ظل واقفا وقفة عنيدة. قلب السيد اوبري مجموعة 


(120) هذه المبانسي تابعة لاربع جمعيات او هيئات لطلاب الحقوق والمحامين وهذه الجمعيات 
الاربع من حقها وحدها منح الاجازة لممارسة مهنة الحقوق في بريطانيا. (المترجم) 


009 


وامماسع مع مكو تناك كرض نت ع اتن 
الارهابي المألوف في مثل هذه الاماكن: جحلدات المثقفين» سجلات رسمية مجلدة 
ومربوطة بشريط اخضرء اضابير كثيبة لقضايا منتهية وضعت في اماكن عالية من 
حول الغرفة كأها قوارير ابراج حمام مزدحمة. 

رفع امحامي العجوز بصره الى الاعلى على نحو قاس. 

- اعتقد» يا سيد مونتاغ» ان حقائق الانتهاك المريع لحذه الخطوبة غير قابلة 
للنقاش. ان لا اعرف اي تفسير قدّمه لك موكلك لسلوكه. غير انه قدم الدليل 
الوائي لذنبه في هذه الرسالة الموجهة للسيد فريعان» على الرغم من اني اوضح بأنه 
اراد مثل هذه الصفاقة ان... 

- ان مثل هذه التعابير في ظروف كهذه يا سيد اوبري... 

تدحل الخامي ميرقي. 

- اتفضل ان تسمع اللغة الى استخدمها انا شخصيا يا سيد مونتاغ - وقي 
محكمة علنية؟ 

- احذ مونتاغ نفسا ثم اطرق. فنظر اليه اوبري العجوز نظرة مليّة تنم عن 
استهجان لا حدود له. 

- كنت اعرف المرحوم حدك يا مونتاغ معرفة حيدة» واعتقد انه لو كان حيا 
لفكر مليا قبل ان يتبئ قضية موكل مثل موكلك. لكن لنترك هذا الامر في الوقت 
الحاضر فقط. اني اعد هذه الرسالة... 

وهنا رفع الرسالة عاليا كأنه يحملها .ملقط. 

- اع هذه الرسالة المشينة مثابة زيادة الطين بلة» .ممحاولتها المحزية لتبرئة 
الذات والغياب التام لاي اشارة للعلاقة الاجرامية الدنيئة الت يعلم كاتبها جيدا انما 
اكثر مظاهر جرعته قتامة. 

رمق تشارلز بنظرة غاضبة. 

- لعلك ظننت يا سيدي ان السيد فريمان لم يكن مطلعا اطلاعا كافيا على 
علاقتك الغرامية. أنت مخطى. اننا نعرف اسم الانثى الي تورطت وايّاها في مثل 
هذا الاتصال الجنسي الوضيع» ولدينا شاهد على الظروف الي لا اقرى على 
وصفها بأي صفة لما تثيره في من تقزز واشمئزاز. 


430 


احمر وجه تشارلز حجلاء في حين نفذت عينا السيد فربمان اليه. ولم يستطع 
فعل اي شيء سوى ان يخفض رأسه» وان يلعن سام. قال مونتاغ: 

: م يأت موكلي الى هنا دفاعا عن سلوكه. 

- واذ ذاك لن تدافع عن اي اجراءات؟ 

- ان شخ صا له مثل صيتك في مهنتنا لا بد ان يعلم اني لا استطيع الاجابة 
عن ذلك السؤال. 

تدحل المحامي ميرف ثانية. 

- ألن تدافع عن اي اجراء اذا ما اتخذ؟ 

- مع احترامي يا سيدي» اني لا بد ان اتحفظ على القرار فيما بخص تلك 
القضية. 

شوهت ابتسامة ماكرة شفي الحامي ميرثي. 

- ليس القرار موضع نقاش يا سيد مونتاغ. 

- افي وسعنا الاستمرار يا سيد اوبري؟ 

احتلس السيد اوبري النظر الى الحامي ميرف الذي اومأ ليماءة متجهمة. 

- ليست هذه فرصة ينبغي لي ان اقدم النصح فيها يا سيد مونتاغ بضرورة 
التوقف وقفة طويلة اكثر ما ينبغي عند مرافعة محامي الدفاع. 

قلب الاوراق ثانية. 

- سأحتصر المسألة. ان نصيحي للسيد فريمان كانت واضحة. ففي تحربي 
الطويلة» تحربيٍ الطويلة جداء اقول ان هذا اقذر مثال لاسوأ سلوك يقع تحت 
نظري. فمو كلك مم يستحق العقاب الصارم الذي سيحل به حسب. فانا اعتقد 
اعتقادا راسخا ان مثل هذا التصرف الشائن ينبغي ان يعرض على الملا ليكون عبرة 
للاخحرین. 

صمت صما طويلا كي ُستوعب كلماته استيعابا عميقا. تمى تشارلز لو 
كان في وسعه ان يسيطر على الدم المتدفق الى وحنتيه. احيرا اطرق السيد فريعان» 
غير ان انحامي ميرني كان يعرف جيدا كيف يستغل الشاهد النجول. فوضع ما 
يسميه امحامي الحديث السن المعجب اسئلته المهلكة الي تبرز فيها على نحو لطيف 
السخرية والسادية. 


431 


استأنف السيد اوبري حديثه بلهجة جديدة هادئة. 

- على اي حال» ولاسباب لن احوض في تفاصيلهاء فإن السيد فريمان اخحتار 
ان يظهر الرأفة في قضية لا تستوحبها. وهو لا يريد في الوقت الحاضر ان يرفع 
القضية الى المحاكم» لكن بشرط. 

بلع تشارلز ريقه» ونظر الى مونتاغ. 

- اني واثق بأن م وكلي ممتن لموكلك. 

- بناء على نصيحة سديدة. فقد... 

مال السيد اوبري صوب الحامي ميرقي الذي احين رأسه احتراما دون ان يحول 

-... هيأت اعترافا بالذنب. لا بد لي ان اعلمك ان قرار السيد فريمان عدم 
اقامة الدعوى في الحاكم على الفور يعتمد اعتمادا كليا على توقيع موكلك الوثيقة 
في الوقت الراهن وف اثناء وحودناء وبشهادتنا جميعا. 

وهنا سلم الوثيقة مونتاغ الذي القى نظرة اليها ثم رفع بصره. 

- هل لي بطلب الحديث الى موكلي على انفراد حمس دقائق؟ 

- ان مندهش ثماما اذ ترى الحديث ضروريا. 

انتفخ قليلا غير ان مونتاغ ثبت على موقفه. 

- حسنا جحدا» حسنا حدا. اذا كان ذلك ضروريا. 

وهكذا وجد هاري مونتاغ وتشارلز نفسيهما ثانية في غرفة الانتظار الكثيبة. 
قرأ مونتاغ الوثيقة ثم ناولا بجفاف الى تشارلز. 

- حسنا. هذا هو علاجك. لا بد لك من تناوله يا فتاي العزيز. 

وقي حين حدق مونتاغ الى ما وراء النافذة» قرأ تشارلز الاعتراف 
الت 

اني تشارلز الجرنون هنري “ميشسون اقر اقرارا كاملا وبكل حرية وبلا اي 
اعتبار سوى رغبي في اعلان الحقيقة ب. 
1. اني تعهدت بالزواج بالانسة ايرنستينا فيرمان. 
2. لم يقدم لي اي سبب كان من الطرف البريء الانسة ايرنستينا فربمان المذكورة 

432 


3. لقد احطت علما تماما مكانتها في المجتمع» شخصيتهاء مهر زواجهاء وافاق 
المستقبل قبل ان احطبها وان اي شيء لم اعرفه فيما بعد عن الانسة ايرنستينا 
فرعان المذكورة انفا ليناقض او ينكر ما ذكرته» 

4. لقد فسخت ذلك العهد دون سبب عادل وبلا اي مسوغ سوى انانيي 
وحيانق الاجرامية» 

5. انين ارتبط ارتباطا سريا بعلاقة مع فتاة تدعى سارة اميلي وودراف المقيمة في 
لام ريجيس واكستر وقد حاولت ان احفي هذه العلاقة» 

6. ان سلوكي في هذه القضية كان سلوكا شائناء ولهذا السبب فقد فقدت الحق 
في ان اعد سيدا نبيلا الى الابد. 
علاوة على ذلك» فانئ اقر واعترف بحق الطرف المتضرر في اقامة الدعوى في 

احاكم ضدي الى احل غير مسمى وبلا اي شروط. 
علاوة على ذلك فانئ اقر واعترف ان الطرف المتضرر في وسعه ان يستخدم 

هذه الوثيقة في اي شأن وحسب رغبتها. 
علاوة على ذلك» ان توقيعي في ادناه قد اعطى بارادي الحرة وفي ضوء فهم 

تام للظروف الواردة» وفي ضوء الاعتراف الصريح بسلوكي ودون اي ضغط او 

قديد, ودون اي اعتبار لاحق ودون الحق في التعويض» النقض» الاعتراض» او 

الانكار بأي حصوص» الان ومستقبلاء وتحت كل الظروف المشار اليها في اعلاه. 
- اليست لديك ملاحظة عنها؟ 
- لا بد من وجود حلاف بشأن الصياغة. فما من شأن اي حام ان يضع 

النقطة السادسة وهو سعيد. ولو انتقلت القضية الى الحاكم» فإن في وسع المرء ان 

يحادل بأن ما من شأن اي نبيل ان يعترف مثل هذا الاعتراف الا اذا كان تحت 
وطأة التهديد. في وسع الحامي ان يتبين الكثير من هذا. وهي في صالحنا. واني 
لمندهش تمام الاندهاش كيف سمح اوبري وميرقي بذلك. اعتقد ان هذه العبارة من 

وضع الاب. انه يريد ان يذل نفسه. 
- عمل قذر. 
بان كأنه يريد ان بمزقها اربا اربا. فأحذها منه مونتاغ برفق. 
- القانون لا يهتم بالحقائق يا تشارلز. ينبغي ان تعرف هذا الشيء الان. 


433 


wh 


- وهذه العبارة: «يستخدم هذه الوثيقة في اي شأن وحسب رغبتها» ما 
الذي تعنيه بحق السماء؟ 

- قد تعيٰ ان الوثيقة مدرحة في صحيفة التايمر. يبدو اني اتذكر شيئا مشاها 
حدث قبل بضع سنوات الا ان لدي الاحساس بأن فريمان العجوز يريد ان يبقي 
القضية سرية. كان في وسعه ان يستدعيك للمثول امام المحكمة لو اراد ان يعاقبك. 

- اذا ينبغي لي ان اوقع. 

- اذا اردت فانئ استطيع الذهاب والمناقشة في بعض المصطلحات الواردة - 
الي تستطيع من خلال بعضها ان تلتمس ظروفا مخففة اذا ما رفعت الى المحاكمة. 
الا اني انصح بخلاف ذلك. فالقسوة الشديدة الموضحة كما هي ستكون في 
صالحك اكثر. وهي تفيدنا في ان يدفعوا الثمن. واذا ما اقتضت الضرورة» ففي 
وسعنا ان نحاحج بأن الوثيقة كانت مشهدا لعينا قاسيا. 

اومأ تشارلز ثم نضا واقفين. 

- هناك شيء واحد يا هاري. اتمئى ان اعرف كيف حال ايرنستينا. اني لا 
استطيع الاستفسار منه. 

- سأتأكد ان كان في وسعي ان اتحدث الى اوبري العجوز فيما بعد. وهو 
ليس سيئا الى هذا الحدء وقد اضطر الى المبالغة في تصوير الصعوبات امام الاب. 

هكذا رجعا ووقعت الوثيقة» اذ وقعها تشارلز اول مرة ثم وقعها الاحرون كل 
بدوره. ظل الحميع واقفين وساد صمت قصيرء محير. ثم تحدث اخيرا السيد فريعان. 

- والان لا تلطخ حيات ثانية ايها السافل. تمنيت لو اني اصغر سنا لكنت... 

- عزيزي السيد فريمان!! 

اسكت صوت اوبري العجوز الحاد موكله. تردد تشارلز ثم انحئ لكلا 
الحامين وغادر المكان يتبعه مونتاغ. 

غير ان مونتاغ قال له نخارجا. 

- انتظرن في العربة. 

بعد دقيقة او دقيقتين استقل هو الاخر العربة الى جانب تشارلز. 

- افها عللى ما يرام» كما يتوقع. تلك هي عبارته. وقد افهمين ما سيفعله 
فريمان لو حاولت الزواج ثانية. انه سيكشف الوثيقة الي وقعتها يا تشارلز امام 


434 


انظار من سيصبح حموك في المستقبل. وهو يرمي بذلك الى ابقائك اعزب طيلة 
حياتك. 

- منت مثل هذا الشيء. 

كما اخبرنى السيد اوبري العجوز عن الشخص الذي انت مدين له باطلاق 
سراحك لحسن سلوكك. 

ودين ا؟ هداما ية ابا 

- كان يسعى الى الانتقام» الا ان السيدة الشابة استبعدت ذلك كما يتضح. 

ترنحت العربة مئة ياردة (91 مترا) قبل ان يتكلم تشارلز. 

- لقد لوثت معي الى الابد. 

- اذا اردت ان تكون مؤمنا في عالم من المتزمتين فلا يمكنك ان تتوقع علاجا 
احر. اني متيم مثل الرحل الذي يجلس الى حواري بأي فتاة جميلة. ولا الومك في 
هذا. لكن لا تقل لي ان الثمن م يكن عادلا. 

مالت العربة في سيرهاء في حين حدّق تشارلز منقبض النفس الى الشارع 
المغمور بنور الشمس. 

- اتمئى لو كنت ميتا. 

- اذا لنذهب الى مطعم فيري ونلتهم سرطانا او سرطانين من سراطين البحر» 
وستخبرن عن الانسة وودراف الغامضة قبل ان تموت. 

اثارت المقابلة المهينة الاحباط في نفس تشارلز بضعة ايام. وانتابه توق شديد 
الى السفر حارج البلاد» والى الا يرى انكلترا ثانية. ناديه» معارفه» ليس في 
مستطاعه رؤيتهم ثانية. واعطى تعليماته بانه ليس في البيت. واندفع للبحث عن 
سارة اندفاعا نشطا. وفي يوم من الايام عثر مكتب التحريات على فتاة تدعى 
الانسة وودبري» بدأت عملها حديثا في احدى كليات البنات في ستوك نيو 
ونيغتون» وهي ذات شعر كستنائي تنطبق عليها الاوصاف الي قدمها. وقضى 
ساعة مؤلمة عصر احد الايام حارج الكلية. ولما خرجت الانسة وودبري في مقدمة 
كو كبة من الفتيات الشابات وجد انها لا تحمل سوى القليل من الشبه بسارة. 

حل شهر حزيران/يونيو» وكان شهرا رائقا على نحو مدهش. وبقي حال 
تشارلز كما هو عليه» غير انه توقف عن البحث مع اقتراب الشهر من مُايته. اما 


435 


مكتب التحريات فقد ظل متفائلاء الا انه لا بد من الاحذ بنظر الاعتبار الاحور 
الي يتعين عليه دفعها له. فقد تم البحث في اكستر اضافة الى لندن» بل ارسل احد 
الرحال للتحقيق سرا في لام وتشارماوث» بلا طائل. وقي مساء احد الايام» طلب 
تشارلز من مونتاغ ان يتناول الافطار معه في منزله في كنزنغتون ووضع نفسه 
تحت تصرفه على نحو صريح وبائس. ما الذي ينبغي له فعله؟ لح يتردد مونتاغ في 
اخباره. يحب ان يسافر الى ارج البلاد. 

- ما هو هدفها اذا؟ ان تسلم نفسها الي - ومن ثم ترميئ كأني لا شيء. 

- اغفر لي اذا قلت ان الافتراض الاخير هو الصحيح. او لم يكن ذلك 
الطبيب على حق؟ انت واثق بأن دافعها لم يكن التدمير الشرس؟ ان تحطم 
مستقبلك؟ ان تضعفك وتحولك الى ما أنت عليه يا تشارلز؟ 

- لا استطيع ان اصدق ذلك. 

- عليك ان تصدق ان الادلة كافية حي يتوفر ما يناقضها. 

- ثمة صراحة... نزاهة وراء كل قصصها وخداعها. لعلها توفيت» فهي لا 
تملك» وليس ها اسرة. 

- اذا دعي ارسل كاتبا ليلقي نظرة على سجل الوفيات. 

نظر تشارلز الى هذه النصيحة المعقولة كأهًا اهانة. الا انه قبل ما في اليوم 
التالي» لكن لم يكن هناك ما يشير الى وفاة سارة وودراف. 

اضاع وقته اسبوعا اخحر» وفجأة قرر ذات مساء ان يرحل خارج البلاد. 


436 


57 





0 
كل لنفسه. لا تزال هي القاعدة 
نتعلمها عندما نذهب الى المدرسة - 


وليأخذ الشيطان من يبقى في الاخيرء اوه! 
اي. إتش. كلف: قصيدة 1849 


دعون الان انتقل عشرين شهرا الى امام» الى يوم منعش في اوائل شهر 
شباط/فبراير عام 1869» وصل اخيرا في اثناء ذلك غلادستون الى رئاسة الوزارة في 
0 داوننغ ستريت» وتم اخر اعدام علي في انكلترا. وكان كتاب خضوع النساء 
لميل وكلية غيرتون على وشك الظهور. اما مر التابمز فكان بلونه المألوف 
الرصاصي - الطيي السيئ الصيت. الا ان السماء العالية كانت زرقاء على نحو 
ساخحر. واذا ما نظر المرء الى اعلى فقد يظن انه في فلورنسا. 

عن النظر الى الاسفلء على امتداد السدة الجديدة في منطقة تشيلسي ثمة ما 
يشير الى الثلج فوق الارض. وعلى الرغم من ذلكء ثمة ما يشير على نمط باهت الى 
بداية الربيع ايضاء تحت نور الشمس» ليس الا. اني واثق بأن المرأة الشابة» الي 
رغبت في ان اظهرها وهي تدفع عربة صغيرة (لكنئ لم استطع اظهارها على ذلك 
النحو لأن تلك العربات لم يبدأ استعمالها الا بعد مضي عقد من الزمن)» لم تسمع 
البتة بكاتالوس» وما كانت لتفكر كثيرا .مما يدور عن الحب الحزين حي لو سمعت 
به. الا انما كانت تعرف الافكار الخاصة بالربيع. على اي حال» لقد ت ركت توا 
ثمرة ربيع سابق في البيت (على بعد ميل الى حهة الغرب) متدثرة وملتفة كأنها بصلة 
صالح. على الرغم من انها تحتال لترتيب ثوما. ثمة شيء في ذلك المشي الوئيد 
سكع الذي تتميز به الامهات الحوامل» اقل غطرسة عدوانية في العالم» على 
الرغم من انها تظل غطرسة. 

تميل هذه المرأة الشابة المتكبرة» الذكية والمتلكئة من فوق حاجز وتحدق الى 
حركة الحرر الرمادية. وحنتان متوردتان وعينان رائعتان برموش حنطية» عينان 


437 


تمنحان القليل من زرقتيهما الى السماء الممتدة من فوقهاء لكنهما لا تمنحان شيئا 
من بريقهما. ما كان في وسع لندن ان تحقق شيئا على هذا النحو من الصفاء. الا 
انهالا التفتت واجالت الطرف في صف انيق من بيوت مشيدة بالقرميد» بعضها 
قديم وبعضها الاخر حديد» وتواجه النهر الممتد وراء الجهة الاخرى من الطريق» 
فالواضح تماما انما لا تحمل اي ضغينة تحاه لندن» كما انه وجه يخلو من الحسد وهو 
يستوعب البيوت الغنية» الا انه مليء بسعادة ساذجة لوجود مثل هذه الاشياء 
الجميلة. 

تقترب عربة من حهة وسط لندنء فتراقبها العينان الزرقاوان - الرماديتان - 
على نحو يوحي ان المراقب لا يزال يجد مثل هذه العناصز المبتذلة في المشهد اللندي 
آسرة وغريبة. تتوقف العربة خارج بيت كبير في الطرف المقابل» وتبرز منه امرأة» 
وتمبط فوق الرصيف وتتناول قطعة نقد من محفظة نقودها. 

تفغر الفتاة الواقفة على السدة فاها من فرط دهشتها. ويهاحم الامتقاع تورد 
الوجنتين قليلا ثم تحمر حجلا. يلمس سائق العربة حافة قبعته باصبعين. تسير 
الراكبة مسرعة صوب الباب الرئيس للبيت من ورائها. تتحرك الفتاة صوب حافة 
الرصيف» متخفية الى حدّ ما وراء حذع شجرة. تفتح المرأة الباب الرئيس وتتوارى 
عن الانظار في الداخل. 

- انها هي يا سام. شاهدت بوضوح مثلما - 

- لا يعكنيٰ ان اصدق ذلك. 

الا انه يمكنه ان يصدق. فقد توقعت حاسة سادسة او سابعة في داحله ذلك 
تقريبا. لقد فتش عن الطاهية العجوز السيدة روجرز في طريق عودته الى لندن 
وتلقى منها شرحا مستفيضا عن اسابيع تشارلز الاخيرة الحالكة في كنزنغتون. 
حدث ذلك منذ وقت طويل. وقد شار كها ظاهريا استهجافا سيدهما السابق. الا 
انه في اعماقه شعر بشيء ما يغلي. فإن تكون صانع زيجات شيئا وان تكون محطم 
زيجات شيئا اخر. 

كان سام وماري يحدقان الى بعضهما بعضا - تساؤل قاتم في عينيها يوازي 
شك قاتما في عينيه - في ردهة امامية صغيرة جداء الا انما على الرغم من ذلك 
ليست رديئة التأثيث. ثمة نار متوهجة تستعر في الموقد. وفي حين كان يطرح كل 


438 


منهما السؤال على صاحبه» فتح الباب» ودخلت خادمة صغيرة غير جذابة في 
الرابعة عشرة من عمرهاء حاملة الان الرضيع المكشوف جزئيا - الذي اعتقد انه 
احر محصول جيد يأ من مخزن غلال كارزليك. اخذ سام الرضيع على الفور بين 
ذراعيه وأحذ يرقصه مما دفعه الى الصراخ. وكان هذا احراء قلما يتغير يمارسه لدى 
عودته من الشغل. تناولت ماري بعجالة العبء الثمين» وكشرت امام الاب الا حمق 
في حين ابتسمت الشاردة الصغيرة الواقفة قرب الباب ابتسامة صغيرة متعاطفة مع 
كليهما. وف وسعنا الان ان نلاحظ بوضوح ان ماري حامل بطفل اخر. 

- حسنا يا حبيبج. سأذهب الان لتناول المرطبات اما انت فحضري العشاء. 
حسنا؟ 

- نعم يا سيدي» سيكون العشاء جاهزا في غضون نصف ساعة. 

- يا لك من فتاة طيبة. يا حبيبي. 

ثم قبّل وجنة ماري كأن شيئا غير عالق في ذهنه وداعب صدر الطفل. 

مم يبد عليه انه رحل سعيد الى هذا الحد بعد حمس دقائق عندما جلس في 
ركن مفروش بنشارة الخشب في احدى الحانات ومن امامه شراب مفضل وماء 
حار. من المؤكد ان لديه كل الاسباب الظاهرية ليكون سعيدا. صحيح انه لا يملك 
محلاء غير ان لديه شيئا لا يقل عن ذلك. كان الطفل الاول فتاة» غير ان تلك لم 
تكن سوى خيبة امل صغيرة شعر تماما انها سرعان ما ستعوض. 

لقد لعب سام اوراقه لعبا عادلا حدا في لايم. فالخالة ترانتر كانت رقيقة منذ 
البداية وقد رمى بنفسه تحت رحمتها ممساعدة ماري. ألم يضيع مستقبله كله 
بتسليمه الشجاع الاشعار؟ ألم تكن حقيقة لا ريب فيها عندما وعده تشارلز بقرض 
مقداره اربعمئة جنيه إنكليزي (اطلب دوما ثمنا اعلى مما تجرؤ عليه) ليبدأ عمله في 
التجارة؟ اي جحارة؟ 

- مثل تحارة السيد فريمان يا سيدي الا انما على نحو اكثر تواضعا. 

كما لعب ورقة سارة لعبا جيدا حدا. ففي الايام القليلة الاولى» ما كان هناك 
شيء ليجعله يفشي اسرار خطيئة سيده الاخيرة» كانت شفتاه مختومتين بالشمع. 
الا ان السيدة ترانتر كانت بالغة العطف - فالعقيد لوك الساكن في منزل اريحا 
كان يبحث عن خادم. فكانت فترة بطالة سام قصيرة جداء كذلك فترة عزوبيته. 


439 


وكان الاحتفال الذي توّحها قد اقيم على نفقة سيدة العروس. من الواضح» كان 
مضطرا الى رد الجميل. 

كانت الخالة ترانتر شأنها شأن كل السيدات العجائز الوحيدات تبحث دوما 
عن شخص ما لتتبناه وتساعده. ولم يُسمح لها بنسيان ان سام اراد العمل في ميدان 
بيع السلع الرحالية. وهكذا فقد تحرأت ذات يوم لدى وجودها عند شقيقتها في 
لندن ان تطرق الموضوع امام زوج احتها. في اول الامر مال الى هز رأسه بالنفي. 
الا انه ذكر بعد ذلك على نحو رقيق ان الخادم الشاب كان يتصرف تصرفا 
نزيها. وكان يعرف على نحو افضل مما تعرفه السيدة ترانتر فائدة معلومات سام 
وان ثمة امكانية لتوظيفه. 

- حسنا جدا يا اف. سأتأكد مما هو موجود فريما هناك شاغر. 

وهكذا حصل سام على موطئ قدم متواضع جداء في المتجر الكبير. الا انه 
كان كافيا. وكان يعوض النقص في ثقافته بالحزم الطبيعي. وكان عمله خادما قد 
ساعده في التعامل مع الزبائن. كما كان انيق الملبس. وف يوم ما فعل ما هو افضل 
من ذلك. 

كان صباحا مشرقا من شهر نيسان/أبريل بعد ستة اشهر من عودته الخاصة 
بالزواج الى لندن وقبل تسعة اشهر من ذلك المساء الذي ظهر فيه مكتئبا في مكان 
تناوله المرطبات. فقد اختار السيد فريمان ان يتمشى من منزله في هايد بارك الى 
متجره. واخيرا مر بواجهاته المكتظة ودخله. فشاهد موظفي الطابق الارضي 
مفعمين بالحيوية والنشاط» ينحنون تحية له. اما الزبائن فقليلون في تلك الساعة 
المبكرة. رفع قبعته على نحو مألوف له مثل السادة الكبارء بيد انه استدار فجأة 
وسط دهشة الجميع» وخرج ثانية. فما كان من المشرف على الطابق الارضي الا 
ان حرج هو الاخر وقد بان عليه التوتر» وشاهد مالك المال واقفا قبالة احدى 
الواجهات الزحاجية» محملقا فيها. انتاب المشرف خوفا شديداء بيد انه مشى من 
وراء السيد فريمان مشية حذرة. 

- انها تحربة يا سيد فريمان. وسأعمل على وضع حدّ لها على الفور. 

وقف ثلاثة رجال آخحرون الى جانبيهماء فألقى عليهم السيد فريمان نظرة 
سريعة؛ ثم امسك ذراع المشرف» وسار به بعيدا بضع خطوات. 


440 


- راقب الان يا سيد عمبسون. 

وقهفا حولى حمس دقائق. كان الناس مرون ببقية الواجهات الزجاجية 
ويتوقفون عند هذه الواحهة. وكما هو شأن السيد فرعان» فقد فهموا القصد دون 
انتباه» ومن ثم عادوا القهقرى للنظر اليها ثانية. 

احثى ان يكون وصفها .مثابة هبوط مفاجئ. الا انه ينبغي لك ان تشاهد 
بقية الواحهات المملوءة بأشياء مركومة بغير نظام وعلى نحو يثير الملل» والمثبتة عليها 
بطاقات تثير هي الاخرى الملل حن تدرك الفارق وتقدّره حق قدره» وعليك ان 
تتذكر ان الفكتوريين صدقوا الفكرة السخيفة بأن الشراب الحيد لا يحتاج الى 
اعلان» بخلاف عصرنا عندما هب اجمل زهور البشرية حياقن للاعلان. كان الحزء 
الخلفي من العرض عبارة عن قطعة قماش بسيطة من اللون البنفسجي الغامق. اما 
في الجزء الامامي فهناك مجموعة مدهشة مثبتة فوق اسلاك رفيعة من ياقات رجالية 
مختلفة الاشكال والاحجام والانواع. الا ان الشيء البارع فيها يتمثل في ترتيبها 
لتناسب الكلمات الى كانست تصرخ» تحار بصوت عال: (فريمان من احل 
الصفوة). 

- هذا افضل تحميل فعلناه هذه السنة لواجهة المتجر يا سيد مبسون. 

- تماما يا سيد فريمان. في منتهى الحرأة. لافت للنظر. 

- (فريمان من احل الصفوة)» هذا ما نقدمه تماما - والا لماذا لدينا مثل هذا 
الخزين الهائل» (فرعان من احل الصفوة) - ممتاز! من الان فصاعداء اريد ان تكون 
هذه العبارة في كل نشراتنا واعلاناتنا. 

ثم سار عائدا الى المدحلء في حين ابتسم المشرف. 

- نحن ندين هذا كله لك يا سيدي فريمان. ذلك الرجل الشاب - السيد 
فارو؟ - الذي اظهرت اهتماما شخصيا في جيه الينا؟ 

توقف السيد فريمان. 

- فارو - امه الاول سام؟ 

- اعتقد ذلك يا سيدي. 

ج اتيز إلى : 

- انه يأ في الساعة الخامسة يا سيدي خصيصا لاحل ذلك؟ 


441 


وهكذا احضر سام اخيرا حمر الوحه» لمقابلة الرحل الكبير. 

- عمل متقن يا فارو. 

انحن سام انحناءة شديدة. 

- يسعدني كثيرا ان افعل ذلك يا سيدي. 

- كم ندفع لفارو يا سيد ”مبسون؟ 

- خمسة وعشرين شلنا يا سيدي. 

- سبعة وعشرين شلنا ونصف الشلن. 

م حرج قبل ان يتمكن سام من التعبير عن امتنانه. وكان في انتظاره ما هو 
افضل من ذلك. فقد سلم اليه ظرف لما ذهب لاستلام مرتبه عند قاية الاسبوع 
ووحد فيه ثلاثة حنيهات وبطاقة كتب عليها ١كرامية‏ للحماس والابتكار. 

بعد تسعة اشهر زيد راتبه الى اثنين وثلاثين شلنا ونصف الشلن؛ وما انه 
اصبح عضوا لا يمكن الاستغناء عنه بين مجموعة العاملين في تزيين واجهة المتجر» 
فقد راوده شك كبير في الحصول على زيادة في مرتبه كلما طلب ذلك. 

احضر سام لنفسه كمية اضافية ومدهشة من الشراب المفضلء وعاد الى 
مقعده. الشيء الذي لا يبعث على الفرح فيه - وهو عيب استطاع خلفاؤه 
المعاصرون في لعبة الدعاية ان يتخلصوا منه - هو انه كان يملك ضميرا... او رعاء 
على وجه التبسيط يلك شعورا بسعادة وحظ سعيد لا مبرر لهما. ان اسطورة 
فاوست هي النموذج الاعلى عند الانسان المتحضرء بصرف النظر عن ان حضارة 
سام لم تعلمه ما يكفي لأن يعرف حي من هو فاوست» بل عرف ”ماعا عن 
احلاف تعقد مع الشيطان وعن المسار الذي سلكته. وقد سارت الامور سيرا 
حسنا فترة من الوقت عند هذا الشخصء الا ان الشيطان طالب بحصته يوما ما. ان 
القروة مرهقة تماماء فهي تحفز الخيال على التوقع بخساراء والتوقع على نحو ضيق 
في اغلب الاحوال بلطفها. 

ما كان يثير قلقه ايضا انه لم يخبر ماري البتة ما فعله. ليست هناك اي اسرار 
اعرى بينهماء وكان يثق في حكمها. وبين الفينة والفينة كان يراوده توقه القديم 
الى ان يكون سيد نفسه في متجره هو لا متجر غيره. اليس هناك ما يدل على 
ذكائه الطبيعي؟ غير ان ماري - وما تملكه من احساس ريفي صادق بأحسن حقل 


442 


يتوحب حرثه - هي الى كانت تعيده برقة - وبلا رقة احيانا قليلة - الى حجر 
رحاه في شارع ا وكسفورد. 

كان هذان الاثنان يتقدمان في الحياة حى لو لم ينعكس ذلك في نبرتهما او في 
اللغة الي يستخدماهها. وكانا يعرفان ذلك. فقد كان كل شيء عند ماري اشبه 
بحلم» ان تتزوج رحلا يربو دحله على الثلاثين شلنا في الاسبوع! في حين ان 
والدها سائق العربة» لم يزد دخحله على عشرة شلنات! ان تحيا في بيت يبلغ ايجاره 
تسعة عشر جنيها في السنة! 

الاكثر روعة من هذا كله» ان تتمكن مؤحرا من مقابلة احدى عشرة فتاة 
صغيرة للعمل في مهنة هي نفسها كانت تمتهنها قبل سنتين لا اكثر! لماذا احدى 
عشرة؟ احشى ان ماري كانت تظن كثيرا ان لعب دور السيدة انما هو دور يصعب 
ارضاؤه - مغالطة قلدت فيها ابنة الاحت لا الخالة. الا اما اتبعت ايضا احراء لم 
يكن غير معروف بين الزوحات الشابات المتزوجات بازواج شبان وسيمي الطلة. 
فقد كان احتيارها احدى الخادمات لا يقوم على اساس الذكاء والكفاءة» بل على 
اساس الافتقار التام الى الحاذبية. وقد احبرت سام في نماية المطاف انما منحت 
هارييت ستة جنيهات إنكليزيات في السنة لأا تشعر بالشفقة عليها. لم تكن تلك 
كذبة تماما. 

لما عد الى البيت لتناول يخنة لحم الضأن بعد تلك الامسية الي شرب فيها 
كمية مضاعفة من الشراب المفضل» وضع ذراعه من حول الخصر المنتفخ» وبل 
صاحبته» ثم نظر الى الدبوس الذي كانت تضعه بين فديها - تتزين به دوما داحل 
البيت وتخلعه دوما عند الخروج. فقد يسرقه منها احد اللصوص. 

- كيف حال اللؤلؤة والمرجان؟ 

- ابتسمت ورفعته قليلا اليه. 

- يسره التعرف اليك يا سام. 

وقفا في مكانيهما يحدقان الى رمز حظهما السعيد» الذي تستحقه في حالتها 
هي» والذي ينبغي له احيرا الان ان يدفعه ثمنه» في حالته. 


443 


58 





بحثت وبحثت» لکن اه فروحها 
لم تلق حتى الان 
على روحي 
ومضة واحدة! نعم. لقد رحلت. رحلت 
هاردي: عند بلدة على ساحل البحر1869 


ماذا عن تشارلز؟ اني ارئي لكل مخبر اضطر الى ملازمته خلال تلك الاشهر 
العشرين. لقد شاهدته كل مدينة تقريبا في اوروباء ولكن لفترة قلما كانت طويلة. 
شاهدته الاهرامات» شاهد الاف المشاهد» والمواقع اذ امضى وقتا ايضا في اليونان 
وصقلية» دون ان يستوعبها. فهي لم تكن اكثر من جدران رقيقة وقفت بينه وبين العدم) 
فراغ فائي» عبث تام. وحيثما توقف اكثر من بضعة ايام» كانت تعاوده الكآبة والخمول 
على نحو لا يطاق. واصبح معتمدا على السفر مثلما يعتمد مدمن على افيونه. المعتاد انه 
كان يسافر وحيداء وتي اكثر تقدير في صحبة دليل او مترحم من البلد الذي يزوره. وقي 
اوقات كثيرة كان يعاشر غيره من المسافرين ويتحمل رفقتهم بضعة ايام الا انهم كانوا 
في أغلب الاحوال نبلاء فرنسيين او ألمان. اما الانكليز فكان يتجنبهم كأفهم الطاعون. 
ولا كان يقترب منه عدد من ابناء بلده الودودين» كانوا يجابمون بتحفظ بارد. 

لم يعد علم الاحاثة يثيره الان. فهو العلم الذي اقترن اقترانا وحدانيا بأحداث 
ذلك الربيع المهلك. ولا اغلق بيته في كنزنغتون» فانه سمح لمتحف علم طبقات 
الارض ان يأحذ صفوة مجموعته؛ اما البقية الباقية فوهبها لطلابه» في حين احتفظ 
بأثاث البيت في مخزن واحبر مونتاغ ان يعرض بيت بيلغرافيا للايجار ثانية لدى 
انتهاء العقد» اذ ما من شأن تشارلز ان يعيش فيه البتة. 

قرأ كثيراء واحتفظ بيوميات سفره» بيد ان ذلك لم يكن سوى مظهر خارحي 
بخص الاماكن والاحداث ولا بخص ذهنه - جرد اسلوب لملء الفراغ في الاماسي 
الطويلة في الخانات المهجورة. كانت محاولته الوحيدة في التعبير عن ذاته الدفينة 
متمثلة في اسلوب الشعر» اذ اكتشف في تينيسون عظمة... في ميدانه. من الم وؤ كد 


444 


ان العظمة الى وحدها لم تكن العظمة الي رأها العصر في شاعر البلاط. فقصيدة 
مود“ ال كانت معرضة لازدراء شامل انذاك وعدت قصيدة غير جديرة تماما 
بكاتبها - باتت القصيدة الاثيرة عند تشارلز» لا بد انه قرأها مرات كثيرة» وقرأ 
احزاء منها مئات المرات وكانت الكتاب الوحيد الذي ظل دوما يحمله في ترحاله. 
امسا شعره فضعيف مقارنة ها. وهو ليؤثر الموت على ان يظهره امام اي شخص. 
لكن فيما يلي نموذج صغير يوضح كيف كان تشارلز ينظر الى نفسه في اثناء منفاه. 

ايتها البحار القاسية الى ابحر فيهاء والحبال الخشنة. 

يا مئات المدن الغريبة اللسان 

الي ليست مناظرها السعيدة الى امر فيها 

سوى مستنقع ملعون 

حيثما اذهب» اسأل الحياة نفس السؤال 

ما الذي حاء بي الى هنا؟ ما الذي يبعدني عن هذا المكان؟ 

اليس هو امروب من العار في افضل الاحوال 

وعواقب قانون لا يلين في اسوأ الاحوال؟ 


للحصول على طعم تلك القصيدة من فمك» دعوني اقتبس قصيدة اعظم منها 
بكثير- قصيدة حفظها عن ظهر قلب» وهي الشيء الوحيد الذي استطعت ان اتفق 
فيه معه: لعلها انبل قصيدة حمل العصر الفكتوري. 


نعم: في بحر الحياة منعزلون» 
تمتك بيننا مضائق تردد الصدى» 
منقطة القفر المائي الكبير» 


(121) مود (1855): قصيدة شاعر البلاط الانكليزي الفرد لورد تينيسون وهي عبارة عن 
منودراما يرويها رجل ذو مزاج متقلب يعبر فيها عن مشاعره في مراحل مختلفة. ففي 
البداية يرثي ما اصاب اسرته من دمار على يد مدير البلدية ثم يعبر عن حبه لمود ابنة 
مدير البلدية وانتصاره بفوزه بحب مود ومن ثم الهروب خارج البلاد والجنون الذي 
يصيبه اشر خيبة اماله وعودته في خاتمة المطاف الى الحياة ليخدم بلاده. في القصيدة 
افضل مقطوعات تينيسون الغنائيةء الا ان بعض الافكار الواردة فيها» ضمنا او صراحة 
والخاصة بتمجيده الحرب كانت مثار امتعاض الكثيرين. (المترجم) . 


445 


نحن الملايين من البشر نعيش وحيدين 
الحزر تحس بالمد وهو يطوقهاء 
وتعرف نخومها اللاهائية. 


لكن لما يضئ القمر فجوامًا 

ويغمرها اريج الربيع. 

وتشدو العنادل شدوا رائعاء 

في وديانها في الليالي المرصعة بالنجوم» 
وتنساب الانغام الموسيقية الرقيقة» 


- 


اوه» اذ ذاك ينبعث شوق مثل اليأس 
صوب الكهوف البعيدة» 

لاا تشعر حقا اننا كنا ذات يوم 
جرءا من قارة واحدة. 

الان ينتشر من حولنا الحقل المائي - 
اه» لو تلتقي ثانية حدودنا! 


منذا الذي امر ان تبرد نار حنينها 

حالما تحقق الاشتعال؟ 

منذا الذي حكم على رغبتهما الدفينة ان تكون عقيما؟ 
وامر ان يكون بين شواطئهما 

بحر لا يسبر غوره» مالح» يبعث على النفور“2'. 


(*) ماثيو ارنولد: الى مارغريت (1853). (المؤلف) 

(122) يخاطب ماثيو ارنولد في قصيدة الى مارغريت فتاة التقاها في سويسرا في اربعينات القرن 
التاسع عشر وساد الاعتقاد انها فرنسية او سويسريةء بيد ان السير الذاتية المنشورة حديثا 
تعتقد بانها ليست سوى ماري كلود» وهي فتاة كان ارنولد يعرفها في انكلترا في نفس 
الفترة؛ وكانت لها صلات بالمانيا وتترجم الشعر والنثر الالماني. (المترجم) 


446 


الا انه على الرغم من هذه الكآبة الحيرة للنفس» فإن تشارلز لم تداعبه البتة 
افكار الانتحار. ولا انتابته تلك الرؤية العظيمة عن نفسه وقد تخلص من عصره» 
اسلافه» طبقته وبلاده» فانه لم يدرك الى اي مدى كانت الحرية مجسدة في 
سارة؛ في افتراض وجود منفى مشترك. لم يعد يعتقد كثيرا بتلك الحرية» بل 
شعر انه لم يفعل شيئا سوى تغيير الفخ او السجن. الا ان هناك شيئا ما في عزلته 
لم يستطع التشبث به؛ لقد كان هو المنبوذ» هو الشخص المختلف عن الاخرين» 
نتاج قرار لم يستطع سوى القليلين اتخاذه» بغض النظر عن حماقته او حكمته 
النهائية. ومن وقت الى احر كان مشهد بعض المتزوجين حديثا يذكره 
بايرنستينا فيبدأً بالبحث في اعماق روحه. اتراه يحسدهم ام يشفق عليهم؟ 
ووحد انه لا يأسف الا على اشياء قليلة. فمهما كانت قساوة قدره» فانه انبل 
شهرا» لم يعد في اثنائها مرة واحدة الى انكلتراء ولم يبعث برسائل حميمة الى اي 
شخص. وكانت معظم رسائله القليلة موجهة الى مونتاغ» وذات مساس بالعمل» 
وتعليمات حول المكان الذي ترسل اليه النقود وغير ذلك. وقد مول مونتاغ بنشر 
اعلان في صحف لندن بين وقت واخر: «يرجى من سارة اميلي وودراف او كل 
من يعرف مكان اقامتها الحالي ان...» لكن دون جدوى. 

شعر السير روبرت بالأسف وهو يتلقى انباء فسخ الخطوبة لما وصلته اول مرة 
عن طريق رسالةء الا انه هر كتفيه فيما بعد معربا عن عدم اهتمامه لذلك بتأثير من 
سعادته الوشيكة. لقد كان تشارلر شاباء اللعنة» وسيعثر على فتاة طيبة» بل افضل 
بكثير» في مكان ما. كما انه جنب سير روبرت على الاقل الحرج من الارتباط 
بفريان. وقد ذهب ابن الاخ ذات يوم لتقديم تحياته الى السيدة بيلا تومكنز 
وذلك قبل سفره من انكاترا. لم ترقه السيدة وشعر بالأسف لعمه. ومن ثم رفض 
العرض الذي قدم له مجحددا فيما بخص البيت الصغيرء ولم يتحدث عن سارة. ووعد 
بالعودة وحضور مراسيم الزفاف. الا انه نكث بذلك الوعد بفبركة اصابته 
بالملاريا. وم يأت التوأمان» كما تصورء بل ولد ووريث ظهر الى الوحود في 
الشهر الثالث عشر من منفاه. وي ذلك الوقت كان قد اعتاد تحمل مصاعب قدره 


447 


ولم يعد يشعر يما هو اكثر من الاصرار على الا يطأ بقدميه بيت وينزيات ثانية 
خاصة بعد ان ارسل رسالة التهنئة. 

اذا لم يبق عازبا من وجهة نظر فنية - اذ كان من المعروف تماما بين الفنادق 
الاوروبية الممتازة ان النبلاء الانكليز كانوا يسافرون الى حارج بلادهم ليسلكوا 
سلوكا سيئاء وان الفرص متوفرة لذلك الغرض - فانه ظل اعزب من الناحية 
العاطفية. لقد ادى (او شوه) الفعل بتهكم اخرس قي حين كان يتفرس في المعابد 
الاغريقية او يتناول وجبات طعامه. ذلك للحفاظ على الصحة. لقد رحل الحب 
عن هذا العالم. أحياناء وفي احدى الكاتدرائيات او احدى قاعات الرسم» كان 
حلم بوحود سارة الى جانبه برهة وحيزة. بعد مثل هذه اللحظات» كان في 
الامكان مشاهدته وهو ينتصب ويأحذ نفسا عميقا. ولم يحرم نفسه من متعة 
الاستمتاع بالحنين العقيم حسب» بل اصبح غير واثق على نحو متزايد من الحد 
الفاصل بين سارة الحقيقية وسارة الي صنعها في الكثير من الاحلام: الاولى حواء 
متحسدة» بكل ما فيها من غموض وحب وعمقء والثانية» المربية؛ نصف محنونة 
ونصف مخادعة, القادمة من مدينة غامضة على ساحل البحر. بل انه شاهد نفسه 
وقد صادفها ثانية» لا يرى فيها سوى طيشه وضلاله. لم يلغ ادراج الاعلان» غير 
انه ظن ايضا انها لن ترد البتة. 

كان عدوه اللدود السأم. وكان السأم هو الذي دفعه الى العودة الى وطنه في 
النهاية. واذا ما توحينا الدقة» فإن الذي دفعه الى ذلك هو مساء احد الايام في 
باريس عندما ادرك انه لا يريد ان يبقى في باريس ولا أن يعاود السفر ثانية الى 
ايطاليا او اسبانيا او اي مكان احر في اوروبا. 

لا بد انك ستظن اني اقصد انكلترا بكلمة موطنه. لا. فانكلترا لا يمكن ان 
تصبح وطنا ل تشارلز ثانية» على الرغم من انه ذهب اليها لقضاء اسبوع اثر 
مغادرته باريس. لقد حدث مرارا انه في اثناء عودته من ليفورنو*22 الى باریس ان 
يسافر ممعية انين من الامي ركان» نبيل عجوز وابن اخحيه» من فيلادلفيا. وقد 
استلطفهما تشارلز را بسبب متعة الحديث الى شخص بلغة ليست غريبة تماماء من 


(123) ليفورنو: ميناء يقع في مقاطعة توسكانيء وسط ايطاليا. (المترجم) 


448 


- في أي يوم تريدين اعتبري هذا البيت بيتك؛ هكذا ببساطة اعتبريه بيتاً كأي 
بيت آخر تملكينه ممواجحهة البحر: - قال ذلك بأفضل ما عنده من اللغة الفرنسية في 
همس شبيه بالنسيم الصباحي العليل. 

أحابت لودميلا بابتسامة ونظرة غاضبتين كما هو مفترض أن تكون الابتسامة 
والنظرة الروسيتان المحدرتان. والعقيد الشجاع قبل أن يرفع يده عنها قرصها 
لتتذكر العرض وتعمل بموجب الاتفاق. 

رحلة هرت عين لودميلا غريغوريوفنا سيتيكينباوون. كانت الطريق بجانب 
حقول الكاكاو: الثمار الصفراء تلمع تحت وهج همس الصباح وزرع أجمل منها: 
لا. وكانوا يتوقفون في مزرعة للاستراحة وقبول شربة ماء أو فنجان قهوة» تذوق 
حلويات الموز أو البرتقال» والتلمظ بكأس عصير طازج ممزوج بالعسل فوقه ثمرة 
كاكاو ناضجة هي اختراع الآهة. 

وللتعرف على المغنية الروسية الي كانوا يعرفوها بصاحبة الأستاذ فنتورينياء 
كانت نساء العقداء يهملن المطابخ ويتخلين عن الأحكام المسبقة ويقدمن أنفسهن 
بأناقة بعدما يدحلن في أجسادهن ملابس العيد سريعا. وكانت لودميلا تمد برؤوس 
أصابعها ليقبلها أصحاب المزارع» وتبتسم بتألق وتواضع للسيدات وتقول: 
"ميرسي". "فوزت تري جاني» مدام". مغنية روسية رائعة ومشرفة. 

كل ذلك الامتداد السرابي من العقداء الأثرياء والأجراء التعساء من البيوت 
الفخمة والأكواخ المتواضعة؛ كان النقيض والمثيل لامتدادات أراضي روسيا النبلاء 
والعبيد. وكانت لوذفيلا عبريغوريوقنا تتبادل اللسان مع بيوترء أخيهاء عن الأمل في 
الح أقل» من اليدين الكرعتين للأب الصغير بوافنتورا أو من 
يدي الآحر» SL‏ 
الاكتشاف» وكان كل شيء يبدو لما حبا رومانسياء مع حذر واحد من حطر 
الأفاعي وقطاع الطرق. 

أحذت تمشي في الحقول» ا مشغوفة بتوكايا غراندي» ومرّت قرب 
المستودع الكبير وتأحرت في محل الحدادة تنظر إلى الحداد ذي الصدر ي وال جلد 
اللماع وهو يضرب على الحديد ليصنع سواراً من المعدن أرادت أن ته تشتريه ولكن 
الزنخي قدمه هدية ذكرى متواضعة لا مثيل ها: إا تلمع تحت أشعة الشمس. 


449 


عندما عادت من المشوار» وعيناها متقدتان ووجهها مكسو بالعرق وبصوت 
يخنقه الانفعال فإن لودي سألت فنتورينيا الذي لا يزال متمدداً في الشبكة المعلقة 
كأ رجوحة وقد أطال قيلولته: 

- هل هذه القرية ملكك» ؛ يا أبي الصغير؟ وهل اللطفاء هؤلاء هم عبيدك؟ 
وانحسنت فوق الأرحوحة بإثارة: إذا كنت تحبي حقأ فيجب أن تمنحين قرية وعبيدا 
دليلاً على عطفك. 

الخطبة الي ألقاها حلال القداس الذي أقامه الأخ داسنتا أو حارستيا جاءت 
فصيحة ومثيرة للمشاعر» وفيها يتأسف على حالة الانحطاط الوثي الى يغرق فيها 
شعب توكايا غراندي ولكنه أشار إلى رحمة الله الرحمة العلوية رحمة القلب الذي 
نرف )ل الخراف الضائعة من فطع ودعت الفط إل القدامة و اسف 

لم يكن سكان توكايا غراندي قساة القلوب ومتحجري العواطف فشاع الخوف 
عاليا ومغالى فيه وراحت أيديهم تقر ع الصدور الخاطئة: يا ويلاه. كل سكان المكان؛ 
ودون استثناءء هم حطاة. وإنه لما يثير الشفقة الإشارة إلى تسلسل الأحداث في 
توكايا غراندي وذلك التعبد المفاحئع حوفاً من معاقبة ادمع القليل الواحف أمام 
الصليب المقدس وهو يصغي بصمت نسبي إلى كلمات المبشر. وقي غمرة التساؤلات 
عن العقاب والثواب» لم يكونوا متفقين إلا على شيء واحد: أن امحترم كان يتكلم 
كلاما حميلاء بصوت جهوري ودافئ. وهو نفسه جميل في رأي النساء العاميات. 

م يكن هناك بكاء عند الصباح ولا صرير أسنان عند المساء. بل حوف 
مسيطر خلال خخطبة الأخ زيكمونت» مطرقة الله. مع لفظه الشبيه بكلب سلوقي: 
غوتشهامر. وحظي الأخ تايون بالنجاح في الوسط النسائي: ففي حين كان 
مزجوجا في أعلى منبر الخطابة فإنه كان يتمايل هناك ويتوجع على مصير الأحياء 
الذين كان إنقاذهم مسألة مشكوكا فيها. وكانت النساء يتبادلن التعليقات برضى 
مشكوك فيه ونية حفية ملحة فيما لو أعطين الامتياز للتعلق بذراعي الكاهن الشاب 
ذي الوجه الطفولي. بالمقابل» فإن الأخ زيكمونت بخطبته الملتهبة وتمديداته وشتائمه 
أثار حماس الرحال بنوع خاص لأنه أكثر رجولة. 

ولم يبك إلا بعض الأطفال عندما جيء بحوض ماء معدي جديدء أعاره 
التر كي فنتضول وهو :على كل حال :قطعة غالية من 'مستووع الأذرات المعروضة 

450 ظ 


للبيع في الدكان.. أما فضول فقد تنكب مسؤولية في حفلة المعمودية الجماعية 
ووقفت عن ينه كوروكا ال كانت تحمل بين ذراعيها الطفل نادو» وعن يساره 
برناردا والدة الطفل المتألقة الرائعة وهي ترتدي التنورة والسترة المشجرة وبيدها 

وإذ كان الأطفال الوثنيون من كل الأعمار ومن كل المزارع قد اجتمعوا فإن 
الأخ تايون استقبلهم في صحن الكنيسة المقدسة ليحوهم إلى مسيحيين» ومر على 
كل واحد عفرده يضع على جبهته الملح والزيت ويبل رؤوسهم بالحوض المليء 
بالماء المقدس. وكان يطلب أن يردد الجميع وراءه: أؤمن بالله العلي العظيم. وكان 
الآباء والعرّابون يرددون بأصوات متشابكة تولد الارتباك وبحرية شبيهة بحرية 
الصباح في المعرض الأسبوعي الطلق. 1 

العقيد روبستيانو دي أراحو وزوجته السيدة إيزابيل حضرا صباحا إلى توكايا 
غراندي ليشهدا على معمودية توفو ابن ديفا وكاستور أبدووين: لقد كانا هناك 
قي ساعة الدهن بالزيوت المقدسة. 

الكلب ألا بينادا نبح على الكاهن وحاول أن يعضه عندما بدأ الطفل بالبكاء 
لدى تذوقه طعم الملح في فمه. حادث هزلي سبب الضحك الجماعي. 

وقي طريقهما إلى محطة القطار» في تاكاراس» بعد حفلة المعمودية يرافقهما المرافق 
نازارينوء فإن العقيد والسيدة إيزابيل التقيا بحاشية فنتورينيا وخلال عدة دقائق تبادل 
الجميع الملاطفات وسط اللغط. من أعلى سرج الحمار مانسيدا تأملت السيدة إيزابيل 
في "من هي" الي حاء ابن المرحوم العقيد بوافنتورا الصديق الحميم يما. 

۾ تستطع أن تنكر عليها الجحمال الأحنبي وهي تبدو نسخة طبق الأصل عن 
مرم وهي هاربة إلى مصر متواضعة طاهرة. النساء الشبيهات بالقديسات هن 
الأسوأً. علقت بذلك السيدة إيزابيل على مسمع زوجها عند متابعتهما الرحلة. أما 
ما هو متعلق بالخريج فإنه لم يكن يعدو في نظرها غير قليل أدب. 


19 


عروسات أيار/مايو» بعضهن حبالى والأحريات يرافقهن أبناؤهن المولودون 
في حمأة رذيلة المصاحبات» كن يقفن جنبا إلى حنب ووجوههن مرتفعة إلى الأعلى 
451 


باتهاه المذبح. وساعد الأخ تايون في ترتيب وقوف الأزواج وكل زوجين يقف 
قرهما الإشبينان. 

كان تيساو أبدووين قد برم للعروسات الريفيات خواتم معدنية. وكان 
طحو کا اخ عند الصباح حلال حفلة المعمودية» ولكنه بدا رضنا کا بعد 
الظهرء عندما وقف إشبينا لباستياو دا روزا وأبيغال. وكانت إبيفانيا وهي تقف بين 
الناس تحدق فيه قلقة: وكانت تعلم أن الزبحي كان يفكر ف ديفا الي كان يمكن أن 
يتزروجها لو لم تستهلكها الحمى. 

والقول من هي العروسة الأجمل والأكثر سعادة فمسألة صعبة وغير حكيمة؛ 
القول: من الي كانت الأصغر سنا فمسألة لا تقبل الشكوك وهي الصغيرة شيكا 
بسنيها الأربع عشرة غير الكاملة وعذريتها الأكيدة» لأن شيكا لم تفسح الال 
لخطيبها بالبينو وتزوجت غارقة بالدموع وهي تعبّر بتنهدات عالية عن أسفها 
للعذرية المعاقبة. 

بالتزويج والتعميد وصلت البعثة المقدسة إلى النهاية: في اليوم التالي» عند 
الفجرء انطلق المبعوثان إلى تاكاراس» المكان الأكبر والأقل شقاء. وكانت خطبة 
الأخ زيكمونت قد أت القسم الديئ من الحدث الذي هرّ توكايا غراندي 
وقلبها رأساً على عقب خلال الثمان والأربعين ساعة من الانطلاق والحيوية. 
أما القسم الأخير فلم يعتمد فيه على مشاركة الأخوين الدينيين إذ كان تحت 
إشراف وإدارة بيدرو سيغانو العازف والمواطن الوجيه. وللاحتفال مرة واحدة 
بكل هذا العدد من المعمدين والمتزوحين» فإن العيد يجب أن يطول كما طال 
فعلاً. وبينما يرافقها فنتورينيا فإن لودميلا غريغوريوفنا سيتيكينباوون ذهبت إلى 
مزرعة أتالايا قبل أن ينتهي الرقص» ولكن ليس قبل أن ترقص الرباعية الفرنسية 
تحت قيادة كاستور أبدووين» الزنحي تيساو الذي حضع ذلك اليوم لانفعالات 
متعدده. 

حطبة الأخ زيكمونت فون غوتشهامر جاءت هما يسمى .عفتاح الذهب والقفل 
على جواهر البعثة المقدسة. الكلمات التأكيدية والحارة إن لم تغرس في الأرض الصلبة 
لنفوس سكان توكايا غراندي» فإنها وقعت على مسامع أكيدة جعلت المكان كله 
يغرق في التأمل ويحدد الإحراءات وفقا للتعليمات وللعادات الحيدة. 


452 


إن اسم المكان الذي أعطي إياه تكرعاً لجريمة كان يقول على كل شيء: 
فانظضر كيف بدأ المحلص الكبير حطبته. باختصار فإنه اتهم توكايا غراندي .عدينة 
الخطيئة ومعقل اللصوصء مكان بلا قانون» لا قانون الله ولا قانون الإنسان» 
وأرض السقوط ومملكة الشيطان. إن توكايا غراندي هي سدوم وعمورة الي 
تتحدئ غضب الله وق يوم فإن لغنة الله ستحمد ارا لتعاقب الملحدين وتلامر 
جدران السوء والكفر وتحول إلى رماد ذلك الكهف من الفضائح والانحراف. 
هكذا تكهن. 

في ساعة منح البركة» ومع منازعة الأصيل» فإن الأخ زيكمونت مطرقة الله 
حرك الكأس ودار بماء ثم رسم في المواء إشارة الصليب ولعن المكان ومن فيه. 


453 


مح وصول القانون انتهت توكايا فراندي. 
وهي لا تزال في بدايتها. 
ليبدأ تاريخ مدينة إيروزوبوليس 


1 

ملحا اللصوص والقتلة الذين لا قانون لهم ولا ملك» مسلحون بالبنادق» 
وعاهرات - استنكر المرسل من عند الله. كان لا بد من كبح العنف المتجذر 
ووضع حد للفوضى والانحراف: قرّر العالمون المرفهون. الشائعة كبرت بسرعة في 

التقليد كان في أن السطو والكمائن والاستزلام ينتج عنها القانون والملكية» 
وأمام جيشه امتطى الملك صهوة جواده الأصيل وانطلق ليفرض القاعدة والسلام 
السلطة والطاعة» حيث لا شيء غير الحرية والحلم. 

من بلاغة الخطيب المخلص إلى مسيرة الحنودء كانت الخطوة قصيرة» وتم 
احتياز المسافة بدقة بين شتاء الاحتفالات وصيف الطلقات النارية» بين الحياة 
والوت» بين الرحل ومستعبده. وأقصر من الخطوة هو زمن المعركة: من الأخبار 
المتتالية إلى الاحتلال فإن ما حدث قد حدث خلال أيام قليلة. 


2 
وهذا في طريق عودته من مزرعة بوافيشتا حيث القطاف كان قد انتهى وجاء إنتاج 
الغرسات الجديدة أكثر بكثير من الحسابات الأكثر تفاؤلا. 
كان النقيب قد توقع أن يزيد الإنتاج قليلا على الستماية أقة» ولكنه زاد على 
السبعمائة. كاكاو كهذا معتئ به إلى هذا الحدء هو فقط كاكاو مزرعة أتالاياء ثم 
غدا أفضل منه بالرغم من مساعدة الأستاذ لويس سيزار غوسماو ونظرياته الحديثة 
204 


حول زراعة (الكاكاو) (المخصب)» الشجرة الأستركولياسية - بعبارة المهندس 
الزراعي التشخيصية. 

مع كل علمه الزراعي فإن المهندس لويس سيزار غوسماو أوشك على الطرد 
من وظيفته عندما عاد سيده فنتورينيا من الريو دي جانيرو حيث ذهب ليأخذ 
حماما من الحضارة برفقة لودميلا غريغوريوفنا وأخيها بيوتر» و يهبوط الإنتاج 
بالمقارنة مع إنتاج العام السابق. أصابته نوبة من الغضب فهدّد الله والعا م وطلب 
تفسيرات. أما المهندس الزراعي وهو يقلب صفحات الكتب المتخصصة بالموضوع 
فقد فسّر أن الأمر هو كذلك: لأن النتائج 0 لنظرياته العلمية الحديثة تحتاج 
وجيت وصبر. الوقت والصبر إلى حيث ألقت رحلها أم...: - تمتم فنتورينيا 
مغتاظاً. ولكنه عاد ليأخذ ببراهين الأستاذ غوسماو لأن 0 رفض أن يأحذ علما 
بالعروض المتجددة والمغرية ليعود إلى مركز إدارة المزرعة. 

اغتاظ فنتورينيا وانفعل برفض ناتاريو بالرغم من أنه وعد ناتاريو سر كال 
العقيد بوافنتورا .منحه نسبة مئوية من الأرباح. وهذه مسألة م تعرف سابقا وهي 
مرفوضة وعرضة للنقد في آراء كبار المزارعين. وقاده الكلام إلى الغلظة في الكلام: 
لقد تكلم فنتورينيا لمن يريد أن يسمع عن عدم الوفاء واستعمل كلمة خيانة. وقال 
إن ناتاريو لم يحترم ذكرى رئيسه وحاميه الذي يدين له ناتاريو بكل شيء. وبالتالي 
إثر موت العقيد فإن النقيب أقام بيتا ومنح مالا لسا كرام اة العف والدي 
وضع له قرنين وهو يثوي في مأواه الأخير. وكان يلفظ الكلمات بلهجة أستاذية 
بنفس اللهجة الي أشار ها المهندس الزراعي إلى (الكاكاو المخصب والشجرة 
الأست ركولياسية). 


3 
معت محادثات وشائعات لم أحبهاء فاحترز - كانت هذه رسالة العقيد 
روبستيانو دي أراجوء الغامضة»ء وال جاء ها المستزلم نازارينيو رحل ثقة؛ ولكنه 
م يعرف كيف يضيف التفاصيل. في البداية» ظنّ النقيب أن المسألة متعلقة 
بانفعالات فنتورينيا الي لا تلبث أن تخمد وال كانت تصل إلى ناتاريو فتحمله 
على الضحك: حرد آمر صغير وعندما سيذهب إلى إيتابونا فسيشمط أذنيه» 
455 


وننتهي إلى كأس نتحدث معها عن النساء» وينتهي الحرد. وبينما هو يروي الحكاية 
لفضول عبد الله تفاحاً لمعرفته بأن اللبناني تلقى» وبفارق قصير من الوقت» ورقة 
الها يخيرات درم بلغة أدبية مصقولة حن لا نقول شاعرية. الأحير يزرع الواحة 
بستاناً من النخيل» ولكن من يقطف الثمر فهو "الزنكيل". انتبه جيداًء يا عزيزي 
فضولء لأن الثمار بدأت تنضج! هكذا أنذر بلغة عربية مخطوطة بإتقان. الورقة 
أوكلت إلى حادي القوافل زي - ربموندو الطبيب البيطري في المنطقة» لتسلم باليد 
إلى اين الذكاة. 

حاول الاثنان عصر دماغيهما: ناتاريو وفضولء ثم طلبا رأس كاستور 
أبدووين وكذلك لم يدا مفتاح اللغز القادر على أن يضع تحت الضوء المعى 
الواضح لما أعلمت به سفارة العقيد ولغة المثقف العويصة. 

- خلال أسبوع سأذهب ال إيتابونا لاستجلاء الأمر: - قال ناتاريو ذلك 
وهو لا يزال يحك دماغه. 

حا ا لح جد ا عير الل روي لتر 

من أي شي؟ ما معن نض نضج الثمر الذي ألمح إليه فؤاد كرم؟ 

ولمرافقة فقة النقيب من كان في البدء عراباً في التعامل وأصبح الآن عرّاباً حقيقيا 
بعد معمودية نادو. ولكي يكون مع النقيب في المشرب» وي نزل شاندوء قرّر 
فضول أن يقدم تاريخ سفرة الأعمال: لقاء مع المجحهزين» تصفية حسابات» وتحديد 
المستودع. وفي نزل الفتيات» سيوقظ مع شاندو ذكرى دلال زيزينيا دو بوتيا 
وهي وقد تاهت في سرجيبي فإِهًا لم تعد تطمئن بأحبارها وأن حفيدها 
ور E‏ 

وإذا ظل لديه وقت فسيذهب للتفسح مع ألفارو فاريا ويرى البحر الذي» 
وهو في احتازه مع بجموعة من المهاحرين ليأ 5 التمر إلى أرض 
الكاكاو. 


8 4 
لم يتمكنا من القيام بالرحلة المحططةء فلم يكن هناك متسع من الوقت لأن 
الأحداث بدأت تتعقد متتالية وافارت عليهما بنسق أصايما بالحيرة والغموض. 


456 


60 





جاعت لالاج» نعم. 
جاءت هي الان؛ اوه. 
هاردي: تسجيل وقتها 


طلب من العربة الانصراف قرب الجسر. كان ذلك اليوم الاخير من شهر 
أيار/مايوء يوما دافغاء فياضا ظللت فيه الاشجار واحهات البيوت» السماء نصفها 
ميل الى الزرقة ونصفها الاخر تكسوه السحب البيض» وظللت احدى هذه 
السحب برهة وجيزة منطقة تشيلسي» على الرغم من ان المخازن الواقعة قبالة النهر 

ىم يعرف مونتاغ اي شيء. فقد وصلته المعلومات بالبريد؛ قصاصة ورق لا 
تحتوي على شيء سوى الاسم والعنوان. تذكر تشارلز وهو يقف قرب مكتب 
اللحامي العنوان السابق الذي تلقاه من سارة» الا ان هذا العنوان طبعة مستخر حة 
عن تم نحاسي قاس؛ انه لا يستطيع ان يراها الا من الايجاز في الكلام او 
الكتابة. 

كان مونتاغ قد تصرف تصرفا بالغ العناية حسب اوامر تشارلز الي تلقاها 
برقيا: يحب ان لا يقترب احد منهاء لا يجب اثارة ذعرها او اعطاؤها فرصة اخرى 
للهروب. لعب احد الكتاب دور المخبر وفي جيبه نفس الاوصاف الي اعطيت الى 
المحبرين الحقيقيين» وافاد ان سيدة شابة تنطبق عليها الاوصاف المذكورة تقطن 
على ما يبدو في العنوان المذكورء وان الشخص المطلوب يسكن تحت اسم السيدة 
رافوود. وقدازال تبديل مكان حروف الاسم اي شك من حول مدى دقة 
المعلومات. كما ازال» بعد الصدمة الاولى الي لم تدم طويلاء ما ينطوي عليه لقب 
الزواج. لقد كانت مثل هذه الخدع مألوفة تماما بين النساء غير المتزوحات في 
لندن» واثبتت عكس ما كانت تنطوي عليه وهو ان سارة لم تتزوج. 

- الاحظ انها مرسلة من لندن. اليس لديك اي فكرة عن... 


457 


- ارسلت من هنا. من الواضح جدا انما ارسلت من شخص يعرف غن 
اعلاناتنا. وقد ارسلت شخصيا اليك» فالشخص هذا يعرف لمن نعملء الا انه يظهر 
غير مهتم بالمكافأة ال اعلنا عنها. وهذا يوحي ان السيدة الشابة هي الي ارسلتها. 

- لكن لاذا يتعين عليها ان تتأخر كثيرا في الكشف عن نفسها؟ يضاف الى 
ذلك» ليس هذا خط يدها. 

اعترف مونتاغ صامتا بانه لا يدري. 

- الم يحصل كاتبك على اي معلومات اضافية؟ 

- لقد اتبع التعليمات يا تشارلز. وقد منعته من القيام بأي استفسارات. 
وكان مصادفة ضمن حدود السمع في الشارع لما حيته احدى الجارات تحية 
الصباح. هكذا حصلنا على الاسم. 

- والبيت؟ 

- بيت اسرة محترمة. هذا ما قاله حرفيا. 

- يفترض اها مربية هناك. 

- يبدو هذا مرجحا. 

التفت تشارلز الى النافذة» وهو امر حسن» فالنظرة الى القاها مونتاغ على 
ظهره اوحت بنوع من الافتقار الى الصراحة. لقد منع الكاتب من طرح اي اسئلة» 
الا انه لم يمنع نفسه من طرح الاسئلة على الكاتب. 

- الديك نية في رؤيتها؟ 

- انا ل اعبر المحيط الاطلسي يا عزيزي هاري... 

وهنا ابتسم تشارلز معتذرا عن لهجته الي تنم عن نفاد الصبر. 

- اعرف ماهو سؤالك. ولا استطيع الاحابة. سامحين. فهذه المسألة بالغة 
الخصوصية. في الحقيقة ان لا اعرف ما هي مشاعري» واظني لن اعرف حي اراها 
ثانية» كل ما اعرفه حقا هو... انها لا تزال تستحوذ علي... وانئ لا بد ان اتحدث 
اليهاء لا بد... اتفهم... 

- يجب ان تسأل ابو الحول. 

- اذا كنت مهتما بسؤاله على هذا النحو. 

- طالما تفكر في الذي حدث لاولعك الذين احفقوا في حل اللغز. 


458 


لوی تشارلز قسمات وجهه بحزن. 

- اذا كان الصمت او الموت هو البديل - واذ ذاك يفضل ان تعد العظة 
الجنائزية. 

- اشك في ان ذلك لن يكون ضروريا. 

وابتسما انذاك. 

لا انه لم يبتسم الان وهو يقترب من منزل سفينيكس. لم يكن يعرف شيئا 
عن المنطقة» بل كانت لديه فكرة بانها بديل حقير عن غرينويتش - مكان انهى فيه 
ضباط البحرية المتقاعدون ايامهم. وكان شر التابمز ايام العصر الفكتوري اكثر تلوئا 
ماهو عليه اليوم» تغطي كل حركة من حركات مده مياه المحاري عل نحو شنيع. 
وفي احدى المرات» كانت الرائحة الكريهة لا تحتمل على نحو حدا باعضاء مجلس 
اللوردات الى الخروج من قاعتهم. وألقي عليه اللوم بسبب الكوليراء وكانت 
البيوت الواقعة على شاطئ النهر لا تملك السمة الاجتماعية الي تملكها في قرننا 
الحالي الذي زالت منه الرائحة الكريهة. وعلى الرغم من كل ذلك» فقد كان في 
وسع تشارلز ان يرى ان البيوت جميلة تماما. وعلى الرغم من ان سكان تلك 
البيوت مخطكون في احتيار بيئتهم, غير انهم لم يأتوا الى هناك بدافع الفقر كما 
يتضح. 

اخيرا وصل الى البوابة القدرية وهو يرتعش في اعماقه ويراوده احساس انه 
ممتقع في اللون واحساس ايضا بالمهانة والاذلال - فقد انحرفت نفسه الاميركية امام 
الماضي القوي والمتأصل وادرك مرتبكا انه نبيل يوشك ان يزور خادمة اعلى شأنا. 
كانت البوابة من الحديد المطاوع» تنفتح على ثمر يؤدي باختصار الى منزل شامخ 
مشيد بالاجر - على الرغم من ان ذلك البيت يتوارى حب السطح وراء النباتات 
المعترشة الكثيفة» الي شرعت ورودها المتدلية ذات اللون الازرق الفاتح بالتفتح. 

رفع مقرعة الباب النحاسية وطرق مرتين. انتظر عشرين ثانية تقريبا 
وبعدها طرق ثانية. في هذه المرة فتح الباب» ووقفت خادمة قبالته» فشاهد 
ردهة فسيحة من ورائها- والعديد من اللوحات نما جعل المكان يبدو متحفا 
للفنون. 

- ارغب في الحديث الى سيدة... رافوود. اعتقد أنها تقيم هنا. 


459 


كانت الخادمة مخلوقة شابة رشيقة» واسعة العينين ولا تعتمر القبعة الممزّقة 
المألوفة. في الحقيقة» ما كان ليعرف كيف يخاطبها لو لم يشاهدها مرتدية صدرية. 

- اممك لو سمحت؟ 

لاحظ غياب كلمة «سيدي» لعلها ليست خحادمة» فلهجتها ارفع كثيرا من 
لهجة الخادمات. ناوها بطاقته. 

- ارجو اخبارها اني قطعت شوطا طويلا من احل رؤيتها. 

قرأت البطاقة بلا استحياء. انما ليست خادمة. وبدت مترددة. ان صوتا تناهى 
الى الاسمماع في فاية الردهة المظلمة وكان ثمة رجحل اكبر من تشارلز بست او سبع 
سنوات يقف قرب عتبة الباب. التفتت الفتاة ممتنة له. 

- يرغعب هذا السيد في رؤية سارة. 

- نعم؟ 

كان بمسك قلما بيده» وهنا خلع تشارلز قبعته وتحدث من فوق العتبة. 

- لو تكرمت علي... انما قضية شخصية... فأنا اعرفها قبل ان تأي الى 
لندن. 

نمة ما يثير الازدراء في تقييم تشارلز على الرغم من انه كان تقييما قصيرا 
جدا. وبدا متباهيا بثيابه مباهاة تفتقر الى الاهمال»ء يلوح اشبه بدزرائيلي في شبابه. 
نظر الرحل نظرة -حاطفة الى الفتاة. 

اها...؟ 

- اعتقد انما يتحدثان» هذا كل ما هنالك. 

- من الواضح ان الامر بخص من في رعايتها: الاولاد. 

- حذيه اذا الى الطابق العلوي يا عزيزت. سيدي. 

انحى انحناءة صغيرة واخحتفى بالسرعة نفسها الى ظهر فيها للعيان. اما الفتاةء 
فاشارت الى تشارلز ان يلحق اء وتركته كي يغلق الباب وحده. وف حين شرع 
يرتقي السلالم» كان لديه متسع من الوقت كي ينظر فيه الى اللوحات والرسوم 
المكدسة. وكان بمتلك ما يكفي من المعرفة في الفنّ الحديث ليدرك المدرسة الي 
تنتمي لا معظم اللوحات» والحق» ان يدرك من هو الفنان الشهير السيئ السمعة 
الذي كان توقيعه يشاهد على العديد منها. وكان الحماس الذي اثاره قبل ما يقرب 


460 


من عشرين سنة قد خف الان. والشيء الذي كان يعتقد بانه حدير بالحرق بات 
الان غالي الثمن. لقد كان السيد ذو القلم مقتني لوحات» لوحات مشكوكا فيها 
الى حذ ماء الا انه كما يبدو رجل موسر. 

سار تشارلز من وراء ظهر الشابة الرشيق وارتقى مجموعة من السلالم. لا تزال 
هناك الكثير من اللوحات» الا انه اضحى الان بالغ القلق» لا يقوى على اعطائها 
اي اهمية. وف حين شرعا يرتقيان مجموعة ثانية من السلالم تحرأ تشارلز على طرح 
سؤال. 

- اتعمل السيدة رافوود مربية هنا؟ 

توقفت الفتاة في منتصف السلالم ونظرت الى الوراء. دهشة دفعتها الى 
الابتسام؛ ثم حقضت من عينيها. 

- اها لم تعد مربية. 

سقطت عيناها على عينيه في لحظة قصيرة ثم واصلت صعودها. 

وصلا الى فسحة ثانية في السلا لم. وهنا التفتت مرشدته العرافة قرب الباب. 

- من فضلك انتظر هنا. 

دخلت الغرفة تاركة الباب نصف مفتوح. استطاع تشارلز ان يشاهد من 
مكانه حارج الغرفة نافذة مفتوحة» وستارة مخرمة تتمايل الى الوراء بفعل هواء 
الصيف» ولعان النهر من ورائها ومن بين الاوراق المتشابكة. ثمة اصوات مهموسة. 
غير مكانه كي يرى على نحو افضل محتويات الغرفة. وهنا شاهد رحلين» نبيلين 
اثنين» يقفان قبالة لوحة من فوق مسند وضع على نحو مائل الى جهة النافذة 
للاستفادة من ضوئها. انحن الرحل الاطول قامة لمعاينة بعض التفاصيل» فكشف 
بذلك عن الشخص الثاني الواقف من ورائه الذي نظر مصادفة من خلال الباب 
صوب عيبي تشارلز. اظهر رغبة واهية ومن ثم القى نظرة خاطفة على شخص ما 
في الحانب الاحر من الغرفة المتواري عن الانظار. 

وقف تشارلز مذهولا. 

فقد كان ذلك الوجه وجها یعرفه» انه وحه سبق له ان اصغى له ذات مرة 
مدة ساعة او اكثر وكانت انذاك الى جانبه ايرنستينا. مستحيل ولكن... والرحل 
في الطابق السفلي! هذه اللوحات والرسوم! اشاح بوجهه ونظر» رحل يدخل في 

461 


كابوس لا يخرج منه» من خلال نافذة مرتفعة في الجانب الخلفي من الفسحة تؤدي 
الى حديقة خلفية خضراء من تحت. لم يشاهد شيئاء بل جرد حماقة افتراضية بأن 
الساقطات لا بد ان يواصلن سقوطهن - او لم يأت للقبض على قانون الحاذبية؟ 
کان برت هيل ريل يحل فحاة اال مر وله .وقد الب رآنا على عقب 

القى نظرة خاطفة من حوله. كانت تقف هناك قبالة الباب الذي اغلقته على 
الفورء ويدها فوق المقبض النحاسي» لا تقوى على النظر بوضوح بعد ان توارى 
ضوء الشمس فجأة. 

وثوبما! 

كان ثوبا مختلفا حن انه ظن فترة وجيزة انها امرأة احرى. لقد شاهدها دوما في 
مخيلته مرتدية ثياها السابقة» وجه مسكون ينهض من ظلمة موت الزوج. غير ان هذه 
المسرأة كانت امرأة ترتدي ثياب المرأة الجديدة» رافضة رفضا قاطعا كل الاراء الشكلية 
المعاصرة الخاصة بزي الانثى. كانت تنورقّها ذات لون ازرق غامق مثبتة عند الخصر 
بحزام قرمزي له ابزيم بعثل بحمة مذهبة» ويشد من تحته ايضا قميصا حريريا مقلما بلونين 
الابيض والوردي» طويل الكمين؛ منساباء وبياقة صغيرة دقيقة بيضاء مخرمة» ومن تحتها 
حجر نمين يقوم مقام الرباط. اما الشعر فكان مشدودا من الخلف بشريط احمر. 

اثار هذا الشبح البوهيمي الكهربائي استجابتين فوريتين في نفس تشارلز؛ 
الاولى هي انما بدت اصغر سنا بسنتين بدلا من ان تبدو اكبر سنا بعامين؟ والثانية 
هي انه على نحو غير مفهوم لم يعد الى انكلترا بل قام برحلة دائرية وعاد الى 
امي ركاء اذ كان الكثير من الشابات الانيقات هناك يرتدين مثل تلك الثياب في اثناء 
النهار. وكن يدركن معن مثل هذه الملابس - بساطتها وجاذبيتها بعد الكرنيولين 
والمشدات والارداف المستعارة البائسة. في الولايات المتحدة» وحد تشارلز اسلوها 
حذابا حدا عا فيه من ايحاءات مغناج للتحرير بأساليب اخرى. اما الان» وتحت 
شكوك اخرى جديدة وكثيرة» تلونت وجنتاه بلون لا يختلف كثيرا عن الخنطوط 
الوردية القرنفلية في قميصها. 

غير انه ازاء صدمته - ما هي الان» ما الذي آلت اليه! - انتابته موجحة من 
الارتياح» تلك العينان» ذلك الفم» تلك المسحة الخفية الدائمة الموحية بالتحدي... 


462 


كلها لا تزال موحودة. لقد كانت المخلوقة المدهشة لذكرياته السعيدة - الا انها 
متفتحة» تدرك بوضوح» تنتقل من طور اليرقانة الى الحشرة الكاملة. 

مرت عشر لحظات طويلة ساد فيها الصمت التام. ثم شبكت يديها متوترة 
من فوق الابزيم المذهب وخحفضت بصرها. 

- كيف اتيت الى هنا يا سيد سميثسون؟ 
| ىم تشاهد العنوان» ولم تكن مقرة بالجميل. ولم يتذكر ان سوؤالها كان يشبه 
سؤالا سبق له ان طرحه عليها عندما جاءت اليه على نحو غير متوقع. الا انه ادرك 
ان مكانتيهما قد انقلبت الان. فهو الان الشخص المتضرع وهي المستمعة المترددة. 

- لقد أحبر محامي انك تقطنين هنا ولا ادري من الذي اخحبره. 

- محاميك؟ 

- ألم تعرئي اني فسخحت خطوبي من الانسة ايرنستينا؟ 

اصبحت هي الان في حالة ذهول. وتفرّست عيناها في عينيه لحظة طويلة» 


ومن ثم اطرقت. لم تكن على علم. اقترب منها حطوة واحدة وتكلم بصوت 


خفيض. 
- لقد فتشت عنك في كل ركن من اركان هذه المدينة. ونشرت في كل 


حدق كلاهما الى الارض الممتدة من بينهماء الى السجاد التركي الانيق الذي 
كان مفروشا على امتداد الفسحة. حاول ان يجعل صوته طبيعيا. 

- ارى انك... 

كان يفتقر الى الکلمات» الا انه كان يعي انما قد تغيرت تماما. 

قالت. 

- لقد رفقت بي الدنيا. 

- ذلك السيد هناك - اليس هو...؟ 

أاومات بحيبة على الاسم الذي لا يزال في عينيه غير المصدقتين. 

- وهذا البيت يعود ال... 

احذت نفسا قليلا» فقد باتت لهجته تنم على الاتهام. ففي ذهنه كان يتوارى 
على نحو واه شيء من الغيبة والنميمة» لا عن الرجل الذي شاهده في الغرفة» بل 


463 


عن الشخص الذي شاهده في الطابق السفلي. وبلا سابق انذار» تقدّّمت سارة من 
السلا لم الى كانت تؤدي الى اعلى البيت. وقف تشارلز متسمرا في مكانه. القت 
عليه نظرة حاطفة مترددة. 

- تفضل بالصعود. 

سار من ورائها وهو يرتقي السلا لم ليجد انما دحلت غرفة تواحه الشمال 
تطل على الحدائق الغئاء الممتدة من تحتها. انه محتّرّف رسام (مرسم الفتان). فوق 
منضدة قريبة من الباب ثمة مخلفات الرسم. وعلى مسند بداية تخطيط زيي يعثل 
امرأة» شابة حزينة» مطرقة» وبعض النباتات من وراء رأسها. وهناك لوحات زيتية 
على قماش» مقلوبة قرب الحدار. وعلى مقربة من جدار اخر» مجموعة من كلاليب 
علقت عليها مجموعة متنافرة الالوان من الملابس واللفاعات والاوشحة» حرة كبيرة 
من الخزف» مناضد ملحقات - عبوات» فرش» علب الوان» نقش ضكيل البروز - 
منحوتات صغيرة» قارورة وفيها اعشاب قلما هناك قدم مربع واحد (929 سم 
مربع) بلا شيء من فوقه. 

وقفت سارة قرب احدى النوافذ» وقد ولته ظهرها. 

- انا سكرتيرته» مساعدته. 

- اتعملين نموذجا له؟ 

- أحيانا. 

- ادرك هذا. 

الا انه لم يدرك اي شيء؛ فقد شاهد في زاوية عينه احدى الصور التخطيطية 
فوق منضدة قرب الباب وكانت ثتمثل انثى عارية» عارية من الخصر الى اعلى» وقد 
امسكت بقارورة فوق حوضها. لم يكن الوجه على ما يبدو سارة. الا ان النظرة 
كانت على نحو جعله غير واثق. 

- اانت تعيشين هنا منذ غادرت اكستر؟ 

دعق :هنا ى السنة الا هله 

كان يتمن ان يسأا عن كيفية ذلك. كيف التقيا؟ ما هي الشروط الي 
يعيشان موجبها؟ تردد» ثم وضع قبعته وعصاه وقفازه فوق احد المقاعد القريبة من 
الباب. اصبح في وسعه الان ان يشاهد شعرها بكل ما فيه من غئ ممتدا حى 


464 


حصرها. لاحت له اشد ضألة نما يتذكر» اكثر نحافة. اصطفق جناحا حمامة 
وحطت على حافة النافذة قبالتها. فزعت» ومن ثم حلقت بعيدا. فتح باب وأغلق 
في الطابق السفلي. ثمة اصوات خافتة لرحال يسيرون من تحت. كانت الغرفة 
تفصل بينهما. كل شيء يفصل بينهما. وبات الصمت لا يطاق. 

لقد جاء لينقذها من الفقر المدقع» من عمل مبهم في بيت مبهم. جاء مدججا 
بالسلاح» على اهبة لذبح التنين؛ الا ان الانسة حرقت كل القوانين. لا قيود, لا 
نشيج» لا يدين متوسلتين. كان هو الرحل الذي يبدو مثل ثياب سهرة رسمية تحت 
الانطباع باها حفلة ملابس تنكرية. 

- ايعلم هو انك غير متزوجة؟ 

- اني اشق طريقي بوصفي ارملة. 

كان سؤاله التالي مشوشاء الا انه فقد كل لباقة. 

- اعتقد بأن زوجته ميتة. 

- ميتة» لکن ليس في قلبه. 

- ألم يتروج؟ 

- انه يشاطر امحاه هذا البيت. 

ثم اضافت اسم شخص اخر كان يعيش هناك كأها تريد الايحاء بأن مخاوف 
تشارلز الي لا يستطيع احفاءها بسبب هذا الدليل على سكان البيت انما هي 
مخاوف لا اساس لما من الصحة. بيد ان الاسم الذي اضافته كلن ليجعل اي 
فكتوري محترم في اواخر ستينات القرن التسع عشر يستاء استياء شديدا. فالاهوال 
الى كان يثيرها شعره عبّر عنها صراحة حون مورلي125. احد الكفوئين الذين 
ولدوا ليعبّروا (اي ليكونوا واحهة فارغة) عن عصرهم. تذكر تشارلز العبارة 
الضرورية الخاصة بإدانته: «الفاسق المكلل بالغار» وسيد البيت نفسه! ألم تسمع انه 


(125) جون مورلي (1923-1838): سياسي انكليزي من سياسي حزب الاحرار اشتهر بوصفه 
اديبا وبخاصة كاتب سير. من مؤلفاته المنشورة: (ادموند بيرك - 1867)» (فولتير -1872)» 
(روسو-1873)» (ديدرو والموسوعيون-1878)» (رالف والدو ايمرصن-1884)» 
(دراسات في الادب -1891)»ء (اوليفركومويل-1900)» (حياة غلادستون-1903)؛ 
وغيرها. (المترجم) 


465 


كان يتعاطى الافيون؟ لاحت في ذهنه صورة بيت يتصف بالقصف والعربدة من 
اربعة او خمسة اشخاص اذا ما عد المرء ايضا الفتاة الي ارشدته الى الطابق العلوي. 
الا انه لم يكن هناك ما يشير الى العربدة في مظهر سارة. ان تقديم الشاعر بوصفه 
اشارة انما يدل ايضا على شيء من البراءة؛ وما الذي تعين على المحاضر والناقد 
الشهير ان يرى من خلال الباب» ما الذي يفعله رجحل له افكار متطرفة» الا انه 
محترم؛ ومحط اعجاب الكثيرين في عرين خطيئة كهذا؟ 

اني ابالغ في توكيد الاسوأ - تلك هي الانتهازية في تبسيط النصف المورلي22 
من عقل تشارلز؛ اما نفسه الافضلء تلك النفس الى ساعدته من قبل ذات يوم 
على انه يدرك على الفور تعمد الاذى الذي كانت تلحقه بلدة لام بطبيعتها 
الحقيقية» فقد ناضلت لطرد شكوكه. 

بدأ يعبر عن افكاره بصوت هادئ؛ بصوت اخر في ذهنه صب لعناته على 
الشكلية الي اسم يماء ذلك الحاجز الموجود قي اعماقه الذي لم يستطع قول شيء 
عن الايام الموحشة» الليالي الموحشة الي لا عد لما ولا حصرء روحها الى حانبه» من 
فوقه» قبالته... دموع, لم يستطع كيف يعبرٌ عن دموعه. احبرها ما حدث في تلك 
الليلة في اكستر» بقراره» بخيانة سام الكبرى. 

كان يتمن ان تلتفت اليه» الا انما ظلت محدقة» دون ان يتمكن من رؤية 
وحههاء الى النباتات الخضراء من تحت. هناك اطفال يلعبون. التزم الصمت ثم تقدم 
مقتربا منها. 

- الا يعي ما اقوله لك اي شيء؟ 

- يعن الشيء الكثير لي. لقد... 

قال برفق. 

- اتوسل اليك ان تكملي كلامك. 

- الكلمات تخوني. 

ابتعدت؛ كأئها لا تقوى على رؤيته قريبا منهاء» ولما اصبحت قرب مسند 
اللوحات تحرأت ونظرت اليه» وغمغمت. 


(126) المورلي: نسبة الى جون مورلي الوارد ذكره انفا. (المترجم) 
466 


- لا اعرف ماذا اقول. 

الا اها قالت ذلك دون عاطفة» بلا اي عرفان كان يتوق اليه» قالتها ببساطة 
تثير الحيرة لا اكثرء بحقيقة قاسية. 

- قلت لي انك كنت تحبيني. ومنحتئئ اعظم دليل تستطيع المرأة ان... ان 
الذي استحوذ علينا ليست درجة اعتيادية من العاطفة والانحذاب المشترك. 

- لا انكر ذلك. 

بان وميض يدل على استياء ممتعض في عينيه. اطرقت» وران الصمت من 
خود ق ارف :وهنا القت تشار لك مرت الايا 

- الا انك وجدت حبا جديدا ابلغ اثرا. 

م اظن اني سأراك ثانية البتة. 

- هذا لا يجيب عن تساؤلي. 

- لقد حرّمت على نفسي الندم على ما هو مستحيل. 

- لا يزال هذا... 

- انا لست عشيقته يا سيد ميثشسون. لو كنت تعرفه» لو كنت تعرف مأساة 
حياته الشخصية. لما كان في وسعك لحظة واحدة ان تكون... 

الا افاامسكت عن الكلام. لقد بالغ اكثر ما ينبغي» وها هو يقف الان 
متورد الوجنتين كمن ضرب على ظهر اصابعه. صمت ثانية» ثم قالت هدوء. 

- لقد وحدت حبا جديداء الا انه ليس حبا كالذي توحي به. 

- اذا لا ادري كيف افسر ارتباكك الواضح تماما لدى رؤيي ثانية. 

- على الرغم من ان في وسعي ان اتخيل ان لديك الان... اصدقاء يثيرون 
المتعة والبهجة اكثر ثما استطعت انا ان اتظاهر به. 

غير انه اضاف بعجالة: 

- انت تضطريني الى التعبير عن رأبي على نحو يثير نفوري. 

غير افا ظلت ساكتة لا تتكلم. فالتفتت اليها وهو يبتسم ابتسامة صغيرة 
مريرة. 

- افهم كيف هي الامور. لقد اصبحت انا مبغض البشر. 


467 


حقق صدقه نتيجة افضلء اذ القت اليه نظرة سريعة» نظرة لم تكن لتخلو من 
الاهتمام. ترددت» ثم توصلت الى قرار. 

- لم يكن قصدي ان تصبح على ما انت عليه. اردت ان افعل الشيء 
الافضل. لقد اسأت الى ثقتك» الى كرمك. نعم» لقد رميت نفسي عليك» فرضت 
نفسي عليك» مدركة كل الادراك ان لديك التزامات اخرى. كنت مجنونة في ذلك 
الوقت. ولم ادرك ذلك ادراكا واضحا حت ذلك اليوم في اكستر. ولم يكن 
تفكيرك السبئ نحوي سوى الحقيقة. 

توقفت قليلا في حين انتظر هو. 

- منذ ذلك الوقت رأيت فنانين يحطمون اعمالا من شأما ان تبدو للهواة 
اعمالا حيدة جدا. اعترضت في احدى المرات. فقيل لي» اذا لم يكن الفنان هو 
الحكم العنيد على اعماله» فانه غير جدير بأن يكون فنانا. اعتقد بأن ذلك صحيح. 
اعتقد باني كنت على حق في تدمير الشيء الذي بدا بيننا. ثمة زيف فيه» و... 

- لا يقع اللوم على بسبب ذلك. 

- لا لا يقع اللوم عليك. 

توقفت هنيهة ثم استأنفت كلامها بلهجة أرق. | 

- لاحظطت مؤحرا عبارة عند السيد رسكين”2». لقد كتب عن تناقض 
الادراك. وكان يقصد بكلامه ان ما هو طبيعي اصبح زائفا بفعل ما هو اصطناعي 
والنقي زائفا .مما هو غير نقي. اعتقد بأن ذلك هو الشيء الذي حدث قبل عامين. 

وهنا قالت بصوت خحفيض. 

- وانا اعرف اكثر من اللازم الجانب الذي اسهمت فيه. 

راوده ذلك الاحساس المتيقظ من جديد بالاعتراض الغريب بالاستواء العقلي. 
ورأى ايضا التنافر الموحود دوما بينهما: الصفة الرسمية الشكلية الى تكتسبها لغته - 
البادية على اسوأ ما يكون في رسالة الحب الي لم تستلمها البتة - وصراحة لغته. 
لغتان اثنتان تدلان من جهة على الفراغ والارتباك الاحمق - الا انها قالت تواء 
السطحية ني التصور - ومن جهة احرى» جوهر الفكر ونقائهماء الاحتلاف بين 


(127) جون رسكين (1819 - 1900) كاتب وناقد فني انكليزي. اكد مساوئ المجتمع الصناعي 
الجديد. (المترجم) 


408 


شارة بسيطة:؛ اذا جاز التعبير» وصفحة مزوقة من نويل همفريز وكلها عبارة عن 
زحرفة ملولبة» تعقيد» رعب الزحرفة البالغة في الفراغ. ذلك هو التنافر الحقية 
فيما بينهماء على الرغم من ان رقتها - او توقها للتخلص منه - سعت الى اخحفائه. 

- افي وسعي الاستمرار في الحاز؟ الا يمكن التكفير عما تسميه الجزء الطبيعي 
والنقي من الادراك - تنبيه ثانية؟ 

- احشى انه لا يمكن ذلك. 

لم تنظر اليه وهي تتفوه بتلك العبارة. 

- كنت على بعد اربعة الاف ميل من هذا المكان عندما وصلئ خبر يفيد 
انهم قد عثروا عليك. حدث ذلك قبل شهر. لم تمر بي ساعة منذ ذلك الوقت الا 
وفكرت في هذا الحديث. انك... انك لا تستطيعين الاحابة .علاحظات عن الفنّ 
مهما كانت متناقضة. ْ ١‏ 

- غرضها ان تنطبق على الحياة ايضا. 

- اذا ما تقولينه هو أنك لم تحبيني البتة. 

- لا استطيع ان اقول هذا. 

ابتعدت عنه» فسار من ورائها ثانية. 1 

- لكن عليك ان تقرّي بذلك. لا بد لك من القول: «كنت شريرة تماماء انا 
ارَ فيه سوى اداة استطيع ان استخدمهاء دمار استطيع ان احدثه. اما الان فلا 
يهمينٍ ان كان لا يزال يحبين» وانه شاهد في رحلاته امرأة يقاركها بيء انه شبح» 
ظل» نصف انسان» طالما يظل منفصلا عي». 

احنت رأسها في حين حفض صوته. 

- لا بد لك من القول: «لا يهمي ان جريمته اظهرت ترددا استغرق بضع 
ساعات» لا يهمئ ان كفر عن ذلك بالتضحية باسمه النبيل» ب...» ليس ذلك 
بالشيء المهم» فانا على استعداد للتضحية بكل ما املكه مئات المرات ثانية لو كان 
في وسعي ان اعرف يا عزيزي سارة انئ... 

اوشك ان يوصل نفسه على نحو خطير الى حافة البكاء. مد يده دون وعي 
الى كتفهاء ولمسه. لكن ما ان لمسه حى خفض يده عندما شعر بتصالب موقفها 
على نحو يصعب فهمه. 


009 


- هناك شخص اخحر 

- نعم. هناك شخص اخر 

نظر الى وحهها المائل نظرة غاضبة واخذ نفسا عميقا ومن ثم سار صوب 
الباب. 

- اتوسل اليك. ثمة شيء احر اريد ان اقوله لك. 

- لقد قلت الشيء الوحيد المهم. 

- الشخص الاخر ليس هو ما تفكر فيه. 

كانت فمجتها جديدة تماماء قوية تماماء حي انه اوقف حر كته صوب قبعته. 
نظر نظرة حاطفة وشاهد مخلوقة منفصمة: سارة الاكبر سنا الى تتهمه» وسارة الي 
توسلت اليه ان يصغي لما. حدق الى الارض. 

- هناك شخص اخر بالمعن الذي تقصده. انه... فنان التقيت به هنا ويريد ان 
يتزوجين. انئ معجبة به» واحترمه انسانا وفناناء الا اني لن اتزوجه. لو احيرت في 
هذه اللحظة على الاختيار بين السيد... بينه وبينك فلن تخرج من هذا البيت اكثر 
حزنا. اتوسل اليك ان تصدقيئ. 

اقتربت قليلا منه» عيناها ثابتتان في عينيه» تماما واضطر الى ان يصدقها. اطرق 


- ان حصمكما المشترك هو نفسي انا. اني لا ارغب في الزواج. لا ارغب في 
الزواج بسبب.. اولاء بسبب ماضي الذي عودن على الوحدة. فكرت دوما اني 
اكرهها. اما الان فأنا اعيش في عالم يسهل جدا فيه تحنب الوحدة. ووجدت اني 
اكتنزها. لا اريد ان يشاركين اح حياق. اريد ان اكون على ما انا عليه لا 
على النحو الذي يجب ان يتوقعه مي زوج مهما كان رقيقاء ومهما كان متسامحا. 

وسببك الثاني؟ 

- سببي الثاني هو حاضري. فأنا لم اتوقع ان اكون سعيدة في الحياة البتة. 
غير اني أجد نفسي سعيدة حيث انا الان» وعملي متعدد الالوان» مناسب لطبيعي 
ومزاجي - عمل يثير البهجة الى حدٌ كبير حي ان م اعد افكر فيه على انه عمل. 
اذ يسمح لي بالدحول في حديث النوابغ اليومي. لمثل هؤلاء الرحال احطاؤهم 
عيوهم. الا افم ليسوا اولئك الذين يختار العالم ان يتخيلهم. فالاشخاص الذين 

470 


التقية هنا يدعونئ ارى مجموعة من المساعي الشريفة» من الاهداف النبيلة وانا لم 
اعرف إلى الآن اني موحودة في هذا العالم. 

التفتت صوب مسند اللوحة. 

- انا سعيدة يا سيد ميشسون» فقد وصلت اخيرا الى المكان الذي انتمي 
اليه» او هذا ما يلوح لي. ان اقول هذا القول ممنتهى التواضع. فانا لا املك اي 
عبقرية» لا املك ما هو اكثر من القابلية على مساعدة النوابغ مساعدة متواضعة 
وصغيرة جدا. من الجائز ان تظن اني كنت محظوظة. لا احد يعرف ذلك افضل 
من شخصيا. الا اني اعتقد بانئ مدينة لحظي السعيد. ولن ابحث عنه في مكان 
احر. وعلى ان اراه حظا مزعزعاء مثل شيء يجب الا اسمح لنفسي ان تُحرم 
منة. 

توقف هنيهة» ثم وقفت قبالته. 

- من الحائز ان تفكر كيفما تشاء في» الا ان لا استطيع ان امن شيئا حياتق 
حلاف ما هي عليه في هذه اللحظة» ولا حى عندما اجد انسانا احترمه يتضرع 
الي» انسسانا يؤثر في اكثر ما يلوح علي انسانا لا استحق منه مثل هذا السخاء 
لكلف ي الب 

- انسانا اتوسل اليه ان يفهمئ. 

كانت هنك العديد من النقاط ال آثر تشارلز ان يقاطع فيها هذا المبدأً. 
فالحجج الواردة فيه ظهرت كلها له هرطقة. الا ان اعجابه بالمتمردة ازداد في 
اعماقه الدفينة. لم تكن لتشبه اي امرأة» لا تشبه اي امرأة اكثر من اي وقت مضى. 
ورأى ان لندن» حياتها الجديدة, قد غيرت منها تغييرا طفيفاء قد هذبت من 
مفرداتها ولكنتهاء قد اوضحت الحدس» قد عمّقت من وضوح بصيرهاء قد جعلتها 
الان تستقر من حول مفهومها الاساس عن الحياة ودورها فيها في حين كانت في 
السابق حائرة على نحو يفتقر الى الامان. لقد ضللته ثيابها البراقة اول الامر. الا انه 
بدأ يشعر انئهاليست سوى عامل من عوامل معرفتها الذاتية وتملكها الذاتي 
الجديدين. لم تعد تحتاج الى زي خارجي. فقد كان يراه» الا انه على الرغم من 
ذلك ما كان ليريد رؤيته. عاد الى مكان قريب من وسط الغرفة. 


471 


- الا انك لا تستطيعين رفض الهدف الذي من اجحله حلقت المرأة. ما هو 
النمن؟ ليس لذي شيع اقول صد السيد..: 

اشار الى اللوحة من فوق المسند. 

- وحلقته» غير انك لا تستطيعين وضع خدمتك لهم فوق القانون الطبيعي. 

زاد من توكيد حصاله الحسنة. 

- انا ايضا تغيرت» عرفت الكثير عن نفسي» عن الاشياء الزائفة في. ليست 
عندي اي شروط. وفي وسع الانسة سارة وودراف ان تستمر كما هي عليه مثل 
السيد تشارلز ميثسون. لن امنعك من عالمك الجديد او من مواصلة الاستمتاع فيه. 
انا لا اعرض عليك ما هو اكثر من زيادة سعادتك الشخحصية الراهنة. 

اتحهت صوب النافذة» في حين تقدم هو الى مسند اللوحة وعيناه ترنوان اليها. 
التفتت نصف التفاتة. 

- انت لا تفهم. ليس الخطاً حطاك. فأنت انسان رقيق. اما انا فلن يفهمي 
احد. 

- لا تنسي انك قلت لي ذلك من قبل. اظن انك تنظرين الى المسألة على انها 
مسألة كبرياء. 

- كنت اقصد اني انا شخصيا لا افهم نفسي» ولا استطيع ان اخبرك 
بالسبب» غير ان اعتقد بأن سعادت تعتمد على عدم فهم اي شخص لي. 


ابتسم تشارلز على الرغم منه. 
- هذا غير معقول. فأنت ترفضين طلبي لاني رعا احعلك تفهمين 


- اني ارفضء كما رفضت النبيل الاحر» لانك لا تستطيع ان تفهم ان 
المسألة عندي ليست غير معقولة. 

اولته ظهرها ثانية وطفق يجد بصيصا من الاملء اذ بدت وهي تظهر - في 
اثناء التقاطها شيئا ما من فوق الرافدة البيضاء المستعرضة قبالتها - ما يشبه الارتباك 
الطفولي العنيد الذي يشبه ما تحاول ان تخفيه. 

- لن قربي هناك. من الحائز ان تحتفظي لنفسك بكل الغموض الذي 
ترغبين غير ان ذلك لن يبقى مقدسا عندي. 


472 


- لست انت ما احشاه» بل احشى حبك لي. وانا اعرف معرفة جيدة ان لا 
شيء يبقى مقدسا هناك. 
قانون لاعقلان على العزعة العقلانية. غير ان ما من شأما ان تستسلم للعقل. ومن 
الجائز ان تكذب على نحو اكثر صراحة على العاطفة. تردد ثم اقترب اكثر. 

- افكرت كثيرا في في اثناء غيابي؟ 

اذ ذاك نظرت اليه» نظرة شبه حافة» كأها توقعت هذا النمط الحديد من الهجومء 
فرحبت به. اشاحت بوجهها بعد لحظة» وحدّقت الى سطوح البيوت المقابلة للحدائق. 

“اول فكدرت فيك كثيزا: فكرت فيك كثيرا جدا يعد ملقة اشهر ارايت 
اول مرة احدى الاعلانات الي نشرقا في - 

- اذا كنت تعرفين! 

غير انها استأنفت كلامها باصرار. 

- مما اضطرن الى تغيير محل سكناي واسمي. احريت بعض الاستفسارات» 
وعلمت بعد ذلك» وليس قبله؛ انك لم تتزوج الانسة فريمان. 

وقف متجمداء غير مصدق حمس ثوان طويلة. ثم نظرت اليه نظرة حاطفة 
صغيرة» شعر انه رأى فيها اغتباطا واهياء انها تملك دوما هذه الورقة الرابحة على اهبة 
الاستعداد - والاسوأ من ذلكء انها انتظرت لتكشف عنها عندما ترى كل ما لديه من 
اوراق. ابتعدت بمدوء وساد ذلك الهدوي تلك اللامبالاة الواضحة» رعب اشد من 
ابتعادها. تتبعها بعينيه ولعله بدا احيرا يدرك سرها. لقد بدأ نوع من الانحراف الرهيب 
في القدر الجنسي الانساني. وهو ليس اكثر من جندي مشاة» قطعة شطرنج في معركة 
اكثر هولا. ومثل كل المعارك فإِهُا لم تكن معركة من احل الحب» بل من احل 
الاستيلاء والارض. وادرك ادراكا عميقا انها لم تكن تكره الرجل» او انها تحتقره 
احتقارا ماديا اكثر من بقية الرحال» بل ان مناوراتها جزء لا يتجزء من سلاحهاء 
ادوات من اجل غاية اكبر» وادرك ادراكا اشد عمقا ايضا ان سعادمًا الراهنة المفترضة 
كانت كذبة اخرى. ففي اعماقها الدفينة كانت لا تزال معذبة» على نفس النحو 
القديم. ذلك هو السر الذي كانت تخشى حقا واخحيرا ان يتمكن من اكتشافه. 

ران الصمت. 


473 


- انت اذا لم تحطمي حياتي حسب» بل كان يلذ لك ان تفعلي ذلك. 

- كنت اغلم ان لا شيء سيتمخعض عن هذا اللقاء سوى التعاسة. 

- اعتقد بانك تكذيين. اعتقد بانك تمتعت بفكرة تعاسيي. واعتقد بانك أنت 
الى ارسلت تلك الرسالة الى محخامي. 

نظرت اليه نظرة حادة مستنكرة» الا انه واحهها بتكشيرة باردة. 

- انت تنسين ان اعرف في غير صالحي توا انك تستطيعين ان تصبحي ممثلة 
بارعة عندما يلائم ذلك اهدافك. وفي مستطاعي ان امن السبب الذي دعيت من 
احله الى هنا وهو توجيه الضربة القاضية الي. فلديك ضحية حديدة. فقد اشفي 
غليل كراهيتك الذي لا يرتوي والبعيد كل البعد عن كل ما هو انثوي لجنس 
الرحال مرة واحدة اخيرة... والان في وسعي الانصراف. 

- انك مخطى في الحكم علي. 

تفوهت بعبارقا على نحو هادئ تماما كأنما لتظل دليلا على كل اتماماته» بل 
استطابت لما في اعماق نفسها الدفينة. هز رأسه بالنفي هزة مريرة. 

- لاء بل انت كما قلت. فأنت لم تغرسي الخنجر في صدري حسب» بل 
طاب لك ان تحركيه فيه حر كة دائرية. 

انتصبت الان محدقة اليه» كأها مجرم عنيد ينتظر قرار الحكم» على غير ارادهاء 
بل مسحورة. ونطقت بالحكم. ٍ 

- سيأڻ اليوم الذي تُسألين فيه عما فعلته في. واذا كانت السماء عادلة» فإن 
عقابك لن ينتهي الى الابد. 

كلمات عاطفية. الا ان الكلمات أحيانا تكون اهميتها اقل من اهمية عمق 
المشاعر الكامنة من ورائها - وكانت هذه الكلمات صادرة عن كيان تشارلز كله 
ويأسه. لم تكن العاطفة هي الي تصرخ من ورائهاء بل المأساة. ظلت لحظة طويلة 
تحدق اليه وانعكس في عينيها شيء من الغضب الحامح الذي كان يتأحج في 
روحه. وفجأة اطرقت. 

تردد ثانية احيرة وكان وجهه اشبه بجدار سد يوشك ان ينهارء اذ كان ثقل 
الندم يضغط ضغطا هائلا في الاعماق. غير انه اغلق فمه واستدار على عقبيه» وسار 
صوب الباب بالسرعة نفسها الى تبين فيها انها مذنبة. 


474 


هرولت من ورائه بعد ان جمعت اطراف ثوها بيد واحدة. استدار لدی سماعه 
الصوت» فما كان منها الا ان تقف في مكافا حائرة. الا انه قبل ان يتمكن من 
السير» اسرعت ومرت من امامه صوب الباب» فوجد طريقه الى الخروج مغلقا. 

- لا استطيع تركك لتذهب وانت معتقد ما قلت. 

انتفخ صدرها كأها مقطوعة الانفاس» عيناها ثابتتان من فوق عينيه» أا 
اعتمدت اعتمادا كليا على ضغطهما في ايقافه. الا انها تكلمت لما ابدى اشارة 
غاضبة من يده. 

- هناك سيدة في هذا البيت تعرفئ» وتفهمي فهما افضل من اي انسان اخر 
في العالم. وهي ترغب في رؤيتك. اتوسل اليك ان تفعل ما اقول. 0 
طبيعي الحقيقية افضل ميئ. وستشرح بأن تصرفي ازاءك لا يستحق اللوم الذي 
تفترضه. 

اتقدت عيناه من فوق عينيهاء كأنه سيترك ذلك السد ينهار الان. وبذل 
جهدا صعبا كما يبدو كي يسيطر على نفسه» كي يتخلص من السعير» ويستعيد 
الهدوء. وبحح. 

اا ا ا الك ا ال 
والان - 

- انها تنتظرك» فهي تعلم انك موجود هنا. 

- لا يهم امرها حي لو كانت هي الملكة. لن اراها. 

- لن اكون حاضرة. 

مرت وجنتاها احمرارا شديدا مثل احمرار وجني تشارلز. وللمرة الاولى - 
والاحيرة - في حياته» مال الى استخدام القوة البدنية ضد شخص من الجنس 
اللطيقن. 

- تنح جانبا. 

الا اها هرت رأسها بالنفي. اصبح الموضوع الان حارج نطاق الكلمات» انما 
مسألة ارادة. وكان تصرفها قويا - مأساويا. الا ان شيئا غريبا استحوذ على عينيها 
- شيئا قد حدث» نسمة من عالم احر كانت تب على نحو غير محسوس من 
بينهما. راقبته كأهها عرفت اها جعلته في موقف حرج؛ خائفا الى حدّ ما» لا يعرف 


475 


ماذا يفعلء ولكنه بلا مناورة» كان لا شيء من وراء ذلك المظهر سوى حب 
فضول: ترقب نتيجة بحربة. شيئا ما تردد في اعماق تشارلز. انخفضت عيناه. فوراء 
كل ثورته العاتية ادرك انه لا يزال يحبهاء وان هذه هي المخلوقة ة الوحيدة ال لا 
يستطيع نسيان ضياعها. قال وهو ينظر الى الابزيم المذهب: 

- ماذا افهم من هذا الشيء؟ 

- ستفهم الشيء الذي كان ممكنا ان يتوقعه منذ وقت قصير اي رحل اقل 
استقامة ونبلا. 

نقب في عينيها. اهناك ادن ابتسامة فيهما؟ لا. لا يمكن ان توجحد» ولا توجد. 
حملته بين عينيها الغامضتين لحظة احرى» ثم تركت الباب واجتازت الغرفة صوب 
مقبض حرس قرب الموقد. بات حرا في ان يذهب» بيد انه راقبها دون ان 
يتحرك... اي رجحل اقل استقامة ونبلا... اي شناعة جديدة تتهدده الان! امرأة 
احرى تعرفها وتفهمها افضل منه... تلك الكراهية للرحل... هذا البيت الذي 
يسكنه... لم يتجرأ على البوح بذلك. 

اعادت المقبض النحاسي الى الوراء ومن ثم عادت اليه ثانية. 

- ستأقٍ على الفور. 

فتحت سارة الباب ونظرت اليه من طرف عينها. 

- ارحو منك ان تصغي الى ما ستقول» وان تضفي عليها الاحترام اللائق 
بسنها ومكانتها. 

ثم احتفت. غير امها تركت في تلك الكلمات الاخيرة مفتاحا ضروريا. 
وحدس على الفور يمن سيلتقي عما قريب. اها شقيقة رئيسهاء الشاعرة (لن اخحفي 
الاسماء بعد الان) الانسة كريستينا روزيت228. مؤكدا! ألم جد دوما في شعرها 
صوفية محددة عصيّة على الفهم في تلك المناسبات النادرة الى القى فيها نظرة عليه 


(128) كريستينا روزيتي (1830 - 1894): شقيقة (دانتي غبريال روزيتي) بدات نظم الشعر في 
و شعرها كزين في الانناين لمعالجة مضرغة الزوال ويخاضة زوال الاشنياء 
المادية. عانت كثيرا من سوء حالتها الصحية وعاشت ت حياة كئيبة استحوذت عليها فكرة 
نموذج النقاء الروحي الذي يتطلب انكار الذات. كانت النزعة الدينية واضحة في أشعارها 


476 


غموض عنيف» الاحساس بفعل يعوز الى الداحل وينحو منحى انثوياء واذا شئنا 
الصراحة» يتخبط تخبطا لامعقولا فوق حدود الحب الانساني والمقدس؟ 

تقدم صوب الباب وفتحه. كانت سارة قرب باب يقع في اقصى طرف 
فسحة السلالم وتوشك ان تدحل. نظرت من ورائها في حين فتح فاه ليتكلم. غير 
ان صوتا هادئا ما انبعث من الاسفل» وشخصا ما كان يرتقي السلالم. رفعت 
سارة اصبعها الى شفتيها وتوارت عن انظاره داخل الغرفة. 

تردد تشارلز» ثم عاد ادراحه الى داخل المرسم وسار صوب النافذة. وادرك 
الان على من يقع اللوم بسبب فلسفة سارة عن الحياة - انها المرأة الي وصفتها بحلة 
بنش ذات يوم بأنها رئيسة دير الراهبات العاطفيةء العانس المستيرية لحمعية الاخوة 
ما قبل الرافائيلية. كم تمى لو انه لم يأت!ء لو انه احری تحريات اكثر قبل ان يرمي 
نفسه في هذا الموقف البائس! لكن ها هو الانء ووجد نفسه فجأة وقد عقد العزم 
- على نحو لا يخلو من تلذذ رهيب - ان السيدة الشاعرة لا ينبغي لا ان تركب 
رأسها وتصر على فعل ما تريد. فهو عندها قد لا يكون اكثر من ذرة رمل وسط 
ملايين لا تحصى من الذرات» عشبة ضارة في الحديقة اللطيفة ل... 

تنامى الى سمعه صوت. التفت وقد بان الحدوء التام على وجهه. الا انما لم 
تكن الانسة روزيي» بل الفتاة ال ارشدته الى الطابق العلوي» وهي تحمل طفلا 
صغيرا بين ذراعيها. يبدو انها شاهدت الباب نصف مفتوح فما كان منها الا ان 
احتلست النظر وهي في طريقها الى ذلك الجزء من البيت المخصص للاطفال» 
ودهشت اذ رأته منفردا. 

- هل انصرفت السيدة رافوود؟ 

- افهمستن ان... سيدة ترغب في الحديث الي حديثا خاصا. وقد ارسلت في 
طلبها. 
أمالت الفتاة رأسها. 
- ادرك هذا. 
الا انها بدلا من ان تنصرف كما كان تشارلز يتوقع» تقدمت داحل الغرفة 
ووضعت الطفل فوق سجادة قرب مسند اللوحة. تحسست جيب صدريتها 
ووضعت دمية من قماش قرب الطفلء؛ ثم حثت على ركبتيها برهة وجيزة كأفا 


477 


تريد ان تتيقن من ان الطفل في منتهى السعادة. وبلا تحذير» استقامت وسارت على 
نحورشيق صوب الباب في حين وقف تشارلز وقد بانت عليه امارات الحيرة 
والاهانة. 

- اعتقد ان السيدة ستأيّ عما قريب؟ 

التفتت الفتاة وابتسمت ابتسامة صغيرة» ثم القت نظرة سريعة الى الطفل فوق 
السجادة. 

- ستأي. 

ظل تشارلز يحدق عشر ثوان على الاقل بعد ان اغلق الباب. كانت طفلة 
صغيرة ذات شعر اسود وذراعين مک ی وكانت اكبر قليلا من طفل رضيع. 
ويبدو انها اد ركت فجأة ان تشارلر شخصا حيا. فرفعت يدها وسلمته الدمية 
بصوت غير مفهوم. تولد الانطباع لديه بوجود قزحيتين رمادتين هادئتين في وجه 
اعتيادي» وساوره شك يثير الخوف لا يدري ما كنهه... بعد ثانية واحدة» جثا 
قبالة الطفلة من فوق السجادة مساعدا اياها في الوقوف على قدميها غير الثابتتين» 
متفحصا ذلك الوجه مثل عام اثار كشف النقاب عن اول نغوذج لنص قم 
مفقود. اظهرت الطفلة الصغيرة اشارات واضحة على عدم استلطافها هذا الفحص. 
لعله امسك بالذراعين الهشتين على نحو اقوى ما ينبغي. بحث بسرعة عن ساعته» 
مثلما كان قد فعل ذلك يوما ما لما وحد نفسه في ورطه ممائلة. فكان لما نفس الاثر 
الطيب» وبعد بضع لحظات - بات في وسعه ان يرفع الطفلة دون احتجاج ويحملها 
الى احد الكراسي القريبة من النافذة. حلست فوق ركبتيه مركزة اهتمامها في 
لعبتها الفضية» اما هو فكان يركز في وجههاء يديهاء كل بوصة سنتيمتر منها. 

وفي كل كلمة قيلت في تلك الغرفة. اللغة اشبه بحرير متموج الالوان» يعتمد 
كثيرا على الزاوية الى بمسك ها. 

ممع صوت الباب يفتح يهدوءء غير انه لم يلتفت. وبعد لحظة واحدة» 
استراحت يد فوق ظهر الكرسي الخشبي العالي الي كان يجلس فوقها. لم يتكلم 
كما لم يتكلم صاحب اليد» وكانت الطفلة مستغرقة في الساعة مما دفعها الى ان 
تبقى صامتة هي الاخرى. وفي بيت بعيد» بدأت سيدة تعزف البيانو - سيدة عر 
وقتها مرورا بطيكا لأن تنفيذ العزف كان فقيراء لا تكفر عنه سوى المسافة: 


478 


موسيقى المازوركا لشوبان» تنساب من خلال الجدران» من خلال الاوراق ونور 
الشمس» ذلك الصوت المتواصل المهتز هو وحده الذي كان يشير الى التعاقب 
والتوالي» والا كان الامر مستحيلا: لقد استحال التاريخ الى توقف حي» صورة في 
اللجسد. 

غير ان الطفلة الصغيرة بدأت تتململ» فمدت يديها الى ذراعي امها. رفعت 
من مكافهاء رقصت ومن ثم حملت مسافة بضع حطوات. ظل تشارلز يحدق الى ما 
وراء النافذة لحظة طويلة. ثم وقف في مواجهة سارة وحملها. عيناها رزينتان» الا اها 
تبتتسم ابتسامة شاحبة. اصبح الان معرضا للتهكم اللاذ ع» غير انه كان على 
استعداد للسفر اربعة الاف ميل كي لا يتعرض لثل هذا التهكم. 

حاولت الطفلة ان تمد يدها الى الارض بعد ان شاهدت دميتها هناك. انحنت 
سارة قليلاء وتناولت الدمية واعطتها ها. ثم راقبت قليلا استغراق الطفلة في دميتها 
وهي تتکئ على كتفهاء ثم انتقلت عيناها لتستقرا فوق قدمي تشارلز» اذ لم تكن 
تقوى على النظر الى عينيه. 

- ما اسمها؟ 

- لالاج. 

لفظت الاسم مثل تفعيلة شعرية» بتركيز في صوت الحرف (ج). الا انما ظلت 
لا تستطيع رفع عينيها اليه. 

- اققرب مين السيد روزييّ*' ذات يوم وانا قي الشارع. لم اعرف ذلك» 
غير انه كان يراقبي. وطلب مين ان اسمح له ان يرسميي. لم تكن قد ولدت بعد. 
كان في منتهى الشفقة والعطف لما عرف بظروقي. وقد اقترح هو شخصيا الاسم 
وهو عرابما. 

وتمتمت. 


(128) دانتي غبريال روزيتي (1828 - 1882): شاعر ورسام انكليزي ومؤسس جمعية الاخوة 
ما قبل الرافائيلية يحظى باحترام شديد في العصر الراهن بوصفه فنانا استخدم نمطا من 
انماط التعبير الرمزي الذي كان له اثره البالغ في القارة الاوروبية. عاش حياة مضطربة 
ووصفه الناقد (جون رسكين) بانه «ايطالي عظيم تاه في جحيم لندن». صور في اشعاره 
وبخاصة «بيت الحياة» الحب بين الرجل والمراة وصفا ماساويا. (المترجم) 


479 


- اعرف انه اسم غريب. 

- من المؤكد ان مشاعر تشارلز كانت غريبة. ولم تزدد هذه الغرابة الاخيرة 
الا مذا الالحاح الغريب على رأيه في مسألة تافهة في مثل هذه الظروف» كان 
سفينته اصطدمت بشعاب صخرية واذا به يسال عن رأيه في اي افضل مادة لتنجيد 
المقصورة. غير انه وحد نفسه يجيب كأنه تحت تأثير المخدر. 

- انه اسم اغريقي مأحوذ من كلمة (لا لا جيو) وتعبي نخرير مثل خخرير الغدير. 

احنت سارة رأسها كأفها تشكره على هذه المعلومات في اشتقاق الكلمات. 
ما زال تشارلز يتفرس فيها وصواريه تحطم» وصرخات الغرقى في ذهنه. لن يغفر لها 


البتة. ومع حمسها. 
- الا تحبه؟ 
_- اني... 
- ابتلع ريقه. 
= نعم. أسم جميل. 


احنت رأسها ثانية» غير انه لم يستطع الحركة» لم يستطع ان يخلص عينيه من 
استجواهما الرهيب؛ كان مثل رحل يحدق الى مبئ منهار رما كان ليقضي عليه 
وينهي حياته لو انه مر من امامه بعد الحظة واحدة؛ من باب المصادفة» وهب ذلك 
العنصر الذي من المألوف ان تصرف عقلية الانسان النظر عنه» وتتركه في غرفة 
الاسطورة الزائدة عن الحاجة» الجسد في هذا الشخص, هذا الشخص المزدوج 
قبالته. ظلت عيناها خحفيضتان تظللهما الرموش السود. الا انه رأى» او لعله ادرك» 
الدموع في مقلتيها. تقدم حطوتين او ثلاث خطوات بلا ارادة صوها. ثم توقف 
ثانية. لم يستطع» لم يستطع... وانفجحرت الكلمات متدفقة منه على الرغم من انها 
كانت واهنة. 

- لكن لماذا؟ لماذا؟ ماذا لو لم... 

انح رأسها اكثر من ذي قبل. و م يتمكن من فهم جواها. 

- كان لا بد من ذلك. 

وادرك الامر: الامر متروك لله» متروك له ان يغفر خخطيئتهما. بيد انه ظل 
يتفرس في وجهها المتواري عنه. 

480 


- وكل تلك العبارات القاسية الى تفوهت ها... وارغمتي على الرد عليها؟ 

- لا بد من التفوه بها. 

احيرا رفعهت بصرها اليه» عيناها مغرورقتان بالدموع» نظراتها صريحة لا 
ُحتمل. مثل هذه النظرات تلقيناها وشا ركنا فيها لكن مرة واحدة او مرتين في 
حياتنا؛ انها نظرات تذوب فيها عوالم ويتحلل فيها اكثر من ماض» لحظات تتصل 
عندما نعلم في قرار الضرورة الماسة بأن صخرة عصرنا لا يمكن ان تكون سوى 
الحب» في هذا المكان وهذا الزمان» تتصل في هاتين اليدين» في هذا الصمت الاعمى 
الذي يرتاح فيه رأس تحت رأس اخرء صمت يقطعه تشارلز بعد حلود, على الرغم 
من السؤال يأ من بين انفاسه اكثر مما ينطق به من شفتيه. 

هل لي ان افهم يوما ما حكايتك الرمزية؟ 

يهتز الرأس المتكئ على صدره بحماس مكتوم. الحظة طويلة. ضغط الشفتين 
على الشعر الكستنائي. تتوقف عن العزف تلك السيدة غير الموهوبة في ذلك البيت 
البعيد وقد استبد ها الندم بلا ريب (او ربما استبد ها شبح شوبان المعذب البائس). 
اما لالاج» فَتُذَكّر والدها - في الوقت الملائم حقا - ان الف كمان يشبع على نحو 
سريع بلا ضرب» كأن الصمت الرحيم جعلها تفكر في جماليات الموسيقى ودفعها 
الى ان تضرب دميتها المصنوعة من القماش فوق وجنته المائلة. 


481 


61 





النشوء هو ببساطة عملية تتعاون فيها الصدفة (التغير الاحيائي 
العشوائي في لولب الحامض النووي الذي سببه الاشعاع الطبيعيء مع 
القانون الطبيعي لخلق اشكال حيّة مكيّفة للبقاء حيّة على نحو افضل 
وافضل. 

مارتن غاردنر: الكون البارع 1967 


التقوى الصحيحة هي ان يفعل المرء ما يعرفه. 
ماثيو ارنولد: دفاتر ملاحظات 1866 


من القواعد الى اثبتها الزمن في حرفة الروائي الا يقدم البتة في فاية الكتاب 
سوى بعض الشخصيات الثانوية جدا. اعتقد ان من الحائز ان نغفر تقديم لالاج. 
الا ان الشخص المهم حدا على ما يبدو الذي كان في اثناء المشهد الاخير ينحني من 
فوق حاجز السدة قي الحهة المقابلة للطريق الممتد من (16 شيئ ووك) - وهو بيت 
السيد (داني غبريال روزيي) الذي اصيب بالكوليرا وتوقي بسببها لا بسبب تعاطيه 
الافيون - قد يبدو اول وهلة وهو بمثل خرقا حطيرا لتلك القواعد. انا لم ارغب في 
تقديمه. لكن .ما انه ذلك النمط من الاشخاص الذين لا يستطيعون البقاء حارج 
الاضواءء ومن النمط الذي يسافر في مقاعد الدرجة الاولى والا فلا يسافر البتة» 
والذي ثل الضمير الاول عنده الضمير الوحيد» وباختصارء تتملكه اول الاشياء 
وما انني رجحل يرفض التدحل في الطبيعة (حن اسوأ طبيعة)» فإنه رجحل ادخل نفسه - 
او كمامن شأنه ان يعبر هو - ادحل نفسه كما هو عليه. لن اسهب في الايحاء 
بأنه ادحل نفسه سابقا لا كما هو عليه حقاء ولهذا فهو ليس بشخصية جديرة 
البتة؛ ولكن اطمئن» فهذه الشخصية ثانوية تماما على الرغم من المظاهر - وضئيلة 
مثل ذرة من ذرات اشعة غاما. 

كما هو عليه حقا... وكما هو مزاجه الحقيقي فذلك ما لا ييعث على 
السرور. فاللحية الى كانت ذات يوم لحية ابوية» كاملة تضاءلت الان لتصبح لحية 


482 


غندور» ومتفرنسة. وهناك مسحة واضحة من البهرجة الصارخة في الثياب» في 
الصدرية الصيفية المزركشة على نحو مسرف» في الخواتم الثلاثة الي تزين اصابعه» 
السيجار الرفيع الطويل في مبسمه العنبري» والخيزرانة ذات الرأس المعدي. يظهر 
عليه انه ترك الوعظ واهتم بالاوبرا ذات الموضوعات الحادة والغناء المستمر» وكان 
في الاوبرا افضل مما هو في الوعظ. باختصار» هناك اكثر من مسحة تدل على انه 
متعهد حفلات فنية ناجح. 

الان» وفي حين يسند نفسه الى الحاحز» يضغط على حافة انفه ضغطا خحفيضا 
بين خنصره واصبعه الوسطى المطوقين بخاتمين. ويتملك المرء الانطباع انه لا يستطيع 
احتواء متعته. فيحدق الى الوراء صوب بيت السيد روزيي؛ وعسحة تملك كأنه 
مسرح حديد اشتراه توا وعلى ثقة تامة بانه يستطيع ان بملأه. في هذا المنحى» لم 
يتغير: فهوء على ما يتضح» ينظر الى العام بوصفه عالما يملكه ويوظفه حسبما 
يشاء. 

الا انه اتتصب. لقد كان التسكع في تشيلسي فترة ممتعة» بيد ان اعمالا اكثر 
اهمسية تنتظره. يخرج ساعته ويختار مفتاحا صغيرا من بين مفاتيح كثيرة مربوطة في 
سلسلة ذهبية ثانية. يعدل الوقت» ويبدو انه متقدم على الوقت بربع ساعة على 
الرغم من ان ذلك غير مألوف في ساعة من صنع اعظم صانعي الساعات. وما 
يزيد في الامر غرابة» انه لا توحد ساعة مرئية بمكن ان يكون قد اكتشف من 
خلالما الخطا في ساعته. الا انه يمكن التكهن بالسبب. فهو يوفر على نحو حقير 
لنفسه عذرا لتأحره عن موعده التالي. فهناك نمط من الاسياد الذين لا يستطيعون 
تحمل ظهورهم على خطا حى فيما يخص اتفه المسائل. 

اشار اشارة حاسمة بعصاه صوب عربة تنتظر على بعد مائة ياردة (91 مترا) 
منه. فتهادت صوب حافة الرصيف القريبة منه» ويقفز منها مساعد الحوذي ليفتح 
الباب. يصعد متعهد الحفلات» يجلس» يتكئ على نحو يوحي بالعظمة الى الوراء 
فوق الجلد القرمزي ويصرف النظر عن البساط الموسوم بالرسوم الذي يعرضه 
مساعد سائق العربة قرب ساقيه. ثم ينحين ويغلق الباب وينضم الى رفيقه الجالس في 
مقعد الحوذي. وتصدر التعليمات في حين يلمس سائق العربة قبعته ذات الشريط 
قيض اة 

483 


وتبتعد مر كبة الاغنياء على نحو رشيق. 

- لاء كما قلت أنا. فأنت لم تغرسي الخنجر في صدري حسب» بل طاب 
لك ان تحر كيه فيه حركة دائرية. 

وقفت الان محدقة الى تشارلز» كأنها بحرم عنيد يننظر قرار الحكم» على غير 
ارادتماء بل مسحورة. ونطق بالحكم. 

- سيان اليوم الذي تسألين فيه عما فعلته في. واذا كانت السماء عادلة فإن 
عقابك لن ينتهي الى الابد. 

تردد ثانية اخيرة» وجهه اشبه بجدار سد يوشك ان ينهارء اذ كان ثقل الندم 
يضغط ضغط هائلا في الاعماق» غير انه اغلق فمه واستدار على عقبيه وسار 
صوب الباب بالسرعة نفسها الى تبين فيها انها مذنبة. 

- سيد عيئسون! 

حطا خطرة او خطوتين» توقفء القى نظرة اليها من طرف عينه ومن ثم 
حدق الى اسفل الباب قبالته على نحو عنيف لا يرحم. مع حفيف ثيابها الخفيف 
وهي تقف من ورائه. 

- اليس هذا دليلا على ما قلته تواء الافضل لو لم نلتق ثانية؟ 

- ان منطقك يفترض ان عرفت طبيعتك الحقيقية؛ الا اني لم اعرف. 

- اواثق انت؟ 

- ظننت سيدتك في بلدة لام امرأة انانية» متزمتة. اما الان فادرك انها قديسة 
مقارنة برفيقتها. 

- ولا يتعين علي ان اكون انانية اذا ما قلت ان في وسعك ان تتزوجيئ مع 
العلم اني لا استطيع ان احبك كما ينبغي للزوجة ان تحب. 

نظر اليها تشارلز نظرة جامدة. 

- مر وقت تحدثت فيه عي بوصفي ملاذك الاخير» بوصفي الامل الوحيد 
الباقي لك في هذه الحياة. حسنا جدا. لكن لا تحاولي الدفاع عن نفسك فهذا ما 
يزيد الطين بلة. 

فكر في ذلك طيلة الوقت: فكر في ذلك النقاش القوي على الرغم من انه 
النقاش الاكثر مدعاة للاحتقار. ولا كان قد قال ما قال» فانه لم يستطع ان يخفي 


484 


ارتباکه» بعد ان عيل صبره ولم يبق في قوس صبره منز ع» على الاقل» فيما بخص 
شعوره بالغضب الجامح. نظر اليها نظرة اخيرة معذبة ثم ارغم نفسه على السير الى 
امام لفتح الباب. 

- سيد ميثسون! 

ثانية! 

شع الان بيدها فوق فراع مرة ثانية يقف مكتوف اليدين» كارها تلك 
اليد» وضعفه في السماح لها ان تشله. ظهرت كأفا تحاول ان تقول له شيئا ما لا 
تستطيع ان تعبر عنه بالكلمات. على الارحح» لا اكثر من اشارة ندم او اعتذار. 
على الرغم من ذلك فلو كان الامر كذلك» فإن يدها كانت لتسقط حالما لمسته. 
وهذه ما عطله لا على نحو نفسي حسبء بل وبدني ايضا. وعلى نحو بطيء جدا 
التفت ونظر اليهاء وراى لدهشته؛ ان في عينيهاء ان ا م > شبح 
ابتسامة» شبحا من ذلك النمط الذي عرفه من قبلء .منتهى الغرابة» لما فاجأهما سام 
وماري تقرييا. اكانت مقارقة علدا قالت له الا ينظر إل الحياة نظرة جادة كدر عا 
ينبغي؟ اهو تلذذ احير بتعاسته؟ لکن ها هي ثانية» ففي حين كان ينقب فيها بعينيه 
الحزينتين الساحطتين تماما كان ينبغي لما ان تخفض يدها. الا انه على الرغم منذ 
لك ظل يشعر بضغطها على ذراعه» كأما تقول انظرء الا تحد ان هناك حلا؟ 

عثر عليه. نظر الى اسفل صوب يدهاء ثم رفع بصره ثانية الى وجهها. وعنتهى 
البطء توردت وجنتاهاء كأنما لترد بذلك عليهء وتلاشت الابتسامة من عينيها. 
سقطت يدها الى جانبها. وظلا يحدقان الى بعضهما بعضا كأن ثيابهما سقطت من 
على جسديهما وباتا عاريين. الا ان العري كان في ظنه مرضيا اكثر منه جنسياء 
بتكام و SEE‏ بحث في عينيها عن دليل يشير الى 
نياهًا ١‏ لحقيقية ولم جحد سوى روح على استعداد للتضحية بكل شيء سوى نفسها 
- على ابعناد لتخا عن ال والمشاعر وعلى الارجحح كل التواضع الانثوي 
من احل انقاذ نزاهتها. وشعر لبرهة انه معرض للاغواء في تلك التضحية الحتملة 
النهائية. في وسعه ان يشاهد خوفا من وراء المعرفة الواضحة الان بأنها قد قامت 
بحركة زائفة. وان قبول عرضها بصداقة افلاطونية - حي لو كانت يوما ما غير 
موقوفة لغرض نبيل - من شأنه ان يؤذي مشاعرها كل اذى. 


485 


الا انه مانن ادرك ذلك حي فهم حقيقة مثل هذا الترتيب - انه سيصبح 
الاض حوكة السرية في هذا البيت الفاسد» العاشق» المتمسك بالرسميات» الحمار 
الصغير. وادرك تفوقه الحقيقي عليهاء وهو تفوق ليس مصدره المولد ولا الثقافة ولا 
الذكاء ولا الجنس» بل القدرة في العطاء الى هي ايضا العجز عن المساومة. انها لا 
تستطيع ان قب الا لكي تمتلك. وان امتلاكه - سواء كان ما هو عليه او لأن 
التملك كان من القوة في اعماقها ما يجعله متجددا على نحو مستمرء وانه لا يمكن 
اشباعه بانتصار واحد فقطء سواء... الا انه ما كان يدري وما من شأنه ان يدري 
ابدا - ان امتلاکه لم يكن كافيا. 

وادرك احيرا انها عرفت انه سيرفض. لقد استغلته منذ البداية ولسوف تفعل 
ذلك حي النهاية. 

نظر اليها نظرة رفض اخيرة مستعرة ثم حرج من الغرف. لم تبذل اي محاولة 
اخرى المنعه. حدق الى الامام مباشرة كأن اللوحات المعلقة على الجدران الى مر ما 
اعدادا كبيرة من مشاهدين يلفهم الصمت» لقد كان الرحل الشريف الاخير في 
الطريق الى المقصلة. كانت لديه رغبة كبيرة في البكاءء الا ان ما من شيء سينتزع 
الدمع من عينيه في ذلك البيت. ان يبكي بصوت عال. وفي حين وصوله الى 
الردهة» بانت الفتاة الي سبق لما ان ارشدته الى الطابق العلوي من احدى 
الحجرات» ممسكة بطفل صغير بين ذراعيها. فتحت فمها كي تتكلم, الا ان نظرة 
تشارلز الجامدة» الوحشية اسكتتها. وغادر المنزل. 

ولا وصل البوابة - اصبح المستقبل حاضرا - اكتشف انه لا يدري الى اين 
يذهب. كأنه وحد نفسه ولد من جديد على الرغم من امتلاكه كل ذكرياته 
وملكاته الخاصة بالبالغين. الا ان احساس الطفل العاحز انتابه - لا بد ان يبدا من 
حديد» لا بد ان يتعلم ثانية! عبر الشار ع على نحو مائل» بتهور» دون ان ينظر نظرة 
واحدة من ورائه واتحه صوب السدة. كانت مهجورة» باستثناء عربة تترنح على 
بعد مسافة وتوارت عن الانظار لدى وصوله حاجز السدة. 

حدق لى الاسفل صوب النهر الرمادي الذي يقبض الصدر الان بفعل المد 
العالي دون ان يدري لذلك سببا. كان ذلك يعي العودة الى اميركا. كان يعي 
اربعة وثلاثين عاما من الصراع من اجل الوصول الى الاعلى - كلها بلا طائل؛ بلا 

486 


طائل» بلا طائل. كل شيء ضاع. كان يعي انه واثق من هذا الشيء: عزوبية 
القلب التامة مثل عزوبيتها. كان يعين» كما كانت تعن كل الاشياء» التطلع الى 
المستقبل واستعادة الماضي معا اخحذا يلفانه مثل اهيار حليدي اسود كاسح. والتفت 
احيرا ونظر من ورائه الى البيت الذي غادره. فبدت له ستارة شبكية بيضاء قد 
اسدلت من وراء احدى النوافذ المفتوحة في الطابق العلوي. 

الا ان ذلك محرد مظهر» حركة عابثة لريح أيار/مايو. فقد بقيت سارة في 
المرسم» محدقة الى الحديقة من تحتهاء الى طفل وامرأة شابه» لعلها ام الطفل» يجلسان 
من فوق العشب وينهمكان في صنع اكليل من ورد الاقحوان. ثمة دموع في عينيها؟ 
انها بعيدة على نحو لا بعكنيْ من تمييز ذلك مثلما لا استطيع ان اميز ظلا من وراء 
ضوء طالما ان زجاج النافذة يعكس توهج سماء الصيف. 

من المؤكد ان تفكر ان رفض قبول العرض الذي كانت توحي به تلك اليد 
الي كانت تعطله انما هو احر حماقة من حماقات تشارلز» فهو كان ينم على الأقل 
على ضعف محدد في النهاية في موقف سارة. رما تظن انها كانت على حق: ان 
معركتها من احل الارض كانت انتفاضة شرعية قام ها الخاضعون للغزو ضد 
الغازي الدائم. الا ان الشيء الذي يجب ان لا تفكر فيه هو ان هذه النهاية 
لقصتهما هي الاقل مدعاة للرضا. 

فأنا قد رجعت الى مبدإي الاول على الرغم من ان هذا الرحوع ينحو منحى 
ملتويا: لا يوجد من يتدحل باستثناء الاشياء الي نراهاء على ذلك النحو» من اول 
عبارة استهلالية حي هذا الفصل. وهكذا لا توحد سوى الحياة الي صنفناها نحن 
- ضمن قدراتنا المحفوفة بالمخاطر - الحياة الي كما عرفها ما ركس بأنها «افعال 
الانسان (وافعال النساء) بحثا عن غاياتهم». ان المبدأ الاساس الذي ينبغي ان يوجه 
هذه الافعال» المبدأ الذي اعتقد انه وحه سارة دوماء هو المبدأ الذي وضعته بوصفه 
العبارة الاستهلاليه الثانية. ان الوجودي المعاصر بلا ريب سيحل كلمة «الانسانية» 
او «المصداقية» محل «الورع»» الا ان من شأنه ان يدرك قصد ارنولد. 

ان مر الحياة» فر القوانين الغامضة والاختيار الغامض» يمر من امام سدة 
مهجورة؛ وعلى امتداد تلك السدة المهجورة يبدأ تشارلز الان يخطو حطواته» رحلا 
من وراء عربة مدفع غير مرئية مسجى عليها جثمانه يسير صوب صوت وشيك 


487 


اختياري؟ لا اعتقد. فهو قد وجد احيرا ذرة من الابمان في نفسه» تفردا حقيقيا يبي 
من فوقه. لقد بدا توا يدرك - على الرغم من انكاره وعلى الرغم من الدموع 
المترقرقة في مقلتيه الى تدعم افكاره - ان الحياة ليست رمزا بغض النظر عن محاولة 
سارة لأن تبدو مناسبة لدور ابي المول» الحياة ليست احجية واحدة واحفاقا 
واحدا ينبغي التكهن به» لا تحتوي على وجه واحد فقط او يتم التخلي عنها بعد 
رمية واحدة خاسرة للزهر. ان الحياة لا بد من تحملهاء على الرغم من كوما غير 
مناسبة: فارغة» بلا املء في قلب المدينة الحديدي. وهناك مرة احرى»ء فوق ذلك 
البحر الذي لا يسبر غوره» المالم» الباعث على النفور. 


488 





امرأة الضابط الفغرنسي 


تبدو الكتابة في هذه الرواية وكأنها تمر بين يدي روائي يهتم اهتماماً شديداً بمشكلات العصر 
الفكتوري وبالوقوف «بين عالمين: الأول عالم ميت والثاني لا يقوى على الولادة»» كما يقول ماثيو 
أرنولد. ويهتم كذلك بالعلاقة بين الحاضر الذي هو ماض في الرواية والمستقبل الذي هو الحاضر 
في الروايةء والعلاقة بين موروث الرواية الفكتوري المثير 
للاعجاب والوضع ف القرن العشرين الذى حعل من المستحيل 
الكتابة في داخله. 

يمكن اعتبار رواية «امرأة الضابط الفرنسي» رواية ذكية تكشف 


John Fowles 


HEED ص‎ E E E لكان‎ e 
Woman رواية ليبرالية معمارها يقوم في الأساس على أساليب الواقعية‎ 
الأخلاقية والتأويل الأخلاقي الذي ينتمي إلى أسلوب القرن‎ 
التاسع عشير. وبهذاء فإن الرواية توسع مدى البصيرة‎ 
الأخلاقية والوعي الاجتماعي الذي نحصل عليه من قراءة جورج‎ 
النوت على ستل امال لصح مضافا إلى شكل اكثر حداكة من‎ 
أشكال التصور تساعدنا في ذلك المعرفة التاريخية المتزايدة والمشاعر الطيبة القياضة.‎ 





ISBN 978-9953-87-617-7 

المعارف العامة 

الفلسفة وعلم النقس @ 

الديانات س 

3 
اللفات 

8 5000 -. ORT O I 
نمت الدارالعربية للعلوم ناشرون‎ EE 
05 5 5 إل و اپ ی‎ 
Arab Scientific Publishers, Inc. 


الآادب 


التاريخ والجغرافيا وكتب السيرة www.asp.com.lb - www.aspbooks.com LSALIMA‏ 789953876177" 9